St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   32-Sefr-Danial
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري

دانيال 2 - تفسير سفر دانيال

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب دانيال + تتمة السفر:
تفسير سفر دانيال: مقدمة سفر دانيال | دانيال 1 | دانيال 2 | دانيال 3 | دانيال 4 | دانيال 5 | دانيال 6 | دانيال 7 | دانيال 8 | دانيال 9 | دانيال 10 | دانيال 11 | دانيال 12 | دانيال 13 | دانيال 14 | الخط العام لنبوة دانيال

نص سفر دانيال: دانيال 1 | دانيال 2 | دانيال 3 | دانيال 4 | دانيال 5 | دانيال 6 | دانيال 7 | دانيال 8 | دانيال 9 | دانيال 10 | دانيال 11 | دانيال 12 | دانيال 13 | دانيال 14 | دانيال كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

جرت أحداث هذا الإصحاح سنة 603 ق.م. ولقد قيل في الإصحاح الأول عدد (17) أن دانيال كان فهيمًا بالأحلام. وفي هذا الإصحاح نرى مثلًا بارزًا لذلك، ولقد ظهر هذا مبكرًا. وهذا جعله معروفًا في بلاط بابل كما كان يوسف مشهورًا في بلاط مصر لنفس السبب. وبينما كان حلم فرعون وتفسير يوسف له متعلقين بسنوات الشبع والجوع فقط، جاء حلم نبوخذ نصر هنا وتفسير دانيال له متعلقًا بممالك العالم ثم مملكة المسيا التي سيؤسسها. ونرى في حلم نبوخذ نصر أن الممالك العظيمة في جبروتها لا بُد أن يكون لها نهاية، هي تبدأ بالذهب وتنتهي بالخزف ثم تباد، أما مملكة المسيح فهي حجر يبدأ صغيرًا ثم يكبر إلى ما لا نهاية. ممالك العالم لها منظر بهي جدًا آية (31) ولكن نهايتها الفناء. أما ملكوت المسيح فيبدأ صغيرًا ثم ينمو ويستمر للأبد. ونرى في هذا الحلم أن الله يتحكم في التاريخ ويدير دفته لمجد اسمه وتنفيذ خطة أزلية فهو ضابط الكل وضابط التاريخ.

 

St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar had a nightmare (Daniel 2:1) صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يحلم بكابوس (دانيال 2: 1)

St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar had a nightmare (Daniel 2:1)

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يحلم بكابوس (دانيال 2: 1)

آية (1): "وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُلْكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ، حَلَمَ نَبُوخَذْنَصَّرُ أَحْلاَمًا، فَانْزَعَجَتْ رُوحُهُ وَطَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ."

في السنة الثانية من ملك نبوخذ نصر = يبدو أن هناك تعارض بين هذه الآية وبين (دا 5:1) التي أشارت إلى أن الملك عَّين لدانيال والثلاثة فتية مدة 3 سنين للتعليم يقفون بعدها أمامه. إلا أن هناك أراء متعددة لحل هذا الإشكال البسيط:

1. كان البابليون يحسبون السنة الأولى للملك أنها هي السنة التالية الفلكية لتوليه الحكم وبهذا تكون السنة الثانية لنبوخذ نصر هي فعلًا بعد ثلاث سنوات من تدريبهم ليقفوا أمام الملك.

2. قد تكون هي السنة الثانية لحكم نبوخذ نصر منفردًا بعد موت أبيه ولكنها الخامسة أو السادسة لملكه بالاشتراك مع أبيه.

3. كانت المدة المعينة لتعليم هؤلاء الفتيان هي 3 سنوات ولكن يبدو أن دانيال كان متقدمًا بدرجة واضحة، وذلك مبكرًا بدرجة أهلته لأن يقف أمام الملك قبل نهاية هذه السنوات الثلاث.

أحلامًا= يبدو أن الحلم كان يتردد عليه عدة مرات بصورة ملحة أو لعدة أيام وهو نفس الحلم. وكانت يد الله واضحة فهو حلم لم ينساه الملك بعد أن استيقظ بل كانت يد الله شديدة عليه. حتى طَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ. ولنقارن مع [الله يعطي لأحبائه نومًا] (مز 127: 2). فأحباء الله قد يكونون في ظلم واضطهاد أو فقر أو مرض لكنهم في سلام يفوق كل عقل، وهذا يحفظ قلوبهم وأفكارهم في المسيح يسوع (في7:4) فينامون في سلام. بينما أن المُلك والسلطان والغنى.. إلخ. فهم غير قادرين أن يعطوا هذا السلام وهذا النوم الهادئ كما نرى في هذه الحالة.

هناك ثلاثة أنواع من الأحلام(1):

  1. أحلام من الله: مثل حلم يوسف النجار وحلم فرعون الذي فسَّره يوسف وأيضًا هذا الحلم الذي لنبوخذ نصر هو من الله. ولذلك فهي أحلام موجهة أو منبئة بشيء يحدث في المستقبل.

  2. أحلام من الشياطين: بها يخدعون الإنسان ويضللونه ليسير في طريق خاطئ، أو ليزعجونه.

  3. أحلام من ترسيبات العقل الباطن: وهو ما جمعه الفكر والحواس وترسب وتم تخزينه في العقل الباطن، ويظهر ليلًا بدون ضابط.

 

St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar consults the wise men (Daniel 2:2-13) صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يتكلم مع الحكماء (دانيال 2: 2-13)

St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar consults the wise men (Daniel 2:2-13)

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوخذ يتكلم مع الحكماء (دانيال 2: 2-13)

الآيات (2-13): "فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِأَنْ يُسْتَدْعَى الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالْكَلْدَانِيُّونَ لِيُخْبِرُوا الْمَلِكَ بِأَحْلاَمِهِ. فَأَتَوْا وَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: «قَدْ حَلَمْتُ حُلْمًا وَانْزَعَجَتْ رُوحِي لِمَعْرِفَةِ الْحُلْمِ». فَكَلَّمَ الْكَلْدَانِيُّونَ الْمَلِكَ بِالأَرَامِيَّةِ: «عِشْ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. أَخْبِرْ عَبِيدَكَ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِلْكَلْدَانِيِّينَ: «قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ، تُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا وَتُجْعَلُ بُيُوتُكُمْ مَزْبَلَةً. وَإِنْ بَيَّنْتُمُ الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ، تَنَالُونَ مِنْ قِبَلِي هَدَايَا وَحَلاَوِينَ وَإِكْرَامًا عَظِيمًا. فَبَيِّنُوا لِي الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ». فَأَجَابُوا ثَانِيَةً وَقَالُوا: «لِيُخْبِرِ الْمَلِكُ عَبِيدَهُ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّكُمْ تَكْتَسِبُونَ وَقْتًا، إِذْ رَأَيْتُمْ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ خَرَجَ مِنِّي بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ فَقَضَاؤُكُمْ وَاحِدٌ. لأَنَّكُمْ قَدِ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَلاَمٍ كَذِبٍ وَفَاسِدٍ لِتَتَكَلَّمُوا بِهِ قُدَّامِي إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ الْوَقْتُ. فَأَخْبِرُونِي بِالْحُلْمِ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ تُبَيِّنُونَ لِي تَعْبِيرَهُ». أَجَابَ الْكَلْدَانِيُّونَ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالُوا: «لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ إِنْسَانٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَ الْمَلِكِ. لِذلِكَ لَيْسَ مَلِكٌ عَظِيمٌ ذُو سُلْطَانٍ سَأَلَ أَمْرًا مِثْلَ هذَا مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ سَاحِرٍ أَوْ كَلْدَانِيٍّ. وَالأَمْرُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ عَسِرٌ، وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ». لأَجْلِ ذلِكَ غَضِبَ الْمَلِكُ وَاغْتَاظَ جِدًّا وَأَمَرَ بِإِبَادَةِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَخَرَجَ الأَمْرُ، وَكَانَ الْحُكَمَاءُ يُقْتَلُونَ. فَطَلَبُوا دَانِيآلَ وَأَصْحَابَهُ لِيَقْتُلُوهُمْ."

ذهب المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون (أي فئة الكهنة) وهؤلاء يَدَّعون معرفة المستقبل. وكانت الأحلام في بابل الوثنية تفسر كالنبوات ولها قواعد للتفسير. أما كل هؤلاء فكانوا خدامًا للشيطان في شخص هذه الآلهة الوثنية (بيل ومرودخ). وإبتداء من آية (4) حين قال النبي "فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية بدأ دانيال يكتب بالأرامية حتى نهاية الإصحاح السابع . وكان المتبع أن يخبر الشخص بحلمه هؤلاء السحرة وهم يخبرونه بالتفسير، ولكن الملك إتبع هنا أسلوبًا جديدًا وطلب منهم أن يقولوا له الحلم أولًا ثم التفسير، وذلك لأنه خاف أن يطمئنوه ويخدعونه بكلامٍ ملق، فبدأ بتهديدهم بقسوة عنيفة ثم بدأ يستلطفهم ويعطيهم وعود بأنهم لو فعلوا سيعطيهم هدايا وحلاوين = أي هدايا ومكافآت. وقوله في آية (9) إلى أن يتحول الوقت يعني إما أن ينسى الملك الحلم، ومن ثم يقتنع بأي كلام يقوله السحرة، أو ينسى الملك وعيده لهم ويشفق عليهم فلا يقتلهم. وكان قصد الله من كل هذا أن يكشف لملك بابل كذب وبطل هذه الآلهة وأن إله دانيال هو الإله الحقيقي. ولاحظ قول السحرة والمجوس وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ = فهم بهذا يعترفون أنه حين يكشف دانيال الحلم وتعبيره فإن هذا من قِبَل إله دانيال الذي هو الإله الحقيقي. الله بهذا يريد أن يُعَرِّف نفسه لنبوخذنصَّر الملك، فيجتذبه للإيمان به فيخلص. نلاحظ عبر الإصحاحات (دا 1 – 4) كيف يجتذب الله نبوخذ نصر للإيمان به ، وكيف يؤدبه ويقنعه حتى يؤمن .

 

 

الآيات (14-23): "حِينَئِذٍ أَجَابَ دَانِيآلُ بِحِكْمَةٍ وَعَقْل لأَرْيُوخَ رَئِيسِ شُرَطِ الْمَلِكِ الَّذِي خَرَجَ لِيَقْتُلَ حُكَمَاءَ بَابِلَ، أَجَابَ وَقَالَ لأَرْيُوخَ قَائِدِ الْمَلِكِ: «لِمَاذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ؟» حِينَئِذٍ أَخْبَرَ أَرْيُوخُ دَانِيآلَ بِالأَمْرِ. فَدَخَلَ دَانِيآلُ وَطَلَبَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَقْتًا فَيُبَيِّنُ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ. حِينَئِذٍ مَضَى دَانِيآلُ إِلَى بَيْتِهِ، وَأَعْلَمَ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ، لِيَطْلُبُوا الْمَرَاحِمَ مِنْ قِبَلِ إِلهِ السَّمَاوَاتِ مِنْ جِهَةِ هذَا السِّرِّ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ دَانِيآلُ وَأَصْحَابُهُ مَعَ سَائِرِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. حِينَئِذٍ لِدَانِيآلَ كُشِفَ السِّرُّ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ. فَبَارَكَ دَانِيآلُ إِلهَ السَّمَاوَاتِ. أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: «لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا. هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ. إِيَّاكَ يَا إِلهَ آبَائِي أَحْمَدُ، وَأُسَبِّحُ الَّذِي أَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَأَعْلَمَنِي الآنَ مَا طَلَبْنَاهُ مِنْكَ، لأَنَّكَ أَعْلَمْتَنَا أَمْرَ الْمَلِكِ»."

St-Takla.org Image: Arioch enlists Daniel (Daniel 2:14-18) صورة في موقع الأنبا تكلا: أريوخ يجند دانيال (دانيال 2: 14-18)

St-Takla.org Image: Arioch enlists Daniel (Daniel 2:14-18)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أريوخ يجند دانيال (دانيال 2: 14-18)

واضح أن دانيال لم يُطلب ليحضر مع المنجمين والسحرة أولًا. وهذا بتدبير من الله فارتباك السحرة جعل حكمة دانيال ظاهرة جدًا، بل هم شهدوا أن مطلب الملك لا يقدر عليه سوى الآلهة، وتمجد الله في كل هذا. ونلاحظ أن دانيال يتكلم بحكمة مع آريوخ فالله يعطي لأولاده حكمة. وأيضًا نلاحظ اعتماد دانيال المطلق على الله في حل كل مشاكله وأنه كان رجل صلاة. وصلاته جعلت له تأثيرًا على قلب أريوخ. ولاحظ كلمات دانيال الرقيقة: لماذا اشتد الأمر بالملك؟ (لِمَاذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ) = أي لماذا هو في ضيقة شديدة حتى يأمر بهذا. فحتى وهو مقبل على الإعدام بأمر ظالم من الملك لم يهاجم الملك أو ينسب له ظلمًا (لا يمكن اكتساب رقة الطبع والمحبة والحكمة إلا بالاتصال المستمر بالله) وطلب دانيال من الفتية الثلاث أن يشاركوه الصلاة نرى فيه صورة للصلاة الجماعية. فهناك صلاة فردية وهناك أيضًا صلاة جماعية وطلب دانيال مراحم الرب (دَانِيآلُ.. وَ..أَصْحَابَهُ.. لِيَطْلُبُوا الْمَرَاحِمَ مِنْ قِبَلِ إِلهِ السَّمَاوَاتِ). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ثم بعد أن كشف الله له السر بدأ يسبح ويشكر الله = لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا .. إِيَّاكَ يَا إِلهَ آبَائِي أَحْمَدُ، وَأُسَبِّحُ. وهذه العناصر هي عناصر أساسية للصلاة (طلب الرحمة والشكر) لذلك فكنيستنا بإرشاد الروح القدس تضع في بدء صلوات الأجبية صلاة الشكر والمزمور الحادي والخمسون (اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ..) ودانيال لم يذهب ليتشاور مع أحد ولا ذهب ليدرس كتب تفسير الأحلام بل ذهب ليصلي؟ وهو يطلب من الله شيئًا صعبًا حقيقة ولكن هل يستحيل على الرب شيء. وفي آية (19) رؤيا الليل = هذا يعني غالبًا أن الله جعل دانيال يحلم نفس الحلم ثم أرسل له الله ملاكًا يفسره له "اقرعوا يفتح لكم" + [صَلَاة الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا] (يع5: 16). ودانيال قدَّم الشكر لله حتى قبل أن يذهب للملك ويرى النتيجة، فعمل الله دائمًا كامل.

 

الآيات (24-30): "فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ دَخَلَ دَانِيآلُ إِلَى أَرْيُوخَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَلِكُ لإِبَادَةِ حُكَمَاءِ بَابِلَ، مَضَى وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «لاَ تُبِدْ حُكَمَاءَ بَابِلَ. أَدْخِلْنِي إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ فَأُبَيِّنَ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ». حِينَئِذٍ دَخَلَ أَرْيُوخُ بِدَانِيآلَ إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ مُسْرِعًا وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «قَدْ وَجَدْتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِي يُعَرِّفُ الْمَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ». أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ، الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ عَلَى أَنْ تُعَرِّفَنِي بِالْحُلْمِ الَّذِي رَأَيْتُ، وَبِتَعْبِيرِهِ؟» أَجَابَ دَانِيآلُ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالَ: «السِّرُّ الَّذِي طَلَبَهُ الْمَلِكُ لاَ تَقْدِرُ الْحُكَمَاءُ وَلاَ السَّحَرَةُ وَلاَ الْمَجُوسُ وَلاَ الْمُنَجِّمُونَ عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلْمَلِكِ. لكِنْ يُوجَدُ إِلهٌ فِي السَّمَاوَاتِ كَاشِفُ الأَسْرَارِ، وَقَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَا يَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. حُلْمُكَ وَرُؤْيَا رَأْسِكَ عَلَى فِرَاشِكَ هُوَ هذَا: أَنْتَ يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَفْكَارُكَ عَلَى فِرَاشِكَ صَعِدَتْ إِلَى مَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ هذَا، وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ يُعَرِّفُكَ بِمَا يَكُونُ. أَمَّا أَنَا فَلَمْ يُكْشَفْ لِي هذَا السِّرُّ لِحِكْمَةٍ فِيَّ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الأَحْيَاءِ، وَلكِنْ لِكَيْ يُعَرَّفَ الْمَلِكُ بِالتَّعْبِيرِ، وَلِكَيْ تَعْلَمَ أَفْكَارَ قَلْبِكَ."

لم يطلب دانيال هلاك المنجمين والسحرة بالرغم من أنهم يستحقوا ذلك حسب الشريعة وذلك [1] هم لا يعرفون الله ولا شريعة الله، والله حين يطلب عقاب السحرة والمشتغلين بالسحر والتنجيم فهو يطلب عقاب السحرة من شعبه، فهم شعب الله القدوس (خر22: 18 + تث18: 9-14). أما هؤلاء الكلدانيين فهم لا يعرفون الله ولا شرائعه. [2] يعطيهم فرصة أن يكتشفوا جهلهم فيخجلوا من أوثانهم [3] يكتشفوا قوة إله دانيال. وفي (26) هل تستطيع أنت = فيه استغراب أن دانيال صغير السن لكن له معرفة أكثر من كل حكماء بابل. وفي (28) يوجد إله في السموات = هنا دانيال ينسب كل شيء لله. ولنلاحظ أنه حينما نعطي المجد لله يمجدنا الله وسط الناس وحينما ننسب المجد والنجاح لأنفسنا يختفي عنا. والله الذي يكشف لدانيال السر هو [الذي يعلنها للأطفال الصغار ويخفيها عن الحكماء] (مت 11: 25؛ لو 10: 21). ورؤيا رأسك على فراشك = فهي تعني أن نبوخذ نصر الملك العظيم الذي جعل من بابل إمبراطورية عظيمة كان قبل أن ينام يحلم ويفكر في المستقبل.. ماذا بعد كل ما عمله حتى الآن. وأجابه الله بأن أعلن له المستقبل، ليعطي لهذا الملك الوثني أن يتعرف على الله الإله الحقيقي ويكون هناك خير لعبيد الله الأمناء مثل دانيال والثلاثة فتية.

وَالأَيَّامِ الأَخِيرَةِ = هذه تشير لمملكة المسيح بعد مجيئه وصليبه وصعوده (عب1:1). بل تشير إلى نهاية الأيام أيضا، حين تزول كل ممالك العالم وتبقى مملكة الله وحدها.

 

الآيات (31-45): "«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلًا كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. «أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ. وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ»."

كان نبوخذ نصر مفتونًا بالتماثيل، ملأ قصره منها وعبد تماثيل كثيرة. فالله يخاطب هذا الملك باللغة التي يفهمها. والملك رأى التمثال هنا عظيم وبهي جدًا (الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا) = وهو يشير لممالك العالم. والله هنا يهتم بالممالك التي لها علاقة بشعبه وتؤثر فيه من خلال سلطانها الزمني. وهذه الممالك في نظر الناس عظيمة وبهية جدًا. فالبشر يحكمون حسب المظاهر، فهذه الممالك تحكم وتتسلط وهي غنية جدًا وقوية جدًا. ولكن في نظر الله، وفي نظر أولاد الله فهذه الممالك كما رآها دانيال في إصحاح (دا 7) ما هي إلا وحوش، هي قوَى أرضية جسدانية وقوَى طغيان، فيها من طبع الوحوش أكثر من طبع الإنسان.

ونلاحظ أن هذه القوَى تمثلت بشكل تمثال واحد وليس بعدة تماثيل فكلها قوة واحدة ضد الله وكنيسته. وحين يتحرك الملوك ضد الكنيسة ويضطهدون شعب الله فالشيطان هو الذي يحركهم. والشيطان قد أسماه دانيال أو الملاك الذي يكلمه "رئيس فارس" ثم "رئيس اليونان" (دا 20:10) والمعنى أن هذا الشيطان هو الذي يحرك ويهيج هؤلاء الملوك ضد شعب الله. والمسيح أطلق على الشيطان "رئيس هذا العالم" (يو30:14) إذًا هو الشيطان وقد سكن في أربع أمم مختلفة عبر التاريخ. ولاحظ أن رقم أربعة يشير للعمومية، أي لكل العالم. الله إستخدم في حلم التمثال 4 أمم ليشير بذلك إلى كل أمم العالم التي تقاوم كنيسته، عبر كل زمان ومكان، فالعالم يبغض المسيح ومن يؤمن به (يو15: 18). الشيطان هو رئيس سلطان الهواء (أف2: 2) الذي يهيج الريح فيهيج البحر (العالم) = فكما يهيج الريح البحر يهيج الشيطان الملوك ضد كنيسة الله وشعب الله.

1. رأس الذهب: هو نبوخذ نصر ملك بابل وأسماه دانيال مَلِكُ مُلُوكٍ أي أعظم ملك، كما يقال عبد العبيد أي أحقر عبد. ولقب ملك الملوك استعمله ملوك بابل وملوك فارس (عز12:7 + حز7:26) وبابل رأس فهي مشهورة بالحكمة والقوة، وهي ذهب لأنها غنية. مملوءة ذهبًا. وهي قديمة جدًا فبابل بدأت بنمرود، أي استمرت ما يقرب من 1600 سنة وفي وقت دانيال كانت كما لم تكن من قبل، وكان نبوخذ نصر في ذلك الحين أقوى ملك عرفه التاريخ حتى هذا الوقت وهو يُمَثَّلْ هنا بالذهب فسلطانه مطلق، وهذا لم يكن لأي ملك في أي مملكة بعده.

2. الصدر والذراعان الفضة: واضح التسلسل الزمني، فمادي وفارس أعقبت بابل زمنيًا. فمعنى مجيء الصدر والذراعان تحت الرأس، أن مملكة مادي وفارس ستعقب بابل. وفي آية (39) كلمة أصغر منك = تعني منخفض عنك، فهو يأتي تحته في التمثال. وهذا هو الأصح فإن مملكة فارس لم تكن أصغر من بابل ولكنها تليها زمنيًا في التاريخ. وهي في موقعها على التمثال تليها مكانيًا أي تحتها. فالصدر يجيء تحت الرأس. ولأن الدولة كانت تتكون من مادي وفارس فقد تم تمثيلها بذراعين.

St-Takla.org Image: Daniel Prophecy: The statue صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة دانيال عن التمثال: الرأس الذهب (مملكة بابل) - الصدر والذراعان فضة (مادي وفارس) - البطن والفخذان نحاس (مملكة اليونان) - الساقان حديد (الدولة الرومانية) - الأصابع حديد وخزف

St-Takla.org Image: Daniel Prophecy: The statue

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة دانيال عن التمثال: الرأس الذهب (مملكة بابل) - الصدر والذراعان فضة (مادي وفارس) - البطن والفخذان نحاس (مملكة اليونان) - الساقان حديد (الدولة الرومانية) - الأصابع حديد وخزف

بل أن كورش نفسه كان أبوه من فارس، وأمه من مادي وكذلك خاله داريوس الذي حكم بابل بعد سقوطها في أيديهم. ونلاحظ أن دانيال هنا لم يعط وصفًا لمملكة فارس بينما أعطى وصفًا لليونان بأنها تتسلط على كل الأرض وقال عن الرومان مملكة رابعة صلبة، وذلك غالبًا لأن نبوخذ نصر سيكون شديد الحساسية لمن سيأتي بعده ويحطم مملكته. وبحكمة أيضًا استخدم دانيال كلمة أصغر منك التي تحتمل معنيان "أصغر منك" وتعني أيضًا "تأتي تحتك" (هذه كما نقول بالعامية "أوطَى منك") فالصدر تحت الرأس وأوطَى منه. ولكن أوطَى قد تعني أحقر، وبذلك لا يسيء لمشاعر الملك الحالي.

3. البطن والفخذان النحاس: هي دولة اليونان التي أسسها الإسكندر الأكبر حين هزم ملك الفرس داريوس كودومانوس آخر أباطرة الفرس. وهذا فتح كل العالم المعروف تقريبًا. وبكى حين لم يجد ما يغزوه بعد ذلك. واليونان اهتموا بنشر اللغة اليونانية في العالم كله، مما مهد للكتاب المقدس أن ينتشر سريعًا إذ كُتِبَ العهد الجديد باليونانية وكانت قد تمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية قبل هذا فيما يُعرف بالترجمة السبعينية (وكان ذلك في القرن الثالث ق.م.).

4. الساقان الحديد: هي الدولة الرومانية التي جاء المسيح في أيامها ليؤسس مملكته. وكانت الدولة الرومانية دولة قوية كالحديد سادت لعصور طويلة بعد أن حطمت الدولة اليونانية. ولكنها لم تستطع أن تغير الثقافة اليونانية ولا اللغة اليونانية لقرون عديدة. وهي التي أنهت الدولة اليهودية وأحرقت أورشليم والهيكل، وهي التي عذبت المسيحيين لعدة قرون. وفي نهايتها بدأت تضعف وتنقسم فصارت كأصابع القدمين، وبعض هذه الأقسام كان قويًا وبعضها كان ضعيفًا كالخزف. والإمبراطورية الضخمة نظرًا لأنها جمعت فيها دولًا متحضرة وقبائل برابرة، كان الظن أن يجتمعوا في دولة واحدة، ولكنهم لم يجتمعوا أبدًا بل صاروا سببًا في انهيار الإمبراطورية كلها، فلم تستطع أن تقف في وجه العرب بل هم قد حطموها.

5. الحجر الذي قطع بغير يدين: هو المسيح الذي وُلِدَ بغير زرع بشر، وهو الذي حطَّم مملكة الشيطان الذي سكن هذه الممالك أو هذا التمثال. فالروح القدس هو الذي هَيَّاَ بطن العذراء لتلد عمانوئيل إلهنا وملكنا. هذا هو الحجر الذي رذله البناؤون وهو رأس الزاوية وهو حجر العثرة لليهود (مز22:118 + أش14:8) والمسيح وُلِدَ في أيام هذه الإمبراطورية التي سادت العالم وأمر إمبراطورها بالاكتتاب (لو1:2).

كل هذه الإمبراطوريات الضخمة التي كانت ضد الله وملكوته خَرِبَت رمزًا لخراب هذا العالم النهائي أما ملكوت المسيح فهو أبدي وكنيسته مؤسسة على صخرة ولن تقوى عليها أبواب الجحيم. وسيأتي يوم النهاية ليضع الله أعداؤه عند موطئ قدميه (1كو24:15، 25) ونلاحظ أن نبوخذ نصر لم يقاطع دانيال مرة واحدة، فهو مأخوذ بهذه القوة الإلهية، فالله وحده هو الذي يستطيع أن يخبر بحلم لإنسان أو بالمستقبل (أش23:41، 26) وقول دانيال الحلم حق وتعبيره يقين = أي أنه من الله وتفسيره من الله، وهو تفسير مؤكد بسبب هذا. والله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، هو أوحى به ولذلك سيتم تنفيذه.

 

معنى الذهب والفضة والنحاس والحديد والخزف:

1. شبهت بابل بالذهب: يسجل هيرودوتس أن معابد بابل امتلأت بكميات خرافية من الذهب، وفي كثير من هياكلها موائد من الذهب الخالص وتماثيل ذهبية (دا 1:3) وفيه نجد نموذجًا لهذه التماثيل الذهبية العملاقة (تقريبًا 30 مترًا × 3 أمتار وقد يكون من الذهب الخالص أو مغطى بقشرة ذهبية). وكانت بعض الآلهة الذهبية تجلس على عروش ذهبية ومذابحهم ذهبية. وقال هيرودوتس أنه لم يرى أحد في أي مكان ذهبًا بهذا المقدار. وكانت القصور هكذا مغشاة بالذهب. كان نبوخذ نصر عاشقًا لبابل ولآلهتها مرودخ وبيل. ولم يسجل في تاريخه كثيرًا عن انتصاراته بل ما صنعه لبابل من عظمة وجعلها مدينة ذهبية. وسجل نبوخذ نصر أنه أتى لبابل حبيبته وبيل إلهه ، ولهياكل آلهته بأعظم الأحجار الكريمة والذهب من كل مكان. وكانت حوائط هياكله وقصوره تلمع وتبرق كالشمس فهي مغطاة بالذهب. إذن فهذه المملكة كانت تميل للاستعراض، إستعراض القوة والغنى للملك وآلهته ليلقي الروع في قلوب شعبه. كانت بابل مغشاة بالذهب. أما كيف يرى الله كل هذا الذهب والثروات والأمجاد العالمية "ويلٌ للمُكَثِّر ما ليس له، إلى متى؟ وللمُثَقِّل نفسه رهونًا" (حب2: 6). ورهونًا تعني طين كثيف.

St-Takla.org Image: God makes the secret revealed to Daniel (Daniel 2:19-23) صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يكشف السر إلى دانيال (دانيال 2: 19-23)

St-Takla.org Image: God makes the secret revealed to Daniel (Daniel 2:19-23)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يكشف السر إلى دانيال (دانيال 2: 19-23)

2. وشبهت مملكة مادي وفارس بالفضة:: الفضة في الكتاب المقدس تشير للنقود، فالمسيح باعه يهوذا بثلاثين من الفضة (مت15:26) وكان ذلك حسب نبوة زكريا (زك 12:11) والفضة تشير للنقود في كل اللغات السامية. وكان الفرس في بدايتهم لا يهتمون بالمال (أش17:13) بل بالسيادة، لكن مع تقدم الوقت اهتموا بتكوين جيوش ضخمة وهذه احتاجت لكثير من النقود للصرف عليها. ومن هنا اهتمت الدولة بالضرائب وجمعها وكان المرازبة المذكورين في (دا 2:6) هم المسئولين عن جمع هذه الضرائب. ويسجل التاريخ أن نظام جمع الضرائب في فارس وصل للكمال أيام داريوس هستاسبس. [وراجع سفر عزرا عز 7:4-22] فالملك ارتحشستا منع البناء [حتى لا تحصل خسارة للملك] (لِمَاذَا يَكْثُرُ الضَّرَرُ لِخَسَارَةِ الْمُلُوكِ؟) أي أن يمتنع اليهود عن دفع الجزية. ولذلك كانت صورة فارس في دانيال (7) أنها تأكل لحمًا كثيرًا وهذا معناه الشره والطمع والنهب أكثر من كونه احتلالًا وإخضاعًا للأمم. ولذلك صار ملوك الفرس أغنياء جدًا (دا 2:11) حتى أنهم أثاروا اليونان بغناهم. بل لسعيهم وراء النقود لم يتردد أحد ملوكهم من أن ينقب مقبرة الملكة البابلية نيتوكريس بحثًا عن كنوزها. وقطعًا فهذه المملكة كانت أقوى من بابل. ولاحظ أن التمثال يتدرج في القوة فالفضة أقوى كمعدن من الذهب.

3. وشبهت مملكة اليونان بالنحاس: ومملكة اليونان كانت أقوى من الفرس كما أن النحاس أقوى من الفضة. وكان رجالها وجيشها أقوى، وفرسانها قد اشتهروا بالشجاعة. وثبت أن الشجاعة أفضل من الثروة. وكان الجيش اليوناني متسلحًا بالنحاس. ويلبسون دروعًا نحاسية. وكان اللباس الحربي اليوناني أقوى من مثيله الفارسي الذي كان يهتم بالمنظر والفخامة، بل أن اليونانيون كان يطلق عليهم الرجال النحاسيون. وفي (حزقيال 13:27) ينسب لليونان تجارة النحاس، وكان هذا يشمل الآنية النحاسية والأسلحة النحاسية.

4. شبهت الدولة الرومانية بالحديد: والحديد هو أقوى المعادن الأربعة. ولقد انتقلت الدولة الرومانية من عصر النحاس والبرونز إلى عصر الحديد. وَوُجِدَ أن شعراء الرومان كانوا يطلقون على عصر النحاس (الأيام القديمة) ولقد أصبحت أسلحتهم من الحديد. ولكن في بداية أيام الرومان كانت الأسلحة المستخدمة خليط من الأسلحة الحديدية والأسلحة النحاسية ودروعهم كانت خليط من النحاس والحديد، ولاحظ وصف الحيوان الرابع في (دا 19:7) الذي يصف الرومان بأن له أسنان حديد وأظافر نحاس. وكانت هذه الإمبراطورية رهيبة في التدمير وخراب أورشليم شاهد على ذلك. وقوة هذه الدولة يدل عليها امتداد فترة حكمهم لحوالي 500 سنة قبل أن تنقسم، ثم انقسمت لدولتين، شرقية وغربية، واستمرت بهذه الصورة المقسمة (رجلين حديد) حتى سنة 1453 م. عندما استولى الأتراك على القسطنطينية واستمر الجزء الغربي يتبع أوروبا. ولاحظ أن التمثال يتدرج من فوق إلى أسفل زمانيًا، لذلك فالرجلين حديد ثم تأتي الأصابع من حديد وخزف. فالقدمين يشيروا لمرحلة أولية لهذه الدولة والأصابع لمراحلها النهائية. الإمبراطورية الرومانية بدأت كدولة موحدة قوية جدا وإستمرت موحدة ما يقرب من الخمسمائة عام، ثم إنقسمت إلى إمبراطوريتين شرقية وغربية. وإنتهت كدول بعضها قوي وبعضها ضعيف.

5. الأصابع بعضها حديد وبعضها خزف: نبوات دانيال ونبوات كثيرين غيره لها تطبيقين في نفس الوقت، التطبيق الأول في القريب، والثاني ينظر إلى بعيد. [أ] التفسير القريب:- يمكننا تفسير الحديد.... على أنهم الأجزاء أو الدول القوية المتحضرة داخل الدولة الرومانية والخزف تشير لقبائل البرابرة التي حاولت الإمبراطورية الرومانية ضمها وتوحيدها في جسد الإمبراطورية بلا فائدة. فالحديد لا يمكن دمجه مع الخزف، بل كان سببًا في إنهيار الإمبراطورية هذا هو التفسير القريب. [ب] التفسير الآخر هو تفسيرًا أبعد يصعب أن نعرفه الآن. ولكن هناك تفسيرًا أبعد يصعب أن نعرفه الآن. ولكن هناك محاولة للفهم، فقد يشير هذا لانبعاث الدولة الرومانية من جديد وبشكل جديد مختلف بعض الشيء، فتكون متكونة من كتلتين، الأولى تتكون من دول قوية ومتحدة (هذه هي الأصابع الحديد) لكن لكل منها شخصيتها كالأصابع المتفرقة، ولكن تجمعها قدم واحدة (كما يحدث مثلًا الآن في الاتحاد الأوروبي) وكتلة أخرى تتكون من دول ضعيفة (أصابع الخزف) لكنها متحدة بصورة ما، فهناك ما يجمعها ولكن لكل منها شخصيتها. وما الذي يدفعنا لهذا التصور؟: قول الوحي على لسان دانيال "كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ ٱلتِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ ٱللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا" فالحجر هو المسيح الذي ولد في أيام الدولة الموحدة. ولكن قوله ضرب التمثال على قدميه (قدميه هما الدولة الرمانية). وقوله انْسَحَقَ التمثال وتبدد في الهواء (صَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ)، وهذا يعني نهاية العالم. إذًا هناك ظهور ثانٍ للدولة الرومانية وفي أيام هذا الظهور ينتهي العالم.

St-Takla.org Image: Daniel stands before the king (Daniel 2:24-30) صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال يقف أمام الملك (دانيال 2: 24-30)

St-Takla.org Image: Daniel stands before the king (Daniel 2:24-30)

صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال يقف أمام الملك (دانيال 2: 24-30)

6. ولاحظ أنه لا يذكر عدد الأصابع (فنحن لا نعرف عدد الدول في كل كتلة). هذا مجرد تصور لموضوع الأصابع، لكن ليس الشكل الحالي هو الشكل النهائي قبل المجيء الثاني. فالشكل النهائي الذي سينتهي عليه العالم سيكون في أيام ضد المسيح، وهذا يسبقه حرب البوق السادس (راجع سفر الرؤيا الإصحاح التاسع) وهي حرب عالمية. ومن المؤكد أن شكل العالم سيتغير تغييرًا كبيرًا بعد هذه الحرب الرهيبة التي يُقتل فيها ثلث سكان العالم. لكن موضوع الوحدة الأوروبية تعطينا تفسيرا منطقيا لموضوع الأصابع. خصوصا أن الدولة الرومانية كانت تتكون من الدول الأوروبية ودول شمال إفريقيا ويتوسطها البحر الأبيض المتوسط.

وإذا فهمنا أن عدد الأصابع بالطبيعة هو عشر فهل تكون هذه الأصابع هم العشر الملوك الذين يساندون الوحش في الأيام الأخيرة (رؤ12:17)؟ ولاحظ أن المسيح ولد في أيام عظمة الدولة الرومانية حينما كانت الدولة الرومانية دولة واحدة قبل أن تنقسم إلى إمبراطوريتين غربية وشرقية (الأرجل الحديد)، ولكنه ضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. ففي مجيء المسيح الثاني سيبيد العالم وسيكون هذا في أيام الكتلتين الحديد والخزف أي في الصورة الجديدة التي تظهر بها الدولة الرومانية. وفي مجيء المسيح الثاني [سيبيد الأثيم بنفخة فمه] (2تس8:2) ومعه هؤلاء الملوك الذين ساندوه. وبمجيء المسيح الثاني ستنتهي هيئة هذا العالم وتزول السماء والأرض، وهذا هو التطبيق الكامل لهذه النبوة أي زوال كل ملك عالمي والخضوع الكامل لله الملك الوحيد الحقيقي، أي أن الله سيؤسس مملكته الأبدية التي يكون فيها الكل خاضعا تمامًا على أنقاض التمثال أي كل الدول التي حركها الشيطان لمقاومة الله.

ويتفق قول دانيال فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان (دا 35:2) مع [يبيد الأثيم بنفخة فمه] (2تس8:2).

وكون الأصابع تشير لملوك فهذا يتضح من (دا 44:2)، وفي (دا7: 7) نرى هؤلاء الملوك بوضوح أنهم عشرة قرون. أي أنه في أيام هؤلاء ملوك (العشرة)، يبيد الله صورة هذا العالم ليؤسس ملكوته الأبدي بعد أن يأتي في مجيئه الثاني. فمجيئه الأول وتجسده كان في أيام مجد الدولة الرومانية وهي على صورتها القديمة. ومجيئه الثاني سيكون في أيام الشكل الجديد للدولة الرومانية أي التي تتكون من نفس دول الدولة الرومانية القديمة ولكن بشكل جديد. فهي ستكون من كتلتين، كل كتلة متحدة بصورة ما، هذه هي الأرجل الاثنين، لكن الدول لها شخصيتها المتفردة داخل هذا الاتحاد.

 

St-Takla.org Image: Daniel's interpretations of the statue of Nebuchadnezzar (Daniel 2) صورة في موقع الأنبا تكلا: تفسير دانيال لرؤية تمثال نبوخذنصر

St-Takla.org Image: Daniel's interpretations of the statue of Nebuchadnezzar (Daniel 2)

صورة في موقع الأنبا تكلا: تفسير دانيال لرؤية تمثال نبوخذنصر

تفسير مكمل لتمثال نبوخذ نصر من واقع ما سبق

رأس التمثال الذهب تشير لملك بابل الذي كبر وتقوَّى وعظمته زادت وبلغت إلى السماء (دا 4: 22) وعن مدى سلطانه فهو "أَيًّا شَاءَ قَتَلَ، وَأَيًّا شَاءَ اسْتَحْيَا" (دا 5: 19) وهذا السلطان المطلق قد حرم منه داريوس الملك الفارسي، فلم يستطع أن يترك دانيال صديقه حيًا (دا 6) ولذلك شُبِّهَ بالفضة. وأما اليونان فكان سلطان ملوكهم أقل. أما الرومان فقد اشتهروا بالديمقراطية وفي هذا راجع سفر المكابيين الأول (1 مك 14:8-16) فالسلطان المطلق يقل بتدرج التمثال من أعلى إلى أسفل بينما القوة تزداد. لذلك شُبِّه اليونان بالنحاس والرومان بالحديد.

 

ما بين التمثال ووجوه الكاروبيم

(راجع شرح الكاروبيم في حز 1)

ظهر التمثال في هيئة إنسان ليشير لملوك، فالله خلق الإنسان ليكون ملكًا حرًا لا تستعبده شهوة أو خطية أو شيطان. وظهر التمثال على هيئة أربع ممالك، ورقم 4 يشير لكل العالم. ولما سقط الإنسان "أخضعت الخليقة للباطل" (رو8: 20). وكان فداء المسيح ليعيد الإنسان حرًا وملكًا (يو36:8 + رؤ5:1 ، 6) وهذا صار متاحًا لكل إنسان في كل العالم. ولكننا رأينا للأسف أن التمثال سكنه إبليس، أي أن الإنسان بكامل حريته يسلم نفسه للشيطان فيفقد حريته ولا يصير بعد ملكًا بل عبدًا وفي هذه الحالة سيباد حينما يبيد الله الشيطان ومن يتبعه (مز4:1-6 + 2تس8:2 + رؤ10:20 ، 15).

أما الكاروبيم فهم عرش الله (كلمة "كاروب" تعني "كلي المعرفة"، وتم التعبير عن ذلك بقول القديس يوحنا عنهم أنهم مملوئين عيونا (رؤ4: 6). أما عرش فهو الكرسي الذي يجلس عليه الملك ليرتاح)، أي أن الله يرتاح فيهم فهم مملوؤون من معرفة الله (مز10:18). وهذا عكس البشر الذين إشتكى منهم رب المجد قائلا [لَيْسَ لِابْنُ الإِنْسَانِ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ] (مت8: 20). فليس من أحد يعرف الله معرفة حقيقية، لذلك يتصادم البشر مع الله في قراراته ويتذمرون على أحكامه. أما الكاروبيم فإن الله يرتاح فيهم لأنهم يعرفونه. ولأنهم يعرفون الله أحبوه، فمن يعرف الله حقيقة يحب الله، فالله يستحق كل الحب. ولأنهم يعرفون الله صاروا يرتاحون لكل قراراته، والله يرتاح فيهم. ومن يرتاح الله فيه يجعله يحيا في السماويات. وهذا معنى قول المرنم في المزمور "ركب على كروب وطار" (مز18: 10). فالكاروبيم لأنهم يعرفون الله ويحبونه ويرتاحوا ويفرحوا بكل قراراته فالله أعطاهم أن يرتفعوا في الدرجات السماوية، يرفعهم الله لدرجات سماوية مرتفعة.

كيف نعرف الله ليرتاح الله فينا؟

أمامنا الأربعة الأناجيل كلمة الله، وهي موحى بها من الروح القدس (2تي 3: 16 + 2بط1: 21). وبقراءتها يحكي لنا الروح القدس عن شخص المسيح فنعرفه ونحبه (يو16: 14). لذلك أعطت الكنيسة وجوه الكاروبيم كرموز للأربعة أناجيل - وجه الإنسان لإنجيل متى إذ أنه أكثر من يذكر تعبير ابن الإنسان. ومتى بدأ إنجيله بسلسلة نسب المسيح. وأعطت الكنيسة لإنجيل مرقس وجه الأسد لأنه بدأ إنجيله بقوله "صوت صارخ في البرية" وأظهر القديس مرقس في إنجيله قوة الرب يسوع الملك ابن الله. وأعطت الكنيسة وجه الثور لإنجيل لوقا الذي بدأ بلقاء الملاك مع زكريا الكاهن عند المذبح. وأعطت الكنيسة وجه النسر لإنجيل يوحنا لأن يوحنا كتب إنجيله لنؤمن بلاهوت المسيح ابن الله الذي أتى من السماء. فمن يقرأ الكتاب المقدس كله سيكشف له الروح القدس عن شخص المسيح فيعرفه ويحبه ويسلم له أموره بلا تذمر، فيرتاح عنده المسيح.

St-Takla.org Image: Vultures in Bahir Dar, St Teklahimanot Gadam, Bahir Dar - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008. صورة في موقع الأنبا تكلا: نسور في بحر دار - دير القديس تكلاهيمانوت، بحر دار - من صور رحلة موقع الأنبا تكلا لإثيوبيا - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت، إبريل-يونيو 2008.

St-Takla.org Image: Vultures in Bahir Dar, St Teklahimanot Gadam, Bahir Dar - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008.

صورة في موقع الأنبا تكلا: نسور في بحر دار - دير القديس تكلاهيمانوت، بحر دار - من صور رحلة موقع الأنبا تكلا لإثيوبيا - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت، إبريل-يونيو 2008.

والإنسان يتقدس فيرتاح الله فيه:-

1. بعمل المسيح الفدائي.

2. بمعرفة المسيح من خلال الكتاب المقدس.

3. بتقديس طاقاته.

4. بجهاده في تنفيذ وصايا المسيح.

وعمل المسيح الفدائي يمثله وجوه الكاروبيم. فوجه الإنسان يشير لتجسده، ووجه الثور يشير لأنه قدم نفسه ذبيحة على الصليب، ووجه الأسد يشير لقيامته، ووجه النسر يشير لصعوده. بهذا العمل قدس المسيح البشرية.. ولكن من الذي يتقدس ويستفيد من عمل المسيح؟ هذا هو من يقدس طاقاته لحساب المسيح. ومرة أخرى نعود لوجوه الكاروبيم فوجه الأسد يشير لقوى الإنسان العضلية ووجه الثور يشير لقواه الشهوانية ووجه الإنسان يشير لقواه العقلية ووجه النسر يشير لقواه الروحية، وحين يقدس الإنسان كل هذه القوَى يسكن الله فيه ويصير مركبة كاروبيمية ويطير ويحلق في السماويات، وتصير أبديته سماوية. ولنقارن بين أجزاء التمثال ووجوه الكاروبيم .

بل من يرتاح الله عنده يبارك له الله في طاقاته وقدراته، ونعود لوجوه الكاروبيم: فالنسر له القدرة على الرؤية لمسافات هائلة، والأسد له قوة عضلية جبارة. والمعنى أن الله يعطي إمكانيات جبارة لمن يسكن عنده في الرؤية وفي القدرات الجسدية وفي القدرات العقلية وفي إمكانيات المحبة لله. وهذه الأخيرة هي ما تعطي الفرح الحقيقي. فمن يبدأ بأن يقدس طاقاته للمسيح يبارك له الله في هذه الطاقات فتصبح غير محدودة.

  • فالإنسان له الحرية أن يقدس قواه العقلية، كما يقول الكتاب [مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ لِطَاعَةِ الْمَسِيحِ] (2كو5:10) . لكن هناك من يترك فكره للفلسفات والغرور الباطل "أنظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل" (كو8:2) . ومن يقدس قواه الفكرية يسمع "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون أذهانكم" (أف17:1-18).

  • والإنسان له الحرية أن يقدس قلبه وتكون سيرته في السماويات (في20:3) ولذلك يطلب الله قائلًا " يا إبني أعطني قلبك" (أم26:23) ويقول الكتاب " تحب الرب إلهك من كل قلبك"(تث4:6-6) وقد يترك الإنسان قلبه وعواطفه وقدراته للعالم، وحيث يكون كنزه يكون قلبه أيضًا (مت21:6) وكل من يسلك بالروح يتقدس قلبه.

  • والله خلق للإنسان شهوة حين يقدسها الإنسان يقول مع بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" (في23:1) ويقول مع داود النبي "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله" (مز4:27). هذه الشهوة حين تتقدس نجد أن الإنسان يحب الله من كل قلبه ومن كل فكره ومن كل قوته (تث6: 5). الروح القدس هو الذي يسكب محبة الله في قلب من يبدأ في أن يقدس نفسه وحواسه لله. ومن يحب الله هكذا سيختبر الفرح الحقيقي. ولكن قد تنحرف شهوة الإنسان فيشتهي امرأة قريبه (إر7:5-9) وهذا ما يسمى اللذة الحسية. وشتان الفارق ما بين الفرح واللذة الحسية.

  • St-Takla.org Image: Interpretations of the statute according to (Daniel 2) prophecy

    صورة في موقع الأنبا تكلا: تحليل لأجزاء التمثال حسب نبوة (دانيال 2): رأس التمثال (وجه إنسان): القوى العقلية - الصدر والقلب (وجه النسر): القوى الروحية - البطن (وجه الثور): القوى الشهوانية - القدمين (وجه الأسد): القوى العضلية

    والله قَدَّم للإنسان قوة جبارة هي النعمة بها يستطيع أن يقدس كل قواه العضلية ويكرسها لحساب مجد الله. وتتحول أعضاءه لآلات بر عوضًا عن أن تكون آلات إثم. ولو لم يجاهد الإنسان تتحول كل قواه لخدمة الخطية إذ يفقد النعمة الممنوحة له من الله (رو13:6).

  • وباختصار إما أن تتقدس قوَى الإنسان فيملك الله عليه، ويصير مركبة كاروبيمية وينطلق للسماويات، أو ينجرف وراء شهواته ويصير جسدًا مستعبدًا لشهواته، يصير جسدانيًا تقوده شهواته التي يقودها الشيطان فيهلك مع التمثال. لذلك نجد أن أولاد الله يصرخون مع داود النبي قائلين "إليك يا رب أرفع نفسي" (مز25: 1). [يطلبون مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ] (كو3: 1-3).

  • قال الأباء عن الكاروبيم أنهم بوجوههم الأربعة يشفعون في كل الخليقة. ونحن قد رأينا أن الأربعة والعشرون قسيسًا يرفعون صلواتنا أمام الله (رؤ5: 8). وإذا كان القديس يعقوب يطلب منا كبشر أن نصلي بعضنا لبعض (يع5: 16)، فبالأولى فهؤلاء الملائكة القديسين المملوءين محبة يصلون عنا ويشفعون فينا أمام الله. وهم لهم أربعة وجوه، ولأن رقم 4 هو رقم العمومية، فهو يشير لأنهم يشفعون في كل العالم. فوجه الأسد يشفع في الحيوانات المتوحشة، ووجه الثور يشفع في الحيوانات الأليفة ووجه النسر يشفع في الطيور ووجه الإنسان يشفع في البشر. هم المركبة الكاروبيمية التي يركبها الله (حزقيال1) أي التي يرتاح فيهم الله. ويقول المزمور "ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح". (مز18: 10) وهذا يعني الحياة السماوية للكاروبيم مع الله. والمعنى أنه كلما تزداد معرفة الله يرتفع في درجته السماوية.

  • فهل يمكن للإنسان أن يتحول إلى مركبة كاروبيمية يرتاح الله عليها ويسكن في داخله فيحيا الإنسان في السماويات، بل يتحول الإنسان ليشفع في الخليقة مثل الكاروبيم. طبعًا هذا ممكن لو تقدس الإنسان أي يتكرس لله، ومَن يتنقَّى قلبه يعرف الله "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8). فيصير مثل هذا مملوءًا معرفة مثل الكاروبيم. ولقد قيل أن الله يفيض ماء النيل من أجل الأنبا بولا.

 

الجبل العظيم وكيف فهم البابليون الحلم وتفسيره:

كان البابليون يؤمنون أن الآلهة تسكن في جبل مقدس كانوا يسمونه جبل الأراضي وبالذات للإله مرودخ. وبهذا المعنى كانت الآية (35). وكانت الكلمة التي استخدمها دانيال جبلًا كبيرًا هي نفسها التي يستعملها الكهنة. بل أن الكهنة كانوا يسمونهم "كهنة شادوراب" šadû-rabu(2) أي كهنة جبل الرب. والآن هؤلاء الكهنة يسمعون الكلمة نفسها من دانيال الذي يؤمن بالإله الواحد. وهم قطعًا فهموا من كلامه أن السيادة ستنتقل من ملكهم إلى ملك ثانٍ ثم ملك ثالث ثم رابع ثم يحكم إله دانيال "إله السماء" على الأرض، وستكون بداية مملكته بسيطة ولكن سريعًا ما ستملأ الأرض.

 

الريح التي ذرت العصافة وكيف فهمها البابليون:

كان للبابليين إله يدعى إنليل وهو إله العاصفة الشديدة. وهو في صراعه مع الحية إله الخراب أرسل عليها عواصف مدمرة ليدمرها ولكن مرودخ هو الذي انتصر الانتصار النهائي على إله الخراب فأعطى إنليل اسمه لمرودخ أي صار اسم مرودخ هو إله العاصفة. إذًا فالعاصفة هي عمل إلهي أيضًا. والحجر الصغير قطع بعمل إلهي لأنه بغير يدين أي ليس بعمل بشر. ولأن البابليين كانوا يسمون مرودخ ملك الآلهة أطلق نبوخذ نصر على إله دانيال إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الْمُلُوكِ (دا 47:2) وهكذا فالله يكلم كل واحد بلغته. وما فعله دانيال جعله يشتهر بالحكمة.

 

الآيات (46-49): "حِينَئِذٍ خَرَّ نَبُوخَذْنَصَّرُ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ لِدَانِيآلَ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ تَقْدِمَةً وَرَوَائِحَ سُرُورٍ. فَأَجَابَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ إِلهَكُمْ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ، إِذِ اسْتَطَعْتَ عَلَى كَشْفِ هذَا السِّرِّ». حِينَئِذٍ عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَأَعْطَاهُ عَطَايَا كَثِيرَةً، وَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ وِلاَيَةِ بَابِلَ وَجَعَلَهُ رَئِيسَ الشِّحَنِ عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَطَلَبَ دَانِيآلُ مِنَ الْمَلِكِ، فَوَلَّى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ. أَمَّا دَانِيآلُ فَكَانَ فِي بَابِ الْمَلِكِ."

St-Takla.org Image: Then King Nebuchadnezzar fell on his face, prostrate before Daniel (Daniel 2:46-49)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك نبوخذ نصر يركع أمام دانيال (دانيال 2: 46-49)

كان من المتوقع أن يغتاظ نبوخذ نصر مما سمعه بأن مملكته ستنتهي، ولكن هذا لم يحدث فدانيال كان يتكلم بسلطان إلهي لا يستطيع أحد أن يقاومه، بل نجد في آية (46) أن الملك يعامل دانيال كإله. وغالبًا مع أن هذا لم يذكر، أن دانيال رفض هذا كما رفضه بولس الرسول بعد ذلك، ونسب الفضل لله (أع14: 8-15). ونستنتج ذلك من آية (47) التي فيها يعترف نبوخذ نصر بعظمة إله دانيال. فلو كان دانيال قد قبل التكريم كإله لكان قد فقد اتصاله بالله ولضاعت حكمته، ولكن هذا لم يحدث مع دانيال. الله يريد أن يعطي أولاده المجد والحكمة... ولكن من خلال الإتحاد به وليس بالانفصال عنه، ولاحظ قول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13). فالإتحاد بالله ينقل الإنسان إلى إمكانيات لانهائية، فالله الذي نتحد به لا نهائي لذلك قال السيد المسيح لتلاميذه أنهم قادرين أن يعملوا كالأعمال التي يعملها وأعظم منها "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا ويعمل أعظم منها لأني ماضٍ إلى أبي" (يو14: 12). أما الانفصال عن الله فهو الموت، فالله هو الحياة .

ولنلاحظ أن المال والملك لا يعطيان للإنسان عظمة إن لم يعطه الله. وكما اعتلَى يوسف العبد مكانًا بارزًا في مصر هكذا حدث مع دانيال المسبي في بابل. دَانِيآلُ فَكَانَ فِي بَابِ الْمَلِكِ = هذه تساوي رئيس للمجلس أو رئيس وزراء فالباب يجلس عنده القضاة والأمراء والرؤساء. ولم ينس دانيال أصدقائه الذين شاركوه صلاته فأشركهم في مجده. ولنلاحظ في قصتي دانيال ويوسف كيف أن الله يسمح بالضيق (عبودية وسبي) لبعض الوقت ليمجد أولاده. [فإن كنا نتألم معه فلكي نتمجد أيضًا معه] (رو17:8). وإن لم نتمجد على الأرض مثل يوسف ودانيال لكننا سنتمجد قطعًا في السماء (رو18:8).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات دانيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14

 

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) عن مقال لمثلث الرحمات قداسة البابا شنودة.

(2) إضافة من الموقع: سادورابو أي الجبل الكبير.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/32-Sefr-Danial/Tafseer-Sefr-Daniel__01-Chapter-02.html

تقصير الرابط:
tak.la/rtzx76s