جميع الحجارة الكريمة المشار إليها في الأسفار القانونية، ما عدا ثلاثة، مذكورة في (خروج 28: 17-20؛ رؤيا 21: 11؛ 19: 21)، في النص والهامش والثلاثة الباقية هي الألماس (حزقيال 3: 9)، وعين المهر والعقيق (خروج 28: 19؛ رؤيا 4: 3)، ومن هذه اثنان على الأقل هما فقط اسمان آخران لحجرين كريمين مما ذكر من قبل. والحجارة الكريمة المذكورة في الكتاب هي: الألماس، يشم، عين الهر، جمشت، جزع (أو زمرد سلقي)، زمرد (أو بهرمان)، بهرمان (أو زمرد)، عقيق أبيض، زبرجد، عقيق أخضر، بللّور، اسمانجوني (أو عين الهر) يشب، ياقوت أزرق، عين الهر، جزع، لؤلؤ، عقيق أحمر، ياقوت أزرق (أو اسمانجوني) جزع عقيق، ياقوت أصفر (انظر كل حجر كريم في بابه).
هناك صعوبة كبرى أمام أي محاولة لترجمة الأسماء العبرية واليونانية للحجارة الكريمة المذكورة في الكتاب المقدس، إلى أسماء مستخدمة حاليًا لنفس المعادن أو الأحجار في مختلف البلدان، وذلك لأنه لم يمكن تعريف أنواع هذه الأحجار بدرجة من الدقة إلا من خلال تطور علمي البلورات والكيمياء في غضون هذا القرن الأخير، فقد كانت بعض المعادن في القديم تعتبر نوعًا واحدًا رغم اختلافها، كما كانت تسمى باسم واحد، أما الآن فهي أنواع كثيرة مختلفة، لها أسماء مختلفة محددة.
فعلى سبيل المثال كانت كلمة "أنثراكس" اليونانية، تستخدم منذ نحو ألفي عام للدلالة على عدد كبير من الأحجار الصلبة الصلدة الشفافة حمراء اللون، وقد ثبت الآن أنها تضم أنواعًا عديدة من الأحجار تختلف في تركيبها الكيماوي، فهناك "الكورندم الأحمر" (الياقوت الشرقي)، و"الاسبيتل الأحمر" (ياقوت بالاس)، والألمندين والبيروب (العقيق الأحمر القاني).
فما كان يطلق عليه اليونانيون القدامى "أنثراكس" إنما كان أنواعًا عديدة لا تنضوي تحت اسم واحد، ولذلك لا يوجد لكلمة "أنثراكس" كلمة مقابلة في أي لغة حديثة.
يأتي أيضًا اللبس في مدلول الأسماء من طريق آخر، فالأسماء الإنجليزية وكذلك ما يقابلها في العربية لمعظم الأحجار الكريمة المذكورة في الكتاب المقدس، هي مشتقات من الأسماء اللاتينية المأخوذة عن اليونانية. فعلى سبيل المثال، كلمة " توباز " الإنجليزية هي تحوير للكلمة اللاتينية " توبازيوس "، وهذه بدورها هي الشكل اللاتيني للكلمة اليونانية " توبازيون"، وقد يبدو للوهلة الأولى أن ترجمة الكلمة اليونانية " توبازيون " هي توباز في الإنجليزية، لكن من العجيب أنه بالرغم من تشابه الكلمتين في حروفهما إلا أن كلا منهما تشير إلى نوع مختلف من الحجارة، فحجر التوبازيون لدى اليونانيين القدامى كان حجرًا أخضر اللون قابلًا للصقل بالمبرد، وكانوا يجلبونه من إحدى جزر البحر الأحمر، أما ما يعرف الآن " بالتوباز " فليس بأخضر اللون بل أصفره وغير قابل للصقل بالمبرد، " فالتوبازيون " و" التوباز " نوعان مختلفان، فالتوبازيون عند اليونانيين القدماء هو في حقيقة الأمر حجر "الزبرجد" أو "البيريدوت" حسب المصطلحات الحديثة لكيمياء المعادن.
ولذلك أصبح من الضروري لدارس الكتاب المقدس، أن يتأكد بقدر الإمكان من نوع الحجر الذي كان يطلق عليه الاسم اليوناني أو العبري في وقت كتابة السفر المقدس.
لقد جاء ذكر معظم الأحجار الكريمة في الكتاب المقدس، في ثلاث قوائم إحداها باللغة العبرية وتصف صدرة رئيس الكهنة (خر 28: 17-20)، والثانية باللغة اليونانية وتصف أساسات أورشليم الجديدة (رؤ 21: 19، 20)، والثالثة تتضمن بعض الأحجار الكريمة التي كان يتحلى بها ملك صور (حز 28: 13). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى). وتذكر القائمة نفس أحجار صدرة رئيس الكهنة.
وقد ذكرت أربعة من هذه الأحجار الكريمة في مواضع أخرى من سفر الرؤيا، فذكر اليشب والعقيق والزمرد (رؤ 4: 3)، وأسمانجوني (رؤ 9: 17).
لابد لنا حتى نستطيع فهم الأسماء اليونانية المستخدمة في سفر الرؤيا، من الاستعانة بما كتبه "بليني" عن " التاريخ الطبيعي " والذي نشره في 77 م، مسجلًا كل ما كان معروفًا عن الحجارة الكريمة في الزمن الذي عاش فيه الرسول يوحنا. والأسماء اليونانية لهذه الحجارة الكريمة، وما يقابلها في اللاتينية، كان لها على الأرجح نفس المدلول عند الكاتبين (يوحنا وبليني)، ولذلك فمن الممكن في بعض الحالات على الأقل التأكد من اسم أي حجر ورد اسمه في العهد الجديد، متى كان هذا الاسم مسجلًا وموصوفًا في كتاب بليني. وسنبين نتائج هذا البحث في قائمة سنوردها فيما بعد.
وقد ذكر بليني فيما ذكر الإثنى عشر حجرًا المذكورة في أساسات المدينة باستثناء العقيق الأبيض (خلقيدون)، كما أنه وصف بعض الأحجار الكريمة الهامة التي لم تذكر في سفر الرؤيا مثل "كريستالوم" و"الأداماس" وهما حجران لا لون لهما، والجزع ويشتهر بلونه، و"الالكتروم" أو الكهرمان، والعقيق الأحمر (كاربنكلوس) ولونه أحمر ناري، وحجر "كالينا" ولونه أخضر باهت ولعله الفيروز، وحجر "سيانوس" ولونه أزرق غامق، و"الأوبال" الذي كان في عصر بليني يلي الزمرد (زمرجدوس) قيمة. ولم يذكر بليني في قائمة الحجارة الكريمة إذ لم يكن يعتبر في وقته حجرًا ثمينًا.
عند تفسير الأسماء العبرية لحجارة صدرة رئيس الكهنة، نواجه صعوبة أكبر لأنه ليس ثمة مرجع آخر باللغة العبرية عدا العهد القديم، ولا يمكن استخلاص إلا القليل من الآيات التي ورد فيها ذكر أسماء عبرية لبعض الأحجار الكريمة.
وإذا أمكن افتراض أن الترجمة السبعينية والفولجاتا (الترجمة اللاتينية التي قام بها جيروم) في وصفها لصدرة رئيس الكهنة قد نقلتا عن الأصول العبرية بدقة تامة،لأمكننا أن نحدد المقصود بالأسماء العبرية بمعونة الأسماء اليونانية المقابلة لها في زمن الترجمة السبعينية (حوالي 280 ق.م. وما يقابلها في اللاتينية وقت القديس جيروم حوالي 400 م.).
ويجب أن نذكر أن النص العبري في وصفه ترتيب الحجارة، كان يبدأ من اليمين إلى اليسار حسب إتجاه الكتابة العبرية، أما في اليونانية واللاتينية، فالكتابة تبدأ من اليسار إلى اليمين أي بترتيب عكسي، ولا ندري أي أسلوب اتبعه مترجمو السبعينية، وهل ساروا على النهج العبري أي بدأوا فعلًا بترتيب الأحجار من اليمين إلى اليسار أو أنهم عكسوا الترتيب وبدأوا من اليسار إلى اليمين. ولذلك فمن الجائز أن يكون الأودهم والبرقيت (وهما الحجران الأول والأخير في الصف الأول في العبرية)، هما "السارديون" و"الزمرجدوس" في السبعينية، أو أنهما "الزمرجدوس" و"السارديون" (في الترتيب العكسي)، وهكذا بالنسبة لبقية الصفوف. ويبقى الحجر الأوسط بكل صف كما هو مهما كان اتجاه الكتابة.
ولكن لما كان "الأودهم" (العقيق الأحمر) أحمر اللون، و"السارديون" أحمر اللون أيضًا، بينما "الزمرجدوس" أخضر، يكون معنى ذلك أن الترجمة السبعينية قد اتبعت الاتجاه العبري في كتابة الصفوف من اليمين إلى اليسار.
ويلاحظ أنه بالنسبة للحجر الأول من الصف الأول، كان "الساردونوكس" (الجزع العقيقي) في زمن يوسيفوس يذكر تحت اسم أكثر شمولًا، هو سارديون (العقيق الأحمر)، وكذلك بالنسبة للحجر الأول في الصف الثاني، لأن الاسمين اليوناني واللاتيني وهما "أنثراكس" و"كاربو" على التوالي، معناهما الفحم المتوهج (الجمرة)، لذلك استخدم الاسمان "أنثراكس" و"كاربونكلوس (تصغير "كاربو") للدلالة على نوع من الحجارة الحمراء الذي يسمى في العربية "بهرمان".
يمكننا أن نستنتج من القائمة السابقة، أن عدم التوافق في الأسماء المتقابلة يرجع إلى:
(1) أن هناك ترجمات مختلفة في عدة حالات للكلمة العبرية الواحدة، أو
(2) أن النصوص العبرية التي أخذت عنها الترجمة السبعينية، كانت تختلف فيما يتعلق بأسماء الحجارة الكريمة عن النصوص التي أخذت عنها الفولجاتا، أو
(3) أن حجارة صدرة رئيس الكهنة كانت تختلف باختلاف العصور، أو
(4) أن أحد أو كلا الوصفين الذين أوردهما يوسيفوس غير صحيح.
والأرجح أن كل هذه الاحتمالات قائمة بالفعل.
(أ) اختلافات الترجمة السبعينية: يمكن الاستدلال على أن الترجمة السبعينية لم تكن دقيقة تمامًا عند ترجمة أسماء الحجارة الكريمة من العبرية إلى اليونانية في زمن تلك الترجمة، حيث أنها استخدمت عدة أسماء لنفس الحجر الواحد. "فشهام" في العبرية وهو الحجر الثاني في الصف الرابع في الصدرة ورد منفردًا في عدة مواضع، حيث لا مجال لاحتمال الخلط بين الأسماء، كما يحدث عندما تذكر المصطلحات الفنية متقاربة، وبخاصة إذا كانت غير واضحة المعنى أمام المترجم. فترجمت كلمة "شهام" العبرية (وهي "الجزع" في العربية) إلى "لابيس أونيكينوس" في الفولجاتا، لكنها تترجم في (سفر أيوب 28: 16) إلى "لابيس ساردونيكس" ("الجزع الكريم" في العربية). ولذلك فالأرجح أن يكون اسم هذا الحجر هو "شهام" في الأصل العبري للترجمة اللاتينية لجيروم (الفولجاتا)، وأيضًا في الأصل العبري للترجمة السبعينية، إلا أنه في الترجمة السبعينية ترجمت الكلمة "شهام" إلى "سوام" في [(أخبار الأيام الأول 29: 2) بالعربية "جزع"] مما يدل على أن من قام بترجمتها لم يكن على دراية بالمقابل اليوناني لكلمة "شهام" فقام بنقلها كما هي حرفيًا في اليونانية.
ويبدو من هذه الاختلافات أن الترجمة السبعينية قام بها مترجمون مختلفون حتى بالنسبة للإصحاحات المختلفة من نفس السفر، ولم يبذلوا جهدًا للتوفيق فيما بينهم عند ترجمة المصطلحات الفنية.
(ب) التغيير في الصدرة: ربما كانت الصدرة المستخدمة في زمن الترجمة السبعينية (حوالي 280 ق.م.) تختلف عن المذكورة في سفر الخروج، ولعل تاريخ الأمة اليهودية فيه ما يؤيد ذلك، فقد سقطت أورشليم في قبضة "شيشنق" ملك مصر حوالي 973 ق.م. وفي يد نبوخذنصر ملك بابل حوالي 586 ق.م. ثم في يد بطليموس سوتر ملك مصر حوالي 320 ق.م. ولعل الصدرة الأصلية المذكورة في سفر الخروج قد أخذت بين الغنائم في مرة من هذه المرات، لما حوته من حجارة كريمة، ولعلها اختفت فيما بعد إلى الأبد.
أما في الفترة ما بين الترجمة السبعينية وعصر يوسيفوس فقد سقطت أورشليم أكثر من مرة في يد أعدائها، ففي 198 ق.م. استولى عليها أنطيوكس الكبير. وفي عام 170 ق.م. اقتحم أنطيوكس إبيفانس المدينة ونهب الهيكل. أما كراسوس فقد دنس الهيكل في 54 ق.م. فلعل الصدرة التي عرفها يوسيفوس لم تكن هي ذاتها التي كانت مستخدمة في زمن الترجمة السبعينية.
فإذا كانت مدلولات الأسماء العبرية للحجارة لم تنتقل من جيل إلى آخر بكل دقة وبخاصة في أوقات اختفاء الصدرة (كما في أثناء السبي البابلي مثلًا)، أو أن الحجارة التي كانت في الصدرة الأصلية لم تكن متوفرة عند إعادة عمل صدرة جديدة، فلم يكن هناك مفر من حدوث اختلافات في الصدرة في العصور المختلفة. فإذا تأملنا الحجرين الموضوعين على كتفي رداء رئيس الكهنة، نجد أنهما حسب الترجمة السبعينية كانا من "الزمرجدوس" (وهو الزمرد في العربية، أخضر اللون) بينما يذكر "يوسيفوس" أنهما كانا من الجزع العقيقي [ساردونوكس أحمر اللون مع شيء من البياض (خر 28: 9؛ 39: 6)]. وهذا الاختلاف التام في اللون بين الزمرد (زمرجدوس) وبين الجزع العقيقي (ساردونوكس)، لا يرجع على الأرجح إلى خطأ في الترجمة السبعينية للاسم العبري "شهام"، وإنما لاختلاف نوعي الحجر ذاته، الذي ربما كان زمردًا أخضر في وقت الترجمة السبعينية، وكان من الجزع (الأحمر مع طبقة بيضاء) في عصر يوسيفوس.
(ج) وصف يوسيفوس: إن المقارنة بين النصوص العبرية لمختلف الترجمات مع ما أورده يوسيفوس من وصف، لهو أمر بالغ الأهمية كما يتضح مما يلي:
الحجر الثاني في الصف الثاني واسمه بالعبرية "صفِّير" (وبالعربية: الياقوت الأزرق) يترجم في السبعينية باسم "سافيروس" وفي اللاتينية لجيروم باسم "سافيروس" أيضًا، وأينما ورد اسم "صفِّير" في النص العبري، ترجمته السبعينية واللاتينية باسم "سافيروس" فهي بذلك في اتساق تام مع النص العبري. ومن المؤكد أن الاسم اللاتيني "سافيروس" مأخوذ عن الاسم اليوناني (سافيروس)، الذي يبدو أنه مأخوذ من الاسم العبري (صفير).
وليس ثمة ما يدعو إلى الشك في أنه منذ وقت الترجمة السبعينية حتى وقت ترجمة جيروم للفولجاتا، لم تستخدم كلمة "سافيروس" مطلقًا إلا للدلالة على نوع واحد من الحجارة، وأن هذا النوع لم يطلق عليه اسم "إياسبيس" قط، إلا أن يوسيفوس يذكر في كتابيه أن الحجر الأوسط من الصف الثاني هو "إياسبيس" (اليشب) وليس "سافيروس"، بينما يذكر أن "سافيروس" هو الحجر الأخير من نفس الصف. ومع أن النصوص العبرية كلها قد أعطت نفس الاسم للحجر الثاني من الصف الثاني في الصدرة، إلا أن يوسيفوس يخالف ذلك، وعليه فلا يمكن الاعتماد على المقارنة بين وصف الصدرة في العبرية والترجمتين السبعينية واللاتينية، ووصف يوسيفوس لها، لاستخلاص المقابل اليوناني أو اللاتيني الصحيح للاسم العبري لأي حجر من الأحجار.
كما نلاحظ أن يوسيفوس ذاته يقدم وصفين مختلفين في كتابيه فيما يتعلق بترتيب الحجارة في الصفين الثالث والرابع، فترتيب الحجارة في الصف الثالث معكوس تمامًا، والترتيب في الصف الرابع هو: كروزوليثوس، أونوكيون، بيروليون في كتاب الآثار، أما في كتاب حروب اليهود فهو: أونوكيون، بريليون، كروزوليثوس.
وقد كتب يوسيفوس كتاب "الآثار" بتمهل كبير عن كتاب "حروب اليهود"، ولم يستكمله إلا بعد ثمانية عشر عامًا، فتوفر له الوقت للرجوع إلى المخطوطات القديمة، فهو بعامة أدق في تسجيل تاريخ الأزمنة التي لم تكن لديه معرفة مباشرة بها، وعليه يمكن الاعتماد عليه أكثر من كتاب " الحروب". ويختلف كتاب الآثار عن الترجمة السبعينية في وضع الحجرين الثاني والثالث في الصفوف الثاني والثالث والرابع. فقد وضع كلا منهما موضع الآخر. ولعل يوسيفوس قد كتب الترتيب من الذاكرة عن الترجمة السبعينية، أو عن واقع رؤيته الفعلية للصدرة.
(د) ويذكر الكتاب المقدس أسماء أحجار كريمة غير ما ورد في القوائم السابق ذكرها، مثل الماس (إرميا 17: 1؛ خر 3: 9)، واللؤلؤ (أي 28: 18؛ أم 3: 15؛ 8: 11؛ مت 13: 45؛ 1 تي 2: 9؛ رؤ 17: 4؛ 18: 12؛ 12: 21).
* انظر أيضًا: الذهب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5chznxh