St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   32-Sefr-Danial
 

شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري

دانيال 7 - تفسير سفر دانيال

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب دانيال + تتمة السفر:
تفسير سفر دانيال: مقدمة سفر دانيال | دانيال 1 | دانيال 2 | دانيال 3 | دانيال 4 | دانيال 5 | دانيال 6 | دانيال 7 | دانيال 8 | دانيال 9 | دانيال 10 | دانيال 11 | دانيال 12 | دانيال 13 | دانيال 14 | الخط العام لنبوة دانيال

نص سفر دانيال: دانيال 1 | دانيال 2 | دانيال 3 | دانيال 4 | دانيال 5 | دانيال 6 | دانيال 7 | دانيال 8 | دانيال 9 | دانيال 10 | دانيال 11 | دانيال 12 | دانيال 13 | دانيال 14 | دانيال كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بعد أن أنهى النبي الأحداث التاريخية في الستة الإصحاحات الأولى يبدأ هنا بالأجزاء النبوية وفيها كثير من الغموض، بعضها تحقق والبعض متعلق بالأيام الأخيرة. ونفس النبوة قد تكون تحققت في زمن سابق ولكن سيتم تحقيقها في المستقبل بطريقة أخرى وقد تم صياغة هذه النبوات بحيث تحتمل تطبيقها عدة مرات.

 

الآيات (1-8): "فِي السَّنَةِ الأُولَى لِبَيْلْشَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، رَأَى دَانِيآلُ حُلْمًا وَرُؤَى رَأْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ. حِينَئِذٍ كَتَبَ الْحُلْمَ وَأَخْبَرَ بِرَأْسِ الْكَلاَمِ. أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤْيَايَ لَيْلًا وَإِذَا بِأَرْبَعِ رِيَاحِ السَّمَاءِ هَجَمَتْ عَلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ. وَصَعِدَ مِنَ الْبَحْرِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ، هذَا مُخَالِفٌ ذَاكَ. الأَوَّلُ كَالأَسَدِ وَلَهُ جَنَاحَا نَسْرٍ. وَكُنْتُ أَنْظُرُ حَتَّى انْتَتَفَ جَنَاحَاهُ وَانْتَصَبَ عَنِ الأَرْضِ، وَأُوقِفَ عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ، وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ. وَإِذَا بِحَيَوَانٍ آخَرَ ثَانٍ شَبِيهٍ بِالدُّبِّ، فَارْتَفَعَ عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ وَفِي فَمِهِ ثَلاَثُ أَضْلُعٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، فَقَالُوا لَهُ هكَذَا: قُمْ كُلْ لَحْمًا كَثِيرًا. وَبَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى وَإِذَا بِآخَرَ مِثْلِ النَّمِرِ وَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةِ طَائِرٍ. وَكَانَ لِلْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ رُؤُوسٍ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا. بَعْدَ هذَا كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا بِحَيَوَانٍ رَابعٍ هَائِل وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدًّا، وَلَهُ أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ. كُنْتُ مُتَأَمِّلًا بِالْقُرُونِ، وَإِذَا بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ طَلَعَ بَيْنَهَا، وَقُلِعَتْ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْقُرُونِ الأُولَى مِنْ قُدَّامِهِ، وَإِذَا بِعُيُونٍ كَعُيُونِ الإِنْسَانِ فِي هذَا الْقَرْنِ، وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ."

هنا نجد رؤيا خاصة بأربعة ممالك اضطهدت شعب الله، وهم اليهود في العهد القديم، أما في العهد الجديد فشعب الله هو كنيسته. وهكذا قال السيد المسيح "في العالم سيكون لكم ضيق" لذلك كان تشبيه هذه الممالك بأربعة وحوش. وهذه الرؤيا هي إعادة لحلم نبوخذ نصر في الإصحاح الثاني. والفارق أن نبوخذ نصر كإنسان مادي دنيوي يعتبر ممثل للقوى العالمية، هو يهتم بالقوة والمجد العالمي، أو هو ينبهر بقوة الممالك وعظمتها، لذلك رآها في شكل تمثال هائل رأسه ذهب وقدماه حديد. وهناك رأى بأن التمثال الذي أقامه بطول 60 ذراعًا (إصحاح 3) مشابه لتمثال الحلم، وأقامه كله من ذهب مع أن الله أظهر له في الحلم بأن التمثال لن يستمر ذهبًا، بل ستنتقل السلطة إلى مملكة أخرى ثم مملكة ثالثة إلى أن يباد التمثال كله، إلاّ أنه قد تصور أنه بإقامته لهذا التمثال سيحافظ على مملكته ذهبية إلى الأبد. وكان الله يريد أن يريه أنه لا ثبات لأي مملكة عالمية، وكل مملكة عالمية لها نهاية، وأن كل حاكم هو حاكم وقتي وبسماح من الله أما ملكوت المسيح فأبدي.

أما دانيال كإنسان روحاني لا يهتم بأمجاد هذا العالم فقد رأى هذه الممالك في صورتها الحقيقية كوحوش كاسرة تتحكم فيها طبيعتها الحيوانية الدموية. وهذه الممالك طالما اضطهدت شعب الله وسفكت دماء القديسين. والشيطان هو الذي يثير هذه الممالك ضد شعب الله ويهيج ملوكها ضدهم. ولذلك رأى دانيال أربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وقارن مع (أف2:2) فالشيطان يسميه الرسول "رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ.. الَّذِي يَعْمَلُ.. فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ". ولكننا نرى في (رؤ1:7) أن هناك أربعة ملائكة ممسكين بأربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض إلا بسماح منهم. والمعنى أن الرياح هي التجارب والآلام والضيقات التي يعاني منها شعب الله والتي يثيرها عدو الخير، ولكن شكرًا لله فكل هذا بسماح منه وتحت سيطرته.

أربع رياح السماء هجمت على البحر = اليهود فهموا من (تك1: 6 – 8) أن الشيطان حين طرده الله من السماء ظل معلقا في الهواء (الجلد الذي يحمل السحاب) لأن الوحي لم يذكر عن خليقة الله في اليوم الثاني أن الله وجد أن ما عمله كان حسن كما قيل عن بقية الأيام الستة. والقديس بولس الرسول إعتمد هذا الفكر وقال عن الشيطان "رئيس سلطان الهواء"؟

ولاحظ أن الرياح حين تهب على البحر يهيج البحر وتعلو أمواجه، وهكذا يُهَيِّج الشيطان ملوك ورؤساء هذا العالم ضد شعب الله. والعالم مشبه في الكتاب المقدس بالبحر:-

1. ماء البحر مالح من يشرب منه يعطش ويموت، وهكذا شهوات العالم. فمن يشرب من ماء البحر المالح يظن أنه يرتوي، ولكن العكس هو ما يحدث، فالملح يسحب الماء من الأنسجة فيجف الإنسان ويموت. هكذا من يسعى وراء شهوات العالم ظانا أنها ترويه، ولكن العكس هو ما يحدث إذ تتسبب في هلاكه.

2. أمواج البحر تجدها ترفعك ثم تنخفض بك، وهكذا العالم يرتفع بك يوما، ويوما آخر يخفضك إلى أسفل.

3. لا يوجد إنسان يقدر أن يحيا في البحر. ومن يحاول سيموت. ولكن نستطيع أن نحيا على سطح البحر في سفينة مثلًا. وهكذا أولاد الله يعيشون على سطح العالم دون أن ينغمسوا في شهواته. نستعمل العالم لنحيا ولكن لا يجتذبنا العالم إلى أعماق شهواته وملذاته وانشغالاته التي تلهينا عن الله لئلا نموت.

4. قال رب المجد عن الشيطان أنه رئيس هذا العالم، فهو قادر أن يثير الحروب والقلاقل، وقادر أن يسهل لنا الطريق إلى شهوات هذا العالم. وهذا ما عمله مع رب المجد حين قال له [أعطيك كل هذه].. ولكن كان الثمن [خُرّ واسجد لي] (مت 4: 9).

5. وبنفس المفهوم قال الملاك لدانيال النبي عن الشيطان الذي يحرك الملوك ضد شعب الله "... فَٱلْآنَ أَرْجِعُ وَأُحَارِبُ رَئِيسَ فَارِسَ. فَإِذَا خَرَجْتُ هُوَذَا رَئِيسُ ٱلْيُونَانِ يَأْتِي" (دا10: 13 – 20). فالملاك قال عن الشيطان الذي يحرك ملك فارس ضد شعب الله "رئيس فارس". وقال عن الملاك الذي يحرك ملك اليونان "رئيس اليونان". فالشيطان هو الذي يحرك هؤلاء الملوك.

6. والمعنى أن ممالك بابل وفارس واليونان وغيرها هي مشبهة بالبحر، والشيطان رئيس سلطان الهواء يهيج هؤلاء الملوك ضد شعب الله. وهذا كما يهيج الهواء أمواج البحر. وهذا معنى الآية أربع رياح السماء هجمت على البحر.

7. الله إختار 4 شعوب (بابل والفرس واليونان والرومان) فقط لأن رقم4 هو رقم العمومية. والمعنى أن الشيطان يفعل هذا عبر العصور، ومع كل الملوك يحركهم ضد شعب الله كما يحرك الهواء أمواج البحر. فيهيج الملوك على شعب الله ويحدث الإضطهاد.

 

 

وهذا جدول تخطيطي به نفس المحتوى:


 

الحجر ضرب التمثال عند القدمين الحديد والخزف

إصحاح (2)

إصحاح (7)

إصحاح (8)

الرأس ذهب

مملكة بابل

أسد له جناحا نسر

 

الصدر والذراعان فضة

مملكة مادي وفارس

دب مرتفع على جنب واحد

كبش له قرنان

بطن وفخذان نحاس

ملكة اليونان

نمر له أربعة أجنحة وأربع رؤوس

تيس من المعز

الساقان حديد

الدولة الرومانية

حيوان هائل وشديد له أسنان حديد وله عشرة قرون

 ↓

القدمين حديد وخزف

صورة جديدة للدولة الرومانية أو عشرة ملوك

قرن صغير

قرن صغير

حجر قطع بغير يدين

جبل ملأ الأرض

 

 

 S

توضيح العلاقة بين رؤى إصحاحات 2، 7، 8

 

والبحر قد يكون هو البحر المتوسط الذي يتوسط ممتلكات هذه الممالك الأربعة، فبابل وفارس امتدت أملاكها حتى الساحل الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط أي سوريا وفلسطين ومصر. أما اليونان والرومان فقد امتلكوا كل هذا بالإضافة لأوروبا على الساحل الشمالي. ولكن البحر في الكتاب المقدس يشير للعالم المضطرب الهائج وماؤه المالح من يشرب منه يعطش. وإبليس رئيس العالم سلطان الهواء هجم برياحه على البحر، أي عمل بقوته من خلال هذه الممالك واضطهد شعب الله، فهياج البحر هو الضيقات التي تواجه شعب الله لكنها تحت سيطرة الله وبسماح منه. وهي أربعة رياح فرقم "4" يشير لكل أنحاء العالم فالضيقات تواجه شعب الله أينما كانوا. وقوله أربع رياح يعني أن معارك هذه الممالك ستشمل كل مكان وستكون عنيفة. لكن لنعلم أنه وإن كان الشيطان يستعمل هذه الممالك لاضطهاد شعب الله ، لكن نجد أن الله ضابط الكل يستخدم كل الأمور لخير شعبه. فهو القادر أن يخرج من الجافي حلاوة. فهو إستخدم بابل لتأديب شعبه فإمتنعوا عن العبادة الوثنية، ثم إستخدم فارس لتحرير شعبه من بابل. واليونان بإنتشارهم في كل العالم وإنتشار لغتهم وكونها أصبحت لغة عالمية فهذا مهد السبيل لنشر الكتاب المقدس في العالم كله، فقد كتب العهد الجديد باليونانية وتمت ترجمة العهد القديم لليونانية (الترجمة السبعينية). والرومان بإمتلاكهم العالم كله مهدوا السبيل للرسل والتلاميذ لنشر الكرازة في العالم كله. فالرومان مهدوا الطرق عبر كل المملكة ، وكل الطرق متجهة إلى روما. ووضعوا علامات في كل طريق تشير للمسافة المتبقية إلى روما العاصمة، ولذلك قيل المثل المعروف "كل الطرق تؤدي إلى روما".

وفي (1) رأس الكلام = لب أو أصل الموضوع.

وفي (4) أسد له جناحان. وهذا يماثل الرأس الذهبي في تمثال نبوخذ نصر والحيوانات المجنحة، وهي طريقة معروفة لتصوير ملوك أشور وبابل. وقد وجد هذا في النقوشات الأثرية، وفيها تصويرهم على شكل أسود وثيران مجنحة بأجنحة نسور، فالأسد والثور يشيران للملك والسلطة والقوة والضراوة وأجنحة النسور تشير لسرعة الفتوحات. (جريدة الأهرام نشرت هذا الخبر عن العثور على هذه النقوشات الأثرية بتاريخ 5 يونيو 1990 م.) وملك بابل مشبه هنا بأسد فله سلطة مطلقة. ونجد بعد ذلك أنه إنتتف جناحاه = هذا يشير:

[1] أنه بعد جنونه قد شُفِيَ من وثنيته وتبدل قلبه الوحشي لقلب إنسان (دا 34:4-37) = وَأُوقِفَ عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ، وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ.

[2] يشير هذا أيضًا لضعف المملكة بعد موت نبوخذ نصر. ثم وصلت بهم الحال للهزيمة أمام جيش كورش. وفي هذا التشبيه والحيوان بلا جناحان فهو غير قادر على الطيران أو الانقضاض أو الغزو والحرب. وكانت آخر حروب بابل المسجلة سنة 568 ق.م. مع مصر.

وفي (5) الدب هنا يشير لمادي وفارس. ومادي هو الجانب الأسفل من المملكة أي الغير عامل. وفارس هي الجانب الأعلى من المملكة = فأرتفع على جنب واحد. ففي بدايات هذه المملكة كانت مادي هي المملكة الكبيرة وفارس هي المملكة الأصغر. ولذلك ففي بدايات هذه المملكة كانت تسمى مادي وفارس. وداريوس كان من مادي غير أنه كان خاضعًا لكورش (دا 6: 8). ومع مرور الزمن أصبحت فارس هي القوة الكبيرة وتغير اسم المملكة إلى فارس ومادي (إس 1: 3) ولا يزال شكل الدب يرى في الحجارة الأثرية لهذه المملكة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والدب ليس في قوة الأسد ولكنه ليس أقل وحشية (عا 5: 19) ثلاث أضلع بين أسنانه = تشير لثلاث ممالك كبيرة التهمها هذا الدب الفارسي = وهي غالبًا بابل ومصر وليديا. عمومًا لقد امتدت فتوحات فارس في ثلاث اتجاهات شمالًا وجنوبًا وغربًا (دا 8: 3، 4) شمالًا = ليديا وأرمينيا. وجنوبًا = مصر وغربًا = اليونان وتركيا.

وَقُمْ كُلْ لَحْمًا كَثِيرًا = هذا يشير كما قلنا سابقًا لنظام الضرائب المحكم الذي جعل فارس أغنى دولة.

وفي (6) يشير النمر لمملكة اليونان. والنمر حيوان ضاري جدًا ويشتهر بسرعة انقضاضه. وقد قام الإسكندر بغزو العالم في سنوات قليلة جدًا. ويشير لسرعة فتوحاته أنه له أربعة أجنحة بالمقارنة بجناحين لبابل. والإسكندر الأكبر في خلال 6 سنوات تسيد على كل إمبراطورية فارس ومصر وسوريا والهند وأمم أخرى. وهذا النمر يشير للجزء النحاسي في التمثال، بينما مادي وفارس يشار لهما هنا بدب على جانب واحد وفي التمثال بالصدر وذراعين فضة. وكان للحيوان أربعة رؤوس = بعد موت الإسكندر ولم يكن له أولاد، تولى قادة جيشه الكبار حكم المملكة واقتسموها كالتالي:

1. مقدونيا واليونان (اليونان حاليًا) تولاها كاساندر.

2. تراقيا وبيثينية (تركيا حاليًا) تولاها ليسيماخوس.

3. سوريا حتى حدود الهند (سوريا والعراق وإيران وباكستان) تولاها سلوكس.

4. مصر وليبيا تولاها بطلميوس.

ويسمى ملك مصر ملك الجنوب وملك سوريا ملك الشمال.

وذكر الأجنحة قبل الرؤوس يعني انتشار المملكة قبل اقتسامها.

St-Takla.org Image: Daniel's prophecy. صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة دانيال النبي ورؤيته.

St-Takla.org Image: Daniel's prophecy.

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة دانيال النبي ورؤيته.

وفي (7) نجد وحش جديد ليس له شبيه وهو أعقب الدولة اليونانية ومن المعروف أن الدولة الرومانية هي التي قامت في أعقاب اليونان. وكانت إمبراطورية رهيبة شملت أوروبا وإفريقيا وأجزاء من أسيا. وكان البحر الأبيض يتوسط هذه الإمبراطورية ولذلك سُمِّيَ بالمتوسط. وكانت في بدايتها قوية كالحديد، لذلك فهذا الحيوان يماثل الرجلين الحديد في تمثال نبوخذ نصر. ولكن هذه الإمبراطورية في نهايتها صارت ضعيفة وتفككت فصارت مثل الأصابع، وأجزاء منها قوية كالحديد وأجزاء منها ضعيفة كالخزف.

والتماثل بين هذه الرؤيا (إصحاح 7) وتمثال نبوخذ نصر (إصحاح 2) تتضح من أن هذا الحيوان له أَسْنَانٌ.. حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. وفعلًا فقد أكل هذا الحيوان كل الأمم الأخرى وداسها وسحقها. وسيطرت الدولة الرومانية على العالم لأكثر من 500 سنة. ولقد ولد المسيح في زمان هذه الدولة وكان هو الحجر الذي قطع بغير يد (قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ) = ولد بدون زرع بشر.

وهذا الحيوان كان له عَشَرَةُ قُرُونٍ. الإمبراطورية الرومانية لها شكلان (راجع تفسير هذا في الإصحاح الثاني):-

الأول هو الذي ظهرت به في القديم، أيام مجدها وكان يتوسطها البحر المتوسط الذي كان كبحيرة رومانية.

والشكل الثاني هو الذي تنبعث به الدولة الرومانية في نهاية الأيام كدولة متحدة لكن لكل دولة شكلها وشخصيتها المستقلة، أي شكل الأصابع في رجل واحدة، ولكن بعض الأصابع حديد وبعضها خزف.

  • في الشكل الأول للدولة الرومانية تكون العشر قرون هم العشر أباطرة (نيرون - دقلديانوس) الذين اضطهدوا الكنيسة. وفي أيام نيرون استشهد الرسولين بطرس وبولس وبنهاية دقلديانوس انتهى عصر الاستشهاد، وهذا ما كان يعنيه سفر الرؤيا بقوله يكون لكم ضيق عشرة أيام (رؤ10:2). فالعشرة أيام هنا هي عشرة فترات زمنية يكون فيها ضيق للكنيسة ومع كل هذا الضيق تنمو الكنيسة وتمتد، فكما أن الحجر قطع بلا يد أي بعمل إلهي = فالمسيح ولد بدون زرع بشر، هكذا نمو الكنيسة يكون بعمل إلهي. ومازالت هذه الكنيسة تمتد عبر العالم كله مكونة جبل عال رأسه المسيح الذي يملك ليس على ممالك دنيوية زائلة، بل يملك بصليب محبته على قلوب شعبه. وقال إشعياء النبي عن هذا "وَيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ ٱلْجِبَالِ" (إش2: 2).

  • وفي الشكل الثاني للإمبراطورية الرومانية يكون العشر قرون هم عشر ملوك يساندون الوحش الذي سيظهر في آخر الأيام (رؤ12:17). ومن المعروف أن التمثال سيُضرب في هذه الأيام أي أيام الوحش وينتهي شكل العالم الحالي، وهذا يُمثَّل في التمثال بأنه يصير كعصافة البيدر (دا2: 35). فالحجر ضرب التمثال على القدمين اللذين من حديد وخزف (دا2: 34). فالإمبراطورية الرومانية كانت في أوج عظمتها عندما وُلِد المسيح، وهذا يمثَّل بفترة الحقوين في التمثال. ولكن ضرب التمثال الذي يشير لنهاية العالم سيكون مع الشكل الجديد للدولة الرومانية.

وفي آية (8) قرن آخر صغير: نجد هنا قرن صغير وفي (دا 8: 9) نجد قرن صغير آخر. وفي بعض الأحيان يخلط المفسرون بينهما، ولكن هناك فروق واضحة:

قرن إصحاح (دا 7) هو قوة جديدة لا علاقة لها بالممالك السابقة فهو ليس امتدادًا لأحدها. هو قام وسطها وهو مختلف عنهم، وهذا معنى قرن آخر. بينما أن قرن إصحاح (دا 8) هو امتداد لقوة عالمية موجودة إذ يقول في (دا 8: 9) ومن واحد منها خرج قرن صغير. إذًا هو ليس قوة جديدة أو مختلفة ولكن هو امتداد وتطوير لقوة موجودة. هو خرج من أحد القرون الأربعة التي انقسمت إليها مملكة الإسكندر (وهو سيخرج من مملكة الشمال أي مملكة السلوكيين كما سيأتي فيما بعد).

في اللغة الأصلية كلمة قرن صغير في إصحاح (دا 7) تختلف عن كلمة قرن صغير في (8). ففي إصحاح (دا 7) كلمة قرن صغير تشير لقرن صغير آخر. أما الكلمة قرن صغير في (8) فتعني "أقل من القلة" أو "قرن من القلة". (غالبًا القلة هنا هم اليهود كما سيأتي فيما بعد) ولاحظ أن المعنى، أنه سيبدأ صغيرًا جدًا من وسط القلة، وهو أقل من القلة ولكنه يتعظم جدًا.

قرن إصحاح (دا 8) ينتهي بتطهير القدس (دا 8: 14) أما قرن إصحاح (دا 7) فهو مستمر لنهاية الأيام، حين يجلس الدَيِّن (دا 7:9) فما أعقب هذا القرن هو الدينونة، أي أنه مستمر إلى المجيء الثاني.

 

 

قرن إصحاح (7)

قرن إصحاح (8)

1

2

3

4

قرن آخر غير العشرة قرون

يأتي في أعقاب الدولة الرومانية

ممتد إلى الدينونة

الاصطلاح الأرامي المستخدم "قرن صغير أخر"

يشير للهرطقات التي تنكر ألوهية المسيح

قرن ممتد من أحد القرون الأربعة

هو امتداد للدولة اليونانية

ممتد إلى أن يتبرأ القدس

الاصطلاح الأرامي المستخدم "قرن صغير من القلة"

يشير لأنطيوخس إبيفانيوس كرمز لضد المسيح

 

عمومًا سواء قرن إصحاح (دا 7) أو قرن إصحاح (دا 8) فهم قوَى بدأت صغيرة ثم نمت وتحولت لقوى عظيمة إضطهدت شعب الله. وهي قوَى ستنجح إلى حين. وهذه القوَى ستعظم نفسها تجاه الله أو ضده وضد شعبه. ونعود الآن إلى قرن إصحاح (دا 7) فنجد. وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه. وقوله القرون الأولى إذًا هو لا يقصد القرون العشرة بل ملوك الدولة اليونانية الأربعة الذين تقاسموا مملكة الإسكندر . ثم قارن مع (دا 8:8) فنجد أن مملكة الإسكندر قد انقسمت إلى أربعة قرون وهي:

1. مقدونيا واليونان اليونان حاليًا.

2. تراقيا وبيثينية تركيا حاليًا.

3. سوريا والعراق وإيران وباكستان.

4. مصر.

ومعنى هذا أن هذا القرن قد استولى على ثلاثة ممالك من الأربعة المذكورين. وهذا القرن الصغير مواصفاته أنه له عيون كعيون إنسان وفم متكلم بعظائم = وهذا يعني أنها هرطقة تنكر أن المسيح هو الله. وكلمة عظائم في الإنجليزية Presumptuous things لا تعني تجاديف بل كلمات بجرأة ووقاحة. ووردت في ترجمات أخرى Pompous أو Great أي شيء متسم بالغرور. وهذا ينطبق على الهرطقات التي ظهرت بعد أن تحولت الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، مثل هرطقات أريوس ونسطور وغيرهم. وهذه الهرطقات ظهرت في مصر على يد أريوس وكذلك في ليبيا وانتشرت في سوريا والشرق حتى إيران، ووصلت إلى قصر قسطنطين أي القسطنطينية وهي تركيا حاليًا أي أنها امتدت إلى مصر وسوريا وتركيا وهذه هي الثلاثة قرون التي أكلها القرن الصغير. وهناك رأي بأن هذه الجرأة والوقاحة ظهرت في الشيوعية الملحدة والتي اضطهدت المسيحية. ومن بشاعة اضطهاد الحيوان الرابع وهذا القرن الصغير قيل في آية (7) كنت أرى في رؤى الليل، إشارة لبشاعة ووحشية هذا الوحش وهذا القرن الصغير.

 

الآيات (9-10): "كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ. فَجَلَسَ الدِّينُ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ."

في (9) وضعت عروش = التعبير الأرامي المستخدم لكلمة وضعت هو فُرِشت دلالة على فرش البسط والوسائد على ديوان العرش في الممالك الشرقية. والمعنى المصور هنا أن الله يستعد ليوم الدينونة. وهذا مما يعزي شعب الله في كل زمان أن هناك يومًا سيدين الله فيه كل ظالم. والله الآن في السماء يضحك بهؤلاء الظالمين (مزمور 2) فهم يتصورون في حقدهم أنهم ينتقمون من شعب الله والحقيقة أنهم ينفذون خطة الله من نحو شعبه، فهذا ما حدث مع المسيح نفسه. لذلك فالله يضحك بهم كأنه يقول [اصنعوا ما شئتم، وفي النهاية ستجدوا أنكم نفذتم ما أريده أنا] . هنا كلمة وضعت عروش تقابل انهيار العروش الدنيوية. فعرش الله ثابت أزلي أبدي، أما هذه العروش التي كانت للوحوش فهي تقوم في فترة زمنية ثم تختفي. ونلاحظ أن الله له عرشه، والأربعة والعشرون قسيسًا لهم عروشًا. وما يعزي شعب الله أن كل ما يحدث هو تحت سيطرة الله وهو لخير شعبه دائمًا. عرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة = فإلهنا نار آكلة. والبكرات تشير لقصد الله وتدبيره عبر التاريخ (راجع تفسير حزقيال 1) وتدبير الله كله حكمة. وهذا ما يشير إليه قوله قَدِيمُ الأَيَّامِ.. وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ. فبلغة البشر نجد أن الشيخوخة وكِبَر السن يتناسبان طرديًا مع الحكمة فيقال فلان له حكمة الشيوخ. وأحكام الله كلها عدل وبر ومحبة وهذا يشير له = لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ. ونهر نار خرج من قدامه (نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ) = إشارة إلى دينونته القادمة. ولكنه لأحبائه نهر ماء صافي (رؤ1:22) . وأمام حكمة الله ليصمت كل لسان وكل معترض على أحكامه. وهو محاط بملائكته كما سيأتي في مجيئه الثاني محاطًا بهم.

وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ = من هو المقصود بلقب قديم الأيام؟ هذا اللقب ذُكِر هنا ويشير للآب. وذُكِر في (الآية 22) والمقصود به الابن، فالآب والابن لاهوتيًّا أزليين فيقال عنهما هذا اللقب.

في (الآية9) يشير اللقب للآب لأنه في (الآية13) رأى دانيال النبي شِبْه ابن إنسان .. وقربوه قدامه = أي قربوه قدام الآب. وكما نعرف أن ابن الإنسان تقال عن الابن بعد تجسده، وهنا نجدهم يقربوه للآب.

أما في (الآية22) فالمقصود بلقب قديم الأيام هو الابن، فالآب أعطى الدينونة للابن (يو5: 27 – 30). ونلاحظ أن مشيئة الآب هي نفسها مشيئة الابن. فما يريده الآب ينفذه الابن. لأن الابن والروح القدس هما أقنومي التنفيذ، أما الآب فهو أقنوم الإرادة. ومشيئة الثلاثة أقانيم واحدة.

ملحوظة:- حين قال دانيال النبي أنه رأى هنا رؤيا خاصة بالدينونة (آية9) تصوَّر البعض أن دانيال قد رأى الله الآب وقد ظهر في هيئة إنسانية وله لباس أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي. وقام بعض الفنانين برسم صور، صوروا فيها الآب على هيئة رجل كبير السن شعره أبيض، وأمامه الابن كشاب له شعر أسود. وكل هذا خطأ:-

1. أقنوميّ الآب والروح القدس لا يتم تصويرهم بهيئة إنسانية أبدًا، فالآب لم يتجسد وهكذا الروح القدس. أقنوم الابن وحده هو الذي تجسد وتأنس. ومنذ القديم كان للابن ظهورات على هيئة إنسانية إعلانا عن أنه سوف يتجسد يوما في ملء الزمان. وكانت هذه الظهورات مثل ما حدث مع إبراهيم وكان مع الابن ملاكان (تك18: 1) وهكذا مع يشوع (يش5: 13). ومع دانيال أيضًا (دا10: 5).

2. مَنْ تصوَّر أن الآب أخذ هنا شكلًا إنسانيًّا لأنه رأى شعر أبيض، نقول له أن المسيح الابن قد رآه القديس يوحنا في رؤياه وله شعر أبيض (رؤ1: 14).

3. فما هو الشعر الأبيض إذًا؟ حقًا الشعر الأبيض يشير لِقِدَم الأيام وللحكمة، ولكن الأهم فإن الشعر الأبيض يرمز لشعب الله المبرر والذي يحيط بالله. فالشعر يرمز لشعب الله في الكتاب المقدس، الذي يحيط بالله كما يحيط الشعر بالرأس. و(راجع حزقيال 5) لتجد أن الله حينما أراد أن يشرح لشعبه أنه قرر التخلي عنهم وقرر عقابهم عقابًا شديدًا على وثنيتهم، أمر حزقيال النبي بأن يحلق شعر رأسه (إشارة لأن الله رفضهم)، ويحرق ثلثه، ويضرب ثلثًا آخر بالسيف، ويذر الباقي إلى الريح. كان هذا رمزًا لأن عقوبة الشعب ستكون بالوباء والسيف والتشتت.

4. أما الكنيسة شعب المسيح التي بررها بدمه (رؤ7: 14) تظهر في (رؤ1: 14) كشعر أبيض لأنها كنيسة مبررة اغتسلت وابيضَّت بدم المسيح رأسها. وإلتصقت برأسها المسيح كما يلتصق الشعر بالرأس.

5. وهنا نرى أيضًا المسيح وقد أتى بكنيسته (الشعر الأبيض) إلى حضن الآب. لذلك قال السيد المسيح "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي" (يو14: 6). وهذا سبب قوله هنا وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. فقول الكتاب أن الله جلس، فإن الكتاب بهذا يشير لأن الله إستراح. ولقد إستراح الله حين تم خلاص الإنسان بالفداء وعاد إليه أبنائه، فنحن نعود للآب كبنين في المسيح بالمعمودية.

6. كان هذا وعد الله منذ القديم "هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف (إش1: 18). وهذا هو نفس ما قيل هنا بالنص لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي. لقد تمم المسيح الابن وعده الذي قيل في سفر إشعياء بدمه.

7. لقد تبررت الكنيسة بدم المسيح الذي قَدَّمَ نفسه كذبيحة دموية على الصليب. لذلك قيل هنا في (آية 13) مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ (المسيح الابن) أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ (الآب)، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ (أي قُدِّم كذبيحة لله كما سنرى في شرح الآية 13).

8. نحن هنا أمام العرش يوم الدينونة، والمعنى أن من سيكون ثابتا في المسيح سيتبرر ويبيض كالثلج، يصير كاملا في المسيح وبلا لوم وبلا دينونة (رو8: 1؛ أف1: 4؛ كو1: 28). ويأتي به المسيح الابن إلى حضن الآب. ومن لا يوجد ثابتا في المسيح سيدان في لهيب النار (آيات10، 11). فيوم الدينونة نجد موقفين:- أ) إما في المجد. ب) وإما في الجحيم. من يؤمن بالمسيح ويثبت فيه يجده في هذا اليوم الشفيع الكفاري الذي بررنا بدمه (رو8: 33 ، 34). ومن رفض المسيح سيجده الديان. وهذا هو نفس المنظر الذي صورته هذه الرؤيا التي رآها دانيال النبي هنا.

9. كانت عودة أبناء الله ليحيطوا به سببا لفرحه. لذلك قال يوم عماد المسيح "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". فأولاده عادوا إليه في المسيح ابنه بالمعمودية التي إكتسبت قوتها بالصليب (ذبيحة المسيح الذي قربوه أمام القديم الأيام).

10. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ = اللباس الأبيض كالثلج يشير أيضًا للكنيسة، وذلك لأن اللباس يحيط بجسم الشخص كما أحاطت الكنيسة بالمسيح. وهكذا نجد في (مزمور 133) أن الطِيب (الروح القدس) إنسكب أولًا على رأس هارون رئيس الكهنة (الذي كان رمزًا للمسيح رئيس كهنتنا الأعظم). ثم إنسكب على اللحية (الشعر الملتصق بالرأس) وعلى ثيابه (لباسه). فالشعر واللباس إشارة للكنيسة شعب الله. لقد صارت الكنيسة هنا تحيط بعرش الله كما كان الكاروبيم يحيط بالعرش (حز1؛ رؤ4 : 6) والعرش مقصود به المجد، وهذا نصيب كل من يغلب من شعب المسيح (رؤ3: 21).

11. أقانيم الآب والروح القدس لا يظهران أبدًا في هيئة إنسانية فهما لم يتجسدا. أما الروح القدس فظهر بهيئات أخرى مختلفة، وكان هذا لشرح شيء ما، لكي نفهم عمله وهذا ما أراده الله. أ) فلقد ظهر على هيئة حمامة، فالحمامة دائما تعود لبيتها. وهذا هو عمل الروح القدس معنا، فهو يثبتنا في المسيح بالمعمودية وحينما نخطئ يعيدنا للثبات في المسيح بالإقناع والتبكيت (يو16: 8). ب) وظهر الروح القدس بهيئة ألسنة نارية لنفهم عمله، وأنه يحرق الإشتياق للخطية ويغفرها، ويعطينا بدلا منها أشواقا نارية لمحبة الله. ج) ويظهر على هيئة ريح (أع2) فهو يوجهنا ويحملنا دون أن نراه (يو3: 8).

12. وهكذا الآب لا يظهر في صورة إنسانية أبدًا. ونلاحظ أن دانيال لم يقل هنا أنه رأى إنسان، أو وجه إنسان. بل أن كل ما قاله دانيال أن لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي إعلانًا عن عودة أبناء الله أي الكنيسة التي بررها الابن بدمه حينما قدَّم نفسه ذبيحة = قربوه أمامه. لم يقل دانيال أنه رأى الله أو رأى الآب، بل هو قال نفس ما قاله القديس يوحنا في رؤياه "وإذا عرشٌ موضوع في السماء وعلى العرش جالس" (رؤ4: 2). وهذا نفس ما قاله دانيال النبي هنا وضعت عروش وجَلَسَ القديم الأيام. دانيال لم يصف ما رآه بل قال نفس ما قاله يوحنا. وقال عنه القديم الأيام ثم أضاف لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ وكان هذا عن الكنيسة كما رأينا. من كل هذا نفهم أن:-

دانيال لم يرى الآب بل رأَى الكنيسة المبررة في المجد،

رآها في هيئة شعر أبيض ولباس أبيض.

ورأى يوم دينونة هذا العالم كنهاية للأشرار الكارهين لشعب الله.

 

الآيات (11-12): "كُنْتُ أَنْظُرُ حِينَئِذٍ مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْكَلِمَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الْقَرْنُ. كُنْتُ أَرَى إِلَى أَنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ وَهَلَكَ جِسْمُهُ وَدُفِعَ لِوَقِيدِ النَّارِ. أَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ فَنُزِعَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ، وَلكِنْ أُعْطُوا طُولَ حَيَاةٍ إِلَى زَمَانٍ وَوَقْتٍ."

سواء في رؤيا التمثال أو هذه الرؤيا للوحوش تسلسلت الممالك عبر التاريخ. يراها العالم ممالك عظيمة كما في التمثال، ولكن في حقيقتها هي وحوش تحارب شعب الله. وهذه الممالك كانت بالترتيب الأسد (بابل) وعلى أنقاض بابل قام الدب (مادي وفارس) وعلى أنقاضه قام النمر (اليونان) وعلى أنقاضه جاء الحكم الروماني. ولم تذكر النبوة أنه انتهى بمجيء القرن الصغير ولكن سيبقيان معًا، الحيوان والقرن الصغير حتى نهاية الأيام. وهذا يتضح من الآية (11) التي تنقسم لقسمين. الأول خاص بالقرن الصغير. والثاني خاص بالحيوان. وهذه الآية وردت بعد أن بدأ النبي يرى عروشًا معدة. أي أن كلا الحيوان والقرن الصغير باقيان حتى مجيء المسيح الثاني. وفي آية (12) نجد باقي الحيوانات أي بابل وفارس واليونان موجودة ولكنها بلا قوة مؤثرة في مجريات الأمور. ولنراجع رؤيا التمثال في إصحاح (دا 2) فنجد أن الحجر الذي قطع يشير للمسيح في ولادته، وهو ولد في زمان قوة وعظمة الدولة الرومانية وقبل إنشقاقها ولم تنتهي الدولة الرومانية بميلاده بل استمرت ما يزيد على 400 سنة في قوتها. فما معنى أن الحجر سحق الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معًا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان (دا 35:2)؟ يفهم هذا على نهاية كل ممالك العالم فكما قلنا أن رقم 4 هو رقم العمومية. ولكن هناك رأي آخر وقد يكون كلاهما صحيحا:-

لنلاحظ في (دا 11:7) أن في الدينونة أي في نهاية هذا العالم قتل الوحش وهلك جسمه ودفع لوقيد النار = فيبدو أن الممالك التي كونت الدولة الرومانية المحيطة بالبحر المتوسط ضعفت لفترة ما بعد القرن الخامس والسادس الميلادي، لكنها ستعود للظهور بقوة تؤثر في مجريات الأحداث قرب نهاية الأيام وظهور الوحش. ومما يؤكد هذا (رؤ12:17) "والعشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك لم يأخذوا ملكًا بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش" (راجع رؤ17) وبهذا التدعيم من الملوك العشرة للوحش سيخربون العالم ويضطهدون شعب الله ولكن سيكون شكل الدولة الرومانية مختلفًا. بعض من ملوكها حديد والآخر من خزف. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وفي شكل الإمبراطورية الأول سيكون الملوك الذين يضطهدون شعب الله متعاقبين وهم بدأوا بنيرون وانتهوا بدقلديانوس (في القرن الرابع الميلادي) . وفي الشكل الجديد للإمبراطورية الرومانية سيكون العشرة ملوك في وقت واحد ومتزامنين مع ظهور الوحش، هذا الذي [يبيده المسيح بنفخة فمه] عند ظهوره الثاني (2تس8:2) . وبهذا نفهم كيف تحمل الريح عصافة البيدر (دا 35:2) وبهذا نرى هلاك كل أعداء الله وكنيسته (يه15) . ولاحظ أن الكلمات العظيمة ليست إلا كلمات باطلة سيعطي الناس عنها حسابًا في اليوم الأخير. وبعد أن تزال هيئة هذا العالم سيكون شعب الله في مجد أبدي مع عريسهم في السماء. وراجع (رؤ1:13، 2) فالوحش الذي خرج من البحر كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد، أي نفس شكل الحيوانات السابقة ولكن نجدها هنا مجتمعة في وحش واحد أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطانًا عظيمًا. فيبدو من هذا أن وحش الأيام الأخيرة سيكون جامعًا لكل صفات الوحوش السابقة الشريرة. فالشيطان في نهاية الأيام سيكون محلولًا لزمان يسير وهذه الأيام هي أيام الضيقة العظيمة التي لو لم تقصر لما خلص جسد (مت22:24) وراجع (إصحاح2) فالشيطان هو القوة المحركة وراء التمثال ووراء الوحوش أي وراء الممالك التي تضطهد شعب الله.

ولنلاحظ أن المجيء الأول للمسيح كان في عصر حقوي التمثال الحديدية، وقبل أن تنقسم الدولة الرومانية إلى مملكتين غربية (روما) وشرقية (القسطنطينية)، ويمثلهما القدمين الحديديتين. أما المجيء الثاني سيجيء في عصر الأصابع ليبيد كل سلطان في العالم، [فالأرض الأولى مضت والبحر لا يوجد فيما بعد] (رؤ 21: 1). وفي مجيء المسيح الأول لم يخضع له كل العالم (عب8:2) ، لكن في مجيئه الثاني سيخضع الجميع للآب (1كو28:15) وحينئذ يصبح المؤمنين جبلًا سماويًا يملأ الأرض الجديدة (دا 35:2 + رؤ1:21). فالآن المؤمنين وهم جسد المسيح قد صاروا جبلًا رأسه المسيح ولكن الصورة ستكتمل في مجيء المسيح الثاني. حين يَكْمَل الجبل (رؤ6: 9 – 12) الذي بدأ بحجر صغير (المسيح) الذي قُطِع من جبل (هو جسد البشرية) وظل ينمو حتى صار جبلًا كبيرا (انتشرت الكنيسة في كل العالم). وحينئذٍ يأتي المسيح ليدين العالم.

 

الآيات (13، 14): "«كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ."

نبوخذ نصر رأى المسيح كصخرة قطعت بلا يد فهو ملك وثني، أما دانيال المحبوب من الله فقد رآه هنا شخصيًا "مثل ابن إنسان" . والمسيح وجد في الهيئة كإنسان ليصبح وسيطًا بين الله والناس ليقترب الناس في المسيح من الآب. وهذا معنى قربوه قدامه = فبه تمت المصالحة "وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (2كو5: 18). وكلمة قربوه تعني قدموه ذبيحة أي تقدمة (ومنها كلمة قربان) (لا2:1 + 1:2 + 1:3.. إلخ.) فالمسيح قُدِّم ذبيحة ليصالح الله مع الناس. وتأتي هنا كلمة قرَّبوه عن ابن الإنسان في مشهد الدينونة ففي (الآيات 9، 10) نرى مشهد الدينونة. والمسيح ابن الإنسان سيشفع فينا يومها. وهو مثل ابن إنسان لأنه في حقيقته هو ابن الله وهو ابن الإنسان ولكنه بلا خطية. وحين ظهر لدانيال ظهر مع سحب السماء، فالسحب تصاحب ظهور الله في مجده (راجع حزقيال 1). وهكذا في صعود المسيح حجبته سحابة وفي مجيئه الثاني سيأتي على السحاب السماء، وهذا ما يحدث دائما عند ظهور مجد الله (خر40: 34 + 1مل8: 10). وبالمقارنة مع الوحوش فهي تأتي من البحر. هو صعد ليجلس عن يمين أبيه فيعد لنا مكانًا، وفي مجيئه الثاني يأتي ليأخذنا لهذا المكان. وفيه سنوجد نحن قريبين من الله. وهذه المملكة الأبدية لم ولن تقوم مملكة أخرى بعدها. ولهذه النبوة كان المسيح يشير في رده على رئيس الكهنة في (مت64:26) وهكذا فهمها رئيس الكهنة لذلك قال قد جَدَّفَ.

فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوب = المسيح بعد صعوده جلس عن يمين أبيه. ولكن أيضاً فإن هذه نبوة عن ملك المسيح على الجميع، يهوداً وأمم. لقد ملَكَّت كنيسة المسيح عريسها المسيح عليها حبا بعد أن أدركت ما قدَّمه لها.

 

الآيات (15-28): "«أَمَّا أَنَا دَانِيآلَ فَحَزِنَتْ رُوحِي فِي وَسَطِ جِسْمِي وَأَفْزَعَتْنِي رُؤَى رَأْسِي. فَاقْتَرَبْتُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْوُقُوفِ وَطَلَبْتُ مِنْهُ الْحَقِيقَةَ فِي كُلِّ هذَا. فَأَخْبَرَنِي وَعَرَّفَنِي تَفْسِيرَ الأُمُورِ: هؤُلاَءِ الْحَيَوَانَاتُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ هِيَ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ عَلَى الأَرْضِ. أَمَّا قِدِّيسُو الْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ الْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى الأَبَدِ وَإِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. حِينَئِذٍ رُمْتُ الْحَقِيقَةَ مِنْ جِهَةِ الْحَيَوَانِ الرَّابعِ الَّذِي كَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّهَا، وَهَائِلًا جِدًّا وَأَسْنَانُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَقَدْ أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ الْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ، وَعَنِ الْقُرُونِ الْعَشَرَةِ الَّتِي بِرَأْسِهِ، وَعَنِ الآخَرِ الَّذِي طَلَعَ فَسَقَطَتْ قُدَّامَهُ ثَلاَثَةٌ. وَهذَا الْقَرْنُ لَهُ عُيُونٌ وَفَمٌ مُتَكَلِّمٌ بِعَظَائِمَ وَمَنْظَرُهُ أَشَدُّ مِنْ رُفَقَائِهِ. وَكُنْتُ أَنْظُرُ وَإِذَا هذَا الْقَرْنُ يُحَارِبُ الْقِدِّيسِينَ فَغَلَبَهُمْ، حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ، وَأُعْطِيَ الدِّينُ لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ، وَبَلَغَ الْوَقْتُ، فَامْتَلَكَ الْقِدِّيسُونَ الْمَمْلَكَةَ. «فَقَالَ هكَذَا: أَمَّا الْحَيَوَانُ الْرَّابعُ فَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ عَلَى الأَرْضِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْمَمَالِكِ، فَتَأْكُلُ الأَرْضَ كُلَّهَا وَتَدُوسُهَا وَتَسْحَقُهَا. وَالْقُرُونُ الْعَشَرَةُ مِنْ هذِهِ الْمَمْلَكَةِ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ، وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ الأَوَّلِينَ، وَيُذِلُّ ثَلاَثَةَ مُلُوكٍ. وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ ضِدَّ الْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي الْعَلِيِّ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالسُّنَّةَ، وَيُسَلَّمُونَ لِيَدِهِ إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ. فَيَجْلِسُ الدِّينُ وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ لِيَفْنَوْا وَيَبِيدُوا إِلَى الْمُنْتَهَى. وَالْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ، وَجَمِيعُ السَّلاَطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ. إِلَى هُنَا نِهَايَةُ الأَمْرِ. أَمَّا أَنَا دَانِيآلَ، فَأَفْكَارِي أَفْزَعَتْنِي كَثِيرًا، وَتَغَيَّرَتْ عَلَيَّ هَيْئَتِي، وَحَفِظْتُ الأَمْرَ فِي قَلْبِي»."

فزع دانيال مما رآه خصوصًا ما عرفه عن الحيوان الرابع والقرن الصغير، وسأل بخصوصهما فهو عرف وحشيتهما واضطهادهما لقديسي العلي. وكلام القرن الصغير ضد العلي وكان رد الملاك أن الوحوش هم أربعة ملوك يقومون على الأرض= فهم أرضيين وهذا القرن مع هذا الوحش وبتخطيط الشيطان سيحاولون أن يضعفوا شعب الله بالظلم المتواصل. وفي تخطيطهم أن يفنوهم ولكن كنيسة الله باقية للأبد فهي سماوية. والقرن يظن أنه يغير الأوقات والسنة= أي يلغي كل شرائع الله. زمان وأزمنة ونصف زمان =

هي طريقة نبوية في التعبير عن فترة يراها الله في حكمته وتدبيره أنها مناسبة بمعنى ملء الزمان. ولكنها تشير لصعود مفاجئ وهبوط مفاجئ، فالله سيسمح لهذه القوَى الشيطانية أن تحارب الكنيسة لفترة ثم يأتي هو على السحاب. كل وحش من هؤلاء يمكن تسميته ضد المسيح، هذا يصعد نجمه فجأة وكما صعد فجأة سينهار فجأة.

حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ = القديم الأيام هنا هو المسيح الديان وهذه عن مجيئه الثاني.

ولكن وسط هذه الأخبار الصعبة نجد آيات معزية مثل (دا 18:7، 22) ونجد تفسيرها في (دا 26:7، 27) وهي تشير للمجيء الثاني الذي به تنتهي كل الضيقات تمامًا، ويملك الله للأبد. القديسون يتبررون ويملكون، والأشرار يخضعون تحت قدمي المسيح (مز110: 1) ويقول رب المجد عن من ربح مَناه "نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ! لِأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا فِي ٱلْقَلِيلِ، فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدْنٍ" (لو19: 17، 19). بالمجيء الأول صار لشعب الله سلامًا داخليًا ليس من هذا العالم، ولكن ما زال الجسد يعاني والسبب أن الجسد ما زالت تسكنه الخطية (رو17:7، 18) لذلك فهذه الضيقات هي للتأديب، ومن يحبه الرب يؤدبه (عب6:12) فلنفرح بهذه التجارب (يع2:1) أما بعد [التبني فداء الأجساد] (رو23:8) ستنتهي آلام الجسد ويمسح الله كل دمعة من العيون ولا يعود هناك حر ولا برد ولا جوع ولا عطش ولا مرض ولا موت ولا اضطهاد ولا ظلم. وسيحكم القديسين على هذا العالم (1كو2:6) ولكن كيف؟ القديسون سيشهدون على العالم في اليوم الأخير. حين يحاول أحد الأشرار أن يعتذر عن تقصيره وأعمال فجوره بأنه كان بشرًا ضعيفًا، يظهر هؤلاء القديسين أنه كانت لهم نفس الطبيعة ولكنهم آثروا طاعة الله على كل شيء. وفي (22) الدِّين= أي القاضي أو هيئة المحكمة أو الديان سيبرر القديسين، بل هم سيدينون العالم من خلال المسيح رأسهم (مت28:19). وفي (27) تُعطَى المملكة لشعب قديسي العلي. ومُلك القديسون سيدينون العالم من خلال المسيح رأسهم (مت28:19) ومُلك القديسين ليس ملكًا جسديًا على الأرض لكنه هو مُلك روحي فمملكة المسيح ليست من هذا العالم، ولكن هو الآن.. مُلك أولاد الله على شهواتهم وفساد طبيعتهم وانتصاراتهم على الشيطان واغراءاته وعلى الجسد، وهو انتصار الشهداء على الموت ومخاوفه. هي مملكة نور وحب وقداسة ونعمة وكل هذا هو عربون المجد السماوي. والقديسون سيمتلكون المملكة للأبد لأن مَلِكَهُمْ أبدي. نحن الآن نملك وعودًا بالمجد الأبدي، ولكن بعد مجيء المسيح الثاني سيكون لنا ملكا أبديا حقيقيا، وهذا معنى وعد الرب "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي .." (رؤ3: 21). ونحن نملك لأننا في المسيح فنحن جسده، وهو يحتوينا في جسده فهي وحدة في جسده "أنا حي فأنتم ستحيون" (يو19:14) . فمملكة الله هي للقديسين. نحن نملك الآن وعدا بالميرث السماوي وبعد المجيء الثاني سنملك حقيقة هذا الميراث. هنا نرى تحقيق حلم نبوخذ نصر "أَمَّا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ضَرَبَ ٱلتِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلًا كَبِيرًا وَمَلَأَ ٱلْأَرْضَ كُلَّهَا" (دا2: 35). وهذا ما هتف به الملاك السابع في رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي "ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلَاكُ ٱلسَّابِعُ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلَةً: «قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ" (رؤ11: 15).

 

كلمة الدِّين

(ما بين الآيات 10 ، 22 ، 26)

 

22 حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ، وَأُعْطِيَ الدِّينُ لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ.

بحسب الترجمة الإنجليزية (NKJV) جاءت كلمة الدِّين في (الآية 22) هكذا

And a judgment was made in favor of the saints of the Most High

كلمة الدِّين في (الآية 22) جاءت بمعنى حكما أصدره الله الديان لصالح قديسيه. أي حكم الله ببرهم في المسيح، وصاروا الشعر الأبيض ولباس الديان الأبيض كالثلج (آية9). هؤلاء هم الذين غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الخروف (رؤ7: 14)، الذي هو ابن الإنسان الذي قربوه قدام الآب (آية13).

 

10 نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ.... فَجَلَسَ الدِّينُ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَار.

 A fiery stream issued ...the court was seated, and the books ..

24 وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ ...25 وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ ضِدَّ الْعَلِيِّ ... 26فَيَجْلِسُ الدِّينُ وَيَنْزِعُونَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ لِيَفْنَوْا وَيَبِيدُوا.

وجاءت كلمة الدِّين في (الآية 26) هكذا

But the court shall be seated

أما في (الآيات 10، 26) فجاءت بمعنى القضاء أي الدينونة، حين يجلس الله ليدين الوحش الرابع والعشرة القرون والقرن الصغير وينزع سلطانهم ويبيدهم .

 

وفي (19) أَسْنَانُهُ.. حَدِيدٍ وَأَظْفَارُهُ.. نُحَاسٍ = هذا يتفق مع ما قيل سابقًا أن عصر اليونان تميز بالنحاس وعصر الرومان تميز بالحديد ولكن مختلطًا بالنحاس فكانت أسلحتهم من حديد أساسًا لكنها مختلطة بنحاس . وآية (21) أن الْقَرْنُ يُحَارِبُ الْقِدِّيسِينَ فَغَلَبَهُمْ = هي التي جعلت النبي يفزع في آية (15).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات دانيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14

 

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/32-Sefr-Danial/Tafseer-Sefr-Daniel__01-Chapter-07.html

تقصير الرابط:
tak.la/4h9z6ya