* تأملات في كتاب
الأعمال:
الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح
|
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52
يمكن تقسيم سفر الأعمال بطريقتين:
أولًا: حسب الموضوع: حيث ينقسم إلى أربعة أجزاء/أقسام (أربع أرابع):
|
الأصحاحات |
الموضوع |
الربع الأول |
(أع 1-7) |
الكنيسة في أورشليم (كيف نشأت؟ وكيف بدأت تنتشر؟) |
الربع الثانى |
(أع 8-12) |
الكنيسة في السامرة واليهودية وقيصرية، وهى البلاد الواقعة حول أورشليم، (كرازة بطرس ويوحنا وفيلبس المُبشر). |
الربع الثالث |
(أع 13-20) |
الكنيسة في الأمم في العالم كله |
الربع الرابع |
(أع 21-28) |
سجن بولس الرسول. وهذا الربع عبارة عن 7 أصحاحات تتكلم عن بولس كسجين وتحركاته من بلد لبلد وهو سجين. |
ثانيًا: حسب الشخصيات الرئيسية:
|
الأصحاحات |
الشخصية الرئيسية |
التفاصيل |
الجزء الأول |
(أع1-12) |
بطرس الرسول |
بالرغم من أن هذه الأجزاء تعرضت لشخصيات أخرى مثل خدمة استفانوس واستشهاده، وخدمة فيلبس المبشر.. لكن الشخصية الغالبة هو بطرس الرسول.
|
الجزء الثانى |
(أع13-28) |
بولس الرسول |
بدءًا من (أع 13) لن نسمع شيء يُذكر عن كنيسة أورشليم. لأن القديس لوقا في هذا الجزء تتبع الكنيسة في أنطاكيا (بسوريا) والرحلات التبشيرية للقديس بولس الرسول. |
فكرة عامة عن رحلات بولس الرسول التبشيرية:
+ عندما وجد بولس الرسول أن الكنيسة قد اتسعت في أنطاكية (سوريا)، حركه الروح القدس للكرازة في أوروبا كلها، حيث تعتبر أنطاكية باب جنوبى على أوربا، لأنها تقع بين آسيا وأوروبا.
+ كان القديس بولس يُقيم في أنطاكية (سوريا) كمركز/مقر له ثم ينطلق منها في رحلات تبشيرية.
+ الرحلة التبشيرية الواحدة تستغرق من 2- 5 سنين.
+ فترة إقامة بولس الرسول في كل بلد كانت تتراوح من عدة أسابيع (2-3 أسابيع) إلى عدة سنين (2-3 سنين)!! أطول مدة قضاها كانت في أفسس وكانت 3 سنين، ثم أكمل الرحلة بعد ذلك.
+ الرحلة كانت عبارة عن جولة في آسيا الصغرى وقد يصل إلى اليونان ثم يعود إلى أنطاكية (سوريا)، لأنها كانت كما قلنا المركز أو مقر بولس الرسول.
+ عدد الرحلات التي قام بها بولس الرسول 3 رحلات كبيرة سندرسها على مدى 7 أصحاحات (أع1-20)، (هذه الرحلات تخللها حدث واحد في أورشليم).
+ الرحلة الرابعة لا تعتبر رحلة ولكن يُطلق عليها إسم "أسر بولس الرسول"، حيث تم القبض عليه في أورشليم وترحيله إلى قيصرية ومنها إلى روما.... كل هذا تم سرده في 7 أصحاحات كاملة (أع22-28).
+ الرحلة التبشيرية الأولى (أع13، 14)، وسنبدأ الكلام عنها اليوم.
+ مع بداية أع13 سنترك الكلام عن بطرس والآباء الرسل في أورشليم وسنبدأ الكلام عن برنابا وشاول ومعهما مرقس الرسول الذين عادوا من أورشليم إلى أنطاكية (بسوريا)، حيث انتهى الأصحاح الثانى عشر بالآية: "وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ، وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ" (أع12: 25).
![]() |
"وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ، وَشَاوُلُ" (أع13: 1).
+ بَرْنَابَا: يعتبر أكبرهم.
+ " هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ ": هو هيرودس الذي مات في آخر الأصحاح الثانى عشر(الأصحاح السابق). و"رئيس الربع" أى الوالى على ربع فلسطين.
+ "مَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ": وجوده في الكنيسة ضمن الكارزين يدل على أن الكرازة قد وصلت إلى بعض الشخصيات الهامة جدًا في المملكة. إذ أن مناين كان صديق لهيرودس وتربى معه وأصبح من الكارزين.
+ " وَشَاوُلُ ": نلاحظ أن هناك 5 أسماء لكبار الكارزين في الكنيسة، ذُكر إسم شاول آخر هذه الأسماء إذ كان في ذلك الوقت أصغر الكارزين، لكن بعد ذلك لن نسمع عن كل هذه الأسماء الأولى كثيرًا، لكن الذي سيختاره الله ويتمجد به هو "شَاوُلُ".
+ شاول لم يبحث عن مكانة، أو قيادة، أو مركز، ولكنه كان أضعف الكل، ولكن الله اختاره لكى يكون الشخصية الرئيسية في الكرازة، وهذا ما قاله القديس بولس: "بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ 28 وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، 29 لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ." (1كو1: 27-29). وغالبًا كان يقصد نفسه! لأن بولس الرسول كان يعتبر نفسه كما قال عن نفسه: "...كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا" (1كو15: 1). (السقط هو جنين غير مكتمل النمو ميت).
وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أع13: 2).
+ "وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ" هذه الآية تؤكد لنا فكرة هامة جدًا هى أن الصيام كان هو منهج الكنيسة، والنظام الذي اتبعه الرسل أثناء خدمتهم. لأن الصوم يُعطى قوة للخدمة، وفي هذا رد على من يتساءلون: لماذا نصوم صيام الرسل؟!
+ " قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ": في هذا الجو الملئ بالصوم والصلاة والتكريس والخدمة والحرارة الروحية، ربنا يتكلم بوضوح ويكون صوته مسموعًا. الذين لا يسمعون صوت الله بالتأكيد هم مقصّرين في أصوامهم أو صلواتهم أو خدمتهم، وما أعجب من يعيشون في الخطية، ويدَّعون أنهم يسمعون صوت الله!!
![]() |
+ "قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ... نلاحظ أن برنابا أولًا ثم شاول. " لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ"! " ما هو هذا العمل؟! لا أحد يعرف! وهذا يذكرنا بدعوة أبونا إبراهيم عندما قال له الرب: "اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ" (تك12: 1)، ولم يكن يعلم أين هي هذه الأرض! وظل سنين عديدة على هذا الحال! هكذا أيضًا بولس وبرنابا لم يعلموا إلى أين سيذهبوا؟! وهل سيعودوا مرة أخرى أم لا؟! خرجوا للكرازة بدون أى ترتيبات مسبقة.
كيف كان يكلم الروح القدس آبائنا الرسل؟! هذا موضوع مُحير ولكن قد يكون:
+ عن طريق رؤى تتكرر أكثر من مرة بإلحاح بصوت واضح جدًا ليس فيه غش، كما يروى لنا السفر فيما بعد عما حدث مع بولس الرسول: "وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!». فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ" (أع16: 9).
+ أيضًا بطرس الرسول عندما رأى الرؤيا في مدينة يافا، يقول: "فَرَأَيْتُ فِي غَيْبَةٍ رُؤْيَا: إِنَاءً نَازِلًا مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مُدَلاَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ مِنَ السَّمَاءِ...." (أع16: 5-10)، وعلق قائلًا: "فَقَالَ لِي الرُّوحُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ" (أع11: 12).
+ من خلال اتفاق الكنيسة كلها، كما حدث في (أع 15) حيث الكنيسة كلها تحمست لموضوع واحد بالصلاة والصوم واتفقوا على شيء: "أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ،..." (أع15: 19). "لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ" (أع15: 28).
+ من خلال معوقات معينة: وكما سنعرف في هذا السفر حيث يقول القديس لوقا: "وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ، فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ" (أع16: 7، 8). كيف منعهم؟! قد تكون عراقيل شديدة جعلتهم يسألون الرب "ماذا تريد يا رب أن نفعل؟!" فجاءت رؤيا الرجل المكدونى.
ما هو سر وضوح صوت الروح القدس لآبائنا الرسل!
+ من المؤكد أن الروح القدس كان واضح جدًا جدًا لهم، لا نعرف بالضبط كيف كان هذا؟! لأن الروح القدس كما قال بولس الرسول يتكلم بأنواع وطرق شتا، ونص الآية: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ"(عب1: 1).
+ كما سبق أن أوضحنا قد يكون الروح القدس كان يكلمهم بالرؤى، أو بصوت داخلى، أو باتفاق الكنيسة كلها، أو شخص يقابل شخص ويقول له رسالة معينة فيشعر أن هذه الرسالة من الله، لكن المؤكد أنهم لم يكونوا مشوشين كما هو حالنا الآن. لماذا؟! هؤلاء الآباء كانوا مكرسين تمامًا. ليس عندهم أى ذات أو كرامة تعيق صوت الله. أكثر شيء يشَّوش ويعطل صوت الروح القدس الأنا أو الكرامة! (صوتى أنا! مكانتى أنا! رغبتى أنا!). في نفس الوقت نلاحظ أن دائمًا الروح القدس يقود الكنيسة ككنيسة وليس كشخص بمفرده. بحيث لا يحدث تعارض أبدًا بين خدمة وخدمة، أو بين رسول ورسول.
+ عمومًا هذا الموضوع يطول شرحه، لن ندخل في تفاصيله الآن لأننا نريد أن نكمل دراستنا في سفر الأعمال، لعلنا نتكلم فيه فيما بعد باستفاضة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
3 فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا
+ الصوم والصلاة هما منهج الكنيسة: نلاحظ أن الرسل كانوا صائمين قبل سماعهم صوت الروح القدس وصاموا أيضًا بعد سماعهم صوت الروح القدس، وهذا ما تفعله الكنيسة حتى الآن وكمثال: في اختيار بعض الكهنة قد تصوم كل الكنيسة، ثم ترشح أسماء، وبعد أن يرشموا كهنة يصوموا 40 يوم في الدير. كل هذا لأن الكنيسة تعلم قوة الصوم في بداية الخدمة وبالنسبة للخدمة عمومًا.
+ "وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا (أى على بولس وبرنابا) الأَيَادِيَ" هذه العبارة تؤكد أن هناك سر آخر غير سر الميرون الذي يناله المُعمَّد، خاص برشامة الكهنة. أى أن وضع اليد له مستويين (سرين مختلفين):
1- السر الأول هو عطية الروح القدس التي ينالها كل شخص في الكنيسة، والأمثلة على ذلك: عندما كان بطرس ويوحنا يضعوا الأيادى، على الذين قبلوا الإيمان بالمسيح كان يحل الروح القدس لأول مرة كسكنى للشعب (يمثل ذلك حاليًا سر الميرون). وكذلك عندما وضع حنانيا يده على شاول، فأخذ شاول نعمة الروح القدس.
2- هناك وضع يد خاص بالمفرزين/المكرسين/المختارين لرسالة كهنوتية كما يظهر في هذه الآية وضع اليد الكهنوتية على بولس وبرنابا (شيوخ الكنيسة وضعوا عليهما الأيادى). لذلك نجد بولس يتكلم عن نفسه في رسالته لأهل رومية على أنه كاهن: "حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولًا مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (رو15: 16).
+ تم إفراز بولس وبرنابا في هذه المرحلة بمثابة أساقفة لأنهما سيدخلا بلاد كثيرة أثناء رحلتهما التبشيرية، فيكون لديهما السلطان لإختيار ورشم كهنة في هذه البلاد، حتى تمتد الكرازة. (كما يرشم قداسة البابا أسقف في المهجر وهذا الأسقف يستطيع أن يرشم كهنة في المهجر).
![]() |
فَهذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ (أع13: 4)
+ "فَهذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ": هنا القديس لوقا يؤكد أن الإرسالية هى إرسالية الروح القدس، وإرسالية الروح القدس كما ذكرنا كانت من داخل الكنيسة، أى أن الآباء اجتمعوا وصلوا معًا وصاموا معًا واستقر رأيهم على إفراز برنابا وشاول لهذه المسئولية، فلا يصح أن يدعى أحد من تلقاء نفسه أن الروح القدس أرسله!
+ "انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ": رحلات بولس الرسول تبدأ من أنطاكية بسوريا، ثم جزء من الرحلة يكون في البحر، ثم داخل آسيا الصغرى (تركيا حاليًا) ثم اليونان. ماعدا الرحلة التبشيرية الأولى لم يصلوا إلى اليونان.
+ بعض البلاد المذكورة في سفر أعمال الرسل تغيرت أسمائها، والجدير بالذكر أنه يوجد في سوريا وتركيا العديد من المزارات السياحية المسيحية أساسها رحلات بولس الرسول، وما زالت أسمائها مرتبطة بالأسماء التي سنقرأها في سفر الأعمال (أهل البلد يذكرون للسياح اسم البلد ويربطون بينها، وبين إسمها السابق المذكور في سفر أعمال الرسل).
+ " انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ" لأن أنطاكية مرتفعة بعض الشيء، فالمتجه إلى "سلوكية" يتخذ طريق منحدر.
+ "سلوكية" ميناء لأنطاكية.
+ "قبرس": جزيرة بالبحر الأبيض المتوسط كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية وبها كثير من اليهود.
+ أي أن برنابا وبولس سلكا طريق البحر بدءًا من سوريا إلى آسيا الصغرى (تركيا حاليًا).
![]() |
"وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ اللهِ فِي مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِمًا" (أع13: 5).
سلاميس: أهم موانى قبرس التجارية وتقع جنوب شرق قبرس.
يوحنا: هو مرقس الرسول العظيم الذي كتب إنجيل مرقس وكاروز ديارنا المصرية، وهو في هذه المرحلة كان تلميذ معلمنا بولس الرسول، وأخذ من روحه. القديس بولس وهو مسجون في سجنه الأخير في روما أرسل لتلميذه تيموثاوس يعلن حاجته للقديس مرقس ليخدم معه: "لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ" (2تى 4: 11).
+ في كل بلد من بلاد العالم القديم كان هناك ما يُسمى "مجمع يهودى"، حيث يجتمع اليهود المشتتين (يهود الشتات) كل سبت في المجمع للصلاة وتلاوة المزامير وكان يقوم أحدهم بالوعظ. [1]
+ معلمنا بولس ومعلمنا برنابا، اتبعا سياسة حكيمة فلأنهما في الأصل يهود، كان من الطبيعى أن يدخلوا المجامع اليهودية، فكانا يذهبان في يوم السبت إلى المجمع، ولأن سائر اليهود كانوا يظنون أنهما يهود مثلهم فكانوا يختاروهم للوعظ، لكن القديسين بولس وبرنابا كانا يستغلان الفرصة ويختاروا من النبوات ما يشهد للمسيح.
"وَلَمَّا اجْتَازَا الْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ، وَجَدَا رَجُلًا سَاحِرًا نَبِيًّا كَذَّابًا يَهُودِيًّا اسْمُهُ بَارْيَشُوعُ،" (أع13: 6).
اجتازا الجزيرة: اتجها من ميناء سلاميس جنوب شرق جزيرة قبرس إلى بافوس وهى ميناء أخرى في جنوب غرب جزيرة قبرس.
باريشوع: معنى إسمه إبن يشوع. وهو يهودى يدعى النبوة ويعمل بالسحر.
+ بالطبع هذه البلاد كان بها تخلف شديد، إذ ينتشر بها السحرة وبعض هؤلاء السحرة كانوا يهود، فكانوا يخلطون بين الأفكار النبوية والنبوآت الكاذبة لكى يسوقوا الناس. كانوا يتعاملون مع الشياطين وقد يعملوا بعض الآيات التي تضلل الناس، مثلما سيأتى المسيح الدجال من اليهود ويعمل معجزات.
"كَانَ (باريشوع) مَعَ الْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ، وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَالْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ" (أع13: 7)
"سَرْجِيُوسَ بُولُسَ": والى بافوس.
+ كان "باريشوع" أحد مشيرى الوالى "سرجيوس بولس" المقربين، وكان "سرجيوس بولس" رجلًا حكيمًا يحب الإستفادة، فعندما سمع أن برنابا وشاول يعظان، أراد أن يستمع إلى كلمة الله منهما.
![]() |
"فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ السَّاحِرُ، لأَنْ هكَذَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ، طَالِبًا أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ" (أع13: 8).
عليم الساحر: "عليم" أى كثير العلم، وهو اللقب أو الاسم الثانى الأرامى للساحر بار يشوع (كان أغلب الناس لها إسمين مثل شاول إسمه الثانى بولس وسمعان إسمه الثانى بطرس... إلخ.).
+ كان برنابا وبولس يريدان إقناع الوالى "سرجيوس بولس" بالإيمان، وعليم/باريشوع الساحر يريد أن يُعطل كرازتهما فقاومهما " طَالِبًا أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ " أى كان يقاطعهما كلما تكلما حتى يشتت تفكير الوالى! ذلك لأن عليم/باريشوع الساحر كان متحكمًا في "سرجيوس" الوالى ويريد أن تظل زمام الأمور في يده، فخشى أن يتأثر بكلام برنابا وشاول! مما جعل بولس يغتاظ كما سيظهر في الآية التالية. (نلاحظ أن هذا أول لقاء لبولس مع ساحر، وبالطبع أى ساحر يتعامل مع شياطين).
"وَأَمَّا شَاوُلُ، الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا، فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ" (أع13: 9)
+ "أمَّا شَاوُلُ، الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا": هنا يُنبهنا سفر الأعمال لأول مرة أن شاول هو بولس، وهذا يتفق مع دقة القديس لوقا في كتاباته (كما قلنا يمتاز إسلوبه بالدقة)، كما فعل في الآية السابقة وذكر لنا أن باريشوع هو عليم الساحر.
+ "فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" تذكرنا بوعد الرب يسوع لتلاميذه: "وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. 19 فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، 20 لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ" (مت10: 18-20). فهذه لحظة شهادة لأن ""سَرْجِيُوسَ بُولُسَ" والى، وكان شاول يتكلم معه في وجود عليم الساحر (المتعب جدًا) الذي كان يشتت تفكيره ويقاوم التعليم. فشخص إليه بولس الرسول وقال له:
"10 وَقَالَ: «أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟ 11 فَالآنَ هُوَذَا يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكَ، فَتَكُونُ أَعْمَى لاَ تُبْصِرُ الشَّمْسَ إِلَى حِينٍ». فَفِي الْحَالِ سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ، فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ 12 فَالْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى، آمَنَ مُنْدَهِشًا مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ" (أع13: 10-12).
+ السحرة عبارة عن مرتع شياطين لأنهم اعتادوا أن يتعاملوا ويستعينوا بالشياطين، لذلك قال معلمنا بولس لعليم الساحر "يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرّ!"، وهذا ما قاله الرب يسوع فيما سبق لليهود المعاندين إذ قال: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا" (يو8: 44)، " لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ!" (يو8: 39).
+ " أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟" أى هل مازلت تعطل الطريق إلى الله؟! واضح أن عليم الساحر ظل لفترة طويلة يضلل الكثير من الناس ويبعدهم عن طريق الرب الحقيقي.
+ "فَالآنَ هُوَذَا يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكَ، فَتَكُونُ أَعْمَى لاَ تُبْصِرُ الشَّمْسَ إِلَى حِينٍ»": أى لن ترى إلا عندما أطلب أنا لك هذا (كلمة إلى حين قالها القديس بولس ليعطيه رجاء في الشفاء). "فَفِي الْحَالِ سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ، فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ"
+ يضطر الراعى أحيانًا إلى الهجوم الشديد على قوى الشر. فالقديس بولس وديع جدًا ومسالم جدًا، لكنه مع من يُعطل خلاص الناس ويعثرهم ويُضيعهم، يكون شديد وحازم جدًا. هذه الآيات تحكى عن حرب شديدة بين اثنين أقوياء روحيًا، أحدهم يحمل روح الشر والآخر يحمل روح الله. وما حدث لباريشوع معجزة فريدة من نوعها، فهو إنسان كان مُبصرًا وأصبح أعمى! عقاب شديد وتأديب من ربنا للضلال.
+ أيضًا تذكرنا هذه القصة بقصة بولس الرسول نفسه عندما سقط على عينيه ضباب وظلمة، بعد أن قابل السيد المسيح أول مرة، إذ كان عنيدًا ويقاوم سبل الله المستقيمة. (بولس الرسول قال ذلك عن نفسه إذ قال عن نفسه: "أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا" (1تى1: 13)، " أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا لأَنْ أُدْعَى رَسُولًا، لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ" (1كو15: 9)". قد يكون فعل هذا لعليم الساحر لينتبه أنه كان مثله "يفسد سُبل الله المستقيمة". بالطبع هذه ليست طريقة بولس في كل موقف، لكن الروح القدس في هذا الموقف ملأه ووجهه كيف يتصرف. الروح القدس يقود القديسين إلى أشياء لم يكونوا قد رتبوا لها.
+ هذا الموقف يُجيب على سؤال مُحيِّر، هو: لماذا يتدخل القديسين بعمل معجزات شفاء لبعض المرضى، بينما لا يشفون بعض المرضى الآخرين؟! والإجابة هى أن الروح القدس هو الذي يقودهم. فقد تكون إرادة الروح القدس يُشفى المريض في بعض الأحوال، بينما العكس في أحوال أخرى! فعندما أقام القديس بطرس طابيثا من الموت، كان قد علم بالروح أن الله يريد قيامتها. أيضًا عندما أقام بولس الرسول أفتيخوس من الموت (أع20)، كان قد علم بالروح أن هذه هى إرادة الله لكى تحدث معجزة لها قيمتها في خلاص الناس. إذًا لذلك لا توجد قاعدة ثابتة في حالات المرض والموت.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
![]() |
" ثُمَّ أَقْلَعَ مِنْ بَافُوسَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةِ بَمْفِيلِيَّةَ. وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ" (أع13: 13)
بمفيلية: مقاطعة غرب كليكية بتركيا الحالية (آسيا الصغرى في زمن بولس الرسول).
مدينة برجة: عاصمة بمفيلية.
+ "وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ" هذا التصرف من القديس مرقس آلم بولس الرسول، لأنه كما يبدو كان يود أن يظل القديس مرقس (يوحنا) مرافقًا لهم طوال الرحلة. كان القديس مرقس مازال صغيرًا في ذلك الوقت (قد يكون عمره حوالى 25 سنة)، ويبدو أنه شعر بالخوف وبخطورة التحرك من بلد إلى بلد عبر صحارى وأماكن خطرة، ثم الوقوف أمام ولاة، مما قد يعرضهم للضرب والقتل (كما سيحدث بعد ذلك).
+ لا أريد أن أتجاسر وأقول أن شخصية معلمنا القديس مرقس كانت تتسم بشيء من الخوف! لعلنا نتذكر ليلة القبض على السيد المسيح، عندما دفعه الخوف للهروب عاريًا عندما أمسكه الشباب من إزاره: "فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَانًا" (مر14: 52)! هذا هو مارمرقس كاروزنا الذي دخل بعد ذلك إفريقيا على قدميه وجال فيها كارزًا حتى صارت كلها مسيحية! وهو أيضًا الذي دشن الإسكندرية بدمائه عندما سحلوه وقت استشهاده!
"وَأَمَّا هُمْ (بولس وبرنابا) فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ (غير أنطاكية سوريا)، وَدَخَلُوا الْمَجْمَعَ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسُوا" (أع13: 14).
بيسيدية: مقاطعة بآسيا الصغرى (تركيا الآن)، تقع شمال مقاطعة بمفيلية.
أنطاكية: عاصمة مقاطعة بيسيدية.
+ "دَخَلُوا الْمَجْمَعَ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسُوا" كما قلنا، بولس وبرنابا اعتادا أن يذهبا إلى المجمع يوم السبت في أى بلد يذهبون إليها، وينتهزا الفرصة للكلام والتبشير بالرب يسوع.
"وَبَعْدَ قِرَاءَةِ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا»" (أع13: 15)
+ "وَبَعْدَ قِرَاءَةِ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ" طقس اليهود أن يقرأوا جزء من الناموس (التوراة) وجزء من الأنبياء (إشعياء، حزقيال،... إلخ).
أول عظة مسجلة للقديس بولس الرسول: (موجهة لليهود).
"فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ وَالَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ، اسْمَعُوا!" (أع13: 16)
"إِلهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هذَا اخْتَارَ آبَاءَنَا، وَرَفَعَ الشَّعْبَ فِي الْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا" (أع13: 17)
+ " إِلهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ ": بدأ القديس بولس الرسول حديثه بالكلام عن إله شعب إسرائيل.
+ " هذَا اخْتَارَ آبَاءَنَا ": فكرة اختيار الرب لشعب إسرائيل فكرة أساسية لدى اليهود (الشعب المختار).
+ ثم روى بولس الرسول قصة شعب إسرائيل، شعب اليهود الذي عاش الذل في أرض مصر، حتى أخرجه الرب وأنقذه على يد موسى.
وفي هذا تظهر حكمة بولس الرسول، فلأنه يتحدث إلى اليهود بدأ حديثه بالكلام عن إلههم (إله شعب إسرائيل) الذي اختارهم وأنقذهم من العبودية في أرض مصر.
"وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ" (أع13: 18).
+ ظل شعب إسرائيل 40 سنة في سيناء! وظل الرب يقوده رغم أنه شعب عنيد جدًا ومتزمر.
" ثُمَّ أَهْلَكَ سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ بِالْقُرْعَةِ" (أع13: 19).
+ أمم أهلكهم الله أمام شعبه لكى يرث شعب إسرائيل أرض كنعان، إذ قسمها لهم يشوع، وهذه الأمم هى: الحثيين، والجرجاشيين، والأموريين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليبوسيين. وكانت أرض كنعان هى الأرض المنخفضة غرب الأردن، وأرض آرام هى الأرض المرتفعة شرق الأردن.
"وَبَعْدَ ذلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعَمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ" (أع13: 20)
+ لم يطرد بنو إسرائيل كل سكان الأرض الأشرار متهاونين في تنفيذ وصايا الله، لذلك بعد أن أسكن يشوع شعب إسرائيل في كنعان، وبعد وفاة يشوع مباشرة، بدأ عصر القضاة (شمشون، وجدعون، ويفتاح،...إلى صموئيل النبى آخر القضاة)، إذ كان سكان الأرض الأصليين يقومون على شعب إسرائيل ويحتلوهم ويزلوهم، فيصرخوا لله، فيرسل لهم قاضى يحررهم.
+ إستمر زمن القضاة 450 سنة بحسابات اليهود.
+ وفي الكتاب المقدس نجد بعد سفر القضاة، سفر صموئيل الأول والثانى.
وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا مَلِكًا، فَأَعْطَاهُمُ اللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسٍ، رَجُلًا مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، أَرْبَعِينَ سَنَةً (أع13: 21)
+ بعد أن كان الشعب يقوده الله مباشرة (الحكم الثيئوقراطى: أى الله هو الملك)، طلب بنو إسرائيل من صموئيل النبى أن يختار لهم ملكًا، فكان "شاول بن قيس" البنيامينى أول ملك لإسرائيل، وظل يحكمهم 40 سنة.
+ بولس سُمي شاول على إسم شاول الملك لأن كلاهما من سبط بنيامين.
ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكًا، الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضًا، إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. مِنْ نَسْلِ هذَا، حَسَبَ الْوَعْدِ، أَقَامَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصًا، يَسُوعَ (أع13: 22، 23)
+ بهذا التسلسل في تاريخ اليهود بدأ بولس الرسول الكلام عن الرب يسوع المخلص الذي جاء من نسل داود الذي شهد له الله "وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي"، (الشاهد في العهد القديم: "وَأَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتُكَ لاَ تَقُومُ. قَدِ انْتَخَبَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ الرَّبُّ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَى شَعْبِهِ. لأَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ مَا أَمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ" (1صم13: 14)).
+ اليهود يحفظون جيدًا وعد الله لداود " أَقْسَمَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ بِالْحَقِّ لاَ يَرْجعُ عَنْهُ: «مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ. إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي الَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، فَبَنُوهُمْ أَيْضًا إِلَى الأَبَدِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّكَ" (مز132: 11، 12). بالطبع كلمة " إِلَى الأَبَدِ " لا تنطبق إلا على ربنا يسوع المسيح. فحسب الوعد "أَقَامَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصًا، يَسُوعَ ".
إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ (أع 13: 24).
+ بالطبع كل العالم (بما فيهم اليهود) كان قد سمع عن يوحنا المعمدان، يوحنا جعل الناس يقدمون توبة، قبل مجيء السيد المسيح.
وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ (يكمل خدمته وبشارته بعد تعميده الناس للتوبة) جَعَلَ (استمر) يَقُولُ: مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ (أع13: 25).
+ وهذا ما ورد بالإنجيل بحسب مُعلمنا يوحنا ومُعلمنا متى: "19 وَهذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا، حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ: «مَنْ أَنْتَ؟»20 فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ: «إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ...أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ.27 هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ»" (يو1: 19- 27). " أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ" (مت3: 12). هو الذي بيده كل شيء.
«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ، وَالَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ اللهَ (يقصد اليونانيين الدخلاء الذين يحبون سماع التعاليم اليهودية أي الأمم المحبين لله)، إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هذَا الْخَلاَصِ (أع13: 26).
+ "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ": يحق لبولس الرسول أن يقول لهم " الرِّجَالُ الإِخْوَةُ" لأنه يهودى مثلهم، كما أن اليهود يسرون جدًا بتسميتهم " بَنِي إِبْرَاهِيمَ ".
+ وهنا استخدم بولس حكمة جميلة إذ يخبرهم أن هذا الخلاص الذي أعده الله منذ آلاف السنين بربنا يسوع المسيح، والذي لم يقبله اليهود الذين في أورشليم عن جهل وقتلوا السيد المسيح، سيكون لكم (أى لليهود الذين يسمعونه والذين أيضًا يعرفون النبوات جيدًا) إذا قبلتم الإيمان بالسيد المسيح.
لأَنَّ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هذَا. وَأَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ الَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا، إِذْ حَكَمُوا عَلَيْهِ (أع13: 27).
+ أى أن يهود أورشليم بجهل كانوا يقرأون النبوات كل سبت، إذ أن كل ما قرأوه، نفذوه في السيد المسيح بالحرف، وصلبوا السيد المسيح! فأتموا النبوات التي لم يفهموها رافضين السيد المسيح!! لذلك يقول في كورنثوس: "لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ" (1كو2: 8)، أى إذا فهموا النبوات التي تنطبق على السيد المسيح، لما تطاولوا ومدوا أيديهم إليه!!
وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ أَنْ يُقْتَلَ. 29 وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ، أَنْزَلُوهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ. 30 وَلكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. 31 وَظَهَرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، الَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ عِنْدَ الشَّعْبِ (أع13: 28-31).
+ القديس بولس الرسول يحكى لليهود ما حدث مع السيد المسيح.
![]() |
وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِالْمَوْعِدِ الَّذِي صَارَ لآبَائِنَا (أع13: 32).
+ جميع اليهود يعرفون أن الموعد هو أن الروح القدس يسكن في الكل. وهذا ما قاله في أع2 عندما قال أن الله قد وعدنا بوعد كبير " وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ( هذا يسمونه الموعد)،..." (أع2: 17).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
المزمور الثانى يشهد عن إلوهية السيد المسيح:
إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ، إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضًا فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ (أع13: 33).
+ المزمور الثانى تتلوه الكنيسة يوم عيد الميلاد، ويوم عيد القيامة. فالكنيسة فهمت عن بولس الرسول فكرة هامة جدًا وهى أن: المزمور الثانى يقوله الآب للإبن يوم قيامته "أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ".
هل السيد المسيح له يوم ميلاد؟ نعم له يوم ميلاد جسدى، لكنه مولود من الآب قبل كل الدهور.
ما معنى قول الآب للإبن "أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ"؟
+ تعنى أنت اليوم ظهرت، إله حق من إله حق. إعلان القيامة هو الذي كشف عن أن المسيح ليس إنسان عادى بل هو الإله الحقيقى، (كأن الآب يقول للإبن بالبلدى: أنت النهاردة إبن أبوك صحيح، أنت اليوم إله من إله لأنك غلبت الموت لا يستطيع أحد أن يفعل ذلك غيرك) لأن لا يوجد إنسان يستطيع أن يغلب الموت إلا الرب يسوع وحده.
+ لذلك نقول يوم الاحتفال بقيامة السيد المسيح: "أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" شهادة عن لاهوته. وهذا التفسير قاله القديس بولس في (رو 1) عندما قال: "وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا" (رو1: 4). أى أن السيد المسيح أظهر لاهوته ومجده كإله حقيقى يوم قيامته من الموت وقد أعلن الآب في ذلك اليوم: "أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ "
إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا إِلَى فَسَادٍ، فَهكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ (أع13: 34).
+ "غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا إِلَى فَسَادٍ": الفرق بين قيامة السيد المسيح وقيامة أى إنسان قام قبل ذلك، مثل لعازر، وابن المرأة الشونمية، وإبنة يايرس، وابن أرملة نايين.... إلخ، هو أن لعازر وغيره قاموا من الأموات، لكنهم ماتوا بعد حين، أما الرب يسوع فهو الوحيد الذي قام ولن يعود للموت مرة أخرى، سيظل حيًا إلى الأبد.
+ "مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ": وعود الله لداود للخلاص الذي تم في المسيح ونناله في كنيسة العهد الجديد.
قام السيد المسيح من الأموات قيامة لا موت بعدها ليمتع البشر بمراحم المسيح بن داود.
+ ثم يذكر القديس بولس نبوءة أخرى جاءت في (المزمور 15):
"وَلِذلِكَ قَالَ أَيْضًا فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا، لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ اللهِ، رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرَأَى فَسَادًا. وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَادًا" (أع13: 35-37).
+ مزمور آخر: المقصود (مزمور 16) ونص الآية: "لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا" (مز16: 10)، وهذا المزمور يحبه الآباء الرسل لأن كلامه دقيق جدًا، وهو نفس المزمور الذي كان القديس بطرس يعظ منه في (أع 2) أيضًا.
+ فالقديس بطرس كان يقول لهم في عظته: هل هذا الكلام ينطبق على داود؟! بالطبع لا، لأن قبر داود موجود وجسده فسد منذ زمن. إذًا من الذي لم يرى جسده فساد؟ من الذي قيل عنه "لم تترك نفسى في الجحيم"؟! من الذي قيل عنه: "البهجة في يمينك إلى الإنقضاء؟! هذا الكلام لا ينطبق على داود العادى، بل ينطبق على السيد المسيح لأنه لم يظل في القبر بل قام من الأموات في اليوم الثالث وسيظل حيًا إلى الأبد.
+ هنا أيضًا القديس بولس يؤكد أن كلام (المزمور 16) ليس عن داود نفسه. كل اليهود كانوا يظنون خطأً أن داود يتكلم عن نفسه في هذا المزمور ويقول لله: "يا رب أنت تحبنى فمن غير المعقول تتركنى أذهب إلى الجحيم، ليس من المعقول أن قدوسك الذي قدسته ستتركه يفسد، أنا أريد أن أظل معك إلى الأبد". ثم مات داود ودُفن وجسده تحلل ورأى فسادًا. إذًا الكلام لا ينطبق على داود، بل ينطبق على القدوس الحقيقى. لا يجوز أن يُطلق لقب "قدوس" على داود –داود قديس وليس قدوس- لأن كلمة "قدوس" لا تقال إلا على الله لأنه الوحيد القدوس. "وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَادًا" بالطبع جسد السيد المسيح هو الجسد الذي لم يرَ فسادًا، إذ نزل إلى الجحيم ولكن نفسه لم تترك في الجحيم بل صعد من الجحيم، وإلى الإنقضاء مع الآب.
"فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، 39 وَبِهذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى" (أع13: 38، 39).
+ أى بما أنكم لم تستطيعوا أيها اليهود أن تتبروا بناموس موسى، لأن الناموس به وصايا كثيرة لم يستطع أحد تنفيذها كلها، لأننا جميعًا خطاه، ولا يوجد إنسان واحد بار قياسًا على الناموس، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ"، فلا يوجد إلا حل واحد/طريق وحيد لغفران الخطايا، هو الإيمان بدم السيد المسيح.
"فَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ 41 اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُونَ، وَتَعَجَّبُوا وَاهْلِكُوا! لأَنَّنِي عَمَلًا أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ. عَمَلًا لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ»." (أع 13: 40، 41).
+ "فَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ" الأنبياء قالوا، يا جماعة أنظروا بأعينكم واسمعوا بآذانكم ولا تغمضوا أعينكم عن الحقيقة، لأنكم إذا أغمضتم أعينكم عن الحقيقة ستهلكون.
+ " لأَنَّنِي عَمَلًا أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ. عَمَلًا لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ": أى سآتى بنفسى لأفديكم ولن تصدقوا! هذه النبوءة جاءت في سفر حبقوق: "اُنْظُرُوا بَيْنَ الأُمَمِ، وَأَبْصِرُوا وَتَحَيَّرُوا حَيْرَةً. لأَنِّي عَامِلٌ عَمَلًا فِي أَيَّامِكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ بِهِ إِنْ أُخْبِرَ بِهِ" (حب1: 5).
+ أيضًا أصحاح 53 من سفر إشعياء الذي تكلم عن آلام السيد المسيح، بدأ بعنوان جميل: "مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟" (إش53: 1)، أى من يصدق يا رب ما ستفعله، أنت تقول خبر لا يستطيع أحد تصديقه، أستأتى بنفسك لكى تفدى الناس؟! أنت إله الكل، أتُصلب؟! هل ستفدى بدمك كل البشرية؟!
+ فبولس الرسول يقول لليهود: إذا لم تقبلوا الإيمان بدم السيد المسيح سيتم فيكم النبوءة التي قالت: "اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُونَ، وَتَعَجَّبُوا وَاهْلِكُوا! لأَنَّنِي عَمَلًا أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ. عَمَلًا لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ ".[2]
![]() |
" وَبَعْدَمَا خَرَجَ الْيَهُودُ مِنَ الْمَجْمَعِ جَعَلَ الأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهذَا الْكَلاَمِ فِي السَّبْتِ الْقَادِمِ" (أع13: 42).
+ كان هناك بعض الأممين موجودين في المجمع، أعجبهم جدًا الكلام عن المسيح المخلص، وغفران الخطايا، بعيدًا عن الناموس والختان، فطلبوا من الرسل أن يمكثوا معهم ويتكلموا معهم بهذا الكلام في السبت القادم.
"وَلَمَّا انْفَضَّتِ الْجَمَاعَةُ، تَبعَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ وَالدُّخَلاَءِ (من اليونانيين) الْمُتَعَبِّدِينَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا، اللَّذَيْنِ كَانَا يُكَلِّمَانِهِمْ وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ اللهِ. 44 وَفِي السَّبْتِ التَّالِي اجْتَمَعَتْ كُلُّ الْمَدِينَةِ تَقْرِيبًا لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ 45 فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودُ الْجُمُوعَ امْتَلأُوا غَيْرَةً، وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ" (أع13: 43-45).
+ الكثيرين من اليهود والدخلاء تأثروا بكلام بولس وبرنابا، فتبعاهما، وفي السبت التالي اجتمعت المدينة كلها لتستمع لكلامهما. فبدلًا من أن يفرح اليهود بأن الكثيرين من الأمم سيعرفوا الله، اغتاظوا أن الجموع أحبت الاستماع لبولس! فنقضوا وجدفوا على ما قاله بولس الرسول كما كان يفعل باريشوع.
"فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالاَ: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلًا بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى الأُمَمِ. 47 لأَنْ هكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصًا إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»." (أع13: 46، 47).
+ قال بولس وبرنابا لليهود: كان يجب أن نكلمكم أنتم أولًا بكلمة الله كيهود، ولكن لأنكم تصدون وتقاومون كلمة الله، فأنتم حكمتم على أنفسكم أنكم غير مستحقين لها أو للحياة الأبدية، لهذا توجهنا بكلامنا للأمم. ثم دلل بولس على كلامه (أن وصية ربنا قبول الأمم) من العهد القديم بالآية: "قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصًا إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" هذه الآية تتكلم عن السيد المسيح، وموجودة مرتين في إشعياء 42، 49، ونص الآيات: "أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ،" (إش42: 6). " قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (إش49: 6). هذه الآيات يعرف اليهود أنها تنطبق على المسيا المنتظر. فقال لهم الكلام الذي عندنا عن المسيح المنتظر هو "أنك تكون خلاصًا لأقصى الأرض". إذا كان هذا كلام النبوات، فلماذا لا يروق لكم أن نتكلم عن السيد المسيح لأقصى الأرض؟!
"فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ. وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (أع13: 48).
+ بالطبع فرح الأمم بكلام القديس بولس لأن الخلاص مُقدم لهم أيضًا، وليس لليهود فقط. " وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ " فالله يعلم من سيقبلون الإيمان، فهناك ناس معينين للحياة الأبدية. وكلمة "معينين" لا تعنى أن الله يميز ناس أكثر من ناس ولكن تعنى " الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ "، ونص الآية: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ" (رو8: 29). أى الله يعلم من سيقبل كلامه، ومن سيقبل كلامه سيختاره ليكون معه. فبسابق معرفة الله رأى قلوب الناس، فالذي سيقبل سيختاره ليكون معه للأبدية. بينما الذي يصد كلام الله ولا يريد أن يسمع لن يكتب اسمه في سفر الحياة.
"وَانْتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ فِي كُلِّ الْكُورَةِ" (أع13: 49).
+ المقصود بكلمة "الكورة" هو انطاكية بيسيدية أى المكان الذي حدثت فيه كل هذه الأحداث هو "انطاكية بيسيدية". وهذه هى العظة التي لم يسمعها القديس مرقس للأسف لأنه كان قد تركهما ورجع.
"وَلكِنَّ الْيَهُودَ حَرَّكُوا النِّسَاءَ الْمُتَعَبِّدَاتِ الشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ الْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا اضْطِهَادًا عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا، وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ" (أع13: 50).
+ اغتاظ اليهود عندما رأوا أن كرازة بولس وبرنابا لن تقف عند حد، إذ آمن الكثير من الأمم، وبعض اليهود ساروا وراءهما، وستنتشر المسيحية في البلاد، فلجأوا إلى "النساء المتعبدات الشريفات" أى المتعبدات اليهوديات اللاتى لهن مركز في المجتمع، و" وَوُجُوهَ الْمَدِينَةِ " أى الأغنياء الذين يصرفون على المجمع ولهم علاقات مع الوالى الرومانى... إلخ، وبالتالي لهم تأثير كبير، ويستطيعوا أن يقلبوا الموازين [3]، فأثاروا اضطهادًا على الرسولين (إذ أقنعوهم أن بولس وبرنابا ضد اليهودية وضد الناموس، فهيجوهم ضدهما) وطردوهما من المدينة.
![]() |
أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ، وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ (أع13: 51).
إيقونية: مدينة في آسيا الصغرى جنوب شرق أنطاكية بيسيدية وتبعد 50 ميل عن أنطاكية.
+ نلاحظ أن يسوع سبق وأوصى تلاميذه قائلًا: "وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمْ، فَاخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَانْفُضُوا التُّرَابَ الَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ" (مر6: 11). فهكذا فعل بولس وبرنابا. [4]
"وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع13: 52).
التلاميذ: المقصود الذين آمنوا بالمسيح وصاروا من تلاميذه في نفس البلد التي خرج منها الرسولين (إنطاكية بيسيدية بآسيا الصغرى). [5]
+ كان المؤمنون الجدد في غاية الفرح بالإيمان وبعمل الروح القدس رغم الضيق والاضطهاد.
_____
[1] بالطبع نعرف أن لليهود هيكل واحد للعبادة وتقديم الذبائح موجود في أورشليم، أما المجامع فكانت منتشرة في سائر البلاد والقرى، هذه المجامع مثل المجامع التي كانت منتشرة في القرى أيام السيد المسيح، إذ يقول الكتاب: "وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، 17 فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ.... ".
[2] ملحوظة: العظات الموجهة لليهود قد تكون صعبة الفهم علينا ولكنها سهلة الفهم على اليهود، لأن اليهود يعلمون العهد القديم والنبوءات التي جاءت به، ولكنهم كانوا يفهمونها بطريقة خاطئة فبولس الرسول أوضح لهم معانى النبوءات التي يعرفونها.
[3] سلاحين صعبين كانا في يد الشر استخدمهما الشيطان ضد المسيحية: 1- السيدات اليهوديات (اللاتى لم تؤمن بالسيد المسيح). 2- المال!!
[4] نفض غبار الأرجل معناها "انتم مسئولين عن أنفسكم". وهذا يُذكرنا (نفس الفكرة) بالكاهن عندما يغسل يديه وقت قانون الإيمان وينفضهما أمام الناس، وهو يقول بالحقيقة نؤمن بإله واحد....إلخ، بمعنى أنت مسئول عن هذا الإيمان أمام الله (أى كل واحد مسئول عن إيمانه، لئلا يكون أحد الواقفين غير مؤمن بالثالوث الأقدس، أو بإلوهية السيد المسيح، أو بالأسرار... إلخ).
[5] كان المسيحيون يسموا تلاميذًا.
← تفاسير أصحاحات سفر الأعمال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
المراجع![]() |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص داود لمعي |
تفسير أعمال الرسل 12![]() |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-dawood-lamey/acts-of-the-apostles/chapter-13.html
تقصير الرابط:
tak.la/vkawj5w