يعوزني الوقت إن تحدثت عن تطور الخطية قادتهم إلى خطوات أبشع. ولكني أقول:
لست أقوى من الأنبياء والحكماء والجبابرة الذين سقطوا.
فاحترس من الخطوة الأولى للخطية. واهرب لحياتك.
إنك لست أقوى من آدم الذي كان في الفردوس في حالة فائقة للطبيعة، ولا أقوى من داود الذي حل عليه روح الرب وكان مسيحًا للرب، ولا أقوى من شمشون نذير الرب الذي كان روح الرب يحركه، ولا أقوى من سليمان الذي كلمه الرب مرتين وكان احكم أهل جيله، ولا أقوى من إبراهيم أب الآباء وخليل الله، الذي لكي ينقذ نفسه كذب وقال إن سارة أخته وعرضها للضياع (تك 20: 11، 13).
وصدق الكتاب حينما قال الخطية إنها:
"طرحت كثيرين جرحى. وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26).
إذن فلنحترس من الخطية بكل قوتها. ليس فقط حينما تشتد علينا، وتهجم مثل أسد يزأر ملتمسًا من يبتلعه (1بط 5: 8). وكلا، وإنما من أول خطوة، نمسك أطفالها، وندفنهم عند الصخرة... ليس فقط الخطايا الواضحة البشعة، وإنما كل الخطية مهما بدت بسيطة أو صغيرة أو تافهة، نعمل بقول الوحي في سفر النشيد:
"خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار، المفسدة للكروم" (نش 2: 15).
الكرم بصفة عامة هو الكنيسة، وبصفة خاصة: قلب كل مؤمن. والثعالب هي الخطايا الماكرة التي تبدو صغيرة، وليست مثل الوحوش الكاسرة التي يستعد الجميع لها.
خطورتها، أنها لصغرها، ربما لا يهتم أحد بها...
فيتركونها تنمو وتكبر، حتى تتطور إلى وضع مخرب يصعب مقاومته.
وهذه الوصية تدعونا إلى التدقيق والاهتمام، وأن نبحث في حياتنا ما هي هذه الثعالب الصغار لكي نقاومها. كما أننا نتعلم درسًا هامًا وهو:
لا يجوز إهمال أية خطية، مهما بَدَت صغيرة.
فإن أي ثقب بسيط في مركب، قد يتسع إذا ما أهمل، حتى يتحول إلى كارثة غرق. ونهر النيل بمجراه العظيم بدأ بقطرات أمطار سقطت على الجبال الحبشية وسارت حتى وصلت إلينا نهرا. وتل القمامة الضخم الذي ألقوه على الصليب، بدأ بمقطف واحد من القمامة. وأطول مشوار في الخطية، بدأ بخطوة واحدة.
فلنحترس مدققين من كل خطوة للخطية. ونطرد الثعالب الصغار.
التي ربما تكون أحيانًا قليلًا من الكسل أو التهاون والتراخي، أو قليلًا من التبسط في الكلام أو التصرف. عارفين أن الذي يهتم بالنسبة إلى القليل، سيهتم ولا شك بالكثير أيضًا. وكما يقول المثل الإنجليزي. اهتم بالبنس، وستجد أن الجنية يهتم بنفسه. إذن لا تغفل الأشياء الصغير، بل اهتم بمقاومتها.
هناك ثعالب صغيرة دخلت دخلت حياة القديسين. ولنأخذ إبراهيم مثلًا:
في مرتين، ضحى أبونا إبراهيم بزوجته سارة، قال إنها أخته، فأخذوها إلى ملك البلاد، إذ حسنت في عينيه، لأنها كانت جميلة جدًا. مرة في مصر (تك 12: 10 - 20). والأخرى في أرض جرار (تك 20: 1 - 14). ولولا تدخل الرب نفسه، لضاعت سارة، وصارت زوجة لغير إبراهيم في حياته. فكيف وقع أبونا إبراهيم في هذا الأمر؟
لعل الخطوة الأولى هي الخوف على حياته.
خاف وقال لسارة "إذا رآك المصريون، يقولون هذه امرأته، فيقتلونني ويستبقونك" (تك 2: 2). وهل من أجل خوفك، تضحي بامرأتك؟ هذا كثير.
على أن خوف إبرآم من الموت، سبقه خوف آخر من المجاعة. يقول الكتاب "حدث جوع في الأرض، فانحدر إبرآم إلى مصر، ليتغرب هناك" (سفر التكوين 12: 10). وكانت مصر لغناها ترمز إلى الاعتماد على الذراع البشري.
ولكن ثعلبًا صغيرًا كان قد دخل إلى إبرآم. فما هو؟
هذا الثعلب الصغير غير المرئي، كان ضعف إيمان في قلب إبرآم، من جهة إعالة الله له في وقت المجاعة. ضعف الإيمان هذا، قاده إلى الاعتماد على الذراع البشري فنزل إلى مصر. وعرف الشيطان نقط الضعف هذه، فقاده إلى الخوف على حياته من الموت، كما خاف على حياته من الجوع. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). والخوف قاده إلى التضحية بامرأته، وقاده هذا إلى الكذب والإدعاء بأنها أخته... واستطاع الثعلب الصغير الذي دخل إليه أن يفسد الكرم من كل من كل هذه النواحي...
ثعلب صغير آخر دخل إلى أيوب، هو البر الذاتي.
كانت مشكلة أيوب أنه رجل كامل ومستقيم، ويعرف عن نفسه أنه كامل ومستقيم. ومن أجل هذا، وقع في البر الذاتي. وكان كما قال الكتاب "بَارًّا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ" (أي 32: 1). وظل الله ينقيه بالتجربة، حتى قال "نطقت بما لم أفهم، بعجائب فوقي لم أعرفها" (أي 42: 3).
ما أسهل أن نقطة صغيرة تجر إلى مشاكل عديدة جدًا.
ثعلب صغير حارب يوسف الصديق، هو الحديث عن النفس.
فتحدث أمام أخوته عن أحلامه، وعن الذين يسجدون له في الحلم، فأثار ذلك حسدهم، وتحول الحسد إلى بغضة "وازدادوا أيضًا بعضًا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه" (تك 37: 8). وتطور الأمر حتى باعوه أخيرًا كعبد... لذلك حسنًا أن السيدة العذراء لم تكن تتحدث عن كل العجائب التي تحدث معها، إنما تحتفظ بذلك في قلبها (لو 2: 51).
وكان القميص الملون ثعلبًا صغيرًا آخر سبب مشاكل.
القميص الملون الذي صنعه يعقوب لابن شيخوخته، يوسف. فأثار حسد أخوته "فلما رأى أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته، أبغضوه، ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 4)... أتراك أنت أيضًا تفعل هذا، حينما تغرق في معاملاتك للناس، وتظهر حبًا لشخص منهم أكثر من غيره؟!
حقًا، مَن كان يظن..؟!
مَن كان يظن أن الخطوة الأولى في خطايا عديدة، تصل إلى بيع الأخ، وخديعة الأبناء لأبيهم والوصول إلى عبودية فرعون، كل هذه تكون بسبب قميص ملون أو رواية صبى صغير لأحلامه؟ ولكنها الثعالب الصغار المفسدة للكروم.
لذلك يقول الكتاب: "أسلكوا بتدقيق، لا كجهلاء، بل كحكماء" (أف 5: 15). كن دقيقًا جدًا إذن، فربما خطأ تظنه بسيطًا يجر إلى مشاكل كثيرة. بينما التدقيق لابد ينفعك، ويعلمك الحرص. ونضرب لذلك مثلًا:
الذي يهتم بالحشمة داخل غرفته، لا بُد سيحتشِم في الخارج:
الذي في حجرته الخاصة المغلقة عليه، يستحى من أرواح الملائكة والقديسين، هذا لابد أن يسلك باحتشام في الخارج أمام الناس. وتصير الحشمة من طباعه ومن ناحية أخرى، مَن لا يبالي بأن يجلس في وضع غير لائق، في حجرته الخاصة، قد يتعود ذلك، ويجلس أحيانًا بنفس الطريقة أمام الناس!
الشيطان ذكي. لا يهاجمك بخطية بشعة دفعة واحدة.
لا يطلب منك بابًا واسعًا يدخل منه إلى حياتك. وكل ما في الأمر أنه يستأذنك في ثقب إبرة. وقد لا تبالي، فتسمح له. وهذا يكفيه. يظل يوسعه حتى يتلف حياتك كلها. ولذلك فالتدقيق أفضل.
ما أكثر الخطايا التي تدخل من ثقب إبرة.
الشيطان مثلًا لا يدعوك إلى عدم الصلاة، إنما إلى تأجيلها...
إن رآك متعودًا الصلاة حالما تستيقظ، يقول لك: أنتظر حتى تغسل وجهك وتفيق ثم تصلي. وقبل أن تفيق يكون قد ألقي في ذهنك أفكارًا عديدة تشغلك وتنسيك، وأشياء أخرى تعطلك... أما أنت فلا تعطيه، بل استمر في صلاتك، حتى وأنت ذاهب لتغسل وجهك... كُنْ محترسًا إذن. وابعد عن الخطوة الأولى التي تقودك إلى الإهمال والفتور، أو التي تقودك إلى الخطية.
والخطوة الأولى للخطية، قد لا تكون خطية في ذاتها.
فربما علاقة خاطئة، تكون بدايتها صداقة بريئة لا خطأ فيها. وربما يكون ضياع وقت البيت كله، حول التلفزيون والأفلام، بدأ بفرجة بريئة على فيلم علمي أو مباراة للكرة، ثم تطور الوقت، حتى ضيع مذاكرة التلاميذ وحضور اجتماعات الكنيسة. فعلى الإنسان إذن أن يكون مدققًا ومحترسًا...
والخطوة الأولى إلى الخطية، تختلف من شخص لآخر.
الترف كان الخطوة الأولى لخطية داود، والحسد كان الخطوة الأولى لخطية قايين وأخوة يوسف. والتزوج بالأجنبيات الأولى في خطية آدم وحواء وخطايا عصر القضاة (قض3: 5، 6). ومحبة النساء كانت الخطوة الأولى في سقطة شمشون. والخوف كان الخطوة الأولى لخطية بطرس وخطية إبراهيم...
فابحث أنت ما هي الخطوة الأولى في خطاياك؟
واحترس منها جدًا. وإن وقعت في الخطوة الأولى، لا تكمل الثانية.
ربما تكون خطوتك الأولى أنك ذهبت إلى غزة، أو إلى سدوم، أو إلى جرار، ربما ضعف في شخصيتك يجعلك تستسلم لمشورة الأشرار. ربما لا تكون محبة الله في قلبك. ربما خطوتك الأولى هي الغرور أو الثقة الزائدة بالنفس التي لا تقودك إلى الاحتراس. وربما تكون الخطوة الأولى لسقوطك هي العثرات...
أيًّا كانت فسنحاول أن نبحثها معًا، لكي نخلص منها...
واستفِد من دراسة الخطوة الأولى التي أسقطت غيرك.
وبخاصة أولئك الذين كانوا جبابرة في حياة الروح. انظر إذن "كيف سقط الجبابرة، وبادت آلات الحرب" (2صم1: 27).
وبالاحتراس من الخطوة الأولى، تعلم حياة التدقيق.
واحرص أن تتخلص من الثعالب الصغار المفسدة للكروم. وكما قالت القديسة سارة: "إن فمًا تمنع عنه الماء، لا يطلب خمرًا. وبطنًا تمنع عنها الخبز، لن تطلب لحمًا"...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2pykkcr