وقد قدم لنا بولس الرسول مثالًا آخر هو ديماس.
ديماس الذي كان أحد مساعدي القديس بولس في الخدمة والكرازة، أي كان أحد أعمدة الكنيسة. وقد قرنه الرسول مرة باسم لوقا الطبيب (كو4: 14)، وصرح بأنه من العاملين معه "مرقس الرسول وارسترخس وديماس ولوقا" (غل24)... ديماس الكارز هذا، انتهت قصته بعبارة مؤلمة قال فيها القديس بولس الرسول:
ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر (2تي4: 10).
إنه مؤلم حقًا أن تعود محبة العالم الحاضر، فتغزوا قلب كارز عظيم من مساعدي بولس الرسول. إن كان الأمر هكذا، فليحترس كل أحد من العالم ومحبته، مهما تاب...
والقديس بولس يذكر لنا أمثلة أخر يغير ديماس، انتهوا إلى نفس النهاية المؤلمة، قال عنهم لأهل فيلبي:
لأن كثيرين... ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، وألان أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح (في 3: 18).
ويكمل كلامه عنهم فيقول "الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في 3: 19).
هؤلاء لم يكونوا مؤمنين عاديين... يكفي أن بولس الرسول كان يذكرهم في رسائله. والمؤلم أن يقول "لأن كثيرين... "فهم إذن ليسوا واحدًا أو اثنين... والمؤلم أكثر قوله "نهايتهم الهلاك"... وما دام الرجوع إلى حياة الخطية ممكنًا لمن لا يحترسون، فيسمحون لدخول محبة العالم إلى قلوبهم:
إذن لا نفتخر إن تبت وبدأت حياة روحية، المهم أن تكمل.
تكمل السير في الطريق الروحي حتى نهاية الشوط، حتى نهاية أيام غربتك على الأرض. فقد قال الرسول "انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم" (عب1: 7). إذن المهم أن تستمر التوبة حتى نهاية السيرة. ولا يكون التائب كالذين بدأوا بالروح وكملوا بالجسد...
هل إن تُبْت، وسرت مع المسيح فترة روحية جميلة، ثم عدت إلى الخطية أتستطيع الأيام الروحية أن تخلصك؟! أم أن ما انتهيت إليه، هو الذي ستحاسب عليه...؟
إن شاول الملك من الأمثلة الواضحة.
مسحة صموئيل النبي ملكًا، وحل عليه روح الرب؟ وأعطاه الرب قلبًا آخر، وتنبأ حتى تعجب البعض قائلين "أشاول أيضًا بين الأنبياء؟!" (1صم10: 9-11). ومع كل هذا، عاد شاول فأخطأ، وكثرت أخطاؤه، ورفضه الرب. وقيل عنه "وذهب روح الرب من عند شاول، وبغته روح رديء من قبل الرب" (1صم16: 14). لقد بدأ مع الله، أو بدأ الله معه. ولكن شاول لم يكمل.
وكذلك شعب إسرائيل الذي جاز البحر وتبع الرب في البرية.
تخلصوا من عبودية فرعون. وعاشوا تحت قيادة الله المباشرة، تظللهم السحابة نهارًا، ويديهم عمود النور ليلًا، وأكلو المن والسلوى. وكانوا أول شعب أرسل له الله شريعة مكتوبة، وتعهدوا النور ليلًا، وأكلو المن والسلوى. وكانوا أول شعب أرسل له الله شريعة مكتوبة، وتعدوا قائلين "كل ما تكلم به الرب نفعل، ونسمع له" (خر24: 7)... ومع ذلك عادوا وأخطأوا إلى الرب كثيرًا، وتذمروا، وعبدوا العجل الذهبي (خر2). وغضب الرب على ذلك الجيل المتذمر، ورفض إدخاله أرض الموعد، ومات كله في البرية...
هل تظنون أن كل الهالكين بدأوا طريقهم بالهلاك؟!
كلا طبعًا، فالشيطان نفسه بدأ حياته كملاك طاهر منير، ولكنه لم يكمل. فكم بالأولى البشر الذين عرفوا الخطية فترة ثم تابوا... إذن لا يهمنا نقطه البدء، بل نهاية المطاف.
الهراطقة لم يبدأوا تاريخهم كهراطقة...
بل إن بعضهم بدأ بداية طيبة جدًا... وأوطاخي كان من أفضل رهبان القسطنطينية. كان إنسانًا روحيًا، ورئيس رهبنة. وكلنه لم يكمل، وانتهى إلى الهرطقة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وأريوس كان من أفضل وأقوي كهنة الإسكندرية... ونسطور كل هؤلاء إلى الضياع.
وأوريجانوس كان أعظم عالم في عصره. وكان رجلًا زاهدًا. وقد تألم كثيرًا من أجل المسيح، ودافع عن الإيمان... وأخيرًا انطبقت عليه تلك العبارة الأليمة "أيها البرج العالي، كيف سقطت؟!".. إذن فليحترس كل أحد...
وإن كنت قد تبت، فأسمعه هذه النصيحة:
لا يكفي الخروج من سدوم، بل أكمل إلى صوغر.
لقد خرجت امرأة لوط من سدوم، وكانت يدها في يد الملاك. ولم تحترق مع المدينة المحترقة. ولكنها لم تكمل المسيرة مع الله، وإنما نظرت إلى الوراء (تك29: 16). وهلكت بهذه النظرة الواحدة... يا للرعب!
احترس إذن من النظر إلى الوراء...
لا تَعُد تفكر في العالم الذي تركته من أجل الرب. ولا تحاول أن تتذكر ملاذ الحياة التي تبت عنها... لا تنظر مطلقًا إلى الوراء، إنما "امتد إلى قادم". وحاول أن تنمو في توبتك لا أن ترجع إلى الخطية.
فالذي يرجع، يكون كمن يهدم كل ما بناه.
أنا لا أريد أن أخيفك بقول الرسول "لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة، وأنتجت عشبًا صالحًا للذين فلحت من أجلهم، تنال بركة من الله. ولكن إن أخرجت شوكًا وحسكًا، فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها الحريق" (عب6: 7، 8).
ولا أريد أن أكرر ما قاله الرسول في نفس الرسالة "إن أخطأنا باختيارنا، بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف..." (عب10: 26، 27)... فلعل الرسول لا يقصد مجرد الخطية، فكل إنسان معرض لها، إنما يقصد حالة الاستمرار في الخطية...
إنما كل ما أريد أن أقوله، هو أن تحترس في توبتك.
إن تُبْت، لا تَغْتَر بنفسك. "لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ" (رو11: 20).
لا تظن أن التوبة أعطتك حالة عصمة. فليس أحد بلا خطية سوى الله وحده (متى19: 17). وما أسهل أن يحاربك العدو ليسقطك. لذلك تمسك بالرب، ولينسحق قلبك قدامه ليعطيك حياة النصرة الدائمة. واذكر قول القديس بولس الرسول:
"تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في2: 12).
ويطابق هذا أيضًا ما قاله القديس بطرس الرسول"... سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط1: 18). وليس المقصود بهذا الخوف معنى الرعب. كلا، بل المقصود به هو الحرص والحيطة، والتدقيق في الحياة الروحية، والبعد عن الغرور الذي يظن فيه التائب إنه قد تخلص من الخطية إلى الأبد، وقد ارتفع فوق مستواها!!
في هذا الخوف أو الحرص، لون من التواضع.
وكثيرون خلصوا بهذا التواضع... الذي فيه يشعر الإنسان بضعفه، بأنه لا يزال تحت الزلل، ويحتاج إلى حرص حتى من أبسط الخطايا... فالذي يشعر بضعفه، تحيط به قوة الله لتعينه وتخلصه... وما أجمل تواضع القديس بولس الرسول في قوله:
".. أقمِع جسدي واستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو 9: 27).
فإن كان بولس الرسول يقول هذا عن نفسه، فماذا نقول نحن عن أنفسنا، ونحن أدرى الناس بضعفنا...؟ وإن كان الرسول يقول "قمع جسدي واستعبده". ألا يعطينا بهذا درسًا في استمرار الحرص مدى الحياة؟
الحرص يدل على أن التائب جاد في توبته.
ويدل على أنه صادق في مواعيده التي وعد بها الله لما بدأ توبته. فكن حريصًا باستمرار "أذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 4). ابحث عن أسباب الخطية التي أسقطت فيها قبلا، وابعد عنها بكل قوتك.
ومن الأفضل أن نفرد لهذه النقطة موضوعًا خاصًا وهو: الكنعانيون في الأرض.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/34kcw53