يرجع أصل هذه العادة إلى أقدم أزمنة التاريخ المدوّن. ولم تشذ عنها أمة واحدة من أمم التاريخ القديم, وإن كان نظامها يختلف بين بلد وبلد, وبين عصر وعصر, وهي أن يملك إنسان آخر ويكون صاحب الحق فيه, جسمًا وروحًا وتصرفات وإرادة.
وكانت تقسم العبودية عند العبرانيين إلى نوعين: عبودية العبرانيين , وعبودية غير العبرانيين.
أما عبودية العبرانيين للعبرانيين فإنها أخف أنواع العبودية. ولها ثلاث وسائل:
الفقر, بأن يبيع الإنسان نفسه ليسدد ديونه (لا 25: 39).
السرقة, إذا سرق إنسان ولم يستطع رد ما سرق (خر 22: 1، 3).
(3) البيع, بأن يبيع أب ابنته جارية (خر21: 7، 17). وفي هذه الحالات لم يكن للمقتني حق بيع هؤلاء العبيد الجدد, ولم يكن يحق بيعهم لمقتني ما لم يكن عبرانيًا. أما وسائل الخلاص من العبودية فثلاث:
(1) إذا رد العبد المديون أو السارق دينه أو سرقته.
(2) بعد أن ينهي ست سنين من الخدمة, لأن أقصى مدة لعبودية العبراني هي ست سنوات.
(3) عند حلول سنة اليوبيل (لا 25: 39، 40) أما إذا رفض العبد أن يعتق فيثقب سيده أذنه بالمثقب ويكرسه عبدًا إلى الأبد. وإلا فإنه يرجع إلى أهله ومعه من الغلات والقطيع والبيدر والمعصرة. وقد أوصى الناموس بمعاملة العبيد العبرانيين برفق (لا 25: 43). وسمح للعبد بأن يتزوج بابنة سيده (1 أخبار 2: 35). أما المستعبدات فلم يكن لهن حق الانعتاق بعد السنوات الست. وكان على مقتني الجارية أن يتزوجها, أو يزوجها لابنه, ولا يردها لأبيها أو ينقل ملكيتها إلى مقتن عبراني آخر. ولم يكن له حق بيعها إلى أجنبي (خر 21: 7-11). وظلت عبودية العبرانيين للعبرانيين سارية حتى العودة من السبي, فألغوها وحرّموها.
ليست خفيفة مثل النوع الأول من العبودية. وكان أكثر العبيد عند العبرانيين من أسرى الحرب أو من مستوردات تجار الرقيق, ومن الأمم الشرقية في آسيا وأوروبا وأفريقيا. ولم تنقطع العادة أو تحرم بعد العودة من سبي بابل. إلا أن الفريسيين كانوا يعارضون في استمرارها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وكان معدل ثمن العبد ثلاثين شاقلًا من الفضة (خر 21: 32). إلا أن الثمن كان يختلف حسب الظروف. وقد بيع يوسف, وهو ابن سبعة عشر عامًا, بعشرين شاقلًا (تك 37: 28). وكان الناموس يهتم بأحوال العبيد. وقد نص على إعتاقهم عند فقد أحدهم عينه أو يده (خر 21: 26، 27) وكان الناموس يعتبر قتل العبد جريمة كقتل الحر (لا 24: 17، 22). وسمح لهم بمعتقداتهم الدينية الأصلية. إلا أنه أعطى العبراني حق ختن العبيد. أما عملهم فكان قاسيًا فلح الأرض وطحن الحنطة وإشغال البيت وغسل أرجل أسيادهم. وكان الأذكياء منهم يسلمون وظائف عالية, مثل اليعازر الذي أصبح وكيلًا على مال سيده (تك 15: 2).
أما المسيحية فلم تشأ أن تحدث انقلابًا في الأوضاع عن طريق إثارة هياج العبيد وثورتهم في بدء نشأتها فقبلت ما كان سائدًا عندئذ من امتلاك العبيد (1 كو 7: 21) وحثت العبيد أن يطيعوا سادتهم (أفسس 6: 5-8؛ كو 3: 22-25؛ 1 تيمو 6: 1، 2؛ 1 بط 2: 18-21) كما عملت على إعادة عبد فار إلى سيده (فيليمون 10-16) ولكنها إلى جانب ذلك قررت مبادئ من شأنها أن تحدث تغيرًا جوهريًا في قلوب السادة من نحو العبيد ومن شأنها أن تضع حدًا لنظام العبودية, فقررت المساواة بين العبيد والأسياد في نظر الله (كو 7: 21، 22؛ غلاطية 3: 28؛ كو 3: 11). وقد حثَّت الأسياد على أن يعاملوا عبيدهم بالرفق والاعتبار, مذكرة إياهم أن لهم حقوقًا يرعاها الله ويحافظ عليها (أفسس 6: 9؛ كو 4: 1).
أولًا: عبودية بني إسرائيل في مصر وبابل. أما العبودية في مصر فقد بدأت منذ أن أمّ اليهود صوب مصر في زمن يعقوب وأبنائه وعائلاتهم, الذين بلغ عددهم سبعين نفسًا (خر 1: 5). وقام ملك جديد لم يعرف يوسف, فأمر باستعباد بني إسرائيل.
أما عبودية بابل فقد تمت على يد الملك الكلداني نبوخذنصر الذي زحف بجيشه الجرار على القدس وحاصرها ثم احتلها وقتل قسما كبيرًا من أهلها وسبى الباقين أمامه نحو بابل, عاصمة ملكه, فيما بين النهرين. وهناك عامل ذكورهم كالعبيد. وإناثهم كالإماء.. وكان ذلك في القرن السادس قبل الميلاد (2 مل 25).
ثانيًا: العبودية الروحية, هي عبودية الإنسان لإبليس, أي الخطيئة (1 تي 3: 7؛ 2 تي 2: 26؛ يو 8: 34؛ اع 8: 23؛ رو 6: 16؛ 7: 23؛ 2 بط 2: 19). وقد وعد الله الإنسان بالعتق منها بواسطة المسيح الذي جاء إلى الأرض ليحرر الإنسان من ربقتها (اش 42: 6، 7؛ لو 4: 18، 21؛ يو 8: 36؛ رو 7: 24، 25؛ أف 4: 8), وبواسطة كلمة الله في الإنجيل (يو 32؛ رو 8: 2).
العبودية هي امتلاك إنسان لإنسان آخر، يجعل منه عبدًا خاضعًا منقادًا لا يملك من أمر نفسه شيئًا. وفي العصور الكتابية القديمة، كان للعبيد في الشرق الأوسط بعض الحقوق، سواء بالقانون أو بالعرف والعادة. فكان للعبد حق الامتلاك (ولو لعبيد آخرين). ويرجع نظام العبودية إلى أقدم العصور لأسباب اقتصادية أساسًا.
(1)
الأسري: وبخاصة أسري الحروب، حيث كان المنتصرون يجعلون من أسراهم عبيدًا
(انظر تك 14: 21؛ عد 31: 9؛ تث 20: 14؛ 21: 10-14؛ قض 5: 30؛ صم 4: 9؛ 2 مل
5: 2؛ 2 أخ 28: 8، 10). وهي عادة قديمة ترجع إلى نحو 3000 ق.م.
(2) شراء الرقيق: كان يمكن شراء العبيد من ملك آخر، أو من سوق الرقيق (انظر
تك 17: 12، 13، 27؛ جا 2: 7). وقد سمحت الشريعة للعبرانيين أن يشتروا
عبيدًا من الغرباء سواء المستوطنين بينهم، أو من الشعوب الذين حولهم (لا
25:
44، 45).
ففي العهود القديمة، عان العبيد يباعون كأي بضاعة أخري، وقد باع أولاد
يعقوب أخاهم يوسف للإسماعيليين الذين باعوه بدورهم إلى
فوطيفار رئيس شرط فرعون (تك 37: 36؛ 39:
1). وكان الفينيقيون يتاجرون في نفوس الناس وآنية النحاس في أسواق صور.
يأتون بهم من
آسيا الصغرى (حز 27: 13)، وقد باعوا اليهود
للياوانيين، حتى
أنذرهم الرب على فم يوئيل النبي بأنه سيرد عملهم على رؤوسهم (يؤ3: 4-8).
فكانت تجارة الرقيق تجارة رائجة جدًّا.
(3) بالميلاد: فكان الأولاد "المولودون في البيت" من أبوين مستبعدين،
يصبحون عبيدًا لذلك البيت بحكم المولد، وهو ما نجده مدونًا في الكتاب
المقدس منذ عهد الآباء (تك 15: 3؛ 17: 12، 13، 27؛ جا 2: 7؛ إرميا 2: 14).
كما تؤيد ذلك الوثائق التاريخية من بلاد بين النهرين (انظر مثلًا
قوانين حمورابي).
(4) بالتعويض: فإذا لم يستطع اللص أن يعوض عما سرقه أو عما أتلفه، كان يباع
عبدًا (خر 22: 3). وثمة شبيه بهذا في قوانين
حمورابي.
(5) سدادًا لدين: فإذا أفلس مدين، كان يضطر لبيع أبنائه عبيدًا سدادًا
للدين (انظر 2 مل 4: 1؛ نح 5: 5، 8). وجاء بقوانين
حمورابي أن المدين نفسه
وزوجته وأبناءه، ويصبحون عبيدًا للدائن يخدمونه ثلاث سنوات وفاء للدين، يُطلقون بعدها أحرارًا، وهذا شبيه بما جاء في شريعة موسي (خر 21: 2-6) حيث
كان على العبد العبراني أن يخدم سيده ست سنوات (ضعف ما جاء
بقوانين حمورابي).
ولكن في نهايتها كان يجب على سيده أن يزوده من غنمه ومن بيدره ومن معصرته،
كما باركه الرب إلهه يعطيه (تث 15: 12-18).
(6) أن يبيع الإنسان نفسه عبدًا: أي أن يجعل من نفسه عبدًا لآخر ليتخلص من
الفقر والمسغبة (انظر لا 25: 39-43، 47-54).
(7) بالخطف: أن يخطف أحد إنسانًا أو يسرقه، ويبيعه عبدًا. وكانت عقوبة ذلك
القتل في شريعة موسي (خر 21: 16؛ تث 24: 7)، وكذلك في
قوانين حمورابي. وقد
ارتكب إخوة يوسف هذه الجريمة (تك 37: 27، 28؛ 45: 3-5؛ 50: 15).
كان ثمن العبد يتفاوت بحسب الظروف والجنس والعمر والحالة. ولكن كان ثمن العبد- كأي بضاعة أخري-يرتفع تدريجيًا بتقدم العصور، وكان ثمن الأمة- في سن الإنجاب أكبر من ثمن العبد. وكان ثمن العبد في أواخر الألف الثالثة قبل الميلاد -في بلاد بين النهرين (في أيام الأكاديين، والأسرة الثالثة في أور)- يتراوح ما بين 10-15 شاقلًا من الفضة. وفي نحو 1700 ق.م. بيع يوسف للإسماعيليين بعشرين شاقلًا من الفضة (تك 37: 28). فكان ذلك متوسط ثمن العبد في تلك الأيام (كما جاء في قوانين حمورابي في نحو 1750 ق.م، وفي بابل وفي مملكة ماري). وفي حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أصبح متوسط ثمن العبد حوالي ثلاثين شاقلًا في "نوزي". وكان يتراوح ما بين 20-30 أو 40 شاقلًا في أوغاريت في شمالي سورية. وفي القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد كان يساوي الثلاثين شاقلًا (انظر21: 23). وفي العصور التالية، رتفع ثمن العبد (الذكر) بالتدريج في أيام الإمبراطوريات الأشورية والبابلية والفارسية، إلى نحو 50-60 شاقلًا، والى 50 شاقلًا ثم إلى 90-120 شاقلًا على الترتيب. ففي عهد الأشوريين وضع منحيم ملك إسرائيل "خمسين شاقل فضة على كل رجل" (2 مل 15-20)، ليدفعها لملك أشور ثمنًا لكل رجل حتى لا يسبيهم إلى أشور.
(I) حالت الشريعة دون المغالاة في استعباد الشعب تحت الظروف الاقتصادية على صغار الفلاحين، وذلك بوضع حد أقصي لفترة الخدمة، بحيث لا تتعدي ست سنوات، يُطلق بعدها العبد حرًّا، مع منحه من العطايا ما يستطيع أن يبدأ به حياة جديدة مستقلة (خر 21: 2-6؛ تث 15: 12-18).
وإذا كان العبد متزوجًا من قبل، كانت تخرج زوجته معه عند عتقه. أما إذا كان سيده قد أعطاه زوجة، فكانت تظل الزوجة وأولادها في حوزة السيد. فإذا أراد العبد الاحتفاظ بزوجته وأولاده، فكان يصبح عبدًا مؤبدًا لسيده (خر 21: 6؛ تث 15: 16، 17). ولكنه كان يجب أن يطلق -علي أي حال- حرًا في سنة اليوبيل (لا 25: 40، 41) مع استرداده لكل ميراثه (لا 25: 28)، حتى لو أراد أن يبقي مع سيده.
وإذا ضرب إنسان عين عبده أو عين أمته، فأتلفها، يطلقه حرًا عن عينه. وإن أسقط سن عبده أو سن أمته، يطلقه حرًّا عوضًا عن سنه (خر: 21: 26، 27). وفي أيام إرميا النبي، نقض الملك والأثرياء الشريعة، فبعد أن أعتقوا عبيدهم من العبرانيين في السنة السابعة، " عادوا بعد ذلك فأرجعوا العبيد والإماء الذين أطلقوهم أحرارًا وأخضعوهم عبيدًا وإماءً" (إرميا 34: 8-11) فأنذرهم الرب بالقصاص (إرميا 34: 12-22).
(II) كان على العبراني الذي يبيع نفسه طوعًا للعبودية، تخلصًا من الفقر، أن يخدم سيده إلى سنة اليوبيل، وفيها يُطلق حرًّا (لا 25: 29-43). ويسترد ممتلكاته (لا 25: 28). أما إذا كان سيده أجنبيًا، فكان يمكن عتقه بدفع فدية بمعرفته أو بمعرفة أحد أقربائه في أي وقت قبل سنة اليوبيل (لا 25: 47-55).
(III) أما الإماء فكان لهن وضع خاص. فكانت الزوجة العاقر تملك أن تعطي جارتها لزوجها لتلد له أولادًا [(تك 16)، وجاء مثل ذلك في الوثائق المسمارية Cuneiform من أور الكلدانيين]. وكانت الشريعة تقضي أنه إذا بيعت فتاة عبرانية أمة (خر 21: 7-11) فكان يمكن أن تتزوج سيدها أو ابنه. فإذا قبحت في عينيه، يدعها تفك (أي تطلق حرة). وإذا اتخذ لنفسه زوجة أخري، فكان يجب عليه ألا ينقص طعامها وكسوتها وعاشرتها، "فإذا لم يفعل لها هذه الثلاث، تخرج مجانًا بلا ثمن" (خر 21: 7-11). ولم تكن لها هذه الحقوق في شرائع بلاد بين النهرين.
(I)
كان يمكن استبعاد العبيد من الأجانب استبعادًا مؤبدًا، يتوارثهم الأبناء عن
الآباء (لا 25: 44-46). ومع ذلك كانوا يشتركون مع سادتهم في امتيازات
الأمة، مثل الختان (تك 17: 10-14، 27)، وفي الأعياد كالفصح (خر 12: 44؛ تث
16: 11، 14)، وفي راحة السبت (خر 20: 10؛ 23: 12).
(II) إذًا أخذت امرأة أسيره في الحرب، كان يمكن للعبراني أن يتزوجها، فتصبح
لها مكانة الزوجة وحقوقها. فإن لم يُسر بها، كان يجب عليه أن يطلقها حرة،
لا يسترقها ولا يبيعها بفضة (تث 21: 10-14).
كان أسلوب
معاملة العبيد يتوقف على شخصية سادتهم، فكان يمكن أن يكون العبد موضع ثقة سيده
(انظر مثلًا تك 24؛ 39: 1-6). وأن تكون بينهما مودة صادقة تدعو للتضحية (خر 21:
5؛ تث 15: 16). وكان السيد يملك تأديب العبد تأديبًا صارمًا بشرط ألا يؤدي إلى
موته، وإلا تعرض السيد لعقوبة القتل (خر 21: 20، 21؛ لا 24: 17، 22).
ويحتمل أن العبيد عند العبرانيين كانوا يحملون سمة ظاهرة مميزة (كما كان عند
بعض البابليين). وكان يمكن للعبد-في بعض الحالات-أن يحتكم للقانون. ولكن كان
يمكن لسيد قاسٍ أن يتخلي عن العناية بعبده إذا مرض، كما فعل الرجل العماليقي مع
عبده المصري (1 صم 30: 13). وفي أيام الآباء، كان يمكن لرجل لا أولاد له، أن
يتبنَّي عبده ويجعله وارثًا له (انظر تك 15: 3)، أو يزوجه ابنته كما فعل شيشان
مع عبده المصري (1 أخ 2: 34، 35).
ويسجل التاريخ القديم الكثير من أحداث محاولة العبيد الهروب من أسيادهم، ولكن
من يساعدهم على ذلك أو يأويهم، كان يتعرض للقصاص. ولكن العبيد الذين كانوا
يستطيعون الهروب إلى بلاد أخري، كانوا ينجون، إلا إذا كان بين بلادهم والبلد
الآخر معاهدة تختص بمثل هذه الحالات، كما حدث في حالة شمعي بن جيرا البنياميني
عندما أتي بعبديه الهاربين، من عند أخيش بن معكة ملك
جت (1 مل 2: 39، 40). وقد
نهت الشريعة عن تسليم هذا العبد لمولاه (تث 23: 15، 16).
(4) العتق: كانت الشريعة اليهودية تقضي بعتق العبد العبراني، بعد ست سنوات (خر
21: 2؛ تث 15: 12، 18). كما كانت تقضي له بالتعويض عن عاهة أحدثها به سيده (خر
21: 26، 27). وإذا تزوج الرجل أمة عبرانية ثم قبحت في عينيه، أو إذا أنقص من
طعامها أو كسوتها أو معاشرتها لزواجه من أخري، فإنها تطلق حرة (خر 21: 8، 11).
كما أن العبراني الذي كان يبيع نفسه عبدًا، كان يخرج حرًّا في
سنة اليوبيل، كما
كان يمكن فكاكه من العبودية لسيده الأجنبي، بدفع فديته في أي وقت (لا 25: 39-43، 47-55). كما أن الأمة كان يمكن أن تعتق بالزواج (تث 21: 10-14).
(ه) عبيد الدولة والهيكل:
(1) عبيد الدولة: كانت لذلك قيود، فقد استخدم داود العمونيين الذين هزمهم في أعمال التسخير (2 صم 12: 31). كما سخَّر سليمان "جميع الشعب الباقين من الأموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، الذين ليسوا من بني إسرائيل.. جعل عليهم سليمان تسخير عبيد" (1 مل 9: 15، 21، 22)، فجعل منهم حمَّالين وقطَّاعين للأحجار (2 أخ 2: 18). ويرجع أن مناجم النحاس الشهيرة بالقرب من عصيون، كان العاملون فيها من الكنعانيين والعمونيين والأدوميين. وكان تسخير أسري الحروب أمرًا شائعًا في كل بلاد الشرق الأوسط.
(2) عبيد الهيكل: بعد الحرب ضد مديان، أخذ موسي زكاة للرب، نفسًا واحدة من كل خمس مئة من الناس والبقر والحمير والغنم أعطاها "للاويين الحافظين شعائر مسكن الرب" (عد 31: 28، 30، 47). وأضاف يشوع إلى هؤلاء الجبعونيين، وجعلهم محتطبي ومستقي ماء للجماعة ولمذبح الرب" (يش 9: 3-57). كما كرس داود ورجاله الغرباء (النثينيم) لهذه الخدمات بجانب اللاويين. وقد رجع البعض من نسلهم من سبي بابل مع عزرا (عز 8: 20). وُأضيف إليهم عبيد سليمان (عز 2: 58). ويبدو أن حزقيال النبي حذر من هؤلاء العمال، " أبناء الغريب الغلف القلوب"... ليكونوا في مقدس الرب (حز 44: 6-9). وقد عاش البعض منهم في أيام نحميا في أورشليم، ومنهم من اشترك في ترميم السور (نح 8: 26-31).
تتجلي روح الإنسانية في شرائع العهد القديم المتعلقة بالعبودية، فيتكرر تحذير الله كثيرًا للشعب ألا يتسلطوا على إخوتهم بعنف (انظر لا 25: 43، 46، 53، 55؛ تث 15: 14، 15)، وهو ما لا نجده في قوانين بابل أو أشور. ويجب أن نذكر أن اقتصاد الشرق الأوسط قديمًا لم يكن يعتمد على قوة العمل من العبيد، مثلما كان الحال في اليونان، وإلى حد أبعد في الإمبراطورية الرومانية.
بناء على ما جاء بالتلمود، ظل نظام العبودية عند اليهود، محكومًا بدقة بوحدة الشعب القومية. وكان هناك فرق واضح بين العبيد من اليهود، والعبيد من الأمم. فكان العبيد العبرانيون يُعاملون بمقتضي شريعة العتق في السنة السابعة، كما كان على عاتق المجتمع اليهودي، فك أي عبراني مستبعد لشخص من الأمم، فلم يكن-في الواقع-ثمة فرق جوهري بين العبد والحر، لأن كل الشعب كانوا يعتبرون عبيدًا " للرب ". وعلي النقيض من ذلك، كانت العبودية في اليونان تُبرّر نظريًا بأنها نظام طبيعي، فكان المواطنون، هم الذين يعتبرون-علي وجه التحديد-من البشر، أما العبيد فكانوا يعتبرون من المتاع، أو مجرد سلعة من السلع. فالحقيقة الواضحة، هي أنه طوال العصور اليونانية الرومانية، كان نظام الرق يعتبر نظامًا طبيعيًا حتي عند من كانوا يعملون على التخفيف من وطأته وتحسين أوضاعه.
وكان هناك تنوع كبير جدًا - باختلاف الأزمنة والأمكنة-في مدي انتشار هذا النظام وأساليب تطبيقه. والرأي الحديث متأثر جّدًا بأهوال استبعاد جموع كبيرة في المزارع في إيطاليا وصقلية في القرنين ما بين الحروب البونية وعصر أوغسطس، واللذين تميزا بقيام سلسلة من ثورات بطولية عنيفة من العبيد. وكان ذلك نتيجة غير مباشرة للغزو السريع لبلاد حوض البحر المتوسط. فقد كان هذا الغزو هو المصدر الرئيسي لأسواق الرقيق، من أسري الحروب. ولكن في أزمنة العهد الجديد، لم تكن ثمة لحروب كثيرة. ولكن كان الرومانيون يستخدمون العبيد في زراعة الأرض. بينما لم يكن في مصر نظام الرقيق لزراعة الأرض، إذ كان يقوم بذلك الفلاحون الأحرار تحت إشراف حكومي. أما في آسيا الصغرى وسورية، فكانت هناك إقطاعيات كبيرة للمعابد، كان يقوم بزراعتها مستأجرون كانوا أشبه برقيق الأرض. وفي فلسطين -كما نستنتج من الأمثال التي ضربها الرب يسوع- كان العبيد الذين يعلمون في المزارع الكبيرة، نوعا من الموظفين. أما قوة العمل فكانوا يَستأجرون حسب الحاجة.
وكان رقيق المنازل والدولة، هم أكثر الأنواع انتشارًا. فكان اقتناء العبيد في المنازل نوعا من التفاخر بالثراء. وفي حالة اقتناء العائلة لعبد أو اثنين، فإنهما كانا يعملان إلى جانب السيد في نفس العمل. ولم يكون من السهل التمييز بين العبيد والأحرار في شوارع أثينا، وكانت الألفة بين العبيد وسادتهم موضوعًا للتندْر.
وكانت العائلات الكبيرة في روما تستخدم العشرات من العبيد كنوع من الفخفخة لا غير، دون حاجة ماسة لوجودهم. أما في حالة عبيد الدولة،فكانت القوانين التي تحكمهم، تمنحهم نوعًا من الاستقلال والاحترام. وكانوا يقومون بكل أنواع الخدمات، بما في ذلك خدمات الشرطة في بعض الحالات. بل كانت بعض المهن مثل الطب والتعليم تكاد تكون وقفًا على العبيد.
(1)
بالمولد بحسب كل ولاية.
(2) كان من المألوف جدًا عرض الأبناء غير المرغوب فيهم، ليأخذهم كل من يريد
رعايتهم.
(3) كان البعض يبيعون أبناءهم عبيدًا للحصول على المال.
(4) العبودية التطوعية لحل مشاكل الفقر والديون.
(5) العبودية كعقوبة.
(6) الخطف والقرصنة.
(7) أسواق الرقيق خارج حدود الدولة الرومانية.
ولم تكن هذه المصادر متاحة جميعها في أي مكان وفي كل وقت. فقد كان هناك تنوع واسع في القوانين والأعراف المحلية. كما أن درجة الاستعداد كانت تختلف اختلافًا كبيرًا، ومن المستحيل حصرها، فلعل عدد العبيد يبلغ ثلث عدد السكان في روما والعواصم الكبرى في الشرق. أما في المناطق الريفية، فكانت النسبة فيها تقل عن ذلك كثيرًا.
وكان تحرير العبيد يمكن أن يتم في أي وقت عندما يريد المالك. وكان ذلك يتم في روما -عادة- بحساب، حتى لا تحدث خلخلة سريعة في نسبة المواطنين الأصليين إلى العتقاء من أصول أجنبية.
وكانت أحوال الرق آخذه في التحسن بانتظام في أزمنة العهد الجديد، فمع أن العبد لم يكن له، شرعًا، أي حقوق محددة، فإن السادة كانوا يدركون أن العبيد يزيد إخلاصهم في العمل، كما أحسوا بأنهم أشبه بالأحرار. كما كان يَسمح لهم بالزواج، واقتناء ما يريدون. كما أن الرأي العام كان يميل لأدانة القسوة. وفي بعض الأحيان، كان القانون يحكم العلاقة بين السيد والعبد. ففي مصر مثلًا، كان موت العبد يستلزم التحقيق والمساءلة. وفي بلاد اليونان، كان العبيد العتقاء يصبحون مستوطنين غرباء في نفس مدينة أسيادهم السابقين. وفي روما كانوا يصبحون مواطنين حالما يَعتقون.
وهكذا أدى تدفق العبيد إلى إيطاليا، وبخاصة في القرنين السابقين لميلاد المسيح، إلى تدويل الجمهورية الرومانية، وذلك بالتوسع المستمر المنتظم في دائرة المواطنة.
(ب) موقف العهد الجديد من الرق:
كان هناك عبيد في أزمنة العهد الجديد، ولكن المسيحية لم تصدر قرارًا بإلغاء هذه العادة. ولكن إنجيل المسيح، برسالته، رسالة المحبة السامية الغلاَّبة، خففت من قساوة العصور السابقة، وحولت العنف إلى رفق ولطف. فتعاليم المسيح عن المساواة والعدالة والمحبة، غيرت كل موقف الإنسان من أخيه الإنسان، وموقف السيد من العبد، والعبد من السيد. فروح الأخوة بين جميع الناس، أيقظت ضمير العصر، وقفزت فوق كل الحواجز الطبقية والعنصرية، ونفذت إلى أبعد المناطق. وقد أعلن الرسول هذا الحق: "ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، .. لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3؛ انظر أيضًا 1كو13:12؛ كو11:3). ويحرض الرسول بولس السادة والعبيد -من المسيحيين- أن يحيوا بالتقوى، وأن يتشبهوا بالمسيح في علاقة بعضهم ببعض، الطاعة للسادة، والصبر وطول الأناة مع العبيد: "أيها العبيد أطيعوا سادتكم .. كعبيد للمسيح .. وأنتم أيها السادة .. تاركين التهديد عالمين أن سيدكم أنتم أيضًا في السموات وليس عنده محاباة" (أف5:6-9).
وأرسل الرسول بولس أنسيمس -العبد الهارب- إلى سيده فليمون طالبًا منه أن يقبله "لا كعبد في ما بعد، بل أفضل من عبد، أخًا محبوبًا .. فاقبله نظيري" (فل12- 17).
وقد كان المسيح مصلحًا ولم يكن ثائرًا فوضويًا، كان إنجيله داعيًا للخير، ولم يكن هدَّامًا. كان قوة فعَّالة ولكن بالمحبة. وكانت حياة المسيح وتعاليمه ضد كل أشكال العبودية. فإنجيل محبته ونور حياته، كانا كفيلين -في الوقت المعين- أن يمنحا العتق لجميع الناس، وأن يشيعا الإخاء والمساواة والمحبة في كل مكان في العالم، وهو ما أدى فعلا -مع مرور الأيام- إلى إلغاء الرق كنظام يتعارض تمامًا مع المبادئ المسيحية، رغم أن المسيحية لا تشرِّع للعالم، لأن المؤمنين ليسوا من العالم، بل هم غرباء ونزلاء فيه.
أما أمرَّ أنواع العبودية، فهي العبودية للخطية، لأن " كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو34:8). فالناس بالطبيعة مستعبدين للخطية (رو 6: 6)، إذ "اقتنصهم إبليس لإرادته" (2تي26:2؛ انظر أيضًا رو23:7)، فهم " عبيد الفساد" (2بط19:2). وقد كنا " مستعبدين تحت أركان العالم، لكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس.. لننال التبنِّي" (غل 3:4-5). فقد جاء المسيح " لكي يخلص ما قد هلك" (مت 11:18؛ لو 10:19)، لينادى للمأسورين بالإطلاق، ويرسل المنسحقين في الحرية (لو 18:4؛ انظر أيضًا إش 6:42، 7؛ 1:61، 2)، وفي سبيل ذلك "أخلى نفسه أخذًا صورة عبد..." (في 3: 7، 8). ولا سبيل للتحرر من عبودية الخطية إلا بالإيمان بالرب يسوع مخلِّصًا ورَّبًا، " لأنه إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو36:8؛ انظر أيضًا يو 32:8). ويحرض الرسول المؤمنين قائلًا: "فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غل1:5).
* انظر أيضًا: أمة | عبدة | جارية، أبق.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rkztq23