محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
في الأصحاح السابق كشف الحكيم عن غباوة الوثنيين، سواء بعبادتهم للطبيعة الجميلة المملوءة إبداعًا أو عناصرها، أو عبادة تماثيل هي من صنع الإنسان. وسخر الكاتب من الإنسان الذي لا يستخدم عقله ليطلب الخالق لا المخلوقات. والذي يطلب من قطعة خشبة ميتة عاجزة عن الحركة، وتحتاج إلى من يحفظها ويصونها، لكي ما تسنده وترشده وتقوده.
الآن يكمل الحكيم حديثه بتقديم مقارنة بين السفينة الخشبية والصنم الخشبي، حيث في غباوة يطلب من الصنم الضعيف أن يحمي السفينة.
ويحلل الكاتب ما وراء الأصنام وعلة ظهور العبادة الوثنية، كما يكشف عن دور الوثنية في تضليل البشر.
1 -11. |
||
12. |
||
13 -14. |
||
15 -17. |
||
18 -21. |
||
22 -29. |
||
ا. ضلال المعرفة ب. عادات جنونية ج. الابتهاج بالشر |
22. 23 -27. 28 -29. |
|
30 -31. |
||
من وحي الحكمة 14 |
1 وَآخَرُ، قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ، وَيَسِيرَ عَلَى الأَمْوَاجِ الْمُعَرْبِدَةِ، يَسْتَغِيثُ بِخَشَبٍ هُوَ أَقْصَفُ مِنَ الْمَرْكَبِ الَّذِي يَحْمِلُهُ. 2 لأَنَّ الْمَرْكَبَ اخْتَرَعَهُ حُبُّ الْكَسْبِ، وَصَنَعْتَهُ الْحِكْمَةُ الْمُهَنْدِسَةُ، 3 لكِنَّ عِنَايَتَكَ أَيُّهَا الأَبُ هِيَ الَّتِي تُدَبِّرُهُ، لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا، وَفِي الأَمْوَاجِ مَسْلَكًا آمِنَّا، 4 وَبَيَّنْتَ أَنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تُخَلِّصَ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ، وَلَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ مَنْ يَجْهَلُ صِنَاعَتَهُ. 5 وَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ لاَ تَكُونَ أَعْمَالُ حِكْمَتِكَ بَاطِلَةً؛ فَلِذلِكَ يُودِعُ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ خَشَبًا صَغِيرًا؛ وَيَقْطَعُونَ اللُّجَّةَ فِي سَفِينَةٍ وَيَخْلُصُونَ. 6 وَفِي الْبَدْءِ أَيْضًا حِينَ هَلَكَ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ، الْتَجَأَ رَجَاءُ الْعَالَمِ إِلَى سَفِينَةٍ، وَأَرْشَدَتْهُ يَدُكَ فَأَبْقَى لِلدَّهْرِ ذُرِّيَّةً تَتَوَالَدُ. 7 فَالْخَشَبُ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْبِرُّ هُوَ مُبَارَكٌ، 8 أَمَّا الْخَشَبُ الْمَصْنُوعُ صَنَمًا فَمَلْعُونٌ هُوَ وَصَانِعُهُ. أَمَّا هذَا فَلأَنَّهُ عَمِلَهُ، وَأَمَّا ذَاكَ فَلأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ فَاسِدًا سُمِّيَ إِلهًا. 9 فَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْمُنَافِقَ وَنِفَاقَهُ عَلَى السَّوَاءِ، 10 فَيُصِيبُ الْعِقَابُ الْمَصْنُوعَ وَالصَّانِعَ. 11 لِذلِكَ سَتُفْتَقَدُ أَصْنَامُ الأُمَمِ أَيْضًا، لأَنَّهَا صَارَتْ فِي خَلْقِ اللهِ رِجْسًا، وَمَعْثَرَةً لِنُفُوسِ النَّاسِ، وَفَخًّا لأَقْدَامِ الْجُهَّالِ،
يتحدث الحكيم هنا عن الذين يبدعون في صناعة السفن، ثم يثبتون تمثالًا خشبيًا للإله في مقدمة السفينة أو مؤخرتها، ظانين أنه قادر أن يحمي السفينة، مقدمين له ذبائح يومية.
يشير سفر الأعمال (أع 28: 11) إلى مثل هذا الأمر حيث يذكر سفينة إسكندرانية تتسم بعلامة الجوزاء أو الأخوين، يُنظر إليها أنهما ابنا الإله زيوس اليوناني كاستور وبولكس. كان الفلاحون يضعون صورتهما على سفنهم كإلهين يحفظان السفن من الغرق.
لقد وهب الله الإنسان المهارة لصنع السفن بحكمة، وذلك كما أعطى هذه المهارة للذين عملوا خيمة الاجتماع (خر 31: 3؛ 35: 31، 36؛ حك 8: 6). لكن الله هو الذي يحفظ السفينة ، إذ حكمة الله هي التي تقود العالم في البر والبحر والجو والفضاء.
وآخر قبل أن يركب البحر ويسير على الأمواج العاتية،
يستغيث بخشبةٍ أشد هشاشة من المركب الذي يحمله. [1]
يقدم مثالًا للملاّح الذي يستغيث بإله خشبي مادته أردأ من الخشب الذي صُنعت منه سفينته. هكذا يسخر الكاتب من الصنم نفسه، كما إلى الملتجئ إليه.
أية غباوة أن يلجأ الإنسان للنجدة وسط البحر بخشبة الصنم عوض الثقة في خشبة السفينة التي تُبنى وتُقاد بحكمة صادرة من فوق...
كيف يمكن للضعيف أن يحمي من هو أقوى منه؟ هذه الآلهة الخشبية أضعف بكثير من السفينة، وبالتالي أضعف من الإنسان صانع السفينة.
لأن هذا المركب اخترعه حُبُّ الكسب،
وصنعته الحكمة الفنانة. [2]
يقارن الحكيم بين صانع السفينة وصانع التمثال الخشبي. كلًا من السفينة والتمثال الخشبي من صنع الإنسان، يكشفان عن مهارته. لكن الأول قدٌَم ما هو لنفع البشرية، حيث الحاجة إلى الإبحار سواء للتصيد أو للانتقال بين البلدان الساحلية، أما الثاني فيفسد الصانع وقته بما يًفسد به عقول البسطاء.
يليق بصانعي الأصنام ألاَّ يفسدوا مواهبهم ومهارتهم وقدراتهم في أصنام معيبة لا نفع لها، بل يستخدموها فيما هو لبنيان البشرية، كصناعة السفن إلخ.
لكن عنايتك، أيها الآب هي التي تقوده،
لأنك جعلت لها طريقًا حتى في البحر،
وفي الأمواج مسلكًا آمنًا. [3]
هنا يدعو الحكمة الإلهية "العناية الإلهية"، فحكمة الله حب لا نهائي. لأول مرة يظهر تعبير "العناية الإلهية" في الكتاب المقدس، رغم أنها فكرة يؤكدها الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (يش 4: 24؛ 1مل 18: 46).
العناية الإلهية تعني الحب الإلهي الدائم العمل لحساب الخليقة المحبوبة لدى الله، وهي عمل خلاًَّق.
ظهرت عناية الله الفائقة حين أقام طريقًا لشعبه ومؤمنيه، ومسلكًا آمنًا في الأمواج، الأمر الذي اختبره نوح وأسرته وسط الطوفان، والشعب الإسرائيلي أثناء خروجه وعبوره البحر الأحمر إلى البرية.
وسط أمواج بحر هذا العالم يتكئ المؤمن على صدر الله خالق البر والبحر، فيطمئن، مستظلًا تحت جناحي العناية الإلهية.
لم يجد يونان النبي طريقًا أعذب وأكثر أمانًا من ذاك الذي وهبه الله، حين ألقاه النوتية في البحر الثائر. لقد اعد له الرب حوتًا عظيمًا ليبتلعه (يونان 17:1). في داخله تمتع بسفينة فريدة ليست من صنع إنسان، رفع قلبه إلى الله فتمتع بما لم يتمتع به رؤساء الكهنة في قدس الأقداس، إذ يقول "جاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك" (يونان 7:2). قدم تسبحة فريدة عن بهجة القيامة: "للرب الخلاص" (يونان 9:2). يراه القديس يعقوب السروجي وديعةً محفوظة في جوف الحوت. حيث لا يوجد رجاء؛ يتجلَّى قدامه الرجاء في الرب، وحيث وُجد الموت تلامس مع الحياة الجديدة المُقامة!
*
حينئذ أعد الرب حوتًا كما كُتب، وبلع يونان ليعظمه بين الأمواج. حوت عظيم قبله في دهشة، حفظه كوديعةٍ حتى لا تلطمه الأمواج المحيطة به.في المكان الذي ليس له فيه رجاء التقى به الرجاء، ومن داخل الموت نبعت الحياة برمزٍ خفيٍ.
في الموضع الذي ليس فيه ساتر ولا مخلص، ستره الحنان، ليسترد الحياة من الموت.
* سار يونان في الطريق المخوف بلا صحبة. وتبعته المراحم وصارت في صحبته...
أسرع في طريقه إلى مكانٍ مرعبٍ بغير خوفٍ. وحيث ليس مخلصون ولا حافظون حفظ الرب ابن العبرانيين حتى لا يفسد...
سفينة جديدة اقتناها يونان لم تنكسر، وجلس وسار في قلب البحر بسرعة.
سفينة مدهشة تغوص وتجس أعماق البحر، وحمولتها محفوظة لا يبلغها أذى.
سفينة سائرة لا بواسطة الرياح على وجه المياه بل بالحميم داخل المياه بغير ملاحين.
سكن في بيتٍ يسلك بين الأمواج في دهشةٍ، وعندما يتقلب لا يفرغ ما فيه.
* حديثه مدهش، كاهن يصلي بإطالة، وهيكله بين الأمواج بسرعة.
المذبح داخل الحوت، والصوت عوض القرابين، وقدس الأقداس الذي لا يدخل فيه إلا واحد (رئيس الكهنة).
هيكل لم يبنهِ إلا مَنْ هو مولود في داخل المياه. جاء الكاهن من اليابس ودخل وقَدَّس فيه.
في المسكن يوجد هرون، وعلى رأس الجبل إيليا، وفي الهيكل سليمان، وفي داخل الحوت يونان، إنه مذبح بتولي لم يدخل أحد يكهن فيه منذ دخله الكاهن البهي بالخدمة الفريدة.
قول مدهش، لما أرعد (يونان) في أحشاء الحوت، وصعدت صلاته، وليس من شيءٍ يعوقها.
لقد شقت صلاته الأعماق، ولم تعُقها البحار، طارت إلى العلو، ولم يغرقها العمق العظيم.
زاحمت ودخلت وسط الملائكة ولم تُمنع. التقي بها صفوف الناريين ولم تتبكت.
ربطت (الصلاة) يديها، وصرخت بألمٍ قدام العظمة الإلهية. أحنت رأسها وسألت الرحمة من الحنان الإلهي. اضطربت ورعد صوتها بالتضرع بقيثارتها الحلوة، ونطق فمها يطلب المراحم. يا ربي ذاك العبد المحبوس في قاع البحر أرسلني، وأنا أتيت أقدم السؤال.
مبينًا أنك قادر أن تخلِّص من كل خطرٍ،
حتى إذا ركب البحر من لا دراية له. [4]
لم يكن ليونان دراية أن يقود حوتًا في البحر، وهو في جوفه، لكنه أدرك أن القائد الحقيقي هو ذاك الذي أعد له الحوت.
لقد خلصه من الخطر، بل ودخل به إلى أمجاد فائقة. وخلص الله شعبه قديمًا الذي عاش في مصر يرعى البهائم، لا خبرة له بالبحار، فإذا به يسير في طريقٍ جافٍ وسط المياه، لم تعبر أرجل بشرٍ من قبل ولا عبر فيه أحد من بعد بهذه الكيفية الفائقة. يا لرعاية الله وحبه لنا، حتى حين لا تكون لنا دراية بعبور الطرق الخطرة!
أنت تُحب ألا تكون أعمال حكمتك عقيمة،
ولذلك يودِعُ الناس أنفسهم خشبة صغيرة،
فيقطعون الأمواج في طوفٍ ويَسلَمون. [5]
من محبة الله لنا أنه يستخدم الأمور الصغيرة لخلاصنا كي نشعر بعنايته، ولا نتكل على قدراتنا كأننا قادرون على الخلاص بمجهوداتنا البشرية الذاتية. كثيرًا ما تتحول السفن الكبيرة إلى موضع خطر لمن هم فيها، فيلجأ المسافرون كما البحارة إلى قطعٍ خشبيةٍ بسيطةٍ لا تقارن مع عظمة السفينة، فيشعر الناجون من الخطر أنهم كانوا محمولين لا على قطعٍ خشبية، بل على الأذرع الإلهية. في وسط الأمواج الخطيرة، يقول الرسول بولس: "سلمنا فصرنا نُحمل" (أع 15:27).
وفي البدء كان الجبابرة المتكبرون يهلِكون،
فالتجأ رجاء العالم إلى طوفٍ(543)،
وكانت يدك تقوده،
فأَبقى للدهر ذرية تتوالُد. [6]
غالبًا ما يشير الحكيم إلى قصة الطوفان، حيث ظن البشر الأشرار في كبرياء أنه ليس من يقدر أن يصدهم عن شرورهم، فهلكوا بالطوفان. أما نوح وعائلته، أي جماعة المؤمنين، فدخلوا الفلك الخشبي كأنه طوق نجاة، عبروا به فترة الطوفان المهلكة ليخرجوا إلى عالم تجدد لخدمتهم. لقد أبقى الله هذه الثماني أنفس لتجديد البشرية.
* لما استمر عمل المهندسين واقترب من النهاية، ضحك الفسقة على الوقور وسخروا منه،
كان يخبرهم بما كان يسمعه من الله، وهم كانوا يكثرون إهانة تعليمه،
يا اخوتي لعلهم حسبوه مجنونًا لما كثّر من تحذيرهم ورموا فُلكه بالهزء،
كان يتنهد على الأثمة لأنهم جهال، وهم كانوا يضحكون من العمل الذي كان ينفذه،
بدأ يبني المقصورة الجديدة من الألواح المصفوفة حسب مقاييس أخذها من الله،
ارتفع البناء وانتهى بعد مائة سنة ثم نجز كل العمل بالتمام (تك 5: 32؛ 6: 8، 11)،
بُحّ صوت نوح البار لما كان يكرز، وبنو الإثم أهملوا وأثموا بزيادة،
قدّم لهم تعليمًا بقدر استطاعته، وكان يتضاعف إثم الأرض بزيادة،
عمله العظيم كان يشهد على كلماته، ولم تكن تُسرد قصة هزلية من قبل البار،
ذاك الإتقان العجيب الذي كان يصنعه يبين الحقَ الذي كان يتكلم به،
كان يلزم أن يعرف الجيل الشرير أن نوحًا لم يكن يتعب عبثا في عمله،
المنظر العظيم احتقرته أعينهم، والكرازة احتُقرت من قبل آذانهم،
لم يفهموا بالعمل الذي جرى هناك، ولم يسترشدوا بصوت التعليم،
كانت قلوبهم وأعينهم مع آذانهم مغلقة، لان أبواب أفكارهم أُغلقت بإرادتهم،
لما فاض كيل الذنوب من قبل الأثمة، ونقصت وقلت فرصة التوبة،
لما فسد كل الجيل بقطع الرجاء والغضب، اغلق بابَ المراحم وحبسهم،
لما أمهل المنتقم وانتظر ليطلبوا منه، ولم يوجد صوت يتوسل لنيل الغفران،
لما خجلت النعمة من العدالة: إلى متى تطيل الأناة لأنهم لم يجنوا أية فائدة،؟
لما شيدت طوابق ذلك الفُلك لم يبقَ إلا أن يدخل نوح ثم يأتي الغضب.
فالخشبة التي بها يحصل البرُّ هي مباركة. [7]
استخدم الله خشبة الفلك لإنقاذ مؤمنيه، عوض التماثيل الخشبية التي يظن البحارة أنها قادرة على إنقاذهم من مخاطر البحار، سواء الأمواج العاتية أو قراصنة البحار.
يقارن هنا بين التمثال الخشبي، وخشبة الصليب. الأولى صنم يسقط تحت اللعنة هو وصانعة والمتعبد له. أما الثانية فتحمل مخلص العالم كله.
* أتى رب إبراهيم إلى بيت أصدقائه ليزورهم، ولما خرج أبناء إبراهيم أعطوه الصليب،
كان يحمل صليبه، ويخرج من عند صالبة ربها، لأنها لم تعطهِ بدل حسناته سوى هذا (الصليب)،
صار لها طبيبًا وشفى كل جروحها، ولما كان يخرج لم يتزود إلا بالصليب،
أُصدر حكم ابن الله بالإثم، وخرج ليموت مع الأثمة بدون ذنب (مر 15: 28).
* يقول الإنجيل "فأخذوا يسوع ومضوا به. فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال موضع الجمجمة" (يو 19: 16-17).
لقد خرج يسوع إلى الموضع الذي يصلب فيه حاملًا صليبه...
يا له من مشهد عظيم!
يراه الناظر الشرير مشهدًا مملوءًا سخرية، وأما الناظر التقي فيراه سرًا عظيمًا!
الشرير يراه تأكيدًا عظيمًا للعار والخزي، والتقي يراه حِصنًا منيعًا للإيمان!
الشرير يراه فيضحك إذ يرى ملكًا حاملًا شجرة العقاب عوض صولجان الملك، وأما التقي فيرى ملكًا حاملًا الصليب لأجل صلبه هو... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). حيث سيثبت الصليب على الجباة... إذ يقول الرسول بولس: "وأما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلا 6: 14).
لقد كان يمدح نفس صليب المسيح، الذي كان يحمله على كتفيه، كسراج منير يحترق دون أن يوضع تحت مكيال (مت 5: 15).
* بالشجرة التي قتلنا بها (الشيطان) أنقذنا الرب!
بالخمر الذي به صرنا مخبولين، صرنا به (في التناول) طاهرين!
لقد تدفق من الجنب (الإلهي) قوة سرية، حطمت الشيطان مثل داجون (1 صم 5: 1-5)، لأن في هذا التابوت يختبئ كتاب يصرخ عنا: "المنتصر" (السيد المسيح)!
مبارك هو هذا الذي كحمل حقيقي خلصنا، وأهلك مهلكنا كما حدث مع داجون!
الذئب القديم (الشيطان) رأى الحمل... فارتعب منه رغم إخفائه لنفسه. فكما أن الذئب حمل ثوب الحملان، هكذا صار الراعي "حمَلًا" وسط الحملان، حتى متى تجاسر الذئب النهم ليفترس الحمَل الوديع يرد هذا القدير ذاك المفترس!
أما المصنوعة صنمًا فملعونة هي وصانعها،
أما هذا فلأنَّهُ عمِلها،
وأما تلك فلأنها مع كونها قابلة للفساد،
سُمِّيت إلهًا. [8]
يقدم الحكيم سرٌ لعنة كل من مادة الصنم وصانعه. فالمادة في ذاتها ليست شرًا، ولا الإنسان كخليقة الله شر، لأن كل ما خلقه الله صالح. شر المادة في استخدامها كصنمٍ، يغتصب مجد الله، ويسكنه إبليس يخدع به البشر. وشر الإنسان لا في جسمه ولا في نفسه، وإنما في انحراف إرادته، حيث يحمل إرادة مقاومة للحق الإلهي.
العالم جميل وحسن والجسم صالح والنفس صالحة، انحراف أي خليقة عن مسارها الذي من أجله خلقت يفسد كيانها ويجعلها شريرة.
* "أما المصنوعة صنمًا ملعونة هي وصانعها" (حك 14: 8) ليس بمعنى أن ما ليس فيها حياة ملعونة بذاتها، بل بقولة "المصنوعة" يقصد بدقة الصنم الجامد (الذي مسكنه الشيطان)(544).
فإن الله يبغض الشرير وشره على السواء. [9]
الله لا يبغض خليقته، إنما لا يطيق ما لا يتناسق مع قداسته. فالشرير الجاحد للإيمان، سواء بفمه أو بعمله، لا يستطيع أن يتمتع بالشركة مع القدوس ما لم يقبل التقديس بروح الله.
هنا يبغض الله الإرادة الشريرة التي للشرير، كما يبغض الشر ذاته.
فالمصنوع والصانع يُعاقبان. [10]
كثيرًا ما سمح الله للأنبياء أن يدمروا الأوثان، كما فعل موسى النبي الذي سحق العجل الذهبي وذٌراه (خر 32: 20). أما عبدة الأصنام، فيسمح الله بتأديبهم في هذا العالم، وإن لم يكفوا عن ذلك فستكون عقوبتهم نار جهنم الأبدية.
لذلك ستُفتقد أصنام الأمم أيضًا،
لأنها أمست في خلق الله رجاسة،
وحجر عثرة لنفوس الناس،
وفخًا لأقدام الأغبياء. [11]
للأسف سليمان الحكيم نفسه إذ تزوج بأجنبيات وثنيات عبد آلهتهن (1 مل 11: 8)، فكم بالأكثر تتعرض النفوس البسيطة للسقوط في هذه العبادة!
12 لأَنَّ اخْتِرَاعَ الأَصْنَامِ هُوَ أَصْلُ الْفِسْقِ، وَوِجْدَانَهَا فَسَادُ الْحَيَاةِ. 13 وَهِيَ لَمْ تَكُنْ فِي الْبَدْءِ، وَلَيْسَتْ تَدُومُ إِلَى الأَبَدِ،
إن فكرة صناعة الأصنام هي أصلُ الزنى،
واختراعها فساد للحياة. [12]
خُلق الإنسان يحمل في داخله ناموسًا طبيعيًا يدفعه للعبادة لله الحيّ، يجد في تحقيق هذا الدافع راحة وسلامًا، لكن إذ أعطى الإنسان ظهره لله، ورفض وصيته الإلهية، ثارت شهوات جسده عليه، وتملكت وسادت على إرادته. وفي نفس الوقت يريد أن يتعبد، فاستبدل الله غير المنظور والذي يبكت ضميره بآلهة كاذبة يراها ويلمسها ويسترضيها بكل وسيلة، حتى بتجريح جسمه أو ذبح أبنائه، ليهدأ من ضميره.
ترتبط العبادة الوثنية بالزنا. فمن جهة علاقة المؤمنين بالله كعلاقة العروس بعريسها، فإن أعطته ظهرها لترتبط بآلهة وثنية تكون قد سقطت في خيانة زوجية. لذلك قيل غن إسرائيل الخائنة: "أين كتاب طلاق أمكم" (إش 20:15). كما قيل: "احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض، فيزنون وراء آلهتهم، ويذبحون لآلهتهم، فتُدعى وتأكل من ذبيحتهم، وتأخذ من بناتهم لبنيك. فتزني بناتهم وراء آلهتهن، ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن" (خر 15:34-16). أصل الوثنية هو فساد فكر الإنسان والخيانة لله الخالق، والذي يحسب زنا للنفس التي تتخلى عن اتحادها بخالقها لترتبط بأوثانٍ ملعونة.
هذا ومن جانب آخر كثيرًا ما ارتبطت الوثنية بالزنا الجسدي، أحيانًا حتى في هياكل الأوثان نفسها.
يظهر ارتباط الوثنية بالزنا مما ورد عن عبادة الشعب للعجل الذهبي، إذ قيل "وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب" (خر 6:32). هنا يعني باللعب مداعبات جنسية.
* اكتشفت (عبادة الأصنام) بين البشر لا لسبب سوى وجود الشهوات بين الذين تخيلوها(545).
* إذ اختبرت النفس البشرية شتى الملذات، وتناست الإلهيات، وسُرت بالأكثر بملذات الجسد التي وضعتها نصب عينيها، ولم تحفل بشيء سوى بالأشياء الحاضرة والتأمل فيها، لم تعد تفكر أنه يوجد خير سوى الأشياء الوقتية والجسدية. لذلك فإنها، وقد تحولت وتناست أنها كانت على صورة الله الصالح، لم تعد بالقوة التي بها ترى الله الكلمة الذي خُلقت على مثاله. لكنها إذ ابتعدت عن نفسها، صارت تتوهم وتتخيل ما ليس له وجود(546).
* إذ فقد أناس العصر السابق عقولهم، وغرقوا في الشهوات وأوهام الأشياء الجسدية، ونسوا معرفة الله ومجده لبلادة عقولهم، أو بالأحرى لانعدام عقولهم، فإنهم جعلوا لأنفسهم آلهة من الأشياء المنظورة، ممجدين المخلوق دون الخالق الإله، ومؤلهين المصنوعات دون السيد علتها وخالقها(547).
* من يخدم آلهة باطلة هو دون شك زانٍ من وراء الحق، لأن كل بطلان هو زنا. هكذا يغطس في الزنا(548).
* سعيدة هي راحيل التي اخفت أصنام الأمم الباطلة وأعلنت أن صورهم مملوءة عدم طهارة. ولا يعتقد أحد أنها قد أساءت إلى تكريم والدها ووقارها له كأبٍ، لأنها جلست بينما كان هو واقفًا (تك 35:31). إذ مكتوب: "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 37:10)(549).
المرأة التي تزني لا تلتصق برجلها، لا تكون جسدًا واحدًا معه (1 كو15:6-16)، بل تعزل نفسها وتفصل نفسها عنه بزناها. هكذا كل نفسٍ لا تلتصق بالله بل تسلك في الزنا بخضوعها لعبادة الأصنام الباطلة تنفصل بدنس المقدسات المُفجع عن الرب بينما كان يلزم أن تلتصق به. ومن يعتزل الرب يهلك(550).
ولن تبقى للأبد. [13]
إذ خلق الإنسان صالحًا وطاهرًا، ارتبطت الطهارة بعبادة الله الخالق منذ البداية. لكن إذ سيطر الفساد على الإنسان واستعبد نفسه للملذات الجسدية وسقط في الزنا، انحرف عن عبادة القدوس، وصار يتعبد للأوثان أو المخلوقات، وهذه تزول يومًا ما.
الالتصاق بالإله الحقيقي القدوس يدخل بنا إلى الخلود حيث البُر الإلهي، والانغماس بالشهوات الجسدية يدفعنا إلى الهلاك والدمار، لأنها لا تدوم.
14 لأَنَّهَا إِنَّمَا دَخَلَتِ الْعَالَمَ بِحُبِّ النَّاس لِلْمَجْدِ الْفَارِغِ، وَلِذلِكَ قَدْ عُزِمَ عَلَى إِلْغَائِهَا عَنْ قَرِيبٍ.
دخلت العالم بحب الناس للمجد الباطل،
ولذلك كتبت لها نهاية عاجلة. [14]
بجانب الزنا يوجد دافع آخر لعبادة الأوثان إلا وهو حب المجد الباطل. فعبادة الله المتواضع يدفع النفس للتمتع بالمجد الداخلي، أما عبادة الأوثان الباطلة فتمَّجد الإنسان وصناعته.
كأن عبادة القدوس المتواضع ترتبط بالنفوس المتواضعة، وعبادة الأوثان والاستعباد للشيطان المتكبر ترتبط بسقوط الإنسان. لا نعجب من تحذير الكتاب المقدس: "يقاوم الله المستكبرين".
15 وَذلِكَ أَنَّ وَالِدًا قَدْ فُجِعَ بِثُكْلٍ مُعَجَّلٍ؛ فَصَنَعَ تِمْثَالًا لاِبْنِهِ الَّذِي خُطِفَ سَرِيعًا، وَجَعَلَ يَعْبُدُ ذلِكَ الإِنْسَانَ الْمَيْتَ بِمَنْزِلَةِ إِلهٍ، وَرَسَمَ لِلَّذِينَ تَحْتَ يَدِهِ شَعَائِرَ وَذَبَائِحَ. 16 ثُمَّ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ تَأَصَّلَتْ تِلْكَ الْعَادَةُ الْكُفْرِيَّةُ؛ فَحُفِظَتْ كَشَرِيعَةٍ، وَبِأَوَامِرِ الْمُلُوكِ عُبِدَتِ الْمَنْحُوتَاتُ. 17 وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَطِعْ النَّاسُ إِكْرَامَهُمْ بِمَحْضَرِهِمْ لِبُعْدِ مُقَامِهِمْ، صَوَّرُوا هَيْئَاتِهِمِ الْغَائِبَةَ، وَجَعَلُوا صُورَةَ الْمَلِكِ الْمُكْرَمِ نُصْبَ الْعُيُونِ، حِرْصًا عَلَى تَمَلُّقِهِ فِي الْغَيْبَةِ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ.
هناك والدٌ فُجعَ بحدادٍ مُعجَّل،
فصنع تمثالًا لابنه الذي خُطف سريعًا،
وجَعلَ يُكرِّم إكرامه لإله،
ذلك الذي كان بالأمس إنسانًا ميتًا،
ورسم للذين تحت يده أسرارًا وطقوسًا. [15]
يقدم الكاتب مثالًا لنشأة عبادة الأوثان. والد فقد ابنه الصغير، فصنع له تمثالًا تذكارًا له، وتحولت الذكرى إلى عبادة، وأوجد لنفسه نظامًا معينًا لعبادة تمثال ابنه.
الأمر الطبيعي أن الأبناء والأحفاد يتعبدون لأسلافهم (2 مك 11: 13)، لكن عُرف أيضًا عن العبادة للموتى من الأبناء لدى المصريين وغيرهم(551).
جاء عن شيشرون الخطيب الشهير أنه قد ألَّه ابنته توليا بعد موتها.
ثم رسخت تلك العادة الشريرةُ على مرِّ الزمان،
فحُفظت كشريعة،
وبأوامر المُلوك أصبحت المنحوتات موضع عبادة. [16]
المثل الثاني لنشأة الوثنية هو إقامة الملوك تماثيل لتكريمهم، ثم طالبوا الشعب بالعبادة لها.
تأليه الحكام انتشر بواسطة Euhemerus حوالي عام 290 ق.م(552).
والناس الذين لم يستطيعوا لأن يُكرِموهم بحُضورهم لبُعدِ مُقامِهم،
صَوَّروا هيئاتهم عن بعد،
وصنعوا للمَلك المُكرَّم صورةً منظورة،
لكي يُعرِبوا بغيرتهم عن تملُّقٍ للغائبِ كأنه حاضر. [17]
أما عن أهم شرور العبادة الوثنية فمنها بث روح النفاق، فكان العظماء والشعب يتسابقون على تقديم العبادة لتماثيل الملوك تملقًا ومداهنة، معتبرين تمثاله يقوم مقامه.
* لنحسب أن كل عبادة وثنية هي عبادة تقدم لبشرٍ...
تُدان العبادة الوثنية ليس من أجل الأشخاص موضوع العبادة، وإنما من أجل ممارستها لحساب الشياطين. "أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر" (مت 21:22، مر 17:12، لو 25:20).
يكفي أن يضع مقابل هذا: "أعطوا ما لله لله"، فماذا إذن يبقى لقيصر...؟ لقد طلب الرب أن يقدموا له مالًا، وسأل صورة من هذه؟ وإذ سمع أنها صورة قيصر، قال: "أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر"(553).
* نحن نتضرع إلى الله الأبدي، الله الحقيقي، الإله الحي، من أجل صحة رؤسائنا...
يليق بهم أن يدركوا ممن نالوا سلطانهم، إنهم كبشرٍ يعلمون ممن نالوا الحياة ذاتها. إنهم مقتنعون أنه هو الله الوحيد، وعلى قوته يعتمدون تمامًا...
إليه نحن المسيحيون نرفع أعيننا ونبسط أيادينا إذ نحن أبرياء، ورؤوسنا مكشوفة إذ لسنا في حاجة أن نخجل، وأخيرًا بدون حاجة إلى من يحثنا، لأننا نصلي من القلب، ونتضرع دومًا من أجل كل أباطرتنا. نطلب لهم حياة طويلة، وإمبراطورية هادئة، ومسكنًا آمنًا، وجيوشًا قوية، ومجلس شيوخ مُخلصًا، وعالمًا في سلامٍ وكل ما يشتهيه هذا الإنسان وقيصر(554).
* نحن نكرم الإمبراطور، إذ يُسمح لنا بتكريمه، وذلك بكونه إنسانًا يأتي بعد الله(555).
18 ثُمَّ إِنَّ حُبَّ الصُّنَّاعِ لِلْمُبَاهَاةِ، كَانَ دَاعِيَةً لِلْجَاهِلِينَ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي هذِهِ الْعِبَادَةِ، 19 فَإِنَّهُمْ رَغْبَةً فِي إِرْضَاءِ الآمِرِ، قَدْ أَفْرَغُوا وُسْعَهُمْ فِي الصِّنَاعَةِ، لإِخْرَاجِ الصُّورَةِ عَلَى غَايَةِ الْكَمَالِ، 20 فَاسْتُمِيلَ الْجُمْهُورُ بِبَهْجَةِ ذلِكَ الْمَصْنُوعِ، حَتَّى إِنَّ الَّذِي كَانُوا قَبْلَ قَلِيلٍ يُكْرِمُونَهُ كَإِنْسَانٍ عَدُّوهُ إِلهًا. 21 وَبِهذَا كَانَ اقْتِنَاصُ الْخَلْقِ؛ فَإِنَّ رَزِيئَةَ بَعْضِ النَّاسِ أَوِ اقْتِسَارَ الْمُلُوكِ اسْتَعْبَدَهُمْ، حَتَّى جَعَلُوا عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الاِسْمَ الَّذِي لاَ يُشْرَكُ فِيهِ أَحَدٌ.
ثم إن طموح الفنان حمل حتى الذين لم يكونوا يعرفونَه،
إلى نشر عبادتِه. [18]
إساءة استخدام المواهب، فالفنان صانع التماثيل لا يصنعها للملوك كما هم عليه بل يبذلون الجهد ليسكبوا عليها مسحة جمال لا توجد في الملوك أنفسهم. فتحول الفن إلى فخ لاصطياد الناس للشر.
ولعله كان يرغب في إرضاء المَلك،
فكلَّف فنَّه ليكون إخراجه أجمل من الحقيقة. [19]
مع ما وهب به الفنان من مهارة ما يشغله ليس احترام موهبته الفنية، وإنما إرضاء الملك، لأجل مكسبٍ مادي أو معنوي.
فاستُميلَ الجمهور بروعةِ إنتاجه،
حتى إن الذين كانوا قبل قليلٍ يُكرمونَه،
إكرامَ إنسانٍ عدُّوه معبودًا. [20]
أساء الفنان استخدام موهبته، فقدم فنه لأغراء الناس على نسب الألوهة لإنسان ما. وقد حذرنا الله نفسه من هذا، قائلًا: أنا الرب، هذا أسمي، ومجدي لا أعطيه لأخر، ولا تسبيحي لمنحوتات" (إش 8:42).
ومما أمسى فخًا خفيًا للبشرية،
أن أُناسًا استعبدتهم المُصيبة أو السلطة الملوكية،
فأطلقوا على الحجارة والأخشاب الاسم الذي لا يُشرَك فيه أحد. [21]
يحسب الحكيم إقامة الأصنام والعبادة لها كارثة، غالبًا ما يكون دافعها حب السلطة والمجد الزمني، فيقيم الأباطرة والعظماء من تماثيلهم معبودات يقدم لها الشعب ما لا يليق إلا بالله وحده.
22 ثُمَّ لَمْ يَكْتَفُوا بِضَلاَلِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، لكِنَّهُمْ غَاصُوا فِي حَرْبِ الْجَهْلِ الشَّدِيدَةِ، وَهُمْ يُسَمُّونَ مِثْلَ هذِهِ الشُّرُورِ سَلاَمًا. 23 فَإِنَّهُمْ يُمَارِسُونَ ذَبَائِحَ مِنْ بَنِيهِمْ، وَشَعَائِرَ خَفِيَّةً وَمَآدِبَ جُنُونٍ عَلَى أَسَالِيبَ أُخَرَ. 24 لاَ يَرْعَوْنَ حُسْنَ السِّيرَةِ وَلاَ طَهَارَةَ الزَّوَاجِ فَيَقْتُلُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ بِالاِغْتِيَالِ وَيُمِضُّهُ بِالفَاحِشَةِ. 25 شَرٌّ مُتَفَاقِمٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، الدَّمُ وَالْقَتْلُ وَالسَّرِقَةُ وَالْمَكْرُ وَالْفَسَادُ وَالْخِيَانَةُ وَالْفِتْنَةُ وَالْحِنْثُ وَقَلَقُ الأَبْرَارِ، 26 وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ وَتَدَنُّسُ النُّفُوسِ وَالْتِبَاسُ الْمَوَالِيدِ وَتَشُوُّشُ الزَّوَاجِ وَالْفِسْقُ وَالْعَهَرُ، 27 لأَنَّ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ الْمَكْرُوهَةَ هِيَ عِلَّةُ كُلِّ شَرٍّ وَابْتِدَاؤُهُ وَغَايَتُهُ. 28 فَإِنَّهُمْ إِذَا فَرِحُوا جُنُّوا، أَوْ تَنَبَّأُوا كَذَبُوا، أَوْ عَامَلُوا ظَلَمُوا، أَوْ حَالَفُوا أَسْرَعُوا إِلَى الْحِنْثِ. 29 وَلِتَوَكُّلِهِمْ عَلَى أَصْنَامٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا لاَ، يَتَوَقَّعُونَ إِذَا أَقْسَمُوا بِالزُّورِ أَنْ يَنَالَهُمُ الْخُسْرَانُ.
بعد أن أبرز الدوافع لعبادة الأصنام، ألا وهي الزنا ومحبة المجد الباطل، وتخليد الموتى ومداهنة الأباطرة والعظماء، يحدثنا عن دور العبادة الوثنية في تضليل الناس.
ثم لم يكتفوا بالضلال في معرفة الله،
لكنهم غاصوا في حرب الجهل الواسعة،
فسَمَّوا مثل هذه الشرور سلامًا. [22]
إن كانت العبادات الوثنية تحل المخلوقات الضعيفة والأصنام الجامدة الميتة محل الله، ويقدمون لها العبادة والتمجيد اللائق بالله وحده، فإن ما هو أخطر من هذا أنهم وهم يفعلون هذا يخدعون أنفسهم، مدعين أنهم في سلامٍ داخليٍ عميقٍ. فالأخطر من الجهل أن يظن الإنسان في جهله حكمة، وفي حرمانه من السلام الداخلي أنه صاحب سلام.
لعله يقصد هنا أن عابدي الأوثان كانوا يقيمون الحفلات ويمارسون الشرور والرجاسات تحت ستار الفرح والسلام. يتطلع الأشرار إلى أولاد الله كأنهم فاقدو الحياة والفرح والسلام. ويدعون أنهم حزانى على المؤمنين لأنهم محرمون من السعادة.
الفكر اللاهوتي الشرير للوثنيين يدفعهم إلى حياة اللهو المتسيبة.
* المسيح هو سلامنا (رو 5: 1). لهذا فإن طريق السلام هو طريق المسيح الذي لا يعرفه الأشرار(556).
رأينا الحكيم يتطلع بمرارة إلى عابدي الأصنام لأنهم جهلوا معرفة الله الحقيقية، وأنهم يحسبون في جهلهم هذا أنهم يتمتعون بالسعادة والسلام. الآن يضيف عاملًا ثالثًا، ألا وهو قيامهم بممارسات وطقوس شائنة لا تليق بهم كبشرٍ.
وبرُتَبِهم القاتلة للأطفال،
وأسرارهم الخفية،
أو بأعيادهم الجنونية ذات العادات الغريبة. [23]
يقصد بكلمة "رُتبهم" "طقوسهم"، فعوض أن يكون الطقس ترتيبًا لائقًا بالإنسان بخلقة الله المقدسة، صار من بين طقوسهم الهامة القتل، تحت ستار تقديم ذبائح للآلهة. لقد فقد الآباء أبوتهم والأمهات أمومتهن، واتفقوا معًا على تقديم الأطفال ذبائح للآلهة الوثنية.
وإذا سئلوا عما وراء هذا التصرف الوحشي ، أجابوا: إنه سرٌ خفي، ليس من يقدر أن يفهمه.
بجانب هذا العنف الوحشي يمارسون عادات غريبة في أيام أعيادهم، غالبًا ما يقصد بها ممارسات جسدية شاذة.
يقدم لنا البابا أثناسيوس الرسولي أمثلة بشعة للذبائح البشرية نذكر منها(557):
1. كان البعض يقدمون الرجال ذبائح لأصنام تحمل صورة لرجالٍ ماتوا، فيقدمون مخلوقات حية ذبائح لمخلوقات ميتة، وكائنات عاقلة لأشياء عديمة الحركة.
2. التوريون Taurians وهم قسم من السكيثيين، كانوا يعيشون في شبه جزيرة القرم بجنوب روسيا. كانوا يلقون القبض على من نجوا من السفن التي تحطمت ويقدمونهم ذبائحهم لعذرائهم، كما يسمونها. ففي قسوة ووحشية يظهرون أن من أنقذهم آلهتهم من الغرق يُذبحون.
3. كان البعض من السكيثيين يقسمون غنائم الحرب إلى مجموعات، كل مجموعة تضم مائة رجلٍ، يختارون واحدًا عن كل مجموعة ويذبحونه كتقدمة لآلهتهم.
4. اعتاد قدماء المصريين أنه يقدموا ذبائح بشرية إلى هيرا. وكان الكريتيون والفينيقيون معتادين أن يترضوا وجه كرونوس Cronos بذبح أطفالهم. حتى قدماء الرومانيين اعتادوا تقديم ذبائح بشرية في عبادتهم المشترى لاتيوس Jupiter Latius، الإله الذي كان يُعتبر حاميًا للتحالف الإيطالي، والمكون من ثلاثين مدينة لاتينية.
لم يعودوا يحفظون الطهارة في الحياة،
ولا في الزواج،
فيغتال الواحد الآخر،
أو يُؤلمُه بالزنى. [24]
إذ يحرمون أنفسهم من الشركة مع القدوس، يرتبطون بالشيطان الذي لا يطيق العفة والقداسة، إنما يريد أن يسقط كل إنسان في الدنس، حتى في الزواج، ممارسًا أمورًا شاذة غير لائقة.
يصير دستورهم هو اللذة مهما كانت تكلفتها، فليس من مانعٍ أن يغتال إنسانٍ آخر ليغتصب زوجته أو ابنته. وقد يغتصبها أمام عينيه مهددًا إياه بالقتل، وهذا ما يعنيه بقوله "يؤلمه بالزنى".
شر متفاقم،
فهناك الدم والقتل والسرقة والمكر والفساد
والخيانة والفتنة وشهادة الزور. [25]
إذ يترك الإنسان عبادة الله الحي تتحول حياته إلى سلسلة من الشرور لا تتوقف "شر متفاقم". لا يبالي بسفك الدماء أو القتل أو السرقة أو الخداع أو الفساد أو الخيانة أو الفتنة أو شهادة الزور.
والتباس القيم ونكران النعمة،
وتدنُّس النفوس، والشذوذ الجنسي،
وفوضى الزواج،
والزنا والفسق. [26]
يعيشون دون أي اعتبار للقيم الإنسانية أو الاجتماعية، مع جحد للنعمة الإلهية، وتدنيس للنفس والجسد، وإباحية إلخ.
يظن المتعبدون للأصنام أنهم كأحرارٍ من حقهم ممارسة الشرور والانحرافات في تسبيب بلا ضابط. إنها حقوق لا يجوز لأحدٍ أن يحرمهم منها.
* أخفت راحيل -أي الكنيسة أو التعقل- الأصنام (تك 34:31)، إذ لا تعرف الكنيسة تماثيل وأشكال للأصنام التي ليس فيها شيء من الحق، إنما تعرف الوجود الحقيقي للثالوث. بالحق إنها تدمر الظلمة وتعلن بهاء المجد. لنهجر إذن الظلمة، ونطلب الشمس. لنترك الدخان، ونصارع من أجل النور. الدخان هو شر، فكما الدخان بالنسبة للعينين (أم 26:10) هكذا الشر بالنسبة لمن يمارسونه(558).
لأن عبادة الأصنام التي لا اسم لها،
هي أصل كل شرً وعلته وغايته. [27]
يرى الحكيم أن عبادة الأصنام لا تستحق أن يكون لها اسم، لأنها ترفض اسم القدوس، وأنها مصدر كل شر، ووراء كل فسادٍ وانحلال وتسيب، بل وهي غاية الشر، حيث يجحد الإنسان خالقه، ويتعبد للعدو الشرير بصورة أو أخرى.
فإن المتعبدين لها يبتهجون حتى الجنون،
أو يتنبأون بالأكاذيب،
أو يعيشون في الظلم،
أو لا يلبثون أن يشهدوا بالزور. [28]
بعد أن تحدث عن فاعلية عبادة الأصنام من استكانة الضمير لرفض الشركة مع الله القدوس، وممارسة كل أصناف الشرور، يوضح أن الأشرار يغطون على الشر بجوٍ من الفرح، لكنه ليس بالفرح الداخلي الهادي، وإنما "يبتهجون حتى الجنون"، يدّعون النبوة، يساعدهم في ذلك إبليس الكذاب، ويسلكون بروح الظلم، والشهادة بالزور. هذا ما أتسم به كهنة الأوثان على وجه الخصوص.
* لقد أمر الأب (يعقوب) أن يسكن هناك في بيت (إيل) وهناك أمر أن يصنع مذبحًا لله الذي ظهر له (تك 1:35). هناك أخذ الآلهة الغريبة ودفنها تحت البطمة (تك 4:35) في أورشليم. هناك أيضًا دُفنت راحيل في طريقها إلى افراته، أي في بيت لحم (تك 19:35)، وهناك نصب يعقوب عمودًا على قبرها (تك 20:35). يا لها من أسرار عظيمة، هناك توجد كنيسة الله، حيث ظهر الله وكلم مع عبيده المتواضعين.
هناك تنزع أوثان الأمم وتُدفن، لأن إيمان الكنيسة يحطم كل ممارسة الوثنية إني أسأل: لماذا دفنها تحت البطمة؟ بالتأكيد لأنها من الأشجار غير المثمرة، هكذا فإن آلهة الأمم توجد هناك، حيث لا توجد ثمرة(559).
ربما يتساءل البعض: كيف يمكن للأصنام أن تتنبأ ولو بالكذب؟
يربط الكتاب المقدس عبادة الأصنام بالآلهة الكاذبة أو الشياطين، ويعتبر كهنتهم كهنة كذبة، وأنبياءهم أنبياء كذبة، لأن الذين يخدمونه ويحركهم في كل تصرفاتهم الشيطان، المدعو "الكذاب وأب الكذابين". لذلك تُسمى الأصنام "آلهة كذبة" كما تدعى "آلهة الوثنيين أصنام شياطين" (راجع مز 5:96).
لأنهم لاتكالهم على أصنام بلا حياة،
لا يتوَقَّعون إذا أقسَموا بالزور أن ينالهم ضرر. [29]
إذ يتنبأون بالكذب، يقسِمون ويشهدون بالزور، إذ لا يخشون الآلهة، لأنها تماثيل لا روح فيها، لا تستطيع أن تؤذيهم.
أنهم يتعبدون لها ويغيرون عليها، ويقاومون من يعبد الله الحق، لكن في أعماقهم لا يؤمنون بها.
* يقول دع هؤلاء الذين تدعوهم آلهة يخبرونك عن الأحداث الماضية أو يتنبأون لك عن أحداث المستقبل (راجع إش 7:44).
30 فَهُنَاكَ أَمْرَانِ يَسْتَحِقُّونَ بِهِمَا حُلُولَ الْعِقَابِ: سُوءُ اعْتِقَادِهِمْ فِي اللهِ إِذِ اتَّبَعُوا الأَصْنَامَ، وَقَسَمُهُمْ بِالظُّلْمِ وَالْمَكْرِ إِذِ اسْتَخَفُّوا بِالْقَدَاسَةِ، 31 لأَنَّ مَعْصِيَةَ الظَّالِمِينَ إِنَّمَا يَتَعَقَّبُهَا الْقَضَاءُ عَلَى الْخَطَأَةِ لاَ قُدْرَةُ الْمُقْسَمِ بِهِمْ.
فهناك أمرانِ يستحقُّون بهما أن ينزل بهم العقاب:
سُوء تفكيرهم في الله باِتِّباعهم الأصنام،
وقسمهم الماكر بالزور، باستخفافهم بالقداسة. [30]
تحل العقوبة على عابدي الأوثان من أجل أمرين:
أولًا: رفضهم العبادة لله الحي بقبولهم الأصنام عوضًا عنه.
ثانيًا: القسم الكاذب والاستهانة بالقداسة. هنا إذ يتحدث عن الحياة الشريرة أو السلوك الشرير يركز على اللسان الكاذب، الذي يقسم بالكذب، والحياة النجسة المستهترة التي لا تبالي بالقداسة والطهارة والعفة.
لأن ما يتعقب دائمًا معصيةَ الظالمين،
ليس هو قدرة المُقسَمِ بهم،
بل الحُكم على الخاطئين. [31]
يبرز هنا نقطة في غاية الأهمية، وهي أنه وإن كان عبدة الأوثان يقسمون بالآلهة الكاذبة، فإن القسم الكاذب شر حتى ولو كان باسم آلهة كاذبة، لأن الكذب في ذاته خطية سواء بقسمٍ أو بدونه.
* طلبت يا حكمة الله من نوحٍ،
أن يبني من الخشب فلكًا لخلاصه.
عشرات السنوات عبرت وليس ما يشغل نوح سوى بناء الفلك.
وعشرات السنوات وقف البناءون للسفينة يسخرون منه.
بك أدرك سٌر الخلاص بخشبة الصليب.
وبدونك صنعوا لأنفسهم أصنامًا من الخشب والحجارة والمعادن.
* دخل نوح وعائلته وحيواناته إلى الفلك،
ووقف الساخرون به يهزأون،
لقد أضاع وقته وماله وممتلكاته وأسرته في جهالة.
حسبوه كميتٍ لم يستطعم الحياة،
وظنوا في فسادهم ونجاساتهم أنهم سعداء!
* أغلق الرب على نوح باب الفلك.
وشعر نوح ومن معه أنهم محمولون على الأذرع الإلهية.
تحول العالم إلى طوفان مهلك.
أما نوح ومن معه فكانوا كمن في فردوس مفرح!
لك الخلاص يا حكمة الله!
* يا للعجب، الإنسان الذي أقمته يا حكمة الله ليسوس العالم بالقداسة والُبر،
قد أعطاك القفا لا الوجه.
تحول قلبه إلى برية جافة وفراغٍ قاتلٍ.
ظن الإنسان أن الحياة والسعادة في شهوات الجسد واللذات!
صرخت قلوبهم تطلب إلهًا غيرك.
* تحولوا إلى النجارين والنحاتين يطلبون منهم أن يقيموا لهم من الخشب آلهة.
الإنسان سيد العالم يحمل خشبة هشة.
يشكلها بمهارةٍ وفنٍ، ليصنع منها صنمًا.
العاصي في تشامخ،
والرافض للسجود لك يا حكمة الله حمل صنمًا خشبيًا كإلهٍ له،
يقدم له ذبائح وتقدمات.
يصنع له محرابًا، يثبته في الحائط بمسامير.
يضع الصنم في المحراب ويخشى سقوطه أو سرقته.
* تركك الإنسان يا حكمة الله، فسيطرت عليه الغباوة والجهل.
عوض القدير أقام من الصنم الجامد العاجز إلهًا.
ذاك العاجز عن الحركة، ظنه الإنسان قادرًا على تدبير أموره.
الذي بلا حياة، ظنه واهب الشفاء والحياة والسعادة!
* إنني في حيرة،
صار الإنسان بالنسبة لي لغزًا.
يطلب لنفسه الكرامة والمجد الباطل، وينحني ويسجد لصنمٍ ميتٍ!
يقيم تماثيل لتخلد ذكراه عبر الأجيال،
وفي مذلة ينبطح أرضًا أمام صنمٍ تافه.
يعتز بعقله وحكمته ومهارته وعلمه،
وفي غباوة يظن في الصنم قدرة فائقة.
* الآن أصرخ إليك يا حكمة الله!
لتسكن فيَّ ولتقتلع مني كل صنم.
هب لي القداسة، فأتحد بك يا أيها القدوس.
أخشاك وأحبك، فلا أخاف إنسانًا، ولا أثق في روحٍ شريرة!
أقتنيك، فأدرك أنني بك سيد وقائد لا اعرف المذلة.
أتمتع بك، فتهرب الجهالة مني.
أتأملك، فأنعم بالحق الإلهي،
ولا يتسلل الضلال إليَّ.
* أحملني يا حكمة الله، ومخلص العالم!
صليبك هو الخشب المحيية،
هو الفلك المرتفع فوق كل طوفان،
هو اختبار لعذوبة يديك المحييتين!
_____
(543) قطعة خشبية كانت تُستخدم كطوق النجاة حاليًا.
(544) Homilies on Jeremiah, Homily 10: 6.
(545) Contra Gentes, 9: 4.
(546) Contra Gentes, 8:1.
(547) Contra Gentes, 8:3.
(548) On Idoltary,1.
(549) Jacob and the Happy Life, 5:25.
(550)The Prayer of Job and David, Book 3:11:30.
(551) The Jerome Biblical Commentary P. 566.
(552) The Jerome Biblical Commentary P. 566.
(553) On Idoltary,15.
(554) Tertullian: Apology 30: 1: 4.
(555) Ad Scapulam, 2.
(556) Commentary on Romans (3: 17).
(557) Contra Gentes, 25:1-3.
(558) Flight from the World, 5:27.
(559) Jacob and the Happy Life, 7:32-33.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 15 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير حكمة سليمان 13 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4xrd2p3