دخول السيد المسيح إلى أورشليم هو طريق للقيامة
كان الهدف من تجسد السيد المسيح وفدائه هو أن تكون لنا حياة أبدية وهذا ما تم بقيامة السيد المسيح من الأموات لنقوم نحن فيه.
والطريق لذلك يتم عبر موت الإنسان العتيق الذي فينا وقيامة إنسان جديد في المسيح وهذا يبدأ بالمعمودية، ونكمل بحياة التوبة التي هي قيامة أولى. وهذه لو تمت تكون لنا قيامة ثانية في مجيء السيد المسيح الثاني.
ولنرى الخط العام للأناجيل الأربعة وكيف شرحت هذا، ولنعلم أن الإنجيليين ليسوا مؤرخين لكنهم يقدمون بشارة الخلاص، والطريق للخلاص، كلٌ بطريقته.
ونرى أن الطريق للقيامة كان الصلب "مع المسيح صلبت لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20:2).
ونرى أن المسيح أتى ليطهرنا (تطهير الهيكل = تطهير القلب).
والطريق لسكنى حياة المسيح فيَّ هو التشبه بالمسيح في تواضعه. فالله يسكن عند المنسحق والمتواضع القلب (إش15:57). وهذا معنى نزول زكا عن الشجرة ليدخل المسيح بيته. والتواضع عكس طلب أم ابني زبدي. وطلب أم زبدي سبق تفتيح أعين العميان. ومن انفتحت عيناه لن يطلب عظمة أرضية، بل يقبل ملك المسيح على قلبه بفرح.
دخول المسيح أورشليم كملك هو دخول المسيح كملك لقلبي ليملك عليه، وهذا معنى "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو21:14، 23).
إنجيل متى |
إنجيل مرقس |
إنجيل لوقا |
|
|
|
أم ابنيّ زبدي تطلب عظمة أرضية لإبنيها |
|
|
|
|
|
المسيح يفتح أعين عميان |
||
|
|
|
|
|
نزول زكا ليدخل المسيح بيته |
|
|
|
|
|
مثل الأمناء = المسيح ملك يأتي ليدين |
|
|
|
المسيح يدخل أورشليم وديعًا متواضعًا راكبًا على جحش بدون عظمة أرضية، ومن انفتحت عيناه وعرف المسيح فرح به وسبحه |
||
|
|
|
تطهير الهيكل |
||
|
|
|
المسيح كديان يلعن شجرة التين |
|
|
|
|
|
الصلب والقيامة لنموت فيه ونحيا فيه |
الجدول السابق على شكل صورة للتوضيح:
ملحوظة: أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا تذكر الجحش الذي دخل المسيح أورشليم راكبًا إياه، بينما إنجيل متى يذكر أتان وجحش. وأناجيل مرقس ولوقا ويوحنا تذكر فتح أعين أعمى، ولكن متى يذكر فتح أعين أعميين.
والسبب أن مرقس ولوقا ويوحنا يكتبون للأمم (رمزهم جحش لم يركبه أحد من قبل. والأمم لم يملك الله عليهم من قبل). ولكن متى يكتب لليهود (الذين رمزهم الحمار وهذا قد ركبه الناس رمزًا لملك الله عليهم منذ زمن) والمسيح أتى للكل يهودًا وأمم، وكلاهما كان أعمى فتح المسيح بصرهم.
إنجيل يوحنا |
|
|||
|
|
|||
فتح أعين أعمى |
= (يو9) فعرف المسيح وآمن به بينما سبق هذا في يوحنا (7، 8) عناد اليهود وعدم قبولهم للمسيح فأعين قلوبهم مغلقة. |
|||
|
|
|||
من هو المسيح؟ من انفتحت عيناه سيعرف المسيح |
* ابن الله = "أنا والآب واحد" (يو30:10) * الذي تجسد ليكون الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو11:10) |
|||
|
|
|||
المسيح يعلن طريقة بذل نفسه وأنه سيموت ويقوم |
"لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18). ولاحظ أن إعلان المسيح هذا ذكره كل الإنجيليين أيضًا. قبل تفتيح أعين الأعمى (مت17:20-19) + (مر32:10-34) + (لو31:18-34). |
|||
|
|
|||
المسيح يقيم لعازر |
فلهذا هو تجسد، ليعطنا حياة حتى لو متنا بالجسد |
|||
|
|
|||
دخول المسيح إلى أورشليم |
ومن انفتحت عينيه وعرف ما عمله المسيح له يملكه على قلبه. |
|||
|
|
|||
الصلب والقيامة |
ومن ملَّك المسيح على قلبه تكون له قيامة أولى وثانية. |
الجدول السابق على شكل صورة للتوضيح:
1- أحد الرفاع: الصوم والصلاة والصدقة: هذا طريق السماء (فالقيامة هي هدف هذا الأسبوع: فالصوم صلب عن العالم، والصلاة هي صلة مع الله والصدقة هي فعل الخير للمحتاج، فالمحتاج هو أخ للرب، وبها نتقابل مع الرب فنحيا في السماء.
2- الأحد الأول: الكنز: من يفعل ما سبق لن يخسر بل يصنع له كنزًاُ في السماء.
3- الأحد الثاني: التجربة: لا بُد وأن نتعرض للتجارب، ولكنها طريق للامتلاء من الروح والنمو (لو14:4)
4- الأحد الثالث: الابن الضال: هو دعوة لكل إنسان مهما كانت حالته ليأتي بالتوبة والله مستعد لقبوله.
5- الأحد الرابع: السامرية: المسيح أتى ببشارة الخلاص لكل العالم، لليهود والسامريين والأمم. ومن يقبل يجد الماء الحي والشفاء.
6- الأحد الخامس: المخلع: يسأله الرب هل تريد أن تبرأ؟ فالتوبة هي عمل مشترك بين الله وبيني، الله يدعو وأنا حر إن كنت أستجيب أو لا أستجيب "توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي" (إر18:31). ونلاحظ في قراءات الأسبوع أنها تشير لما يحصل عليه التائب من شبع فالمسيح خبز الحياة، وأن يحيا في النور، وهذا لن يحصل على كل هذا، بل يحيا في جوع وفي ظلمة، ولاحظ قول السيد المسيح للفريسيين في قراءات يوم السبت من هذا الأسبوع "كم مرة أردت ولكنكم لم تريدوا ها بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت37:23) وما زال المسيح يسأل أنا أريد فهل تريد أن تبرأ.
7- الأحد السادس: المولود أعمى: المسيح يفتح عينيه بغسله في الماء إشارة للمعمودية التي تعطي استنارة، فيعرف المسيح ويؤمن به، وهذا هو "أحد التناصير" ولاحظ أن الأسابيع الماضية كان موضوعها هو التوبة، فمن يقدم توبة تنفتح عيناه ويعرف المسيح. ويقبله ملكًا على قلبه.
8- الأحد السابع: أحد الشعانين: المسيح يدخل لقلبي كملك يملك عليه، وأطيعه في محبة فيطهر قلبي كما طهر الهيكل. ومن لا يقبل يُدان (شجرة التين).
أحد القيامة: من قبل المسيح ملكًا وتطهر قلبه وصارت له قيامة أولى، ستكون له قيامة ثانية بجسد ممجد.
الجالس فوق الشاروبيم اليوم ظهر في أورشليم
راكبا على جحش بمجد عظيم وحوله طقوس ني أنجيلوس
لنرى مصادر هذا اللحن الشعانيني:
1. ركب على كروب وطار (مز18: 10).
2. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على.. جحش.. (زك9: 9).
ركب على كروب = الجالس فوق الشاروبيم = المسيح يجد راحته فيهم لأنهم يعرفونه.
وهذا معنى أنهم مملوئين أعينًا.. (حز 10: 12) + (رؤ 4: 6). ولذلك يسبحونه قائلين "قدوس قدوس قدوس" (رؤ4: 8).
وطار = نرى في الإصحاح الأول من نبوة حزقيال منظر المركبة الكاروبيمية التي يركبها الله ويطير بها للسماء، وقطعا فالله لا يحتاج لمركبة من الملائكة لتحمله إلى السماء، فهو ساكن في الأعالي بل لا يحده مكان، ولكن هذا التصوير يشير إلى أن من يرتاح الله فيه، فالله هو الذي يحمله إلى أعلى السموات.
واليوم عيد دخول المسيح إلى أورشليم، وأورشليم تشير لقلبي أنا، فكيف يدخل المسيح إلى قلوبنا؟
أن يرتاح المسيح فينا كما يرتاح في الشاروبيم = بأن نعرفه .. كيف؟
هذا عن طريق الأربعة الأناجيل ولذلك فرموزها هي وجوه الكاروبيم (رؤ4: 7).
* الإنسان= متى أكثر من تكلم عن المسيح ابن الإنسان.
* الأسد = مرقس قدم المسيح كملك قوي.
* الثور = لوقا قدم المسيح ذبيحة ليقبل الله الجميع.
* النسر = يوحنا قدم المسيح ابن الله السماوي.
لكن بدون عمل المسيح فلا قبول لنا.. ومرة ثانية نتقابل مع وجوه الكاروبيم.
* الإنسان = التجسد
* الثور= ذبيحة الصليب
* الأسد = القيامة
* النسر= الصعود.
والآن ما هو دورنا بعد ما تمم المسيح عمله...؟ تقديس (تكريس وتخصيص) كل طاقاتنا للمسيح.
* الإنسان = الطاقة العقلية
* الأسد = القوة العضلية
* الثور = الطاقة الشهوانية التي كانت طاقة حب لله.
* النسر = الطاقة الروحية وهذه تعني ممارسة التسابيح والصلوات مع الأصوام...
أن نتواضع متخذين المسيح نموذج لنا، فيسكن الله عندنا "فهو يسكن عند المنسحقين.." (اش57: 15).
بل قل أن التواضع لا معنى له بالنسبة للإنسان، هذا ممكن فقط للمسيح السماوي العالي الذي نزل، أما نحن أصلا فمن أسفل. التواضع لنا حقيقة هو أن ندرك الحقيقة وإننا لا شيء، قيمتنا هي بالمسيح.
وأيضًا أن نعطي قيادة حياتنا للمسيح، كما قاد المسيح هذا الجحش اليوم ودخل به إلى أورشليم أو قل نكون كالفرس الأبيض الذي يركبه الفارس (المسيح) الذي خرج غالبًا ولكي يغلب (رؤ6: 2).
والملخص فالمسيح يرتاح ويسكن فينا = 1) بأن نعرفه 2) التواضع والانسحاق 3) أن نعطي المسيح قيادة حياتنا وهذه تأتي بأن نسلم تمامًا كل أمور حياتنا له بدون أي تذمر ونطيع كل وصاياه.
ومن يقبل ويفعل:
1) يصير مركبة مثل المركبة الكاروبيمية أي يحمله المسيح الساكن فيه فيحيا في السماويات هنا، ويدخل أورشليم السماوية في الأبدية.
2) الذي يسكن المسيح عنده تصير له إمكانيات لا نهائية عبر عنها بولس الرسول بقوله "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى4: 13) ونعود لوجوه الكاروبيم:
* الإنسان = الحكمة
* الأسد = الأقوى جسديا
* الثور = شهوة الحب كلها لله.
* النسر = هذا يحلق روحيًا في السماويات وله قوة إبصار عجيبة (الإفراز).
3) بل تكون للإنسان شفاعة في الخليقة، ألم يقل الله عن الأنبا بولا "أن نهر النيل يفيض بسببه". وتغير طبع الثعبان من وجوده مع الأنبا برسوم العريان.
وقيل أن هذا كان عمل الكاروبيم:
فمن له وجه الإنسان يشفع في البشر.
والذي له وجه الثور يشفع في حيوانات الحقل.
والذي له وجه الأسد يشفع في حيوانات البرية.
والذي له وجه النسر يشفع في الطيور.
ولا شفاعة في الزواحف فمنها الحية رمز إبليس، ولا شفاعة في الأسماك فهي تحيا في البحر وهو رمز للعالم بشهواته، ومن يحيا فيها فهو ميت.
دخل الرب يسوع أورشليم كملك حسب النبوات أنه يملك كابن داود. وكانت مملكة داود رمزًا لمملكة المسيح. ولكن كانت توقعات اليهود الجسديين أن يدخل المسيح أورشليم كملك أرضي منتصر، لكن المسيح كان يؤسس مملكة من نوع آخر. لذلك دخل [وديعا متواضعا راكبا على جحش ابن أتان] (زك9: 9). وهذه الآية طبقها الربيين بإجماع على المسيا مع نبوة إشعياء "قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: «هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ»" (إش62: 11). وكان دخول الرب إلى أورشليم يوم أحد في ربيع سنة 29م، وكان ذلك ظهرا. ولما وصل موكب الرب إلى بيت فاجي أرسل تلاميذه ليأتوا له بالآتان والجحش من القرية. ولقد وافق صاحب الأتان على ترك الجحش لأنه فهم أن الرب يريد دخول أورشليم بهذا الموكب، بعد أن انتشرت أخبار عزمه على دخول أورشليم. وهو وافق أن يشارك في هذه المناسبة، إذ فهم الغرض من وراء هذا الدخول المهيب. وسار الموكب الآتي من بيت عنيا إلى أورشليم.
وانتشر خبر دخول السيد إلى أورشليم فتجمع حُجَّاج الجليل الذين يعرفونه، ومعهم الذين سمعوا بمعجزة إقامة لعازر وصار الموكب كبيرًا. وانضم عليه الموكب الذي أتى مع الرب يسوع من بيت عنيا. وكان الناس يتساءلون عنه "من هذا"، فيقول البعض هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل". ويجيب شهود معجزة إقامة لعازر بما حدث. وتزداد حماسة الجميع الذين فهموا أنه المسيا ابن داود فرتلوا (المزمور 118) "أوصنا يا ابن داود = يا رب خلص". وكانت هذه هي العادة - أن يستقبل الموجودين بأورشليم مواكب الحجاج الآتين من الجليل بترتيل هذا المزمور، ويرد الحجاج بمزمور (مز 103: 17) "أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه، وعدله على بني البنين". ولكن حماس الناس في هذا اليوم كان أكثر كثيرا من إستقبال مواكب الحجاج العادية، فهم تصوروا أن مملكة داود عائدة قريبًا. وهذا ما جعل الفريسيين الكارهين للرب يسوع يستشيطون غيظا وحسدا، ويقولون له "يا معلم إنتهر تلاميذك" فقال لهم الرب "إنه أن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ"، وهذه العبارة "الحجارة تصرخ" موجودة في تعاليم الربيين وكتاباتهم". وفيما هو يقترب إلى المدينة نظر إليها ورأى ما سيحدث لها بعد سنوات قليلة فبكى عليها - وكلمة بكى هنا جاءت بمعنى تنهد بصوت مسموع ودموع غزيرة. أما كلمة بكى أمام قبر لعازر فكانت تعني إنسابت دموعه.
ونلاحظ أن الفريسيين والكهنة صمموا على قتل الرب يسوع ولكن بعيدا عن حجاج الجليل، أما يهود أورشليم فهم كانوا قد لقنوهم كراهية الرب يسوع. وكانت غالبية الجموع الذين إستقبلوا الرب يسوع عند دخوله لأورشليم من الجليليين. وكان الفريسيين والكهنة خائفين من القبض عليه وسط حجاج الجليل الموجودين في العيد. أما غالبية الموجودين بأورشليم من اليهود فكانوا من الكارهين له بسبب إشاعات الفريسيين الرديئة عنه، وهؤلاء هم الذين صرخوا أمام بيلاطس "أصلبه أصلبه .. دمه علينا..".
وتوجه السيد إلى الهيكل الذي كان قد طهره في بدء خدمته (وذُكِرَ هذا فقط في يو2). وكان هذا مساء، والخدمة قد إنتهت وانصرف الناس ورأى الأوضاع السيئة التي رجع إليها الهيكل من سرقات وغش وتجارة مرفوضة. ثم توجه ليبيت في بيت عنيا.
1) أراد الرب يسوع أن يدخل أورشليم في موكب ملوكى. فدخل في يوم الفصح الذي يتواجد فيه الملايين من الشرق والغرب. ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن عدد الموجودين في هذا الفصح كانوا حوالي 2700000 نفس.
2) كان الجليليين قد عرفوا المسيح خلال 3 سنوات من خلال تعاليمه ومعجزاته وغالبية الجليليين كانوا من اليهود. وفى الفصح يذهب الجليليون في مواكب كبيرة إلى أورشليم ويستقبلهم أهل أورشليم في إحتفالات كبيرة.
3) وكرز المسيح في عبر الأردن وبيريه 6 شهور عرفه شعبها خلالها، وغالبية شعب بيريه كانوا يونانيين أي من الأمم.
4) دبر المسيح توقيت معجزة إقامة لعازر، فهو إنتظر 4 أيام ليقيم لعازر بعد أن أنتن. وروعة المعجزة جعلت الجموع تتدافع لترى المسيح الذي صنع المعجزة. وكانت هذه المعجزة إعلانا للجموع بحقيقة المسيح القادر أن يقيم من الأموات وأن يأتي بالروح من الهاوية. وهذا هو سلطان الله وحده.
5) وهذا ما حدث فكان إستقباله كملك، إذ تجمع الجليليين الذين عرفوه مدة 3سنوات مع أهل عبر الأردن الذين عرفوه لمدة 6أشهر، مع الذين سمعوا بمعجزة إقامة لعازر، وكان ذلك في عيد الفصح الذي يجتمع فيه الملايين من كل جهة. وهم ظنوا أن المسيح يمهد الطريق لعودة مملكة داود ويطرد الرومان. ولكن المسيح دخل أورشليم كملك متواضع راكبا على جحش.
6) دخل إلى الهيكل مباشرة فهو كإبن الله يريد تطهير بيت أبيه. وتطهير الهيكل يشير لتطهير كل نفس من المؤمنين وتطهير الكنيسة كلها، هيكل جسده الذي هو الكنيسة "كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لَا دَنَسَ فِيهَا وَلَا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلَا عَيْبٍ" (أف5: 25-27) + أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «ٱنْقُضُوا هَذَا ٱلْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ. فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُه. وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ (يو2: 19-20). ). ويؤكد القديس بطرس هذا المعنى إذ يقول "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ -كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ- بَيْتًا رُوحِيًّا" (1بط2: 5).
7) والمقصود من هذا كله أن المسيح يدخل أورشليم كملك تحيط به الجموع، فهو يريد أن يُعلن عن تأسيس ملكوته، وأنه أتى كملك، ولكن ليملك على كنيسته التي سيطهرها كما طهر الهيكل، ويملك عليها ليس كملك زمنى بل ملك روحي، بعد أن يُسقط الملك السابق إبليس بصليبه. هو أحب شعبه وحررهم وخلصهم، فأحبه شعبه وملكوه على قلوبهم، وهذا ما أعلنه الأطفال الصغار الذين كانوا يسبحونه قائلين "وَٱلْأَوْلَادَ يَصْرَخُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَيَقُولُونَ: «أُوصَنَّا لِٱبْنِ دَاوُدَ" (مت21: 15). دخل كملك يحيط به أحباءه، وهؤلاء الذين أحبوه وملكوه عليهم هو يطهرهم مكونًا منهم كنيسته.
مت 1:21-11 + مر 1:11-11 + لو 28:19-44 + يو 12:12-19
هذا اليوم كان في خطة الله هو يوم إعلان ملكه ونوع ملكه. فدخل المسيح أورشليم في موكب ملك كمنتصر غالب في الحرب، لكن بتواضع ومحبة وما حدث من إستقبال الناس له لم يكن بترتيب بشري إنما هو بترتيب إلهي. وكملك دخل بيت أبيه أي الهيكل ليطهره.
بيت عنيا وبيت فاجي هما من ضواحي أورشليم فهما تحسبان أنهما من أورشليم. فهناك طريق واحد منهما إلى أورشليم. وبيت عنيا توجد على السفح الشرقي، شمال جبل الزيتون، وبيت فاجي على السفح الشرقي، جنوب جبل الزيتون،
أمّا السفح الغربي لجبل الزيتون فيقع عليه بستان جثسيماني.ونلاحظ أن قمة جبل الزيتون تحجب رؤيا أورشليم عمن هو في بيت عنيا. وقد أتى المسيح إلى بيت عنيا لوليمة سمعان الأبرص عشية يوم الأحد.
ودخل المسيح فصحنا إلى أورشليم عشية يوم 10 نيسان، وهو اليوم الذي يحفظ فيه خروف الفصح حتى يقدم يوم 14 نيسان. فالمسيح دخل أورشليم في نفس اليوم الذي يختارون فيه خروف الفصح. كانت أورشليم تكتظ بالحجاج (أع8:2-11) ويقدرهم يوسيفوس بحوالي 2,700,000 حاج.
ونلاحظ أن الأناجيل الأربعة إهتمت بهذا الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح فمثلًا إنجيل متى إشتمل على الإصحاحات 21-28 ليروي فيها ما حدث في هذا الأسبوع، أسبوع آلام السيد والذي قدّم فيه السيد نفسه ليكون فصحنا ويعبر بنا من الظلمة إلى ملكوته الأبدي.
الآيات (1-3): "وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ قَائِلًا لَهُمَا: «اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا»."
جاءوا إلى بيت فاجي= ومرقس يقول بيت فاجي وبيت عنيا.. وأنظر الرسم، ومنه نفهم أن حدود بيت عنيا وبيت فاجي مشتركة ولهم طريق واحد مشترك إلى أورشليم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وقلنا سابقًا أن بيت عنيا تعني بيت الألم والعناء. أمّا بيت فاجي فتعني بيت التين (ربما لكثرة أشجار التين فيها). ولكن التينة تشير للكنيسة التي يجتمع أفرادها في محبة، وهي في العالم في عناء (الحدود مشتركة) لكن المسيح في وسطها. يفرح بالحب الذي فيها ويشترك في آلامها ويرفعها عنها ويعزيها وهي على الأرض. أتانًا مربوطة وجحشًا معها= أمّا باقي الإنجيليين (مرقس ولوقا ويوحنا) فقد ذكروا الجحش فقط وقالوا لم يجلس عليه أحد قط. وقال معظم الآباء أن الأتان المربوطة تشير لليهود الذين كانوا مؤدبين بالناموس مرتبطين به، خضعوا لله منذ زمان. لكنهم في تمردهم وعصيانهم مثل الحمار الذي إنحط في سلوكه ومعرفته الروحية، يحمل أحمالًا ثقيلة من نتائج خطاياه الثقيلة، والحمار حيوان دنس بحسب الشريعة. وهو من أكثر حيوانات الحمل غباءً، هكذا كان البشر قبل المسيح. أمّا الجحش فيمثل الأمم الشعب الجديد الذي لم يكن قد استخدم للركوب من قبل، ولم يروَّض لا بالناموس ولا عَرِف الله، عاشوا متمردين أغبياء في وثنيتهم، لم يستخدمه الله قبل ذلك ولذلك فهم بلا مران سابق وبلا خبرات روحية. (مز12:49). أتان= أنثى الحمار. جحش= حمار صغير.
ومتى وحده لأنه كتب لليهود أشار للأتان والجحش، أمّا باقي الإنجيليين فلأنهم كتبوا للأمم أشاروا فقط للجحش. ربما ركب المسيح على الأتان فترة من الوقت، وعلى الجحش فترة أخرى ليريح الجحش. لكن الإنجيليين الثلاثة يشيروا لبدء دخول الإيمان للأمم.
ونلاحظ في (رؤ2:6) أن المسيح ظهر راكبًا على فرس أبيض يشير لنا نحن المؤمنين. فالمسيح يقودنا في معركة ضد إبليس وخرج غالبًا ولكي يغلب فينا. حينئذ أرسل يسوع تلميذين= رمز لمن أرسلهم المسيح من تلاميذه إلى اليهود والأمم. قولا الرب محتاج إليهما= هذه تشير لأن الله يريد أن الجميع يخلصون (يهودًا وأمم). ولاحظ أنه لم يقل ربك محتاج أو ربنا محتاج بل الرب محتاج فهو رب البشرية كلها، وأتى من أجل كل البشرية. وهو هنا يتطلع إلى البشرية ليس في تعالي بل كمن هو محتاج إلى الجميع، يطلب قلوبنا مسكنًا له وحياتنا مركبة سماوية تحمله. فحلاّهما= هذه هي فائدة الكرازة التي قام بها التلاميذ في العالم، أن يؤمن العالم فَيُحَّلُ من رباطات خطيته (يو22:20، 23) التي كان يحملها كما يحمل الحمار الأثقال على ظهره. الكنيسة تحل أولادها من رباطات الخطية ليملك عليها المسيح ويقودها لكن كفرس في معركة ضد الشيطان.
ونلاحظ أن المسيح لم يدخل أورشليم ولا مرّة، ولا أي مدينة أخرى في موكب مهيب بهذه الصورة سوى هذه المرة لإعلان سروره بالصليب، وهو قبل هذا الموكب فهو حسبه موكبه كملك يملك بالصليب. ويوحنا وحده الذي أشار لهتاف الجماهير بقولهم ملك إسرائيل. ونلاحظ أن المسيح لم يدخل كالقادة العسكريين على حصان، فمملكته ليست من هذا العالم، ويرفض مظاهر العظمة العالمية والتفاخر العالمي. ويطلب فقط مكانًا في القلوب، يحمل عنها خطاياها التي تئن من ثقلها (كالحمار) فترد لهُ جميله بأن تُسْكِنهُ في قلبها (مز22:73، 23) فيحولها لمركبة سماوية (مز10:18) إن قال لكما أحد شيئًا = غالبًا كان صاحب الحمار من تلاميذ المسيح الذين آمنوا به سرًا.
الآيات (4، 5): "فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ»."
إبنة صهيون= أي سكان أورشليم (أش11:62+ زك9:9) والاقتباس تمامًا من السبعينية. يأتيك وديعًا = حتى لا يهابوه بل يحبوه لذلك دخل راكبًا أتان ولم يركب حصان في موكب مهيب كقائد عسكري. ولكنه الآن يركب حصان، فرس أبيض الذي هو أنا وأنت ليحارب إبليس ويغلب. ومن الذي يغلب إلاّ الذي دخل المسيح قلبه وملك عليه، فدخول المسيح أورشليم يشير لدخوله قلوبنا.
الآيات (6-8): "فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلاَ كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ."
فرش الثياب هي عادة شرقية دليل احترام الملوك عند دخولهم للمدن علامة الخضوع وتسليم القلب. ونحن فلنطرح أغلى ما لدينا تحت قدميه. فما حدث يعني أنهم يقبلونه ملكًا عليهم، أو يملكونه عليهم. واستخدامهم لأغصان الأشجار (غالبًا شجر الزيتون) مع سعف النخيل يشير للنصرة (نصرة على الخطية) مع السلام. فالنخل يشير بسعفه للنصرة والغلبة (رؤ9:7). والأغصان تشير للسلام (حمامة نوح عادت بغصن زيتون) وهذا ما كان اليهود يفعلونه وهم يحتفلون بعيد المظال، عيد الأفراح الحقيقية وهذا يدل على فرح الشعب بالمسيح الذي يدخل أورشليم. وكل من يملك المسيح على قلبه يغلب ويفرح. وفرش الأرض بالخضرة هو رمز للخير الذي يتوقعونه حين يملك المسيح.
آية (9): "وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!»"
استعمل البشيرون عبارات مختلفة ولكن هذا يعني أن البعض كان يقول هذا والبعض الآخر كان يقول تلك. وكل إنجيلي إنتقى مما قيل ما يتناسب مع إنجيله. أمّا تسابيحهم فتركزت في كلمة أوصنا نطق أرامي معناه خلصنا فهي مأخوذة من هوشعنا بمعنى الخلاص أي يا رب خلص (هو من يهوه)، فالفرح كان بالمسيح المخلص وغالبًا هم فهموا الخلاص أن المسيح سيملك عليهم أرضيًا ويخلصهم من الرومان. وهذه التسبحة (أوصنا....) مأخوذة من مزمور (118).
الجموع الذين تقدموا والذين تبعوا= طبعًا هذه تشير لأن بعض الجموع تقدموا الموكب وبعض الجموع ساروا وراء الموكب. ولكنها تشير لمن آمن بالله وعاشوا قبل مجيء المسيح من القديسين، ولمن آمن بالمسيح بعد مجيئه. فالكل استفاد بالخلاص الذي قدّمه المسيح. الكل في موكب النصرة. لذلك فالمسيح نزل إلى الجحيم من قِبَلْ الصليب ليفتحه ويخرج القديسين الذين كانوا فيه ويأخذهم إلى الفردوس. فالمسيح هو مخلص كل العالم. أوصنا لإبن داود= إشارة لناسوت المسيح وتجسده. أوصنا في الأعالي= فهو الذي أتى من السماء وسيذهب للسماء.. (يو13:3). ولاحظ أن متى الذي يتكلم عن المسيح ابن داود يشير لهذا بقوله أوصنا لابن داود فهو تجسد ليرفعنا فيه للأعالي= أوصنا في الأعالي.
الآيات (10-11): "وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هذَا؟» فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ»."
سكان المدينة لم يعرفوه. ولكن من سمع عنه وعمل معه معجزات قد عرفوه. وهؤلاء كان أغلبيتهم من الجليليين الذين هم في وسط الجموع. وكل من دخل المسيح قلبه يرتج قلبه فيطرد من داخله كل خطايا تمنعه من الفرح بالمسيح المخلص ويبدأ في التعرف عليه. لقد خطط المسيح دخوله أورشليم في هذا الموكب المهيب ليعلن أنه ملك ولكن على القلوب وكجزء من تدبير صلبه يوم الفصح (الجمعة). فهو بهذا أثار اليهود ضده فهو دخل كملك ظافر، المسيا الآتي لخلاص شعبه (فهو ملك بصليبه).
إنجيل مرقس كله 16 إصحاح، استغرق 10 إصحاحات منهم 3 سنة من حياة المسيح على الأرض و6 إصحاحات لأسبوع الآلام (11-16). ممّا يشير لأن مركز الثِّقَل في خدمة المسيح كانت آلامه وفداؤه للبشرية أكثر مماّ هي تعاليمه لذلك تصلي الكنيسة "بموتك يا رب نبشر" وكانت كرازة التلاميذ محورها صلب المسيح وموته وقيامته. ونلاحظ أن زيارة المسيح لأورشليم هي افتقاده الأخير لهذه المدينة حتى تكون بلا عذر.
آية (4): "فَمَضَيَا وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا عَلَى الطَّرِيقِ، فَحَلاَّهُ."
وجدا الجحش مربوطًا عند الباب خارجًا على الطريق= هذا أحسن وصف لحال الأمم. فهم مشبهون بالجحش، لم يتمرن ولم يخضع لناموس الله وشريعته من قبل، يعيشون في وثنيتهم وخطاياهم في غباوة كالجحش، خطيتهم أفقدتهم حكمتهم. مربوطين برباطات خطاياهم وشهواتهم. خارجًا عن رعوية الله كالابن الضال الذي ترك بيت أبيه فصار على الطريق بلا حماية من أبيه ليس من يضمه ولا من يهتم به. ولكن المسيح اهتم بهذا الابن الضال وأتى ليحله من رباطاته وأرسل تلاميذه ليحلوه.
الآيات (7، 8): "فَأَتَيَا بِالْجَحْشِ إِلَى يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ. 8 وَكَثِيرُونَ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ."
إلقاء الثياب رمز للخضوع، فهل نخضع أجسادنا للمسيح عوضًا عن الشهوات الدنسة. ونلاحظ أن الشهداء فرشوا أجسادهم خلال قبولهم سفك دمائهم من أجل الإيمان كطريق يسلك عليه الرب ليدخل قلوب الوثنيين. والنساك فرشوا أجسادهم بنسكهم فصارت حياتهم طريقًا يسير عليه الرب لقلوب الناس. وهكذا كل خادم يخدم الله ويتألم ويتعب. وعلى كل منّا أن يطرح عند قدمي المسيح إنسانه العتيق فيدخل المسيح لقلوبنا منتصرًا. ويعطي لنا الرب مسكنًا في السماء، مسكن أبدي (2كو1:5+ مز24:118-26).
آية (10): "مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!»."
أوصنا في الأعالي= هنا نرى موكب المسيا الموعود، كلنا فيه وهو رأس هذا الجسد المنطلق للسماء. ومرقس الذي يكتب للرومان أصحاب أكبر مملكة في العالم، يقول لهم أن المسيح أتى ليؤسس مملكة باسم الرب فهي ليست من إرادة إنسان كمملكة الرومان التي أسسها قياصرة وملوك الرومان بسيوفهم. أما ملكوت المسيح فقد أسسه المسيح وملك علينا بصليبه، "تكون الرياسة على كتفه" أي صليبه الذي حمله على كتفه قبل أن يصلب عليه (إش9: 6). الإسم يعبر عن الشخصية وقدرات وصفات الشخص. والرب هنا هو المسيح. وبهذا فمملكة المسيح تأسست بقوة دمه.
آية (30): "قَائِلًا: «اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلاَنِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قَطُّ. فَحُّلاَهُ وَأْتِيَا بِهِ."
المسيح أتى ليقوم هو بكل العمل الفدائي ولكنه في محبته أراد أن يكون لكل واحد دور وخدمة. فالتلميذين يذهبان ويحضران الجحش، وصاحب الجحش يعطيه للسيد. ونلاحظ أن من يرسله المسيح لخدمة فهو يهيئ له النجاح فيها. ونلاحظ هنا عدم اعتراض صاحب الجحش.
الآيات (37-39): "وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ابْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقُوَّاتِ الَّتِي نَظَرُوا، قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!». وَأَمَّا بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ الْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، انْتَهِرْ تَلاَمِيذَكَ!»."
سلام في السماء ومجدٌ في الأعالي= قارن هذه التسبحة بتسبحة الملائكة يوم ميلاد المسيح "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام" فهما مشتركتان في المجد في الأعالي ومفترقتان في السلام على الأرض هذا ما يقوله الملائكة. بينما يقول البشر سلام في السماء. فالملائكة فرحت بالسلام الذي صنعه المسيح على الأرض، أمّا البشر فيفرحون بالسلام الذي على الأرض ويتطلعون بفرح للسلام الذي سيحصلون عليه في الأعالي، فرحين بهذا السلام المعد لهم في السماء. وهكذا نتبادل شركتنا مع السمائيين. بينما نلاحظ أن أعداء ملكوت الله لا يفرحهم التسبيح ولهذا طلب الفريسيين من المسيح أن يسكتهم. ولنلاحظ أن المسيح إذ يقترب من قلوبنا (أورشليمنا الداخلية) فيتحول كل كياننا الداخلي إلى قيثارة يعزف عليها الروح القدس تسابيح فرحة. هذه التسابيح الفرحة هي بمناسبة نزع العداء بين السماء والأرض الذي أتى المسيح ليصنعه بصليبه، فصار سلام في السماء مع الأرض إذ لم يعد الله عدوًا لنا ولا السمائيين أيضًا. أمّا المجد الذي في الأعالي فيعني انفتاح السماء بأمجادها على الإنسان ليتمجد في الأعالي. حقًا كان الروح القدس ينطق على أفواه هؤلاء بهذه النبوات والتسابيح. القوات التي نظروا= المعجزات التي صنعها السيد المسيح خصوصًا إقامة لعازر.
ولوقا الذي يتكلم عن المسيح شفيعنا الذي صالحنا مع الله اختار القول سلام في السماء ومجد في الأعالي فالمسيح بشفاعته حملنا للسماء ليكون لنا سلام مع السماء، ومجد في الأعالي.
آية (40): "فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!»."
من عبد الأوثان من الأمم صارت قلوبهم حجرية كأوثانهم، حتى هؤلاء آمنوا بالمسيح وسبحوه. بل يوم الصليب تحركت الحجارة وتزلزلت الأرض فعلًا.
الآيات (41-44): "وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ»."
لقد خربت أورشليم سنة 70 م. فعلًا بسبب شرورها. ونحن سنهلك كهؤلاء أيضًا مثلها إن لم نستجب لصوت الروح القدس ونتوب فنفرح ونسبح كهؤلاء وكان بكاء المسيح كما بكى على قبر لعازر إعلانًا لحزنه عمّا حدث للبشر من موت وفساد "في كل ضيقهم تضايق" والمسيح هنا يشير إلى ما تم بواسطة الرومان بقيادة تيطس وتدميره لأورشليم. ويهدمونك وبنيك فيك= قيل أن المجتمعين في أورشليم يوم أهلكها تيطس حوالي 2مليون بسبب عيد الفصح في تلك السنة. أحرق منهم تيطس حوالي 120.000على صلبان وقتل 1.2مليون وباع آلاف كعبيد والباقون ماتوا في مجاعة رهيبة حتى أن الأمهات أكلن أبناءهن. فمن يرفض المسيح يخرب ومن يقبله يفرح ويسبح. راجع (مت37:23، 38+ أش7:1) هذه أجرة العصيان.
حتى في يومك هذا
= لو كنت يا أورشليم قد قبلتيني كمخلص ما كان سيحدث لك ما سيحدث. ما هو لسلامك= الإيمان بالمسيح طريق سلام لها. أخفى عن عينيك= عدم الإيمان هو عمي بسبب خطاياها. "ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر" (إش48: 18).لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ
= لماذا هي لم تعرف، ولماذا لم يعرفوا المسيح؟ يجيب المسيح على هذا ويقول لأنهم لم يعرفوا الآب، فلو كانوا قد عرفوا الآب لعرفوا ابنه فهو على صورته " لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا" (يو14: 7). ولماذا هم لم يعرفوا الآب؟ لأنهم في كبريائهم طلبوا مجد ذواتهم ولم يطلبوا مجد الله " كيف تقدرون ان تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض.والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يو5: 44). أما التلاميذ البسطاء فعرفوه وأحبوه فهم بلا كبرياء. أما الكبرياء فهي تصيب بالعمى .
الآيات (12، 13): "وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!»"
وفي الغد= أي يوم الأحد. إذًا الوليمة كانت يوم السبت. الذين حضروا حفل العشاء أذاعوا النبأ السار أن يسوع الذي يريدونه كملك سيأتي إلى أورشليم. والجمع الذي إحتشد كان أغلبهم من الجليليين ومن الذين سمعوا بمعجزة إقامة لعازر فتحمسوا للقائه. وأمام هذا الإستقبال الحافل تأكدت مخاوف الفريسيين ورؤساء الكهنة ووقفوا ينظرون خائفين وحاقدين. خائفين من ضياع مراكزهم وهيبتهم وأموالهم لو حدثت ثورة تكون نتيجتها أن الرومان يضربون الجميع. وحاقدين من أن الجماهير تركتهم وذهبوا وراء يسوع.
هذه الجماهير الفرحة رأوا أن يسوع هو المسيح، المسيا الذي تنبأ عنه الأنبياء وأنه سيأتي من نسل داود ليعيد لهم الملك (صف15:3-17+ لو32:1-33) فهم كانوا يحلمون بإستعادة كرسي داود بل وأن يحكموا العالم كله. ونرى من (1مك51:13+ 2مك4:14) أنهم كانوا يستقبلون الملوك بسعف النخيل. وسعف النخيل هو رمز للنصرة والبهجة (لا40:23+ رؤ9:7). ووجدت عملات مسكوكة من أيام سمعان المكابي عليها سعف النخيل. والنخيل شجرة محبوبة لأنها ترتفع شامخة نحو السماء فارشة أغصانها مثل التاج كأذرع تتوسل دائمًا. خضراء على الدوام تزهر وتثمر لمئات السنين (مز12:92-13+ نش6:7-8) وفيه نرى النفس المحبوبة للمسيح تشبه بنخلة.
ويوحنا اختار قول الناس أوصنا مبارك الآتي باسم الرب= فالمسيح أتى بقوة إلهية لخلاص الإنسان وتجديده، هو ابن الله الذي أتى ليخلقنا خلقة جديدة.
الآيات (14-15): "وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ»."
لا تخافي= فدخول المسيح لأورشليم كان للسلام ولم يأتي ليحارب الرومان وتسيل الدماء في أورشليم لكن ليملأ القلوب سلامًا. بل ليصنع سلامًا بين السماء والأرض. وكان دخوله وديعًا هادئًا وليس كالملوك الأرضيين يصنعون حربًا ويطلبون جزية. والجحش يستعمله الفقراء وفي هذا درس لليهود المتكبرين الذين يحلمون بملك أرضي. وفي تواضع المسيح هذا إشارة لأن أحلام اليهود في مملكة عالمية هي أوهام خاطئة. ودرس لكل من يحلم بمجد أرضي أنه يجري وراء باطل.
آية (16): "وَهذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تَلاَمِيذُهُ أَوَّلًا، وَلكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ، حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ، وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هذِهِ لَهُ."
لم يفهمها تلاميذه أولًا= كثيرًا ما لا نفهم أعمال المسيح أولًا ولكننا من المؤكد سنفهم فيما بعد (يو13: 7). وأنهم صنعوا هذه له= أي أنهم اشتركوا في تكريم المسيح كملك، واشتركوا في تنفيذ النبوات، فهذه عائدة على النبوات. لم يكن التلاميذ فاهمين ولا الشعب ولا الفريسيين وكم من أمور تجري في حياتنا ونحن لا نفهمها. علينا أن لا نطالب بالفهم فسيأتي يوم ونفهم. لكن علينا بالإيمان.
آية (19): "فَقَالَ الْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «انْظُرُوا! إِنَّكُمْ لاَ تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هُوَذَا الْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!»"
هذه نبوة من فم الأعداء بإيمان العالم وذهابه وراؤه، ونرى غيظهم من ضياع سلطانهم. لا تنفعون شيئًا= هذه مثل "راحت عليكم". فالناس تركتهم وهذا هو ما أغاظهم.
الآيات (20-22): "وَكَانَ أُنَاسٌ يُونَانِيُّونَ مِنَ الَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي الْعِيدِ. فَتَقَدَّمَ هؤُلاَءِ إِلَى فِيلُبُّسَ الَّذِي مِنْ بَيْتِ صَيْدَا الْجَلِيلِ، وَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ» فَأَتَى فِيلُبُّسُ وَقَالَ لأَنْدَرَاوُسَ، ثُمَّ قَالَ أَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ لِيَسُوعَ."
الموضوع هنا بدأ بأن أناسًا يونانيين يريدون أن يروا يسوع، ولكي نفهم الآيات التالية وترابطها يجب أن نفهم أن المسيح أتى لكي نراه ونعرفه، لكن نراه ليس حسب الجسد بل على حقيقته فنؤمن به. وبالتالي نكون معه في المجد. ونراه في مجده فنتمجد فهذا هو هدف مجيئه أن يتمجد الإنسان (يهود وأمم) كما أراد الآب منذ البدء.
يُقرأ هذا الفصل في الساعة الأولى من ليلة الاثنين من البصخة المقدسة، فهذا هو الوقت الذي دار فيه هذا الحديث بعد دخول الرب لأورشليم. ويقرأ باكر عيد الصليب، فالصليب هو خلاص كل العالم، وهو محور كلام السيد المسيح هنا في ضرورة حمل الصليب. ومن يفعل يرى يسوع. ونرى هنا أن اليونانيين الأمم جاءوا لتحية المصلوب ملك اليهود، كما جاء المجوس الوثنيين لتحية المولود ملك اليهود، لكي يجمع المسيح في حياته ومماته الشرق والغرب، فالكل يسجد له ويعبده، كلاهما (يونانيين ومجوس) هم من الخراف التي ليست من هذه الحظيرة (اليهود)، كلاهما يفتتحان عصر قبول الأمم. ولاحظ أن في ميلاده رفضه اليهود. فولد في مذود ومجده الأمم (المجوس). فتش عنه المجوس ودبر هيرودس قتله. والآن يقبله الأمم اليونانيين ويدبر اليهود لقتله. واليونانيين هنا هم أصحاب الجنسية اليونانية وليسوا من يهود الشتات لكنهم تهودوا إذ قيل أتوا ليسجدوا، ولكنهم كانوا يعيشون في الجليل معجبين باليهودية، ولأنهم في نظر اليهود دخلاء فمكانهم في الهيكل في دار الأمم، لذلك جاءوا إلى فيلبس ليدبر لهم مقابلة مع المسيح لأن المسيح كان داخل الهيكل. ونلاحظ أن اليونانيين أتوا لفيلبس لأنهم يعرفونه من الجليل حيث يقيم يونانيين كثيرين. ونلاحظ أن فيلبس اسمه يوناني فربما كان له قرابة معهم. هم سمعوا عن المسيح ومعجزاته وإستقباله وتطهيره للهيكل فأعجبوا به وأرادوا أن يروه.
كلمة اليونانيين لها ثلاث معانى:-
1) يونانيين وثنيين من اليونان/كريت/قبرص الجزائر أو أوروبا عمومًا Heathens.
2) يونانيين آمنوا باليهودية وتهودوا ويسمونهم الدخلاء Proselytes وهؤلاء مثل كرنيليوس (أع10: 1) ونيقولاوس (أع6: 5).
3) يهود الشتات: هؤلاء تشتتوا بعد سبى بابل. وبعض الشتات ذهبوا وعاشوا في اليونان ومصر وهؤلاء اليهود الذين في الشتات الغربي (أوروبا ومصر) يسمونهم أيضا اليونانيين، ولكن هؤلاء هم يهود. وهؤلاء هم الذين إشتكوا من أن أراملهم كان يُغفل عنهم في الخدمة اليومية (أع6: 1). وهذا راجع لأن يهود أورشليم كانوا لا يرتاحون لهم لأنهم إختلطوا بثقافات اليونانيين مما جعل لهم الفكر المتحرر.
الآيات (23-24): "وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا قِائِلًا: «قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ."
رأى المسيح في مجيء اليونانيين باكورة الحصاد الذي سيحصد بواسطة موته. فحبة الحنطة تشير للمسيح الذي سيدفن بعد صلبه ليأتي بالأمم واليهود. والمسيح غير مهتم بأن يروه بالجسد بل أن يعرفوا حقيقته الآن فيؤمنوا، وبهذا يتمجد المسيح بأن الناس يؤمنوا. ثم يرونه في مجده ليتمجدوا هم أيضا (يو17: 24). والطريق لذلك هو الصليب. والمسيح انتهز الفرصة ليعلن اقتراب ساعة موته والتي بها سيكون الخلاص لكل العالم يهودًا ويونانيين أي يهودًا ووثنيين. يتمجد= بصليبه وموته ثم بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب. وبذلك يكون الموت بداية للحياة المجيدة السمائية للأمم كما لليهود وبهذا يتمجد يسوع. وفي هذا تشابه مع البذرة في دفنها. اليونانيون أتوا ليروا مجد يسوع الذي دخل في استقبال عظيم وطهر الهيكل. لكن نجد يسوع يتكلم عن موته. فالصليب هو مجده. وهذا عكس الملوك الأرضيون الذين يفتخرون بالمظاهر. وعلى كل مؤمن أن يميت ذاته مثل حبة الحنطة في هذا العالم، وهذا ما سوف يعطيه حياة أبدية. ومن يميت ذاته يكون المسيح بالنسبة له هو الطريق للقيامة والحياة. أمّا من انغمس في لذات هذا العالم فيكون قد اختار الموت كما أن البذرة لو تركت بدون دفن يأكلها السوس (مت39:10). ولو تُركت البذرة في المخازن دون أن تُدفن في الأرض لأكلها السوس، بل لظلت هكذا بدون جمال، مجرد بذرة يابسة لكنها متى ماتت نبتت وأثمرت وأينعت وأخضرت الحقول وتوجت بالسنابل لذلك فالتضحية هي باب الإثمار والإنتاج، والصليب باب المجد. وأمّا الحبة التي ترفض التضحية وترفض الصليب تظل وحدها بلا منظر، بلا ثمار وبلا مجد. والثمار ستأتي أيضًا بتلاميذه الذين سيبذلون حياتهم. قد أتت الساعة= المسيح يعلن أن ساعة الصليب اقتربت، الذي به سيدخل الأمم (اليونانيون) للإيمان. هم أتوا ليروا مجد أرضي. ولكن أتت الساعة ليعرف الجميع معنى المجد الحقيقي السماوي. والمسيح إذ مات ودفن ثم قام عرفه الكل، وآمن العالم به. هو حبة الحنطة التي إذ تموت في التربة وتتحلل يخرج منها سنابل خضراء مملوءة (المؤمنين في كل العالم). فعمل المسيح الفدائي أعطى حياة لكثيرين جدًا في كل العالم. وبالصليب سيرى الأمم واليهود المسيح رؤية قلبية بالروح القدس فيعرفوه ويؤمنوا به فيتمجد ابن الإنسان.
دخل المسيح إلى أورشليم كملك يملك على قلوب محبيه، دخل وسط جو كله محبة وفرح، محبة منه لأورشليم (رمز لكنيسته) ودخل ليصلب ويكون حبة حنطة تموت ليؤسس كنيسته ويملك عليها، ودخل ليصلب، فالصليب هو قمة الحب، وأمام محبته هذه ملكته كنيسته عليها، على قلوب أولادها. ومن ملكوه على قلوبهم وجعلوه يتعشى معهم كما حدث مع أسرة سمعان الأبرص ولعازر بالأمس سيجعلهم يتعشوا معه في السماء عشاء عرس الخروف (رؤ19: 9 + رؤ3: 20) ويتمجدوا. ويرفع من كانوا في بيت العناء، بيت عنيا على الأرض إلى مجد السماء. فشركاء الألم شركاء المجد. والمسيح كان وسط أحبائه، وقد قبل أن يسلم نفسه للموت، تاركًا نفسه لأحبائه ليكفنوه. وكان هذا الحب ترطيبًا لآلامه. لكنه كان قد بدأ طريق الصليب. طريق إعلان أعظم حب من الله للبشرية. وما زال للآن كل حب معلن، كل زجاجة طيب مكسور هو مُفرح لقلب المسيح، الزجاجة المكسورة هي صليبي ولكن طريق المجد هو الصليب، هذا ما رأيناه مع المسيح، وهذا هو الطريق الذي يدعونا إليه المسيح. (الحب+ حمل الصليب).
آية (25): "مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ."
فى الآية السابقة رأينا أن الخطوة الأولى لنرى يسوع هو أن المسيح يموت ويقوم، أما الخطوة الثانية هي دورى أنا – ماذا علَىَّ أن أقوم به لأرى يسوع؟ هو نفس ما عمله الرب يسوع أي أن أموت عن الخطية وهذه التوبة تسمى القيامة الأولى. مَن يبغض نفسه= يموت عن شهوات العالم. هنا المسيح يرد على سؤال اليونانيين وعلى كل من يريد أن يرى يسوع. فمن يريد أن يرى يسوع فليصنع ما صنعه يسوع ويموت عن العالم. ونلاحظ أن اليهود رأوا المسيح بالجسد ولم يعرفوه بل صلبوه، وهذا لأنهم طلبوا المجد لأنفسهم وليس لله. رؤية اليهود للمسيح كانت بالجسد وليس هكذا نرى المسيح، نرى المسيح بالروح "هو يأخذ مما لى ويعطيكم" (يو16: 14) وهكذا قال القديس بولس الرسول "وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَسِيحَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، لَكِنِ ٱلْآنَ لَا نَعْرِفُهُ بَعْدُ" (2كو5: 16). مَن يحب نفسه= النفس هنا تشير للحياة الطبيعية الحسية. أمّا الحياة الأبدية فهي الحياة الحقيقية، فمن يترك لذاته الحسية الخاطئة الآن يكون كمن يدفن نفسه وبذلك يرتفع ليستحق الحياة الأبدية، والحياة الأبدية هي المسيح والمعنى أن من يصلب الأنا تظهر حياة المسيح فيه. ولنبدأ بحفظ الوصية وإيثار الآخرين على أنفسنا ونقدم توبة حقيقية، فالتوبة هي دفن الجسد العتيق. وإيثار الآخر هو دفن للأنا. وأمّا من لا يريد أن يكون كحبة الحنطة المدفونة ويمت فلن يأتي بثمر، من يرفض خدمة الآخرين ويرفض إعطاء الحب للآخرين ويحيا في عزلة وإنفرادية متلذذًا بحسياته الجسدية يكون كبذرة في المخازن بلا جمال ولا مجد معرضة للفساد والسوس محرومة من الحياة الأبدية. فلنحمل صليب يسوع حتى الموت. من يحمل الصليب يمتلئ من الروح القدس وتظهر ثمار الروح فيه (غل5: 22-24) والروح هو الذي يعطينا رؤية يسوع الحقيقية. ومن يتمسك بالمادة لا يمكن أن يرتقي إلى فوق (السماويات). ومن يلتصق بشيء فانٍ يفنى معه (كملذات الدنيا). هذا هو طريق رؤية المسيح.
وأيضًا هناك سؤال مهم: كيف نرى يسوع ونحن نسير في طريق غير الطريق الذي يسلكه يسوع. هذا يؤدى إلى أننا لن نتلاقى معه. وهذا ما سنراه في الآية القادمة.
آية (26): "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ."
من يريد أن يرى يسوع يجب أن يسير في نفس طريق يسوع الذي أتى ليَخْدِم لا ليُخْدَمْ. لذلك نجد الرب يسوع يتكلم هنا عن الخدمة كطريق نرى به يسوع هنا على الأرض وهناك في المجد لأن من يخدم يسوع يُكْرِمُهُ الآبُ فيكون نصيبه المجد فيرى يسوع في مجده.
المسيح هنا يقدم مفهوم الخدمة فهي ليست مجرد خدمة للآخرين بل هي أن نسير في طريق المسيح أي الصليب. والصليب هو المحبة الباذلة (محبة المسيح تظهر في حفظ وصاياه وتظهر في خدمة أولاده). ومن يقبل أن يتألم معه يتمجد معه (رو8: 17) لأن الآب يكرم من يخدم ابنه يُكْرِمُهُ الآبُ، وفى المجد يرى يسوع في مجده (يو17: 24).
فليتبعني= كيف نتبعه إن لم نقبل أن نحمل الصليب. ونسير في طريقه بحفظ وصاياه وقبول أي صليب يوضع علينا (مت38:10، 39). فالإيمان الصادق بالمسيح هو أن نسير في طريقه ونتحمل في سبيله كل أنواع الجهاد الروحي فمن يشاركه آلامه سيشاركه أمجاده (رو17:8). حيث أكون أنا يكون خادمي= أي يكون له نفس طريق المسيح أي الصليب ثم المجد، حمل الصليب هو طريق التلمذة للمسيح (لو14: 27) فالصليب هو المحبة الباذلة، وهذه هي مدرسة المسيح ومن يريد أن يصير تلميذا فيها عليه أن يتعلم حمل الصليب. إن كان أحد يخدمني= لا يقصد بهذا خدمته في العالم بينما هو في الجسد لأن ساعة موته قد اقتربت. ولكن تعني حفظ وصاياه وخدمة أولاده، ويتشبه به فهو أتى ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ. يكرمه الآب= من يتبع المسيح ويخدمه حاملًا صليبه سينال كرامة من الله الآب (مت40:10+ 1صم30:2). وهنا المسيح يشرح وحدة الذات الإلهية بينه وبين الآب. فمن يكرم الابن يكرمه الآب أيضًا، ولا يعود عبدًا بل يصير إبنًا للآب. ونحن نكرم القديسين والشهداء فالآب يكرمهم. ولنلاحظ أنه لا صليب بدون تعزيات (2كو3:1-10). وهذه التعزيات هي عربون الأفراح والأمجاد السماوية فشركاء الألم شركاء المجد. ومن يلقي نفسه بإيمان في طريق الصليب يبدأ يتذوق هذا العربون. يخدمني= [1] يحفظ وصيتي [2] يخدم رعيتي.. كيف؟ يحمل الصليب مثلي: [1] يموت عن شهوات العالم [2] قبول أي ألم.حيث أكون أنا يكون هناك يكون خادمي
= إذًا فلنسأل أنفسنا أين يوجد المسيح ونذهب فنجده (مت25: 34 - إلخ). ومن هنا نفهم أننا نجد المسيح حيث الفقراء والمرضى والمساجين وحيثما يوجد كل محتاج تذهب له لتقدم له خدمة... إلخ. وكل إفتقاد لخاطئ أو ضال هو خدمة مقدمة لربنا. إذًا كل خدمة نقدمها لأولاد ربنا أو لأي محتاج فأنت تقدمها لربنا يسوع نفسه. لذلك هناك من يقبل يد المرضى حين يزورهم واثقين إنهم يقبلون يد المسيح. أما الأماكن التي يوجد بها خطية أو شبه خطية فلن يوجد فيها المسيح فاهرب منها.ومَنْ يغلب ويكون مع المسيح دائما هنا على الأرض سيكون معه أيضًا في المجد بحسب وعد
الرب "وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم ايضًا" (يو14: 3). وأيضًا "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 24). وننظر مجده تعني أن نكون في حضرة الله فنعكس مجده، فتكون لنا أجسادا ممجدة، ونرى نوره فيكون لنا أجسادا نورانية.
آية (27): "اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟ وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ،"
النفس هي قاعدة المشاعر الإنسانية. أمّا الروح فهي أداة الاتصال بالله بها يتحدث مع الله وينعكس هذا في تعبيراته وتعاليمه. لذلك فالإنسان الروحي هو الذي يقوده الروح القدس، والروح القدس يتصل بروح هذا الإنسان، فالروح يتعامل مع روح. وروح الإنسان الخاضع للروح القدس هو الذي يقود الجسد والنفس أي كل الإنسان. واضطراب المسيح هنا يشير لأنه إنسان كامل وهو الآن يتصوَّر الثمن الذي عليه أن يدفعه وهو الموت وحمل خطايا كل البشرية حتى يراه اليونانيين بل كل إنسان ويؤمنوا به، فيخلصوا. الاضطراب لا يعني الخوف فالمسيح لا يخاف من الموت فما يجعلنا نخاف من الموت هو الخطية والمسيح بلا خطية. ونخاف من الموت فما بعد الموت مجهول لنا، أما المسيح فيعرف المجد السماوي. إذًا هو ليس خوف بل هو إنفعال عاطفي شديد داخل النفس. ليس من أجل آلام الصليب ولكن [1] من أجل الخطايا التي سيحملها وهو القدوس البار. والخطية بالنسبة له شيء مكروه جدًا. [2] من أجل الموت الذي سيتذوقه وهو الحي المحيي. القيامة والحياة. والموت ليس من طبيعته ، بل كان الموت في العهد القديم نجاسة ومن يتلامس مع ميت يتنجس (عد5: 2 ، 19: 11). [3] حجب وجه الآب عنه، وهذا فوق مستوى إدراكنا.[4 ] خيانة الناس الذين أحبهم وكراهيتهم له، وهذا ضد طبيعته (المحبة فالله محبة). ولكن لاتصاله الروحي بالآب كان له قرار حاسم هو التوجه إلى الصليب مهما كان الثمن= ولكن لأجل هذا أتيت= الابن أتى متجسدا لأجل خلاص البشر وذلك:-
[1] لمحبته للبشر.
[2] طاعته للآب.
[3] المسيح أتى ليس فقط ليقيمنا بل لنكون معه في المجد ونراه في مجده.
[4] ولاحظ أن إرادة الآب هي نفسها إرادة الإبن، وهذه الإرادة هي خلاص البشر ونجاتهم من الموت، فالله يحب البشر. فالابن تجسد لأن هذه هي أيضًا إرادته.
[5] وبهذا تكون طاعة الابن معناها تسليم الإرادة الإنسانية وقبول المسيح كإنسان كامل لألام لا نستطيع نحن أن نتصورها، حتى تتم الإرادة الإلهية في خلاص البشر. وكان قراره موجهًا بكل قوة نحو إتمام المشيئة الربانية وبكل حسم أيضًا.
ماذا أقول= المسيح لا يسأل، بل هو يلفت النظر لاضطرابه وإنفعاله نتيجة المعركة مع الموت والتي في نهايتها يموت الموت. وهو كان يصلي ويصرخ (عب7:5) ليخرج منتصرًا من هذه المعركة ويضاف انتصاره لحساب الإنسان ويكون للإنسان حياة عوضًا عن الموت.
نجني من هذه الساعة= أعطني الانتصار على الموت بالقيامة. وقبول الآب وإستجابة الآب أعلنها بقيامة الابن.
الآيات (28-30): "أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ!». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضًا!». فَالْجَمْعُ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا وَسَمِعَ، قَالَ: «قَدْ حَدَثَ رَعْدٌ!». وَآخَرُونَ قَالُوا: «قَدْ كَلَّمَهُ مَلاَكٌ!». أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: «لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هذَا الصَّوْتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ."
أيها الآب مجِّد إسمك = هي نفسها "أيها الآب.... مجد إبنك" (يو17: 1) .
إسمك= إجو إيمي (يونانية)= أنا هو= يهوه (عبرية) . يهوه صار إسمًا للمسيح. مجد إسمك= مجد إبنك. فالمسيح يطلب أن يمجده الآب ويؤيده في هذه المعركة مع الموت لينتصر على الموت. ولكن لنلاحظ أن الآب والابن واحد فمجد الابن هو مجد الآب أيضًا. ولذلك فالمسيح ليس مشتاقًا أن يمجده الآب، بل هو مشتاق أن يتمجد جسده، ويكون هذا المجد لحساب كنيسته التي هي جسده. وهذا المجد يبدأ بانتصاره على الموت، ويعطي حياته هذه للمؤمنين وهي حياة أبدية ثم يصعد للسماء ويتمجد بجسده، ويكون هذا المجد لكل من يغلب من المؤمنين (يو17: 22). والصوت الشديد كان ليسمعه المجتمعون فيؤمنوا بالمسيح بعد أن ظهرت علاقته بالآب. والله سبق وكلم موسى وإبراهيم وكثير من الأنبياء والآن يكلم ابنه ليظهر العلاقة بينه وبين ابنه، إلاّ أن اليهود لم يفهموا. رعد .. ملاك= الله يتكلم لكن كل واحد يسمع بحسب استعداده ونقاوة قلبه واهتمامه فالبعض فهموا أن هذا صوت فقالوا ملاك والبعض لم يفهم أبدًا فقالوا رعد. وعمومًا فصوت الرعد يصاحب كلام الله كما حدث مع موسى. ونلاحظ أن المجتمعين لم يميزوا صوت الله ولم يفهموا ما قيل، فالناس في بشريتهم وخطيتهم لا يستطيعون أن يسمعوا صوت الله. ونلاحظ أن صلاة المسيح ليست مثل صلاتنا وفيها نرجو ونتذلل وننسحق ليقبلنا الله، ولكن هي نوع من إعلان الصلة بينه وبين أبيه ومن خلال هذه الصلة تنسكب القوة الإلهية لتساند الجسد الضعيف حتى ينتصر في معركة الموت. ويرى الناس هذه الصلة فيؤمنوا بأن المسيح هو من الله. وصلاة المسيح حيث أنه واحد مع الآب ومشيئتهما وإرادتهما واحدة تشير لأنه يعلن مشيئة الآب التي هي مشيئته أيضًا. مجدت= في حياته ومعجزاته وبره وأن كل الإتهامات ضده إرتدت على مقاوميه. كما شهد الآب للإبن في العماد والتجلي وقال "هذا هو إبني الحبيب" وكما شهدت الملائكة له يوم الميلاد قائلة "المجد لله في الأعالي.." هنا الآب يشهد للمجد الذي للابن منذ الأزل= وأمجد أيضًا= المجد الذي سيصير لناسوته بعد موته إذ يقوم ويصعد للسماء ويجلس عن يمين الآب. وسيؤمن به كل العالم ويسجدون له. بل من أجلكم= إذًا الصوت ليس لتشجيع المسيح لكن ليؤمنوا (هو إعلان للناس).
آية (31): "اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا."
قال دينونة ولم يقل الدينونة. فالدينونة مُعَرَّفَةْ بالـ هي في نهاية العالم. دينونة= يسقط بعنف نتيجة ضربة قوية ويخرج خارج دائرة المصارعة إذ إنهزم، هذا معنى الكلمة. والانتصار ليس أن الله انتصر على إبليس بل المسيح الإنسان انتصر لحسابنا عليه ليجذبنا بصليبه للسماء والغلبة هي لمن يؤمن (1يو4:5). ولكن هناك دينونات كثيرة كلٌ في ميعادها:-
1* فمحاكمة المسيح الظالمة سيقع ذنبها على من حكموا عليه، ولذلك خربت أورشليم على يد تيطس الروماني سنة 70م.
2* ولأن من حكموا على المسيح ظلمًا يحركهم الشيطان فلا بُد أن يسقط الشيطان بعد أن ساد العالم بظلمته طويلًا (لو18:10-19).
3* ولقد انكشف إبليس أمام الكل وصارت حيله معروفة مدانة لأولاد الله. المسيح ببره أظهر شر العالم والشيطان الذي يحرك العالم حين صلب العالم المسيح. فلا عذر لإنسان يسير وراء العالم.
4* لقد كان الصليب دليل إدانة العالم على كل شروره، فالعالم عوضًا عن أن يفرح بالمسيح قام عليه وصلبه (يو19:3+ 39:9+ 11:16). ومعروف أن الشيطان رئيس هذا العالم (يو30:14). ولقد تحوَّل الصليب إلى مجد للمسيح وحياة للمؤمنين وقوة يهزمون بها الشيطان.
5* وصار الصليب عار ودينونة وإدانة لمن صلبه ولمن لا يؤمن به. بالصليب سلب الله كل سلطان لإبليس على البشر (مت29:12). وجرده من كل نفوذ له كان يذلهم به ويجعلهم عبيدًا له (كو14:2-15). ومن ثم خلعه من عرشه وطرحه خارج العالم ليصير مجرد مخلوق حقير شرير متمرد على الله ينتظر في سجنه ساعة الدينونة (2بط4:2) مقيدًا بسلاسل بعد الصليب (رؤ1:20-3). ينتظر أن يلقى في النار الأبدية في نهاية الأيام (مت41:25+ مر24:1). صارت علامة الصليب ترعب إبليس، ولطالما تحول إلى دخان وهرب من أمام القديسين بعلامة الصليب.
6* ولكن طرحه بدأ بالصليب= الآن يُطرح لم يعد للشيطان سلطان على أولاد الله. هو خارج دائرة من هم للمسيح. هو يحاربهم لكن لا سلطان له عليهم.
7* وقوله دينونة العالم أي كشف وجه العالم الغادر والمقصود بالعالم هو المادية المعادية لروح الله. ونلاحظ أنه بالمعمودية يخرج الشيطان تمامًا من حياة المؤمنين ولكن يظل يحاربهم من خارج (لو21:11-22). والمسيح أعطانا القوة أن نطرده وأعطانا سلطانًا أن ندوس عليه بعد أن حررنا منه. ولكن هناك من يذهب له وبالتالي يفقد حريته لذلك ينبه المسيح أن لا نفعل ذلك (يو36:8).
8* بالصليب أدينت الخطية فينا أي ماتت وأصبحت بلا سلطان علينا (رو3:8).
الآيات (32-33): "وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ». قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ."
المسيح ارتفع على مرحلتين الأولى على الصليب (يو14:3+ 28:8) ثم الصعود (مر19:16+ لو51:9+ أع11:1). وكان الصليب هو طريق الصعود لأعلى فهو كان الخطوة الأولى. لذلك صار المؤمنون يشتهون الصليب بسبب الخطوة التالية وهي الارتفاع للمجد (يو1:14-3) كان كل هذا ردًا على طلب اليونانيين أن يروه. فهو سيجذبهم لأعلى وليس فقط سيرونه. بالإيمان سيرونه بالروح وهم على الأرض كما عرفه بطرس وقال "أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ ٱلْحَيِّ" (مت16: 16).
هنا يكشف لهم الروح حقيقته ومَنْ هو، وبعد ذلك يرونه في مجده إذ يرتفعون معه للمجد (يو17: 24). بارتفاع المسيح على الصليب سيجذب المؤمنين إلى الحياة الأبدية. مشيرًا= كلمة صليب كانت لعنة وصارت ارتفاع للمجد. لقد صارت كلمة ارتفاع تشير للصليب وتشير للصعود أيضًا، بل صارت قوة جبارة تجذب البشر للسماء وعكس قوى الشر. هو يجذب لكن ليس كل واحد يستجيب، وقوله الجميع= يهود وأمم.
آية (34): "فَأَجَابَهُ الْجَمْعُ: «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ابْنُ الإِنْسَانِ؟ مَنْ هُوَ هذَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟»"
تنبأ الأنبياء عن أن ملك المسيح أبدي (دا 13:7-14+ أش7:9+ حز25:37+ مز3:89-4، 35-36+ مز4:110) ولكن اليهود فهموا هذه النبوات خطأ لأنهم ظنوا أن ملك المسيح سيكون على الأرض ولم يفهموا أن ملكه سيكون ملك أبدي سماوي. ولذلك حينما قال المسيح إن ارتفعت عن الأرض (32) فهمها اليهود أنه سيموت، ومن هنا حدث اللبس فكيف يموت وهو المسيا الذي سيملك إلى الأبد. وكان خطأ اليهود فهمهم السطحي فكيف يقيم المسيح ملكًا أبديًا على أرض مصيرها الفناء. هو قال عن نفسه أنه ابن الإنسان فبحسب فهمهم أنه لو كان المسيح فابن الإنسان لن يموت.
الآيات (35-36): "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ."
النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ = المسيح هو النور الحقيقي (يو1: 9) . وهنا يرد السيد على تصورهم أن المسيح سيبقى على الأرض إلى الأبد. ومعنى كلامه ...
لا أنا لن أبقى للأبد بجسدي هذا على الأرض كما تظنون.
وهنا يعطيهم الرب نصيحة لأنهم متشككين ومعاندين. فبحسب فكرهم فالمسيح الآتي سيكون له ملك أرضي أبدي، لذلك رفضوا فكرة أن يرتفع المسيح تاركا الأرض كما قال لهم في الآية (33). والحقيقة أنهم لرفضهم للمسيح حسدا، فهم يفتشون على أي سبب ليرفضونه، ويحاولون أن يتصيدوا عليه أي خطأ بل حاولوا كثيرًا أن يوقعوا به في خطأ (مت22: 15) . فهم رسموا لأنفسهم صورة للمسيح المنتظر بحسب أفكارهم المادية ولم يجدوها في السيد المسيح المتواضع. والمسيح يعطيهم نصيحة أن لا يعاندوا متمسكين بآرائهم، فالله لن يسير بحسب أرائهم بل عليهم هم أن يسيروا بحسب فكر الله. الله يريد لهم ولنا حياة سمائية وهم يريدون حياة أرضية مادية. وطالما قال لهم المسيح أنه سيرتفع فهو إذًا سيرتفع ولن يغير خطته. وعليهم أن يصدقوا هذا ويتعلموا منه طالما هو على الأرض بجسده، فكلام المسيح هو "روح وحياة" (يو6: 63) و"كلام الحياة الأبدية عنده" (يو6: 68) . وبالتالي قد يعني كلامه أن عليهم أن ينتفعوا بفرصة وجوده معهم فهو النور القادر أن يقودهم. فهو ليس إنسان ذي جسد عادي مثل باقي البشر، بل هو الله - نور من نور (يو12:8+ 5:9+ 6:1-10+ 19:3). ونفهم من الكتاب المقدس أن النور هو الله ذاته (أي19:38+ دا22:2+ مز2:104+ مز1:27) وواضح أن المسيح يدعوهم لأن يؤمنوا به ليصيروا أبناء النور وينتهزوا فرصة وجوده على الأرض بجسده ليتعلموا.
ثم مضى وإختفى عنهم= غالبًا كان اختفائه بطريقة عجيبة ملحوظة من أمامهم. رمزًا لأنه سوف يصعد للسماء ولن يعودوا يرونه بالجسد بعد صعوده.
قد يُفهم من كلام المسيح أن عليهم أن يؤمنوا به طالما هو معهم بالجسد وهم قادرين أن يرونه ويدركوا نوره جسديا، وذلك قبل أن تضيع الفرصة إذ يصعد بجسده فلا يعودوا يرونه بجسده. وهذا صحيح جزئيا لليهود الذين يسمعونه.
فقول المسيح هذا لليهود الذين يسمعونه كان ليسمعوا تعاليمه ويستفيدوا منه ومن تعاليمه فلا يسقطوا في براثن الشيطان سلطان الظلمة = لئلا يدرككم الظلام = أي الشيطان والمعنى إن لم تقبلوني سيسيطر عليكم الشيطان سلطان الظلمة (لو22: 53). إذًا إنتهزوا الفرصة فمن لا يسير في النور لن يصل للحياة الأبدية.
وهذا ما حدث لليهود فعلا، فنتيجة عنادهم ورفضهم للمسيح سقطوا في الظلمة، ووصل بهم الأمر لصلب المسيح. والنتيجة خراب أورشليم وهلاك الملايين منهم على يد تيطس الروماني. بل لمدة 2000 سنة وهم مشردين في العالم كله مرفوضين ومنبوذين. وعلى كل من يسلك في الظلمة عليه أن يتوقع هذه النهاية. وكان المسيح يشفق على اليهود من هذا المصير ويعاتبهم أنهم رأوه وسمعوا تعاليمه ورأوا أعماله ولم يؤمنوا (يو6: 36 + يو8: 45 ، 46) .
ولكن هنا يثور سؤال... وماذا بعد صعود المسيح، كيف نرى نحن النور لنؤمن؟ وهل معنى كلام المسيح هنا لليهود أن يستغلوا فرصة وجوده على الأرض بالجسد ليؤمنوا، أنه لا طريق للإيمان بالمسيح إن لم نراه بالجسد؟
قطعا المسيح لا يقصد هذا على الإطلاق. فإن كان شرط أن نؤمن بالمسيح أن نراه جسديا، فكيف يؤمن البشر به في كل مكان وكل زمان.
وفي هذه الآيات يرسم المسيح لكل إنسان طريق الإيمان به، وطريق تغيير طبيعة الإنسان من طبيعة مظلمة إلى طبيعة نيِّرة. والطريق ببساطة أن من يريد أن تتغير طبيعته عليه أن يترك طريق الخطية والظلمة، وأن يسلك في النور أي يلتزم بوصاياه.
ولاحظ تسلسل كلام الرب فهو قال أولًا *سيروا في النور ثم تقدم خطوة فقال *آمنوا بالنور= آمنوا بي. *لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ = أي من يؤمن بالمسيح يتغير كيانيًا، يصير خليقة جديدة (2كو5: 17)، ويصير نوراني [هذه مثل "يصير نيرًّا كله" (لو36:11)].
*فسيروا ما دام لكم النور= في ترجمة أخرى (القطمارس katameroc) فسيروا في النور. وكل من يسلك في النور منفذا وصايا المسيح تاركا طريق الخطية، ستكون له العين المفتوحة التي ترى وتبصر النور. فالنور لا يراه سوى مفتوح العينين صاحب القلب النقي "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5 : 8). وهذا يعني أنه سيدرك المسيح حقيقة، فالمسيح هو النور، وهذا معنى مثل الرب في (مت7: 24 – 27) .
*آمنوا بالنور = ومن إنفتحت عيناه سيرى المسيح ويعرفه، ومن يعرفه حقيقة سيحبه وسيؤمن به. بل سيسكن عنده الآب والابن (يو14: 23) .
*لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ = من يسكن عنده الآب والابن ستتغير طبيعته إلى طبيعة نورانية، فالنور الحقيقي يسكن فيه وينعكس عليه.
وكل إنسان أمامه طريق من اثنين:-
1) إما يختار المسيح فيختار طريق النور والحياة الأبدية، ولاحظ أن من يختار هذا الطريق يساعده المسيح، فبدون المسيح لن نقدر أن نفعل شيئا (يو15: 5) .
2) أو يختار الإنسان طريق الظلمة أي طريق الخطية وشهوات الجسد، فيقع في براثن سلطان الظلمة أي الشيطان (لو22: 53) ونهاية هذا الطريق الموت.
وهذا نفس ما ردده موسى النبي في العهد القديم "قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فإختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك" (تث30: 19) .
آية (مت17:21):-"
ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ. "المسيح يبيت في بيت الألم (عنيا) فهو يرفض الملك الزمني الذي أراده له الذين استقبلوه في أورشليم.
* انظر أيضًا: كتاب دلال أسبوع الآلام.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/796hhxh