(أ) تسلط فكر البر الذاتي
سبق أن أشرنا إلى هذا الموضوع عند الحديث عن عبادة الذات كإحدى العبادات الموجودة في الخدمة. ألا أننا في هذه الفقرة نريد بإرشاد الروح القدس أن نوضح بتفصيل أكثر مفهوم البر الذاتي كضربة من الضربات اليمينية التي يشاء عدو الخير أن يوجهها ليحارب بها الخادم لعله يفسد خدمته ومن ثم يفقد أبديته.
يتسلط هذا الفكر على الخادم عندما يشعر أنه قد وصل إلى درجة من النمو الروحي والمعرفة الكنسية مما يجعله يعتقد أنه أفضل من غيره... وأن لديه الكثير من المعلومات التي يستطيع بها أن يرشد أي مخدوم في أي موضوع من الموضوعات، وفي أي مشكلة من المشكلات. وفي موقع الفريسي الذي دخل أمام باب الهيكل مع العشار، وأندفع في الحديث مع الله يشكره لأنه ليس مثل باقي الناس، ولا مثل العشار الخاطئ المنحرف (لو10:18).
أنه يا عزيزي الخادم فكر الكبرياء الذي يحاول عدو الخير أن يهاجم به كسلاح جديد عندما يفشل في التغلب بالأسلحة الأخرى، بمعنى أن الخادم قد يكون مدققًا في سلوكه، ويعيش في وصايا المسيح له المجد ويحيا فيها حياة عملية، فيتحير فيه الشرير فيبدأ يحاربه بهذا السلاح الذي هو الكبرياء، فيجد نفسه في موقعه كخادم أفضل من غيره، وهذا ما قد حدث مع القديس مكاريوس عندما واجهه هذا الفكر في البرية واعتقد أنه لا يوجد من هو أفضل منه أمام الله، وكنفس غالية على الله أراد الرب أن ينجيه من هذا الفكر الشرير، ويعطيه درسا عمليًا فظهر له في رؤيا أن يذهب إلى مدينة الإسكندرية في عنوان معين، حيث سيجد سيدتين متزوجتين من أخوين شقيقين، وتعيشان الأسرتان معًا في منزل واحد في سلام ومحبة وتضحية بعضهما مع بعض. هاتان السيدتان هما أفضل منه في نظر الله. وكما جاء في الصوت الذي سمعه في الرؤيا قام وذهب إلى مدينة الإسكندرية لرؤية هذا المشهد، وبالفعل عاد وقد تعلم هذا الدرس العملي النافع الذي أقتاده للحياة الأبدية.
يوجد من الخدام الذين بدأوا في حرارة في خدمتهم، وكانوا يعملون في صمت، واستطاعوا أن يصلوا في خدماتهم إلى الثمار ممتازة ونافعة وإذا بهم يسقطون صرعى فكر الكبرياء والبر الذاتي الذي تسلط عليهم وهم حاليًا أبعد ما يكون عن عمل الله...، وكان خير لهم لو لم يدخلوا في هذا الباب من أنهم قد دخلوه وأصيبوا بنكسة جعلتهم معرضين بالحق إلى فقدان أبديتهم إذا هم لم يستيقظوا لأنفسهم ويقوموا لكي ما يجددوا عهدًا مع الله.
والملاحظ على بعض من هؤلاء أنهم بالرغم من تركهم الخدمة لكنهم لا يزالون أسرى لخطية الدينونة، فهم لا يعجبهم عمل أي مسئول في الكنيسة، وباستمرار يشوهون وينقدون كل مشروع وكل عمل نقدًا هدامًا.
عزيزي الخادم لعلك تتأمل معي شخصية يوحنا المعمدان النبي العظيم الذي أتى بروح إيليا وقوته كيف أن هذه الشخصية الخادمة الفذة قد صارت لنا مثلا حيا للتواضع والوداعة، فبالرغم من عظمته وقوته الخارقة التي جعلته يقف أمام هيرودس الملك، ويجاهر أمامه بشأن هيروديا فكان يقول لهيرودس لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك (مر18:6)، إلا أنه كان بسيطًا زاهدًا يعيش في الجبال ويلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه، ويأكل جرادًا وعسلًا بريًا (مر6:1)، وقد تتوج زهده هذا بذلك التواضع العجيب حيث قد أعلن أمام الجماهير التي أتت لتعتمد منه وقال لهم "يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلًا أن أنحني وأحل سيور حذائه، أنا عمدتكم بالماء أما هو فسيعمدكم بالروح القدس" (مر7:1، 8). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ونجده يعلن أيضًا لتلاميذه عندما أتوا إليه يعرفونه أن المسيح الذي سبق وشهد له يعمد والجميع يأتون إليه إذ قال لهم "لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئًا أن لم يكن قد أعطي من السماء، أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس، إذا فرحي هذا قد كمل. ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص" (يو27:3- 30).
كان يمكن لهذا الخادم العظيم أن يدهمه سهم الكبرياء ويقنع الناس الذين أتوا إليه بأنه هو المسيا المنتظر الذي سيخلصهم من خطاياهم، لكن هكذا قد أعطانا يوحنا المعمدان مثلًا في الأمانة في الخدمة وهو يعلمنا أن يكون شعارنا الدائم في عمل الله أنه ينبغي أن اسم الله يزيد ويتمجد ونحن ننقص ونختفي فإذا أنت نسيت هذه الحقيقة يا عزيزي الخادم واستطاع شيطان البر الذاتي أن يهاجمك ويتغلب عليك، فأرجوك أن تستيقظ سريعًا من غفلتك وأحذر أن تفقد أبديتك بسبب الخدمة وأذهب على الفور إلى أب اعترافك وأعرض عليه حالتك وانتظر منه صوت الروح القدس القادر أن يرشدك إلى الطريق السليم في الخدمة...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9zgf7ap