س11: إن كان المسيح لم يضع نظام الرئاسات فمن أقام رؤساء للكراسي الرسولية؟
يقول الأب مكسيموس كابس: "أمام إنكار قداسة البابا شنودة للرئاسة الواحدة وإنكارهم بالذات رئاسة القديس بطرس نتساءل من الذي وضع نظام الرئاسات في الكنيسة وجعل كما يقول البابا شنودة إن كل بطريرك رئيس دائرته... فإن قلنا أن المجامع المسكونية هي التي وضعت هذا النظام فأقول إن كان نظام الرئاسات مخالف لتعاليم المسيح فكيف تضعه المجامع مخالفة بذلك التعاليم الخلاصية..؟ وعلى أي شيء استندوا في وضع هذا النظام؟ فإن كان هذا النظام غير وارد في الإنجيل فمن أعطى البابا شنودة السلطة ليتحكم في الكنيسة الأرثوذكسية ويرأس المطارنة ويخلق إيبارشيات جديدة ويخلع من يشاء منهم ويثبت من يشاء؟ " (97)
كما يقول الأب مكسيموس أن " وحدة الكنيسة تتطلب وحدة الرئاسة... ولا أعلم بعد قراءة هذا النص (يو17: 11-23) كيف أن البابا شنودة ينكر الرئاسة الواحدة للعالم المسيحي كله... ويسخر من وجود رئاسة واحدة للمسيحية في العالم كله ويقول {كل كرسي من الكراسي له رئاسته المحلية ولكن لا توجد رئاسة عامة للعالم كله. يعنى كرسي الإسكندرية له الرئاسة في نطاقه، الكرسي الأورشليمي له رئاسته في نطاقه، كرسي روما له رئاسته في نطاقه ولكن لا توجد رئاسة عامة للعالم كله} فإن كان الأمر كذلك فأين هي الوحدة التي جعلها السيد المسيح من أهم علامات كنيسته؟ وكيف يمكن أن تتوحد كلمتهم وعقيدتهم؟ " (98)
كما يقول الأب مكسيموس كابس أيضًا " فالوحدة ليست معناها الخضوع في الإدارة والتصرفات ولكن الوحدة قائمة في العقيدة وهذا ما لا يريد أن يفهمه إخوتنا الأقباط الأرثوذكس. فالرئيس الواحد لا يريد أن يسيطر على العالم ولكن أن يحافظ على العقيدة الواحدة فقط " (99)
ثم يتجرأ الكاتب باتهام رأس الكنيسة بتغيّير الحقائق وطمسها أو بالجهل بها فيقول " والآن بعد هذا البحث الطويل هل يستطيع البابا شنودة أن يقول أن الكاثوليك متطرفون في رئاسة القديس بطرس. أم يمكننا القول أنه يريد أن يشوش الحقائق ويطمسها ويقلب الأوضاع إن كان يعرفها، وأني أطلب له ولأمثاله من العلي القدير أن ينير بصيرته ليرجع إلى حظيرة السيد المسيح الواحدة الوحيدة الكنيسة الجامعة " (100)
توضيح:
لو أقام السيد المسيح نائبًا عنه وصرح بهذا الاختيار للرسل الأطهار وأوصاهم بالخضوع له والطاعة لكلمته لصح كل ما يقوله إخوتنا الكاثوليك في موضوع رئاسة بطرس، ولكن مخلصنا الصالح أقام الاثني عشر وأرسلهم جميعًا إلى الخليقة كلها فكرزوا وعلَّموا وتلمذوا وعمَّدوا شعوب كثيرة وأسَّسوا كراسي رسولية يدبرونها ويرعونها وينظّمون شئونها كلٍ في حدود دائرته الجغرافية، وبعد انتقالهم قام خلفاءهم بنفس ما كانوا يقومون به من أعمال، وهكذا استقرت الأمور منذ القرون الأولى... لعل سفر الرؤيا يوضح هذه النظرة فعندما أراد السيد المسيح أن يوجه رسائل لملائكة الكنائس السبع لم يوجهها إلى خليفة بطرس الرسول باعتبار أنه رئيس الكنيسة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا الأخير يوزع الرسائل على مرؤوسيه من أساقفة الكنائس، ولكن السيد المسيح وجه رسائله مباشرة إلى ملائكة هذه الكنائس.
وعندما جاءت المجامع المسكونية لم تخلق وضعًا جديدًا ضد وصايا الإنجيل. إنما أرثت نظامًا ثابتًا راسخًا معروفًا في الكنيسة. أما إن كانت الرئاسة العامة وُضِعت في الكنيسة من أجل الحفاظ على العقيدة فبالأولى تكون هذه الرئاسة لباباوات الإسكندرية الذين قادوا العالم كله في علم اللاهوت وحفظوا العقيدة، وهل ننسى أن العالم كله كان مهددًا بالأريوسية لولا أثناسيوس ضد العالم؟! وهل ننسى جهاد البابا كيرلس الكبير ضد النسطورية؟!
وأخيرًا لا يسعنا إلاَّ تقديم الشكر للأب مكسيوس كابس على أسلوبه الموجه لبابا الإسكندرية خليفة مارمرقس الرسول، وبعد أن قرأت كتابيه عن "إيماننا القويم" ولمست أسلوبه الجارح أدركت لماذا استقال من إدارة مجلة الصلاح، ولِمَ صدَّر كتابه بهذه العبارة "طبع بدون إذن الرؤساء لأن الدفاع عن الحق لا يحتاج إلى إذن، ولأني لا أريد إحراج رؤسائي الروحيّين في سياستهم العامة للكنيسة" (101) وفقط أهديه قول بطريركه الأول كيرلس مقار بعد عودته إلى أحضان أمه الكنيسة الأرثوذكسية:
"هذا ادعاء واضح بأنه لا يوجد في الكنيسة بين السفراء البسطاء ليسوع المسيح إلاَّ رجلًا واحدًا (يقصد بطرس الرسول) متقلدًا مكان يسوع المسيح السلطان المطلق والعام على الكنيسة وعلى أولئك السفراء أنفسهم. زد على ذلك (جنون أعظم أيضًا) قولك أن قوة هذا السلطان مُنِحت لواحد الغرض منه افتراض وحدة الكنيسة في خضوعها لتعليم وإدارة رجل واحد، ونسيتَ (أيها الأخ الكاثوليكي) أن وحدة الكنيسة ثابتة في البر والحق وهذا عمل فائق طور البشر يفيض من قدرة الله وحده، الذي لهذا السبب نفسه وعد الرب يسوع بإنجازه لا بواسطة بشر بل بذاته صراحة وبعمل روحه الثابت الذي هو روح الحق والعدل، والذي يريد أن يقلّد الكنيسة رجلًا بصفة رئيس عام ينكر سيادة الرب يسوع ويقتدي بشعب اليهود في زمن صموئيل (الذي طلب ملكًا له مثل ملوك العالم رافضًا مُلك الله عليه).. ومن ثمَ ليس من الصعوبة أن نطبق هذه الرواية المؤلمة رواية شعب الله الذي قايض مملكة الله في مقابل مملكة إنسان على تاريخ المسيحية الغربية التي بدَّلت في الكنيسة سيادة الرب يسوع بسيادة بشر. ما الذي قسَّم الكنيسة العمومية وقسَّم أيضًا الشرق من الغرب سوى هذه المسألة التعسة وهي سيادة إنسان عامة على الكنيسة بدل سيادة الرب يسوع..؟! من الذي فصل بلا جدال الولايات البروتستانتية من الكنيسة الرومانية يعنى نصف الغرب اللاتيني إلاَّ سيادة الباباوات الذين أضحوا ممقوتين بواسطة استبدادهم والذين خدعوا الشعوب بقدوة شنعاء..؟!
فهوذا السلطة العامة لرجل واحد التي اتخذتها -أيها الأخ الكاثوليكي- الأساس لوحدة الكنيسة كيف كانت الأصل لنجاح الانقسام، وكيف كانت قيمة الكنيسة في الغرب منذ ما اعترفت بسلطة رجل واحد عامة..؟! فإن الأساقفة الذين حسب تعليم الكتب يستلمون سلطانهم أبدًا من يسوع المسيح الملك والرب الوحيد الذين هم سفراؤه... تربصوا متوسلين ونائلين كل سلطتهم وكل حكمهم كنعمة من سلطان البابوات الأعلى العام... ومنزلة الملوك المسيحيين الذين هم رؤوس جسم شعب الله لم يحصلوا سخرية أقل... أن هؤلاء البابوات ادعوا بأنهم قياصرة هؤلاء السلاطين... وبلغ من أمرهم أن ادَّعوا بحق أن يحلُّوا رعاياهم من يمين الأمانة لملوكهم وبحق خلعهم من عروشهم، الأمر الذي لم يقصّروا عن أن يجربوه... مثيرين هكذا في جملة ممالك حروب مدنيَّة عديدة هائلة ومريقين سيولًا من دماء المسيحية...
أن البابوات بعد أن اعترفوا زمنًا طويلًا بتعليم نظري وعملي بسلطة الكنيسة العليا عروس يسوع المسيح على ذواتهم كما على الآخرين، انتهوا بأن وجدوا أن هذه لا يتفق مع سيادتهم الشاملة، فحالًا ادَّعوا... بأن سلطتهم العامة هي أعلى من سلطة كل الكنيسة الأسيرة عندهم. وبالجملة أنها هي التي يجب أن تخضع لهم في كل أمر لا هم الذين يجب عليهم أن يخضعوا لها... لأن الكنيسة العامة غير معصومة بذاتها من الغلط لأن كل عصمة تتعلق بشخصهم... أن البابوات بدعواهم بالسيادة العليا العامة على الكنيسة اغتصبوا مكان يسوع المسيح الذي هو رب الكنيسة وحده هو رئيسها الحقيقي العام وينبوع الحق لعصمتها وقداستها بروحه الحق " (102)
كما يقول كيرلس مقار أيضًا في حديثه التصوري مع أحد الأخوة الكاثوليك:
" قال حينئذ زميلي الروماني: لا تُعجل بالحكم. أنه باق لنا البرهان المأخوذ من وحدة الكنيسة. ألا تقبل أن الكنيسة واحدة؟ ألا تقبل أن هذه الوحدة توجد في الإيمان والشركة؟ ومن ثم بما أن الكنائس متفرقة ورعاتها متفرقون فوحدة إيمانها وشركتها مستحيلة بدون سلطة راع واحد عام الذي يعين للكل ذات الإيمان وذات الشركة... [وجاء في رد الأرثوذكس] بالحقيقة نحن نؤمن بوحدة الكنيسة ونقر في دستور الإيمان أن الكنيسة الجامعة واحدة... لكن ننكر بجرأة وقطعيًا أن وحدة كل الكنائس في ذات الإيمان وذات الشركة تستدعى لأصلها وقاعدتها سلطة رجل واحد بصفة راعٍ عام يعيّن ذات الإيمان وذات الشركة لرعاة مخصوصين... أصل هذه الوحدة في كل الرسل حسب وضع المسيح يسوع ليس بطرس بل الروح القدس الذي أرسل من الآب باسم ابنه ونزل يوم الخمسين ليكون مع الرسل وفي الرسل أبدًا (يو14: 16) روح الحق كان ذاته في الكل ومع الكل ليذكّرهم بكل تعليم المعلم العام ويُعلّمهم كل حق (يو14: 26، 15: 13) روح التقديس كان ذاته في الكل ومع الكل ليفعل فيهم ذات الأسرار هكذا قال المخلص للكل (يو20: 22، 23).. وأخيرًا روح المحبة نفسه كان في الكل ومع الكل ليستمر فيهم الود المتبادل الذي يكون للعالم علامة تميز تلاميذ المسيح يسوع (يو17: 23).. أعتقد أن الروح القدس الذي استمر مع الرسل وفي الرسل أبدًا وذلك لكي يذكّرهم بدقة كل تعليم المسيح يسوع ويعلمهم كل الحق لكي يثمر فيهم أسرار الحياة الأبدية لكي يكون بمحبته رباط السلام بينهم هو الأصل الحقيقي لا لبطرس...
حسب القاعدة الإلهيَّة بيسوع المسيح فوحدة الرسل أو وحدانية الجسم الراعوي هي إلهيَّة بالذات. لكن حسب القاعدة البشريَّة التي وضعها لاهوتيك فوحدانية الرسل أو الجسم الراعوي هي وحدانية بشرية بحتة.
حسب الأصل الإلهي وحدانية الرسل أو الجسم الرعوي هي شيء ثابت تمامًا وغير منقطع وهي لا يمكن أن تتزعزع أو تتوارَى حينًا طرفة عين لأن يسوع المسيح الذي هو هذا الأصل يحيا حقًا كل الأيام إلى انتهاء العالم، ولا يمكن أبدًا أن يكف عن أن يوجد مع الرسل (وخلفائهم) ويعطيهم ثباتًا أكيدًا ولأن روحه الذي هو ذات هذا الأصل معه يحيا أيضًا أبدًا، ولا يمكنه أن لا يستمر مع الرسل ويمارس فيهم عمله السلامي بنوع كامل وأكيد، ولكن حسب الأصل البشرى الذي تؤهِلون له بطرس والبابوات خلفاءه حسب الزعم فوحدانية الهيئة الرسولية والجسم الرعوي الكنيسي تصير قابلة التغير بذاتها وفاسدة شكلًا خاضعة لكل تقلبات الوجود البشرى ولكل عدم تأكيدات، لأن الإنسان الذي تجعلونه قاعدة هذه الوحدة ليس غير قابل الموت، وصفته يمكن أن تكون خاضعة للنزاع...
أني تأتى الوحدة عند وفاة كل بابا ومدة خلو كرسيه لو استمر أسبوعيًا واحدًا أو يومًا واحدًا؟! فهل يكف وجودها مدة هذا الزمن من حيث توارى الرجل الذي كان قاعدتها كما تكف الحياة عن وجودها في جسم من حيث خرجت النفس منه التي كانت قاعدة الحياة؟!
أني تأتى هذه الوحدانية لو أدعى اثنان أو ثلاثة في وقت واحد بوظيفة البابوية، والتي لا يتأتى للكنيسة أن تعرف بتأكيد من هو البابا الشرعي، كما حصل ذلك في الكنيسة الرومانية مدة انشقاق الغرب العظيم؟!
حسب القاعدة الإلهية أن الكنيسة هي جمعية مشتركة بشرية إلهية بحيث أن هذه الجسم المشترك منتعش بالروح القدس... أما حسب قاعدتك البشرية فالكنيسة هي جمعية بشريَّة، ولا شيء إلاَّ بشريَّة بما أن قاعدة كيانها الفرعي ووحدانيتها وحياتها المشتركة هي بشر لا إله على حسب زعمك أن بطرس أو البابا بصفة كونه الراعي العام يضع لكل الرعاة ولكل الكنائس إيمانًا واحدًا وشركة واحدة... بهذه القاعدة البشرية رابطة الوحدة الرسولية هي بطرس الذي هو ليس أقنومًا من الثالوث الذي لا يقدر أن يربط التلاميذ مع الابن ومع الآب... هذه اللهجة نفسها موجبة للضحك بكل راحة لأن الحاكم ورعاياه ليسوا واحدًا وسلطة الحاكم لا تكون لرعاياه قاعدة للوحدانية معه بل قاعدة الإذلال العام لقدرة شخص واحد... وأخيرًا ماذا تجني من جعلك بطرس الرئيس العام للكنيسة بدل يسوع المسيح، والقاعدة الباعثة لوحدة هذه الكنيسة مكان الروح القدس؟ " (103)
_____
(97) إيماننا القويم ج1 ص70، 71.
(98) المرجع السابق ص73، 74 .
(99) المرجع السابق ص76 .
(100) المرجع السابق ص99.
(101) إيماننا القويم ج2 طبعة أولى سنة 1987م ص2.
(102) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ص 17-22.
(103) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ص 118-125.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/peter-master.html
تقصير الرابط:
tak.la/v4mp64b