سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة اللاهوت والإيمان والعقيدة
الإجابة:
← اللغة الإنجليزية: Holy Spirit - اللغة القبطية: `pneuma eqouab.
1.
منذ البدء
كان روح
الله كائن منذ
الأزل لأنه
"في البدء خلق
الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على
وجه المياه" (سفر تكوين 1:1 و2)
ومنذ الأزل وروح الله
يعمل
في الإنسان لتجديده لكي يعيش في الحياة المقدسة.. لذا تكلم
الأنبياء وشهدوا لعصر
النعمة
بالروح القدس
The
Holy Spirit "لأنه لم
تأت نبوة قط بمشيئة
إنسان بل تكلم أناس الله
القديسون مسوقين من الروح القدس" (رسالة بطرس الثانية 1: 21). وقد تكلم داود عن
نفسه قبل موته قائلا في (سفر صموئيل الثاني 23: 2) "روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني. قال اله
إسرائيل إلى تكلم صخرة إسرائيل إذا
تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله وكنور الصباح إذا أشرقت الشمس كعشب من الأرض
في صباح صحو مضيء غب المطر" وذلك يتماثل مع زكريا الكاهن الذي امتلأ من
الروح
القدس "و تنبأ قائلا مبارك الرب اله
إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه وأقام
لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ
الدهر" (إنجيل لوقا 1: 70) وكان كل من يدعوه الرب للخدمة كان يملأه بروحه "و كلم الرب موسى قائلا انظر قد
دعوت بصلئيل بن أوري بن حور من
سبط يهوذا باسمه
وملأته من روح الله بالحكمة
والفهم والمعرفة وكل صنعة لاختراع مخترعات ليعمل في الذهب والفضة والنحاس ونقش
حجارة للترصيع ونجارة الخشب ليعمل في كل صنعة" (خر
2.
وكان روح الله
منذ الأزل يصنع
قوات وعجائب علي يدي
الأنبياء
والقديسين و
الرسل،
واستطاعوا أن يقيموا
الموتى مثل إيليا (
3.
لم يكن عمل الروح القدس
فقط في الأنبياء أو الرسل من خلال كتاباتهم أو من خلال أعمالهم لكن كان فعالا في
قلوب المؤمنين باسم الرب، فالروح القدس يخلق نفسًا جديدة وروحًا محييًا وقلب نقيًا
لذا صرخ داود النبي بعد سقوطه في الخطية "قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا
مستقيما جدد في داخلي لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني رد لي
بهجة خلاصك وبروح منتدبة
أعضدني" (مز
4. حزقيال النبي قد سرد قصة أحياء العظام الميتة وقال "فأخرجني بروح الرب وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظاما وأمرني عليها من حولها وإذا هي كثيرة جدًا على وجه البقعة وإذا هي يابسة جدا فقال لي يا ابن ادم أتحيا هذه العظام فقلت يا سيد الرب أنت تعلم فقال لي تنبأ على هذه العظام وقل لها أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب هكذا قال السيد الرب لهذه العظام هاأنذا ادخل فيكم روحا فتحيون واضع عليكم عصبا وأكسيكم لحمًا وابسط عليكم جلدًا واجعل فيكم روحا فتحيون وتعلمون إني أنا الرب فتنبأت كما أمرت وبينما أنا أتنبأ كان صوت وإذا رعش فتقاربت العظام كل عظم إلى عظمه ونظرت وإذا بالعصب واللحم كساها وبسط الجلد عليها من فوق وليس فيها روح فقال لي تنبأ للروح تنبأ يا ابن ادم وقل للروح هكذا قال السيد الرب هلم يا روح من الرياح الأربع وهب على هؤلاء القتلى ليحيوا فتنبأت كما أمرني فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدا جدا" (حز37: 1-7).
5.
وقد
رأي حزقيال أيضا رؤيا وسردها قائلًا "وكانت إلى كلمة الرب قائلة يا ابن ادم عرف
أورشليم برجاساتها وقل هكذا قال السيد الرب لأورشليم مخرجك ومولدك من ارض كنعان
أبوك أموري وأمك حثية أما ميلادك يوم ولدت فلم تقطع سرتك ولم تغسلي بالماء
للتنظيف
ولم تملحي تمليحًا ولم تقمطي تقميطًا لم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق
لك بل طرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت فمررت بك ورايتك مدوسة بدمك فقلت
لك بدمك عيشي قلت لك بدمك عيشي جعلتك ربوة كنبات الحقل فربوت وكبرت وبلغت زينة
الأزيان نهد ثدياك ونبت شعرك وقد كنت عريانة وعارية فمررت بك ورايتك وإذا زمنك
زمن الحب فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك وحلفت لك ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب
فصرت لي فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءك ومسحتك بالزيت وألبستك مطرزة ونعلتك
بالتخس وآزرتك بالكتان وكسوتك بزا وحليتك بالحلي فوضعت أسورة في يديك وطوقا في
عنقك ووضعت خزامة في انفك وأقراطًا في أذنيك وتاج جمال على راسك فتحليت بالذهب
والفضة ولباسك الكتان والبز والمطرز وأكلت السميذ والعسل والزيت وجملت جدا جدا
فصلحت لمملكة وخرج لك اسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك
يقول السيد الرب" (حز
6.
وهناك
الكثير من الأنبياء الذين
تنبئوا بالروح القدس عن حلول الروح القدس علي الرسل في
يوم
الخمسين وعن عمل الروح القدس في العهد الجديد فتنبأ حزقيال كما تنبأ يوئيل
(يوئيل
7.
تنبأ
أنبياء العهد القديم عن اتحاد
المسيح بالروح القدس مع الآب: فتنبأ
إشعياء قائلًا "و
يخرج قضيب من جذع يسى وينبت
غصن من
أصوله ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم
روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي
بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف
لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه ويكون البر منطقة
متنيه والأمانة منطقة حقويه" (اش
8.
الروح
القدس نقل الأنبياء من مكان إلى آخر بحسب مشيئة الرب: فقد نقل الروح حزقيال وجاء
به في الرؤيا إلي ارض الكلدانيين
إلى المسبيين لكي يخبرهم بكلمه الله الذي أراه إياه (حز
9.
الإيمان بالرب لن
يكن إلا بالروح القدس وروح الرب
يعمل
فينا وتعطي مواهب متعددة "ليس احد وهو يتكلم
بروح الله يقول يسوع أناثيما وليس احد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس
فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد وأنواع
أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل ولكنه لكل واحد يعطى إظهار
الروح للمنفعة فانه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح
الواحد ولآخر إيمان بالروح الواحد ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ولآخر عمل قوات
ولآخر نبوة ولآخر تمييز الأرواح ولآخر أنواع السنة ولآخر ترجمة السنة ولكن هذه
كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء" (
* جاءت كلمة «روح» بمعنى ريح أو نسمة، وهو معناها الأصلي، فاستُعملت عن بعض القوات غير المنظورة مثل «روح العرافة» (أع 16: 16) و«روح الضلال» (1يو 4: 6 و1تي 4: 1) و«روح المسيح» (1يو 4: 3). وعُبّر بها عن اتجاهات خاصة في الإنسان فقيل «المنسحق والمتواضع الروح» (إش 57: 15) و«روح الوداعة» (1كو 4: 21) و«روح منكسرة» (مز 51: 17) و«روح الفَشَل» (2تي 1: 7) و«روح سُبات» (رو 11: 8). وسُمّي بها الملائكة الأبرار والأشرار (عب 1: 14 ومز 104: 4 ومر 3: 11 و9: 25 وأع 19: 12 وأف 6: 12). وسُمِّي بها ما هو غير مادي، كنفس الإنسان والله، واستُعملت على الخصوص اسمًا للأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس.
ومن المهم جدًا أن نعرف من هو الروح القدس. هل هو مجرد تأثير إلهي، أو قوة روحية عظيمة؟ أم هو روح الله، الأقنوم الثالث في اللاهوت؟
يقول إقرار الإيمان: «نؤمن بالروح القدس، الرب الحي، المحيي، المنبثق من الآب». فإن كان الروح القدس مجرد تأثير أو قوة إلهية، يحقُّ لنا أن نحصل عليها لنستخدمها في حياتنا الإيمانية، وخدماتنا الكنسيَّة، وعملنا الروحي. لكن إن كان الروح القدس هو روح الله الذي يحيي موتى الذنوب، فيجب أن نُسلِّم له نفوسنا، ليستخدمنا كما يشاء هو. وما أكبر الفرق بين استخدام الروح لنا، واستخدامنا له.
ومن المهم أن نعرف إن كان هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، فنقدم له التعبُّد، ونؤمن به، ونُخلِص له، ونحبه.. أو إن كان مجرد قوة تساعدنا في حياتنا الروحية!
غير أن كل قارئ للكتاب المقدس يرى بوضوح أن الروح القدس شخص، ذو صفات إلهية، ويقوم بأعمال لا يقوم بها إلا الله، وقد وهب بركاتٍ عظيمة لكل المؤمنين الذين عرفوه وسلَّموا نفوسهم له باعتباره الأقنوم الثالث في اللاهوت. ويُنسَب إليه كشخص: العقل والمعرفة، ومشاعر المحبة والحزن. ويقف الناس منه المواقف التي يقفونها من الأشخاص، فيثورون ويكذبون ويجدّفون عليه، ويزدرون به، ويُحزنونه. فليس الروح القدس تأثيرًا ولا انفعالًا ولا مجرد قوة، بل هو شخص الله ذاته. إنه روح الله، وأحد الأقانيم الثلاثة «فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد» (1يو 5: 7). (كلمة «أقنوم» كلمة سريانية تدل على من يتميَّز عن سواه، بغير انفصال عنه).
* لما كانت تسمية أقانيم الثالوث الأقدس من الأسرار الإلهية، فيجب أن يكون كلامنا فيها مبنيًا على الكتاب المقدس. ومنه نرى أنه سُمّي «الروح» ليس لأن بينه وبين الأقنومين الآخرين تمييزًا في روحانية الجوهر، لأنهم متساوون في ذلك، بل إشارةً إلى عمله غير المنظور وهو إنارة أرواحنا وإرشادها وتجديدها وتقديسها، ولذلك سُمّي أيضًا «روح القداسة» و«روح الحق» و«روح الحكمة» و«روح السلام» و«روح المحبة» لأنه ينشئ كل ذلك فينا. وسُمي «المعزي» (يو 14: 26)، و«روح الحق» (يو 14: 17 و15: 26)، و«روح القداسة» (رو 1: 4)، و«روح الحياة» (رو 8: 2)، و«روح المسيح» (رو 8: 9)، و«روح التبنّي» (رو 8: 15)، و«روح الابن» (غل 4: 6)، و«روح الموعد القدوس» (أف 1: 13)، و«روح الحكمة والإعلان» (أف 1: 17)، و«روح يسوع المسيح» (في 1: 19)، و«روح المجد» (1بط 4: 14). وكلمة «القدس» تميزه عن جميع الأرواح المخلوقة التي هي دونه في القداسة بما لا يُقاس. وتسميته بالروح القدس يشير إلى عمله غير المنظور، وهو إنارة أرواحنا وتجديدها وتقديسها وإرشادها. وهو ينشئ كل الفضائل فينا.
* سُمي فيه «الروح» و«روح الله» و«روح الرب» و«الروح القدس» و«روح قدس الله» «روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب» (إش 11: 2)، و«روح النعمة» (زك 12: 10). وأُضيف اسم الروح القدس إلى ضمير الجلالة في المتكلُّم والمخاطب والغائب، فقال الله : «روحي» وقيل له «روحك» وقيل عنه «روحه». ومما نُسب إليه من الأعمال «روح الله يرفّ على وجه المياه» (تك 1: 2) مشيرًا إلى اشتراكه في خلق الكائنات. وقال الله عن بصلئيل «ملأتُه من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعةٍ» (خر 31: 3) وعضد الرب موسى ورفقاءه في العمل بروحه (عد 11: 17، 25) وقول أليهو «روح الله صنعني» (أي 33: 4) وقيل «هل قصُرت روح الرب؟» (سفر ميخا 2: 7) إشارةً إلى قوته غير المحدودة. وقال نحميا إن الله أعطى في القديم روحه الصالح لتعليمهم (سفر نحميا 9: 20) وقال الله إنه سكب روحه على نسل شعبه ليُرجعهم إليه (إش 44: 3) وقال «لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود» (زك 4: 6) مشيرًا إلى عظمة قوته ومجد قدرته. وقيل إن بني إسرائيل «تمرَّدوا وأحزنوا روح قدسه» (إش 63: 10). وصلى داود «روحك القدوس لا تنزعه مني» (مز 51: 11).
وقد زاد تعليم العهد الجديد عن الروح القدس وضوحًا عن العهد القديم، فاستطعنا أن نفهم التفسير الصحيح لأقوال العهد القديم بمقارنتها بأقوال العهد الجديد عنه، فالكتاب يفسّر نفسه بنفسه، والتعاليم الواضحة فيه تفسّر المُبهمة، والمستوفية تفسّر المختصرة. فنرى أن روح الله الذي رفَّ على وجه المياه، ودان في الإنسان قبل الطوفان، وحلَّ على موسى، وأعطى الحكمة والفهم للذين أقاموا خيمة الاجتماع، وألهم الأنبياء، ليس مجرَّد قوة إلهية، لكنه شخصٌ، لأن المسيح وعد أن يرسله معزيًا وشفيعًا، ثم حلَّ على الرسل، وهو الفاعل العظيم في تعليمنا وإرشادنا وتقديسنا.
فيتضح من كل ما قيل في الروح القدس في العهد القديم أنه أقنوم، غير أنه لم يتضح لكنيسة العهد القديم أنه الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس، كما انجلى لكنيسة العهد الجديد. نعم إن الله ثلاثة أقانيم في جوهر واحد منذ الأزل، غير أن معرفة ذلك أُعلنت للبشر بالتدريج.
* الكلام عن الروح القدس في العهد الجديد كثير وصريح، غير أنه أقل من الكلام في المسيح. والسبب أن الكلام الوافي عن المسيح مطلوب، لأنه إلهٌ ظهر في الجسد حسب المواعيد والنبوات ذات الرموز الكثيرة، وقدَّم نفسه كفارةً عنا لأجل تبريرنا وخلاصنا، فكان لا بد من الإخبار بتفاصيل ما عمله لإثبات لاهوته، وتوضيح أن كل تلك المواعيد والنبوات قد تمت به، وإعلان فوائد فدائه. وأما الروح القدس فبما أنه روح فقط، وعمله فينا روحي (أي أنه يعمل في أرواحنا على كيفية غير محسوسة) كان ما جاء من إثبات وجوده وبيان عمله وضرورته لخلاصنا كافيًا.
ومن أسماء الروح القدس في العهد الجديد «روح الله» و«روح المسيح» و«روح الرب» و«روح الموعد» و«وروح الحياة» و«روح النعمة» و«روح الحق» و«روح المجد» و«المعزي». وكل هذه الأسماء وكل ما قيل في عمله يدل على أقنوميته ومجده الإلهي، وعلى أهمية عمله فينا، واحتياجنا الكلي إليه.
* (1) هل الروح أقنوم إلهي؟ أو هل هو قوة إلهية تظهر في إجراء أعمال الله الروحية؟ فإذا ثبت أن له صفات ذاتية، وأنه عمل بنفسه أعمالًا إلهية، كان ذلك دليلًا كافيًا على أقنوميته، لأن كل ذي عقل ومشيئة وعواطف وقدرة على العمل هو بالضرورة ذات متميّز عن غيره. وإن كان هذا غير كافٍ لإثبات أقنومية الروح القدس، فلا يمكن إثبات وجود أي ذات على الإطلاق، لا ذات إنسان ولا ذات ملاك ولا ذات إله، لأن ما يدل على الذات في كائن هو صفاته الخاصة وأعماله الاختيارية. فالذات تميّز نفسه عن غيره من الذوات، أي له الشعور بذاتيته، وله قوة الإرادة الحرة وقوى عقلية وعواطف قلبية.
(2) إن كان الروح أقنومًا، فهل هو أزلي غير محدود أو مُحدَثٌ محدود؟ أي هل هو أقنوم إلهي أو لا؟ وقد رأينا أن أقوال الكتاب المقدس في لاهوت الروح القدس أقل من أقواله في لاهوت المسيح. غير أنه بعد ما ثبت لاهوت الابن، صار إثبات لاهوت الروح القدس سهلًا. وقد آمنت الكنيسة بأقنومية الروح القدس الإلهية، ونسبت إليه صفات اللاهوت بكمالها، بسبب وضوح تعليم الكتاب فيه. وندر من أنكر أقنومية الروح القدس.
* الداعي لذلك علاقته بعقيدة التثليث، وأهمية عمله في العصر الإنجيلي (منذ مجيء المسيح وحتى نهاية العالم). أما علاقته بعقيدة التثليث فهي أنه أحد أقانيم الثالوث الأقدس. وأما أهمية عمله في عصر الإنجيل فتظهر من مقامه العظيم في عمل الفداء وبنيان ملكوت المسيح. فقد أعدَّ الله العالم لمجيء المسيح قبل مجيئه، وبعد إرساله أخذ يخصص فوائد فدائه للبشر بواسطة الروح القدس الذي ينير الخاطئ ويجدد قلبه، ويحرّك عواطفه الدينية، ويرشده إلى المسيح ويحثه على قبوله بالإيمان، ويمنحه القدرة على العيشة الصالحة والنمو في الفضائل، ويساعده على إتمام واجباته، وعلى مقاومة التجارب، ويعزيه في الحزن ويسنده في الضيق، ويثبّته في السلوك الحسن ويبنيه في المعرفة السماوية. وقد شهد كل المؤمنين الأتقياء في كل زمان ومكان أنهم شعروا بحلول الروح القدس في قلوبهم، ونالوا منه الفوائد التي ذكرناها.
* (1) استعمال الضمائر المختصة بالذوات العاقلة في الأصل اليوناني للروح القدس، فلو لم تكن كلمة «الروح القدس» في الإنجيل اسم ذات، لما استُعمل له في اللغة اليونانية ضمير المذكر العاقل في كلامه عن نفسه، وفي كلام الغير عليه. فجاء «وبينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه» (أع 13: 2)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وقال المسيح إنه أرسله و«هو يشهد لي» وأيضًا «متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي» (يو 15: 26). «وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم» (يو 16: 13، 14).
(2) الأفعال المنسوبة إليه تدل على الصفات الذاتية، والذي يتّصف بها كائن عاقل ذو مشيئة وإدراك وقدرة ومحبة. ومما يدل على علمه قول الرسول «الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله» وقوله «أمور الله لا يعرفها أحدٌ إلا روح الله» (1كو 2: 10، 11). وقول المسيح عنه «فهو يعلّمكم كل شيء» (يو 14: 26). ومما يدل على مشيئته قول الرسول في المواهب وأنواع الخدم «هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء» (1كو 12: 11). ومما يدل على محبته قول بولس «فأطلب إليكم أيها الإخوة بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح أن تجاهدوا معي في الصلوات» (رو 15: 30). ومما يدل على قوته قوله «لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس» (رو 15: 13). و«بقوة آيات وعجائب بقوة الروح القدس» (رو 15: 19). ومن أمثلة ذلك ما يدل على أنه يُقاوَم ويُغاظ (مت 12: 31، 32 وأع 5: 3، 4، 9 و7: 51 وأف 4: 30).
(3) الأفعال المنسوبة إليه تدل على الأعمال الخاصة بالذوات العاقلة. وفي الكتاب كثير بهذا المعنى، فقيل في الروح إنه يدين ويشهد ويعلّم ويرشد ويمنح مواهب للبشر، ويوبخ ويمجد ويُحيي ويقنع ويختار ويتكلم ويُعِين ويشفع وينبئ ويصنع عجائب ويلهم ويقدّس ويجدد ويقاوَم ويُحزَن ويُغاظ ويرضى (تك 1: 2 ومز 104: 30 وإش 11: 2، 3 و63: 10 ومت 1: 18 ولو 1: 35 و12: 12 ويو 3: 6 و14: 26 و15: 25، 26 وأع 5: 32 و13: 2 و15: 28 و16: 6 و20: 28 ورو 8: 6، 27 و15: 16 1كو 2: 10، 13 و12: 11 و2كو 3: 6 وغل 4: 6 وأف 2: 22 و4: 3 و1تي 4: 1 وعب 2: 4 و3: 7 و1بط 1: 11 و2بط 1: 21).
(4) الأقوال التي تدل على أنه متميّز عن الآب والابن. ومن ذلك ما يدل على أنه مرسَل منهما (يو 14: 16 و16: 7) وقول المسيح «متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم» (يو 16: 13). وقول الرسول «الذي فيه (المسيح) أيضًا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضًا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس» (أف 1: 13). وقول المسيح لتلاميذه «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس» (مت 28: 19). «نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم» (2كو 13: 14). «فرأى (المسيح) روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه» (متى 3: 16 انظر أيضًا أع 5 : 3 ومت 12: 32 ولو 4: 14 وعب 9: 14 وأف 1: 20 و1كو 6: 11).
(5) علاقته بنا وعلاقتنا به تدلان على أقنوميته. أما علاقته بنا فواضحةٌ مما يعمله فينا ولأجلنا، فإنه يعلّمنا ويقدّسنا ويعزّينا ويرشدنا، ويقود كل مؤمن بمفرده ويعامله معاملة شخص لآخر. وهو يدعو من شاء إلى خدمة الإنجيل، ويعيّن خدمته ومكانها، ويُقيم الرعاة حسب إرادته. وقد وعد المسيح تلاميذه إنه يطلب من الآب فيعطيهم معزيًا آخر (أي متميّزًا عنه وعن الآب) ليمكث معهم إلى الأبد، وهو روح الحق. وقال لهم أيضًا إن الآب يرسل ذلك المعزي باسمه، وهو يعلمهم كل شيء ويشهد له ويمجده، ويبكّت العالم على الخطية. ونرى إنجاز هذه المواعيد في قول الروح لفيلبس «تقدَّم ورافق هذه المركبة» ولبطرس «هوذا ثلاثة رجال يطلبونك. لكن قم وانزل واذهب معهم غير مرتاب في شيء، لأني أنا قد أرسلتهم» وأيضًا قول الروح القدس «افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه» والقول في برنابا وشاول: «فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية». وقول يعقوب «لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلًا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة». وقول لوقا إن الروح القدس منع بولس ورفقاءه أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، وإنهم لما أتوا إلى ميسية حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية فلم يدعهم الروح. وهذا يوضح أن علاقة الروح القدس بنا هي علاقة ذاتٍ بأخرى، وهذا يدل على أقنوميته.
وتستلزم علاقتنا به أنه أقنوم، لأنه هو موضوع إيماننا، وقد اعتمدنا باسمه كما اعتمدنا باسم الآب والابن، أي أننا في المعمودية نعترف به كما نعترف بهما، ونتعهد بالخضوع له كما لهما. وهو أقنوم لأننا نُخاطبه في الصلاة، ففي البركة الرسولية مثلًا نطلب نعمة الرب يسوع المسيح، ومحبة الله الآب، وشركة الروح القدس. ويحذرنا الكتاب من أن نخطئ إليه أو نغيظه أو نقاومه، وهذا يدل على أنه أقنوم، نقدر أن نرضيه أو نغيظه كما أغاظه حنانيا حين كذب عليه، وحين تمرّد بنو إسرائيل عليه تحوَّل لهم عدوًا. وقيل في اليهود إنهم دائمًا يقاومون الروح القدس. وقال المسيح: «من قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له» فإذا كان المسيح أقنومًا فالروح القدس كذلك.
(6) قبلت الكنيسة هذا التعليم منذ بدايتها وتمسّكت به بلا انقطاع، فإن جميع المؤمنين بالحق فهموا من نصوص كتاب الله أن الروح أقنوم، ولجأوا إليه ليعلمهم ويقدسهم ويرشدهم ويعزيهم. ألا ترى أن ما في صلوات الكنيسة وتسبيحاتها من الأدعية الكثيرة والتضرعات للروح دليل على أن اعتقاد أقنوميته هو من مبادئها وعقائدها الجوهرية. فلو لم تكن واضحة في الكتاب لما أجمع عليها كل المسيحيين.
* (1) إنه دُعي الله، ونُسب إليه ما نُسب إلى الله. ومن أمثلة ذلك قول إشعياء «ثم سمعتُ صوت السيد .. فقال: اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعًا ولا تفهموا، وأبصروا إبصارًا ولا تعرفوا» (إش 6: 8، 9). فأشار بولس إلى ذلك بقوله «حسنًا كلّم الروح القدس آباءنا بإشعياء النبي» (أع 28: 25). وكلام الرب في العهد القديم على قطع عهدٍ مع بيت إسرائيل (إر 31:31-34) نُسب في العهد الجديد إلى الروح القدس، فقيل «ويشهد لنا الروح القدس أيضًا أنه بعد ما قال سابقًا هذا هو العهد الذي أعهده معهم بعد تلك الأيام» (عب 10: 15، 16) وقال المرنم في بني إسرائيل إنهم جرّبوا الرب (مز 95: 8-11) وأشار استفانوس لذلك العمل بأنه مقاومة للروح القدس (أع 7: 51). وقال بطرس لحنانيا «لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟» ثم قال له «أنت لم تكذب على الناس بل على الله» (أع 5: 3، 4). وقال بولس «أَمَا تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟» (1كو 3: 16). ثم قال «أم لستم تعلمون أن جسدكم هيكلٌ للروح القدس الذي فيكم؟» (1كو 6: 19). «فإنكم أنتم هيكل الله الحي» (2كو 6: 16). وقال أيضًا «الذي فيه أنتم مبنيون معًا مسكنًا لله في الروح» (أف 2: 22). ففي هذه الآيات لا يفرّق الرسول بين الله والروح القدس. وقال بولس «كل الكتاب هو موحى به من الله» (2تي 3: 16). وقال بطرس «تكلّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط 1: 20، 21). فأولهما نسب الوحي إلى الله والآخر نسبه إلى الروح القدس.
وقيل «إن الله كلّم الآباء بالأنبياء» (عب 1:1) و«إن الرب إله إسرائيل تكلَّم بفم أنبيائه القديسين» (لو 1: 68-70). وقال بطرس في الأنبياء «باحثين أي وقتٍ أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم» (1بط 1: 11). وقال بولس «الذي في أجيالٍ أخرى لم يُعرَّف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح» (أف 3: 5). فإلهام الأنبياء منسوب في هذه الآيات مرات إلى الله وأخرى إلى الروح. وقال بولس «فوضع الله أناسًا في الكنيسة، أولًا رسلًا، ثانيًا أنبياء، وثالثًا معلمين، ثم قوات، وبعد ذلك مواهب شفاء أعوانًا تدابير وأنواع ألسنة» (1كو 12: 28). وقال أيضًا «ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة الألسنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء» (1كو 12: 9-11). وقال يوحنا «كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية» (1يو 3: 9). وقال المسيح «المولود من الروح هو روح» (يو 3: 6). ففي هذه الآيات نُسب إلى الروح القدس ما نُسب إلى الله.
(2) نسبة الصفات الإلهية إليه، ومن ذلك أنه عارف بكل شيء، كما يتضح من الأقوال في إلهامه الأنبياء وإرشاده الرسل وفحصه أعمال الله (إش 40: 13 ونح 9: 30 و1بط 1: 11 و2بط 1: 21 ويو 16: 13-15 و1كو 2: 9-11). وإنه قادر على كل شيء كما يتضح من الآيات التي تشير إلى اشتراكه في خلق العالم وفي الخلق الروحي، وإلى عمله أعمالًا فائقة الطبيعة، وإعطائه المواهب الروحية (تك 1: 2 وأي 33: 4 وزك 4: 6 ويوئيل 2: 28، 32 ويو 3: 5 وأع 2: 4 و16-21 ومت 12: 28 ورو 15: 19 و1كو 12: 8، 11). وإنه حاضرٌ في كل مكان. كما يتضح من الأقوال التي تدل على سكنه في كل مؤمن، ومكثه مع الكنيسة إلى الأبد (1كو 6: 19 ويو 14: 16، 17) وإنه أزلي بدليل قول الرسول «فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروحٍ أزلي قدَّم نفسه لله» (عب 9: 14). وقد دُعي «روح الحق» و«روح القداسة» و«روح الحياة» و«روح المجد» و«روح النعمة» و«روح الحكمة».
(3) نسبة أعمال الله إليه، ومن ذلك الاشتراك في خلق العالم (تك 1: 2) والحلول على الأنبياء لإلهامهم (حز 11: 5 و1بط 1: 11 و2بط 1: 21) والقدرة على إقامة الأموات (رو 8: 11) وتجديد القلب (يو 3: 5) وتنظيم الكنيسة وإدارتها (أع 13: 2 و15: 28 و20: 28) والإنباء بالمستقبل (يو 16: 13) وإنارة قلوب البشر ومنحهم مواهب روحية (أف 1: 17، 18 و1كو 12: 7) وتقديس المؤمنين (2تس 2: 13).
(4) إعطاؤه الكرامة التي تحقُّ لله وحده، ومن ذلك ذكره مع الآب والابن في البركة الرسولية، ورسم المعمودية، وقول يوحنا «النعمة لكم والسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي، ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه (أي الروح القدس) ومن يسوع المسيح» (رؤ 1: 4، 5). وقول بولس «لأن به (المسيح) لنا كلينا قدومًا في روحٍ واحد إلى الآب» (أف 2: 18 و4:4). وكل ذلك يدل على أن الكرامة المقدَّمة للروح القدس هي نفس الكرامة المقدمة للآب والابن. وقال المسيح «كل خطية وتجديف يُغفر للناس، وأما التجديف على الروح القدس فلن يُغفر للناس. ومَنْ قال كلمةً على ابن الإنسان يُغفر له، وأما مَنْ قال على الروح القدس فلن يُغفر له، لا في هذا الدهر ولا في الآتي» (مت 12: 31، 32). «فكم عقابًا أشد تظنون أنه يُحسب مستحقًا مَنْ داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة» (عب 10: 29). فالتجديف على الروح القدس والازدراء به من أكبر الخطايا وليس له مغفرة، لأنه تعمُّد مقاومة وإهانة الروح المبارك الذي هو وحده يرشدنا لطريق الخلاص ويجددنا.
* لم تتزعزع عقيدة الكنيسة في لاهوت الروح ولم يُعترض عليه في المباحثات اللاهوتية إلا قليلًا. ومنذ القرن الرابع إلى الآن ندر جدًا مَنْ أنكر لاهوته. على أن منكري عقيدة التثليث اعترضوا على أقنوميته. وجعل المجمع النيقوي سنة 325 م. موضوع بحثه الخاص أقنومية الابن ولاهوته، ولم يتعرَّض لمسألة الروح القدس ولا لبيان أقنوميته ولاهوته. ولما أنكر مقدونيوس (مات سنة 362 م.) لاهوت الروح بحجة أنه قوة إلهية منتشرة في الكون، وليس أقنومًا متميّزًا عن الآب والابن قاومه أثناسيوس وباسيليوس وغريغوريوس النازيانزي وغيرهم، وأثبتوا لاهوت الروح القدس، إلى أن اجتمع المجمع الثاني (المسكوني) في القسطنطينية سنة 381 . وصرَّح بلاهوته وأقنوميته، وأضاف إلى دستور الإيمان النيقوي عن الروح القدس «الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجودٌ له وممجد الناطق بالأنبياء» (انظر فصل 8 س 4)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ثم أضاف مجمع الكنيسة الغربية في توليدو سنة 589 م. كلمة «الابن». وقد قاوم السوسينيون هذا التعليم وتعليم لاهوت الابن في القرن السادس عشر، غير أن ذلك لم يؤثر شيئًا في إيمان الكنيسة العامة.
* ما أثبتناه في إجابة سؤال 7 بنصوص الكتاب المقدس من صفاته وأعماله وتميّزه عن الآب والابن وعلاقته بنا وعلاقتنا به وغير ذلك. فهو ليس مجرد قوة إلهية فعَّالة فينا، لأن القوة المجردة عن الأقنومية لا توصف بأنها ذات قداسة وحق وحكمة ومشيئة، وأنها تخاطِب وتُخاطَب حقيقةً. وقد جاء في الكلام على معمودية المسيح أن الروح القدس نزل عليه بهيئة جسمية مثل حمامة، وكان صوت من السماء قائلًا «أنت ابني الحبيب، بك سُررت» (لو 3: 22) وهو يدل على تميّز الروح الذي نزل من السماء عن الآب الذي تكلَّم في السماء، وعن الابن الذي كان على الأرض. ومن أمثلة ذلك صورة المعمودية، والبركة الرسولية، ووعد المسيح لتلاميذه بمعزٍّ آخر يرسله إليهم، وقول الرسول «لأن به (المسيح) لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب». فإذا صحَّ في كل ما تقدم أن الآب والابن أقنومان فالروح القدس أيضًا أقنوم.
وفي الكتاب نصوص كثيرة ضد زعم السوسينيين أن الروح القدس مجرد قوة إلهية، منها قول الرسول إنه بالروح الواحد أُعطيت مواهب كثيرة (1كو 12: 4-11) مشيرًا لإعطاء المواهب بالروح القدس، ومنها عمل القوات. فلو كان الروح القدس مجرد قوة لكان المعنى أن القوة التي هي إحدى المواهب قد منحت سائر المواهب! ومن أمثلة ذلك الآيات الآتية: «فرجع يسوع بقوة الروح» (لو 4: 14) «مسحه الله بالروح القدس والقوة» (أع 10: 38) «لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس» (رو 15: 13) «بقوة آياتٍ وعجائب بقوة روح الله» (رو 15: 19). «ببرهان الروح والقوة» (1كو 2: 4). فلو صحَّ مذهب السوسينيين للزم تفسير هذه الآيات هكذا: «فرجع يسوع بقوة القوة، ومسحه الله بالقوة والقداسة والقوة القدوسة والقوة، ولتزدادوا في الرجاء بقوة القوة القدوسة وببرهان القوة والقوة» ولكان معنى صورة المعمودية «باسم الآب والابن والقوة القدوسة» ومعنى البركة الرسولية «نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الآب وشركة القوة القدوسة معكم إلى الأبد». وكان أيضًا الذي يجدّف على الله يُغفر له وأما الذي يجدف على قوته فلا يُغفر له!
ومن المحتمل أن القول «بنفخته السماوات مسفرة» (أي 26: 13) «وروح الرب صنعني، ونسمة القدير أحيتني» (أي 33: 4) و«أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب؟» (مز 139: 7). يُراد به نفخة الله أو نسمته أو روحه بمعنى قوته، دون الإشارة إلى الأقنوم الثالث. غير أن ذلك نادرٌ ووارد في الشعر خاصةً، وليس فيه ما يُضعف قوة الأدلة التي أوردناها لإثبات أقنومية الروح القدس.
* الجوهر الإلهي واحد، والأقانيم ثلاثة متساوون في القدرة والمجد. غير أن بينهم تميُّزًا في عمل كلٍ منهم في الفداء، فالآب أرسل الابن، والآب والابن أرسلا الروح القدس، والابن أكمل مشيئة الآب وقدم نفسه ذبيحة ليوفي العدل الإلهي حقه. وعمل الروح القدس في الفداء هو إنارة البشر وتبكيتهم على الخطية وتجديدهم وتقديسهم، ولذلك دُعي نظامنا الحاضر (نظام الإنجيل) خدمة الروح (2كو 3: 8) لأهمية عمل الروح في هذا النظام. على أن هذا لا يمس شأن الأقانيم أصلًا، ولا ينفي ألوهية أحدٍ منهم، ولا اشتراكه في الجوهر الواحد الإلهي.
أما إعطاء الروح القدس وسكبه فهو مجازي، يدل على ما يُحدثه الله فينا بواسطته من الأعمال الإلهية بحلوله في قلوبنا، وهو يشبه قول الرسول «البسوا الرب يسوع المسيح» (رو 13: 14) أي تشبَّهوا به، وقوله «لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح» (غل 3: 7).
اكتفى المجمع النيقوي بتلخيص التعليم في الروح القدس في جملة واحدة مختصرة في دستور الإيمان الذي أصدره. وزاد عليها المجمع القسطنطيني سنة 381 م. «المنبثق من الآب» (دون كلمة «والابن») ووضَّح التعاليم الجوهرية عن الروح القدس. فشرع اللاهوتيون من الكنائس الغربية أن يبيّنوا لزوم ذكر انبثاق الروح من الابن أيضًا لاعتقادهم بصدق ذلك، ولما رأوه من انضمام كثيرين من الهراطقة الأريوسيين إلى الكنيسة، واعتراضهم المبني على عدم ذكر انبثاق الروح القدس من الابن كما من الآب، ظانين أن هذا يقلل من شأن الروح القدس والابن أيضًا. ولذلك قررت تلك الكنائس في مجمع عقدته في توليدو بأسبانيا سنة 589 م. إدراج كلمة «الابن» بعد «المنبثق من الآب» في دستور الإيمان القسطنطيني بدون استشارة الكنائس الشرقية، ثم قُبل ذلك في الكنائس الغربية قانونيًا وصدق البابا عليه. وأما الكنيسة الشرقية فأصرّت على رفضه في مجمع فرنسا الذي اجتمع أولًا في فرارا سنة 1438 م.، ثم انتقل إلى فلورنسا سنة 1439 حيث اتفق نواب الكنيستين الغربية والشرقية على عقيدة انبثاق الروح القدس من الآب بواسطة الابن. غير أن الكنيسة الشرقية نفسها رفضت ذلك الاتفاق. وأصرَّ الفريقان كل على رأيه. ولا شك أنه استبدادٌ من الكنيسة الغربية أن تضيف شيئًا جوهريًا لدستور الإيمان من جانبها وحده، وكان يجب عليها أن تستدعي لذلك مجمعًا قانونيًا مسكونيًا..
والكتاب المقدس صريح في هذا بشهادة السيد المسيح نفسه حينما قال: "رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ" (إنجيل يوحنا 15: 26).
* نعم، لأننا نتعلم من الكتاب المقدس أن الآب أرسل الابن والروح، وأن الابن أرسل الروح. ولم يُذكر أن الروح أرسل الآب أو الابن. وقد نُسب الاختيار والقضاء إلى الآب دون الابن والروح، ونُسِبت الكفارة إلى الابن دون الآب والروح، ونُسب التجديد إلى الروح دون الآب والابن. وهذا التميّز في العمل يختص بالأقنوم ولا يمس الجوهر الإلهي الواحد. أما نصيب الروح في عمل الفداء فهو تخصيص فوائد موت المسيح للمؤمنين بإنارتهم وإرشادهم وتجديدهم وبنيانهم وإعطائهم مواهب روحية. على أن الروح القدس يشترك في أعمال أخرى كالخليقة (تك 1: 2) والعناية (1كو 12: 4-6، 11). وغيرهما. وهذه الأعمال ليست منسوبة إليه نسبة خاصة كما هي منسوبة إلى الآب والابن.
* قسموه بطرق مختلفة:
(1) في ما يتعلَّق بالعمل بهم: (أ) عمله المختص بالمسيح، كاشتراكه في تهيئة جسده، وحلوله عليه طول حياته كما أنبأ إشعياء (إش 11: 2 و42: 1 و61: 1). وقد ذكر الإنجيل تحقيق تلك النبوات، فقد حلَّ الروح عليه عند معموديته، وأصعده الروح إلى البرية ليُجرَّب من إبليس، ورافقه طول حياته. (ب) عمله في الأنبياء وهو مساعدته لهم في الكلام والعمل، وإلهامهم وعصمتهم والوحي إليهم وإرشادهم في ما كتبوه من أسفار العهدين القديم والجديد. (ج) عمله في المؤمنين أفرادًا، مثل مرافقته للكلمة في قلوبهم، وإنارتهم وتجديدهم وتعليمهم وإرشادهم وتقديسهم وتعزيتهم وتشجيعهم وتقويتهم، وشهادته لأرواحهم أنهم أولاد الله. (د) عمله في الكنيسة، فقد حلَّ في المؤمنين يوم الخمسين، ثم أخذ يجمع المسيحيين الحقيقيين في كنيسة واحدة روحية يبنيها في الإيمان والتقوى، ويزيد عددها ويساعدها على الثبات أمام مقاوميها، وعلى بنيان ملكوت المسيح ببشارة الإنجيل في كل العالم، ويختار خدّامها ويعيّن لكلٍ منهم عمله، ويعطيه مواهب مخصوصة تمكنه من إتمام واجباته، ويحضر في اجتماعات الكنيسة لأجل العبادة والبحث في ما يخص بنيان ذلك الملكوت، ويبارك على مشروعات الكنيسة الخيرية لانتشار الإنجيل وتعليم الحق لجميع الأمم. وكثيرًا ما يعمل بطريقة غير عادية في تحريك عواطف المسيحيين وحثّهم على الصلاة. وقد استيقظت الكنيسة بعمله هذا مرارًا كثيرة من غفلتها، ونجحت في إقناع الناس بالحق، وإعادتهم إلى الإيمان المسيحي، لأن الروح رافق اجتهادها وبارك تعليمها.
(2) قسموا طبيعة عمل الروح القدس إلى: (أ) الإعلان وهو يعمُّ الوحي للأنبياء والرسل والكتبة الأطهار، وكشف الحقائق الروحية لعقول البشر وإقناعهم بها، وإرشادهم لفهم التعاليم الموحى بها. وهذا ما يُسمى غالبًا بالإنارة الروحية. (ب) التجديد وهو «الولادة من فوق» وهو عمل سري في قلوبنا به نقوم من الموت الروحي ونرجع إلى الله ونحيا حياةً جديدة روحية. وقد يتم التجديد بدون إدراك الحق، كتجديد الأطفال. لكنه يتم في البالغين بفعل نعمة الله بواسطة التعليم والتبشير والانتباه العقلي للحق الديني. (ج) التقديس، وهو ما يعمله الروح في المؤمنين لتربيتهم في القداسة ونموهم في الفضائل والتقوى والاختبار الروحي. وهو يستعمل لذلك وسائط كثيرة فيجعل الحق مؤثرًا فيهم ويرافقهم في حياتهم اليومية ويحوّل مصائبهم وأثقالهم واختباراتهم لخيرهم وبنيانهم وتقدمهم في الحياة الروحية ونموهم على الدوام في المعرفة، وفهم الحقائق الإلهية.
(3) قسموا عمل الروح القدس في بنيان الكنيسة إلى: (أ) خارجي: وهو ما عمله استعدادًا لإقامة الكنيسة، و(ب) داخلي: وهو ما يعمله في قلب كل المؤمنين ليبني الكنيسة وينميها في الروحيات ويساعدها على أعدائها. ولما كان هذا التقسيم هامًا جدًا، آثرنا أن ندرسه بالتفصيل.
* قام بأربعة أعمال:
(1) أعلن إرادة الله للبشر وما يطلبه منهم، وكشف طريق الخلاص لهم بأن أوحى بكتابة العهد القديم. قال بطرس (مشيرًا إلى العهد القديم): «تكلَّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط 1: 21). وأوحى بكتابة العهد الجديد بدليل قول بولس «الذي (المسيح) في أجيال أُخر لم يعرَّف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح» (أف 3: 5) وقال يوحنا «مَنْ له أذنٌ فليسمع ما يقوله الروح للكنائس» (رؤ 3: 6).
(2) رافق المسيح في حياته الأرضية وتمّم ما يختص بتجسده وحياته وموته كفارةً عن خطايا البشر. لقد سبق وألهم الأنبياء و«سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها» (1بط 1: 11). ولما حان ملء الزمان لمجيء المسيح وتهيئة جسده (عب 10: 5) حلَّ على مريم العذراء، ولذلك دُعي القدوس المولود منها ابن الله. ثم أوحى إلى سمعان أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، ثم أتى به إلى الهيكل عندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس، فسبّح الله وباركه على ذلك المنظر. ثم حلَّ على المسيح لإعداده ليتمم خدمته، فكان له «روح الحكمة والفهم والمشورة والقوة المعرفة ومخافة الرب» (إش 11: 2-4) ومسحه ليبشر المساكين ولينادي «بسنة مقبولة للرب» (إش 61: 1، 2). ثم حلَّ عليه على هيئة منظورة وقت معموديته لما بدأ خدمته الجهارية. ثم قاده إلى البرية ليلاقي المجرِّب، ورافقه أيضًا وهو عائد من هناك منتصرًا. ثم قيل إن الله مسحه بالروح القدس والقوة، وإنه «جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، لأن الله كان معه» (أع 20: 38). وبعد أن رجع بقوة الروح الذي أُعطي له بغير كيل (يو 3: 34) إلى الجليل، خرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة و«كان يعلّم في المجامع ممجدًا من الجميع» (لو 4: 14، 15). ولما عمل المعجزات رأى الناس «مجده، مجدًا كما لوحيدٍ من الآب، مملوءًا نعمة وحقًا» (يو 1: 14). وهو نفسه نسب تلك الأعمال إلى الروح القدس (مت 12: 18، 28). وقد أعانه ذلك الروح المبارك على إتمام عمله العظيم الذي أتى لأجله أي موته كفارةً عن الخطية كما شهد بذلك الرسول بقوله «الذي بروح أزليّ قدَّم نفسه لله بلا عيب» (عب 9: 14).
(3) ساعد الرسل ليتمموا العمل الذي كلفهم المسيح به، فأرشدهم وقوّاهم. صحيح أن المسيح دعاهم لخدمته، وكان يعلّمهم ويدرّبهم مدة إقامته معهم، ولكنه عندما فارقهم «أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم» (أع 1: 2). وثبّت الروح القدس في قلوب التلاميذ كل ما علّمه المسيح لهم. وفي خطاب المسيح الأخير لتلاميذه حدّثهم عن أهمية عمل الروح واحتياجهم إليه، فقال إنه معلم الحق ومصدر التعزية، والذي يأتي من عنده ومن الآب ليحلَّ في قلوبهم (يوحنا 14-16) ويذكّرهم بكل ما قاله المسيح لهم (يو 14: 26). ويشهد له، ويُظهِر لهم أمورًا آتية، ويتكلم فيهم حتى لا يكونوا هم المتكلمين بل روح أبيهم الذي يتكلم فيهم (مت 10: 20) وأنهم وهم يبشرون بالحق يتكلّمون لا بأقوالٍ تعلّمها حكمة إنسانية، بل بما يعلّمه الروح القدس (1كو 2: 13). ولما أرسلهم المسيح بعد قيامته قال لهم «اقبلوا الروح القدس» وكلَّفهم بعمل عظيم في الكنيسة (يو 20: 22، 23). وأمرهم أن يقيموا في مدينة أورشليم إلى أن يُلبَسوا قوةً من الأعالي (لو 24: 49). وقال لهم أيضًا بهذا المعنى «وأما أنتم فستتعمّدون بالروح القدس» (أع 1: 5). «وستنالون قوةً متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض» (أع 1: 8). وحلّ عليهم الروح القدس بقوةٍ عظيمة، ونالوا موهبة التكلم بالألسنة، وابتدأوا يتممون خدمتهم بكل نشاط وحكمة، غير مكترثين بالاضطهاد ولا بالشيطان ولا بقوات هذا الدهر. وهكذا كان مصدر حكمة الرسل وفضائلهم.
(4) علّم مبادئ الدين المسيحي، من الصدق والاستقامة في كل قول وعمل. وفي قصة كرنيليوس القائد الروماني علّمنا أن الله فتح باب الخلاص للأمم، لأن الروح أمر بطرس أن يذهب مع الرجال الثلاثة إلى كرنيليوس (أع 10: 19). ولما حضر بطرس في قيصرية وخاطب كرنيليوس وأنسباءه وأصدقاءه في شأن المسيح حلَّ الروح القدس على الجميع (أع 10: 44) وسكب عليهم مواهب مختلفة (أع 10: 46، 47). وهو الذي أرسل بولس وبرنابا ليبشرا بالإنجيل بين الأمم، بقوله للإخوة «افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتُهما إليه» ثم قيل إنهما «أُرسِلا من الروح القدس» (أع 13: 2، 4). ثم رافق التلاميذ في كل أسفارهم، وملأ قلوب المؤمنين فرحًا، وأرشدهم وساعدهم في تنظيم الكنائس وانتخاب القسوس أو المشايخ (أع 13: 9، 52 و14: 23). ولما تباحثوا في شأن قبول الأمم ناموس موسى واجتمع المجمع الرسولي للنظر في ذلك، حكم الروح القدس في المجمع في هذه المسألة فقال أعضاء المجمع «لأنه قد رأى الروح القدس ونحن..« (أع 15: 28). وهكذا عمل الروح ليقيم النظام الإنجيلي في العالم.
* يقوم بسبعة أعمال:
(1) ينير: قال الرسول إن البشر «مظلمو الفكر ومتجنّبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم» (أف 4: 18). أي أنهم في حالة الجهل والابتعاد عن الله. ولذلك أخذ الروح القدس على نفسه أن ينير عقولهم بكلمة الحق الإلهي المعلَن للبشر إلى أن يتمكن كل إنسانٍ من أن يرى حالته كما هي، ويرى احتياجه إلى الوسائط المعيَّنة لخلاصه. ولا وسيلة للتخلص من تلك الجهالة إلا بهذا العمل الإلهي. ولما كانت كلمة الله فعَّالة وكافية لتقشع ظلمة عقل الإنسان وتنيره وتوضح الحقائق له فيقدر أن يميّز الحق من الباطل ويغلب روح الضلال سُميت تلك الكلمة «سيف الروح».
(2) يُقنع سامع رسالة الإنجيل: يقنعه بأنه خاطئ تحت طائلة العقاب بمقتضى حكم شريعة الله العادلة، وأنه يحتاج لمن ينقذه من غضب الله الآتي. فالإقناع يتلو الإنارة، لأنه يجعل النفس تشعر باحتياجها، وبأنها بدون رحمة الله في حالة الهلاك الأبدي كما قال المسيح: «ومتى جاء ذاك (الروح) يبكّت العالم على خطيةٍ وعلى برٍّ وعلى دينونةٍ» (يو 16: 8).
(3) يجدد: وهو عمل الروح القدس الخاص الذي به نولد ثانية ونبدأ حياة جديدة روحية. وأوضح المسيح هذا العمل الخطير في حديثه مع نيقوديموس (يو 3: 1-8). وسمَّاه بولس «تجديد الروح القدس» (تي 3: 5). وسمَّى الذين تجددوا في المسيح «خليقة جديدة» (2كو 5: 17). وهذه الولادة الروحية هي من أسرار الديانة المسيحية، لأننا لا نشعر بها إلا حين نجد أنفسنا في حياة روحية جديدة وقد كرهنا الخطية وأحببنا القداسة وآمنّا بالمسيح واخترنا طريق الصلاح، فنقول إذ ذاك كالإنسان الأعمى الذي نال البصر «نعلم شيئًا واحدًا: : أننا كنا عميانًا والآن نبصر» وعند ذلك نمجد الله على عمله فينا.
(4) يمنح التبني: سُمّي «روح التبني» (رو 8: 15). وهو الدخول في علاقة جديدة مع الله بالولادة الروحية والإيمان بالمسيح، فنصير أولاده ليس لأنه خلقنا فقط، بل لأنه فدانا أيضًا. وبذلك نصير ورثة الله ووارثين مع المسيح. وبما أن الروح القدس هو الذي يُدخلنا في هذه العلاقة، والذي يشهد لأنفسنا أننا أولاد الله، ويعلّمنا أن نقول «يا أبا الآب» وبه نقترب إلى الآب فيكون «لنا قدوم في روح واحد إلى الآب».
(5) يقدّس: وهو فعله فينا، الذي به يطهّرنا من نجاسة الخطية ويجعلنا ننمو في القداسة والمعرفة وجميع الفضائل الروحية «اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا» (1كو 6: 11). ويتمم الروح هذا العمل فينا بسيطرته على عواطفنا، ومرافقته لنا على الدوام، وإرشادنا (رو 8: 1-15) حتى تصير أجسادنا هياكل الروح القدس، ويحل روح المجد والله علينا (1بط 4: 14) وبذلك يقوينا في الداخل ويكملنا وينمي فينا أثماره المباركة (غل 5: 22، 23 وأف 5: 18-21). وقد سُمي «روح النعمة» إشارةً لعمله في قلوبنا (عب 10: 29). و«روح القداسة» لأنه يقدسنا (رو 1: 4). و«المعزي» لأنه يعزينا في أحزاننا (يو 14: 26). و«روح الموعد القدوس» لأنه هو الذي يبلغ مواعيد الله إلى قلوبنا، وهو أيضًا عربون إنجازها (أف 1: 13). وسُمي أيضًا «روح الرجاء» (رو 15: 13) ونتوقع الرجاء المبارك بالصبر والثبات حسب قول بولس «فإننا بالروح من الإيمان نتوقَّع رجاء بر» (غل 5:5).
(6) يرشد وينشّط ويقوي على إتمام كل واجباتنا: فهو الذي يُعِين ضعفاتنا، ويشفع فينا بحسب مشيئة الله، ويرشدنا في الصلاة. «الروح أيضًا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّاتٍ لا يُنطق بها» (رو 8: 26). وقال يهوذا «مصلّين في الروح القدس» (آية 20).
(7) يقيم أجسادنا في القيامة المجيدة: لأنه «إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام يسوع من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم» (رو 8: 11).
الروح القدس إذًا هو مصدر الحياة الروحية في الإنسان، ومصدر نموّها المستمر، إلى أن يصل المؤمن إلى حالة الكمال عند دخوله السماء وينال النصيب الأبدي المعيَّن لأولاد الله. فيستحق الروح محبتنا وعبادتنا وشكرنا مع الآب والابن إلى الأبد.
* اعتُبر كذلك لسببين:
(1) لأن عمله الفعّال في البشر يتم بطريقة لا يمكننا أن ندركها بعقولنا. «الريح تهبُّ حيث تشاء وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي وإلى أين تذهب. هكذا كل من وُلد من الروح» (يو 3: 8). فكما أننا لا نقدر أن نرى الهواء، وإنما نستدل على وجوده من تأثيره ونتائج قوته، كذلك لا نقدر أن نرى الروح القدس، ولكن نستدل على وجوده من نتائجه وثماره في تغيير أفكارنا وإصلاح سيرتنا. ويشبه عمل الروح فينا تأثير العقل في الجسد، فالعقل يسيطر على الجسد ويحرّكه أو يستخدمه كما يشاء بطريقة لا نقدر أن ندركها. ويصدُق هذا أيضًا على تأثير أفكار إنسان على عقل إنسان آخر وحثّه وإقناعه بقوة فعالة. فكما أننا عاجزون عن إدراك هذه الأعمال، كذلك نحن عاجزون عن إدراك عمل الروح القدس فينا وتأثيره العظيم وتحويله أفكارنا متى شاء وكيفما شاء، وإظهاره الحق لنا وإقناعنا به وحثنا على اتّباعه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وإذا كان في طاقة الشيطان أن يحثنا على الشر ويغوينا ويلقي تجارب قوية في قلوبنا، أفليس في طاقة الله أن يرشدنا إلى الحق ويحثنا على عمل الخير والصلاح بواسطة روحه القدوس؟ أما عجز أكثر البشر عن تعيين وقت تجديدهم وعدم شعورهم بحدوث تلك الولادة الروحية فليس دليلًا على عدم حدوثه، ولو أن المولود ثانية يقدر أن يتأكد ذلك مما يراه من ثمار الحياة الجديدة فيه، ومن تقدمه في معرفة الله ومحبته، ومن الطهارة والقدرة على محاربة الخطية وغلبتها. وحالة الإنسان الجسدية تشبه ذلك، فهو لا يشعر بتكوين جسده ولا بولادته، ولكنه يتأكد أنه حي جسديًا من علامات الحياة الظاهرة فيه، ومن شعوره بشخصيته بين البشر مما يحصل عليه بالتدريج بعد ولادته. فالروح القدس ينير عقولنا ويرشدنا ويحثنا ويبنينا في المعرفة والقداسة بطريقة لا نقدر أن ندركها مطلقًا.
(2) يقترن تأثيره الإلهي ويشترك مع عمل الإرادة البشرية الحرة بطريقة تفوق إدراكنا. فالروح القدس يعمل ما يشاء في البشر ويؤثر فيهم إلى أن يختاروا ويعملوا بمشيئتهم الحرة كما يريد هو. وهو لا يجبرهم أن يعملوا ضد إرادتهم، بل بتأثيره اللطيف يجعلهم يريدون ويختارون نفس ما يريد هو، بطريقة لا تعارض حريتهم التامة، ولا تلاشي مسؤوليتهم في كل أعمالهم. وإذا قيل إن الإنسان في هذه الحالة لا يكون مسئولًا عن إتمام واجباته الدينية، أجبنا: إن الله يطلب منا أن نتمم باجتهادنا الذاتي نفس الواجبات التي نحتاج إلى مساعدة الروح القدس لإتمامها، فهو يأمر الإنسان أن يتوب ويؤمن ويعيش عيشةً صالحة، ويتحلى بالفضائل الدينية والأخلاقية، مع أنه لا يقدر على ذلك إلا بمعونة الروح القدس. ولا شك أن في ذلك سرًا عظيمًا نعجز عن إدراكه، فليس في طاقتنا أن نوضح اقتران فعل الروح بفعل الإرادة البشرية، وإن كنا متأكدين من وجودهما ولزومهما، ولزوم الاستناد على مساعدة الروح القدس لنقدر أن نتمم المطلوب منا. مع معرفتنا أن ذلك لا يخلّصنا من مسؤوليتنا أمام الله. وقد حاول البعض التوفيق بين حرية الإنسان ومسؤوليته ولزوم فعل الروح القدس فيه، ولكن اجتهادهم لم يفِ بالمقصود، فمنهم من نبّر على قدرة الإنسان، ومنهم مَنْ نبّر على ضعفه بهدف إعفائه من كل مسؤولية. ويجب أن نحترس من الاعتقاد بقدرة الإنسان بدون معونة الله، ومن الاعتقاد بضعف الإنسان إلى الحد الذي يرفع عنه التكليف والالتزام. ويعلّمنا الكتاب المقدس والعقل السليم أن الإنسان يجب أن يجتهد في إتمام أوامر الله، ويشعر باحتياجه في ذلك لمساعدة الروح، ويتيقن أنه ينالها بالطلب منه بلجاجة، لأن الذي أمرنا بالإيمان والعمل قادرٌ ومستعدٌ على الدوام أن يُعِين ضعفاتنا.
* هناك سبعة شواهد في العهد الجديد ذكرت معمودية الروح القدس، جاءت أربعة منها في البشائر الأربع، وهي تقارن بين معمودية يوحنا المعمدان للتوبة ومعمودية المسيح بالروح القدس. وهذه الأربعة هي: (مر 1: 8 ولو 3: 16 ومت 3: 11 ويو 1: 33). هذا بالإضافة إلى ثلاث إشارات أخرى لمعمودية الروح القدس في (أعمال 1: 5) حيث يطبق ما قاله يوحنا المعمدان عن المسيح الذي يعمد بالروح القدس على ما كان متوقعًا حدوثه في القريب العاجل، أي في يوم الخمسين. والإشارة الثانية في (أعمال 11: 16) حيث يربط الرسول بطرس بين ما حدث في بيت كرنيليوس وما حدث في يوم الخمسين إتمامًا لوعد الآب. (ستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا)
وهذه الشواهد الستة تشير إلى معمودية الروح القدس باعتبارها اختبارًا يمثل بداية تعامل الروح القدس مع المؤمنين. وهو ما يحدث مع كل المؤمنين عند قبولهم عمل نعمة الله فتدخل حياتهم إلى مجال جديد يسود فيه الروح القدس ويحيي علاقتهم مع الله.
أما الشاهد السابع فقد جاء في (1كو 12: 13) في القول: «بروح واحد اعتمدنا لجسد واحد». ويردُّ بها الرسول على دعاوى أهل كورنثوس بتمييزهم عن غيرهم بسبب مواهب الروح القدس.
وهناك ثلاث روابط ظاهرة تميز قبول الأفراد لعمل نعمة الله: الرابطة الكنسية ومظهرها قبول المعمودية بالماء، والرابطة الشخصية ومظهرها التوبة والإيمان، والرابطة الإلهية ومظهرها معمودية الروح القدس.
وليس في العهد الجديد ما يؤيد أن معمودية الروح القدس هي اختبار ثانٍ بعد الخلاص يميز أو يبرهن دخول المؤمنين إلى مستوى أعلى من الإيمان. ولكن الثابت أن جميع المؤمنين يحتاجون إلى زيادة إيمانهم بحلول الروح القدس في قلوبهم عند قبولهم عمل نعمة الله بالخلاص.
* هناك شواهد على أن الامتلاء بالروح القدس تكرر بعد يوم الخمسين:
(1) امتلأ بطرس من الروح القدس ليجاوب على أسئلة رئيس الكهنة (أع 4: 8).
(2) اختبره بعض المؤمنين المضطهَدين «ولما صلّوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة» (أع 4: 31). ولا يقول إنهم تكلموا بألسنة، ولو أن المكان تزعزع. وكانت نتيجة هذا الاختبار أنهم نالوا شجاعة في الكرازة، وزادت وحدتهم الروحية.
(3) اختبره بعض المؤمنين في السامرة بعد أن وضع بطرس ويوحنا الأيادي عليهم، ولم يكن الروح القدس قد حلَّ على أحد منهم (أع 8: 16). ولا يسجل لنا الوحي أية ظواهر خارقة صاحبت هذا الحلول، ولا كلامًا بألسنة.
(4) حل الروح القدس على شاول الطرسوسي بعد تجديده (أع 9: 1-9، 17) فامتلأ وعاد إليه البصر، ثم اعتمد بالماء، ولم يكن هناك كلام بألسنة.
(5) انسكبت موهبة الروح القدس على الأمم، وحلَّ الروح القدس على كل الذين كانوا يسمعون الكلمة في بيت كرنيليوس (أع 10: 44-45) وتكلموا بألسنة وعظموا الله (أع 10: 46).
(6) امتلأ بولس من الروح القدس وهو يحدِّث باريشوع (أع 13: 9).
(7) «وأما التلاميذ فكانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس» (أع 13: 52).
(8) حل الروح القدس على نحو 12 تلميذ في أفسس، كانوا قد اعتمدوا من المعمدان، ولكنهم لم يكونوا قد سمعوا عن الروح القدس، فعمَّدهم الرسول بولس ووضع يديه عليهم فامتلأوا من الروح القدس، وتكلموا بألسنة، وتنبأوا (أع 19: 1-7).
* نذكر منها الأوصاف التالية:
(1) ختم الروح (2كو 1: 22 وأف 1: 13).
(2) أخذ (قبول) الروح (غلاطية 3: 2).
(3) الامتلاء بالروح (أف 5: 18).
(4) تجديد الروح (تي 3: 5).
(5) نوال الموعد (عب 6: 12 و10: 36).
* يمنح الروح المؤمنين مواهب طبيعية ومواهب فوق طبيعية، كما يشاء هو، لا كما يطلبون هم. والهدف أن صاحب الموهبة يخدم إخوته بما منحه الله، كما يطلب خدمة من منحه الله موهبة لم ينلها هو. والمواهب تكمل القديسين، وتعمل الخدمة، وتبني جسد المسيح (أف 4: 12).
وقد وردت في العهد الجديد أربع قوائم تحوي عشرين موهبة، في (رومية 12: 6-10 و1كورنثوس 12: 4-10، 28 وأفسس 4: 11، 12 و1بطرس 4: 10، 11). وقد ردت موهبة النبوة فيها كلها (4 مرات) وموهبة التعليم ثلاث مرات في القوائم الثلاث الأولى، وموهبة الخدمة مرتان في رومية وبطرس الأولى، وموهبة الرسول مرتان في كورنثوس الأولى وأفسس، وموهبة التدبير مرتان في رومية وكورنثوس الأولى، وموهبة الوعظ مرة واحدة في رومية، ووردت موهبتا الرعاية والتبشير مرة واحدة في أفسس، ووردت ثلاث مواهب مرة واحدة في رومية هي الرحمة والمحبة والعطاء، ووردت تسع مواهب مرة واحدة في كورنثوس الأولى هي: الأعوان والحكمة والعلم والإيمان والشفاء وعمل القوات وتمييز الأرواح والألسنة وترجمة الألسنة.
ويوصي الرسول بولس المؤمنين يجدّوا للمواهب الحسنى، وأراهم طريقًا أفضل، هو المحبة (1كو 12: 31). فقد يختلف أصحاب المواهب في ما بينهم، وقد يفتخرون بمواهبهم، وقد يضنّون باستخدامها لخدمة غيرهم، فتعصمهم محبتهم لله والناس من كل هذه المخاطر.
* يذكر الوحي تسع ثمرات للروح القدس، يجب أن يحصل كل مؤمن عليها كلها. وهذا بخلاف المواهب التي لا يحصل المؤمن عليها كلها. وثمر الروح في علاقة المؤمن بالرب هو محبة وفرح وسلام، وفي علاقته بإخوته من البشر هو طول أناة ولطف وصلاح، وفي علاقة المؤمن بنفسه هو إيمان ووداعة وتعفف (غلا 5: 22، 23).
هل محمد هو الروح القدس؟!!! (الفرقليط، الفارقليط)
كتاب قاموس الكتاب المقدس - حرف م - تحت مادة معز
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - ابونا تادرس يعقوب ملطي
كتاب سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة لاهوتيه و عقائديه " أ " - من كتب قداسه البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7crzbt6