بعد العشاء يتلون المزامير (115 - 118). لاحظ كيف يحتفل اليهود، وكم التسابيح والصلوات قبل الأكل ووسط الأكل وفي نهاية الأكل ليذكروا عمل الله معه، وقارن مع كيفية احتفالاتنا.
وتخيل المسيح وهو يرنم "كأس الخلاص أتناول، وباسم الرب أدعو. أوفى نذوري للرب مقابل كل شعبه. عزيز في عيني الرب موت أتقيائه. آه يا رب أنا عبدك! أنا عبدك ابن أمتك. حللت قيودي. فلك أذبح ذبيحة حمد وباسم الرب أدعو" (مز116: 13 - 17). وهي كلمات في مزامير التهليل تتكلم كنبوة عن المسيح الذي سيكون ذبيحة حمد أو شكر (شكر باليونانية هي إفخارستيا) (مز116: 17). وكان المسيح وهو يرنمها يتأمل فيما سيحدث له على الصليب بعد ساعات قليلة. وبعد ترنيم المزمور 118 يشربون الكأس الرابعة وتسمى كأس التسبيح (هلليل بالعبرية). ولاحظ ما كان المسيح يقوله في مزمور (118: 5، 17 - 22) "من الضيق دعوت الرب فأجابني من الرحب.... لا أموت بل أحيا واحدث بأعمال الرب. تأديبًا أدَّبني الرب والى الموت لم يسلمني. افتحوا لي أبواب البر. ادخل فيها واحمد الرب. هذا الباب للرب. الصديقون يدخلون فيه. أحمدك لأنك استجبت لي وصرت لي خلاصا. الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية" وبهذا ينتهي طقس الفصح. وبحسب المشناة كان يمنع شرب النبيذ بين الكأس الثالثة والرابعة.
لنقارن الآن بين طقوس الفصح اليهودي كما جاء في كتابات الربيين اليهود، وما عمله المسيح ليلة خميس العهد في العلية. وكان القديس لوقا الإنجيلي هو من أورد ما حدث ليلة العشاء السري الرباني بالتفصيل. وسنجد في إنجيل لوقا أن المسيح قدم لتلاميذه كأسين. وهذا يتشابه مع الفصح اليهودي الذي يقدم فيه عدة كئوس. وسنجد أن هناك مشابهات أخرى ففي إنجيلي متى ومرقس نجد المسيح يسبح مع تلاميذه، وهذا مشابه لتسبيح اليهود مزامير التهليل بعد الفصح. لكن أيضًا هناك اختلافات فالمسيح لم يكمل العشاء.
ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر رسولا معه. 15 وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. 16 لأني أقول لكم أني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله. 17 ثم تناول كأسًا وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم. 18 لأني أقول لكم أني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله. 19 واخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلًا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري. 20 وكذلك الكأس أيضًا بعد العشاء قائلا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم. 21 ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة. 22 وابن الإنسان ماض كما هو محتوم. ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه.
فنرى هنا أن المسيح قدم كأسين، وهذا يتفق مع طقس الفصح اليهودي متعدد الكئوس:-
الأول قدم فيه الشكر (آية 17).
والثاني عرفه بأنه كأس العهد الجديد بدمه (آية 20) وهذه قدمها المسيح لتلاميذه بعد العشاء. وهذه تناظر الكأس الثالثة (كأس البركة) في الطقس اليهودي، وهذه يشربونها بعد العشاء. وهكذا قال عنها بولس الرسول "كاس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح" (1كو10: 16). إذًا نفهم أن كأس الإفخارستيا هي كأس البركة، الكأس الثالثة بحسب تسميات الربيين.
وبهذا تصبح الكأس الأخرى المذكورة في (لو22: 17) هي الكأس الثانية في طقس الفصح اليهودي وتسمى كأس الإعلان. وفيها يشرح رب الأسرة معنى خروف الفصح ومعنى الفطير. وكان هذا بعد الكأس الثانية. وهكذا عمل المسيح، إذ أنه بعد هذه الكأس وبدلًا من أن يذكر معنى خروف الفصح القديم، بدأ يشرح معنى الخبز الذي يقدمه وأنه هو جسده.
إذًا كان طقس العشاء الرباني هو طقس فصح يهودي، ولكنه لم يكن طقس عادى بل هو فصح جديد للمسيا.
"واخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم. 28 لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. 29 وأقول لكم أني من الآن لا اشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما اشربه معكم جديدا في ملكوت أبي. 30ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مت26: 27 - 30).
"وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين. 25 الحق أقول لكم أني لا اشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم حينما اشربه جديدا في ملكوت الله. 26 ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مر14: 24 - 26).
نجد هنا شيئان عجيبان:-
(1) فبحسب الطقس اليهودي كانوا هنا يشربون الكأس الرابعة، ولكن المسيح تعهد بألا يشربها إلا في ملكوت الله.
(2) بعد شرب الكأس الثالثة سبحوا (مز115 - 118) مزامير التهليل (الهلليل الكبير). ولم يشرب المسيح الكأس الرابعة بل خرج مع تلاميذه من العلية، وخرجوا من أورشليم إلى جبل الزيتون.
والمعنى أن المسيح رفض أن يشرب الكأس وأجلها حتى يتمم تأسيس وتثبيت ملكوت الله. فلماذا ترك المسيح العلية بعد الترنيم بدون شرب الكأس؟
ذهب المسيح إلى جثسيماني وطلب في صلاته إن أمكن أن تعبر عنه هذه الكأس "حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضي واصلي هناك. ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم نفسي حزينة جدًا حتى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي. ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت. ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نيامًا. فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة. اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف. فمضى أيضا ثانية وصلى قائلًا يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن اشربها فلتكن مشيئتك. ثم جاء فوجدهم أيضا نياما. إذ كانت أعينهم ثقيلة. فتركهم ومضى أيضا وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه. ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا. هوذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة. قوموا ننطلق. هوذا الذي يسلمني قد اقترب"(مت26: 36 - 46) وصلَّى المسيح هذه الصلاة 3 مرات، ولكن كان لا بُد له أن يشربها فهذه هي إرادة الآب وهي أيضًا إرادته، فلهذا تجسد "لان نفسي قد اضطربت. وماذا أقول. أيها الآب نجني من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27).
وواضح أن هذه الكأس هي تعبير عن الصليب.
كان المسيح يكلم الآب عن الكأس الرابعة، الكأس الأخيرة للفصح، فنحن ما زلنا في ليلة الفصح. والمسيح هنا قدم جسده كذبيحة فصح جديد، وهو قدم الكأس الثالثة لتلاميذه وعرفهم أنها دمه. وهو قد اقترب من سكب دمه لغفران الخطايا. فالمسيح هنا يقدم نفسه كخروف فصح جديد. والمعنى أنه مع الوقت ومع نهاية الفصح الجديد يكون المسيح قد مات. وهذا ما كان يحدث مع خراف الفصح فهم لا يتركونها حية بل يذبحونها ويسفكوا دمها ويشوونها ثم يأكلونها. وهنا كان قصد المسيح أنه مع نهاية العشاء الرباني وشرب الكأس الأخيرة يكون المسيح قد مات. ولهذا لم يكمل العشاء الأخير ولم يشرب المسيح الكأس الرابعة.
إذًا متى شرب الرب الكأس الرابعة وأنهى طقس الفصح؟
لم يشرب المسيح كأس الخل في طريقه للصليب (الخل نبيذ له طعم لاذع حامضي). واحتمل كل ألام الصلب والجلد، فما قدموه له كان نبيذًا ممزوجًا بمر وهذا يعمل كمخدر لتسكين الآلام "ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة. أعطوه خلًا ممزوجًا بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد أن يشرب"(مت27: 33، 34) وشرح هذا يأتي من التلمود البابلي. فهم كانوا يعطون المصلوب خلًا (نبيذ محمض) مع مر لتسكين الآلام تطبيقًا لقول الحكيم "أعطوا مسكرًا لهالك، وخمرًا لِمُرّي النفس" (أم31: 6). لذلك قدموا للمسيح الخل في الطريق كعمل رحمة قبل أن يتذوق ألام الصلب الرهيبة. ولكن المسيح لم يرد أن يشرب، لأنه أراد أن يشرب كأس الآلام حتى آخرها ويتذوق ألام البشر. ولذلك ترك الفصح قبل نهايته لأنه يعرف أن هناك ألاما تنتظره وبهذا يشرب كل الكأس، كأس الآلام وكأس موت الصليب.
والعجيب أنه شرب أخيرًا الخل (نبيذ محمض) "وللوقت ركض واحد منهم واخذ إسفنجة وملاها خلا وجعلها على قصبة وسقاه" (مت27: 48)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وفي (يو19: 28 - 30) لم يشرب المسيح فقط بل قال "أنا عطشان" فأعطوه خلًا على زوفا "بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان. وكان إناء موضوعا مملوًّا خلا. فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه. فلما اخذ يسوع الخل قال قد أُكْمِل. ونكس رأسه واسلم الروح". وبعد أن شرب قال "قد أُكْمِل" وأسلم روحه. فقول الرب قد أُكْمِل لا يعني فقط موته بالجسد، ولاحظ أنه قالها مباشرة بعد أن قال أنا عطشان وشرب الكأس الأخيرة... فلماذا؟ وماذا يعنى هذا... لنرجع ونذكر عهد المسيح أنه لن يشرب، ونذكر صلاته في جثسيماني حول الكأس التي سيشربها. وبهذا شرب المسيح الكأس الرابعة للفصح وأنهى العشاء الفصحى الجديد، ولكن ليس في العلية، لكنه أنهاه على الصليب في لحظة موته. وبموت المسيح حدث التصالح بين السماء والأرض وبدأ ملكوت الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jewish-eucharist/cup-4.html
تقصير الرابط:
tak.la/vn77zpr