← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30
اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ
|
1-5. |
|
|
6-9. |
|
|
10-21. |
|
|
22-25. |
|
|
26-28. |
|
|
29-30. |
1 وَقَالَ دَاوُدُ الْمَلِكُ لِكُلِّ الْمَجْمَعِ: «إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنِي الَّذِي وَحْدَهُ اخْتَارَهُ اللهُ، إِنَّمَا هُوَ صَغِيرٌ وَغَضٌّ، وَالْعَمَلُ عَظِيمٌ لأَنَّ الْهَيْكَلَ لَيْسَ لإِنْسَانٍ بَلْ لِلرَّبِّ الإِلهِ. 2 وَأَنَا بِكُلِّ قُوَّتِي هَيَّأْتُ لِبَيْتِ إِلهِيَ: الذَّهَبَ لِمَا هُوَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْفِضَّةَ لِمَا هُوَ مِنْ فِضَّةٍ، وَالنُّحَاسَ لِمَا هُوَ مِنْ نُحَاسٍ، وَالْحَدِيدَ لِمَا هُوَ مِنْ حَدِيدٍ، وَالْخَشَبَ لِمَا هُوَ مِنْ خَشَبٍ، وَحِجَارَةَ الْجَزَعِ، وَحِجَارَةً لِلتَّرْصِيعِ، وَحِجَارَةً كَحْلاَءَ وَرَقْمَاءَ، وَكُلَّ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ، وَحِجَارَةَ الرُّخَامِ بِكَثْرَةٍ. 3 وَأَيْضًا لأَنِّي قَدْ سُرِرْتُ بِبَيْتِ إِلهِي، لِي خَاصَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَدْ دَفَعْتُهَا لِبَيْتِ إِلهِي فَوْقَ جَمِيعِ مَا هَيَّأْتُهُ لِبَيْتِ الْقُدْسِ: 4 ثَلاَثَةَ آلاَفِ وَزْنَةِ ذَهَبٍ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ، وَسَبْعَةَ آلاَفِ وَزْنَةِ فِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ، لأَجْلِ تَغْشِيَةِ حِيطَانِ الْبُيُوتِ. 5 الذَّهَبُ لِلذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ لِلْفِضَّةِ وَلِكُلِّ عَمَل بِيَدِ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ. فَمَنْ يَنْتَدِبُ الْيَوْمَ لِمِلْءِ يَدِهِ لِلرَّبِّ؟»
بعد أن أعلن داود عن جمعه الكثير لبناء بيت الرب، قَدَّمَ من ماله الخاص ذهبًا وفضة، وحثَّ الشعب على العطاء لبيت الرب بسخاء. هذا العطاء فرَّح قلوبهم كما فَرَّح قلب الملك. قَدَّم الملك نفسه نموذجًا حيًّا، ليس للشعب فقط، بل ولكل القادة، فقد بذل كل الجهد، وقَدَّم من ممتلكاته الخاصة بكل سخاءٍ وبكل سرورٍ (2 كو 9: 7)، مما شَجَّع الجميع على الاقتداء به.
وَقَالَ دَاوُدُ الْمَلِكُ لِكُلِّ الْمَجْمَعِ:
"إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنِي الَّذِي وَحْدَهُ اخْتَارَهُ الله،
إِنَّمَا هُوَ صَغِيرٌ وَغَضٌّ، وَالْعَمَلُ عَظِيمٌ.
لأَنَّ الْهَيْكَلَ لَيْسَ لإِنْسَانٍ بَلْ لِلرَّبِّ الإِلَهِ. [1]
طلب منهم أن يأخذوا في الاعتبار أن سليمان صغير وقليل الخبرة ويحتاج إلى المساعدة، فهو الشخص الذي اختاره الله ليقوم بالعمل العظيم الذي يتطلب اهتمام الكل ومساندتهم لإتمامه.
كان العمل عظيمًا ويجب أن تتقدَّم كل الأيادي لتنفيذه، فالهيكل الذي سيُبْنَى ليس لإنسانٍ بل للرب الإله، فكلما كثرت العطايا للبناء زاد بهاؤه. إنه عمل جدير بتقديم مساعدتهم له، فهذه خدمة حسنة أن نُشَجِّعَ الصغار والضعفاء الذين يعملون في خدمة الله.
ينتهي هذا السفر ببث الاشتياق نحو التَمَتُّع بداود الحقيقي وسليمان الحقيقي. مسْح سليمان ملكًا يرمز للسيد المسيح الذي قيل عنه: "هوذا عبدي الذي اخترته، مختاري الذي سُرَّت به نفسي" (إش 42: 1). كان سليمان رمزًا للملك الحقيقي، رب المجد يسوع، غير أنه كان صغيرًا والعمل عظيم، أما السيد المسيح فوحده القادر أن يملك إلى الأبد، يجلس على العرش الإلهي السماوي، وليس فيه ضعفات أو نقص.
يلاحظ أن الكاتب استخدم الكلمة الفارسية berah عن الهيكل ومعناها قصر، وهي لم تُستخدَم في أي سفرٍ آخر، حتى الأسفار التي ترجع إلى العصر الفارسي والإغريقي. وأيضًا استخدم عن الثروة التي تُقدَّم لبناء الهيكل اسم العملة الذهبية لفارس adorkanim (درهم darics [7]).
وَأَنَا بِكُلِّ قُوَّتِي هَيَّأْتُ لِبَيْتِ إِلَهِيَ الذَّهَبَ لِمَا هُوَ مِنْ ذَهَبٍ،
وَالْفِضَّةَ لِمَا هُوَ مِنْ فِضَّةٍ، وَالنُّحَاسَ لِمَا هُوَ مِنْ نُحَاسٍ،
وَالْحَدِيدَ لِمَا هُوَ مِنْ حَدِيدٍ، وَالْخَشَبَ لِمَا هُوَ مِنْ خَشَبٍ،
وَحِجَارَةَ الْجَزَعِ وَحِجَارَةً لِلتَّرْصِيعِ وَحِجَارَةً كَحْلاَءَ وَرَقْمَاءَ،
وَكُلَّ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَحِجَارَةَ الرُّخَامِ بِكَثْرَةٍ. [2]
أخبرهم عن الترتيبات العظيمة التي أَعَدَّها لهذا العمل، وهو لم يرد أن يلقي على كاهلهم كل الحمل، ولا أن يكون البناء كله قائمًا على العطاء، ولكن أعطاهم الفرصة أن يُظهِروا حُسْنَ نيَّتِهم بالإضافة إلى ما عمله هو. يقول: "أنا بكل قوتي هيأت"، أيّ "أنا جعلت هذا شُغْلِي الشاغل"، فعمل الله يجب أن نعمله بكل قوتنا. لقد قَدَّمَ داود بكل سخاء ذهبًا وفضة لبناء بيت الرب، أما ملك الملوك، فقَدَّم دمه الثمين لبناء كنيسته المقدسة.
v أَهِّلني يا ربي يسوع المسيح أن أُسَاهِم في بناء بيتك...
أني أتوق أن أُقَدِّم ذهبًا للغطاء ( خروج 25: 17)، أو لتابوت العهد أو للمنارة أو للسرج.
وان لم يكن لي ذهب أقدم فضة لعمل الألواح وقواعدها (خروج 26: 25 )...
اسمح لي يا ربي أن أُقَدِّمَ حجارة كريمة لترصيع رداء رئيس الكهنة وصدرته... وإن كنت فقيرًا أُقَدِّم لبيت الله شعر معز، ولا أظهر عقيمًا بلا ثمر.
هلم نبنِ خيمة إله يعقوب، يسوع المسيح ربنا، ونزينها[1].
وَأَيْضاً لأَنِّي قَدْ سُرِرْتُ بِبَيْتِ إِلَهِي،
لِي خَاصَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَدْ دَفَعْتُهَا لِبَيْتِ إِلَهِي،
فَوْقَ جَمِيعِ مَا هَيَّأْتُهُ لِبَيْتِ الْقُدْسِ: [3]
وضع أمامهم مثاًلا حسنًا، فبجانب ما خصَّصه لهذه الخدمة من غنائم وهدايا الدول المجاورة التي كانت لبناء البيت، قَدَّم من ناحيته هو الكثير لتجميل وزخرفة البناء، ثلاثة آلاف وزنة ذهب وسبعة آلاف وزنة فضة [3-5]. وهذا لأنه كرَّس وجدانه لبيت الرب، وقد أعطى كل هذا ليس كما يعطي الفريسي العشور لكي يراه الناس، ولكن لأنه يُحِبُّ الجلوس في بيت الله كما قال: "من دسم بيتك يسكرون، ومن وادي نعيمك تسقيهم؛ لأن ينبوع الحياة عندك" (مز 36: 8-9) وهنا أثبت ذلك. فهؤلاء الذين يُكَرِّسون وجدانهم لخدمة الله، لا يفكرون في الآلام أو النفقات التي تنتج عن ذلك. عطايانا تسرّ الله عندما تنبع من المحبة، فأولئك الذين يوجهون أنفسهم نحو السماويات يُكَرِّسون وجدانهم لبيت الله الذي خلاله نجد طريقنا إلى السماء.
v الذين يشربون من غِنى بيت الله ومجرى مسرته يرتوون، كما يخبرنا النبي (مز 36: 8). بهذه الوسيلة سكر داود ولم يَدرِ بنفسه؛ وإذ كان في دهش عاين ذلك الجمال الإلهي الذي لا يقدر مائت على معاينته[2].
سرد لهم داود ما أعطى لكي يعملوا مثله، فهؤلاء الذين يودُّون أن يجذبوا الآخرين ليعملوا مثلهم يجب أن يكونوا مثاًلا لهم، وأولئك الذين وصلوا إلى درجة عالية من الكرامة يجب أن يظهر نورهم قدام الناس، لأن تأثيرهم يكون أكثر قوة واتساعًا عن الآخرين.
كثيرًا ما تحدَّث القديس باسيليوس الكبير عن التزام القائد أن يكون مثالاً يَقتدِي به مرؤوسوه:
v إذ يليق بالجماعة أن تطيع الرئيس، وتخضع له بكل الطرق، لذا فإنه على جانب عظيم من الأهمية أن الذي يُختَار كمُرشِدٍ في هذه الحالة من الحياة أن تصلح حياته أن تكون نموذجًا في كل فضيلة لكل الذين يتطلعون إليه. وكما يقول الرسول أن يكون "صاحيًا، عاقًلاً، ذا سلوك صالح، معلمًا" (1 تي 3: 2).
لهذا ففي رأيي يلزم الاستقصاء عن طريقة حياته، ولا يقف الأمر عند بلوغه عمرًا مُعَيَّنًا من جهة الزمن، فأحيانًا توجد سمات صبيانية مع الشيبة والتجاعيد.
فالاستفسار عنه يلزم أن يكون فوق كل شيء لمعرفة إن كانت شخصيته وأخلاقياته نمت في شيبة بلياقة، حتى أن كل ما يفعله ويقوله يمكن أن يُمَثِّل قانونًا وقاعدة ملزمة للجماعة[3].
v الويل لذاك الرئيس الذي يحاول استغلال السلطة والإسراف في غيِّه وأنانيَّته، فإن القصاص ينتظره من قِبَلِ الديَّان العادل، ويكون له بمقدار القسوة التي عامل بها قدِّيسي الله[4].
v ليت ذاك الذي هو رئيس لا ينتفخ بسبب عمله، لئلا يسقط من طوباويَّة التواضع، وإنَّما يليق به أن يعرف التواضع الحقيقي كخدمة للكثيرين... ليت الأعظم يكون كالأصغر.
v يليق بالذين يَحْتَلُّون المراكز الرئيسيَّة أن يكونوا مستعدِّين أن يقدِّموا حتى الخدمة الجسديَّة على مثال الرب الذي غسل قدميّ تلاميذه. لذا قيل "(ليكن) المتقدِّم كالخادم[5]".
ثَلاَثَةَ آلاَفِ وَزْنَةِ ذَهَبٍ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ،
وَسَبْعَةَ آلاَفِ وَزْنَةِ فِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ،
لأَجْلِ تَغْشِيَةِ حِيطَانِ الْبُيُوتِ. [4]
الذَّهَبُ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ لِلْفِضَّةِ،
وَلِكُلِّ عَمَلٍ بِيَدِ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ.
فَمَنْ يَنْتَدِبُ الْيَوْمَ لِمِلْءِ يَدِهِ لِلرَّبِّ؟" [5]
قَدَّم داود عطايا مُعَدَّة حتى في أيام صموئيل النبي وشاول وأبنير. قَدَّم ثروته للهيكل، وشَجَّع الآخرين أن يقتدوا به. بعد وصيته بخصوص بناء الهيكل، حثَّ الملك داود الشعب أن يكون سخيًّا في بناء الهيكل [1-5]. جاءت كلماته على مثال كلمات موسى النبي لإسرائيل بخصوص إقامة خيمة الاجتماع في البرية (خر 35: 4-19).
مرة ومرات يحث الكل على العطاء بسخاء مما أعطاهم الرب. حرَّك مشاعرهم ليعملوا مثله: "فمن ينتدب اليوم لملء يده للرب؟":
1. يجب علينا جميعًا، كلُّ في مجاله الخاص، أن نخدم الرب ونُكَرِّس خدمتنا له ونفصلها عن أيّ شيء غريب يتداخل معها، ونُوَجِّهها لكرامة ومجد الله.
2. يشتاق الله أن ينتدب إن أمكن كل إنسان للعمل في بيته. أما من جانبنا فيجب أن تكون خدمة الله هي شغلنا الشاغل بأن نملأ أيدينا للرب، أي نُقَدِّم كثيرًا، كما ذُكِرَ في شريعة موسى، فهؤلاء الذين يشغلون أنفسهم بخدمة الله يكونون مشغولين لأبعد حدٍّ، وهناك عمل كاف لكل إنسان في هذا المجال، وملء اليد بخدمة الله تعني خدمته وحده وأن نخدمه بحريةٍ وبقوة النعمة المستقاة منه.
3. يجب أن نعمل ذلك برغبة وسماحة وسرعة، أيّ نعمل اليوم، فمن يرغب فعَلَيْه أن يَتَقَدَّم.
6 فَانْتَدَبَ رُؤَسَاءُ الآبَاءِ وَرُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءُ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَرُؤَسَاءُ أَشْغَالِ الْمَلِكِ، 7 وَأَعْطَوْا لِخِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ خَمْسَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ وَعَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشَرَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وَزْنَةٍ مِنَ النُّحَاسِ، وَمِئَةَ أَلْفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْحَدِيدِ. 8 وَمَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ حِجَارَةٌ أَعْطَاهَا لِخَزِينَةِ بَيْتِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ يَحِيئِيلَ الْجَرْشُونِيِّ. 9 وَفَرِحَ الشَّعْبُ بِانْتِدَابِهِمْ، لأَنَّهُمْ بِقَلْبٍ كَامِل انْتَدَبُوا لِلرَّبِّ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ أَيْضًا فَرِحَ فَرَحًا عَظِيمًا.
فَانْتَدَبَ رُؤَسَاءُ الآبَاءِ وَرُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ
وَرُؤَسَاءُ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَرُؤَسَاءُ أَشْغَالِ الْمَلِكِ، [6]
وَأَعْطُوا لِخِدْمَةِ بَيْتِ الله خَمْسَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ،
وَعَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ،
وَعَشَرَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ،
وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وَزْنَةٍ مِنَ النُّحَاسِ،
وَمِئَةَ أَلْفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْحَدِيدِ. [7]
وَمَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ حِجَارَةٌ أَعْطَاهَا لِخَزِينَةِ بَيْتِ الرَّبِّ،
عَنْ يَدِ يَحِيئِيلَ الْجَرْشُونِيِّ. [8]
اقتدى القادة بالملك (2 كو 9: 7). كانوا جميعًا أسخياء في العطاء عندما حُثّوا على ذلك. بالرغم من أنهم حُثوا، فقد قيل: "إنهم قَدَّموا برغبتهم" ويظهر مقدار كرمهم من الكميات التي قَدَّموها (ع 7-8)، أعطوا كقادة وأمراء إسرائيل.
1. فرح الشعب، وربما هذا يعني أن أفراد الشعب الذين قَدَّموا عطايا فرحوا لوجود فرصة لتكريم الله من أموالهم، وسُرّوا لإمكانية إتمام هذا العمل الحسن، أو يعني أن عامة الشعب سُرّوا لكَرَمِ قادتهم، وأن حُكَّامهم يُقَدِّرون هذا العمل العظيم، فكل إسرائيلي يُسَرُّ بأن يرى عمل الهيكل يُنَفَّذ بنشاطٍ وهكذا انطبق عليهم قول الكتاب: "المُعطِي المسرور يُحِبُّه الرب".
2. تهلل داود بسرورٍ عظيمٍ بأن يرى نتائج التأثير الحسن لمزاميره والمساعدات التَقَوُية التي زوّدهم بها، وسُرَّ بأن يرى ابنه وخليفة عرشه مُحاطًا بأناس مملوءين حُبًّا لبيت الله، وأن هذا العمل الذي وضع قلبه عليه كثيرًا أصبح في الإمكان أن يتقدَّم، فإنه لنهضة عظيمة للناس الأبرار أن يعلموا قبل وفاتهم أنهم تاركين بعدهم أناسًا غيورين للعبادة واستمرارها.
وَفَرِحَ الشَّعْبُ بِانْتِدَابِهِمْ،
لأَنَّهُمْ بِقَلْبٍ كَامِلٍ انْتَدَبُوا لِلرَّبِّ.
وَدَاوُدُ الْمَلِكُ أَيْضًا فَرِحَ فَرَحًا عَظِيمًا. [9]
لم يطلب داود مشاركة الرؤساء ومُمَثِّلي الشعب في خطة البناء، لأنها من قِبَلِ الرب وحسب فكره الإلهي، إنما لهم أن يشاركوا في العمل نفسه. لقد تهلل الشعب كما داود لمشاركتهم في العمل. يرى داود أن ما يقدمونه لله هو مما سبق فأعطاهم إياه.
ما يشغل داود النبي أن يعطي الشعب قلبه لله، وأن يخدم سليمان الله بكل قلبه. العطية المحبوبة لدى الله أن يُقَدِّم المؤمن نفسه وقلبه قبل ممتلكاته، وأن يُجَدِّدَ العهد مع الله بكل قلبه.
تكلم داود ببراعة مع الجميع ليُحثهم على المشاركة في بناء الهيكل، فمن واجبنا أن نحض بعضنا البعض على عمل الخير، ليس فقط بأن نعمل الخير بأنفسنا بل نجذب على قدر إمكاننا الآخرين ليعملوا الخير أيضًا، فقد كان هناك أغنياء كثيرون في إسرائيل، وكان لهم الفرصة للاستفادة من الاشتراك في بناء الهيكل في أيام السلام التي صاحبت هذا العمل. لم يفرض داود عليهم هذا العطاء كضريبةٍ، لكنه نصحهم بتقدِّيم هدية كفرصة للعطاء بحرية إرادة، فما يُعمَل من أعمال برًّ وخيرٍ يجب أن يكون برضا وبغير اضطرار.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
10 وَبَارَكَ دَاوُدُ الرَّبَّ أَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ دَاودُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ أَبِينَا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. 11 لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ. 12 وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ. 13 وَالآنَ، يَا إِلهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. 14 وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ. 15 لأَنَّنَا نَحْنُ غُرَبَاءُ أَمَامَكَ، وَنُزَلاَءُ مِثْلُ كُلِّ آبَائِنَا. أَيَّامُنَا كَالظِّلِّ عَلَى الأَرْضِ وَلَيْسَ رَجَاءٌ. 16 أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، كُلُّ هذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتًا لاسْمِ قُدْسِكَ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ. 17 وَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ بِالاسْتِقَامَةِ. أَنَا بِاسْتِقَامَةِ قَلْبِي انْتَدَبْتُ بِكُلِّ هذِهِ، وَالآنَ شَعْبُكَ الْمَوْجُودُ هُنَا رَأَيْتُهُ بِفَرَحٍ يَنْتَدِبُ لَكَ. 18 يَا رَبُّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ آبَائِنَا، احْفَظْ هذِهِ إِلَى الأَبَدِ فِي تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قُلُوبِ شَعْبِكَ، وَأَعِدَّ قُلُوبَهُمْ نَحْوَكَ. 19 وَأَمَّا سُلَيْمَانُ ابْنِي فَأَعْطِهِ قَلْبًا كَامِلًا لِيَحْفَظَ وَصَايَاكَ، شَهَادَاتِكَ وَفَرَائِضَكَ، وَلِيَعْمَلَ الْجَمِيعَ، وَلِيَبْنِيَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هَيَّأْتُ لَهُ». 20 ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: «بَارِكُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ». فَبَارَكَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ وَلِلْمَلِكِ. 21 وَذَبَحُوا لِلرَّبِّ ذَبَائِحَ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ فِي غَدِ ذلِكَ الْيَوْمِ: أَلْفَ ثَوْرٍ وَأَلْفَ كَبْشٍ وَأَلْفَ خَرُوفٍ مَعَ سَكَائِبِهَا، وَذَبَائِحَ كَثِيرَةً لِكُلِّ إِسْرَائِيلَ.
اهتم داود أن يُسَبِّحَ الله ويُمَجِّده، مؤكدًا أن الكل مدينون له بالكثير، مهما قَدَّموا فلا يُحسَب شيئًا أمام عطايا الله. عطية داود لله هي صلاة الشكر له (تك 24: 27؛ دا 2: 20-23؛ طو 8: 5-7).
قام داود وكل الشعب بالآتي:
1. الاحتفال باسم الله المجيد.
2. تقديم بسخاء وسرور مما وهبهما الله إيَّاه؛ من يده أخذوا ليعطوه.
3. يطلب داود من الله أن يهب الكل قلبًا كاملاً مستقيمًا: الملك والقادة والشعب.
يُقَدِّم لنا السِفْرَ إحدى أروع صلاة شكر. جاءت صلاة داود الختامية غنية بالفكر الليتورجي المُقَدَّس اللائق للعبادة في كل العصور. هذه الصلاة هي سرُّ الهيكل أو سرُّ تدشينه ليكون هيكل الرب. قَدَّم الملك صلاته بكل تواضعٍ. يمكن أن يُقَال عنه ما قيل عن العشَّار المتواضع: "إن هذا نزل إلى بيته مُبَرَّرًا دون ذاك" (لو 18: 14).
نرى مدى اهتمام السفر بالعبادة الليتورجية؛ فإنه في صموئيل ورد 77 آية عن اهتمام داود الليتورجي بينما هنا في 1 أخبار الأيام 323 آية.
اهتم سفر أخبار الأيام أن يُقَدِّمَ لنا داود رجل عبادة. أما أسفار صموئيل والملوك فاهتمت به كملكٍ.
يطلب داود من الرب أن يُعِدَّ قلوب شعبه نحوه ويحفظها باستقامة، كما يطلب استقامة القلب لابنه سليمان.
وَبَارَكَ دَاوُدُ الرَّبَّ أَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ،
وَقَالَ: "مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ أَبِينَا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. [10]
في هذه الصلاة الرائعة ينسب داود إلى الله مصدر العطايا التي قُدِّمَتْ لهيكله. هذه العطايا تُعَاد إليه بتقدمة صادقة تُرضِي الله [17].
هنا نرى الصلاة المهيبة التي قَدَّمها داود لله بمناسبة اشتراك القادة لأجل بناء الهيكل [10]، لذلك فإن داود بارك الرب، ليس فقط في مخدعه، بل وأمام الجمع أيضًا، وهذا نتوقَّعه عندما نقرأ في (ع 9) من الأصحاح أن "داود الملك أيضًا فرح فرحًا عظيمًا". لأن رجًلا تقيًا مثل هذا بدون شك يجعل تلك المناسبة موضوع شكره، الذي هو بالأكثر موضوع فرحه، فعندما ينظر حوله بارتياح بالتأكيد يرفع نفسه بالتسبيح إلى فوق.
داود الآن أصبح مُسِنًا ونظر إلى نهاية حياته على الأرض، فإنه يليق بالشيوخ القديسين، وهم على فراش الموت أن يمتلئ قلبهم بالتسبيح والشكر، فهنا يخمد أنَّات عجزهم الجسدي، ويجعل توقُّع الموت نفسه أقل كآبة، ومزامير داود في أواخر سفر المزامير معظمها مزامير تسبيح. فكلما دنوْنا من عالم التسبيح الدائم نجد أننا نتكلم ونعمل بلغة ذلك العالم السماوي، ونرى في خطاب داود أنه يهيم بالله ويعزو له المجد كإله إسرائيل"مبارك من الأزل وإلى الأبد". والصلاة الربانية تُختَم بتسبحة مثل هذه التي بدأ بها داود هنا لأن لك الملك والقوة والمجد، فهذا تسبيح يليق بالله في خشيةٍ مقدسةٍ وورعٍ وتبجيلٍ وعاطفةٍ مرضيةٍ.
يرى القديس غريغوريوس النيصي أننا بالتسابيح نصير متساوين مع الملائكة من جهة الكرامة. ويقول البابا أثناسيوس الرسولي: [الروح المستقرة تنسى آلامها، وبترتيل الكلمات المقدسة تتطلع بفرح إلى المسيح وحده[6].] يقول القديس باسيليوس: [إن التسبيح لله هو عمل خاص بالملائكة]. كما يُحَدِّثنا القديس باسيليوس الكبير عن التسبيح الجماعي والشخصي، فيقول:
v التسبيح بمزمورٍ يجلب هدوءًا للروح، فنستقر في سلامٍ، كما يهدئ عواصف أفكارنا العنيفة. فهو يسيطر على الشهوة، ويطفئ النار التي في صدورنا قبل أن تلتهب.
أتريدون أن ترتبطوا بصداقةٍ، وتُصالِحوا المتخاصمين، ويغفر الأعداء لبعضهم البعض؟ رَنِّموا مزمورًا! كيف يمكن لأحد أن يحتضن عداوة لآخر يلتصق به وهو يُسَبِّح الله بصوت واحدٍ؟ الحب هو أعظم صلاحٍ من الكل، والتسبيح بالمزامير يجلب الحب، لأنه يُقَدِّم نوعًا من رباط الوحدة، إذ يجمع الشعب معًا في خورسٍ واحدٍ متناغمٍ...
إنه نقطة البداية للمبتدئين، وعون للذين هم بالفعل في الطريق، ومصدر القوة للبالغين.
إن كان التسبيح بمزمورٍ يجلب حزنًا، فهو حزن إلهي، لأن المزمور يَقْدِرُ أن يهب دموعًا للقلب الحجري![7]
v ما هو أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟! في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالترتيل والأغاني الروحيَّة. ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب مُمَلِّحًا عمله بالتسبيح. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، وعدم اضطراب العقل لأي شيء، ولم يتشتَّت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتدُّ إلى ذاته، ويرفع إلى التفكير في الله. هناك في الوحدة يجد في الأسفار المقدَّسة - كما في مخزن الأدويَّة - العلاج الحقيقي لعلَّتِه.
لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ،
لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ،
وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ. [11]
كَمَالُه غير محدود، ليس فقط لأنه عظيم وقوي وبهي، ولكن لأن له القوة والبركة والمجد، أيّ أن هذه الصفات منه وفيه. وهو مركز وينبوع كل شيءٍ بهيٍ ومُبارَك. هو مستحق كل ما نستطيع أن نعزو إليه من تسابيح المجد.
له العظمة، فعظمته هائلة وغير مُدركَة، والجميع صغار ولا شيء بالنسبة له.
له القوة، وهي قوة كلية وغير مُحَدَّدة ولا تُقاوَم، له كل قوة في جميع مخلوقاته، هي مُستمدة منه وتعتمد عليه.
له المجد، كل المجد الذي نُقَدِّمه له من قلوبنا وشفاهنا وحياتنا يعجز أن يُوَّفيه حقه.
له النصرة، فهو يتجاوز ويفوق الكل ويستطيع أن يهزم ويخضع كل شيء له، وانتصاراته مخففة.
له العزة، شخصية وحقيقية، فمعه عِزَّة مَهيبة لا يُعَبَّر عنها ولا يمكن تَصَوُّرها.
سلطانه غير مُقيَّد، فهو الملك الحقيقي للكل: "لأن كل ما في السماء والأرض لك"، وتحت يدك بحق الخلقة الذي لا يُنازَع وكحاكم وقائد الكل، ولك المُلْك، فأنت ملك الملوك ورأس الجميع ويجب لك التمجيد والعبادة لأنك فوق الكل.
كلمات الصلاة الربانية مألوفة لنا، فعندما طلب التلاميذ من الرب يسوع أن يُعَلِّمَهم الصلاة أعطاهم صلاة نموذجية، وأرجعهم إلى صلاة داود، "ليأتِ ملكوتك" كانت في قلب داود.
هذه الكلمات المختصرة والبسيطة تجمع مطامح وآمال أجيال وقرون، وهي من أعظم الصلوات المذكورة في العهد القديم، فهي شاملة، ملوكية وممتلئة بالتوقير والسُبْح والشكر، تجحد أيّ استحقاق للإنسان وتُعلِنُ اعتماد الإنسان على الله، تُظهِرُ إذلال النفس واعترافها وتكريسها، وتعترف أن الكل لله، فداود أَقَرَّ أن المُلْكَ لله.
وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ،
وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ،
وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ،
وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ، وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ. [12]
له السلطة والتأثير الشامل، فكل من هو غَنِي أو ذو كرامة من بني البشر يستمد الغِنَى والكرامة من الله، وهذا الاعتراف أراد داود أن يعترف به ويشترك فيه قادة إسرائيل، لئلا يفتكروا أنهم بكرمهم يستحقون المكافأة من الله، لأنهم استمدوا غِنَاهم وكرامتهم من الله، وما قَدَّموه له ما هو إلا قليل من الكثير الذي أجزله عليهم. فمن هو عظيم بين الناس فيدُّ الله هي التي جعلته هكذا، وأية قوة لدينا فهي مُعطَاة لنا من الله "لأن لإله إسرائيل وأبينا" (ع 10، مز 68: 35).
وَالآنَ يَا إِلَهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. [13]
إنه يعترف بالشكر على نعمة الله التي مَكَنَّتهم من العطاء بسرورٍ لبناء الهيكل (عدد 13- 14): "والآن يا إلهنا نحمدك"، فكلما تخدم الله، فبالأكثر نكون مَدِينين، لأنه شرَّفنا بالسماح أن نكون في خدمته، فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أُمِرَ به" (لو 17: 9) لا! بل إن هذا العبد عليه أن يشكر الله كثيرًا، فداود يشكر الرب أنهم استطاعوا أن يُنْتَدبوا، ونلاحظ الآتي:
أ. إنها لحظة لإظهار القوة لنعمة الله فينا حينما يُمْكِننا خدمة الله برضا، فهو يود أن نريد وأن نعمل، فإنه في يوم قوته حينما يُنْتَدب شعبه (مز 110: 3).
ب. يجب أن نُعطِي المجد لله على كل شيءٍ حسن نعمله نحن أو غيرنا، فأعمالنا الخيِّرة يجب ألا تكون موضع فخرنا، لأنه أعظم شرف وسرور في العالم أن نخدم الله بأمانة.
يدعونا القديس مار يعقوب السروجي أن نمزج حتى أكلنا بالتسبيح بكونه كلمة الحياة وطعام الروح، قائلاً:
v من يأكل دون أن يشكر، فهو كالحيوانات التي لا تتحرَّك أبدًا لتسبيح الرب.
لنا فم، ولنا كلمة، ولنا عقل، وبهذه نحن أفضل من الحيوانات.
فإن لم نتأمل في كرامتنا كما هو مكتوب، نكون قد تَشَبَّهنا بالبهيمة بأفعالنا.
مائدتنا بأطعمتها تُثِير فينا التسبيح، لئلا نصير مثل الظالمين إن لم نُسَبِّح.
لا نهتم فقط بالمأكولات إن كانت هنيئة، لكن لنخلط كلمة الحياة في الأطعمة.
لنتعجب بالخبز، ولنُعطِ التسبيح لخالقه، فيصير طعامنا دافعًا لتراتيلنا.
الخالق عجيب ومُدهِش ومُمَجَّد في أعماله: كيف يخلق؟ وكيف يقوت الأحياء كل يوم؟[8]
وَلَكِنْ مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هَكَذَا،
لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ، وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ! [14]
يتكلم بتواضع عن نفسه وعن شعبه والتقدمات التي قَدَّموها الآن لله:
أ. فعن نفسه وعن الذين اشتركوا معه تساءل داود كيف أن الله ينظر إليهم ويعمل هكذا لهم [14]: "من أنا ومن هو شعبي؟" فداود كان أكثر الناس كرامة وإسرائيل أكثر الشعوب كرامة في ذاك الوقت، لكنه يتكلم هكذا عن نفسه وعنهم كغير مُستَحقِّين للمعروف الإلهي، فداود يظهر الآن عظيمًا وهو يرأس مجمعًا مهيبًا، ليعين ملكًا عليهم، ومُقَدِّمًا عطية فخمة كرامةً للربِّ، ومع ذلك يظهر صغيرًا ووضيعًا في عيني نفسه، "من أنا يا رب؟" [15]، فإننا غرباء ونزلاء أمامك ومخلوقات فقيرة وحقيرة، فالملائكة هم في بيتهم في السماء، والقديسون غرباء هنا على الأرض: "فأيامنا هي كظلِّ على الأرض"، وأيام داود كان لها وزنها كأغلبية الناس، لأنه كان رجًلا عظيمًا، رجًلا طيبًا، رجًلا نافعًا، والآن رَجُل كهل عاش طويًلا ولغرضٍ حسنٍ، ومع ذلك يضع نفسه كأول الذين يجب أن يعترفوا أن أيامهم على الأرض هي كالظل. وهذا يعني أن حياتنا زائلة ومؤقتة وستنتهي، إما في النور الكامل، فليس هنا دوام أو تَرقُّب، فلا نتوقع أشياءً عظيمة منها ولا نتوقَّع ديمومتها. هذا ذُكِرَ هنا لأنه الدافع لعدم افتخارنا لخدمة الله! فهي محصورة في جزءٍ ضئيلٍ من الزمن، هي خدمة الحياة الراهنة والقصيرة ولذلك ماذا نزعم أن نستحقه منها؟
ب. وعن عطاياهم يقول: "لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك" [14]، وأيضًا يقول: "إنما هي من يدك ولك الكل" [16]، فنحن أخذناها منك كهبة، ولذلك فنحن مدينون أن نستخدمها لك، وما نُقَدِّمه لك ما هو إلاَّ حصة أو ريع مما لك.
لأَنَّنَا نَحْنُ غُرَبَاءُ أَمَامَكَ،
وَنُزَلاَءُ مِثْلُ كُلِّ آبَائِنَا.
أَيَّامُنَا كَالظِّلِّ عَلَى الأَرْضِ، وَلَيْسَ رَجَاءٌ. [15]
أَكَّدَ داود أن الحياة قصيرة، فلا نفسدها فيما لا ينفع، بل فيما يسندنا في أبديتنا مع الله.
كُلُّ هَذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتاً لاِسْمِ قُدْسِكَ،
إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ. [16]
بَارَك داود الربَّ المُستحِق كل كرامة، رأس الجميع، مصدر كل غنى وكرامة. وإن داود وشعبه ليسوا أهلاً أن يُقَدِّموا شيئًا لله، وأن ما قَدَّموه هو مما أعطاهم إيَّاه [14-16].
ما هو مهم هو أننا لا نستطيع أن نعطي الله شيئًا، لأن الكل له من البداية، ولكنه يستطيع أن يباركنا عندما نعطي وسيباركنا، والسبب أن بعضنا فقراء وصغار وضَيِّقي الفهم هو أننا لسنا كرماء مع الله. فالله يبارك عندما نفتح قلوبنا له، فيليق بنا أن نعترَّف بالله في كل روحياتنا، ونُرْجِع كل فكرٍ صالحٍ وهدفٍ صالحٍ وعملٍ صالحٍ إلى عمل نعمته التي يفيض بها علينا، "من افتخر فليفتخر بالرب" (1 كو 1: 31).
وَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلَهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ، وَتُسَرُّ بِالاِسْتِقَامَةِ.
أَنَا بِاسْتِقَامَةِ قَلْبِي تَبَرَّعْتُ بِكُلِّ هَذِهِ،
وَالآنَ شَعْبُكَ الْمَوْجُودُ هُنَا رَأَيْتُهُ بِفَرَحٍ يَتَبَرَّعُ لَكَ. [17]
يحتكم إلى الله بخصوص إخلاصه فيما فعل [17]، وإنه لرضا عظيم لرجل صالح أن يَعْلمَ أن الله "يمتحن القلوب"، و"يُسَرّ بالاستقامة"، ويعرف الذي يسيء فهمها أو يزدرى بها ويستحسن "طريق البار". مما طيَّب قلب داود أن الله يعلم كيف أنه أعطى مما له، وأيضًا رأى شعبه يعطي بسرور، فلم يكن فخورًا بعمله الصالح ولا حسد من فعل الخير من الآخرين.
يَا رَبُّ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَإِسْرَائِيلَ آبَائِنَا،
احْفَظْ هَذِهِ إِلَى الأَبَدِ فِي تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قُلُوبِ شَعْبِكَ،
وَأَعِدَّ قُلُوبَهُمْ نَحْوَكَ. [18]
إذ رأى داود قلوب الشعوب مُتهلِّلة بالربِّ، طلب أن يهبها الله أن تثبت بكمال في حُبِّها له وحفظها لوصاياه. صلَّى إلى الله من أجل شعبه ومن أجل سليمان لكي يستمروا كما ابتدأوا. وفي هذه الصلاة خاطب الله كإله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله العهد معهم ومعنا من أجلهم. يا رب امنحنا النعمة لنُكَمِّلَ التزامنا بالعهد لئلا نخسر فائدته، أنهم حُفظوا في كمالهم بنعمة الله التي آزرت طريقهم، فيا ليت نفس النعمة التي كانت كفايتهم تكون لنا نحن أيضًا.
صلَّى لأجل الشعب أن الخير الذي وضعه الله في أفكارهم يحفظه فيهم إلى الأبد، ألا ينخفضوا عما هم عليه الآن، ألا يفقدوا إيمانهم الذي هم فيه ثابتين، ألا يفتروا في محبتهم لبيت الله، بل يكون لهم دائمًا نفس الفكر الذي في قلوبهم الآن، فالعواقب العظيمة تعتمد على ما هو في الأعماق الداخلية والسامية في أعماق قلوبنا وأفكارنا وعلى ما نسعى إليه ونحب أن نفكر فيه، فأيّ صلاح يملك على قلوبنا وقلوب أحبائنا يجب أن نستودعه إلى نعمة الله بالصلاة: "يا رب احفظ هذه إلى الأبد، فداود أَعَدَّ المواد اللازمة للهيكل، ولكن يا رب أعد أنت قلوبهم لمثل هذا الامتياز"، "وطِّدْ عزمهم، فأنهم في فكر صالح فبعد خروجي من الجسد احفظهم وذويهم هكذا".
وَأَمَّا سُلَيْمَانُ ابْنِي فَأَعْطِهِ قَلْباً كَامِلاً لِيَحْفَظَ وَصَايَاكَ، شَهَادَاتِكَ وَفَرَائِضَكَ،
وَلِيَعْمَلَ الْجَمِيعَ،
وَلِيَبْنِيَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هَيَّأْتُ لَهُ". [19]
صلَّى لأجل سليمان [19]، "أعطه قلبًا كاملاً". لقد أوصاه (1 أخ 28: 9) ليخدم الله بقلب كامل، والآن يُصَلِّي إلى الله أن يعطيه هذا القلب، لم يُصَلِّ ليجعله ثريًا أو عظيمًا أو عالمًا، ولكن ليجعله رجلاً أمينًا لأن هذا أفضل من كل شيء، "يا رب أَعطه قلبًا كاملًا"، ليس فقط ليحفظ وصاياك عامة ولكن بالأخص ليبني الهيكل ولكي يُرَكِّز عينيه على هذه الخدمة، ومع هذا فإن بناءه للهيكل لا يُثْبِتْ كمال قلبه إن لم يكن يقظًا لحفظ وصايا الله، فليس بناء الكنائس هو الذي يُخَلِّصنا إن كنا نعيش غير مُطِيعِين لوصايا الرب.
استراح قلب داود حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وبارك ابنه ليقوم بهذا العمل. ها هو داود الشيخ يرقد متهلِّلاً مُنطَلِقًا إلى مسكن الراحة، مُتمتِّعًا بانعكاس الجمال الإلهي عليه، وتمتع الصبي سليمان بالأسرار الإلهية، يرتديها كثوبٍ بهيٍ.
كأن الله في محبته للإنسان الطالب نعمته يسكب عليه البركات الإلهية في طفولته وصبوّته وحتى شيخوخته، بل ويتمتَّع أبناؤه السالكين في وصاياه بالأسرار الفائقة.
v وبارك داود كل الشعب وابنه سليمان ورقد هو أيضًا مع آبائه بين الراحلين.
استراح التعبان، ودخل إلى مسكن الراحة، وأتى مكانه سليمان الصبي ليقود (المملكة).
استراحت تلك الشيخوخة المملوءة جمالاً، وجاء في موضعه شاب مُتَّشِح بالأسرار[9].
خُتِمَ طقس تسليم مسئولية بناء الهيكل لسليمان بالبركات المقدسة والاحتفال بفرحٍ. فأُقيم الاحتفال عندما عُهِدَ لسليمان بالعمل، وأُقِيم الاحتفال أيضًا عندما تمَّ البناء.
ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ: "بَارِكُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ".
فَبَارَكَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ،
وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ وَلِلْمَلِكِ. [20]
دعا شعبه أن يباركوا الرب. صورة رائعة للخشوع أمام الله بمهابة عظيمة!
1. لقد اشتركوا مع داود في عبادة الله، فعندما أتمَّ صلاته طلب منهم الموافقة "الآن باركوا الرب إلهكم [20].
2. قَدَّموا احترامهم للملك ناظرين إليه على أنه أداة في يد الله لخيرهم وأنهم بتكريمه يكرِّمون الله.
3. في غد ذلك اليوم قَدَّموا للرب ذبائح كثيرة [21]، ذبائح مُحرَقة التهمت بالنار كاملة، وذبائح سلامة التي اشترك مُقَدِّموها في أكبر جزء منها، وبذلك اعترفوا بمجدٍ جزيل لله على أحوالهم الحسنة بالرغم من ذهاب داود في طريق الأرض كلها.
4. عَيَّدوا وفرحوا أمام الرب [22]، فعلامة على فرحهم في الرب وشركتهم معه أكلوا من ذبائح السلامة في احتفال ديني أمام الرب، فما قُدِّمَ للرب احتفلوا به، وفي هذا تلميح لهم أنهم سوف لا يفتقرون شيئًا بسبب تقدماتهم السخية لخدمة الهيكل، فهم أنفسهم سيُعَيِّدوُن في راحته.
5. مَلَّكوا سليمان ثانية، فقد اعتُبِرَ ملائمًا أن يُعَاد الاحتفال لمنفعة الشعب، لأن سليمان قد مُسِحَ سابقًا في عجلة بسبب عصيان أدونيا، "مسحوه للرب".
وَذَبَحُوا لِلرَّبِّ ذَبَائِحَ،
وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ فِي غَدِ ذَلِكَ الْيَوْمِ:
أَلْفَ ثَوْرٍ وَأَلْفَ كَبْشٍ وَأَلْفَ خَرُوفٍ مَعَ سَكَائِبِهَا،
وَذَبَائِحَ كَثِيرَةً لِكُلِّ إِسْرَائِيلَ. [21]
عَبَّر الشعب عن فرحهم، فانحنوا وسجدوا أمام الرب وأمام الملك، وقَدَّموا 3000 ذبيحة، وأكلوا وشربوا أمام الرب.
22 وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا أَمَامَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. وَمَلَّكُوا ثَانِيَةً سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ، وَمَسَحُوهُ لِلرَّبِّ رَئِيسًا، وَصَادُوقَ كَاهِنًا. 23 وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ مَلِكًا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَنَجَحَ وَأَطَاعَهُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ. 24 وَجَمِيعُ الرُّؤَسَاءِ وَالأَبْطَالِ وَجَمِيعُ أَوْلاَدِ الْمَلِكِ دَاوُدَ أَيْضًا خَضَعُوا لِسُلَيْمَانَ الْمَلِكِ. 25 وَعَظَّمَ الرَّبُّ سُلَيْمَانَ جِدًّا فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ جَلاَلًا مَلِكِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَلِكٍ قَبْلَهُ فِي إِسْرَائِيلَ.
وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا أَمَامَ الرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ.
وَمَلَّكُوا ثَانِيَةً سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ،
وَمَسَحُوهُ لِلرَّبِّ رَئِيسًا،
وَصَادُوقَ كَاهِناً. [22]
أُقِيم سليمان مَلِكًا للمرة الثانية ومسحوه للرب رئيسًا.
وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ مَلِكاً مَكَانَ دَاوُدَ أَبِيهِ،
وَنَجَحَ وَأَطَاعَهُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ. [23]
العبارات [23-30] ترفع الملك سليمان إلى عرشه، وتحضر الملك داود إلى راحته في القبر، وبذلك يأتي الجيل الجديد ليَحِلَّ مكان سابقه، ويقول "افسح لنا مكانًا" فكل له يومه. هنا ارتفع سليمان [23]: "جلس سليمان على كرسي الرب"، ليس عرش الرب الذي أَعَدَّه في السماء، ولكن عرش إسرائيل يُدعَى عرش الرب، ليس فقط لأنه ملك جميع الأمم وكل الملوك تخضع له ولكن لأنه كان بصفة خاصة ملك إسرائيل (1 صم 12: 12)، فهو الذي أَسَّسَ وهو الذي يملأ عرشهم بأمره مباشرة، فالقوانين المدنية لمملكتهم كانت إلهية، والأنبياء كانوا المُشيرِين الخاصين بحُكِّامهم، ولذلك فعرشهم يُدعَى عرش الرب، والذي يدعوه الله لهذا العرش ينجح. الذين يتبعون المشورة الإلهية يتوقَّعون النجاح ببركة الرب.
قَدَّم شعبه الكرامة لمن له الكرامة: "أطاعه كل إسرائيل"؛ أيّ أنهم كانوا مُستعدِّين ليُقَدِّموا له فروض الطاعة (ع 23)، كذلك جميع الرؤساء والأبطال وجميع أولاد الملك داود (بالرغم من أنه بسبب تَقَدُّمهم في السن عنه، كان لهم أحقية في تبوء العرش، وربما ظنوا أنهم قد ظُلِمُوا لتَقَدُّمه عليهم). أراد الله أن يجعله ملكًا، وجعله أهلاً لذلك، ولذلك فجميعهم خضعوا له، أمال الله قلوبهم ليفعلوا هذا حتى يكون مُلكه في سلام. كان أبوه أفضل منه، ولكنه ارتقى العرش بصعوبة بالغة بعد وقت طويل وبعد خطوات كثيرة وبطيئة، فداود كان إيمانه أكبر، ولذلك كانت تجربته أكبر.
وَجَمِيعُ الرُّؤَسَاءِ وَالأَبْطَالِ وَجَمِيعُ أَوْلاَدِ الْمَلِكِ دَاوُدَ أَيْضًا،
خَضَعُوا لِسُلَيْمَانَ الْمَلِكِ. [24]
وَعَظَّمَ الرَّبُّ سُلَيْمَانَ جِدّاً فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ،
وَجَعَلَ عَلَيْهِ جَلاَلاً مَلِكِيّاً، لَمْ يَكُنْ عَلَى مَلِكٍ قَبْلَهُ فِي إِسْرَائِيلَ. [25]
لم يضطرب سليمان لأن أباه سَلَّمَ كل الميراث للهيكل. لذلك وهب الله سليمان أكثر مما كان سيرثه.
قَدَّم داود قلبه الناري في محبة الله ميراثًا لابنه. فقَدَّم بدوره كل الإمكانيات لبناء الهيكل.
"عَظَّم الرب سليمان جدًا" (ع 25)، لأن الذين يكرمونه يكرمهم. فربما هيأته وحضوره كانتا ذات مهابة عظيمة، وكل ما فعل أو قال استحق الاحترام، فليس أحد ممن سبقوه من قضاة أو ملوك إسرائيل كان له هذه الهيئة كما كان له ولم يعش في أُبَّهة مثله.
v حينئذ هتف كل شعب بيت إسرائيل ليُمجَّد الرب الذي أعطى له الحكمة.
"مبارك هو الرب الحافظ محبته لعبده داود، وأقام بعده ابنه وملأه حكمة.
مبارك هو الله الذي كشف القضاء للملك سليمان، وجعله حكيمًا ليقوم على المملكة بعد أبيه.
ليعظم كرسي الملك سليمان على إسرائيل، وينتشر خبره بين الأمراء وشعوب الأرض.
لتذهب ملكة سبأ وتستفسر عن حِكمته (1 مل 10)، وتُقابِله بعطور كل الروائح.
هذا هو الحُكم الأول الذي أبرمه ذاك الحكيم. مبارك هو الديان الذي يدين في نهاية العالم[10].
26 وَدَاوُدُ بْنُ يَسَّى مَلَكَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. 27 وَالزَّمَانُ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. مَلَكَ سَبْعَ سِنِينَ فِي حَبْرُونَ، وَمَلَكَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. 28 وَمَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ وَقَدْ شَبعَ أَيَّامًا وَغِنىً وَكَرَامَةً. وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ ابْنُهُ مَكَانَهُ.
خُتِمَ السفر بتقديم مُلَخَّصًا عن سنوات مملكة داود، مع الإشارة إلى مصادر السفر.
وَدَاوُدُ بْنُ يَسَّى مَلَكَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. [26]
ما جاء في (1 أي 29: 26-30) يطابق ما ورد في (1 مل 2: 10-12).
وَالزَّمَانُ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
مَلَكَ سَبْعَ سِنِينَ فِي حَبْرُونَ،
وَمَلَكَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. [27]
وَمَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ وَقَدْ شَبِعَ أَيَّامًا وَغِنىً وَكَرَامَةً.
وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ ابْنُهُ مَكَانَهُ. [28]
هنا مشهد داود الرجل العظيم، فكاتب السفر يأتي به هنا إلى آخر أيامه، يتركه نائمًا، ويسدل الستار عليه:
1. يُعطِي ملخصًا لأعوام مُلْكِه [26-27]، فقد ملك أربعين سنة كسابقيه مثل موسى وعثنائيل ودبورة وجدعون وعالي وصموئيل وشاول، وكذلك سليمان بعده.
2. ويَسرِد باختصار وفاته [28]، بأنه مات شبعانًا أيامًا وغنى وكرامة:
أ. كان غنيًا جدًا، ومُكَرَّمًا جدًا من الله والناس، وقد كان رجل حرب منذ صباه وبذلك كانت نفسه في يده، ومع ذلك فلم يُقطع في منتصف أيامه، لكنه حُفِظَ خلال كل حياته الحربية، وقد مات بشيبة صالحة في سريره ومُكَرَّمًا.
ب. مات شبعانًا أيامًا وغِنَى وكرامة، أيّ كان عنده الكفاية من غنى هذه الدنيا وكرامتها، وقد عرف كفايته لأنه كان مستعدًا أن يموت ويتركها كما قال في (مز 49: 15) "لأنه يأخذني"، وفي (مز 23: 4) "لأنك أنت معي"، فالرجل الصالح قد يشبع أيامًا وغِنَى وكرامة، ولكنه لن يُسَر بها أبدًا لأنه ليست مَسرَّة إلاَّ في حنان الله المُحِب.
يكشف لنا ما ورد في هذا السفر عن داود الملك أنه "قد شبع أيّامًا وغِنَى وكرامة".
وَأُمُورُ دَاوُدَ الْمَلِكِ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ،
مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ صَمُوئِيلَ الرَّائِي،
وَأَخْبَارِ نَاثَانَ النَّبِيِّ، وَأَخْبَارِ جَادَ الرَّائِي، [29]
مَعَ كُلِّ مُلْكِهِ وَجَبَرُوتِهِ
وَالأَوْقَاتِ الَّتِي عَبَرَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ. [30]
لسَرْد مُفَصَّل عن حياة داود ومُلْكِه، يُشِير إلى أمور داود الملك الأولى والأخيرة المكتوبة في أخبار صموئيل الرائي عندما كان عائشًا واستمرت بعد موته في أخبار ناثان النبي وجاد الرائي (ع 29)، ففيها ورد ما لوحظ عن حكمة في داخل مملكته وحروبه خارجها، الأوقات (أيّ حوادث الأيام) التي عبرت عليه (ع 29، 30)، وهذه التسجيلات كانت موجودة ولكنها فُقِدَتْ، فيمكن الانتفاع من مستندات الكنيسة الموثوق فيها حتى وإن لم تُعتبَرْ من الوحي الإلهي.
هذا ما سَجَّله الله عن حياة داود، فهو يريدنا أن نعرف شعوره نحو داود، فالرب أَحَبَّ داود، وتعامل معه كما رأينا، لأن داود كان إنسانًا حسب قلب الله، وهذا يُشَجِّعنا، فالله يتعامل معنا بنفس الحنان والشدة التي تعامل بها مع داود، لأن الله صالح وعجيب، فلا يمكننا أن نبني له هيكلاً، ولكن يمكننا أن نُقَدِّم هياكل أجسادنا له. إنه لا ينتفع منا ولكنه يملكنا، فيا له من فرح أن نُودع أنفسنا بين يديه ونعيش له!
v لم تسمح لداود الملك والنبي أن يبني لك الهيكل.
وعدتَه أن يقوم ابنه سليمان بالعمل.
فتهلَّلتْ نفسه جدًا، والتهب قلبه بالغيرة.
كرَّس كل طاقاته وإمكانياته ليُعِدَّ لابنه الطريق.
هَبْ لي يا رب أن تتهلل نفسي بكل أبنائي.
ما عجزنا نحن عنه، يُتَمِّمه الجيل الجديد بفرحٍ.
تتهلل نفوسنا بكل عملٍ مقدسٍ يقوم به الشباب!
v هَبْ لي ولإخوتي أن نُشَجِّع كل مؤمنٍ للعمل!
نفرح بتكريس القلوب والأيادي لحساب ملكوتك!
أعطنا وإيَّاهم قلوبًا نقية كاملة!
فإنك تود أن تُتكئ رأسك في قلوبنا!
v بدأ داود الصغير بحياة التسبيح حتى أثناء رعاية الغنم.
وسلك بروح التسبيح حتى في ضيقاته.
وكَرَّس كل طاقات المملكة للتسبيح لك.
وسَلَّم روحه في شيخوخة مُقَدَّسة متهللة!
مزج عمله حتى أكله وشربه وأحلامه بالتسبيح لك.
فتدرَّب على الحياة الملائكية، وتهيَّأ للمجد السماوي!
v ختم حياته ببثِّ روح الفرح والتهليل في حياة شعبه.
أقاموا سليمان ابنه ملكًا عليهم.
ووهبتَه حكمة وعظمة وثروة.
جلس على العرش الذي كان لأبيه.
وحسبت كرسيه كرسيك أنت يا ابن الله!
ظَلَّلتَه بمراحمك وأعنتَه بنعمتك.
تهلَّلتْ قلوب الشعب مع قلوب كل القادة والرؤساء!
لك المجد والعظمة يا ملك الملوك ورب الأرباب.
حقًا، عَبَرَ داود من هذا العالم،
جئتَ من نسله متجسّدًا، وأَقمتَ من قلبه هيكلاً لك.
ماذا نطلب بعد؟ وماذا نسألك؟
تعالَ! أيها الرب يسوع، ولتملك في داخلنا!
_____
[1] Origen in Exod. Hom 13.
[2] Comm. on Canticle, sermon 10.
[3] An Ascetical Discourse, (Frs. Of the Church, volume 9, p. 210-211).
[4] Epistle 61.
[5] In Reg. Fus. Dis. Int 30، 31.
[6] Athanasius. to Marcel on Psalms.
[7] عن سفر المزامير.
[8] راجع الميمر 140 الثاني على التسبيح (على) المائدة.
[9] ميمر 11 على الزانيتين (راجع الأب بول بيجان ترجمة دكتور سوني بنهام).
Stephen A. Kaufman: Jacob of Sarug's Homily on the Judgment of Solomon, Gorgias, 2008.
[10] ميمر 11 على الزانيتين (راجع الأب بول بيجان ترجمة دكتور سوني بنهام).
Stephen A. Kaufman: Jacob of Sarug's Homily on the Judgment of Solomon, Gorgias, 2008.
← تفاسير أصحاحات أخبار أول: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
فهرس |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير أخبار الأيام الأول 28 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8gg45tj