س364: هل بنى السيد المسيح كنيسته على بطرس الرسول عندما قال له: "أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي" (مت 16: 18)، وبهذا أصبح بطرس رئيسًا للرسل؟ (راجع حاشية العهد الجديد - طبعة دار المشرق - بيروت (مت 16: 18)، والأب بولس نصير - الرئاسة البابوية ص13، والأب مكسيموس كابس - إيماننا القويم جـ 1 ص81، ص88).
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "عليك يا بطرس أبني كنيستي. أية كنيسة؟ كنيسة يسوع. ماذا أراد يسوع، ماذا ينتظر منا اليوم؟ يريدنا أن نبني شرط المحافظة على الإيمان به والوحدة بيننا.
أعلن بطرس إيمانه: "أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الْحَيِّ ". فقال يسوع " عليك أبني ". لقد كتب الإنجيل ما كتب في ضوء القيامة، فكان كلامه حقيقة صلبة عليها يبني بناء لا يتزعزع وإن تنوعت مواده" (990).
ج: سبق مناقشة جانب من هذا الموضوع في إجابتنا على التساؤل: هل ورود اسم بطرس في مقدمة قائمة الرسل (مت 10: 2) يُعد دليلًا على رئاسة بطرس؟ وذكرنا أدلة عديدة على استحالة رئاسة بطرس على أخوته الرسل مثل وصية الرب لتلاميذه: "إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ" (مر 9: 35)، وأن بطرس الذي مدحه الرب وطوَّبه على اعترافه، فأنه عندما أخطأ وبخه الرب بشدة (مت 16: 23)، وعندما قبلت السامرة الإيمان أرسله الرسل مع يوحنا للسامرة (أع 8: 14)، وعندما وقع في خطية الرياء قاومه بولس الرسول علانية (غل 2: 11)، وبطرس اعتبر نفسه رفيقًا وشريكًا للرسل وليس رئيسًا عليهم (1 بط 5: 1) وساوى بين إيمانه وإيمان جميع المؤمنين: "سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ إِلَى الَّذِينَ نَالُـوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا" (2 بط 1: 1) وكما أُعتبر بطرس رسول الختان أُعتبر بولس رسول الأمم، وأُعتبر بطرس الرسول مع يعقوب ويوحنا أعمدة متساوون في الكرامة (غل 2: 9)، وسجل اسم بطرس الرسول مع بقية الرسل على أساسات أورشليم السمائية بدون أدنى تمييز (رؤ 21: 14).. إلخ (راجع س318).
وأيضًا في كتابنا: "يا إخوتنا الكاثوليك... متى يكون اللقاء" جـ2 سبق مناقشة قضية رئاسة بطرس التي تتمسك بها كنيسة روما بالتفصيل من خلال النقاط الآتية:
س2: هل شاء السيد المسيح أن يُقِيم رئيسًا للرسل؟
س3: هل طبيعة بطرس الحماسيَّة تعنى رئاسته؟
س4: هل فاق بطرس إخوته الرسل في شيء؟
س5: هل ورود إسم بطرس أولًا في الإنجيل إشارة إلى رئاسته؟
س7: هل تحذير السيد المسيح لبطرس ومطالبته بتثبيت إخوته بعد رجوعه يعنى رئاسته؟
س8: هل قول الملاك للنسوة "وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ" (مر16: 7) يعنى رئاسة بطرس؟
س9: هل قال السيد المسيح لبطرس "ارع غنمى" ثلاث مرات لأنه هو المسئول عن الكنيسة الجامعة وهو رأسها؟
س10: هل ورد بكتُبنا الطقسية ما يؤيد رئاسة بطرس؟
س11: إن كان السيد المسيح لم يضع نظام الرئاسات فمن أقام رؤساء للكراسي الرسولية؟
(راجع كتابنا: يا إخوتنا الكاثوليك متى يكون اللقاء؟ جـ 2 أضواء على آراء - الفصل الثاني: رئاسة بطرس الرسول ص31 - 63).
ولضيق المجال نكتفي هنا بمناقشة التساؤل السادس من التساؤلات المذكورة آنفًا: كيف نفهم قول السيد المسيح: "أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي" (مت 16: 18):
1ــ بادئ ذي بدء نقول أن كلمة " الصَّخْرَةِ " ذُكرت مرات عديدة في الأسفار المقدَّسة وهيَ تشير للَّه وليس للإنسان: "وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا" (1 صم 2: 2).. " الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي" (مز 18: 2).. " وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ سِوَى إِلهِنَا" (مز 18: 31).. " إِنَّمَا هُوَ صَخْرَتِي وَخَلاَصِي مَلْجَإِي" (مز 62: 2، 6، 7).. " هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا" (مز 95: 1).. " مُبَارَكٌ الرَّبُّ صَخْرَتِي" (144: 1) فالصخرة في الكتاب المقدَّس كله تشير للَّه وليس لإنسان (راجع تث 32: 4، 15، 18، 30، 31، 37، 1 صم 2: 2، 2 صم 22: 2، 32، 47، 23: 3، مز 19: 14، 28: 1، 31: 2، 3، 42: 9، 71: 3، 73: 26، 94: 22، إش 17: 10، 30: 29، 44: 8، حب 1: 12، رو 9: 33).
ويقول "وليم ماكدونالد": "فالسؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه هو: "من يقصد يسوع بالصخرة، أو ما المقصود بها؟ " ويتوقف جزء من المشكلة التفسيرية على التشابه القائم بين الكلمتين اليونانيتين المترجمتين بطرس، والصخرة، رغم الاختلاف في معنى كل منهما، فالكلمة الأولى (بطرس) Petros تعني حصاة أو مجرد حجر، في حين أن الثانية (صخرة) Petra تعني صخرة، أي جزءًا من سلسلة صخرية. ففي الحقيقة ما يقوله المسيح لبطرس هو التالي: ".. أَنْتَ بُطْرُسُ (أي حجر) وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي ". فيسوع لم يقل أنه سيبني على حجر بل على صخرة.
ما دامت الصخرة لا تشير إلى بطرس، فإلام تشير؟
إذا نظرنا جيدًا إلى سياق كلام النص نرى أن الصخرة هيَ اعتراف بطرس بأن يسوع هو المسيح ابن اللَّه الحي، وهذه هيَ الحقيقة الإلهيَّة التي بُنيت عليها الكنيسة. وفي (أف 2: 20) نتعلم أن الكنيسة بُنيت على يسوع المسيح الذي هو حجر الزاوية. أما تصريح بولس بأننا مبنيون على أساس الرسل والأنبياء، فهو لا يشير إليهم شخصيًا بل إلى التعاليم الرسولية المختصة بالمسيح التي أُسّست الكنيسة عليها" (991).
ويقول "مورجان" Morgan: "لنتذكر أن يسوع كان يتحدث إلى يهود. فلو نظرنا إلى استخدام الكلمة المجازي في الكتابات المقدَّسة العبرية لوجدنا أن عبارة الصخرة لم تُستخدم إطلاقًا بمعناها المجازي للإشارة إلى إنسان. لكن كانت تشير دائمًا إلى اللَّه. وهكذا فإن تصريح المسيح في قيصرية فيلبس لا يعني أن المسيح سيبني الكنيسة على بطرس. فيسوع لم يحوّر الصور المجازية اليهودية، بل استخدم استعارة عبرية كانت الصخرة فيها إشارة دائمة إلى اللَّه، وهكذا قال على اللَّه نفسه، أي يسوع ابن اللَّه، أبني كنيستي" (992).
إذًا بطرس الرسول ليس صخرة ولكنه عين تفيض، فالصخرة التي شرب منها بنو إسرائيل نبع منها اثنى عشر عينًا إشارة للرسل الاثنى عشر، وإيمان بطرس الرسول هو نفس إيمان بقية الرسل، فقال الكتاب: "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أف 2: 20) والمقصود بأساس الرسل أي إيمانهم وليس أشخاصهم، وحجر الزاوية هو الصخرة: "وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ" (1 كو 10: 4)، فالصخرة هيَ حجر الزاوية، وقال الرب يسوع: "أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَة" (مت 21: 42)، وهذا هو إيمان بطرس الرسول نفسه وإقراره أكثر من مرة قائلًا: "هذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَة" (أع 4: 11).. " هنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَارًا كَرِيمًا وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى. فَالْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ" (1 بط 2: 6، 7)، فالصخرة هيَ حجر الزاوية المختار الكريم هو الرب يسوع ذاته وليس سواه، لأنه هو وحده الذي نشأت الكنيسة على أكتاف صليبه. ولاحظ قول السيد المسيح: "وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي" فنسب الكنيسة لنفسه، فهيَ كنيسة المسيح وليست كنيسة بطرس أو أحد من الرسل، والرب يسوع هو الذي يبني الكنيسة بروحه القدوس العامل فيها، حتى تصير النفوس التي تخلص حجارة حية كقول معلمنا بطرس الرسول: "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا" (1 بط 2: 5)، وكقول لسان العطر بولس الرسول: "وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللَّه بِنَاءُ اللَّه: (1 كو 3: 9) وهذه الحجارة الحية مبنية على الأساس، والأساس هو السيد المسيح وحده: "فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1 كو 3: 11).
ويقول "دكتور وليم إدي": "هذِهِ الصَّخْرَةِ: الصخرة هنا ترجمة (Petra) " بيترا " في اليونانية وهيَ مؤنثة ومعناها في إصطلاح اليونان الصخرة العظيمة الثابتة في مكانها الطبيعي، و(Petros) "بطرس" مُذكّر ومعناها عندهم صخر أو جزء من صخرة يمكن الإنسان حملها"(993).
2ــ نعم بطرس الرسول هو الذي نطق بالاعتراف الحسن: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الْحَيِّ "، وهنا يجدر بنا أن نسجل ملاحظتين:
أ - ليس بطرس الرسول وحده الذي أعلن هذا الإيمان القويم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بل أن "يوحنا المعمدان" قال: "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِـدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللَّه" (يو 1: 34)، وأيضًا " نثنائيل " قال: "يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّه! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ.." (يو 1: 49، 50)، فلماذا لم يبني السيد المسيح كنيسته على يوحنا المعمدان أو نثنائيل مع أن اعترافهما مساوٍ لاعتراف بطرس الرسول؟!! ولا ننسى أنه بعد معجزة تهدئة البحر: "وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللَّه" (مت 14: 33)، ومرثا أخت لعازر أعلنت ذات الإيمان قائلة: "أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الآتِي إِلَى الْعَالَمِ" (يو 11: 27)، ولانجينوس وجنوده أعلنوا ذات الإيمان: "وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوْا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللَّه" (مت 27: 54).
ب - أوضح السيد المسيح أن بطرس ليس لديه أفضلية في إعلان هذا الإيمان لأن اللَّه الآب هو الذي أعلنه له: "فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَات" (مت 16: 17).
ولذلك فنحن لا نستطيع أن نوافق على قول "الأب مكسيموس كابس" في قوله: "إن هذه الشهادة - إيمان بطرس - تُميّز بطرس عن سائر الرسل لأنه أكثر الرسل إيمانًا بالمسيح ".
3ــ الرب يسوع الذي وهب بطرس الرسول مفاتيح ملكوت السموات أي سلطان الحل والربط أعطى نفس السلطان لتلاميذه قائلًا: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ" (مت 18: 18) (راجع يو 20: 22، 23) ومارس بولس الرسول هذا السلطان مع خاطئ كورنثوس (1 كو 5: 15). وإن كان بطرس أخذ أولًا مفاتيح الملكوت فذلك لأنه سيكون أول من يكرز لليهود (أع 2: 14 - 36) وأيضًا أول من سيكرز للأمم (أع 10).
4ــ عندما ذكر كل من مرقس ولوقا اعتراف بطرس بألوهية السيد المسيح (مر 8: 29، لو 9: 20) لم يذكر أي منهما تطويب السيد المسيح لبطرس ولا قوله له: "أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي" (مت 16: 18) بل أعقب كل منهما اعتراف بطرس بإنتهار السيد المسيح: "فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ" (مر 8: 30)،.. " فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذلِكَ لأَحَدٍ" (لو 9: 21). فلو كان القصد من عبارة المسيح أن يبني الكنيسة على بطرس: "أَنْتَ بُطْرُسُ... " ما كان يتغافلها كل من القديس مرقس والقديس لوقا.
5ــ لو أقام السيد المسيح بطرس رئيسًا على الرسل ما كانوا يتحاجون عمن هو الأعظم فيهم: "وَإِذْ كَانَ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُمْ بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فِي الطَّرِيقِ. فَسَكَتُوا لأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي الطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي مَنْ هُوَ أَعْظَمُ" (مر 9: 33، 34)، وأيضًا لم يكن بطرس الرسول هو الوحيد الذي تحدث بِاسم الرسل، بل في مواقف أخرى تحدث بعض الآباء الرسل بِاسم جميع الرسل، فمثلًا "يوحنا الحبيب" قال للسيد المسيح: "يَا مُعَلِّمُ رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِاسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنـَاهُ" (مر 9: 38)، وقال "توما": "يَا سَيِّدُ لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ" (يو 14: 5)، وقال "فيلبس": "يَا سَيِّدُ أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا" (يو 14: 8)، وقال "يهوذا ليس الإسخريوطي": "يَا سَيِّدُ مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ" (يو 14: 22). ويقول "متى هنري": "كان طبع بطرس يدفعه ليكون هو المتقدم في كل المناسبات المماثلة، وكان يحسن الكلام أحيانًا ولا يحسنه أحيانًا أخرى. في كل الجماعات يوجد أشخاص مندفعون، هؤلاء يسبقون غيرهم في الكلام بطبيعة الحال، وقد كان بطرس من هذه العينة. ومع ذلك فأننا نجد غيره من الرسل يتكلم نيابة عن الباقين كيوحنا (مر 9: 38) وتوما وفيلبس ويهوذا (يو 14: 8، 22). ولذلك فمن المستحيل أن يكون هذا دليلا ًعلى رياسة بطرس على سائر الرسل كما تدَّعي كنيسة روما. كان يجوز اعتباره رئيسًا لكل الجماعة لو كان قد تكلم بِاسمها في كل المناسبات، أما وقد تكلم بِاسمها في هذه المناسبة فقط فهذا ما لا يجوز قط" (994).
6ــ لم يقل أحد من الآباء القديسين في القرون الأولى برئاسة بطرس الرسول، فيقول "العلامة أوريجانوس": "إن كنت تظن أن جميع الكنيسة مبنية على بطرس وحده فماذا تقول عن يوحنا ابن الرعد؟! وفي كل واحد من الرسل؟! هل تجسر أن تقول أن بطرس وحده أن أبواب الجحيم لن تقوى عليه وأنها تقوى على بقية الرسل؟! ألعل مفاتيح ملكوت السموات معطاه لبطرس وحده من الرب وليس أحد من المغبوطين الآخرين تسلمها" (995).
ويقول "القديس كيرلس الكبير": "إني أظن أن لفظة " بيترا " ليست بشيء سوى أمانة التلميذ الثابتة الغير المتزعزعة المؤسَّسة عليها كنيسة المسيح ولن تقوى عليها أبواب الجحيم إلى الأبد" (996).
ويقول "القديس يوحنا ذهبي الفم": "على هذه البيترا أبني بيعتي. لا يقول على بطرس، لأنه بنى كنيسته لا على الرجل بل على إيمانه، وماذا كان هذا الإيمان؟ أما هو هذا (أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الْحَيِّ)" (997).
ويقول "القديس أغسطينوس": "إنه لم يقل له أنت صخرة tu es Petra بل أنت بطرس tu es Petrus، فإن الصخرة كانت المسيح (1 كو 10: 24) التي اعترف بها سمعان كما لو اعترفت الكنيسة كلها، لذلك دُعي " بطرس ".." (998).
كما يقول "القديس أغسطينوس" أيضًا: "إن الكنيسة مؤسَّسة على البيترا التي منها أخذ بطرس اسمه، لأنه ليس البيترا من بطرس بل هو منها، كما أن اسم المسيح ليس هو من المسيحي بل المسيحي من المسيح، فلذلك يقول الرب: "إني على هذه البيترا أبني بيعتي "، لأن بطرس قال " أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الْحَيِّ "، وهكذا قال المسيح وعلى هذا الأساس كان بطرس مبنيًا، لأن ليس أحد يستطيع أن يضع أساسًا غير الموضوع وهو يسوع المسيح. وهكذا الكنيسة التي هيَ مؤسَّسة على المسيح قبلت منه بواسطة بطرس مفاتيح ملكوت السموات التي (هيَ) ربط الخطايا وحلها، وكما أن الكنيسة في المسيح بالحقيقة هكذا بطرس في البيترا في الشبه والمعنى" (999).
7ــ لقد أعلن "الأسقف ستروسمير" الكاثوليكي كلمة الحق في المجمع الفاتيكاني الأول عندما قال: "أنكم بكلمة الصخرة Pietra التي عليها بُنيت الكنيسة المقدَّسة تفهمون بطرس Pietra... مار كيرلس (عمود الدين) في كتابه الرابع عن الثالوث المقدَّس يقول: أنا أؤمن أنه يجب أن تفهموا بالصخرة إيمان الرسل غير المتزعزع، ومار أيلاري أسقف بواكتيار في كتابه الثاني يقول أن الصخرة Pietra هيَ صخرة الإيمان المباركة الوحيدة. الإيمان الذي به أقرَّ مار بطرس، وفي المجلد السادس يقول أن الكنيسة مبنية على صخرة الإقرار بالإيمان هذه. وقال مار أيرونيموس في كتابه السادس على إنجيل متى أن اللَّه أسَّس كنيسته على هذه الصخرة التي هيَ الإقرار، وأنه من هذه الصخرة تَسمى الرسول بطرس، وفم الذهب يقول في مقالته الثالثة والخمسين على إنجيل متى أنه بقوله على هذه الصخرة أبني كنيستي يعني على إيمان الإقرار، وأما إقرار الرسول فهو هذا { أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الْحَيِّ }، وأمبروسيوس رئيس أساقفة ميلان في قوله على الأصحاح الثاني من الرسالة إلى أهل أفسس، وباسيليوس السلوكي... يعلمون هذا التعليم عينه... قال (أوغسطينوس) في موعظته الثالثة عشرة: أنت بطرس على هذه الصخرة التي أقرَّرت بها. على هذه الصخرة التي عرفتها قائلًا: { أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه الْحَيِّ }. نعم. على هذه الصخرة سأبني كنيستي. أي على نفسي وأنا ابن اللَّه الحي. أنني سأبنيها على نفسي، ولا أبني نفسي عليك. والذي أعتقده مار أوغسطينوس في معنى هذه الآية الجليلة أعتقده كل العالم المسيحي في عصره، وبناء على ما تقدم أقدم هذه النصائح:
(1) إن السيد المسيح أعطى لرسله نفس القوة التي أعطاها لمار بطرس.
(2) إن الرسل لم يعرفوا مار بطرس نائب عن المسيح ولا معلم الكنيسة المعلوم.
(3) إن مار بطرس لم يُعرّف نفسه " بابًا "، ولم يتصرف أبدًا كأنه " بابا ".
(4) إن المجامع في القرون الأربعة الأولى بينما أقرت سمو مقام أسقف رومية في الكنيسة لسبب عظمة مدينة رومية حسبت له (لأسقف روما) التقدم في الشرف فقط وليس في الحكم الشرعي.
(5) إن الآباء القديسين لم يفهموا من القول: { أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي } على أن الكنيسة كانت مبنية على بطرس superpetrum بل أن الصخرة superpetram أي على إقرار إيمان الرسول.
فإذًا تاريخيًا وعقليًا ومنطقيًا وحسب الذوق السليم والضمير المسيحي أستنتج ما لا يُرَدْ، أي أن يسوع المسيح لم يعط أقل رئاسة لمار بطرس وأن أساقفة رومية لم يصيروا رؤساء للكنيسة إلاَّ باختلاسهم كل حقوق الأسقفية واحدة فواحدة" (1000).
(راجع أيضًا أقوال كيرلس مقار في كتابه الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة وقد أوردنا جزء ليس بقليل منها في كتابنا: يا إخوتنا الكاثوليك... متى يكون القاء؟ جـ 2 أضواء على آراء ص48 - 50، وكذلك أقوال صاحب البوق الإنجيلي ص50 يا إخوتنا الكاثوليك جـ 2).
_____
(990) من القراءة إلى التأمل مع القديس متى ص83، 84.
(991) تفسير الكتاب المقدَّس للمؤمن - العهد الجديد جـ 1 ص115، 116.
(992) تفسير الكتاب المقدَّس للمؤمن - العهد الجديد جـ 1 ص116.
(993) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص270.
(994) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 2 ص53.
(995) أورده الأسقف أيسيذورس - تنوير الأذهان بالبرهان إلى ما في عقائد الكنيسة الغربية من الزيغان ص136.
(996) أورده الأسقف أيسيذورس - البرهان القاطع في الرد على القبطي التابع - مفاوضة عن الثالوث ك (4) رأس (1).
(997) المرجع السابق - مقالة 54، 82 في تفسير إنجيل متى في عظته على الفصح.
(998) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص357.
(999) أورده الأسقف ايسيذورس - البرهان القاطع في الرد على القبطي التابع - في تفسير الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا.
(1000) أورده الأيغومانس فيلوثاوس عوض - الحجة الأرثوذكسية ضد اللهجة الرومانية ص121 - 123.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/364.html
تقصير الرابط:
tak.la/22r5mjk