المقال الرابع عشر
ليمتلئ فمنا فرحًا
وتهليلًا به
شهادة الكتاب المقدس عن
قيامته
بخصوص دفن المخلص
البراهين الخاصة بالقيامة
أتريد أيضًا أن تعرف
المكان؟
شهادة صفنيا عن القيامة
صفنيا يقدم علامة عن
القيامة
صرت حرًا بين الأموات
تحديد مكان القيامة (كهف الصخرة)
تحديد فصل السنة
تحديد مكان القيامة (في البستان)
بحث مريم عن القائم من
الأموات
فرح النسوة بالقائم من
الأموات
عرف الأنبياء ضعف إيمان رؤساء
الكهنة
كيف ينكر اليهود
العصاة قيامة مخلصنا؟!
القيامة ممكنة
يونان في الحوت كرمزٍ
للقيامة
بقاء يونان
حيًا في بطن الحوت والقيامة
المسيح ينزل الجحيم
يونان مثال السيد
المسيح في الجحيم
شهود قيامة السيد المسيح
شهادة الأمور
المادية لقيامة المخلص
طابيثا تشهد لقيامة المخلص
صعود المخلص يشهد لقيامته
الصعود ورموزه
الرسل ليسوا بأقل من
الأنبياء
الجلوس عن يمين الآب
قال الرب لربي اجلس عن
يميني
شهادات أخرى خاصة بجلوس الابن
عن يمين الآب
ربنا يسوع المسيح يملك العرش
عن يمين الآب قبل كل الدهور
الحواشي والمراجع
"وأعرفكم أيها الاخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به... وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1كو 15: 1-4)
1. افرحي يا أورشليم. اصنعوا عيدًا عظيمًا يا جميع محبي يسوع لأنه قام.
افرحوا يا من نُحتم من قبل، حين رأيتم جسارة اليهود وشرّهم، لأنه قد قام ذاك الذي حنقوا عليه.
وإذ كان المقال عن الصليب محزنًا، فليفرح السامعون بأخبار القيامة المبهجة. ليتحول الحزن إلى فرحٍ، والنوح إلى سرورٍ، وليمتلئ فمنا فرحًا وتهليلًا به، إذ قال بعد قيامته "افرحوا"(8).
وإذ أعلم حزن أصدقاء المسيح في هذه الأيام الماضية، إذ توقف مقالنا (السابق) عند صلبه ودفنه دون أن نذكر أخبار القيامة السارة، لهذا تعلقت أذهانكم لكي تسمعوا ما تشتاقون إليه. الآن قد قام الميت الذي كان "حرًا بين الأموات" وهو مخلص الأموات. ذاك الذي أُهين محتملًا بصبر إكليل الشوك. لقد قام مُتوّجًا بإكليل النصرة على الموت.
2. وكما تحدثنا قبلًا عن الشهادات الخاصة بصليبه، فلنتحقق الآن من الأدلة الخاصة بقيامته، مادام الرسول سبق فأكد: "أنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1 كو 15: 4). فإذ يرجعنا الرسول إلى شهادات الكتب، جيد لنا أن نعرف كل شيء يخص رجاء خلاصنا، وأن نتعلم أولًا ما تخبرنا عنه الأسفار المقدسة بخصوص قيامته، إن كانت في الصيف أو الخريف أو بعد الشتاء، وفي أي موضع قام المخلص، وما أعلنه الأنبياء العجيبون بخصوص اسم مكان قيامته، وعن فرحة النسوة اللواتي بحثن عنه ولم يجدنه، وحين وجدنه تهللن، حتى إذ ما قرأنا البشائر لا نأخذ هذه القصص على أنها تلفيقات أو مجرد حكايات.
3. فبخصوص دفن المخلص، سمعتم في المقال السابق بوضوح ما قاله إشعياء "دفنه في سلام"(9). إذ في دفنه صنع سلامًا بين السمائيين والأرضيين، مقدمًا الخطاة في حضرة الله، و"من وجه الشر يُضم الصديق" (إش 57: 1)...
جاءت أيضًا نبوة يعقوب في الكتاب المقدس تقول "جثا وربض كأسد وكلبؤة، من ينهضه؟!" (تك 49: 9) وجاء أيضًا في سفر العدد نفس القول: "جثم كأسد ربض كلبؤة من يقيمه؟!" (عد 24: 9) وأيضًا المزمور الذي تسمعونه كثيرًا يقول: "وإلى تراب الموت تضعني" (مز 22: 15). وقد درسنا هذا الموضوع بالأكثر حين اقتبسنا القول "انظروا إلى الصخر الذي منه قُطِعتم" (إش 51: 1).
أما الآن فلنحمل في طريقنا البراهين الخاصة بالقيامة.
4. أولًا يقول المزمور الحادي عشر: "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين الآن أقوم يقول الرب" (مز 12: 5). لكن هذه العبارة لا زال يشك البعض في تفسيرها إذ غالبًا ما يقوم الرب أيضًا في الغضب لينتقم من أعدائه(10).
تعالوا إذن إلى المزمور الخامس عشر الذي يقول: "احفظني يا الله، لأني عليك توكلت" (مز 15). وبعد هذا يقول "لا أجمع مجامعهم من الدماء، ولا أذكر أسماءهم بشفتيّ" إذ رفضوني طالبين قيصر ملكًا لهم". وأيضًا ما جاء بعد ذلك: "تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني كي لا أتزعزع"، وما جاء: "وأيضًا إلى الليل أدبتني كليتاي". عندئذ يتكلم بوضوح جدًا "لأنك لا تترك نفسي في الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فسادًا". إنه لم يقل "لا تدع قدوسك يرى موتًا"، وإلا ما كان قد مات، لكنه يقول: "فسادًا" أي لا يرى فسادًا ولا يبقى في الموت. ثم يكمّل "قد عرّفتني سُبل الحياة"... تأملوا أنه يكرز بوضوح عن الحياة بعد الموت!
تعالوا معي أيضًا إلى المزمور التاسع والعشرين: "أعظمك يا رب، لأنك احتضنتني ولم تشمت بي أعدائي" (مز 29). ما الذي حدث هل أُنقذت من أعداء أم نجوت مما كنت تضرب به؟ لقد أعلن بوضوح: "يا رب أصعدت من الجحيم نفسي". (في المزمور السابق) ينطق متنبأ: "لا تترك نفسي في الجحيم"، أما هنا فيتحدث عما يتم كأنه قد حدث فعلًا "أصعدت... خلصتني من الهابطين في الجب". متى حدث هذا؟ "في العشاء يحل البكاء، وبالغداة السرور"، لأنه في المساء حزن التلاميذ، وفي الصباح فرحوا بالقيامة.
5. يعود فيقول في نشيد الأناشيد "نزلت إلى جنة الجوز" (نش 6: 11)، إذ صُلب السيد في البستان (يو 19: 41). فإنه وإن كان الموضع الآن مزينًا بالهبات الملكية، لكنه كان قبلًا بستانًا، ولا تزال العلامات والآثار قائمة.
إنه "جنة مغلقة، وينبوع مختوم" (نش 4: 12). هؤلاء الذين قالوا: "تذكّرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم، فمرْ أن يُضبط القبر" وعلى هذا "مضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر" (مت 27: 63، 65). ويخبر واحد عن هذا بدقة قائلًا: "وفي النهاية تدينهم"(11). من هو هذا الينبوع المختوم الذي يعني "ينبوع الماء الحيّ"؟! إنه المخلص نفسه الذي قيل عنه: "لأن ينبوع الحياة عندك" (مز 36: 9).
6. ولكن ماذا يقول صفنيا في شخص المسيح للتلاميذ؟ "تهيأوا، استيقظوا عند الفجر. كل بقاياهم محطمة"(12). إنه لم يبقَ لليهود عنقود واحد ولا تُرك لهم بقايا للخلاص، إذ قُطعت كرمتهم.
انظر كيف يقول للتلاميذ "تهيأوا، استيقظوا عند الفجر"، في الفجر انتظروا القيامة.
يقول أيضًا في نفس السفر: "لذلك فانتظروني يقول الرب إلى يوم أقوم في الشهادة"(13). ها أنت ترى أن النبي سبق فرأى مكان القيامة أيضًا، فدعاه "الشهادة". لأن ما السبب في أن مكان الجلجثة والقيامة لم يدعَ كنيسة كباقي الكنائس بل بـ"الشهادة" إلاّ لأن النبي قال: "إلى يوم أقوم في الشهادة؟!"(14)
7. من هو هذا إذن؟ وما هي علامة الذي يقوم؟
يقول النبي بوضوح فيما بعد: "لأني حينئذ أقدم للشعوب لغة"(15). إذ بعد القيامة أُرسل الروح القدس، وأعطيت موهبة الألسن "ليعبدوه بكتف (نير) واحد". لذلك تنبأ النبي نفسه قائلًا: "ليعبدوه بكتفٍ واحد، ومن عبر أنهار كوش يقدمون تقدمتي" (صف 3: 10).
إنكم تعلمون ما جاء في سفر الأعمال حينما جاء الخصي الحبشي عبر أنهار أثيوبيا "كوش".
فإذ تُخبركم الكتب عن وقت قيامته وطبيعة مكانها والعلامة التي تبعتها فليتقوَ إيمانكم في القيامة، ولا يزحزحكم أحد عن الاعتراف بأن "المسيح قام من بين الأموات".
8. خذوا لكم شهادة أخرى، المزمور السابع والثمانين(16)، حيث يتكلم المسيح في الأنبياء (هذا الذي بعدما تكلم هكذا حلّ بيننا)، "يا رب إلهي بالنهار والليل صرخت أمامك". ثم أكمل بعد قليل: "صرت مثل إنسان ليس له معين، صرت حرًا بين الأموات".
لم يقل "صرت إنسانًا ليس له معين"، بل قال: "صرت مثل إنسانٍ ليس له معين". لأنه بالحق لم يُصلب عن ضعف بل صلب بإرادته، وما كان موته عن ضعف لا إرادي.
"حسبت مثل الهابطين في الجب". وما هي العلامة؟ "أبعدت عني معارفي". ثم يتحدث بعد قليل قائلًا: "صرخت إليك يا رب. بالغداة أقف أمامك". انظروا كيف يتحدث بدقة عن الوقت وعن الآلام القاسية وعن القيامة!
9. ومن أين قام المخلص؟ يقول في نشيد الأناشيد "قم يا قريبي وتعال"(17)، وبعد ذلك "في كهف الصخرة"(18). إنه يدعو ذلك الكهف الذي كان قبلًا أمام باب قبر المخلص وقد نُحت في الصخرة نفسها، كما كانت العادة هنا قبلًا...
ولكن أين هي الصخرة التي كان فيها الكهف؟ هل هي في وسط المدينة أم ملحقة بالأسوار والحدود؟! هل هي بداخل الأسوار القديمة، أم داخل الأسوار الخارجية التي بنيت فيما بعد؟! يقول في النشيد "في كهف الصخرة قريبًا من السور الخارجي"(19).
10. في أي فصل قام المسيح؟ هل في فصل الصيف أم في فصل آخر؟! جاء في نشيد الأناشيد قبل الكلمات السابق اقتباسها "لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرّ وزال، الزهور ظهرت في الأرض، بلغ أوان القضب" (نش 2: 11، 12). أليست الأرض ملآنة بالزهور الآن؟ أما تُحصد الكروم الآن؟ ألا ترون أن الشتاء قد مضى لأنه متى حل شهر نيسان Xanthicus(20) حيث يكون الربيع. هذا هو الفصل أو الشهر الأول عند العبرانيين الذي فيه تم العبور كرمز للعبور الحقيقي...
في هذا الفصل قال الله: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26)، فأخذ الإنسان الصورة، وبالعصيان أفسد الشبه. وفي ذات الفصل استرد الإنسان الشبه ثانية.
في نفس الموسم الذي فيه طُرد الإنسان المخلوق من الفردوس بسبب عصيانه، رجع إليه الإنسان المؤمن خلال طاعته. فخلاصنا حدث في نفس الوقت الذي فيه كان سقوطنا، إن "الزهور ظهرت وبلغ أوان القضب".
11. في بستان كان دفنه، حيث زُرعت هناك كرمة، إذ قال عن نفسه: "أنا هو الكرمة" (يو 15: 1). لقد زُرع في الأرض لكي يقتلع اللعنة التي حلّت بسبب آدم، حيث سُلِّمت الأرض للشوك والحسك. لقد طلعت الكرمة من الأرض، ليتم القول: "الحق من الأرض أشرق، والعدل من السماء اطلع" (مز 84: 10).
وماذا يقول ذاك المدفون في البستان؟ "قطفتُ مرّي مع طيبي" (نش 5: 1). وأيضًا "مرْ وعود مع كل أنفس الأطياب" (نش 4: 14). وهذه هي علامات للدفن، إذ جاء في الأناجيل "أتين (النسوة) إلى القبر حاملًات الحنوط الذي أعددنه" (لو 24: 1). "وأحضر نيقوديموس أيضًا خليطًا من مرّ وعود" (يو 19: 39)، ومكتوب أيضًا: "أكلت خبزي مع عسلي"(21). إذ أكل المر قبل الصليب والعسل بعد القيامة.
بعد القيامة دخل والأبواب مغلقة، وإذ لم يصدقوا أنه هو إذ ظنوا أنهم رأوا روحًا (لو 24: 37)، قال لهم "جسّوني وانظروا" (لو 24: 39). ضعوا إصبعكم في آثار المسامير كطلب توما "وبينما هم غير مصدقين من الفرح متعجبون، قال لهم: "أعندكم ههنا طعام؟! فناولوه جزء من سمك مشوي وشيئًا من شهد عسل فأخذ وأكل قدامهم" (لو 41:24، 42).
انظروا كيف تحقق القول "أكلت خبزي مع عسلي"!
12. لكن قبل أن يدخل والأبواب مغلقة، بحثت النسوة النبيلات الشجاعات عن عريس النفوس وطبيبها. لقد أتت هؤلاء المباركات إلى القبر، وبحثن عن الذي قام ودموعهن تسيل من أعينهن مع أنه كان يجب عليهن بالأولى أن يرقصن فرحًا من أجل الذي قام.
بحسب ما جاء في الإنجيل جاءت مريم تحدثه فلم تجده. لقد سمعت الملائكة أولًا وبعد ذلك رأت المسيح... هل هذه الأمور سبق أن كُتب عنها؟ يقول نشيد الأناشيد "على فراشي طلبت من تحبه نفسي". في أي وقت؟ "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي" (نش 3: 1). وقد قيل: "جاءت مريم والظلام باقٍ" (يو 10: 1)، "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته". وفي الأناجيل تقول مريم "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه؟!" (يو 20: 13)
وإذ كان الملاكان موجودان لمعالجة نقصها في المعرفة، قالا لها "لماذا تطلبين الحيّ بين الأموات؟!" (لو 24: 5) إنه ليس فقط قام بل وأقام معه موتى (مت 27: 52). أما هي فلم تفهم ذلك. ويقول سفر نشيد الأناشيد في شخصها متحدثة مع الملائكة: "أرأيتم من تحبه نفسي؟! فما جاوزتهم إلاّ قليلًا حتى وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولم أُرخِه" (نش 3: 3، 4).
13. بعد رؤية الملائكة جاء يسوع كوعد ملاكه، وتقول الأناجيل: "إذا يسوع لاقاهما، وقال: سلام لكما، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه" (مت 28: 9). أمسكتا به حتى يتم القول: "فأمسكته ولم أُرخِه". فمع أن المرأة كانت ضعيفة حسب الجسد، لكن روحها كانت مملوءة رجولة. "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش 8: 7). لقد كانت تبحث عن من كان ميتًا، لكن رجاء القيامة لم ينطفئ.
يقول لهن الملاك ثانية: "لا تخفن أنتن"، لكنني لا أقول للجنود "لا تخافوا" بل لكُن لا تخفن. فهم يليق بهم أن يخافوا، فيتعلموا مختبرين شاهدين قائلين: "بالحقيقة كان هذا ابن الله" (مت 27: 54). أما أنتن فلا تخفن "لأن المحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج" (1 يو 4: 18).
"اذهبا سريعًا قولا لتلاميذه أنه قد قام... فخرجتا... بخوف وفرح عظيم" (مت 28: 7). هل هذا أيضًا مكتوب؟ نعم فإن المزمور الثاني الذي يتكلم عن آلام المسيح يقول "اعبدوا الرب بخشية، وهللوا (افرحوا) له برعدة" (مز 2: 7). افرحوا للإله القائم، لكن برعدة من أجل الزلزلة والملاك الذي ظهر مضيئًا!
14. ومع أن رؤساء الكهنة والفريسيين ختموا القبر عن طريق بيلاطس، لكن النسوة تطلعن إلى ذاك الذي يقوم. وقد عرف إشعياء ضعف إيمان رؤساء الكهنة وقوة إيمان النسوة، فقال: "أيتها النسوة الآتيات، انظرن هنا لأن ليس شعبًا ذا فهم"(22). هوذا رؤساء الكهنة يحتاجون إلى الفهم، بينما صارت النسوة شاهدات عيان.
وعندما أتى الجنود إلى المدينة وأخبروهم بكل ما حدث، قالوا لهم: "قولوا أنتم إن تلاميذه جاءوا ليلًا وسرقوه ونحن نيام" (مت 28: 13). هل سبق إشعياء فتنبأ عن هذا؟ إنه يقول "أخبرونا وانسبوا لنا خديعة أخرى"(23).
الذي قام من الأموات مرتفع، لكن بالنقود خدعوهم. إنما لا يقدرون أن يخدعوا ملوك أيامنا هذه. لقد باع الجنود الحق بالفضة، لكن ملوكنا الصالحين بنوا كنيسة قيامة الرب ومخلصنا المقدسة مرصعة بالفضة والذهب، هذه التي نجتمع نحن فيها، وقد تزينت بكنوز الفضة والذهب والأحجار الكريمة.
"وإذا سُمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه" (مت 28: 14). حقًا لقد أقنعتم الجنود، لكنكم لن تقنعوا العالم، لأنه لماذا لم يُحاكم الحراس الذين حرسوا يسوع المسيح، بينما دين حراس بطرس حين هرب من السجن؟ حراس بطرس عاقبهم هيرودس لجهلهم، إذ ليس لهم ما يدافعون به، أما حراس القبر الذين رأوا الحقيقة وأخفوها بالمال، فقد احتموا برؤساء الكهنة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ومع أن قليلًا من اليهود اقتنعوا بذلك، لكن العالم كله أطاع (الحق). الذين أخفوا الحقيقة اختفوا، أما الذين قبلوها فقد ظهروا بقوة المخلص الذي قام من الأموات، بل وأقام الموتى بنفسه. هؤلاء الذين يقول على لسانهم هوشع النبي: "يُحيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو 6: 2).
15. لكن مادام اليهود العصاة لا يقتنعون بالأسفار المقدسة، بل ينسون كل المكتوب وينكرون قيامة يسوع، فجيد أن نسألهم هكذا: على أي أساس تقولون إن أليشع وإيليا أقاما موتى، بينما تنكرون قيامة مخلصنا؟! أليس لدينا شهادات حيّة من هذا الجيل لما نقول؟ حسنًا وأنتم تقدمون شهادة التاريخ عن ذلك الوقت.
إن كان مكتوبًا عمّا تقولونه فإنه مكتوب أيضًا عن هذا (قيامة المخلص)، فلماذا تقبلون شهادة دون الأخرى؟ إن الذين كتبوا التاريخ هم عِبرانيون، والرسل جميعهم عبرانيون، فلماذا لا تصدقونهم؟
متى كتب الإنجيل بالعبرية، وبولس المبشر كان عبرانيًا، والاثني عشر جميعهم عبرانيون، والخمسة عشر أسقفًا لأورشليم الذين رسموا بالتتابع كانوا عِبرانيين(24). فلماذا تقبلون ما هو لكم، وترفضون ما هو لنا الذي كتبه عبرانيون منكم؟!
16. قد يقول قائل: يستحيل أن يكون ميتًا!
لقد أقام أليشع ميتًا مرتين، مرة وهو حيّ، وأخرى وهو ميت. فهل تصدق أن أليشع وهو ميت أقام الميت الذي ألقي عليه ولمسه ولا تصدق أن المسيح قام؟!
لكن في تلك الحالة حين لمس الميت أليشع قام بينما بقىَ أليشع ميتًا... وأمّا هنا فقد قام الميت الذي نتحدث عنه، وأقام معه كثيرين من الموتى دون أن يلمسوه. لأنه "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة (واضح أنها ذات المدينة التي نحن فيها الآن) وظهروا لكثيرين" (مت 27: 52، 54).
لقد أقام أليشع ميتًا، لكنه لم يهزم العالم.
لقد أقام إيليا ميتًا، لكن الشياطين لا تخرج باسم إيليا.
إننا لا نقول شرًا في الأنبياء، لكننا نعظم سيدهم بالأكثر جدًا، فإننا لا نكرم عجائبنا بامتهاننا عجائبهم، بل نحن نكسب ثقة أكثر بما حدث معهم.
17. لكنهم قد يقولون أيضًا: جثة ميتة في الحال يقيمها حي، لكن أرنا كيف يمكن لميت أن يقوم بعد ثلاثة أيام، بعدما يدفن يقوم بعد ثلاثة أيام؟ إن كنا نطلب شهادة من الكتاب لإثبات هذه الحقيقة، فقد سبق الرب يسوع المسيح نفسه فأمدّنا بها في الأناجيل قائلًا: "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (مت 12: 40). وإذ نفحص قصة يونان نجد شبهًا عظيمًا. فقد أرسل يسوع ليكرز بالتوبة، وهكذا كان يونان. لكن الواحد هرب غير عالم بما آتٍ عليه، والآخر بإرادته جاء ليعطي توبة للخلاص.
يونان كان نائمًا في السفينة، غارقًا في النوم وسط البحر العاصف، بينما نام يسوع أيضًا، وبدأ البحر -بعنايته وتدبيره- يرتفع ليعلن قدرة ذاك النائم.
قيل للواحد: "ما لك نائمًا؟! قم اصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك!" (يونان 1: 6) أما الثاني فقالوا له: "يا رب نجنا" (مت 8: 25، 29).
هناك يقول "اصرخ لإلهك" وهنا يقولون: "نجنا أنت".
الواحد يقول: "خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم" (يونان 1: 12)، أما الآخر فبنفسه "انتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم" (مت 8: 25، 26).
أُلقي الواحد إلى بطن الحوت، والآخر بإرادته نزل هناك حيث يوجد وحش الموت غير المنظور، نزل بإرادته لكي يطرد الموت خارجًا عن أولئك الذين ابتلعهم، كما هو مكتوب: "من قوة القبر أفديهم، من يد الملاك أخلصهم"(25).
18. في هذه النقطة من مقالنا، دعونا نتأمل أيهما أصعب أن يقوم أحشاء من الأرض بعد ثلاثة أيام من دفنه، أم ينجو من الهلاك من دخل في بطن الحوت في الهياج العظيم الذي لهذا المخلوق الحيّ، لأنه من لا يعرف أن هياج أحشاء عظيمة كهذه كفيلة بتحطيم العظام التي تُبتلع؟!...
لكن يجيب اليهود قائلين إن قوة الله نزلت مع يونان حين ألقي في الجحيم. فهل يعطي الله حياة لعبده بمساندته بقوته، ولا يعطيها لنفسه أيضًا؟!...
إنني أرى أن كليهما جديران بالتصديق، أنا أصدق أن يونان قد حُفظ لأن "عند الله كل شيء مستطاع" (مت 19: 26). أؤمن كذلك أن المسيح قام من الأموات، إذ لنا شهادات كثيرة من الكتب الإلهية، ومن القوة العملية في اليوم الذي قام فيه ذاك الذي نزل إلى الجحيم وصعد بصحبته كثيرون، إذ نزل إلى الموت وخلاله "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين".
19. لقد صُدم الموت برعدة، إذ رأى زائرًا جديدًا ينزل الجحيم دون أن يرتبط بسلاسله. ما لكم يا حراس الجحيم ارتعبتم عند رؤيته؟! ما هو هذا الخوف غير المعتاد الذي تملككم؟! الموت هرب وبهروبه انكشف جبنه.
لقد جرى إليه الأنبياء القديسون وموسى مستلم الشريعة، وإبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وأيضًا داود وصموئيل وإشعياء ويوحنا المعمدان الذي شهد له حين سُئِل: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ لقد أفتدى كل الصالحين الذين ابتلعهم الموت. إنه يليق بالملك أن يخلص مرسليه النبلاء، فيقول كل منهم: أين غلبتك يا موت؟! أين شوكتك يا قبر؟! لأن الغالب قد خلصنا.
20. كان النبي يونان في هذا مثالًا لمخلصنا عندما صلى في بطن الحوت، وقال: "دعوت من ضيقي"، وأيضًا: "صرخت من جوف الجحيم" (يونان 2: 2). ومع أنه كان في داخل الحوت، لكنه يقول إنه في الجحيم، لأنه كان مثالًا لمخلصنا الذي كان لزامًا أن ينزل إلى الجحيم.
وبعد قليل يتحدث في شخص المسيح بوضوح جدًا، قائلًا: " نزلت (رأسي) إلى أسافل الجبال" (يونان 2: 6). لقد كان في بطن الحوت، فأي جبال تحيط بك؟ إنه يقول إنني أعلم أنني مثال لذاك الذي يُدفن في قبرٍ منحوتٍ في الصخر. ومع أنه كان في البحر يقول يونان إنه نزل إلى الأرض، إذ كان مثالًا للمسيح الذي نزل في قلب الأرض.
كما يتنبأ يونان عن أعمال اليهود الذين أقنعوا الجنود أن يكذبوا قائلين لهم: "قولوا إنهم سرقوه"، إذ يقول النبي "الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون رحمتهم (نعمتهم)" (يونان 2: 8)، لأن الذي كان رحيمًا معهم جاء وصلب وقام ثانية، واهبًا دمه الغالي لليهود والأمم، أما هم فقالوا: "قولوا إنهم سرقوه" مستخدمين أباطيل كاذبة.
أما عن قيامته، فيقول إشعياء أيضًا: "هو الذي أقام من الأرض راعي الخراف العظيم"(26). لقد أضاف كلمة "العظيم" حتى لا يظن أنه في مستوى الرعاة الذين سبقوه.
21. فإذ لنا النبوات، فليثبت معنا الإيمان. يسقط غير المؤمنين ماداموا يريدون هكذا، أما أنتم فلتثبتوا على صخرة الإيمان بالقيامة. لا تتركوا هرطوقي يتكلم بشرٍ عن القيامة، لأنه حتى هذا اليوم يقول المانيوّن إن قيامة المخلص كانت كخيالٍ وليست حقيقة، غير منتبهين إلى قول بولس: "الذي صار من نسل داود من جهة الجسد... بقيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات" (راجع رو 1: 3، 4)، كذلك يقصدهم قائلًا: "لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء؟! أو من يهبط إلى العمق، أي ليُصعِد المسيح من الأموات" (رو 10: 6، 7).
وبنفس الطريقة يحذر في موضع آخر: "اذكر يسوع المسيح المُقام من الأموات" (2 تى 2: 8). وأيضًا: "وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا، وباطل أيضًا إيمانكم، ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله، لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه" (1 كو 15: 14-15). ويكمل بعد ذلك: "ولك الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20)، "وظهر لصفا ثم للاثني عشر" (1 كو 15: 5)، حتى إن لم تصدقوا شهادة واحد فلكم اثنا عشر شاهدًا. "وبعد ذلك ظهر ليعقوب" أخيه أسقف أورشليم الأول.
فإن عرفت أن هذا الأسقف رأى المسيح يسوع حين قام فلا تشك أنت تلميذه. لكنكم تقولون إن أخاه يعقوب لم يشهد بوضوح. يقول الرسول: "وآخر الكل ظهر لي أنا" (1 كو 15: 8) بولس عدوه. وأية شهادة لا تُصدق إن كان العدو يشهد بها؟! "أنا الذي كنت قبلًا مضطهدًا" (1 تي 1: 13)، أكرز الآن بأخبار القيامة المفرحة.
22. يوجد أيضًا شهود كثيرون يشهدون بقيامة المخلص: الليل مع ضوء القمر الساطع (إذ كانت في الليلة السادسة عشرة)(27)، صخرة القبر الذي تقبله، فستقف الصخرة شاهدة ضد اليهود... الحجر الذي دحرج يحمل شهادة عن قيامة المخلص، وهو لا يزال إلى يومنا هذا. ملائكة الله الذين شهدوا بقيامة الابن الوحيد، بطرس ويوحنا وتوما وبقية الرسل، بعضهم جرى إلى القبر ورأى الأكفان التي كان ملفوفًا بها باقية كما هي بعد القيامة، وآخرون لمسوا يديه ورجليه وتحسسوا آثار المسامير. والكل تمتع بنفخة المخلص هذه، وتأهلوا أن يغفروا الخطايا بقوة الروح القدس. النسوة أيضًا كن شاهدات، فقد أمسكن بقدميه وأحسسن بزلزلة قوية، بهاء الملاك الذي وقف بهن شاهدًا بالقيامة، الملابس الكتانية الذي كان ملفوفًا بها وقد تُركت حين قام، الحراس والنقود التي أُعطيت لهم، هذا المكان الذي ترونه، وهذه الكنيسة المقدسة التي تذكرها الإمبراطور قسطنطين في محبته، فبناها وزينها كما ترون.
23. يوجد أيضًا دليل على قيامة يسوع هو طابيثا التي باسمه قامت من الأموات (أع 9: 40). كيف لا يُصدق أن المسيح قام من الأموات، إن كان حتى اسمه أقام الموتى؟!
البحر أيضًا يشهد بقيامة المسيح كما سمعتم قبلًا، والسمك المُصطاد والحجر والسمك الموضوع هناك وبطرس الذي أنكره ثلاث مرات ثم اعترف به أيضًا ثلاث مرات بعد قيامته فأوصاه أن يرعى غنمه الروحي.
إلى يومنا هذا يقف جبل الزيتون أمام أعين المؤمنين جميعًا شاهدًا للذي صعد إلى السماء من هناك، من المكان الذي بدأ فيه آلامه بين الناس وانتهى بتتويجه بينهم.
ها هي شهادات كثيرة: مكان القيامة ذاته، موضع الصعود نحو المشرق، الملائكة الذين شهدوا أيضًا، السحابة التي صعد عليها، الرسل الذين كانوا هناك.
24. قادنا الحديث في تعليمنا عن قانون الإيمان إلى الحديث عن الصعود. وقد دبرت نعمة الله أن تسمعوا بالأمس في يوم الرب عنه بأكثر توسع حسب ضعفنا... وما قد قيل وُجه إلى الجميع، إلى المؤمنين المجتمعين جميعهم، لكنه كان بالأكثر يخصكم أنتم.
والسؤال هو: هل انتبهتم إلى ما قيل؟ إذ كلمات قانون الإيمان تعلمكم "الذي قام من الأموات في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب".
أظن أنكم تذكرون التفسير، لكنني استرجع أذهانكم إلى ما قيل. تذكروا ما قاله المزمور بوضوح: "صعد الله بهتاف" (مز 47: 5). تذكروا أيضًا ما جاء في المزمور من حديث القوات الإلهية مع بعضها البعض "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم" (مز 24: 7). تذكروا أيضًا المزمور القائل: "صعد إلى العلا وسبى سبيًا" (مز 68: 18). تذكروا النبي القائل: "الذي يبنى صعوده نحو السماء..."(28). وغير ذلك من الأمور التي سبق ذكرها بسبب مغالطات اليهود.
25. فإذ يتكلمون ضد صعود المخلص كأمر مستحيل، فليذكروا كيف حمل ملاك حبقوق من شعر رأسه(29)، فبالأحرى جدًا يستطيع إله الملائكة والأنبياء أن يصعد على سحابة من جبل الزيتون بقوته الخاصة.
يمكنكم أن تتذكروا عجائب كهذه لكن لتعط المكانة الأولى لله صانع العجائب. فهؤلاء رُفعوا أما هو فرافع كل الأشياء.
تذكروا أن أخنوخ نقُل أما يسوع فصعد.
تذكروا ما قيل بالأمس عن إيليا أنه أُصعد في مركبة نارية (2 مل 2: 11)، أما مركبات المسيح فربوات ألوف (مز 68: 17).
إيليا أخذ ناحية شرق الأردن، أما المسيح فصعد شرق وادي قدرون.
إيليا ذهب كما إلى السماء، أما المسيح ففي السماوات.
إيليا قال أن يُعطى لتلميذه الطوباوي نصيب مضاعف من الروح القدس، أما المسيح فمنح رسله نعمة الروح القدس هكذا حتى أنهم لم يأخذوه لأنفسهم وحدهم بل وهبهم أن يمنحوا المؤمنين أن يشتركوا معهم فيه بوضوح الأيدي.
26. ولكن حينما تناضلون مع اليهود هكذا، وحينما تجاوبونهم بأمثلة متشابهة يلزمكم بالأحرى أن تُظهروا عظمة مجد المخلص، إذ هؤلاء خدام أما هو فابن الله. وهكذا يمكنكم أن تذكروا سموه بالتفكير في أن خادم المسيح قد بلغ السماء الثالثة. فإن كان إيليا قد بلغ السماء الأولى فإن بولس بلغ الثالثة، فحصل على كرامة أعظم.
لا تخجلوا من رسلكم! أنهم ليسوا أقل من موسى، ولا يأتون بعد الأنبياء. إنما هم نبلاء بين نبلاء، نعم بل وأكثر نبلًا. لأنه حقًا أُخذ إيليا إلى السماء، ووُهب بطرس مفاتيح ملكوت السماوات. إذ سمع هذه الكلمات "ما تحلِّه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (مت 16: 19).
إيليا أُخذ إلى السماء، أما بولس فإلى السماء والفردوس (2 كو 12: 2، 4)، (إذ يليق أن يكون لتلاميذ المسيح نعمة مضاعفة)، "وسمع كلمات لا يُنطق بها، ولا يسوغ لإنسانٍ أن يتكلم بها". لكن بولس نزل ثانية من فوق ليس لعدم استحقاقه أن يبقى هناك، إنما لكي ما بعد أن تمتع بالأمور التي تعلو على الإنسان يعود ويكرز بالمسيح ويموت لأجله فيأخذ إكليل الشهادة...
27. تذكروا أيضًا ما كنت أتحدث عنه كثيرًا بخصوص جلوس الابن عن يمين الآب، حيث جاء في قانون الإيمان: "وصعد إلى السماوات، وجلس عن يمين الآب".
ليتنا لا نتطفل في معرفة معنى "العرش"، لأنه غير مدرك. لكننا لا نقبل أبدًا القائلين كذبًا أن الابن بدأ يجلس عن يمين أبيه بعد صلبه وقيامته وصعوده إلى السماوات، لأن الابن لم يتمتع بالعرش بالتقدم (أي ترقى إليه)، بل هو دومًا على العرش حيث كائن. وقد عرف إشعياء النبي هذا العرش قبل مجيء المخلص في الجسد فيقول "رأيت السيد جالسًا على عرش عالٍ ومرتفع" (إش 6: 1). وقد قيل أن الآب لم يره أحد قط (يو 1: 18)، فكأن النبي رأى الابن.
يقول أيضًا المرتل: "كرسيك مثبت منذ القدم، منذ الأزل أنت" (مز 93: 2). وإذ توجد أدلة كثيرة على هذا لكن لسبب تأخر الوقت اكتفي بما قلته.
28. لكن الآن يجب أن أذكركم بقليل من كثير مما يُقال بخصوص جلوس الابن عن يمين الأب، فالمزمور المائة والتاسع يقول: "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئ قدميك" (مز 109: 1). ويؤكد المخلص هذا في الأناجيل، ذاكرًا أن داود لم ينطق بهذا من نفسه بل بوحي الروح القدس قائلًا: "كيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربي أجلس عن يميني؟!" (مت 22: 43)، وقد استخدم بطرس والأحد عشر رسولًا هذا الدليل بنفس كلمات المزمور المائة والتاسع في سفر الأعمال في يوم البنطقسطي (حلول الروح القدس) عندما وقف ووعظ الإسرائيليين.
29. لكن يليق بنا أن نذكركم بشهادات أخرى خاصة بجلوس الابن عن يمين الآب.
جاء في إنجيل متى: "وأيضًا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة..." (مت 26: 64). وتبعًا لهذا يكتب الرسول بطرس قائلًا: "بقيامة يسوع المسيح الذي هو في يمين، الله إذ قد مضى إلى السماء" (1 بط 3: 21، 22).
ويكتب الرسول بولس إلى أهل رومية: "المسيح هو الذي مات، بل بالأحرى قام أيضًا، الذي هو أيضًا عن يمين الله" (رو 8: 34).
وإلى أهل أفسس: "حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه..." (أف 1: 19، 20).
كما علّم أهل كولوسي بهذا: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو 3: 1).
وفي الرسالة إلى العبرانيين يقول: "بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 1: 3).
ثم أيضًا: "لمن من الملائكة قال قط: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك؟!" (عب 1: 13)
ثم أيضًا: "أما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله، منتظرًا بعد ذلك حتى يُوضع أعداؤه موطئًا لقدميه" (عب 10: 12).
وأيضًا "ناظرين إلى رئيس إيماننا ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عب 12: 2).
30. بالرغم من أنه توجد نصوص أخرى كثيرة بخصوص جلوس الابن الوحيد عن يمين الله، إلاّ أننا نكتفي بهذه الآن، مكررًا ملاحظتي أن الابن لم يحصل على كرامة هذا المكان بعد مجيئه بالجسد بل الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح قبل كل الدهور يملك العرش عن يمين الآب على الدوام...
إذًا اثبتوا غير متزعزعين في رجائكم في الذي قام.
قوموا معه جميعًا من خطاياكم المميتة إلى عطيته السمائية.
احسبوا أنفسكم أهلًا للاختطاف في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1 تس 4: 17)، في حينه، حين يأتي وقت ظهوره الثاني المجيد.
اكتبوا أسماءكم جميعًا في سفر الحياة ولا تمسحوها أيضًا (لأن أسماء الكثيرين تُمحى بسقوطهم).
ليهبكم جميعًا أن تؤمنوا بالذي قام، وتتطلعوا إلى الذي صعد وسيأتي (ولكن ليس من الأرض، إذ يلزمك أن تحترسوا من الكذابين الذين سيأتون)، إنما يأتي ذاك الذي يجلس في العلا وهو معنا جميعًا، "ناظرًا ترتيبكم ومتانة إيمانكم" (كو 2: 5). فلا تظنوا أنه بغيابه بالجسد غائب عنا بالروح، بل هو موجود في وسطنا، يسمع ما يُقال عنه، متطلعًا إلى أفكاركم الداخلية، فاحصًا القلوب والكلى (مز9:7)، الذي هو الآن مستعد أن يحضر الآتين إلى العماد، بل ويحضركم جميعًا في الروح القدس للآب، قائلًا: "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله" (عب 2: 13، إش 8: 18). هذا الذي له المجد إلى الأبد. آمين.
_____
(7) المقالات 14، 15، 16 ترجمة الدكتور شوكت شفيق.
(8) مت 28: 9 “سلام لكم" التحية المعتادة باليونانية "Xaipete" أي افرحوا.
(9) إش 57: 4. الترجمة البيروتية "يدخل السلام".
(10) مز 7: 6 "قم يا رب بغضبك".
(11) أي 18: 7 الترجمة السبعينية أما البيروتية فهي "وكل لحظة تمتحنه" وقد ترجمت الترجمة السبعينية كلمة "Wink" أنها "في النهاية" وليس "لحظة" .
(12) صف 3: 7 الترجمة السبعينية "بكروا وافسدوا جميع أعمالهم".
(13) صف 3: 8 كلمة الشهادة تشبه كلمة "السلب" في العبرية.
(14) قبل إلقاء هذه المقالات بعشرة سنوات تحدث يوسابيوس عن اكتشاف القبر المقدس (حياة قسطنطين 3: 28)، فدعاه "شهادة قيامة المخلص أعلى من أي صوت آخر".
(15) صف 3: 9 الترجمة السبعينية: "لأني حينئذ أحوال الشعوب إلى شفة نقية".
(16) الطبعة البيروتية مز 88.
(17) نش 2: 10 "قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالى".
(18) نش 2: 14 "في محاجئ الصخر".
(19) نش 2: 14 "في محاجئ الصخر في ستر العاقل".
(20) الشهر السادس من التقويم المكدوني ويقابل نيسان تقريبًا في التقويم اليهودي.
(21) نش 5: 1 "أكلت شهدي مع عسلي".
(22) إش 27: 11 "فتأتي النسوة وتوقدها. لأنه ليس شعبًا ذا فهم".
(23) إش 30: 10 "كلمونا بالناعمات، انظروا مخادعات".
(24) هذه العبارة ربما أخذها عن يوسابيوس (التاريخ الكنسي 4: 5) أو "السجلات المكتوبة" حيث تعلم أنه إلى حصار اليهود الذي تم في حكم أدريان كان هناك 15 أسقفًا بالتتابع من أصل عبراني.
(25) هو 13: 4 "من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم".
(26) إش 63: 11 "أين الذي أصعدهم من البحر مع راعي غنمه؟!"
(27) كان الصليب في 14 نيسان فتكون ليلة القيامة 16 نيسان.
(28) عا 9: 6 "الذي بني في السماء علالية".
(29) جاء في حزقيال 8: 3 "ومد شبه يد وأخذني بناصية رأسي ورفعني روح بين الأرض والسماء فأتى بي في رؤى الله".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/cyril/resurrected.html
تقصير الرابط:
tak.la/fnbxtm3