محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19
في الأصحاح الثالث عشر قدم لنا الحكيم صورة مؤلمة للإنسان وقد ترك خالقه ليستعيض عنه بالطبيعة أو بأحد عناصرها، أو بصنمٍ من عمل الإنسان نفسه.
وفي الأصحاح الرابع عشر يسخر الكاتب من اتكاء الإنسان على تمثالٍ خشبيٍ هش، مبررًا التجائه إلى ذلك لتحقيق لذاتٍ جسديةٍ، أو مجدٍ زمنيٍ، أو لمداهنة إمبراطور أو السير وراء الضلال الباطل.
وفي الأصحاح الخامس عشر يختم حديثه عن الوثنية في مرارة كيف دفعت بالبشرية إلى انحطاط حتى صارت أدنى من الحيوانات غير العاقلة.
1 -3. |
||
4 -6. |
||
7 -9. |
||
10 -13. |
||
14 -19. |
||
من وحي الحكمة 15 |
1 وَأَنْتَ يَا إِلهَنَا ذُو صَلاَحٍ وَصِدْقٍ، طَوِيلُ الأَنَاةِ وَمُدَبِّرُ الْجَمِيعِ بِالرَّحْمَةِ. 2 فَإِذَا خَطِئْنَا فَنَحْنُ فِي يَدِكَ، وَقَدْ عَلِمْنَا قُدْرَتَكَ، لكِنَّا لاَ نَخْتَارُ الْخَطَأَ لِعِلْمِنَا بِأَنَّا مِنْ خَاصَّتِكَ. 3 فَإِنَّ مَعْرِفَتَكَ هِيَ الْبِرُّ الْكَامِلُ، وَالْعِلْمَ بِقُدْرَتِكَ هُوَ أَصْلُ الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ.
أما أنت يا إلهنا فإنك صالحٌ صادِق طويلُ الأناة،
ومدبِّر كل شيء بالرحمة. [1]
وسط حديثه عن العبادة الوثنية التي حطمت فكر الإنسان بالغباوة، وحياته بالرجاسات والكذب مع العنف والقسوة، تطلع سليمان إلى الله ليرى صورة مبهجة منيرة. فيتحدث عنه بقوله "إلهنا"، وكأن الوثنيين يقتنون الأصنام كملكٍ لهم، لكن لا تقدر أن تقتنيهم أو تمتلكهم، إذ هي بلا حياة. أما الله فهو إلهنا الذي يقتنينا شعبًا له، يعتز بنا، ونحن نعتز به.
رأينا أنه مع الفساد اتسمت العبادات الوثنية بالعنف والشراسة حتى بلغت إلى تقديم ذبائح بشرية، أما إلهنا فصالح، صادق في مواعيده، طويل الأناة، ضابط الكل، يدبر كل شيءٍ لنفعنا وبنياننا الأبدي.
يقدم الكاتب مناقشته لمعاقبة الأشرار في شكل مناجاة مقدمة لله (حك 15: 2-3)، الذي هو رحوم، وقدير على خلاف الأوثان العاجزة تمامًا عن العمل.
سبق فتغنى داود النبي قائلًا: "لأنك أنت يا رب صالح وغفور وكثير الرحمة لكل الداعين إليك... أما أنت يا رب فإله رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة والحق" (مز 86: 5، 15).
وحتى إذا أخطأنا فنحن لك،
لعِلمِنا بقدرتك،
لكننا لا نختار الخطأ،
لعِلمنا بأننا نُعَدُّ من خاصتِك. [2]
يعترف الكاتب بأن إسرائيل قد أخطأ بانحرافه للعبادة الوثنية، لكنه إذ يدرك أنه شعب الله يجد باب التوبة مفتوحًا أمامه ليتمتع بمراحم الله، مؤمنًا بقدرة الله على الخلاص حتى من العبادة الوثنية. أما سرّ سقوطه في عبادة الأوثان فهو أمران:
أولًا: جهله بأنه من خاصة الله.
ثانيَا: عدم إدراكه أن الله هو البرّ الكامل والقدير وأصل الخلود.
بمعنى آخر ما يحفظنا من الخطأ، وما يدفعنا إلى التوبة متى أخطأنا هو إدراكنا لمركزنا بالنسبة لله، أننا خاصته المحبوبة لديه والمهتم بها. والأمر الثاني حقيقة شخصية الله أنه هو أبونا الذي لا يبخل علينا، بل يقدم نفسه لنا، وهو البٌر الأعظم، والقدير وواهب الخلود. فمع شعورنا الدائم بضعفنا لكن مركزنا يهبنا الالتصاق به وانتماءنا إليه ومعرفتنا لحقيقته، يهبنا الجرأة أن نطلب كما يليق بإمكاناته، أن نصير أيقونة له، نحمل بَره ونثق في قدرته ونترجى الأبدية.
*
كان ضروريًا أن يصعدوا بواسطة المياه لكي يصيروا أحياء، فإنهم لا يستطيعون أن يدخلوا ملكوت الله ما لم يخلعوا حالة الموت التي كانت لهم قبلًا... فإنه قبل أن يحمل الإنسان اسم "ابن الله" يكون ميتًا، ولكنه إذ يتقبل الختم يلقي عنه حالة الموت ويتمتع بالحياة. الختم إذن هو الماء الذي ينزلون فيه أمواتًا ويصعدون أحياء(560).* حقا إننا ننزل في المياه مملوءين من الخطايا والدنس، ونصعد حاملين ثمرًا في قلوبنا، حاملين في أرواحنا خوف (الله) والرجاء بيسوع(561).
فإن العلم بمن أنت هو البرُّ الكامل،
والعلم بقدرتك هو أصل الخلود. [3]
يشرح لنا القديس يوحنا الحبيب هذه العبارة والعبارة السابقة معًا بقوله: "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله... كل من يثبت فيه لا يخطئ، كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه... كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية، لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله. بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس، كل من لا يفعل البرّ فليس من الله" (1 يو 3: 1، 6، 9-10).
* يجب أن نُسرع في معرفة أي طريق هو لمغفرة الخطايا ورجاء ميراث الخيرات الموعود بها، فإنه لا يوجد سوى هذا الطريق: أن تتعرف على هذا المسيح، وتغتسل في الينبوع (المعمودية) الذي تحدث عنه إشعياء لغفران الخطايا (إش 4: 4)، وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة(562).
* إذ اعتمدتم في المسيح، ولبستم المسيح، صرتم خاضعين لابن الله... بهذا تصيرون شركاء المسيح(563).
4 لِذلِكَ لَمْ يُغْوِنَا مَا اخْتَرَعَتْهُ صِنَاعَةُ النَّاسِ الْمَمْقُوتَةُ، وَلاَ عَمَلُ الْمُصَوِّرِينَ الْعَقِيمُ مِنَ الصُّوَرِ الْمُلَطَّخَةِ بِالأَلْوَانِ. 5 الَّتِي فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا فَضِيحَةٌ لِلْسُّفَهَاءِ بِعِشْقِهِمْ، صُورَةَ تِمْثَالٍ مَيْتٍ لاَ رُوحَ فِيهِ. 6 لاَ جَرَمَ أَنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَهَا وَالَّذِينَ يَعْشَقُونَهَا وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا هُمْ كَلِفُونَ بِالْمُنْكَرَاتِ، وَهُمْ أَهْلٌ لأَنْ تَكُونَ آمَالُهُمْ فِي أَمْثَالِ هذِهِ.
لأن ما اختَرَعَتهُ صناعةُ الناس الشريرة لم يُغوِنا،
ولا جُهودُ الرسَّامين العقيمة من صور مُلطخةٍ بألوانٍ متنافرة. [4]
في كتابه ضد الوثنيين" Contra Gentes يقول القديس أثناسيوس الرسولي إن الشر لم يكن له وجود، فهو من صنع إرادة الإنسان الشريرة. الله لم يخلق الشر، لكن اعتزال الإنسان الله الكلي الصلاح دفعه إلى الشر. هذا الشر هو أصل العبادة الوثنية التي لم يكن لها وجود، لكنها جاءت نتيجة طبيعية للشر الذي أوجدته الإرادة الشريرة.
أما أولاد الله الذين ترتفع أفكارهم إلى السماوات، فإنه مهما بلغ إبداع الفنانين لا يمكن أن تنجذب قلوبهم لعبادة صنمٍ ما. في أعينهم ليس من وجهٍ للمقارنة بين خبرة السماويات واختراعات البشر الشريرة.
اختراعات البشر لن تتوقف، لكن أولاد الله ثابتون في رجائهم في الرب، متمسكون بملكوت أبيهم.
يؤدي منظرها إلى إيقاظ الهوى عند الأغبياء،
ويُرغبهم في صورةِ تمثالِ ميتٍ لا روح فيها. [5]
مهما بلغ إتقان الفنان، ومهما كان الإغراء، فإن الصنم تمثال ميت لا روح فيه، فكيف يستعبد الإنسان الحي نفسه لتمثالٍ ميتٍ؟ يليق بالإنسان أن يعتز بما ناله، فإنه ليس من وجه للمقارنة بين التمثال -مهما بلغت إغراءاته- والإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله!
إن الذين يصنعونها، والذين يرغبون فيها،
والذين يعبدونها، هم عُشاقٌ للشر،
وأهلٌ لأن تكون آمالهم مثل هذه. [6]
يدهش الحكيم كيف تسحب شهوة الشر هذه الفئات، أي صانعي التماثيل ومحبي التماثيل، فيقتنوها ويتعبدوا لها.
* عابد الوثن يشبه قاتلًا. أتسألون: يقتل من؟ يوجد اتهام متفاقم ضده، فإنه لا يقتل غريبًا، ولا عدوًا شخصيًا، بل يقتل نفسه. بأية شباك يُصطاد؟ بخطئه. بأي سلاح؟ بالعصيان ضد الله(564).
* عبادة الأوثان تضم كل الجرائم، وكل الجرائم تضم فيها عبادة الأوثان(565).
7 إِنَّ الْخَزَّافَ يُعْنَى بِعَجْنِ الطِّينِ اللَّيِّنِ، وَيَصْنَعُ مِنْهُ كُلَّ إِنَاءٍ مِمَّا نَسْتَخْدِمُهُ؛ فَيَصْنَعُ مِنَ الطِّينِ الْوَاحِد الآنِيَةَ الْمُسْتَخْدَمَةَ فِي الأَعْمَالِ الطَّاهِرَةِ وَالْمُسْتَخْدَمَةَ فِي عَكْسِ ذلِكَ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ كُلِّ إِنَاءٍ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الْخِدْمَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى حُكْمِ صَانِعِ الطِّينِ. 8 وَبِعَنَائِهِ الْمَمْقُوتِ يَصْنَعُ مِنْ هذَا الطِّينِ إِلهًا بَاطِلًا، وَهُوَ إِنَّمَا وُلِدَ مِنَ الطِّينِ مِنْ حِينٍ يَسِيرٍ، وَعَنْ قَلِيلٍ سَيَعُودُ إِلَى مَا أُخِذَ مِنْهُ حِينَ يُطَالَبُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ. 9 غَيْرَ أَنَّ هَمَّهُ لَيْسَ بِأَنَّهُ يَتْعَبُ وَلاَ بِأَنَّهُ قَرِيبُ الأَجَلِ، لكِنَّهُ يُبَارِي صَاغَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيُعَارِضُ النَّحَّاسِينَ، وَيَعْتَدُّ مَا يَصْنَعُهُ مِنَ الْخَسَائِسِ فَخْرًا.
لأنه إذ يكدُّ خزَّاف في عَجنِ الطين اللَّين،
ويُصوَّر كل شيء مما نستخدمه.
من الطين عينه يصنع الآنية المخصصة للأعمال النظيفة،
والمُخصصة لعكس ذلك،
كلها على السواء.
وأما تخصيص كل إناء من كلتا الفئتين،
فإنما يعود إلى حُكم صانع الطين. [7]
سبق أن تحدث عن النجار (ص13-14) الذي وهبه الله مهارة وفنًا لصنع السفن لنفع البشرية، وقد حوَّل مهارته إلى صنع أصنام ميتة تحطم البشرية وتفسدها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). الآن يتحدث عن الخزَّاف الذي يليق به وهو يعجن الطين يذكر كيف خلق الله الإنسان من الطين، فيمجد خالقه بمهارته ويعمل لحساب البشرية، لا أن يشكِّل صنمًا خزفيًا في غباوة، يدفع الناس إلى الممارسات النجسة أثناء عبادتهم للأوثان!
هكذا يليق بكلٍ من النجار والخزاف أن يشهدا لحكمة الله المخلص والخالق، لكن في غباوة حوَّلا أفكار البشر عن خالقهم ليعبدوا الأصنام الخشبية أو الخزفية.
لا يهاجم الحكيم النجارين والخزافين، فإنه يمكن لكل أصحاب المهارات أن يعملوا ويُبدعوا لحساب بنيان البشرية، فيخرجوا من الخشب أدوات منزلية أو أدوات عمل، ويخرجوا من الطين أوانٍ نظيفة ومبهرة تستخدم في الطهي أو تقديم الطعام والشراب أو الزينة إلخ.
فالعمل في الخشب والطين والحجارة والمعادن مقدس، إن كانت إرادة العاملين مقدسة. كل شيء طاهر للطاهرين.
* كل الأشياء الموجودة صالحة، لأن خالق هذه جميعها هو كلي الصلاح(566).
* الخلائق ليست رديئة من طبعها، فلو كانت رديئة لما خلقها الله، إذ أن كل خليقة الله حسنة كما قال الرسول بولس (1 تي 4: 4)، ثم أن وصية الله لا تأمر بأن نرذل الخيرات ونهرب منها، بل أن نحسن تدبيرها. ولا يدان أحد لامتلاكه أموالًا، بل لافتخاره بها أو لأجل سوء استعماله لها(567).
* أليس العالم صالحًا؟ أليست الحياة الحاضرة صالحة؟ لكن إن سحبتني هذه عن المسيح أحسب كل هذه الأشياء خسارة. لماذا؟ "من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي". فإنه إذ تشرق الشمس، يحسب الجلوس بجوار شمعة خسارة. فالخسارة تقوم على المقارنة، على السمو على الأمور الأخرى... لاحظوا كيف يدعو كل شيء خسارة، ليس في ذاتها، وإنما من اجل المسيح(568).
ويكدُّ بلا جدوى،
فيصنع من الطين نفسه إلهًا تافهًا،
وُلد من الطين منذ قليل،
ويعود بعد قليلٍ إلى الطين الذي أُخذ منه،
حين يُطالبُ بردِّ نفسه المُستعارة. [8]
يتطلع الحكيم إلى الفخاري الذي يبذل كل الجهد ليخرج من الطين إلهًا يتعبد له هو نفسه ومن يبيعه له. إنه مجهود شاق، وإفساد للفكر وللمواهب كما للحياة، أن يتخيل الفخاري أنه قادر أن يُوجد إلهًا من صنع يديه.
ولعله يقصد بقوله "يرد نفسه المستعارة" إن الشيطان يدخل في التمثال ويتكلم ويخدع بعمل معجزات كما فعل السحرة أمام فرعون، لكن إلى حين.
* بهذه الكلمات (إش11:44) يعلمنا الله مدى غباوتهم، إذ يعبدون (الأصنام) كصانعي خيرات... خالق هذه التي تبدو آلهة هم البشر الذين لهم ذات طبيعة من يعبدونهم، والإنسان الذي يصنعها هو نفسه يعبدها كإله(569).
غير أنه لا يبالي بأنه سيموت،
وبأن حياته قصيرة،
لكنه ينافس صاغَةَ الذهب والفضة،
ويقتدي بالنحَّاسين،
ويفتخر بتشكيل آلهة مزيفة. [9]
يتسابق صناع الأصنام في عمل التماثيل، ويفتخر كل منهم أنه صنع إلهًا أو آلهة مزيفة. في تهورهم يفتخرون بعمل أياديهم ويحسبونها أعمالًا عظيمة، بينما هم يتاجرون بالدين، ويطلبون نفعهم المادي.
10 فَقَلْبُهُ رَمَادٌ، وَرَجَاؤُهُ أَخَسُّ مِنَ التُّرَابِ، وَحَيَاتُهُ أَحْقَرُ مِنَ الطِّينِ، 11 لأَنَّهُ جَهِلَ مَنْ جَبَلَهُ، وَنَفَخَ فِيهِ نَفْسًا عَامِلَةً وَرُوحًا مُحْيِيًا. 12 بَلْ حَسِبَ حَيَاتَنَا عَبَثًا، وَعُمْرَنَا مَوْسِمًا لِلاِكْتِسَابِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّبْحِ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَلَوْ بِالظُّلْمِ. 13 فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنَ الْجَمِيعِ، لأَنَّهُ يَصْنَعُ مِنْ طِينِ الأَرْضِ آنِيَةً قَصِمَةً وَمَنْحُوتَاتٍ.
فقلبه رمادٌ،
ورجاؤُه أَخَسُّ من التراب،
وحياته أحقر من الطين. [10]
إذ رفض إسرائيل نور الرب يحذرهم بإشعياء النبي من التشبه بالأمم الوثنية التي تجاهلت كرامة الإنسان وانحطت به إلى الحضيض، قائلًا: "امتلأت أرضهم أوثانًا، يسجدون لعمل أيديهم، لما صنعته أصابعهم، وينخفض الإنسان، وينطرح الرجل، فلا تغفر لهم" (إش 8:2-9).
حقًا ما يحزن قلب الله الذي خلق الإنسان من التراب ونفخ فيه نسمة حياة، ووهبه أن يكون على مثاله وصورته، أنه انحط إلى أصله، بل وإلى ما هو أدنى من هذا الأصل. بعصيانه لروح الله وترحيبه بأفكار إبليس، صانعًا أصنام يتعبد لها، صار قلبه رمادًا، وهو أدنى من التراب، وأقل قيمة. صار رجاؤه أحقر من التراب الذي خُلق منه، لأن التراب لا يصنع شرًا.
* يا له من أمرٍ مرعبٍ عندما يترك الإنسان نير المسيح الهين وحمله الخفيف (مت 11: 30)، ويخضع لنير الشياطين ويحمل تقل الخطية الخاطئة جدًا، بعدما عرفنا أن قلب عابدي الأوثان هو رماد، وحياتهم لا تزيد عن التراب (حك 15: 10)(570).
لأنه تجاهل من جَبَلَهُ،
ونفخ فيه نفسًا عاملة،
وبعث روحًا مُحييًا. [11]
مقابلة خطيرة بين عمل الله محب البشر، والإنسان محب الشر. الله خلق الإنسان وجبله من التراب، لكن نفخ فيه نسمة حياة تهبه روح العمل بقوة، ليسوس العالم بالقداسة والبٌر، والثاني يظن أنه قادر أن يقيم من التراب إلهًا لا حركة له، بلا حياة.
الله يود أن يرفع من شأن الإنسان ليسكن السماء وينعم بشركة الأمجاد، والإنسان في انحطاطه يود الخضوع للتراب والطين الذي بلا حياة.
* ذاك الذي خُلق على صورة الله ونال سلطانًا على كل المخلوقات التي على الأرض بكونها نصيبه، سقط بغباوته من مركزه الملوكي. وإذ أراد أن يسترد الكرامات إذا بإرادته يُكرم عمل يديه، فينحني وينبطح ويُخضع نفسه لسلطان الشياطين الاستبدادي(571).
* السجود أمام الله يرفع الإنسان ويزيده عظمة، والانحناء أمام الأصنام يحط من شأنه وينزل به.
أي انحطاط أكثر من أن يترك الإنسان خلاصه، ويقيم عداوة مع إله المسكونة، وفي نفس الوقت ينحني أمام أشياء بلا حيوية، متعبدًا لحجارة؟
حقًا لقد رفعنا الله بالكرامة التي خلقنا عليها إلى أعظم من السماوات، لكن الشيطان وضع في نفسه أن ينحط بالذين يطيعونه حتى يصيروا كائنات بلا إحساس ولا حيوية. هذا بالتأكيد السبب الذي لأجله يعلن النبي: "انخفض الإنسان، انطرح الرجل" (إش 9:2)(572).
بل حسِبَ حياتنا لُعبةَ لا قيمة لها،
ووُجودنا سوق أرباحٍ، فقال:
"لابُد من الربح بجميع الوسائل ولو بالظلم". [12]
بينما يود الله أن يرفع الإنسان إلى مستوى فائق، فيكون له نصيب بين السمائيين، وقد كلفه هذا الكثير، فقد أرسل الآباء والأنبياء والناموس وسمح بأحداثٍ ليمهد الطريق لقبول عمله الخلاصي. موضوع خلاص الإنسان وتمجيده شغل الثالوث القدوس، ولا يزال يشغل الله الثالوث حتى ندخل إلى المجد. للأسف، فإن الإنسان أحيانًا يلهو بخلاصه، فيحسب حياته لعبة لا قيمة لها.
بينما يعد لنا الله الأمجاد السماوية الأبدية، إذا بالإنسان ينشغل بمكاسب مادية أو كرامات زمنية يحققها حتى بطرق غير لائقة كالظلم. كمثالٍ ديمتريوس صائغ صانع هياكل فضة لارطاميس كان يكسب الصناع مكسبًا ليس بقليل (أع 19: 24) سبب مشاكل كثيرة للرسول بولس.
المسيحي وهو يسلك على الأرض بروح المسئولية والالتزام في كل ما يؤتمن عليه، يحمل لمسة سماوية في أفكاره كما في أحاسيسه ومشاعره، تترجم في كلماته وسلوكه الظاهر. حياتنا هي مدرسة إلهية خلالها نتعلم ونتدرب على الحياة السماوية، في كل اتجاهات حياتنا.
* أريدكم أن تحفظوا أذهانكم في هذه الأمور على الدوام (كو 1:3). فإن اهتمامنا بها يحررنا من الأرض وينقلنا إلى السماء(573).
* وإن كنا محاطين بالعالم لا نُسلم له(574).
* الغاية التي نسعى إليها والتي نصبو إلى الوصول إليها بكل حرصٍ واجتهادٍ هي الحياة السعيدة مع الله في السماء الخالدة. ولا شيء في الدنيا يوازي هذا السعي الحميد شرفًا وعظمة للخليقة العاقلة(575).
* وجه سعيك نحو السماء، واستفد من كل شيء تصادفه في مسيرة حياتك على الأرض(576).
* الزهد هو حل رباطات هذه الحياة المادية الزائلة، وتحرر من الارتباطات البشرية حتى نهيِّئ أنفسنا بالأكثر لنكون على الطريق الذي يقود إلى الله. أنه الدافع الذي لا يُعاق لاقتناء الخيرات النفيسة جدًا التي هي "أشهى من الذهب والحجارة الكريمة" (مز 19: 10) والتمتع بها. باختصار الزهد: هو انتقال من القلب البشري إلى الحياة السماوية، فيمكننا القول: "فإن هدايتنا نحن هي في السماوات". أيضًا أنه النقطة الرئيسية هو الخطوة الأولى نحو التشبه بالمسيح، الذي وهو الغني افتقر لأجلنا (2 كو 8: 9). فإن لم ننل هذا الشبه يستحيل علينا أن نبلغ طريق الحياة حسب إنجيل المسيح(577).
* بينما نسحب جسدنا على الأرض مثل ظل، نحفظ نفوسنا في صحبة الأرواح السمائية(578).
فهو أعلمُ الناسِ بأنه يخطئ،
لأنه يصنع من مادة ترابية آنية سريعة الانكسارِ وصورًا منحوتة. [13]
مهما بلغت غباوة الخزاف، ففي أعماقه يدرك وهو يصنع صنمًا للعبادة أنه يخطئ، وأن ما يعمله قابل للكسر والزوال.
14 إِنَّ جَمِيعَ أَعْدَاءِ شَعْبِكَ الْمُتَسَلِّطِينَ عَلَيْهِمْ هُمْ أَجْهَلُ النَّاسِ، وَأَشْقَى مِنْ نُفُوسِ الأَطْفَالِ، 15 لأَنَّهُمْ حَسِبُوا جَمِيعَ أَصْنَامِ الأُمَمِ آلِهَةً تِلْكَ الَّتِي لاَ تُبْصِرُ بِعُيُونِهَا، وَلاَ تَنْشَقُ الْهَوَاءَ بِأُنُوفِهَا، وَلاَ تَسْمَعُ بِآذَانِهَا، وَلاَ تَلْمُسُ بِأَصَابِعِ أَيْدِيهَا وَأَرْجُلُهَا، عَاجِزَةٌ عَنِ الْخَطْوِ، 16 لأَنَّهَا إِنَّمَا عَمِلَهَا إِنْسَانٌ، وَالَّذِي أُعِيرَ رُوحًا صَنَعَهَا وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ إِنْسَانٍ أَنْ يَصْنَعَ إِلهًا مِثْلَهُ، 17 وَإِنَّمَا هُوَ فَانٍ فَيَصْنَعُ بِيَدَيْهِ الأَثِيمَتَيْنِ مَا لاَ حَيَاةَ فِيهِ. فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَعْبُودَاتِهِ، إِذْ هُوَ قَدْ كَانَ حَيًّا، وَأَمَّا هِيَ فَلَمْ تَكُنْ حَيَّةً الْبَتَّةَ. 18 وَهُمْ يَعْبُدُونَ أَعْدَى الْحَيَوَانِ، مِمَّا هُوَ أَشَدُّ الْبَهَائِمِ عُجْمَةً، 19 وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي مَنْظَرِ الْحَيَوَانَاتِ الأُخَرِ مِنَ الْحُسْنِ الشَّائِقِ، إِذْ فَاتَهُ مَدْحُ اللهِ وَبَرَكَتُهُ.
يرى البعض أنه ركز على مصر حين أشار إلى الأمم الوثنية، لأن بعض المصريين كانوا من أشر عبدة الأوثان(579).
ألقى بالضوء على خطأ قدماء المصريين لغباوتهم من جهة عبادة الأصنام التي بلا حياة وعاجزة عن العمل.
ربما جاء الهجاء هنا على الأصنام قائمًا على ما ورد في (مزمور 115: 4-7؛ ومزمور 135: 15-18).
لكن جميع أعداءِ شعبك المتسلطين عليه هم أغبياء جدًا،
وأشقى من الأطفال أنفسهم. [14]
إذ يعتزل الإنسان الله يصير في غباوة وجهل، فيستعبد نفسه لما هو حقير، يصير كطفلٍ لا من جهة البساطة، وإنما من جهة عدم المعرفة وعدم التعقل ودراسة الأمور بجدية.
* الفكاهة (أو عدم الجدية) تجعل النفس مدللة وخاملة، فإنها تثير النفس بمبالغة وغالبًا ما تسبب أعمالًا عنيفة وتخلق حروبًا وماذا أكثر من هذا؟ باختصار ألم ترد أن تكون بين الرجال؟ اترك الأعمال الطفولية!"(580)
* لا يريدنا المسيح أن نكون بلا فهم بل يريدنا أن نفهم كل ما هو نافع وضروري لخلاصنا بطريقة كاملة. فإنه حتى الحكمة تعد أنها ستعطي "البسطاء ذكاءً والشاب بدء معرفة وتدبيرًا" (انظر أم 1: 4). وقد وجدت الحكمة في سفر الأمثال أشبه بمن ترفع صوتها عاليًا، وتقول: "لكم أيها الناس أنادي وصوتي إلى بني البشر، أيها البسطاء تعلموا الذكاء، ويا جهال ضعوا قلبًا فيكم" (انظر أم 8: 4)...
لكن كيف يكون الإنسان بسيطًا وحكيمًا في نفس الوقت؟ هذا ما يوضحه لنا المخلص في موضع آخر بقوله: "كونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام" (مت 10: 16)، وبنفس الطريقة يكتب الطوباوي بولس: "أيها الإخوة لا تكونوا أولادًا في أذهانكم، بل كونوا أولادًا في الشر، وأما في الأذهان فكونوا كاملين" (1 كو 14: 20).
يلزمنا أن نفحص ما معنى أن نكون أولادًا في الشر، وكيف يصير الرجل هكذا بينما يكون في الذهن رجلًا ناضجًا. الطفل معرفته قليلة جدًا، وأحيانًا معدومة تمامًا، لذا فهو بريء من جهة فساد الشر، ونحن أيضًا من واجبنا أن نسعى لكي نتمثل بهم في هذا الأمر بانتزاع عادات الشر عنا تمامًا، فيُنظر إلينا كرجال ليس لهم حتى معرفة بالطريق التي تقود للغش، ليس لنا إدراك للمكر أو الخداع، بل نكون بسطاء وأبرياء نمارس اللطف والتواضع الذي لا يقدّر، ونكون مستعدين لاحتمال السخط والضغينة. بهذا نؤكد أننا نحمل سمات من هم لا يزالون أولادًا.
بينما تكون شخصيتنا بسيطة وبريئة، يليق بنا أن نكون كاملين في الذهن، فيتأسس فهمنا بثباتٍ ووضوحٍ على من هو بالطبيعة والحق خالق المسكونة، الله الرب...
يقوم كمال الذهن الرئيسي على الإيمان، فلا يكون فهمنا فاسدًا، وأما الأمر الثاني والمجاور لهذا الكمال الرئيسي والقريب منه وملازم له، فهو المعرفة الواضحة للطريق السلوكي الذي يفرح الله الذي تعلمناه بالإنجيل، الطريق الكامل الذي بلا لوم (هنا يميز القديس بين السالكين طريق الرب الإنجيلي وبين النبلاء في السلوك خلال الفلسفات التي يمكن أن تخدع). من يسلك هذا الطريق يمارس حياة البساطة والبراءة، ومع ذلك فهم يعرفون أية أراء (إيمانية) يتمسكون بها وأي أعمال حقة يمارسونها. مثل هؤلاء يدخلون الباب الضيق، فلا يرفضون الأتعاب التي تلزم للتقوى في الله واللازمة لتقود إلى الحياة الممجدة. هكذا بحق يتقدمون إلى اتساع فيض طريق الله ويبتهجون بعطاياه، ويربحون لأنفسهم ملكوت السماوات بالمسيح الذي لله الآب الحمد والسلطان بالمسيح معه، ومع الروح القدس إلى أبد الأبد. آمين(581).
لأنهم حسِبوا حتى جميع أصنام الأمم آلهة،
مع أنها لا تستخدم عُيونها لتبصر،
ولا أنوفَها لتستنشق الهواء،
ولا آذانها لتسمع،
ولا أصابع أيديها لتلمُس،
ومع أن أرجلها عاجزة عن المشي. [15]
العجيب أن الفراعنة الذين برعوا في المعرفة في فن التحنيط والفَلك والعمارة والألوان والنحت إلخ.، سقطوا في عبادة تماثيل لا تُبصر ولا تتنفس الهواء، ولا تسمع، وليس لها إحساس عندما يلمسها أحد، عاجزة عن الحركة. الفراعنة المملؤون حيوية ونشاطًا يعبدون ما هو جامد.
* كيف لا يرثى لهم المرء من هذه الناحية، إذ يراهم يعبدون ما تعجز عن أن ترى، ويسمعهم يصلون لما تعجز عن أن تسمع، ويشهد أناسًا مثلهم وُلدوا ولهم حياة وعقل، لكنهم يدعون آلهة تلك الأشياء التي لا حركة لها على الإطلاق، بل ليست لها الحياة نفسها؟ والأغرب من الكل أن التي يحفظونها تحت سلطانهم يخدمونها كأسياد لهم(582).
في كتابه "ضد الوثنين" يقول البابا أثناسيوس الرسولي إنه كان الأفضل ألا تحمل الأصنام أذانًا وأعينًا وأنوفًا وأصابع حتى لا ينفضح عابدو الأوثان بأن أصنامهم لا تسمع ولا ترى ولا تشم ولا تلمس.
لأن الذي صنعها هو إنسان،
والذي جبلها كائن أُعيرَ روحًا.
وليس في طاقة إنسان أن يصنع إلهًا شبيهًا به. [16]
صانع هذه الأصنام هو الإنسان الفنان، الذي مع ما بلغه من مهارة وفن، لا يملك الحياة. نسمة الحياة التي فيه معارة له كهبة إلهية، وحتمًا يومًا ما يموت وتنطلق نفسه من جسمه، فكيف يهب مثل هذا الكائن حياة خالدة لمواد ميتة بلا حياة؟!
فهو يصنع شيئًا ميتًا بيدين أثيمتين.
إنه هو نفسه من الأشياء التي يعبُدها،
إذ هو كان حيًا، وأما هي فلم تكن حية. [17]
الإنسان كائن قابل للموت، لا يقدر أن يقيم نفسه أو يردها إلى جسمه، فكيف تمتد يداه بالإثم ليدَّعى أنه يقيم إلهًا من صنع يديه حيًا لا يموت؟ وكيف يعبد صنمًا لإنسان مثله قابل للموت أو مات فعلًا؟
* وهم يبغضون الحيوانات الحقيرة والوحوش والطيور والزحافات، وينفرون منها، إما بسبب شراستها أو بسبب قذارتها، فإنهم ينقشون صورها على الحجر أو الخشب أو الذهب ويدعونها آلهة. ولكن كان خيرًا لهم أن يعبدوا الكائنات الحية نفسها بدلًا من عبادة صورها في حجارة. ولكن كلا الحالتين ادعاء باطل، فلا المادة ولا الصورة هي السبب في الحلول الإلهي، ولكن هي براعة الفن التي تستدعى اللاهوت... لكن إن كان اللاهوت يتصل بالتماثيل بسبب الفن، فما الداعي أيضًا للمادة طالما كان مستقرًا في البشر؟ لأنه إن كان الله يعلن ذاته بسبب الفن فقط. وإن كانت التماثيل تُعبد كآلهة لهذا السبب، لكان من الأصوب عبادة وخدمة الإنسان الذي هو سيد الفن، لأنه عاقل أيضًا وفيه ذكاء(583).
وهم يعبدون حتى أكثر الحيوانات ضررًا،
وأشد الحيوانات غباوة. [18]
وليس فيها ما في سائر الحيوانات من حسن المنظر الفتَّان،
وقد فاتها ثناءُ الله وبركته. [19]
إنه لأمر عجيب أن يستعبد الإنسان نفسه للحيوانات وهي أقل من الإنسان، ومخلوقة لخدمته، فكم بالأكثر إن اختار من بينها الحيوانات الضارة والشرسة والقبيحة المنظر. وكأنه وهو يتشامخ على الله الخالق ويقاوم وصيته، بل وينكر وجوده مستعد أن يخضع للكائنات الضارة والحقيرة!
نختم حديثنا عن العبادة الوثنية بما أشار إليه كثير من الآباء، وهو أن الإنسان يتشكل حسب إمكانات من يتعبد له. فمن يعبد الله الخالق ينعم بالخلود، ومن يعبد الأصنام الميتة يسقط تحت الموت والهلاك، وكما يؤكد الكتاب المقدس، أن الذين يعبدون الأصنام يصيرون مثلها "ساروا وراء الباطل، وصاروا باطلًا" (إر5:2). "جاءوا إلى بعل فغور، ونذروا أنفسهم للخزي، وصاروا رجسًا كما أحبوا" (هو 10:9).
يرى القديس أثناسيوس الرسولي أن الإنسان في شره انحط بالأكثر، فمزج بين خلائق غير متشابهة، العاقلة مع غير العاقلة، مثل آلهة المصريين التي لها رأس كلب أو رأس حية أو رأس حمار، وعمون إله الليبيين الذي له رأس كبش. وقام البعض بتأليه أعضاء من جسم الإنسان مثل الرأس والكتف واليد والقدم(584).
لماذا يدعو الكتاب المقدس الأصنام أحيانًا آلهة؟
* عندما يدعوها الكتاب المقدس آلهة، وهي ليست آلهة، لا يعلن عنها أنها آلهة بأي معنى، وإنما بمعنى إضافي، مع أنها تظهر أنها ليست آلهة نهائيًا. وكما يقول داود: "آلهة الوثنيين هي أصنام شياطين" (راجع مز 5:96).
"لا تسجد لإله أجنبي"" (مز 9:81). فإنه في هذا يقول: آلهة الوثنيين"، لكن الوثنيين يجهلون الله الحقيقي، كما يدعو الأصنام "آلهة أخرى"، لكي يصد وجهة نظرهم أنها آلهة. أما عن حقيقتها فهو يقول عنها "أصنام شياطين"، ويقول إشعياء: "ليخزَ كل الذين يجدفون على الله وينحتون أشياء لا نفع لها، أنا اشهد يقول الله" (راجع إش 11:44). ويقول إرميا أيضًا ذات الأمر: "الآلهة التي لم تصنع السماوات ومن تحت السماوات" (إر11:10).
* أتطلع إليك يا حكمة الله،
أراك شمس البٌر المشرق بأشعة الحب على كل البشرية.
* أغوص في بحر مراحمك وطول أناتك.
فتشبع أعماقي بأبوتك الحانية!
* اسمح يا حكمة الله أن أشتكي لك نفسي.
لأنك خلقتني سيدًا حرًا، وملكًا، سفيرًا لملك الملوك.
وفي غباوتي سحبت يديٌ من يديك.
وحولت عيني عن عينيك،
وانشغلت أذني بأصوات العدو الشرير.
* أشكو إليك آبائي الذين تركوك يا مصدر الحكمة،
فانحدروا من الحياة السماوية إلى المزبلة.
استبدلوك بأصنامٍ لا تسمع ولا ترى ولا تشم ولا تتحرك.
* يا للعجب يخافون الوحوش المفترسة،
ويقيمون أصنامًا من الحشرات والزواحف.
يقيمون لها أصنامًا، ويزينونها بالورود والحجارة الكريمة والذهب والفضة.
يتشامخون في كبرياء وعجرفة،
ويقيمون تماثيل لأباطرة وملوك
يقدمون لها تقدمات وذبائح حتى بعد موت الأباطرة...
* يا للعجب، أخذت طينًا وأقمتني منه، إذ نفخت فيه نسمة حياة من عندك.
وهوذا الخزاف يأخذ طينًا، ويصنع صنمًا خزفيًا ليسجد له الإنسان.
رفعتنا من المزبلة لنجلس في السماء مع الطغمات السماوية،
وبإرادتنا الفاسدة وبكامل حريتنا، نزلنا لنسجد للتراب!
استبدلك آباؤنا يا أيها القدوس الأبدي بالخزف الذي بلا حياة!
تُرى هل وجد آباؤنا في المذلة للأصنام سعادة!
هل يهوى الإنسان الانحطاط والمذلة؟
* لك المجد يا حكمة الله السماوي!
نزلت إلينا، وعشت على أرضنا،
لكي بصليبك تسحبنا ثانية من التراب إلى الأمجاد.
أخليت ذاتك، وأخذت شكلنا نحن العبيد،
لكي تحملنا من العبودية إلى مجد أولاد الله.
فتحت لنا نحن الترابيين باب السماء،
ودعوت الطغمات السماوية لتتمتع بالبهجة بنا.
* جعلتنا عجبًا أمام السمائيين!
هوذا كل السماء تترقب يوم مجيئك على السحاب،
لترى كل مؤمنيك، الملكة السماوية، المتمتعة بمجدٍ عجيبٍ وفائقٍ!
_____
(560) Pastor: Simil 9:16.
(561) Epis. of Berrabas 11
(562) Dial. With Trypho 44.
(563) Cat. Myst. 3:1.
(564) On Idoltary,1.
(565) On Idoltary,1.
(566) الإيمان والرجاء والمحبة 12.
(567) Reg. Brev. Question 92.
(568) Homilies on Philippians, homily 11.
(569) On Isaiah 44:11.
(570) Exhortation to Martyrdom, 32.
(571) On Isaiah 2:9.
(572) On Isaiah 2:9.
(573) Baptismal Instructions, 7:14.
(574) PG 82:434
(575) راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القدِّيس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989م، ص 312. عظة على مزمور 48: 1.
(576) راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القدِّيس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989م، ص 314. عظة 12 عن العلوم الإنسانية.
(577) The Long Rules, Question 8.
(578) Concerning Baptism, ch. 2.
(579) Interpreter's Concise Commentary, Volume 5, Abingdon Press, Nashville, 1983, p. Robert C. Denton, P. 261.
(580) In Ephes., hom. 17.
(581) In Luc Ser 121.
(582) Contra Gentes, 13:4.
(583) Contra Gentes, 20:3- 4.
(584) Contra Gentes, 9:3.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 16 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير حكمة سليمان 14 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ygdv6va