3- لا تؤجل التوبة ولا تضيع الفرصة:
فرص للتوبة ضيعها البعض:
من مراحم الله على الخطاة، أنه يقدم لكل خاطئ فرصا كثيرة لكي يتوب، تزوره فيها النعمة وتعمل في قلبه...
ونتيجة لعمل الله داخله، يجد قلبه قد التهب برغبة مقدسة في التوبة والرجوع إلى الله... ربما يكون قد تأثر بعظة، أو بكتاب أو باجتماع روحي، أو بقدوة صالحة... أو أن حادثة موت أو مرض هزته من الداخل، أو مناسبة معينة رأى أنه يجب عليه استغلالها.
والحكيم هو الذي يستغل تلك التأثرات، ولا يدع الفرصة تفلت منه...
مثلما حدث مع الابن الضال، الذي حينما زارته النعمة، وأثرت في قلبه وفكره، قال "أقوم الآن..." وقام وذهب إلى أبيه، وقدم توبة.
أما الجاهل فيجعل الفرصة تعبر دون أن يستفيد منها... ثم يبحث عنها فلا يجدها... وفي ذلك، ما أخطر العبارة التي قيلت عن عيسو إنه:
"لم يجد للتوبة مكانًا، مع أنه طلبها بدموع" (عب 12: 17).
كان قد جاء إلى أبيه متأخرًا، بعد أن تحولت البركة إلى يعقوب، وأصبح هو المختار الذي بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض...
وبكى عيسو "وصرخ صرخة عظيمة ومرة" (تك 27: 34، 38) ولكن بعد فوات الوقت، بعد أن صار البكاء لا يفيد شيئًا...
انظر إلى عذراء النشيد، ماذا حدث لها. وخذ درسًا...
كانت نائمة، كأي خاطئ... ولكن قلبها كان مستيقظًا لنداء الرب. وسمعت صوته يناديها "افتحي لي..." ولكنها تباطأت، والتمست الأعذار. ثم قامت أخيرًا لتفتح، ولكن بعد فوات الفرصة، بعد أن كان حبيبها قد تحول وعبر... وإذا بها تصرخ وتقول "خرجت نفسي عندما أدبر. طلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني" (نش 5: 6). وتعرضت المسكينة لآلام كثيرة... غير أن الرب من أجل محبتها منحها فرصة أخرى. أما بالنسبة إليك:
وربما تضيع منك هذه الفرصة، ولا تجد فرصة أخرى...
فهكذا حدث لفيلكس الوالي، وللملك أغريباس.
كل منهما جاءته الفرصة، حينما وقف بولس الرسول يترافع أمامه. ومن جهة فيلكس، يقول الكتاب إنه "بينما كان (بولس) يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، ارتعب فيلكس "(أع 24: 25). عملت النعمة في قلبه، وحركته إلى الإيمان والتوبة. ولكنه لم يستغل الفرصة، ورأى أن يؤجلها إلى مناسبة أخرى، فقال للقديس بولس "اذهب الآن، ومتى حصل لي وقت أستدعيك" (أع 24: 26).
وللأسف الشديد، لم يقل سفر أعمال الرسل أن فيلكس حصل على وقت واستدعى بولس... وهكذا ضاعت منه فرصة العمر كله...
وهكذا أغريباس الملك أيضًا، تحدث أمامه القديس بولس العظيم، بكل ما فيه من عمق وإقناع، وبكل ما فيه من عمل الروح. فتأثر أغريباس جدًا، وعملت النعمة في قلبه، وقال لبولس "بقليل تقنعني أن صير مسيحيًا" (أع 26: 28).
ولكن المسكين لم ينتهز الفرصة، وقام من منصة القضاء ومضى. ومضت معه التوبة والإيمان، وضاعت الفرصة. ولم يقل الكتاب شيئًا بعد ذلك عن أغريباس... وبينما كان بينه وبين الله هذا القليل.
ليته فعل، مثل الخصي الحبشي، الذي انتهز الفرصة ونال الخلاص...
هذا الخصي دبرت نعمة الله أن يقابله فيلبس في الطريق، ويشرح له ما كان يقرأه من سفر أشعياء. وتأثر الرجل، وعمل الله في قلبه، فآمن، ولم يترك الفرصة تفلت فقال لفيلبس "هوذا ماء. ماذا يمنع أن أعتمد" (أع 8: 36). وفي الحال نزلا إلى الماء، وتعمد... "وذهب في طريقة فرحًا"... إنه من الأمثلة الشائعة لانتهاز الفرصة...
وأنت يا أخي كم فيلبس أرسله الله في طريقك، وتأثرت به، ولكنك جعلت الفرصة تفلت من يدك، ولم تستفد منها
لذلك لا تؤجل التوبة. فكثيرون من الذين أجلوا التوبة، لم يتوبوا على الإطلاق، وضاعت حياتهم
انظر إلى اليهود، كم من مرة رفضوا الرب، وساروا وراء آلهة أخرى. وكم كان الرب يرسل إليهم الأنبياء والرسل لكي يجذبهم إليهم وكانوا يضيعون هذه الفرص كلها، حتى ألقاهم الرب على يدي أعدائهم، ورفض صلواتهم وذبائحهم وقال لهم "حين تبسطون أيديكم، أستر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع" (أش 1: 15). وأيضًا قال لأرميا النبي "وأنت فلا تصل لأجل هذا الشعب، ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة، ولا تلح على، لأني لا أسمعك (أر 7: 16).
فهل تريد بتوالي التأجيل أن تصل إلى هذا الوضع؟!
إن توالي تأجيل التوبة، قد يعني رفض التوبة...
وهذا هو الذي حدث لفرعون... حتى هلك...
كم مرة قال فرعون لموسى وهرون "خطأت. صليا لأجلي"... ومع ذلك لم يتب... انظروا إلى قوله بعد ضربة البرد والرعود "أخطأت هذه المرة. الرب هو البار، وأنا وشعبي الأشرار صليا وكفى حدوث رعود الله البرد فأطلقكم" (خر 9: 27، 28)... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومع ذلك لم يتب فرعون، ولم يف بوعوده، والجأ إلى التأجيل. وها هو بعد ضربة الجراد يقول لموسى وهرون "أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما. والآن اصفحا عن خطيتي هذه المرة فقط. وصليا إلى الرب إلهكما، ليرفع عني هذا الموت" (خر 10: 16، 17). ورفع الرب عنه هذه الضربة، كما رفع غيرها، ولم يتب...
كانت ألفاظ التوبة على فمه. ولم تكن التوبة في قلبه...
كان يصرخ خوفًا، وليس اقتناعًا. وكان يعد بالتوبة ولا يوفي. وظل يؤجل وعوده للرب يومًا بعد يوم، وضربة بعد ضربة، إلى أن أدركه الغضب الإلهي، وغرق في البحر الأحمر وهلك.
وكان تأجيل التوبة بالنسبة إليه، هو رفض عملي للتوبة...
إنها فرص عرضها الرب عليه، بالضربات العشر. وكان يتأثر بها، ويوقن أنه لا بد أن يتوب. ولكنه لم يستغل هذه الفرص لخلاص نفسه. وكانت محبة العالم في قلبه، أكثر من محبة التوبة، فهلك...
ومن أمثلة الذين ضيعوا فرص التوبة، الكرَّامون الأردياء (مت 21)...
أولئك الذين كم من مرة يرسل لهم صاحب الكرم عبيده، فلا يستجيبون، ولا يرجعون عن شرهم. وأخيرًا أرسل إليهم ابنه، وكانت فرصة للتوبة، فلم يتوبوا... فماذا حدث؟ لقد قال لهم أخيرًا "ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمة تعمل أثماره" (مت 21: 43).
لنأخذ شمشون الجبار مثالًا لتأجيل التوبة...
كان قد بدأ بداية طيبة، إذ حل عليه روح الرب. ثم بدأت خطيئته حينما تعرف بدليلة وأسلمها قياده وخضع لمشورتها. وقد خدعته هذه المرأة أكثر من مرة، وسلمته لأعدائه، وكان يعرف هذا، ومع ذلك لم يتب (قض 16)، وأستمر فيما هو فيه.
وأخيرًا كسر نذره، وأخذه أعداؤه وقلعوا عينيه، وأوثقوه بسلاسل، وكان يطحن في بيت السجن (قض 16: 21).
هكذا فعلت به الخطية وتأجيل التوبة. وإن كان الله قد أعطاه فرصة أخرى يوم وفاته، كرجل من رجال الإيمان (عب 11: 22، 23).
إن التباطؤ في التوبة قد يهلك الإنسان، كما حدث لعاخان بن كرمي...
هذا أخذ من المال الحرام وخبأه. وانهزم الشعب خطيئته أمام قرية صغيرة هي عاي، فلم يتحرك ضميره ويعترف بالخطأ. وقال الرب "في وسطك حرام يا إسرائيل". وأعلن يشوع هذه الحقيقة، ولم يتحرك عاخان. ثم بدأ يشوع يلقي القرعة ليعرف من هو المتسبب في غضب الله. ولم يتقدم عاخان ليعترف. ووقعت القرعة على سبط يهوذا، وعلى عشيرته (الزارحيين). وكل ذلك وعاخان لا يتقدم ليعترف... إلى أن أشار الله إليه بالاسم...
فاعترف ما فعله، بعد فوات فرصة التوبة. اعترف كمن كشفه الرب، وليس كمن يكشف نفسه. وأخذوه فرجموه (يش 7: 25).
لذلك حسنًا أن الملاكين لم يسمحا للوط بأن يتباطأ...
حدث ذلك حينما أراد الله أن يحرق سدوم... يقول الكتاب "وكان الملاكان يعجلان لوطًا.."، "ولما توانى، أمسكا بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة. وقالا له "اهرب لحياتك" (تك 19: 15 - 71)... كان لابد أن يبتعد لوط بسرعة عن مكان الشر، حتى لا يهلك.
هناك أمور خطيرة تلزم معها السرعة، ومنها التوبة... لا يصلح لها التباطؤ، ولا يصلح التأجيل...
إن العذارى الجاهلات، جئن متأخرات، بعد أن أغلق الباب...
لذلك خسرن الملكوت. ووقفن أمام الباب المغلق يقلن في أسى أو في يأس: "يا سيد افتح لنا"، فلم يسمعن سوى تلك العبارة المخيفة "الحق أقول لكن إني لا أعرفكن" (مت 25: 12). لقد جئن، ولكن بعد فوات الفرصة، بعد أن أغلق الباب...
حقًا ما أخطر وما أعمق تلك العبارة التي قالها الرب في سفر الرؤيا عن الخاطئة إيزابل:
"وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها، ولم تتب" (رؤ 2: 21).
وعبارة "أعطيتها زمانًا" هذه، يقف القلب أمامها بخشوع... ويصمت. وإذ لم تتب هذه الخاطئة في الزمان الذي أعطاها الرب إياه، فإن الرب شرح ما سوف يوقعه بها من ضربات... وقال في ذلك أيضًا، إنه [سيعطي كل واحد بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ] (رؤ2: 23).
إن الله بطول أناته، أعطى زمانًا لهذه الخاطئة لكي تتوب فيه.
فلا يجوز أن يؤجل الإنسان توبته، مستهينا بطول أناة الله.
هوذا الرسول يوبخ على ذلك قائلًا "أم تستهين بِغِنَى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالمٌ أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" (رو 2: 4). ويرى الرسول أن مثل هذا الإنسان يدل على أن في قلبه قسوة، وعلى أنه غير تائب، ويذخر لنفسه غضبًا في يوم الغضب (رو 2: 5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/txqz6d7