محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
آية (1): "فَإِنَّهُمْ بِزَيْغِ أَفْكَارِهِمْ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: «إِنَّ حَيَاتَنَا قَصِيرَةٌ شَقِيَّةٌ، وَلَيْسَ لِمَمَاتِ الإِنْسَانِ مِنْ دَوَاءٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا رَجَعَ مِنَ الْجَحِيمِ."
راجعة للآية الأخيرة من الإصحاح السابق (حك 16:1). هنا نرى الأشرار المنافقين يعطون تبريرًا لاختيارهم حياة الخطية، بأنهم سيموتون بعد حياة قصيرة شقية (حَيَاتَنَا قَصِيرَةٌ شَقِيَّةٌ). ولأن أحدًا لم يرجع من الجحيم (لَمْ يُعْلَمْ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا رَجَعَ مِنَ الْجَحِيمِ) ليخبرنا بأن هناك عذاب، إذًا فليس لدينا دليل على ذلك. والمقصود إذًا فلنحيا في ملذات العالم كلما استطعنا ذلك. وهذا كان ملخص الفلسفة الأبيقورية "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت".
الآيات (2-5): "إِنَّا وُلِدْنَا اتِّفَاقًا، وَسَنَكُونُ مِنْ بَعْدُ كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ قَطُّ، لأَنَّ النَّسَمَةَ فِي آنَافِنَا دُخَانٌ، وَالنُّطْقَ شَرَارَةٌ مِنْ حَرَكَةِ قُلُوبِنَا. فَإِذَا انْطَفَأَتْ عَادَ الْجِسْمُ رَمَادًا، وَانْحَلَّ الرُّوحُ كَنَسِيمٍ رَقِيقٍ، وَزَالَتْ حَيَاتُنَا كَأَثَرِ غَمَامَةٍ، وَاضْمَحَلَّتْ مِثْلَ ضَبَابٍ يَسُوقُهُ شُعَاعُ الشَّمْسِ، وَيَسْقُطُ بِحَرِّهَا، وَبَعْدَ حِينٍ يُنْسَى اسْمُنَا، وَلاَ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَعْمَالَنَا. إِنَّمَا حَيَاتُنَا ظِلٌّ يَمْضِي، وَلاَ مَرْجِعَ لَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لأَنَّهُ يُخْتَمُ عَلَيْنَا فَلاَ يَعُودُ أَحَدٌ."
استمرارًا للأقوال السابقة نجد هنا المنافقين ينحدرون أكثر وأكثر بل يلحدوا. وينكرون وجود خالق للإنسان= ولدنا إتفاقًا= أي مصادفة. وينكرون خلود النفس، فالإنسان يموت كالحيوان، بلا حياة أخرى= سنكون من بعد كأنا لم نكن قط= وما دام لا يوجد عذاب للأشرار إذًا فلنحيا في شرورنا فليس من يحاسب. إذًا ما هي الحياة التي فينا؟ أجاب هؤلاء وقالوا ما هي سوى دخان هو النسمة في أنافنا= أي أنوفنا. ولكن من خلق الدخان؟ لا إجابة عند هؤلاء. وعن النطق قالوا أنه شرارة تنطلق من القلب (شَرَارَةٌ مِنْ حَرَكَةِ قُلُوبِنَا). فَإِذَا انْطَفَأَتْ عَادَ الْجِسْمُ رَمَادًا أي عدم. ونفس السؤال، إذًا من خلق القلب، لا إجابة عندهم. والروح هو نسيم ينحل (انْحَلَّ الرُّوحُ كَنَسِيمٍ) بالموت، وتتحول الروح لنسيم ينساب مع الهواء ويتحول الإنسان إلى عدم، أو لسحابة تسقط أمطارها في بحر وينتهي الإنسان إلى عدم، تلاشي في الهواء أو في البحر. وبعد حين ينسى إسمنا. بل حياتنا كظل (إِنَّمَا حَيَاتُنَا ظِلٌّ) = حين يمضي لا يترك له أثرًا. ولا قيامة من الأموات إذ حياتنا التي انتهت مختوم عليها أننا لا نرجع أبدًا.
هذا هو وضع أي إنسان يحيا بعيدًا عن الله منفصلًا عنه، هو يحيا في كآبة إذ لا استمرارية له، يجري وراء شهواته كالبهيمة، تافهًا هنا على الأرض وعدم بلا حياة أبدية. أمّا ابن الله فهو يدرك قيمته كابن لله، ويدرك أن له حياة أبدية. هو خُلِق ليعمل والله شريك له هنا على الأرض ومتحدًا به في الأبدية في مجد. الله هو لذة الحياة هنا وهناك.
[أما معلمنا يعقوب حين قال إن الحياة بخار يظهر قليلًا (يع14:4) فهو يعني أن الروح لن تستمر في هذا الجسد للأبد] وفكر الأشرار هذا نراه حتى الآن في كل من يسير وراء شهواته فهو لا يحاول أن يضع الله في فكره، ويبتعد عن الكنيسة وعن كل ما يؤنبه على مسلكه.
الآيات (6-9): "فَتَعَالَوْا نَتَمَتَّعْ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَاضِرَةِ، وَنَبْتَدِرْ مَنَافِعَ الْوُجُودِ مَا دُمْنَا فِي الشَّبِيبَةِ، وَنَتَرَوَ مِنَ الْخَمْرِ الْفَاخِرَةِ، وَنَتَضَمَّخْ بِالأَدْهَانِ، وَلاَ تَفُتْنَا زَهْرَةُ الأَوَانِ، وَنَتَكَلَّلْ بِالْوَرْدِ قَبْلَ ذُبُولِهِ، وَلاَ يَكُنْ مَرْجٌ إِلاَّ تَمُرُّ لَنَا فِيهِ لَذَّةٌ. وَلاَ يَكُنْ فِينَا مَنْ لاَ يَشْتَرِكُ فِي لَذَّاتِنَا، وَلْنَتْرُكْ فِي كُلِّ مَكَانٍ آثَارَ الْفَرَحِ؛ فَإِنَّ هذَا حَظُّنَا وَنَصيِبُنَا."
هنا يتضح الهدف تمامًا من إلحاد هؤلاء الأشرار، فهم يسعون وراء شهواتهم= تعالوا نتمتع بالطيبات الحاضرة. ونبتدر منافع الوجود= ننتفع من الخليقة (ترجمة أخرى) أي لنبادر ونستفيد من كل ما ينفع شهواتنا. ما دمنا في الشبيبة. ونترو من الخمر= ننطلق باشتياق إليها أي نسكر منها. نتضمخ= أي ندهن أجسادنا. ولا تفتنا زهرة الأوان= أي شبابنا. لا يكن مرج إلا تمر لنا فيه لذة= المرج هو الحديقة الواسعة، يحاولون أن يجدوا لذاتهم في كل مكان. نتكلل بالورد قبل ذبوله= المعنى المباشر لنستفيد بالورد قبل أن يذبل، لكن المعنى يشير لنستفيد من كل شهوة ممكنة قبل أن تتوارى عنا أو ينتهي شبابنا فلا نستطيع الاستمتاع بها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لا يكن فينا من لا يشترك في لذاتنا= لا نصطحب معنا أي إنسان قد يبكتنا على ما نفعله. هذا حظنا ونصيبنا= نصيبنا في هذه الحياة هو الشهوات. وهل الأكل والشرب خطأ؟ لا بل على أن لا يكون هدف للحياة بل وسيلة للحياة، ونتناول ما أعطاه الله لنا بالشكر (1تي3:4) لكن هناك من آلهتهم بطونهم ومجدهم في خزيهم (في19:3).
الآيات (10، 11): "لِنَجُرْ عَلَى الْفَقِيرِ الصِّدِّيقِ، وَلاَ نُشْفِقْ عَلَى الأَرْمَلَةِ، وَلاَ نَهَبْ شَيْبَةَ الشَّيْخِ الْكَثِيرِ الأَيَّامِ. وَلْتَكُنْ قُوَّتُنَا هِيَ شَرِيعَةَ الْعَدْلِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الثَّابِتِ أَنَّ الضُّعْفَ لاَ يُغْنِي شَيْئًا."
هناك ارتباط واضح بين السلوك الشهواني والقسوة. فمن يسلك وراء شهواته يصبح بلا رحمة = لنظلم البار (لِنَجُرْ عَلَى.. الصِّدِّيقِ).. هم في شهوانيتهم أصبحوا يريدون كل العالم بكل ما فيه، ولكي يحصلوا على ذلك فلا مانع عندهم من ظلم الأبرار والفقراء. نظلم جاءت هنا نجر من جور أي ظلم واغتصاب.
آيات (12-16): "وَلْنَكْمُنْ لِلصِّدِّيقِ؛ فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا يُقَاوِمُ أَعْمَالَنَا، وَيُقَرِّعُنَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا لِلْنَّامُوسِ، وَيَفْضَحُ ذُنُوبَ سِيرَتِنَا. يَزْعُمُ أَنَّ عِنْدَهُ عَلِمَ اللهِ، وَيُسَمِّي نَفْسَهُ ابْنَ الرَّبِّ. وَقَدْ صَارَ لَنَا عَذُولًا حَتَّى عَلَى أَفْكَارِنَا. بَلْ مَنْظَرُهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا، لأَنَّ سِيرَتَهُ تُخَالِفُ سِيرَةَ النَّاسِ، وَسُبُلَهُ تُبَايِنُ سُبُلَهُمْ. قَدْ حَسِبَنَا كَزُيُوفٍ؛ فَهُوَ يُجَانِبُ طُرُقَنَا مُجَانَبَةَ الرِّجْسِ، وَيَغْبِطُ مَوْتَ الصِّدِّيقِينَ، وَيَتَبَاهَى بِأَنَّ اللهَ أَبُوهُ."
هنا وصلت الأمور بهؤلاء الأشرار لكراهية البار لنكمن للصديق= فما عادوا في شرهم يحتملون الأبرار (يو18:15-21) فسلوك الأبرار يفضح شرهم، بل منظر البار ثقيل عليهم (بَلْ مَنْظَرُهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا) = فهو نور يفضح الظلمة التي فيهم، وكان المفروض أن يتركوا شرورهم لكنهم فضلوا تدبير المؤامرات على البار، فهم خاضعين لإبليس سلطان الظلمة= نكمن للصديق= نختبئ للإيقاع بالصديق أي البار. لماذا لأن الصديق يقرعنا= يبكتنا كأنه يضربنا. وصار لنا عذولًا= أي منعزلًا عنا وعن طرقنا. قد حسبنا كزيوف= أي مغشوشين بلا قيمة. وهو يجانب طرقنا= يبتعد عن طرقنا فهو يراها رجس= أي نجاسة. يغبط موت الصديقين= أي يؤمن بخلودهم وأبديتهم ولماذا؟ لأنهم أبناء الله الحي= وَيَتَبَاهَى بِأَنَّ اللهَ أَبُوهُ والله أبو كل الصديقين ويعطيهم حياة أبدية، وهم أي الأشرار لا يؤمنون بالحياة الأبدية (آيات1-5). ولكن هذه الآيات تعتبر نبوة عن السيد المسيح البار الحقيقي الوحيد المكروه من أشرار هذا العالم، ومن اليهود الذين كانت تعاليمه تبكتهم. وهم كمنوا له ودبروا له موت الصليب وقالوا عنه يُسَمِّي نَفْسَهُ ابْنَ الرَّبِّ.. وَيُقَرِّعُنَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا لِلْنَّامُوسِ.
آيات (17-20): "فَلْنَنْظُرْ هَلْ أَقْوَالُهُ حَقٌّ؟ وَلْنَخْتَبِرْ كَيْفَ تَكُونُ عَاقِبَتُهُ؟ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الصِّدِّيقُ ابْنَ اللهِ؛ فَهُوَ يَنْصُرُهُ وَيُنْقِذُهُ مِنْ أَيْدِي مُقَاوِمِيهِ. فَلْنَمْتَحِنْهُ بِالشَّتْمِ وَالْعَذَابِ، حَتَّى نَعْلَمَ حِلْمَهُ وَنَخْتَبِرَ صَبْرَهُ، وَلْنَقْضِ عَلَيْهِ بِأَقْبَحِ مِيْتَةٍ؛ فَإِنَّهُ سَيُفْتَقَدُ كَمَا يَزْعُمُ."
هذه الآيات نبوة واضحة عن المسيح إن كان الصديق ابن الله فهو ينصره وينقذه= هذه مثل "إن كنت ابن الله فإنزل عن الصليب" (مت40:27). والسيد المسيح هو الذي قاسَى على أيدي هؤلاء الأشرار الشتم والعذاب. ومات بأقبح ميتة وهي الصليب.
ولكن المعنى العام للآيات أن الأشرار وهم لا يؤمنون بحياة بعد الموت ويكرهون الأبرار ويضطهدونهم يسخرون منهم قائلين سنعذبهم ونميتهم ونرى هل يكون لهم حياة أخرى= فإنه سيفتقد كما يزعم= هذه سخرية من إيمان الأبرار بحياة أخرى بعد الموت. بل هم يسخروا من فكرة أن هناك إله يعاقب الأشرار ويكافئ الأبرار، وذلك بأنهم سيضطهدون الأبرار= بالشتم والعذاب. ويرون هل يعاقب الرب ويكافئ، يعاقبهم هم على ما فعلوه ويكافئ الأبرار على برهم وصبرهم. ولكن حتى إن لم يكافئ الله أبراره على الأرض فلهم مكافأتهم في السماء. وهكذا هناك عقوبة للأشرار في نهاية أيام الأرض.
هذه الآيات هنا والتي تشير لفداء المسيح على الصليب للبشر الذين ماتوا بسبب خطيتهم، تعني أن هناك وعد إلهي بالخلاص للإنسان، وتعني أيضًا أن فكرة الفداء أزلية، فالله لا يتغير.
آيات (21-25): "هذَا مَا ارْتَأَوْهُ فَضَلُّوا؛ لأَنَّ شَرَّهُمْ أَعْمَاهُمْ، فَلَمْ يُدْرِكُوا أَسْرَارَ اللهِ، وَلَمْ يُرَجُّوا جَزَاءَ الْقَدَاسَةِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا ثَوَابَ النُّفُوسِ الطَّاهِرَةِ. فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ خَالِدًا، وَصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ، لكِنْ بِحَسَدِ إِبْلِيسَ دَخَلَ الْمَوْتُ إِلَى الْعَالَمِ، فَيَذُوقُهُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ حِزْبِهِ."
هنا رد الحكيم على ما يقوله الأشرار. أن شرهم أعماهم= فكل من يسلك وراء شهوته يصاب بالعمى الروحي فلا يدرك الحق. والذنب ذنبهم= هذا ما إرتأوه فضلوا= هم إرتأوا أن يسلكوا وراء شهوتهم، لذلك ضلوا= ولَمْ يُدْرِكُوا أَسْرَارَ اللهِ.. فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ خَالِدًا = فالله حي وحين يخلق فإنه يخلق حياة وليس موتًا. والموت دخيل على الإنسان نتيجة الخطية= بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم= (وهذه الجملة أُخِذَت في القداس الباسيلي) ويَذُوقُهُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ حِزْبِهِ = كل من يتبع إبليس ويسير في شهواته الشريرة يكون له الموت نصيبًا. يذوقه= أي يذوق الموت بمعنى الموت الروحي. [ومَنْ يتبع إبليس سيكون نصيبه معه في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ15:20) مع إبليس (رؤ10:20)].
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير حكمة سليمان 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rxkgn76