عرف الإنسان الحجري النار بالصدفة عن طريق الصواعق ثم عن طريق احتكاك حجارة الصوان بعضها ببعض. ومنذ ذلك الحين والنار من المواد الأساسية في الكون بل هي ركن من المثلث: الماء والهواء والنار. ويتكلم ويتكلم الكتاب المقدس عن فوائد النار المتعددة وطرق استعمالها. فكانت تستعمل للتدفئة خاصة في الأماكن الباردة إما بواسطة الكوانين (ار 36: 22) أو المواقد وسط البيوت (لو 22: 55) أو بواسطة أجران الجمر (يو 18: 18). وكانت تستعمل في التعدين (تك 4: 22) والطبخ (خر 16: 23؛ اش 44: 16). وتمحيص الفلزات (عد 31: 22؛ زك 13: 8، 9). وكانت التقدمات تقدم ليهوه بالمحرقات (تك 8: 20). وكان يراد من النار أن يشم بها رائحة التقدمات (تك 8: 21). وكان المتعبد يضرم النار تحت التقدمات بنفسه (تك 22: 6). وموسى قدم تقدمات على المذبح الذي بناه وأشعل النار بنفسه (خر 40: 29). ولكن بعد أن عهد إلى هارون وأبنائه بالكهنوت أصبح الكهنة هم الذين يضرمون النار للرب (لا 6: 22). وكانت النار تنزل أحيانًا من السماء وتحرق المحرقات علامة على رضا الله كما حصل في المذبح الجديد بعد أن رسم هارون للكهنوت، وفي الهيكل في القدس (لا 9: 24؛ 2 أخبار 7: 1) وهناك عدة حوادث على إخراج الله النار بنفسه علامة الرضا على جدعون وإيليا وداود (قض 6: 23، 24؛ 1 أخبار 21: 26).
وكان القدماء يستعملون النيران للقصاص. فكانوا يحرقون المحكوم عليهم بالإعدام (ار 29: 22؛ دا 3: 20، 21). وقد استمرت هذه العادة حتى القرون الوسطى. أما في أفريقيا فاستمرت إلى عصور قريبة. وكانت الشريعة تأمر بحرق الرجل الذي يتزوج من امرأة وأمها (لا 20: 14) وابنة الكاهن التي تزني (لا 21: 9). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). ومكان المنذور يحرق شعر رأسه بعد انتهاء نذره (عد 6: 18). وكان الوثنيون يعبدون النار من جلة ما عبدوه من مظاهر الطبيعة ولا تزال عبادة النار معروفة في الهند إلى اليوم كما كانوا يحرقون أبناءهم على النار تقدمة لبعض الآلهة الوثنية (2 مل 16: 3؛ 21: 6؛ ار 7: 31؛ خر 16: 20، 21) مثلما كانوا يغرقون أبناءهم في النهر للسبب نفسه.
واستعملت النار في الكتاب للتشبيه. فشبهت بها المحبة النقية (نش 8: 6) ولسان الغش (مز 12: 4) وشفتا اللئيم (ام 16: 27) واللسان الذي لم يضبط (يع 3: 5) والفجور (اش 9: 18) وغضب الله (مز 79: 5؛ 89: 46؛ نا 1: 6) وكلمة الله (ار 23: 29) وذات الله (تث 4: 24؛ عب 12: 29).
وقد نهى الناموس عن إشعال النار يوم السبت لأنه يوم الرب (خر 35: 3) وعن إحراق البخور في غير أوقات التقدمات القانونية وبغير الطريق الأصولي وبتقديم نار غريبة (لا 10: 1).
وظهر الله في النار أمام موسى في جبل حوريب (خر 3: 2) وكان الله يسير أمام بني إسرائيل عند خروجهم من مصر في عمود نار في الليل ليضيء لهم (خر 13: 21) ولما قابل الله موسى على جبل سيناء نزل الرب على الجبل بالنار وكان الدخان يتصاعد عاليًا (خر 19: 18). وقد ذكر ذلك داود في نشيده شكرًا لله لأنه أنقذه من أعدائه ومن شاول (2 صم 22: 13). وتكلم عن الله للنبي حزقيال في السبي وهو المسيح الممجد كلهيب نار (رؤ 1: 14) وشاهد النار أمام العرش (رؤ 4: 5).
ووصفت جهنم بالنار الملتهبة "الأكلة الأبدية التي لا تنطفئ وبحيرة النار والكبريت والعذاب" (تث 32: 22؛ اش 33: 14؛ 66: 24؛ مر 9: 44؛ يه 7؛ رؤ 20: 10).
لقد عرف الإنسان النار منذ فجر التاريخ، فلابد أن هابيل أوقد نارًا عندما قدم قربانه للرب، وكذلك نوح الذي أصعد لله محرقات على المذبح الذي بناه (تك 4: 3؛ 8: 20). ويبدو أن الإنسان راعَى أن يحتفظ بمصدر للنار مشتعلًا حتى يَتَجَنَّب الحاجة إلى إعادة إيقادها في كل مرة. فمثلًا يبدو أن إبراهيم كان يحمل معه إناء به نار مشتعلة عند ذهابه إلى جبل المريا لتقديم ابنه اسحق محرقة (تك 22: 6)، ويبدو أن هذه كانت العادة في الزمن القديم (إش 30: 14).
والأرجح أن أهم طرق إيقاد النار في العصور الكتابية كانت بقدح قطعتي صوان (ارجع إلى المكابيين الثاني 10: 3).
وليس لدينا أي دليل على أنه وجد شعب لم يعرف استخدام النار، ولكن لا تعرف على وجه اليقين كيف توصل الإنسان في البداية إلى معرفة كيفية إيقاد النار، فهناك الكثير من الأساطير التي تدور حول هذا الزمر. فقد كان قدماء الكلدانيين يعتبرون "جيبير" (أو جيبيل) إله النار أقوى الآلهة، فهو الذي ينير الظلام، ويذيب النحاس والذهب والفضة وغيرها من المعادن.
وهناك أسطوره إغريقية تقول إن "برومثيوس" - قد وجد "زيوس" كبير الآلهة، قد منع النار عن الإنسان الفاني، سرقها من جبل الأولمب وأتى بها للإنسان في قصبة مجوفة، فعاقبته الآلهة بتقييده بالسلاسل في صخرة في براري سكيثيا.
فإعداد الطعام يستلزم استخدام النار، كما تلزم للإنارة وللتدفئة، وبخاصة في الجو البارد في الشتاء في فلسطين (إرميا 36: 22؛ مرقس 14: 54؛ يو 18: 18؛ أع 28: 2). ولطهر المعادن وتنقيتها وتشكيلها (زك 13: 9؛ ملاخي 3: 2). ولحرق الفضلات والأشياء الملوثة (لا 13: 52، 57).
وكان الناموس يحرِّم إيقاد نار في يوم السبت ولو لأغراض الطبخ (خر 35: 3).
ويبدو أن شدة الجفاف في فصل الصيف، مع ارتفاع درجات حرارة الجو، كانت تؤدي إلى اشتعال الحرائق (قض 9: 15).
كما كانت الشريعة تقضي بأنه إذا أوقد شخص " نارا" وأصابت شوكا، فاحترقت أكداس أو زرع أو حقل، فالذي أوقد الوقيد يُعوِّض (خر 22: 6؛ ارجع أيضًا إلى قض 15؛ 5؛ 2 صم 14: 30).
كانت النار لازمة لحرق الذبائح والبخور. فكانت النار تتقد دائما على مذبح المحرقة، لا تطفأ (لا 6: 9). وقد خرجت تلك النار أصلا من عند الرب فأحرقت على المذبح المحرقة والشحم" (لا 9: 24)
وكانت أي نار تؤخذ للأغراض المقدسة، من مصدر آخر غير النار المتقدة دائمًا على مذبح المحرقة، تعتبر " نارًا غريبة " لا يرضى عنها الرب، وعندما فعل ابنا هارون ناداب وأبيهو ذلك، " خرجت نار من عند الرب وأكلتهما، فماتا أمام الرب "(لا 10 :1، 2؛ عد 3: 4؛ 26:61).
وحدث عندما وضع جدعون اللحم والفطير وسكب المرق على الصخرة، كما أمره الملاك أن " مد الملاك طرف العكاز الذي بيده ومس اللحم والفطير، فصعدت نار من الصخرة وأكلت اللحم والفطير" (قض 6: 19 - 21).
وعندما أصعد داود "محرقات وذبائح سلامة ودعا الرب، أجابه بنار من السماء على مذبح المحرقة" (1 أخ 21: 26). وهو ما حدث أيضًا مع سليمان عندما انتهى من صلاته عند تدشين الهيكل، إذ " نزلت النار من السماء وأكلت المحرقة والذبائح، وملأ مجد الرب البيت" (2 أخ 7: 1).
وعندما عاد بنو إسرائيل بالغنائم التي أخذوها من المديانيين. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). "قال ألعازار الكاهن لرجال الجند الذين ذهبوا للحرب: هذه فريضة الشريعة التي أمر بها الرب موسى: "الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والرصاص، كل ما يدخل النار، تجيزونه في النار فيكون طاهرًا... وأما كل ما لا يدخل النار فتجيزونه في الماء" (عد 31: 21 - 23).
وكانت ذبائح الخطية، بعد رش دمها وحرق شحمها على مذبح المحرقة، يؤخذ جلدها وكل لحمها مع رؤوسها وأكارعها وأحشائها وفرشها، "إلى خارج المحلة إلى مكان طاهر، إلى مرمى الرماد وتحرق على خطب بالنار. على مرمى الرماد تحرق" (لا 4: 11، 12؛ 6: 30؛ 16: 27؛ عب 13 : 11).
وكان على النذير في يوم تكمل أيام انتذاره، "أن يحلق لدى باب خيمة الاجتماع رأس انتذاره، ويأخذ شعر رأس انتذاره ويجعله على النار التي تحت ذبيحة السلامة (عد 6: 18).
كانت عقوبة المرأة الزانية (فيما قبل الناموس) هي الحرق بالنار (تك 38: 24). كما قضت الشريعة بأنه " إذا تدنست ابنة كاهن بالزنى، فقد دنست أباها بالنار تحرق" (لا 21: 9)، وكذلك " إذ اتخذ رجل امرأة وأمها، فذلك رذيلة، بالنار يحرقونه وإياهما" (لا 20: 14).
وكان يعقب تنفيذ الإعدام في بعض الحالات، أن يحرق الجثمان بعد الموت (لا 20: 14؛ 21: 9؛ يش 7: 25؛ 2 مل 23: 16).
ولكن يبدو أن الحرق بالنار كان وسيلة الإعدام عند الأمم الوثنية كما حدث مع الفتية الثلاثة في بابل (دانيال 3).
استخدمت النار رمزًا لمحضر الرب ودلالة على قوته، سواء في الرضى أو التدمير (خر 14: 19، 24؛ عد 11: 1، 3.. إلخ.). وهكذا ظهر الرب في العليقة المشتعلة (خر 3: 2)، وعلى جبل سيناء المضطرم بالنار (خر 19: 18؛ 24: 17؛ عب 12: 18). كما ظهر هكذا لإشعياء ولحزقيال وليوحنا (أش 6: 4، 5؛ حز 1: 4؛ رؤ 1 : 12 - 15). وسيظهر هكذا في مجيئه ثانية (2 تس 1 : 7، 8).
وقد قاد الرب شعبه قديمًا في البرية بعمود نار (خر 13: 21) ويقال عن الله إنه " نار آكلة "، ليس لأجل بهاء مجده فحسب، بل أيضًا في غضبه على الخطية، فسيحرق الخطاة في جهنم، البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، التي نارها لا تطفأ ودودها لا يموت (تث 32: 22؛ مز 79: 5؛ 98: 46؛ إش 10: 17؛ 33: 14؛ 66: 21؛ حز 21: 31، 32؛ عب 12: 29؛ يهوذا 7؛ رؤ 20: 10). كما يشبه شعب الله بنار تلتهم الأعداء (عو 18).
كما يقال عن كلمة الله إنها "نار" (إرميا 5: 14؛ 23: 29) وكذلك عن الروح القدس (إش 4: 4؛ أع 2: 3، 4)، وغيرة القديسين (مز 39: 3؛ 119: 139). كما يقال عن الملائكة: "الصانع ملائكته رياحًا وخدامه نارًا ملتهبة" (مز 104: 4؛ عب 1: 7). وشبهت بها المحبة الصادقة (نش 8: 6).
ويمثل الحكيم خطية الشهوة بنار وجمر (أم 6: 27، 28) . ويقول إشعياء: إن "الفجور يحرق كالنار" (إش 9: 18).
ويقول الحكيم: "الرجل اللئيم ينبش الشر، وعلى شفتيه كالنار المتقدة (أم 16: 27)، وكذلك لسان الغش (مز 120: 4). ويقول يعقوب الرسول: "اللسان نار... يضرم دائرة الكون، ويُضرم من جهنم" (يع 3: 6). وكذلك رجاء المنافقين (إش 50: 11).
ويشبه بها اضطهاد المؤمنين (لو 12: 49 - 53)، ودينونة الأشرار (إرميا 48: 45؛ مراثي 1: 13؛ حز 39: 6).
كما أن النار تستخدم مجازيا أيضًا كوسيلة للشفاء والتطهير روحيًّا (إش 4: 4، 5؛ ملاخي 3: 2، 3).
* انظر أيضًا: الشمع، الأتون، بدعة المطهر الكاثوليكية، الزغل، الشمس، اللظى، فحم، لذع | يلذع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5ppykf3