في تقديس القرابين يردد الكاهن نفس الكلمات التي قالها الرب يسوع ليلة تأسيس سر العشاء الرباني. وقطعًا الرب يسوع قال صلوات مع كل كلمة، مثلًا فمع كلمة وشكر... قال الرب "أشكرك أيها الآب لأنك عملت كذا وكذا ..." ولكن الكاهن المسيحي يرددها فقط كما جاءت بالإنجيل.
أي أنه يشرك الآب في هذه البركة فهو خبز بحسب مشيئة الآب. ومشيئة الآب هي مشيئة الابن فهما واحد (ما يريده الآب ينفذه الابن) . وما يفرح الآب والابن هو إشباع الناس ليحيوا ، وهذه هي إرادة الله إعطاء البشر حياة والحفاظ على حياتهم . والمسيح الذي يستعلن الآب ، بهذا الشكر يعلن إرادة الآب . ولأنها إرادة واحدة فهو يشرك الآب هنا . ولكن المسيح هنا يشكر كرأس للكنيسة، كما سوف يقدم الخضوع للآب في النهاية كرأس للكنيسة (1كو15: 28).
والشكر هو على الحياة التي أعطاها الله للبشر في فردوس النعيم، ولما فقدوها إذ أخطأوا ها هو يعيدها لهم بالفداء وبسر الإفخارستيا.
والمسيح يشكر وهكذا سبح بعد السر كرأس للكنيسة، والكنيسة أعضاء جسده. وهكذا هو كرأس يقود أعضاء الجسد في الشكر والتسبيح حيث أننا لا نستطيع أن نفهم ما حصلنا عليه من حياة أبدية بهذا السر.
بل نحن غير قادرين أن نعبر عن شكرنا بطريقة مناسبة. فالقلب مشوش وغير قادر على حب الله لأن العالم يشغلنا. ولا توجد طريقة يمكن بها أن نحب الله، فيكون الشكر من القلب، سوى أن نتحد بالمسيح، أي نكون في المسيح بحسب تعبير بولس الرسول. بل نجد أن بولس حتى يرسل محبته ويعبر عنها لأهل كورنثوس يقول "محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع" (1كو16: 24) وذلك حتى لا تكون محبة غاشة كقبلة يهوذا مثلًا. وكما أن المسيح مات وقام لنموت نحن فيه ونقوم بالمعمودية فتكون لنا حياته، نجده هنا يشكر لأنه حين نكون فيه يمكننا أن نعبر عن شكرنا لله بمحبة صادقة. فلا أحد يعرف الآب إلا الابن (لو10: 22) . وحتى نعرف إرادة الآب ومشاعره نحونا وعطاياه لنا وحينئذ يمكننا التعبير عن شكرنا ، يجب أن نكون في الابن.
راجع موضوع ماذا قدم لنا المسيح بتجسده في نهاية تفسير رسالة كولوسى، وبالذات النقطة رقم (9). ونفهم من هذا أن كل ما صنعه المسيح بجسده كان لحسابنا. فالمسيح هنا يشكر ليعطي لكل مَن هو ثابت فيه إمكانية أن يحيا حياة الشكر الحقيقي النابع من قلب أدرك محبة الله وعطيته التي لا ينطق بها، الشكر على ما أعطانا الله. وهنا نقصد بالذات الشكر على الحياة التي أعطاها لنا في هذا السر. لاحظ أننا كلما إزداد ثباتنا في المسيح نمتلئ بالروح القدس الذي يفتح عيوننا فنعرف وندرك هذه الحياة الأبدية، عطية الله لنا، فيكون الشكر من أعماق القلب وليس بالشفتين فقط. العيون المفتوحة والأذان المفتوحة التي تدرك السماويات وتدرك وتفهم محبة الله وعطاياه قال عنها بولس الرسول "الذين لهم الحواس مدربة" (عب5: 14).
ولكن كيف يحدث
هذا وكيف يعطينا الله الحياة؟ هذا معنى كلمة وبارك الآتية.
بارك هي كلمة عبرية تعني الأقوال الحسنة. لذلك يقول السيد المسيح "باركوا لاعنيكم" (مت44:5) وهذه تعني... لا تتكلموا عليهم كلامًا سيئًا بل كلامًا حسنًا. وبنفس المفهوم يقول بولس الرسول "باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا" (رو14:12) وحينما يبارك الإنسان الله فهذا يعني أنه يتكلم عنه كلام حسن وصالح أي يسبحه ويشكره ويعظمه، وهذا أقصى ما يستطيعه الإنسان أن يقدم لله كلامًا بالقلب أو باللسان. ويُسَمَّى ذبيحة تسبيح (عب15:13) إذا صاحبها انسحاق وتذلل ونقول في القداس: "نسبحك، نباركك...". أما حين يبارك الله الإنسان، حينئذ يتكلم الله كلامًا حسنًا على هذا الإنسان ويقترن بالكلام الحسن فعل مادي، فالله حين بارك إبراهيم، أكثر من الماديات التي أعطاها له. وعلى الإنسان حين يعطيه الله بركة أن يحافظ عليها ويمجد الله بها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). والله بارك في مياه النيل لأجل الأنبا بولا. والعكس فحين يغضب الله على إنسان بسبب خطيته تصيبه اللعنة. فاللعنة هي انعدام البركة. والله أعطى الكهنة أن يباركوا الشعب قائلين "يباركك الرب ويحرسك... (عد22:6-27) ولاحظ أن الكاهن يردد اسم الله في البركة، فالذي يبارك حقيقة هو الله. والكاهن حين ينطق بالبركة فالله يبارك. ولذلك يصلي الكاهن في القداس ليبارك الله في الزروع والعشب...
وبركة الإنسان لله هي تسبيح له ومثال لذلك "باركي يا نفسي الرب ولا تنسي جميع حسناته" (مز1:103-5) فبركة الإنسان لله هي خدمة إلهية وشكر وتسبيح واعتراف وتمجيد. وحين يسمي الكتاب الله بالمبارك، فهذا يعني الله المستحق كل تسبيح وتمجيد وتعظيم. لذلك سأل رئيس الكهنة يسوع قائلًا "أأنت المسيح ابن المبارك" (مر61:14). وأيضًا مبارك أنت يا رب (مز12:119). وبهذا نفهم أن الله يُسَمَّى بالمبارك:
1. فهو مصدر كل بركة.
2. هو مستحق أن يباركه كل إنسان أي يسبحه.
ونحن نبارك الله على أعظم بركة أعطاها لنا وهي سر الإفخارستيا.
والله حين بارك الخمس خبزات تحولت بفعل إعجازي لوفرة من الطعام وأشبعت الجموع فكلمة الله حية وفعالة ولها عمل واضح لخير من يرضي الله عليه.
في العهد القديم كانت بركة الله مادية (زيادة في الغلة والمواشي...) وفي العهد الجديد هي بركة روحية، هي طعام سمائي وشراب إلهي في سر جسد المسيح ودمه، هي تحويل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دمه، فيعطي للإنسان حياة أبدية.
وحين أمسك الرب يسوع بالخبز ليلة العشاء السري وباركه، كان لهذه الكلمة فعل في تحويل الخبز إلى جسد يعطي حياة.
فالإنسان حين يبارك لا يستطيع إلاّ أن يقول كلامًا. أما المسيح حين يبارك فهو يفعل ويعطي حياة، يحول الخبز إلى جسده. لذلك قال لتلاميذه خذوا كلوا هذا هو جسدي.
وأمام هذا العمل العجيب لا يسع الإنسان إلاّ أن يبارك الله ويسبحه ويشكره لذلك سبح المسيح مع تلاميذه بعد إتمام السر ليعلمنا ويعلم الكنيسة كلها في كل زمان وكل مكان أن تسبح الله على بركته التي أعطاها للبشر.
ولذلك فهذا السر هو سر الشكر الذي فيه تشكر الكنيسة الله على ما أعطاها، أي سر الحياة. وتقدم لله أعظم عطاياه ألا وهو جسد ودم ابنه على المذبح.
قال السيد المسيح "الذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم". وبنفس الفكرة قال "لأجلهم أقدس أنا ذاتي" (يو36:10 +19:17). ويقدس أي يخصص، والمسيح تجسد لكي يخصص جسده للصلب. وحين يقول أن الآب قدسه، ثم يعود ويقول أقدس أنا ذاتي، فنفهم أنه والآب واحد، هو مساوٍ للآب، ولهم نفس الإرادة. ولكن الآب أقنوم الإرادة والابن والروح القدس أقنومي التنفيذ. وهنا نرى الابن يقوم بالفداء ليعطينا حياة والروح القدس يثبتنا في هذه الحياة عن طريق الأسرار فيكون جسد المسيح المعنوي أي الكنيسة.
وقسمه= هنا نرى الجسد المكسور على الصليب.
وشكر= على الحياة التي أعطاها الله للبشر.
وبارك= هذه الحياة للبشر تكون بتحول الخبز إلى جسد.
وقدس= تخصيص هذا الجسد للصلب.
وقسم= انكسر الجسد وصلب، وأعطاه لنا المسيح في هذا السر، ليكون حياة أبدية وغفرانًا وثباتًا فيه.
هذه الإفخارستيا ليست مجرد ذكرى لموت الرب، لكن هي جسد مكسور ودم مسفوك. هي نفسها عشاء الرب. هي المسيح مات لأجل خطايانا، ويعطي لغفران الخطايا، هي بشارة مستمرة بموت الرب.
لم يذكر الكتاب أن المسيح ذاق ولكن المسيح تمم في هذه الليلة كل الطقس اليهودي، وهكذا كان يفعل رب الأسرة اليهودي فهو يتذوق من الكأس أولًا ثم يعطي لبقية أفراد الأسرة ليشربوا منه. راجع كتاب الجذور اليهودية للإفخارستيا في المقدمة.
كلمة ذاق تحمل معنيان:-
1- أن المسيح تذوق آلام الصلب جسديًا ونفسيًا وفي حمله خطايا كل العالم، وفي حجب الآب وجهه عنه، وهذه آلام نفهم بعضها ولن نفهم البعض الآخر كحجب الآب وجهه عنه. هذه الآلام هي الكأس التي طلب المسيح من الآب أن تعبر عنه إن أمكن، ولكنه شربها بإرادته على الصليب (مت26: 39 + يو18: 11).
2- ولكن أيضًا هو بدأ يتذوق طعم نجاح عمله الفدائي. الذي نتج عنه عودة الحياة للبشر باتحاده بنا في موته وقيامته فصارت لنا حياته الأبدية.
هذا الاتحاد هو نوع من الاتحاد بين المسيح وبين كنيسته (عروسته) هنا على الأرض كعربون للاتحاد الكامل والنهائي في السماء. فهو العريس، وكنيسته هي العروس (يو29:3) . لذلك يكمل السيد "وأقول لكم: إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي" (مت29:26). وهذا إشارة للحياة الجديدة في السماء بجسد ممجد في اتحاد كامل لن ينفصم للأبد، وهذا سيكون بعمل الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يثبتنا في جسد المسيح من الآن (في سر الميرون). وهذا العمل يكمل نهائيًا في الحياة الأخرى. وهذا تم التعبير عنه في سفر الرؤيا بتغيير لقب العروس للكنيسة إذ صارت امرأة الخروف (رؤ7:19) .
ولاحظ أن المسيح وهو مقبل على الموت بعد ساعات لا يشتهي أكل خروف الفصح، بل يشتهي أن يؤسس هذا الفصح الجديد أي سر الإفخارستيا الذي به سيعطي حياة لشعبه. فاتحاده بنا هو اتحادنا بالطريق الذي يؤدي بنا للسماء وللحياة الأبدية (عب19:10، 20). فهو يريد أن نكون معه في مجده (يو24:17) وبهذا يحملنا فيه إلى حضن الآب. هذا هو ما يشتهيه المسيح فهو لا يشتهي طعامًا (يو32:4).
هنا بداية الاتحاد بالمسيح، هنا العربون، ولكن بعد أن نترك العالم وندخل إلى الملكوت نرى مجد الله، ويكون اتحادنا بعريسنا أبديًا.
وذاق: هذه تشير لفرحة السيد المسيح برجوع الإنسان وبداية الاتحاد به. غير أن هذا لن يكمل إلا في السماء. هذه تعبير عن فرحته بنجاح عمله، كما تهلل بالروح عندما عاد السبعون بفرح يخبرونه بخضوع الشياطين لهم (لو10: 17). هذه الفرحة هي نفس فرحة الآب يوم عماد المسيح حينما قال "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". هي فرحة الآب بعودتنا لحضنه في المسيح".
ولاحظ فالروح يثبتنا في الابن، والابن يحملنا لحضن أبيه.
لذلك فنحن في تقديم الحمل نبارك الثالوث قائلين: مبارك الله الآب ضابط الكل: مبارك ابنه الوحيد الجنس monogenyc `Uioc يسوع المسيح ربنا: مبارك الروح القدس المعزي. فعمل الخلاص هو عمل الثالوث. وفي تقديم الحمل نجد أن اسم الثالوث يبارك القرابين.
ونلاحظ أن كلمة وذاق إشارة لأن الإفخارستيا هي بداية الاتحاد بالمسيح وهذا سيكمل في السماء. وفرحة المسيح هنا هي ببداية هذا الاتحاد بعد الانفصال الذي نتج عن الخطية. ويقول بولس الرسول "أن المسيح ذاق الموت" (عب 2: 9).
فهو ذاق الموت ليذوق فرحة نجاح عمله الذي يشبعه.
وهو تنفيذ إرادة أبيه في خلاص الإنسان "لي طعام لستم تعرفونه ...أن أعمل مشيئة الذي أرسلني" (يو4: 32- 34). وهذا تفسير "مسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع" (إش53: 10، 11). فالقول "وذاق" إشارة لفرحة المسيح بعودة الحياة للإنسان.
أما في قسمة الجسد فيقول القديس لوقا "لا آكل منه حتى يُكْمَل في ملكوت الله "(لو 22: 18). فالجسـد المقسوم هو الجسد المتألم المصلوب، جسد المسيح على الصليب ونحن أعضاء هـذا الجسد إن قبلنا الصلب معه، وحينئذ سنحيا معه (راجع تفسير كو 1: 24 + تفسير غل 2: 20 + تفسير رؤ 6: 11) والمعنى أن جسد المسيح أي الكنيسة يكمل عدديًا حين يكمل عدد كل من هو مكتوب في سفر الحياة. وكانت هذه شهوة قلب المسيح منذ البدء (اش27:4). وهذه قال عنها المسيح "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم..." (لو 22: 15).
وكان هذا هو المعروض على آدم منذ البدء، أن يأكل من شجرة الحياة، وخالف آدم، وكان الفداء، ومن يغلب الآن سيأكل من شجرة الحياة (رؤ 2: 7)، فإرادة الله هي أن يحيا الإنسان للأبد، ولا بد وأن تتحقق إرادة الله.
ولاحظ فالروح يثبتنا في الابن، والابن يحملنا لحضن أبيه.
لذلك فنحن في تقديم الحمل نبارك الثالوث قائلين: مبارك الله الآب ضابط الكل: مبارك ابنه الوحيد الجنس يسوع المسيح ربنا: مبارك الروح القدس المعزي. فعمل الخلاص هو عمل الثالوث. وفي تقديم الحمل نجد أن اسم الثالوث يبارك القرابين.
أخذ خبزًا وشكر وبارك وكسر وأعطى وسبحوا
تكاد الكلمات تكون واحدة في كل الأناجيل + كلمات بولس الرسول في (1 كو 11).
وهي نفسها أجزاء القداس الآن
أخذ خبزًا= تقديم الحمل
وشكر = صلاة الشكر
وبارك= الصلوات وكلمات التقديس
وكسر= القسمة
وأعطى= التوزيع (التناول)
وسبحوا= كان اليهود بعد الفصح يسبحون بمزامير تشير للفداء وأزمنة الخلاص، وهذا ما استعمله المسيح مع تلاميذه باعتبار هذا هو الفصح الحقيقي، وكان فصح اليهود إشارة له.
والكلمات التي قيلت مع الخبز قيلت مع الكأس لذلك قال لوقا:
وأيضًا الكأس بعد العشاء
قربان= أصلها العبري قَرِبَ ومنها قربانًا أي الذي يُقَرَّب لله= بروسفورا provora. وتعني هدية ولكن لاحظ فنحن نقدم لله قربانة من الدقيق والماء وهو يقدم لنا هدية هي جسد ابنه المحيي. [كل واحد على قده].
صعيدة= هي نفسها قربان ولكنها هنا تعني إصعاد أو تقديم أو رفع= نصعدها لله. وبها نصعد نحن للسماويات. ولا فرق بين قربان وذبيحة وصعيدة "كما أحبنا المسيح... وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله... رائحة طيبة (أف2:5). فالرائحة الطيبة إشارة للبخور، والبخور هو صعيدة إذ يصعد إلى فوق.
أنافورا anavora = تفيد عملية التقديم أو الإصعاد بكاملها (فورا منها نافورة لأن المياه تصعد إلى فوق)، هي ليتورجية أو خدمة إصعاد الصعيدة أي صلوات القداس. وعناصر القداس هي الشكر وتسبيح الله على الخلقة واستدعاء الروح القدس. وفي القداس الكيرلسي "املأ هذه الصعيدة التي لك يا رب بالبركة التي من قبلك" والبركة هنا هي تحويلها للجسد والدم أي تقديسها.
والبركة هنا هي تحويلها للجسد والدم أي تقديسها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/56k45mg