بمناسبة ما يقولونه عن (كذبة ابريل)، وما يدعيه البعض مما يسمى بالكذب الأبيض!! أريد أن أكلمكم في هذا المقال عن الكذب بأنواعه الكثيرة. على الرغم من تعدد الأنواع، الكذب هو الكذب مهما كان شكله.
من بين أنواع الكذب صانعوا الشائعات ومروجوها. وقد يقع في هذا الخطأ أيضًا البسطاء الذين يصدقون كل ما يسمعونه، ويتكلمون عنه بالحقيقة دون فحص أو تأكد. كذلك من يسمع من أمثال هؤلاء ويشترك في نقل الكذب وما شبه.
ما أعمق الحكمة التي تقول: "لا تصدق كل ما يُقال"... فلو كنا نعيش في عالم مثالي كل ما فيه صدق، لكان من الممكن أن نصدق كل خبر. لكن ما دام الكذب موجود في العالم، فيجب علينا أن ندقق ونحقق قبل أن نصدق.
فلا يصح أن يشك أحد في تصرفات صديقه، أو حتى عدوه، بسبب كلام قد سمعه عنه، بدون تحقق دقيق، حتى لو كان قد سمع نفس الكلام من كثيرين. فما أكثر ما يكون كلام هؤلاء جميعًا له مصدرًا واحدًا خطأ. وربما من يبلّغ الخبر الخطأ، ينطبق عليه قول الشاعر:
أثّر البهتان فيه وأنطوي الزور عليه
يا له من ببغاء عقله في أذنيه
إن كان نقل الكلام خطيئة ويسبب مشاكل، فأنه اخف الناس ضررًا من ينقلون الكلام كما هو كما يفعل مسجل الصوت "الريكوردر" recorder الأمين الصادق الذي لا يزيد على ما يقل شيئًا. فما أعمق شر الذين ينقلون الكلام بعد أن يضيفوا عليه رأيهم واستنتاجاتهم وأغراضهم أو ما يدعونه عن قصد المتكلم ونياته!! ويقدمون كل ذلك لغيرهم كأنه الكلام المباشر الذي نطق به من قد سمعوه!!
ما أكثر الأخبار التي تصل إليك وتكون مختلفة تمامًا عن الواقع. فقد يدعون إن فلانًا قال وقال، بينما هو لم يقل شيئًا من ذلك كله. وربما لا يشاء ذلك الشخص أن يُكَذِّب ما قاله. لأن طباعه هي ألا يدخل مع غيره في إشكالات. أو أنه يترك الأمور لكي تنكشف فيما بعد. أو انه لا يعير ما يقل عنه اهتمامًا.
من أنواع الكذب أيضًا المبالغة:-
وواضح أن المبالغة ليست كلها حقًا ولا صدقًا أيًا كان نوعها بالمديح أو الذم: وغالبًا ما تكون كلمة "كل" أو كلمة "جميع" تحمل مبالغة ليست كلها صدقًا. كأن يقول شخصًا "كل أهل البلد الفلاني بخلاء!!". بينما يكون من بينهم من يتصفون بالكرم وتكون عبارته كذبًا وادعاء".
من بين أنواع الكذب: النفاق والمحاباة:
النفاق قد يأخذ أيضاّ اسمًا آخر هو الملق وكلاهما يعنيان المديح الزائف أو المديح الزائد عن الحد. مثل مديح موظف لرئيسه، أو قروي لعمدة بلده. أو ما أشبه. ونري أن كثيرا من الوصوليين يصلون إلي أغراضهم بغير وجه حق، عن طريق ملق زائف لا يبني علي حق. ويرون ذلك أسهل سبيل يوصلهم. وهذه المبالغة وقع فيها كثير من الشعراء، حتى قيل عنهم " الشعر أعذبه أكذبه"!
ويزيد خطأ النفاق بشاعة، إن كان صاحبها بوجهين: أي يتملق شخصًا في وجهه، ويذمه في غيبته.
ومن بين أنواع الكذب: الرياء.
وذلك بأن يظهر الإنسان في صورة يراها الناس علي غير حقيقته. وتكون له صفتان مضادتان لبعضهما البعض: صورة حقيقية وهي رديئة وبشعة وصورة أخري تبدو جميلة ومجيدة وهي التي يراها الناس فلذلك سمي هذا بالرياء. وفي ذلك قال الشاعر
ثوب الرياء يشفّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عاري
ويتبع هذا الرياء، أن يمدح الإنسان نفسه بما ليس فيه ويظهر هذا واضحا فيما يسمونه "الفخر" وبعض الفخر يبدو فيه الكذب واضحًا جدًا. ولكنه في صورة بلاغية جميلة. كقول الشاعر:
ولو أرسلت رمحي مع جبانًا لكان بهيبتي يلقى السِّباعا
ومن أنواع الكذب أيضا: أنصاف الحقائق. وذلك بأن يخفي المتكلم النصف الآخر من الحقيقة. بينما الذي يذكره يعطي معني عكسيًا. مثل إخفاء عيوب إنسان، وذكر فضائله. أو العكس بإظهار عيوبه فقط وتقديم صورة مشوهة عنه!! وصدق الذي قال: "إن أنصاف الحقائق، ليس فيها إنصاف للحقائق". من أجل هذا يُطلب من الشاهد في المحكمة أن يقول الحق كل الحق.
يظن البعض أن الكذب ينجّي!! ويلجأ إليه المخطئ لإخفاء خطية معينة.
ونصيحتي لهؤلاء أن حبل الكذب قصير. ولابد أن ينكشف، فتصير الخطية أكبر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وعمومًا فإن الذي يخاف من انكشاف خطأ يفعله، يجب عليه ألا يفعل ذلك الشيء. وبهذا يستريح من خطايا كثيرة.
يلجأ البعض إلي الكذب بسبب الخوف أو الإحراج أو إلحاح الذي يسأل.
ونصيحتنا أن السكوت أفضل من الكذب. لذلك اصمت أو غير مجري الحديث، أو أعتذر عن عدم الإجابة. أو تكلم بالصدق في الحدود التي تستطيعها. أو تكلم بصراحة وشجاعة ودافع عما تراه حقًا. أو اعترف بالخطأ واعتذر.
قد يحدث الكذب أحيانًا في مجال المجاملة فقد يحابى شخص أهل الميت، فيمدحه وقت تأبينه مديحًا بما ليس فيه، بأسلوب يتعب السامعين، ويفقدهم الثقة في كلام التأبين.
ونصيحتنا أن يكتفي بمديح الميت بالفضائل المعروفة عنه بغير مبالغة. أو يركز المتكلم كلامه عن الموت والأبدية.
وقد يقع الإنسان في الكذب عن طريق دفاعه عن الخطأ في خطية ثابتة. بينما مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما لا يرضى الله عنهما. لأن كلا منهما ضد الحق وما يقولانه كذب. وربما يقول شخص أنا لا أريد أن اشوّه سمعة إنسان خاطئ. ولكن عليه أن يحترس جدًا إن كان دفاعه عن هذا المذنب يسبب ضررًا للغير مثال لذلك: لنفرض أن فتاة فاضلة تقدم لخطبتها شاب وأنت تعلم عنه انه متعب. وإن تزوجها سوف يذيقها المرّ، فإن أخذوا رأيك فيه، هل تبرأه وهو مذنب؟! وبهذا تضيع مستقبل تلك الفتاة المسكينة الفاضلة!!
وقد يكون الكذب بسبب الكبرياء أو إخفاء الجهل. كأن يُسأَل شخصٌ كبيرٌ عن أمر هو يجهله. فلكي يظهر أنه يعرف، يجيب أية إجابة خاطئة لخفي جهله بينما لا يضر الإنسان في شيء أن يقول لا أعرف. وليس من المفروض أن كل شخص يعرف كل الأمور. وعلى رأى المثل " من قال لا أعرف فقد أفتىّ".
أحيانًا يقف أمامنا سؤال. هل إخفاء بعض الحقائق يعتبر كذبًا؟ والإجابة أنه إن كان الأمر يتعلق بخصوصيات أو أسرار خاصة به أو بغيره، ولا يجوز له أن يكشفها فليس الإخفاء خطأ. وخصوصًا ما يتعلق بسر المهنة... كما أن هناك أمورًا من الضرر البالغ إذاعتها إلا من المسئولين في الوقت المناسب. ويمكنك أن تقول لمن يسأل عن أمر كهذا "أعفني من هذا السؤال".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/85sqqta