← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
الأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ
(1) توبيخ ناثان لداود (ع1-9)
(2) عقاب الله لداود (ع10-14)
(3) ابن الزنا وميلاد سليمان (ع15-25)
(4) الاستيلاء على ربة عمون (ع26-31)
1 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. 2 وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. 3 وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعًا. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. 4 فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ». 5 فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدًّا، وَقَالَ لِنَاثَانَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذَلِكَ، 6 وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ». 7 فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ 8 وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. 9 لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ.
ع1:
أرسل الرب ناثان النبى إلى داود بعد مدة من خطيته لا تقل عن سنة، لأن بثشبع امرأته كانت قد أنجبت له طفلًا وعاش فترة كما سيأتى في (ع14، 15). وهذا يوضح أن الله يعلم الأنبياء أن يتضعوا، فرغم أن داود نبى، لم يكلمه مباشرة بل أرسل إليه نبيًا آخر ليوبخه ويعلن له صوت الله ويدعوه للتوبة. وروى ناثان له مشكلة ليقضى داود فيها بين رجلين أحدهما غنى جدًا والآخر فقير يسكن بجواره. وغالبًا انفرد ناثان بداود وهو يأخذ رأيه في هذه القضية ليكشف له من خلالها خطيته حتى يتوب. وهذا هو المناسب في معاتبة الآخرين أن تكون على انفراد لئلا نحرجهم أمام الناس.
ع2، 3: استرسل ناثان في سرد المشكلة قائلًا أنه كان للرجل الغنى غنم كثيرة، أما الرجل الفقير فلم يكن له سوى نعجة واحدة، واعتنى بها حتى كبرت في وسط أهل بيته، وكانت عزيزة عليه تشاطره خيراته ويحبها كابنته.
ع4:
عفا أن يأخذ من غنمه ليهيئ للضيف: لم يشأ أن يذبح واحدة من غنمه ليطهى طعامًا للضيف.أكمل ناثان بقية المشكلة قائلًا أنه حدث أن استقبل الرجل الغنى ضيفًا، فلم يشأ أن يأخذ واحدة من الغنم الكثير الذي يملكه ليذبحها ويهيئ للضيف طعامًا، بل اغتصب بكل قسوة النعجة الوحيدة التي يملكها الفقير وذبحها ليكرم بها ضيفه.
ع5، 6: انفعل داود جدًا عند سماعه المشكلة التي طلب ناثان حكمه فيها، وغضب جدًا مما فعله الرجل الغنى وأصدر حكمًا مشددًا عليه، فأقسم بالله الحي بقتل الرجل لفظاعة جريمته وتغريمه النعجة أربعة أضعاف طبقًا للشريعة (خر22: 1)، لأن هذا الرجل لم يشفق على الرجل الفقير. وهكذا يظهر غضب داود على هذا الرجل فتعدى حدود الشريعة وهي تغريمه برد أربعة أضعاف المسروق إلى قتله لأنه رجل قاسى القلب. وقد تم ذلك فعلًا مع داود، فكما مات أوريا الحثى، مات لداود أربعة من أبنائه هم ابن بثشبع (ابن الخطية) وأمنون وأبشالوم وأدونيا. وكما زنا داود مع بثشبع، زنا أمنون مع ثامار أخته، وأبشالوم مع سرارى أبيه. وقد سامح الله داود ولم يقتله لأنه قدّم توبة من عمق قلبه ولم يخجل أن يعترف أمام ناثان النبي.
ع7، 8: كان ناثان -مثل أنبياء الله الآخرين- لم يَهَبْ أن يواجه الملك داود بكلام الرب الذي أوصاه أن يبلغه اياه، رغم قسوته، فوبخه معلنًا له أنه هو الرجل الغنى القاسى القلب الذي ذكره في هذه المشكلة، وذكره أن الله أخذه من بيت أبيه ليكون ملكًا على إسرائيل، وأنقذه كثيرًا من مطاردات شاول له وأورثه عبيد شاول وكل بيته ونساءه أي ميكال ابنة شاول وكل ما كان له آل إليه، ولم يكتفِ بجعله ملكًا على سبط يهوذا فقط بل ملكه على جميع أسباط إسرائيل، وإن كان هذا غير كافٍ بالنسبة له وأراد ما هو أكثر لأعطاه أيضًا. ويظهر من هذا الكلام شجاعة ناثان في توبيخه لداود لأنه بهذا يكون معرضًا لغضب داود فيأمر بقتله، ولكنه كان مضحيًا بحياته حينما أطاع الله ووبخ داود.
ع9: بعد ذلك واجه ناثان داود بخطيته صراحة، وهي احتقاره لوصايا الله وقتله لأوريا بسيف بنى عمون أي تدبير مؤامرة مع يوآب لقتل أوريا بوضعه في مواجهة الحرب ليموت، وبعد ذلك أخذ بثشبع التي كان قد زنا معها وحبلت.
وهنا فهم داود أن المشكلة التي عرضها ناثان عليه هى قصته هو، فهو الرجل الغنى ذو الماشية الكثيرة التي ترمز لزوجاته الكثيرات وقد اغتصب النعجة الواحدة التي للفقير أي بثشبع الزوجة الوحيدة لأوريا الحثى.
وأخيرًا انتبه داود من قسوة القلب والعمى الروحي الذي غطاه بعد سقوطه في الزنا والقتل. فرغم بر داود ولكن تهاونه أسقطه في أصعب الخطايا، ومن طبيعة الخطية عندما تتزايد أنها تفقد الإنسان إحساسه الروحي، فظل عامًا كاملًا بدون توبة حتى نبّهه ناثان النبي.
ويذكر الكتاب المقدس خطية داود هذه الشنيعة لما يأتى:
لا يجامل القديسين بل يظهر ضعفاتهم حتى نتشجع نحن مهما سقطنا.
لنشكر الله الذي يحفظنا عندما نرى الآخرين، خاصة الأقوياء، يسقطون.
لنتشجع إذا سقطنا في الخطية فنتوب مثل داود.
نتعلم عمق التوبة مهما كانت خطايانا فنندفع بقوة في طريق الله.
إعلان لحاجة البشرية إلى المسيح المخلص، فالكل معرض للسقوط حتى القديسين.
قبول التأديب الإلهي إذا سمح به حتى تكمل توبتنا كما فعل مع داود بموت ابنه الطفل وطرد أبشالوم له من المملكة بالإضافة إلى متاعب أخرى كثيرة.
† الله يستخدم معك أمثالًا لينبهك فتتوب عن خطاياك، فلا تهملها كأنها قصص عادية استفد من الأحداث التي تمر بك، مثل موت أحد الأحباء أو مشكلة تحدث لك أو لآخر تعرفه، لتكون وسيلة لتوبتك فيقبلك الله ويرفع عنك خطاياك مهما كانت ثقيلة.
10 وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً. 11 هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الشَّمْسِ. 12 لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ». 13 فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ. 14 غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِهَذَا الأَمْرِ أَعْدَاءَ الرَّبِّ يَشْمَتُونَ فَالاِبْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ».
ع10:
لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد: يتزعزع استقرار السلام في بيته فتكون هناك منازعات ومشاكل بين أفراد عائلته ويقتل نسله بعضهم بعضًا.والآن قضى الرب بمعاقبتك بالآتي:
أولًا: كما أسلمت أوريا للقتل سيعمل السيف على زعزعة السلام في بيتك (الله لا يتسبب في الشرور ولكنه يسمح بوقوعها).
وتحققت تلك العقوبة فيما بعد، فقتل أبشالوم أخاه أمنون (2 صم 13) ثم قام بحركة انقلاب ضد أبيه (2 صم 15). وتحقق أيضًا بقتل سليمان لأخيه أدونيا وكذلك ثارت فيما بعد حروب قاسية كثيرة ضد مملكة يهوذا وأخيرًا سبى شعبها إلى بابل، وقبل السبي قتل أبناء آخر ملوك يهوذا نسل داود وهو صدقيا الملك على يد نبوخذ نصر الذي قتل أبناءه أمام عينيه.
ع11: العقوبة الثانية التي سمح بها الله لداود هي قيام الشر من بيته عليه وذلك بأخذ أبشالوم المملكة منه وطرده منها (2 صم 16: 8).
والعقوبة الثالثة هي الاعتداء على نسائه، وقد تم هذا باعتداء ابنه أمنون على أخته ثامار (2 صم 13) ثم اضطجاع أبشالوم مع سرارى أبيه وإعلان هذا أمام الشعب أي سيكون في عين الشمس (2 صم 16: 21)، بمعنى أنه يعلن أمام الكل انتزاعه المُلك من أبيه.
ع12: اقترف داود خطيته مع بثشبع وعمل على قتل زوجها، كل ذلك في الخفاء ولكن الرب يعلن له أنه سيجرى عقابه علانية.
ويظهر في عقوبة الله لداود ما يلي:
عدل الله وعدم محاباته لأحد مهما كان مركزه العالمى أو اقترابه من الله.
التأثير السيئ لرب الأسرة عليها، فبعدما أخطأ داود تأثر أولاده فزنا أمنون مع أخته وقتل أبشالوم أخاه.
ع13: بعدما واجه ناثان داود بخطيته، شعر بها وندم عليها، وأقر بذنبه أمام الرب نفسه وفى حضور رجل الله ناثان، وكتب المزمور الحادى والخمسين الذي يبدأ بكلمات "إرحمنى يا الله كعظيم رحمتك......". وإذ اعتبر ناثان أن اعترافه تم عن توبة صادقة، أخبره بإرشاد الروح القدس أن الله غفر له، فإن كانت خطيته تستحق عقوبة الموت طبقًا للشريعة، إلا أن الله أعفاه من الموت لتوبته عنها. وواضح أن هذه صورة في العهد القديم لسر الاعتراف، فكما يعترف الإنسان أمام أب اعترافه فترفع عنه خطيته وعقوبتها وهي الموت، كذلك رفع الله عن داود خطيته وعقوبتها لاعترافه أمام ناثان النبي الذي يرمز لأب الاعتراف.
ع14: لابد أن همسات رجال الحرس كانت تتناقل موضوع خطية داود وتجعله موضع القيل والقال فتناثرت الأقاويل وربما وصلت إلى أعدائه، فها هم يرون داود الإنسان التقى في عينى الرب ينهار أمام الخطيئة فأظهروا شماتتهم فيه، لذلك فان كان الله قد نقل عن داود خطيته وأعفاه من الموت، إلا أنه عاقبه كما أعلن له ناثان بثلاث عقوبات والرابعة هي أن الولد الذي سيولد من بثشبع يموت لأنه ثمرة الخطية.
†
إن كان باب التوبة مفتوح لك مهما كانت خطاياك صعبة مثل خطية داود. فلماذا تتوانى؟ قم أسرع إلى أب اعترافك لتنجو من الهلاك الأبدي وتستعيد سلامك وتتمتع بعشرة الله.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
15 وَذَهَبَ نَاثَانُ إِلَى بَيْتِهِ. وَضَرَبَ الرَّبُّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ امْرَأَةُ أُورِيَّا لِدَاوُدَ فَثَقِلَ. 16 فَسَأَلَ دَاوُدُ اللَّهَ مِنْ أَجْلِ الصَّبِيِّ، وَصَامَ دَاوُدُ صَوْمًا، وَدَخَلَ وَبَاتَ مُضْطَجِعًا عَلَى الأَرْضِ. 17 فَقَامَ شُيُوخُ بَيْتِهِ عَلَيْهِ لِيُقِيمُوهُ عَنِ الأَرْضِ فَلَمْ يَشَأْ، وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَهُمْ خُبْزًا. 18 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ، فَخَافَ عَبِيدُ دَاوُدَ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ مَاتَ لأَنَّهُمْ قَالُوا: «هُوَذَا لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا كَلَّمْنَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَوْتِنَا. فَكَيْفَ نَقُولُ لَهُ قَدْ مَاتَ الْوَلَدُ؟ يَعْمَلُ أَشَرَّ!». 19 وَرَأَى دَاوُدُ عَبِيدَهُ يَتَنَاجُونَ، فَفَطِنَ دَاوُدُ أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ مَاتَ الْوَلَدُ؟» فَقَالُوا: «مَاتَ». 20 فَقَامَ دَاوُدُ عَنِ الأَرْضِ وَاغْتَسَلَ وَادَّهَنَ وَبَدَّلَ ثِيَابَهُ وَدَخَلَ بَيْتَ الرَّبِّ وَسَجَدَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَيْتِهِ وَطَلَبَ فَوَضَعُوا لَهُ خُبْزًا فَأَكَلَ. 21 فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلْتَ؟ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتَ وَبَكَيْتَ، وَلَمَّا مَاتَ الْوَلَدُ قُمْتَ وَأَكَلْتَ خُبْزًا». 22 فَقَالَ: «لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتُ وَبَكَيْتُ لأَنِّي قُلْتُ: مَنْ يَعْلَمُ؟ رُبَّمَا يَرْحَمُنِي الرَّبُّ وَيَحْيَا الْوَلَدُ. 23 وَالآنَ قَدْ مَاتَ، فَلِمَاذَا أَصُومُ؟ هَلْ أَقْدِرُ أَنْ أَرُدَّهُ بَعْدُ؟ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَأَمَّا هُوَ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيَّ». 24 وَعَزَّى دَاوُدُ بَثْشَبَعَ امْرَأَتَهُ وَدَخَلَ إِلَيْهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فَوَلَدَتِ ابْنًا، فَدَعَا اسْمَهُ سُلَيْمَانَ، وَالرَّبُّ أَحَبَّهُ، 25 وَأَرْسَلَ بِيَدِ نَاثَانَ النَّبِيِّ وَدَعَا اسْمَهُ «يَدِيدِيَّا» مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ.
ع15:
انصرف ناثان من أمام الملك وعاد إلى بيته. ثم مرض الولد الذي ولدته زوجة أوريا الحثى لداود واشتد عليه المرض.
ع16:
صام داود وصلى وتذلّل إلى الرب ليشفى الطفل، وبدلًا من أن يضطجع على سريره الملوكى، نام على الأرض كنوع من التقشف والتذلل أمام الله. ومما زاد تذلل داود شعوره أن مرض الطفل تأديب من الله له على زناه وقتله.
ع17:
حاول رؤساء شعبه والمقربون إليه من رجاله أن يقيموه من على الأرض لينام على سريره ويجلسوه معهم على المائدة ليأكل من الطعام الملوكى الشهى، ولكنه لم يشأ أن يقلل من تذلله أمام الرب، وغالبًا كان يتناول أطعمة زهيدة للتقشف والتذلل أمام الله. وهكذا نرى ممارسات الصوم واضحة في أعماق العهد القديم التي يمارسها أولاد الله الآن في كنيسته.
ع18: مات الولد في اليوم السابع من مرضه واحتار أهل بيت الملك كيف يبلغوه النبأ الحزين، فكم كان حزنه حين كان الطفل مريضًا، وكم سيزيد إذا علم بموته. لابد أنه سيصدم عند سماعه الخبر فيحرم نفسه من الطعام والراحة أكثر من ذى قبل.
ونلاحظ أن الله سمح بموت الولد ليعلن أنه لا مكسب من الخطية، بل كل مكسب يأتي منها لابد أن يزول.
ع19: أحس داود من خلال تحركات وهمسات رجاله أن حدثًا هامًا قد وقع، فاستنتج أن الولد قد مات، فسألهم هل مات الصبى، فاضطروا أن يخبروه بالحقيقة.
ع20: على عكس ما توقع أهل بيته تصرف داود بهدوء تام عند سماعه النبأ، فأنهى مظاهر تذلله وقام واغتسل ودهن نفسه بالطيب ليعود إليه انتعاشه، وارتدى ثيابه الملوكية بدلًا من المتقشفة التي كان يلبسها أثناء الحزن وتوجه إلى بيت الرب حيث صلى وسجد شاكرًا الرب على كل حال حتى على موت ابنه ثم عاد إلى بيته وأكل الطعام الملوكى المعتاد.
†
تصرف داود يدل على تسليمه الكامل للمشيئة الإلهية وهذا هو ما جدير بأن يفعله كل مؤمن حقيقي فيشكر الرب على كل حال وفى كل حال مقدمًا للرب التسبيح والسجود.
ع21: اندهش رجال داود من تصرفه وتحيروا ماذا عساه أن يكون الأمر، فتجرأوا وسألوه كيف حزن وتذلّل حين كان الطفل ما زال حيًا ولما مات نهض ومارس حياته الطبيعية وترك كل مظاهر الحزن !
ع22: أفهمهم داود أنه تذلل أمام الرب ليشفى ابنه إذ كان بعد حيًا وهو على يقين من أن الرب قادر على منحه الشفاء مهما كانت شدة المرض. ورغم إخبار ناثان له بأن الطفل سيموت ولكنه لم يفقد رجاءه في رحمة الله وظل يصلى.
ع23: أضاف داود أن ابنه قد مات ولم يعد هناك فرصة لطلب رحمة الله في شفائه، فاتجه تفكيره إلى الحياة الأبدية التي سبقه إليها طفله وهو سيلحق به عندما يشاء الله.
وهكذا تظهر مجموعة فضائل في هذا الرجل العظيم داود النبي هي:
إيمانه برحمة الله، فأسرع إليه بصلوات كثيرة ليشفى ابنه.
ميله للتقشف والتذلل أمام الله في ممارسات روحية كثيرة مثل الصوم المصاحب للصلوات بكل ما يشمل من ترك الطعام والراحة الجسدية والملابس الفاخرة.
اتكال داود على الله وقبول مشيئته مهما كانت معاكسة لرغباته.
تعلق داود بالحياة الأبدية التي أثرت على حياته فجعلته يشعر بالغربة في العالم رغم أنه ملك عظيم حتى أنه قال "غريب أنا على الأرض فلا تخفى عنى وصاياك" (مز119: ج19) مما جعله يتعلق بالصلاة والتأمل في شريعة الله.
† ثق أن صلواتك وأصوامك وتذللك أمام الله غاليًا جدًا في نظره، فهذا معناه إيمانك ومحبتك لله أكثر من كل ما في العالم، فهو يقبل جهادك الروحي هذا، وحتى لو لم يعطك ما طلبته، سيعطيك أضعاف هذا في حياتك ويحفظك ويعطيك مكانًا عظيمًا في السموات.
ع24، 25: سليمان: اسم معناه سالم أو صانع سلام.
عزى داود بثشبع في وفاة ابنهما ثم عاشرها وأنجب منها ولدا أسماه سليمان نبوة عن السلام الذي سيسود في زمان ملكه وسيريحه الرب من جميع أعدائه وأحب الرب سليمان لسابق علمه بالأعمال المجيدة التي سيقوم بها مستقبلًا عند توليه كرسى المملكة، وأرسل الرب رسالة إلى داود بيد ناثان معلنًا اسمًا آخر لسليمان هو يديديا أي حبيب يهوه معلنًا حبه له.
26 وَحَارَبَ يُوآبُ رَبَّةَ بَنِي عَمُّونَ وَأَخَذَ مَدِينَةَ الْمَمْلَكَةِ. 27 وَأَرْسَلَ يُوآبُ رُسُلًا إِلَى دَاوُدَ يَقُولُ: «قَدْ حَارَبْتُ رَبَّةَ وَأَخَذْتُ أَيْضًا مَدِينَةَ الْمِيَاهِ. 28 فَالآنَ اجْمَعْ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ وَانْزِلْ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخُذْهَا لِئَلاَّ آخُذَ أَنَا الْمَدِينَةَ فَيُدْعَى بِاسْمِي عَلَيْهَا». 29 فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ الشَّعْبِ وَذَهَبَ إِلَى رَبَّةَ وَحَارَبَهَا وَأَخَذَهَا. 30 وَأَخَذَ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ وَوَزْنُهُ وَزْنَةٌ مِنَ الذَّهَبِ مَعَ حَجَرٍ كَرِيمٍ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ كَثِيرَةً جِدًّا. 31 وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهَكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
مدينة المملكة: الجزء المرتفع من مدينة ربة التي يسكن فيها الملك.
مدينة المياه: الجزء السفلى من عاصمة المملكة ربة الذي كان يرويه نهر يبوق أحد روافد نهر الأردن فينال مياه كثيرة.
كان يوآب يحارب العمونيين، وأثناء ذلك سقط داود في خطيته، فذكرها الكتاب المقدس بالتفصيل لأنه لا يخفى خطايا القديسين، ثم عاد هنا في هذه الآية يستكمل أحداث الحرب مع العمونيين.
ونلاحظ أن الكتاب المقدس لا يتقيد بالتسلسل التاريخى لأنه كتاب روحي يهمه إظهار المعانى الروحية لنطبقها في حياتنا. فيذكر في هذا الأصحاح أن بثشبع قد ولدت ابنًا وكبر ومات ثم حبلت وأنجبت سليمان. ثم يعود ويحدثنا عن الحرب مع العمونيين مع أن الحرب كانت قد انتهت قبل الأحداث المذكورة في هذا الأصحاح أي موت ابن الزنا ثم ولادة سليمان.
وهاجم يوآب عاصمة بنى عمون التي تسمى ربة والتي كانت من جزءين، فاستولى على الجزء السفلى المسمى مدينة المياه، وقطع المياه عن الجزء العلوى المسمى مدينة المملكة والتي يسكن فيها الملك، ثم حاصر مدينة المملكة وبدأت تسقط أمامه، فأرسل إلى داود يبشره بسقوط عاصمة بنى عمون ويطلب منه الإسراع بجيش ليدخل بنفسه على هذه العاصمة ليكون له شرف الاستيلاء عليها وليس ليوآب. وهكذا ينبه الله داود ويعيده لوضعه السليم كملك وقائد حربى يعمل من أجل الله ولا يستسلم للخطية والشر الذي سقط فيه. فالتوبة والحياة مع الله ترفع الإنسان من الخطية وتعيده مرفوع الرأس للحياة الجديدة مع الله.
ونلاحظ أن يوآب تكلم بشدة مع داود في دعوته ليحارب ويأخذ المدينة قائلًا "انزل... لئلا يدعى اسمى عليها". ولكنه أيضًا يظهر إخلاصه لداود في أن يدعى اسم داود على المدينة، وهكذا ينبغى أن نتشبه بيوآب فننسب كل قوة ونجاح لله وليس لأنفسنا.
ع29: نفذ داود طلب يوآب فجمع بقية جيشه وانطلق نحو "ربة" ودخلها واستولى عليها.
ع30: وزنة من الذهب: تساوى حوالي 8 كجم.
أخذ داود تاج ملكهم وكان من الذهب وثقيل الوزن ومرصعًا بالأحجار الكريمة، فوضعه على رأسه إعلانًا عن بسط سلطته على العمونيين، كما استولى هو ورجاله على غنيمة كثيرة جدًا من المدينة المهزومة "ربة". وغالبًا لثقل التاج رفعه اثنان من رجال داود ووضعاه على رأسه لمدة قصيرة إعلانًا لعظمته وتملكه على بنى عمون ثم رفعا التاج عن رأسه.
ع31: النوارج: آلة زراعية عبارة عن عربة عجلاتها مسننة لتقطيع نباتات القمح والشعير.
أتون الآجر: الأفران التي يتم فيها حرق الطوب اللبن أي النيئ.
نظرًا لتحرش وهجوم العمونيين على بني إسرائيل أكثر من مرة على يد ناحاش ملكهم (1 صم11) واستهزاء ابنه حانون برسل داود (2 صم 10)، بالإضافة إلى قسوة قلوب العمونيين الذين تعلقوا بالآلهة الوثنية لدرجة تقديم أبنائهم ذبائح وحرقهم إرضاءً لها، فاضطر داود على خلاف عادته أن يكون قاسيًا معهم فقتلهم بمرور النوارج والمناشير على أجسادهم بعد أن طرحهم على الأرض وقتلهم بالفئوس وقتل البعض منهم في أفران الطوب ليحترقوا ويتعذبوا بالنار الملتهبة لعل هذا يجعل باقي الشعوب الوثنية تخاف الله وتبتعد عن عبادة الأوثان وتخشى محاربة شعب الله.
ورغم أن الله قد أوصى بعدم معاداة العمونيين لأنهم نسل لوط أقارب شعب الله (تث2: 16-23)، ولكن لانغماس العمونيين في العبادة الوثنية واعتداءهم المتكرر على شعب الله، اضطر داود لمهاجمتهم وقتلهم.
† إن الله رحيم جدًا على كل من يتوب ويرجع إليه، ولكنه عادل في معاقبته للأشرار الذين يرفضونه فيهلكهم هلاكًا أبديًا. فاستغل فرصة العمل لتسرع بالتوبة إلى الله فتنجو من العذاب الأبدي.
← تفاسير أصحاحات صموئيل الثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير صموئيل ثاني 13 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير صموئيل ثاني 11 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/samuel2/chapter-12.html
تقصير الرابط:
tak.la/sv22f5c