← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26
+ أثناء قراءتنا لسفر الأعمال سنركز على شيء هام جدًا هو الكنيسة زمان والكنيسة الآن وكيف نستطيع أن نعود لجمال وقوة الكنيسة في عهد الرسل.
+ دراسة سفر الأعمال له فوائد كثيرة جدًا، وسنأخذ سفر الأعمال كمرجع أساسي لقصة الكنيسة الأولى.
+ سفر الأعمال هو الجزء الثاني من الكتاب الذي كتبه القديس لوقا البشير. الجزء الأول هو إنجيل لوقا، والجزء الثاني هو أعمال الرسل. الجزئين لهما نفس اللغة ونفس طريقة العرض لأن الكاتب شخص واحد. فالقديس لوقا البشير بحكم عمله كطبيب يتميز في كتابته بالدقة الشديدة.
+ أيضًا القديس لوقا يعتبر المؤرخ الأول لكنيسة العهد الجديد، حيث كتب لنا في سفر الأعمال (28 أصحاح) أحداث الكنيسة وتاريخها من أول يوم في الكنيسة (يوم الخمسين) ولمدة الثلاثين سنة الأولى من عمر الكنيسة.
+ وسفر الأعمال هو السفر الوحيد التأريخي في العهد الجديد، السفر الوحيد الذي يحدثنا عن شكل الكنيسة أيام الرسل والأحداث التي مرت بها. فالأناجيل تحدثنا عن حياة ربنا يسوع المسيح على الأرض، والرسائل تحدثنا عن كيف نحيا حياتنا مع ربنا، وفي الآخر سفر الرؤيا يحكي لنا عن ماذا سيحدث في الأيام القادمة.
+ "سفر الأعمال" كان يُسمى "سفر أعمال الروح القدس" لأن البطل الأساسي في القصة هو الروح القدس. فعند قراءة سفر الأعمال سنجد أن البطل في الجزء الأول من السفر هو "القديس بطرس"، والبطل في الجزء الثاني هو "القديس بولس"، ولكن "الروح القدس" هو الذي كان يعمل في كليهما وهو الذي كان يُحركهما بل كان يُحرك الكنيسة كلها في كل خطوة.
+ سفر الأعمال هو المقياس الذي تُقاس عليه جميع الكنائس، لأنه السفر الوحيد الذي يُكلمنا عن شكل الكنيسة الأولى في عهد الرسل (الصلاة في حياة الرسل والكنيسة الأولى، الأصوام، المعمودية، التناول، الوعظ، ....إلخ)، أي شكل الكنيسة ككل بجميع أنشطتها وخدماتها.
+ التطبيق الثاني الذي نأخذه من سفر الأعمال هو أن حياة الكنيسة الأولى كانت ترجمة للأناجيل، بمعنى أن الأناجيل كلمتنا عن حياة الرب يسوع وتعاليمه ومعجزاته، وسفر الأعمال يعلمنا كيف نعيش حياة السيد المسيح وتعاليمه.
بعض الناس يدَّعون أن تعاليم السيد المسيح في سموها من الصعب تطبيقها، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ولكننا نجد في سفر الأعمال أن آبائنا الرسل والكنيسة الأولى عاشوا كل تعاليم السيد المسيح. إذًا هناك تطبيق واضح على كل كلام ربنا يسوع. فأي وصية أو تعليم قاله السيد المسيح سنجده مُطبقًا في حياة الكنيسة الأولى.
+ عندما نقرأ سفر الأعمال نتعلم شيء مهم، أن بالرغم من أن الكنيسة الأولى كانت كنيسة قوية جدًا مليئة بالمعجزات، وتمتد امتداد سريع جدًا في العالم، حتى أنها خلال الثلاثين سنة الأولى اخترقت العالم كله (بدأت في آسيا وامتدت إلى أفريقيا وأوروبا ولم تكن الأمريكتين قد اكتشفتا!)، ومع كل هذه القوة كانت الكنيسة دائمًا معذبة! لذلك علينا ألا ننزعج عندما تحدث ضيقات في الكنيسة في هذه الأيام، لأن هذا الأمر طبيعي، وهو من علامات صحة وسلامة الطريق، لا بد من حدوث آلام وضيقات طوال الوقت وهذا لا يمنع أبدًا امتداد الكرازة.
+ أيضًا دراسة سفر الأعمال تُعلمنا كيف كانت الكنيسة تحافظ بإصرار على المبادئ الروحية وعلى الإيمانيات. فقد تظهر بدع في بعض الأوقات، وفي هذه الحالة لا بد من الرجوع لإيمان وحياة الكنيسة الأولى. فمثلًا عندما يظهر من يقول أن المسيح ليس إله، نرد عليه من إيمان الكنيسة الأولى وأنها كانت تعبد المسيح كإله. وعندما يظهر من يقول لا داعي للتناول، نرد عليه بأن آبائنا في الكنيسة الأولى كانوا يتناولون كل اسبوع. فأعمال الرسل مرجع نستطيع به تقييم كل حياتنا الكنسية.
فمرجعنا في حياتنا الكنسية كلام ربنا يسوع والحياة التي عاشها الآباء الرسل على الأرض والمذكورة لنا في سفر أعمال الرسل.
+ سفر أعمال الرسل يتكون من 28 أصحاح نستطيع أن نقسمها بالتقريب إلى 4 أجزاء متساوية:
الربع الأول: الكنيسة في أورشليم، حيث وُلدَت الكنيسة في أورشليم، ففي أورشليم صُلب وقام الرب يسوع، وأيضًا بدأ التلاميذ خدمتهم في أورشليم.
الربع الثاني: ويشمل الكرازة في المنطقة المحيطة بأورشليم (الدائرة التالية أو الثانية) حيث اليهودية والسامرة.
الربع الثالث: أو الدائرة الثالثة، عندما تخرج من المنطقة المحيطة بأورشليم إلى أوروبا حيث الأمم والوثنيين.
الربع الرابع: أو الربع الأخير (آخر 7 أصحاحات)، يختص بسجن بولس وترحيله من سجن إلى سجن ومحاكمته ثلاثة مرات حتى تم ترحيله إلى سجن روما. وانتهى سفر الأعمال بوصول بولس الرسول كسجين إلى روما.
+ لم يسجل لنا القديس لوقا استشهاد القديس بولس وإنما أنهى كتابه بترحيل بولس الرسول إلى سجن روما. وكأن وصول الكرازة لروما كان حلم الكنيسة الأول، لأن روما كانت عاصمة العالم كله في ذلك الوقت، فوصول المسيحية إلى روما يعني انتشارها في العالم كله.
+ لذلك سفر أعمال الرسل هو السفر الوحيد الذي عندما يُقرأ في الكنيسة لا يُقفَل، بل يقول الشماس: "لم تزل كلمة الرب تنمو وتزداد في هذه البيعة". لأن الكرازة ستمتد إلى ما لا نهاية، وستظل الكنيسة في نمو بلا نهاية وحتى المجيء الثاني للرب يسوع.
+ الجزء الأول لأنه يختص بالكرازة في أورشليم واليهودية ستجدون الشخصية الأساسية هي بطرس الرسول ومعه بعض الرسل، والتركيز الأكثر على شخصية بطرس.
+ بينما بولس الرسول هو الشخصية الأساسية في باقي الأجزاء فهو الذي يتحرك ويقود الكرازة.
+ القديس لوقا كان فنانًا وكان طبيبًا، وهذا ظهر في أسلوبه في الكتابة الذي تميز بجمال العرض والدقة في نفس الوقت. فنجد أن ما حكاه في إنجيل لوقا وأعمال الرسل أقرب إلى الفيلم! فعندما تقرأ القصة تستطيع أن تتصورها بسهولة شديدة، لأن الفنان والأديب يستطيع أن يُنقل لك الأحداث ويُجسمها في عرضه.
+ فمثلًا عندما تقرأ في (أع 16) قصة سجنه هو وسيلا ووصفه بأنهما: "كانا يُسبحان، ثم حدث زلزال، والسجان أراد أن ينتحر، وبولس ناداه،... إلخ" تشعر أنك أمام فيلم action جميل جدًا. فلابد لمن يقرأ القصة أن يتأثر بها لأنه عرضها بطريقة بسيطة جدًا وفنية.
+ قلنا أن القديس لوقا كتب كتابين: الأول: إنجيل لوقا، والثاني: أعمال الرسل. والقديس لوقا بدأ سفر الأعمال بقوله: "اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ (صعد) فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ " (أع 1: 1-2)
وعندما نعود لقراءة الآيات الأولى من إنجيل لوقا نجد أن القديس لوقا وجه كلامه لنفس الشخص الذي يدعى ثَاوُفِيلُسُ - سنعرف فيما بعد من هو ثَاوُفِيلُسُ - قائلًا:
"1 إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا،2 كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ،3 رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ،4 لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ" (لو 1: 1).
الشرح:
+ القديس لوقا عندما بدأ في كتابة إنجيله كانت قصة يسوع قد انتشرت، ويتكلم عنها الكثيرين، لذلك يقول لهذا الشخص الذي يُسمى " ثَاوُفِيلُسُ ": أنا تتبعت بتدقيق كل الأمور المتيقنة عندنا. إذًا اسلوب القديس لوقا يتميز بالدقة وقد تتبع كل شيء كمؤرخ، واتبع اسلوب المؤرخين في تسجيل الأحداث، حيث كان يذهب إلى مكان الحدث ويسأل الأشخاص المعاصرين له، ويسجل ما يسمعه من كل شخص، ويقارن الأقوال ببعضها لكي يتأكد من الكلام.
+ " كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ " هذه الآية تُبين أن القديس لوقا لم يكن ممن عاينوا حياة الرب يسوع على الأرض على عكس القديس بطرس مثلًا الذي كان معاصرًا لحياة الرب يسوع على الأرض.
فالقديس لوقا لم يكن من الأثنى عشر رسولًا. وهناك رأي يقول أنه كان أحد السبعين رسول ورأي آخر ينفي ذلك تمامًا ويقول أن القديس لوقا آمن على يد بولس الرسول ولم يُعاصر السيد المسيح (مثل القديس بولس الرسول).
+ الخلاصة:
القديس لوقا كان يُسجل الأحداث، ولم يكن معاصرًا للأحداث، عرضه يتميز بالتدقيق.
+ " رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ". كما قلنا القديس لوقا هنا يوجه رسالته لشخص يُدعى "ثَاوُفِيلُسُ"، هذا الشخص وصل إليه الكلام عن المسيح، والقديس لوقا يقول له أنه سيروي له الحكاية الصحيحة كما حدثت.
بعد هذه المقدمة نبدأ في قراءة سفر أعمال الرسل:
1
اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا
ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ،
2
إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ
الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ.
(أع
1:
1-2).
+ " اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ " يقصد الكتاب الأول أي إنجيل لوقا (الذي يتكون من 22 أصحاح).
+ "أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ" من هو " ثَاوُفِيلُسُ Theophilus"؟
كلمة " ثَاوُفِيلُسُ Theophilus" أو Θεόφιλος كلمة يونانية الأصل تعني "محب الإله". تتكون من مقطعين:
المقطع الأول: "ثيئوُ" من الكلمة اليونانية θεός ومعناها الله
المقطع الثاني: "فيلو" φιλία أي محب (مثل philosophy أي محب الحكمة)
والكلمة كلها " ثَاوُفِيلُسُ " تعني "محب الله" أو "محب الإله".
+ وكلمة "ثَاوُفِيلُسُ" لقب، لذلك أحيانًا تُستخدم ككلمة رمزية لمن يُحب الله. فيمكننا أن نطلق عليكم كلكم لفظ "ثَاوُفِيلُسُ" لأنكم تحبون الله.
لذلك بعض المفسرين يقولون أن " ثَاوُفِيلُسُ " قد يكون شخص حركي. أي أن القديس لوقا يقول أنه يريد أن يحكي حكاية الرب يسوع بالتدقيق لكل من هو " ثَاوُفِيلُسُ " أو كل من يحب الرب يسوع.
+ والبعض الآخر يعترض على هذا الرأي ويقولون أن " ثَاوُفِيلُسُ " شخص حقيقي له وجود وكان في الأغلب يعيش في مصر وكلمة "العزيز" لقب من ألقاب الجندية (مثل العقيد أو العميد ... إلخ) لذلك يعتقد أنه كان ذو رتبة في الجندية.
+ والبعض يقول في روايات دقيقة من بعض المخطوطات أن لوقا كان عبدًا عند هذا الرجل، وهذا الرجل أعطاه حرية فأصبح لوقا يشعر أنه مديون لهذا الرجل فأراد أن يبشره بالمسيحية عندما قبل الإيمان.
+ " عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ،" هنا يوضح أن الكتاب الأول (إنجيل لوقا) كان يختص بجميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به. "إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ (صعد) فِيهِ"، فالقديس لوقا أنهى إنجيله بوصف مشهد ارتفاع السيد المسيح عن التلاميذ الذين سجدوا وظلوا ناظرين إليه، ثم رجعوا فرحين إلى أورشليم.
+ ونلاحظ هنا أن أول آيتين من "سفر أعمال الرسل" عبارة عن ملخص لإنجيل لوقا أو الكتاب الأول الذي تكلم فيه القديس لوقا عن حياة يسوع منذ ميلاده وحتى صعوده. ومن هذا الحدث (حدث الصعود) سيبدأ كتابه الثاني الذي هو "سفر أعمال الرسل"، ثم يسترسل في سرد أحداث تاريخ الكنيسة في عهد الرسل الأطهار.
وبهاتين الآيتين أراد سفر أعمال الرسل.
+ "بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ... أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ " كان التلاميذ ممتلئين حماسًا، يريدون الانطلاق للتبشير في كل مكان حيث سبق أن قال لهم الرب يسوع: "اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ " (مت 28: 20)، لكن الرب يسوع أوصاهم قبل صعوده ألا يبرحوا أورشليم قبل أنا ينالوا قوة الروح القدس، وقد ورد ذكر هذا في آخر إنجيل لوقا ونص الآية: " فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي " (إنجيل لوقا 24: 49).
أيضًا في سفر الأعمال قال لهم: "سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ " (أع 1: 8).
فبناءًا على هذه الوصية الأخيرة اضطر التلاميذ ألا يتحركوا أو يبشروا أو يبدأوا الخدمة أو الكنيسة إلى أن حل الروح القدس.
3 اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا،
وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ
+ آخر أحداث في إنجيل لوقا كانت قيامة ربنا يسوع المسيح وظهوره لتلاميذه بعد القيامة، وهذه الأحداث هامة لأن أهم خبر سيقوله التلاميذ في الكنيسة الأولى هو أن: "المسيح قام". لماذا؟ لأن هذا هو الحدث الجديد الذي لم يكن معلومًا لدى اليهود. فأحداث يسوع الناصري كانت أحداث منتشرة ومشهورة، لأن السيد المسيح لم يكن شخصية مغمورة، بل كان يتبعه الآلاف، وأغلب الناس يعرفون أن اليهود حسدوه وسلموه للرومان وصلبوه؛ والصلب كان على جبل أمام الآلاف، هذه المعلومات وصلت للكل. وهذا جعل حتى الذين ساروا خلف المسيح أصيبوا بالشك أو الإحباط أو تأكدوا أنه ليس إله أو نبي أو أي شيء.
ولكن الجديد في الموضوع، والكلام المؤثر جدًا الذي سيقوله التلاميذ، والخبر الأساسي الذي سيعلم به التلاميذ في الكرازة هو أن: "المسيح قام". فهذه هي الفكرة الأساسية في الكرازة أو البشارة في اليهودية بالذات - قد يكون الأمر مختلف عند الكرازة للأمم، لأن الأممي يحتاج أن يعرف من هو يسوع أساسًأ - ولكي يشهد الرسل للقيامة لا بد أن يروا بأعينهم المسيح قام من الموت، ويروه عدة مرات لذلك يقول هنا: "أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ"، أي أن هناك إثباتات أو براهين كثيرة تؤكد أن المسيح حي (مات وقام من الأموات).
+ " بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا" ظل السيد المسيح يظهر لتلاميذه 40 يومًا حتى لا يدعهم يتشككون ولو للحظة في قيامته.
+ "وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ" لحكمة ما لم يذكر لنا الكتاب المقدس الكلام الذي قاله المسيح لتلاميذه خلال الـ40 يوم قبل صعوده بالتفصيل! لكن تصوروا عشرات من الساعات الرب يسوع جالس مع التلاميذ يتكلم معهم عن الملكوت! وكلمة "الملكوت" يُقصد بها: الكنيسة وترتيبتها على الأرض؛ والكنيسة وجمال مجدها في السماء.
قد يكونوا سألوه: أين سنكرز؟ وكيف؟ وقد يكونوا سألوه عن السماء ومجدها وجمالها... إلخ.، من المؤكد أن السيد المسيح تكلم معهم في كل التفاصيل قبل أن يصعد. لكن كل الذي ذكره الكتاب عن هذه الفترة أنه كان: "َيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ".
+ بالرغم من أن الرب يسوع تكلم مع تلاميذه عن أشياء كثيرة جدًا قبل الصلب، ولكن الكثير منها لم يكن واضحًا لهم! ولكن بعد قيامته، استطاعوا أن يفهموا أكثر، وأصبحت الأمور واضحة بالنسبة لهم أكثر، وأصبحت رسالتهم واضحة؛ يعرفون تمامًا ما الذي سيفعلونه، وما الذي سيبشرون به، وما هي الأشياء التي ستواجههم أثناء الكرازة. بالتأكيد تكلم الرب يسوع معهم في كل هذا قبل أن يصعد.
"4 وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي،"
+ "مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي" في هذه العبارة القديس لوقا حول الكلام ليصبح على لسان السيد المسيح (استخدم اسلوب المخاطبة)، فكلمة " مِنِّي " عائدة على المسيح. وهذه الطريقة من الأساليب الأدبية، فبعد أن كان القديس لوقا يتكلم بـ"إسلوب الغائب"، أراد أن يُدخلنا في القصة وأراد أن يشعرنا أننا جالسين أمام الرب يسوع، فتكلم على لسان الرب يسوع بـ"إسلوب المخاطبة".
+ "وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي،" الوعد بأن ننال الروح القدس وعد من الآب للكنيسة من قديم الزمن جاء في سفر يوئيل: "وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، ..." (سفر يوئيل 2: 28، 29)، أي الله الآب وعدنا قائلًا: "بعد الفداء وبعد أن تُرفع عنكم خطاياكم وتصيرون أبرار وأنقياء من الخطية، ستنالون أغلى ما عندي! ما هو أغلى ما عندك أيها الآب السماوي؟! يقول: روحي أنا، ستنالون الروح القدس!
وهذا الوعد ذكرنا به سفر أعمال الرسل في الأصحاح الثاني: "بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ." (سفر أعمال الرسل 2: 16-18)
+ " أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ" هذا لم يحدث أبدًا في العهد القديم. ففي العهد القديم كان الروح القدس يحل على شخص واحد لكي يتنبأ وإذا لم يلتزم يفارقه روح الله. ولكن في هذه الآية عطية للكنيسة كلها أن كل من سيسير خلف الله، سيسكن فيه روح الله. وهذا يُسمى موعد الآب، وكثيرًا ما تكلم السيد المسيح مع تلاميذه عن "موعد الآب"، فكانوا متشوقين له جدًا.
+ من يقرأ إنجيل يوحنا سيجد أن ربنا يسوع المسيح كثيرًا ما تكلم عن الروح القدس. فكان يقول لهم: لماذا أنتم حزانى؟! " وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ " (إنجيل يوحنا 14: 26). " وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. " (إنجيل يوحنا 14: 16-18).
"5 لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ"
+ هنا القديس لوقا يُراجع معنا القصة من أولها لآخرها. "لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ" ورد أن القديس يوحنا المعمدان كان يُعمد بالماء في بداية إنجيل لوقا، فقبل أن يبدأ السيد المسيح خدمته، كان يوحنا المعمدان يعظ عظات قوية فيتحرك قلب الناس للتوبة وكان يوحنا يغطسهم في الماء كإعلان لتوبتهم. لم يكن في هذا العماد أو الغطاس قوة الروح القدس ولكن كان نوع من الإعلان، حيث كل تائب يُعلن توبته عن الخطيئة بالمعمودية على يد يوحنا.
+ وعندما رأى اليهود يوحنا يُعمد التائبين أرسلوا ليسألوه: "هل أنت المسيح؟" فقال لهم: " إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ... أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ.27 هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ " (إنجيل يوحنا 1: 27). فيوحنا اعترف أنه يُعمد بماء فقط وليس لديه قوة التغيير أو سر المعمودية، مجرد مساعدة للناس أن تتوب فبهذه المعمودية يشعرون أنهم غسلوا الماضي ليعيشوا بعيدًا عن الخطيئة باقي حياتها".
+ وَلكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ " (إنجيل لوقا 3: 16) أي من سيعطيكم قوة لتكونوا قديسين ليس أنا بل يسوع المسيح. لذلك قال السيد المسيح لتلاميذه: " لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ".
+ "لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ" أي لن تنتظروا كثيرًا، فالروح القدس سيأتي سريعًا. وفعلًا بعد 10 أيام من صعوده حلَّ الروح القدس على التلاميذ.
"6 أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟»"
الشرح:
+ الفكر اليهودي يؤمن أن المسيح ملك، ولذلك اليهود استقبلوا الرب يسوع بفرح كملك يوم أحد الزعف ولكنه خذلهم ولم يرض بالمُلك الأرضي، وبعدها بأيام صُلب وسخروا منه ووضعوا على صليبه عبارة "هذا هو ملك اليهود" فشعر التلاميذ بالخزي لأن ملكهم مصلوب ومُعلق على خشبه! ولكن عندما قام من الأموات تأكدوا من أنه ملك جبار لا يغلبه حتى الموت.
والرب يسوع كان دائمًا يحاول أن يحرر تلاميذه من الفكر اليهودي ومن فكرة الملك الأرضي، وعندما حوكم سأله بيلاطس: "أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" فرد عليه يسوع قائلًا: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ..." (إنجيل يوحنا 18: 36)!
وبالرغم من هذا ظل الفكر اليهودي الأرضي الغير سليم يشغل فكر التلاميذ لذلك عندما أخبرهم الرب يسوع بقرب حلول الروح القدس ذهب تفكيرهم إلى أن الروح القدس سيجعلهم أقوياء فيطردون الرومان ويرجع الملك لإسرائيل! وتعود مملكة اليهود إلى مجدها السابق في عهد داود (نجمة داود) ويطردون جميع من سبوهم وعذبوهم! لذلك سألوه " يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟". أي "متى إذن ستملك وتجعل شعب اليهود المُحتل من الرومان يملك؟!" وحتى اليوم يَحلم اليهود بمملكة اليهود!
"7 فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ،"
+ السيد المسيح في هذه الآية لا يتكلم عن الزمن أو الوقت الذي سيعود فيه الملك لإسرائيل بالمعنى الجسدي الذي كان يعنيه التلاميذ، ولكنه كان يتكلم عن زمن ووقت رجوع إسرائيل إلى ربنا بالتوبة. لأن بعد ذلك عرفنا من ربنا يسوع ومن كلام القديسين أن في آخر الأيام وقبل مجيء السيد المسيح الثاني سيعود كل اليهود المتبقين للمسيح وسيخضعون له وسيخلصون. ولكن متى سيحدث هذا؟ لا أحد يعلم!ّ! ليس لنا أن نعرف الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه.
"8 لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ،
وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»".
+ الأهم من أن تعرفوا موعد المجيء الثاني، أن تعلموا أن روح الله سيسكن فيكم وأن هناك مأمورية تنتظركم وهي: " وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ".
+ (تَكُونُونَ لِي شُهُودًا 1- فِي أُورُشَلِيمَ 2- وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ. 3- وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ)، هذه الكلمات الثلاثة هي سفر أعمال الرسل! في أورشليم سنجد عنها في سفر الأعمال حوالي 6 أو 7 أصحاحات، وفي اليهودية والسامرة حوالي 2 أو 3 أصحاحات، وإلى أقصى الأرض حوالي 10 أصحاحات، وتنتهي بسجن بولس الرسول.
+ إذن هذه النبوة أو الوصية التي يقولها السيد المسيح لتلاميذه، هي التي سيأتي تفصيلها في الـ 28 أصحاح التي تضمنها سفر أعمال الرسل.
"9 وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ "
+ "وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ" إذا هذا الكلام كان آخر كلام للمسيح مع تلاميذه قبل أن يصعد.
+ "وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ" أي ارتفع عن أعينهم، ظل يرتفع إلى أن تخطى السحاب وغاب عن أعينهم.
"10 وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ،"
+ "وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ" طبعًا التلاميذ كانوا يحبون السيد المسيح جدًا لذلك أثناء صعوده كانت عيونهم متشبسه به ولا يستطيعون أن يحولوها عنه.
+ "إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ" كلمة "ملاك" يفهمها اليهودي المتدين جيدًا، لكن لا يفهمها اليوناني أو الوثني. اليونانيين (الوثنيين) كانوا يعتقدون بوجود كائنات تأخذ شكل الرجال لكنهم ليسوا رجالًا عاديين. والقديس لوقا لأنه كان يكتب كتابه لليونانيين استخدم دائمًا كلمة "رجل" للتعبير عن كلمة "ملاك" في كل من إنجيل لوقا وأعمال الرسل، وكان يستخدم بعدها كلمة "ملاك" لكي يفهم القاريء أن هذا هو المقصود بكلمة "رجل". على اعتبار أن الملاك من الممكن أن يظهر في شكل مجسم على شكل إنسان.
11 وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟
إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ».
+ أين تقع الجليل؟
"فلسطين" شكلها على الخريطة مثل مستطيل وفي آخره مثلث، "الجليل" هي المنطقة الشمالية من "فلسطين" وهي منطقة يسكنها الفقراء الفلاحين، وهي التي عاش فيها يسوع والتي خرج منها تلاميذه. لذلك لم يكن اليهود يحترمون التلاميذ لأنهم من الجليل منطقة الفلاحين الفقراء!
وفي المنتصف تقع السامرة وكان يسكنها كل اليهود المنحرفين بالنسبة لليهودي العادي!
وفي الأسفل المنطقة المتقدمة المتحضرة التي تُسمى اليهودية وعاصمتها أورشليم (القدس).
+ فكان يسوع جليلي، والتلاميذ جليليين، وكان هذا لقبهم "الجليليين"، و"الجليل" بها قرية فقيرة سيئة السمعة تُسمى "الناصرة"، وكان الرب يسوع من الناصرة، وكان لدى اليهود القول المعروف: "أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟" (إنجيل يوحنا 1: 46)، ولذلك كان يُسمى "يسوع الناصري"، ونحن نُسمى "نصارى" نسبة إلى "الناصرة" القرية الفقيرة سيئة السمعة..
+ فلم يكن أحد يحترم "الجليليين"، لكن أصبح هذا اللقب يفتخر به التلاميذ، لأن هؤلاء الصيادين والفلاحين الغلابة "الجليليين" هم الذين بهروا العالم كله! هم الذين غزوا العالم كله بفكرهم والعالم كله أصبح مسيحي على أيدي الرسل الإثني عشر.
+ فعندما صعد الرب يسوع، وجد الملاكين هؤلاء الرجال "الجليليين" مُثبتين نظرهم على السماء لأنهم غير قادرين أن يتركوا المسيح فقالا لهم: "مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ"، وهم بذلك يذكرونهم بوعد الرب يسوع لهم أنه سيأتي مرة أخرى، فلماذا القلق؟ هذا المنظر الذي ترونه سترونه مرة أخرى: "يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ".
+ لذلك نحن دائمًا عندما نحتفل بعيد الصعود نتذكر وعد الرب يسوع: "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا،3 وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" (إنجيل يوحنا 14: 2، 3). فهذه هي المأمورية الوحيدة المتبقية على الرب يسوع، والتي استغرقت أكثر من 2000 سنة حتى الآن! ولكن كما يقول الآباء كل شيء جاهز في السماء ومستعد لاستقبال الغالبين، لكن نحن لم نستعد بعد للملكوت! نحن لم نُجهِّز أنفسنا بعد للسماء! فالرب يسوع يؤجل مجيئه حتى نجهز للسماء. لكنه أعطانا وعد بأنه: "يأتي ويأخذنا".
+ هذا المنظر الذي رآه التلاميذ والمسيح صاعد إلى السماء، منظر رائع لأن المسيح مُمجد! المسيح الذي رأوه مصلوب ومُهان وكانوا هم ناظرين في الأرض، الآن ينظرونه وصدورهم منشرحه، ورؤوسهم مرفوعة، فالمسيح صاعد إلى السماء، ملك جبار لا يقوى عليه كل ملوك الأرض، ولا الشياطين، ولا الموت، لا يقوى عليه شيء! فكانوا يشعرون بالفخر، هذا هو ملكهم، هذا هو رئيسهم قد صعد إلى السماء وسيأتي أيضًا ليأخذهم!
+ بالطبع كان التلاميذ غير قادرين أن يحولوا أعينهم عن هذا المنظر فظلوا مثبتين أعينهم على السماء، وكأن كل واحد ناظر إلى السماء ينتظر المسيح أن يأتي من السماء. ولذلك في الخلوة ننظر للسماء لأننا ننتظر أن تنشق هذه السماء ويأتي منها المسيح. فهذا وعد. فكما انشقت السماء منذ 2000 سنة وقبلت المسيح، ستنشق مرة أخرى ليأتي منها المسيح. "هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ" (رؤ 1: 7).
كل الأجيال التي مرَّت على البشرية لا بد أن تحضر لحظة مجيء الرب يسوع الثاني حتى من طعنوه وصلبوه، لأن هذه هي الحفلة الأخيرة. المسيح يملك إلى الأبد.
12 حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ،
الَّذِي
هُوَ بِالْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ.
+ إذًا الصعود تم في "جبل الزيتون" الذي يقع بالقرب من أورشليم على سفر سبت.
+ وهذه الآية من الآيات التي تُظهِر دقة القديس لوقا في عرضه للأمور، فأسلوب القديس لوقا يتميز بأنه عندما يأتي ذكر أي "مكان"، لا يكتفي بذكر اسم المكان ولكن لا بد أن يُحدد مكانه بدقة.
+ معنى كلمة "سَفَرِ سَبْتٍ"؟
كلمة "سفر سبت" كلمة معروفة عند اليهود وتعني المسافة المسموح أن يتحركها اليهودي يوم السبت. فالمعلمين اليهود (الرابايز، الربيين) وضعوا نوع من التقليد أن اليهودي مسموح له أن يتحرك يوم السبت مسافة معينة لا تزيد عن (حوالي 1 كم).
+ معنى هذا أن جبل الزيتون قريب جدًا من أورشليم. وكثيرًا ما كان يسوع يأخذ تلاميذه لجبل الزيتون ويعظهم. ولكن في هذه المرة أخذهم وصعد أمام أعينهم عند جبل الزيتون.
13 وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا أَخُو يَعْقُوبَ.
+ علية بيت مارمرقس وأمه مريم:
عندما دخل التلاميذ أورشليم، اتجهوا إلى "بيت مارمرقس وأمه مريم" وهذا البيت يُعتبر أول كنيسة لأنه البيت الذي أقام فيه الرب يسوع "العشاء الرباني" يوم خميس العهد، وهو أيضًا البيت الذي كان يجتمع فيه الرب يسوع وتلاميذه.
كان بيت مارمرقس يتكون من دورين، وكان التلاميذ يُقيمون في الدور الثاني "العلية". كانت كل البيوت في أورشليم تُشبه العشش التي نراها في العشوائيات، بينما الأغنياء فقط هم الذين تتكون بيوتهم من دورين، والدور الثاني يُسمى "علية"..
+ وذكر لنا القديس لوقا في هذه الآية أسماء الرسل الذين أقاموا في علية بيت مارمرقس بعد صعود الرب يسوع وهم: بُطْرُسُ - وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا - وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ - وَتُومَا - وَبَرْثُولَمَاوُسُ - وَمَتَّى - وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى - وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ - وَيَهُوذَا أَخُو يَعْقُوبَ (11 رسول).
+ وقد سبق أن ذكر القديس لوقا أسماء التلاميذ الأثنى عشر في إنجيل لوقا (إنجيل لوقا 6: 13-16) وكان معهم يهوذا الإسخريوطي.
+ يلاحظ أن هناك 2 يُدعون بإسم "يعقوب"
1- يعقوب أخو يوحنا.
2- يعقوب ابن حلفى.
+ أيضًا كان من ضمن تلاميذ السيد المسيح 2 يهوذا ولكن كما نعلم جميعًا أن أحدهم يهوذا الإسخريوطي الذي شنق نفسه بعد أن أسلم المسيح. فلم يتبق إلا يهوذا واحد. لذلك عدد التلاميذ المذكور في أعمال الرسل الأصحاح الأول 11 تلميذ فقط (قبل اختيار "متياس" الرسول الذي أخذ مكان يهوذا الإسخريوطي).
14
هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى
الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ،
وَمَعَ إِخْوَتِهِ.
+ إذًا الكنيسة من أول يوم لم تكن كنيسة رجال فقط! كان فيها النساء أيضًا وأمنا العذراء "مريم أم يسوع" وبعض المريمات. ولم يحل الروح القدس على الكنيسة إلا بعد أن أصبحت في كامل طاقتها بعد اختيار "متياس" الرسول الذي ذُكر في آخر الأصحاح الأول.
+ أول أسرار مفاتيح قوة الكنيسة الأولى مواظبتهم على الصلاة بنفس واحدة
قلنا أن الذي سيشغلنا طوال الوقت عند قراءة سفر أعمال الرسل سؤال هام هو:
ما هو سر قوة الكنيسة في عهد الآباء الرسل؟ بالرغم من أنهم كانوا بسطاء، وأقل منا في الإمكانيات وفي التعليم وفي الثقافة، وفي كل شيء! لكنهم كانوا يتفوقوا علينا في بعض الأشياء جدًا، من ضمن هذه الأشياء أنهم: "كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ"
التلاميذ رأوا الرب يسوع يُصلي طوال الليل، وكثيرًا ما كلمهم عن الصلاة، وعلمهم كيف يصلون. وصلى كثيرًا معهم. وفي جثسيماني سهر ليصلي بينما نام التلاميذ فعاتبهم الرب يسوع قائلًا: " 40 أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟41 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ..." (إنجيل مت 26: 40، 41). لذلك أحب التلاميذ الصلاة، وتدربوا عليها واعتادوها، فعندما ارتفع عنهم السيد المسيح أصبح عملهم الوحيد وهم ينتظرون الروح القدس هو الصلاة.
+ فأول مفتاح من مفاتيح قوة كنيسة آبائنا الرسل هو ما جاء عنهم في هذه الآية من أنهم: "كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ "، ولاحظوا هنا كلمة "يُواظِبُونَ". هذه الكلمة ستتكرر كثيرًا في سفر الأعمال. فالشخص الذي يواظب على الصلاة يمتلك قوة الكنيسة الأولى.
+ قوة الكنيسة الأولى قد تكون موجودة في كل جيل:
قصة عن قداسة البابا شنودة وأبونا بيشوي كامل: في الستينات، عندما تم رسامة أبونا بيشوي كامل ككاهن في الأسكندرية، جلس فترة مع "أبونا أنطونيوس البراموسي" ( قداسة البابا شنودة) في الدير - كان وقتها البابا شنودة لا يزال راهب – ليأخذ منه بعض الإرشادات. وبعدها بعدة سنوات أصبح سيدنا البابا شنودة أسقفًا للتعليم. فدعاه أبونا بيشوي كامل ليتكلم في كنيسته، ووقتها قال لأولاده على قداسة البابا: "لقد دعوت لكم شخصًا من الكنيسة الأولى (كنيسة الآباء الرسل) ليكلمكم"، وكان يقصد أن به روح الكنيسة الأولى.
وهذا معناه أن الكنيسة الأولى من الممكن أن تكون موجودة وحية في كل جيل إذا سلكنا كما كان يسلك آبائنا الرسل (إذا نجحنا في تقليدهم). ومن ضمن سلوك آبائنا الرسل أنهم كانوا "يواظبون على الصلاة بنفس واحدة". فالصلاة عمل يستحق المواظبة والالتزام، وكلمة " بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ " أي كل الكنيسة تُصلي بروح واحدة.
15
وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسْطِ التَّلاَمِيذِ، وَكَانَ
عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعًا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ:
+ "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ" أي أثناء الفترة بين صعود الرب يسوع وحلول الروح القدس (10 أيام).
+ "قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسْطِ التَّلاَمِيذِ" كما نعرف شخصية القديس بطرس الرسول تتسم بالقيادية والإندفاع بعض الشيء. وكان أكثر التلاميذ مبادرة في الكلام.
+ "وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعًا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ" كان عدد المجتمعين 120 شخص، وهؤلاء الأشخاص هم الذين تمسكوا بتبعية السيد المسيح حتى ذلك الوقت، وهم الذين بدأت بهم الكنيسة، وبالتأكيد أولهم السيدة العذراء مريم، وكذلك التلاميذ، والسبعين رسول، والباقي ممن أحبوا المسيح وظلوا متمسكين بتعاليمه وتابعين له.
+ وقف بطرس في وسط المائة وعشرين شخص، في فترة إنتظار الروح القدس وقال لهم:
16 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ،
17 إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ..
الشرح
+ التلاميذ كان عددهم 12 لآخر لحظة قبل تسليم السيد المسيح للصلب: 12 خدموا، 12 قاموا بعمل معجزات، 12 جابوا القرى وبشروا بالسيد المسيح، 12 عاشروا المسيح،... وفي الوقت الأخير عندما كان يأكل معهم الفصح قال لهم الرب يسوع "إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي". فانزعج التلاميذ وكان كل منهم يسأله: "هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟". إلى أن سأله يهوذا فقال له الرب يسوع: "أَنْتَ قُلْتَ". ولكن التلاميذ لم يلتفتوا لهذا لأنهم كانوا لا يشكون في يهوذا. بعدها وشى يهوذا بالسيد المسيح وباعه بثلاثين من الفضة، ولكنه ندم عندما علم أن الرب يسوع "قَدْ دِينَ" فعاد ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة ولكنهم بالطبع لم يستجيبوا له لأنهم نالوا ما أرادوا.
+ كان يهوذا منهارًا نفسيًا ويائس وشاعر بجرمه، ولكن بدون رجاء! فألقى الثلاثين من الفضة لرؤساء الكهنة في الهيكل ثم انصرف ومضى وشنق نفسه! وكان هذا ليلة صليب المسيح.
لذلك نحن نندب يهوذا في ليلة خميس العهد، ونقول بالنغمة الحزايني: "يهوذا، يهوذا، يهوذا، يهوذا، يا مخالف الناموس، بالفضة بعت سيدك المسيح لليهود مخالفى الناموس...." ، ما هذا الذي فعلته؟! نبكيه لأنه أضاع كل شيء، حتى التوبة! حتى فرصة رجوعه إلى الله وقبول الله له أضاعها عندما انتحر!
+ كل هذه الأحداث كانت قاسية نفسيًا جدًا على التلاميذ، لأن يهوذا كان واحد منهم وعاش معهم! كما أنهم جُرحوا نفسيًا أن أحدهم يخون المسيح بمثل هذه الطريقة! فكان الحدث كبيرًا جدًا عليهم!
+ ففي هذه الآيات بطرس بالروح ربنا أرشده أن هذا الذي حدث لم يكن جديدًا بل تنبأ به الأنبياء منذ آلاف السنين لذلك قال: 16 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ،..." فمنذ 1000 سنة قبل ميلاد السيد المسيح قال داود: الذي يأكل خبزي يرفع عليَّ عقبه، ونص الآية "أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!" (سفر المزامير 41: 9). أي أنا وضعت ثقتي فيه، وكان بيني وبينه سلام، وكسر معي اللقمة، ثم داس عليَّ بخيانته! نبوة دقيقة جدًا عن الذي فعله يهوذا في هذه الليلة!
+ "عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ 17 إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ" لأن يهوذا هو الذي سار دليلًا أمام العساكر، وقال لهم: "الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ" (إنجيل متى 26: 48)، (إنجيل مرقس 14: 44). فقد تم القبض على يسوع في الليل، ونظرًا لأن كل الرجال كانوا يرتدون جلاليب، وجميعهم متشابهين في الشعر والذقن، والعساكر لا يعرفون يسوع شخصيًا، فكان يهوذا مرشدًا للعساكر حتى يتم القبض على يسوع دون أدنى احتمال للقبض على آخر غيره على سبيل الخطأ لذلك قال بطرس عن يهوذا: "َصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ ".
18 فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلًا مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا.
19 وَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ.
+ هنا يحكي لنا القديس بطرس أن يهوذا علق نفسه في شجرة وشنق نفسه في الحقل، وظلت جثة يهوذا مُعلقة على الشجرة التي شنق عليها نفسه حتى تعفنت وانسكبت أحشاءه! وأصبح هذا المكان مكروهًا من كل الناس.
+ عندما علم اليهود بما فعله يهوذا أرادوا أن يتخلصوا من الثلاثين من الفضة التي ألقاها لهم يهوذا بحجة أنها "أموال دم" فاشتروا هذا الحقل واطلقوا عليه اسم "حقل دم".
+ هذا السيناريو الذي فعله اليهود بعقلهم، تنبأ به ذكريا قبلها بمئات السنين! قال: "...فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ.13 فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ، الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ». فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ" (سفر زكريا 11: 12، 13). أي تنبأ بأن اليهود سيأخذون الثلاثين من الفضة (ثمن المُثمن الذين ثمنوه به) واشتروا بها "حقل الفخاري" "حقل الدم"! أي أن قبلها بمئات السنين قال ما سيحدث بالضبط، إشارة إلى أن هذه هي نهاية الأشرار، ونهاية من ينكر المسيح!
+ "«حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ" العبري والعربي متقاربين في بعض الكلمات: مثل "بيت عنيا" هي "بيت العناء" عنيا والعناء متقاربين، " حَقَلْ دَمَا" أي حقل دم، فأصبح هذا الحقل يُدعى "حقل الدم.
20 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ. وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ.
+ هنا يستشهد القديس بطرس بكلام داود في سفر المزامير أيضًا.
+ النبوة الأولى كانت "أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!" (سفر المزامير 41: 9) وهذه عرفها التلاميذ وفهموها وطبقوها على ما فعله يهوذا.
+ فقال لهم بطرس الرسول: لكن هناك نبوءة أخرى تقول: "وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ" (سفر المزامير 109: 8). ويقصد القديس بطرس أنه ما دامت النبوة قد قالت هذا، فعليهم اختيار شخص آخر ليكتمل عددهم 12 تلميذ، لأنه لا بد أن يأخذ وظيفته آخر.
21 فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ،
22 مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ (صعد) فِيهِ عَنَّا،يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ».
شروط اختيار الرسول:
+ نلاحظ هنا أن هناك شرط هام عند اختيار الرسول. لا بد أن يكون قد حضر بنفسه القصة كلها (قصة حياة يسوع على الأرض منذ أن بدأ الخدمة) من أولها إلى آخرها. لأنه سيشهد بما رآه وسمعه وعاشه مع الرب يسوع.
+ لذلك نجد يوحنا الحبيب في سنة 100م ميلادي وكان عمره 90 سنة يكتب رسالته قائلًا عن الرب يسوع: "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ" (1 يوحنا 1: 1).
+ فالشهود لا بد أن يظل عددهم (12)، لا بد أن يكونوا قد عاشوا مع السيد المسيح طوال فترة خدمته على الأرض (ثلاث سنين ونصف) والتي بدأت بمعمودية يوحنا حتى صعود.
+ "كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ". تعبير "دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ" تعبير جميل ويقصد به الزمن الذي بدأ بدخول الرب يسوع عالمنا وحتى خرج من عالمنا إلى السماء. هذه الفترة أجمل فترة عاشتها البشرية وأجمل فترة في التاريخ كله. وهو تعبير خاص يدل على فكرة الميلاد والخروج أي الذهاب للسماء.
+ لذلك نحن نستخدم تعبير "الخارجه" عند موت أحد الأشخاص ونقصد به "الخروج من الدنيا إلى السماء"، لأنه ليس هناك "موت" لأولاد الله.
أيضًا يقول المزمور: "الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ" (سفر المزامير 121: 8).
+ " فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا....يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ" نلاحظ أن كلمة "الشهادة" أساسًا تعني الشهادة بالقيامة، فأهم موضوع سيشهد عنه الرسل هو "المسيح قام".
23 فَأَقَامُوا اثْنَيْنِ: يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا الْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ.
+ اقتنع الحاضرين برأي بطرس الرسول بضرورة إكمال عدد التلاميذ ليصبح 12 كما كانوا فترة وجود المسيح على الأرض، فاختاروا 2 ينطبق عليهم الشرط:
1- يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا الْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ
2- مَتِّيَاسَ
ويلاحظ وجود اسمين لشخص واحد لأن اليهود عادة كانوا يطلقون أكثر من اسم على الشخص: اسم يهودي وآخر يوناني. مثل شاول (الإسم اليهودي) وبولس (الإسم اليوناني).
24 وَصَلَّوْا قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هذَيْنِ الاثْنَيْنِ أَيًّا اخْتَرْتَهُ،
25 لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هذِهِ الْخِدْمَةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ».
+ "وَصَلَّوْا قَائِلِينَ" نلاحظ أن التلاميذ كانوا يهتمون جدًا باشراك الله في الاختيار بالصلاة، فبعد أن اختاروا اثنين ينطبق عليهم الشروط (اثنين ساروا مع المسيح من أول يوم، وحفظوا تعاليم الرب يسوع، وأتقياء، ويصلحوا لكي يكونوا شهودًا للرب يسوع....إلخ)، صلوا لكي يتدخل الله معهم في الاختيار.
+ "أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ" هذه الصلاة يقولها الكاهن عند فرش المذبح حيث يقول: "أيها الرب العارف قلب كل أحد، أنت تعلم أني غير مستحق ولا مستوجب ولا مستعد لأجل الخدمة". فيسطس ومتياس الإثنين في الظاهر يصلحون جدًا للخدمة ولكن لا أحد يعرف ما في القلوب إلا الله، ولا أحد يستطيع أن يحدد من منهم الأصلح إلا الله.
26 ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ رَسُولًا.
اللجوء للقرعة عند تعذر الاختيار:
+ نلاحظ هنا أن التلاميذ استخدموا القرعة في الاختيار، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فعندما تكون الإختيارات متساوية مائة في المائة من حيث تقديرهم البشري وهناك حيرة شديدة في الاختيار، يصًّلوا قبل أن يقوموا بإجراء القرعة.
+ وسوف نفاجأ عندما نتعمق أكثر في سفر الأعمال بعدم إجراء أي قرعة بعد حلول الروح القدس، لأن بعد حلول الروح القدس كان الروح القدس يكلم التلاميذ ويرشدهم إلى ما يجب عمله مثلما قال لهم: "أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ" (سفر أعمال الرسل 13: 2). وبالطبع كانت الكنيسة الأولى تخضع لإرشاد الروح القدس.
أيضًا في القديم رأينا صموئيل عندما ذهب لاختيار أحد أبناء يس كان يستمع لصوت الرب وصوت الرب هو الذي أرشده لاختيار داود. أي أن الله هو الذي اختار داود.
+ إذًا في بعض الأوقات الله يختار شخص بشكل واضح جدًا، وبعض الأوقات قد نلجأ للقرعة عندما تكون الإختيارات متساوية مائة في المائة ونحن غير قادرين على تحديد إرادة الله.
+ لذلك أحيانًا تُجْرَى قرعة عند اختيار آبائنا البطاركة. حيث يقوم الشعب بتذكية اسمين أو ثلاثة، ممن تنطبق عليهم الشروط، من حيث السيرة الحسنة، وحياة الرهبنة والقداسة، ومحبة الناس.... إلخ. فنلجأ للصلاة ثم إجراء القرعة لمعرفة إرادة الله.
+ إذًا التلاميذ صلوا ثم أجروا القرعة، فوقعت القرعة على متياس. وقد تكون هناك حكمة إلهية من اكتمال عدد التلاميذ 12 قبل حلول الروح القدس، لكي تتأسس الكنيسة على 12 عمود الذين هم الـ12 رسول كما أراد الرب يسوع منذ البدء.
← تفاسير أصحاحات سفر الأعمال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أعمال الرسل 2 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص داود لمعي |
مقدمة سفر أعمال الرسل |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-dawood-lamey/acts-of-the-apostles/chapter-01.html
تقصير الرابط:
tak.la/d8hhg6a