"تكونون لي شهودًا" (أع 1: 8).
قال السيد الرب لتلاميذه "وتكونون لي شهودًا في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض".
إذن فالإنسان المؤمن لا يكتفي بأن يعرف الله، إنما ينبغي أن يكون شاهدًا له، يعرف الناس به..
من الأمثلة الواضحة في هذا المر، المرأة السامرية التي لما عرفت الرب، لم تستطع أن تصمت. وإنما ذهبت لأهل بلدها، وقالت لهم "تعالوا وانظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت" (يو 4: 29). ومن الأمثلة الأخرى فيلبس لما عرف المسيح، لم يقتصر على معرفته، وإنما "وجد نثانائيل وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس – يسوع الذي من الناصرة" (يو 1: 45).
وهكذا كان الواحد له تأثير على غيره، يضمه إلى الرب.
من الجائز أنك لا تكون من الناس الكبار الذين أعطاهم الرب خمس وزنات، ولا حتى من الذين أخذوا وزنتين. وليست لك سوى وزنة واحد. هذه أيضًا لابد ان تتاجر بها وتربح. ولابد أن تسأل نفسك هذا السؤال الهام:
ما مدى شهادتي للمسيح؟ من هم الذين أوصلتهم إلى الرب؟
لا تحاول أن تعتذر أو تتهرب. لا تقل
ليست لي مواهب ولا أصلح، كما قال
موسى
"لست صاحب كلام. أنا إنسان
أغلف
الشفتين. أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10) (خر 6: 30). ولا تقل كما
قال
إرميا "لا أعرف أن أتكلم لأني ولد" (أر 1: 6). لأن الله لم يقبل
استعفاء
موسى ولا
إرميا. أريد أن أقول لك ماذا تفعل إن لم تكن لك
مواهب، أو حسبت نفسك كذلك..
اشهد للرب بحياتك، بروحك، بسلوكك، بمعاملاتك..
وحينئذ ينطبق عليك قول الرب "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). وبهذا تكون قد شهدت للرب.. على الأقل شهدت بأن وصاياه ممكنة التنفيذ، وليست مجرد مثاليات خيالية، كما يظن البعض..! وكل من يراك يقول:
حقًا "إن أولاد الله ظاهرون" (1 يو 3: 10).
نعم، ظاهرون ومميزون: في حياتهم وتصرفاتهم وأسلوبهم الروحي، وطريقة معاملاتهم، ونوعية ألفاظهم المنتقاة.. وكل من يستمع إليك يقول "لغتك تظهرك" (مت 26: 73). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولكي تكون لك هذه الشهادة، ينبغي أن تكون لك حياة روحية نقية ومثمرة. وعلى الجانب الآخر، لا يستطيع أحد أن يشهد لله بكلامه فقط، بينما حياته خاطئة. حينئذ سوف تقف حياته ضد كلامه الروحي، وتفقد ذلك الكلام تأثيره..
أيضًا يمكنك أن تشهد لله في بيتك، وسط عائلتك..
أهل بيتك يعيشون معك باستمرار، وينجذبون إليك برابطة الأم، وبينك وبينهم محبة طبيعية وعلاقة طيبة.. فهم أقرب إلى التأثر بك، إن كنت ذا تأثير. وإن كنت لا تستطيع أن تشهد لله في بيتك، فكيف تشهد للغرباء؟! إنما هناك شرط لشهادتك في بيتك، أن تكون حياتك بلا لوم أمامهم، وأن تقول لهم ما تنفذه فعلًا في حياتك من الفضيلة ونقاوة السيرة. وإلا فإنهم يقولون لك "أيها الطبيب، اشف نفسك" (لو 4: 23).
وإن لم تستطع في بيتك أن تشهد للرب وسط الكبار، فعلي الأقل افعل ذلك وسط الصغار، مع الأطفال..
الأطفال الذين إذا أحبوك يقلدونك. وإن أحببتهم يلتفون حولك، ويحبون أن يسمعوا منك حكاية أو ترتيلة أو كلمة تعليم. خذ هؤلاء مجالًا لخدمتك، وقل "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (أش 8: 18) (عب 2: 13). وإن كنت رب أسرة ومسئولًا عن هؤلاء الأطفال، تقول "أما أنا وبيتي، فنعبد الرب" (يش 24: 15).
لذلك فالإنسان الذي لم يستطع أن يدبر أهل بيته حسنًا، لا يصلح أن يكون كاهنًا.
لأن هذا هو أحد الشروط التي اشترطها الكتاب فيه، إذ يقول "يدبر أهل حسنًا". له أولاد في الخضوع بكل وقار" (1 تي 3: 4). ويتابع الرسول فيقول "وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته، فكيف يعتني بكنيسة الله؟!" (تي 3: 5). إذن موضوع الشهادة في البيت أمر هام.
فالأم إشبينة لابنها في وقت العماد.
استلمته من الكنيسة لتربيه في خوف الله، وتدربه على حياة الفضيلة، وتعلمه الصلاة والترتيل ثم الصوم حينما يكبر، وتعطيه القدوة الصالحة، وتجعله يحب الكنيسة وكل ما فيها.. ثم تدربه في نضوجه على الاعتراف والتناول.. وكذلك الأب يقف أمامه قول الرب في سفر التثنية "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك. وتكلم بها حين تجلس في بيتك.." (تث 6: 6، 7). هذا من الناحية الإيجابية. أما من الناحية السلبية، فإن الرب الذي يثور في البيت، ويشتم ويتشاجر، فإنه يكون عثرة لأولاده في روحياتهم.. وينطبق عليه عقاب الرب للذين يعثرون الصغار (مت 18: 6)..
يمكنك أيضًا أن تشهد للرب وسط أصدقائك ومعارفك..
وسط زملائك في العمل، وفي أماكن نشاطك كلها. تقدم شهادة للروح الطيبة، للحياة الفاضلة. لعفة اليد، وعفة اللسان، وحسن التعامل مع الآخرين. وتقدم مثالًا للمحبة التي تعطي وتبذل وتضحي، وتنقذ الآخرين وتساعدهم. بحيث كل إنسان يتعامل معك، يحب الحياة التي تحياها، ويمجد الله بسببك..
أنا لا أقصد بشهادتك للرب، أن تقيم نفسك معلمًا لغيرك".
وإنما أن تقدم لهم الأمثولة الطيبة للحياة الفاضلة. وإن سألوك عن شيء، تكون مستعدًا للإجابة في وداعة واتضاع قلب.. وهنا أنتقل إلى نقطة أخرى وهي:
الشهادة للرب في محيط الخدمة.
هذا إذا دعتك الكنيسة أن تخدم، وقدمت لك مسئولية تقوم بها. وطبعًا ليس كل إنسانًا خادمًا في الكنيسة. ولكن لاشك أن المسئولين فيها إن وجدوا فيك الغيرة المقدسة وروح الخدمة والاستعداد والإمكانيات، لا بُد أن يستخدموك. وإن لم تكن لك خدمة رسمية، يمكن أن تزور المرضي، وأن تعزي الحزانَى. وفي كل مناسبة كهذه أو غيرها، تقول كلمة طيبة حسبما يعطيك الرب أن تقول، لا كعظة إنما كعزاء.. وتذكر في حياتك الروحية وفي صلتك بالناس قول الرب:
"كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تقطع وتلقي في النار" (مت 7: 19).
وهكذا قال المعمدان أيضًا (مت 3: 10). والثمر الذي تصنعه، بعض منه خاص بك، والبعض خاص بغيرك ممن تشهد للرب في حياتهم، وتقودهم لحفظ وصاياه. وثق أنك إن عملت في هذا الميدان سوف يعطيك الرب مواهب والإمكانيات. فهو يقول عن الغصن المثمر "كل ما يأتي بثمر، ينقيه ليأتي بثمر أكثر" (يو 15: 2).
ما أعمق حياة الذين شهدوا للرب وأتوا بثمر كثير..
يونان النبي يدخل الملكوت، وخلفه 120 ألفًا من أهل نينوى. والقديس الأنبا أنطونيوس يدخل ربوات ربوات من الرهبان والنساك والقديس بولس الرسول يدخل إلى الملكوت، وخلفه مدن كثيرة كرز فيها باسم الرب.. وأنت ماذا فعلت؟ من ستدخله معك إلى الفردوس؟
الإنسان الروحي له رسالة مع كل شخص يدفعه الرب إلى طريقه، كما فعل فيلبس مع الخصي الحبشي.
لقد قابله في الطريق، فرافق مركبته. وانتهي الأمر بأن اَمن ذلك الخصي على يديه، فعمده، ومضي ذلك الرجل في طريقه فرحًا (اع 8: 26-39). وكم من أشخاص ألقاهم الرب إلى طريقك، ولم تفعل شيئًا لأجلهم، بينما كان الصوت يرن في أذنيك "تقدم ورافق هذه المركبة" (أع 8: 29). زملاؤك وجيرانك ومحبوك، وربما البعض ممن قابلتهم عفوًا، وكانوا يحتاجون إلى كلمة الرب من فمك. وكانت الفرصة متاحة، ولم تستغلها!!
هناك من يشهدون للرب بألسنتهم. وهناك من يشهدون له بطريق غير مباشر.
كمن يقدم لشخص كتابًا، ويقول له "ليتك تقرأ هذا الكتاب، فإنني قد استفدت منه كثيرًا".. أو يقدم لغيره شريط كاسيت أو فيديو.. أو يدعوه إلى اجتماع.. أو كأب كاهن مثلًا لا يجيد الوعظ، ولكنه يدعو إلى كنيسته وعاظًا مقتدرين يتأثر أولاده بعظاتهم. كما أنه يغذي مكتبة الكنيسة بكتب نافعة جدًا لأولاده - ويكون في كل ذلك قد شهد للرب بطريق غير مباشر..
يا ليت لقاءاتنا مع الناس، تكون فيها لمسة روحية..
ولو بطريقة غير مباشرة، لا تبدو مصطنعة أمام الناس. والخادم الروحي يستطيع أن ينتهز الفرصة التي يقدم فيها كلمة منفعة، أو يستشهد بآية لها تأثيرها، أو بقول أحد القديسين. ويكون قد قدم رسالة للسامعين، دون أن يبدو في موقف الواعظ. وأحيانًا تكون أمثال هذه الكلمات ذات تأثير أعمق، مع أنها تبدو كما لو كانت قد أتت عفوًا، في بساطة وفي حكمة.
ليتك تأخذ هذا التدريب في لقاءاتك مع الناس..
ألا تستطيع أن تجد فرصة طوال يومك، تقول فيها كلمة يمكنها أن تثبت في قلوب سامعيك أوفي عقولهم؟!
أم يمر اليوم عليك عقيمًا، دون أن تشهد للرب. فيه شهادة واحدة..!!و دون أن يرد اسم الله على فمك!
أنا أعرف أن الكتاب المقدس له استعمال في غرفتك الخاصة. ولكن هل له استعمال في علاقاتك الاجتماعية؟
وحينما تأتي المناسبة تخرج من كنزك -أي من محفوظاتك- جددًا وعتقاء، كما قال الرب (مت 13:52).. وهذا يحدث إن كان في ذاكرتك رصيد من الآيات لشتي المناسبات. وكانت لك النية لاستخدام ما في ذاكرتك. وكذلك إن كانت لك الحكمة في اختيار المناسبة..
كم من أناس لهم اشتياق أن يسمعوا. وللأسف لم يجدوا من يكلمهم، على الرغم من اختلاطهم بخدام الكنيسة..!! وقد يعاشرون خدامًا سنوات وسنوات، ويكون الواحد منهم، متكلمًا ولطيفًا، ولكنه لا يتحدث عن الله.. كما لو كان يخجل أن يذكر آية، أو كلمة من أقوال الآباء، أو قصة من قصص القديسين، أو حديثًا عن فضيلة من الفضائل، أو نصيحة مفيدة.. وكأنه شجرة خضراء مملوءة ورقًا، ولكن بلا ثمر..!!
حاول أن تختبر هذا الأمر، أن تتكلم عن الله..
أن يكون في كلامك عمق روحي. أن تقصد توصيل رسالة من الله إلى الناس. وستري أن النتيجة ستكون طيبة جدًا. حتى لو استفاد كم كلامك شخص واحد من بين مجموعة، فهذه بركة ونعمة. لقد تحدث القديس بولس الرسول في أثينا. وتأثر بكلامه شخص وسط جمع من المستهزئين به، هو ديونسيوس الأريوباغي (أع 17: 34). وكان أول أسقف لأثينا فيما بعد..
رسالتك أن تلقي البذار، واترك الثمار لطبيعة الأرض.
فهكذا علمنا الرب في مثل الزارع (مت 13). وثق أن الذي لا تثمر فيه كلمتك اليوم، ربما تثمر بعد حين، حينما تهيئ نعمة الرب أرضه للإثمار. استمع إلى قول الكتاب "الق خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة" (جا 11: 1). لماذا لا يكون الرب على لسانك، ويشغل جزءًا من أحاديثك؟! ولماذا لا تكون لك الغيرة المقدسة التي تدفعك دفعًا إلى العمل في ملكوت الله، والشهادة للرب في عالم مظلم؟ استمع قول الرسول:
"مَنْ رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20).
حاول إذن أن تعمل في هذا المجال، بدلًا من أن تسمع عن الخطاة، فتنقدهم وتشر بهم، أو تحتقرهم، دون أن تعمل على خلاص احد منهم!! أو إن شهدت للرب في حياتهم، تشهد لما ينتظرهم من جهنم النار، دون أن تفتح باب التوبة أمامهم، وتختطفهم من النار لتخلصهم (يه 23).
إن الشهادة لله ينبغي أن تكون في حكمة وفي حب..
استمع إلى القديس بولس وهو يقول "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا، اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ،" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 6: 1). المعنى قال بولس الرسول لشيوخ أفسس الذين استدعاهم من ميليتس "لم أفتر أن أنذر بدموع كل أحد" (أع 20: 31).
ولتكن شهادتك للرب مقنعة ومشبعة ودسمة.
تستطيع أن تجذب بها نفوس الناس، فيفرحون بما يسمعونه من كلامك. كما قال سمعان بطرس للسيد المسيح "إلي من نذهب؟! وكلام الحياة الأبدية هو عندك" (يو 6: 68).
وثِق أنك في شهادتك للرب، سوف تستفيد أنت أيضًا.
سوف تنمو في الروح، وفي معرفة كلمة الرب. وسوف تدخل في شركة الروح القدس، حينما يتكلم روح الله من فمك (مت 10: 20). وستجد نفسك مدفوعًا إلى تنفيذ ما تقوله لغيرك. وينطبق عليك قول الرسول: "تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1 تي 4: 16). وسيدخل في حياتك عنصر الحب: حب الله وملكوته، وحب الناس. وحينما ترى ثمر خدمتك في الناس، سيدخل الفرح إلى قلبك. كما انك سوف تكتسب خبرات روحية في الخدمة وعمل الله فيها وفيك. وستدفعك الخدمة إلى الصلاة، فتصلي لأجل المخدومين ولأجل نفسك.. وهكذا تنمو روحيًا..
في شهادتك لله، أتراك إذن تعطي أم تأخذ؟
لا شك أنك تأخذ أكثر مما تعطي. فإلى جوار كل ما ذكرناه من فوائد روحية، ستأخذ أيضًا أكاليل لجهادك (2 تي 4: 8). وسيكون لك شرف العمل مع الله (1 كو 1: 8). ويمنحك الله نقاوة ليكثر ثمرك، لأنه قال "أنقيه ليأتي بثمر أكثر" (يو 15: 2).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/x9vnrgd