وظلت الأخبار تتوالى على أيوب قاسية مريرة.
لم يمت له ابن واحد، بل كل الأبناء وكل البنات، مرة واحدة..!
ريح شديدة (أثارها الشيطان).. وصدمت زوايا البيت الأربع، فسقط على الغلمان وماتوا (أي 1: 19). وكل أملاك أيوب ضاعت أيضًا.. البقر والأتن "سقط عليها السبئيون وأخذوها، وضربوا الغلمان بحد السيف. والجمال أخذها الكلدانيون، وضربوا الغلمان بحد السيف. والغنم والرعاة، نزلت نار من السماء وأحرقت الكل (أي1: 14-19) واستطاع الشيطان -لما أخذ إذنًا- أن يفعل كل ذلك...
يا للهول. حقًا إن الشيطان -وإن كان قد فقد نقاوته- إلا أنه لم يفقد طبيعته كواحد من الملائكة "المقتدرين قوة" (مز 103: 20).
ينزل نارًا من السماء، تحرق الغنم والغلمان. ويثير ريحًا شديدة عبر القفر تصدم البيت فيسقط، ويموت كل الذين فيه. ويسخر السبئيين والكلدانيين لتنفيذ مشيئته، فينهبون ما لغيرهم ويقتلون الغلمان. ويخرب كل بيت أيوب. ولو كان أيوب شخصًا عاديًا لسقط ميتًا أمام كل هذا..
أما أيوب فقد احتمل كل هذا ولم يجدف على الله، بل قال عبارته المشهورة: "الرب أعطى، الرب أخذ. ليكن اسم الرب مباركًا" (أي 1: 21).
ما أعمق هذه الروحانية، نتعلمها من أيوب الصديق:
كثيرون يقولون "ليكن اسم الرب مباركًا" عندما يعطيهم الله... ولكن قليلون هم الذين يباركون اسم الرب، حينما يأخذ الله منهم ما سبق أن أعطاه...!
ولكن أيوب شكر الرب وبارك اسمه، بعد أن أخذ الله منه كل شيء..!
ولم يقل السبئيون أخذوا، ولا الكلدانيون أخذوا، بل الرب أخذ!
إنه يتعامل مع الله وحده، لا مع السبئيين ولا مع الكلدانيين. وكل ما يفعله الناس ضده، لابد قد مرّ على الله ضابط الكل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فإن كان الله قد سمح بأن يأخذوا كل ماله، فليكن اسم الرب مباركًا. إنني لا أملك كل ما معي، إنما أنا مجرد وكيل على ما أعطانيه الله. هو أعطى، وهو أخذ. بحكمة يعطي، وبحكمة يأخذ. أما أنا فماذا أقول.
"عريانًا خرجت من بطن أمي، وعريانًا أعود إلى هناك".
إن عبارته هذه، هي التي أوحَت أبياتًا من الشعر قيل فيها:
قد دخلت الكون عريانًا فلا قنيةَ أملك فيه أو غِنى
وسأمضي عاريًا عن كل ما جمع العقل بجهل واقتنى
عجبًا هل بعد هذا نشتهي مسكنًا في الأرض أو مستوطنا.
وهكذا كانت مشاعر أيوب الصديق. وكأنه يقول:
ما كنت أملك شيئًا من كل هذا حينما وُلدت. وسوف أترك كل شيء حينما أغادر هذا العالم عريانًا. الله أودعني وديعة، ثم سمح أن يأخذ الله وديعته، ليكن اسم الرب مباركًا.
"في كل هذا لم يخطئ أيوب، ولم ينسب إلى الله جهالة" (أي 1: 22)..
ولكن من هول الكارثة يقول الكتاب عن أيوب إنه:
"مزق جبته، وجزّ شعر رأسه، وخرّ على الأرض وسجد" (أي 1: 20).
"مزق جبته لهذه الكارثة التي تمزق قلب أي إنسان: على الأقل موت أبنائه السبعة وبناته الثلاث في يوم واحد. ولكنه سجد على الأرض إجلالًا للرب الذي أعطى وأخذ.. ولم يقل الكتاب إنه صرخ أو بكى، أو نعى أولاده..
ولكن قسوة الشيطان الم تقف عند حد ولم يكتف بهذا!
ولم يخجل من فشله في محاربته لأيوب البار. وعاد يقف أمام الله في غير حياء ويقول له: "جلد بجلد. وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه. ولكن أبسط الآن، ومسّ عظمه ولحمه. فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي2: 4، 5).
قال هذا ردًا على قول الرب عن أيوب".. إلى الآن هو متمسك بكماله، وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب".
إن الشيطان لا ييأس في محاربته. فمهما فشل، يعاود الكرة مرة أخرى.. والعجيب أن الله أعطاه فرصة أخرى رغم مكابرته. وقال له عن أيوب "ها هو في يدك، ولكن احفظ نفسه" (أي 2: 6). أي: لا مانع من أن تمس جسده. ولكن لا تمس عقله ولا حياته. نفسه ليست في يدك.
وللمرة الثانية يضع الرب حدودًا للشيطان في عمله.
وخرج الشيطان من لدن الرب، وبكل قسوة "ضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته. فأخذ أيوب لنفسه شقفة ليحتك بها scrape himself، وهو جالس في وسط الرماد" (أي 2: 7، 8).. كانت التجربة قد بلغت قمتها، ولكنها لم تبلغ نهايتها.
وإذا بزوجته تسخر منه لأنه لا يزال محتفظًا بكماله وطلبت إليه أن يجدف على الله ويموت. فأجابها بحكمة وصبر:
"تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله، والشر لا نقبل"؟! (أي 2: 10). وكلمة الشرّ هنا تعني المتاعب والضيقات. وكلمة الخير تعني الخيرات..
يقول الكتاب "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه" (أي 2: 10). فهل أخطأ بغير شفتيه؟ بلسانه أظهر كامل التسليم للمشيئة الإلهية. ولكن ماذا كان في قلبه؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f742gq5