يقصد بالزراعة فلاحة الأرض لإنتاج المحاصيل ورعاية الحيوانات للحصول علي منتجاتها.
يتفق جميع العلماء علي أن الزراعة هي أساس الحضارة، ففي الزراعة يتمكن الفلاح من إنتاج فائض من الطعام للآخرين حتى يتفرغوا للعمل في الحرف والمهن التخصصية الأخرى. وقد تميزت معظم البلاد التي تحدث عنها الكتاب المقدس، باحتراف أهلها للزراعة التي كانت أساسًا لقيام الحضارة فيها. وكانت الزراعة التي مارسها بنو إسرائيل وثيقة الصلة بالزراعة كما مارستها شعوب الشرق الأوسط القديمة. كما كان بنو إسرائيل وجيرانهم يربون الحيوانات للانتفاع بألبانها ولحومها وأصوافها، ولاستخدامها في الركوب والحمل وحرث الأرض. وقد نتج عن اختلاف العوامل البيئية من موضع لآخر، التباين في الأساليب المستخدمة في الزراعة.
ولا شك أن العبرانيين لاحظوا الزراعة في أرض مصر بدورتها السنوية المرتبطة بفيضان النيل كل عام. ورغم أن بني إسرائيل كانوا جماعة من الرعاة في أثناء تغربهم في أرض مصر (تك 47: 6)، لكنهم لا بُد قد تعرفوا علي نظام الزراعة المبني علي أساليب الري الطبيعي والصناعي، لإنتاج الحبوب والخضر والفواكه، وعندما دخل بنو إسرائيل إلي أرض الموعد واستقروا فيها، مارسوا الزراعة في فترة انتقالهم من حياة الرعي والترحال إلي حياة الزراعة والاستقرار، مستخدمين أساليب الكنعانيين في الزراعة.
ولقد عرف العبرانيون أيضًا أساليب الزراعة في بلاد بين النهرين عن طريق اتصالهم بهم في التجارة وفي الحروب. لقد كانت البيئة في بلاد الدجلة والفرات تختلف عنها في وادي النيل، لأن فيضان نهري دجلة والفرات كان جارفًا وخطيرًا، واستتبع ذلك قيام نظام للتحكم في الفيضان، وشق الكثير من القنوات للري، إلا أن كلتا المنطقتين كانت تنتجان محاصيل متشابهة وبخاصة من الحبوب، كما زرع بنو إسرائيل نفس المحاصيل، لكنهم لم يستخدموا نفس أساليب الري في بلادهم التي تتخللها الأودية والمرتفعات.
إن دراسة الزراعة في الكتاب المقدس تتضمن دراسة منشأ الزراعة. ويخلص معظم العلماء إلي أن الزراعة قد بدأت في الشرق الأوسط، حيث بدأوا في إنتاج الحبوب عن طريق حرث الأرض باستخدام حيوانات الجر، وبالطبع كان هناك أساليب أخري لإنتاج الغذاء ظهرت فيما بعد في مناطق أخري مثل جنوبي شرق أسيا وغيرها من البلدان وليست المشكلة هي مكان منشأ الزراعة، ولكن المشكلة هي هل اشتغل الإنسان بالزراعة منذ نشأته، أو أنه كان يكسب قوته بطرق أخرى.
يقرر سفر التكوين أن الإنسان -منذ البداية- عرف الحيوانات المستأنسة والنباتات واعتني بها واستخدمها. فمن الواضح أن آدم مارس زراعة البساتين فبل السقوط (تك 2: 9، 15). وبعد أن طُرد آدم من جنة عدن، واجه بيئة عنيدة تطلب منه كدًا شاقًا ليحصل علي قوته (تك 3: 17-19). كما انه من الجلي أن قايين كان يزرع الأرض، وأن هابيل كان يربي قطعان الأغنام فقد " كان هابيل راعيًا للغنم، وكان قايين عاملًا في الأرض" (تك 2: 4). فأقوالالكتاب المقدس تؤيد القول بأن البشر قد اكتسبوا قوتهم أساسًا من زراعة المحاصيل وتربية الماشية.
يعتقد علماء الآثار والأنثروبولوجيا ومؤرخو ما قبل التاريخ أن تاريخ الإنسان سلسلة من التطورات الحضارية، يطلق عليها بعامة العصر الباليوليثي، والميزوليثي، والنيوليثي (أي العصور الحجري القديم والأوسط والحديث). ومن خلال العصرين الحجريين القديم والأوسط كان الإنسان صائدًا للحيوان وجامعًا للثمار، وبدأ الإنسان الرعي في العصر الحجري الحديث أي منذ نحو عشرة آلاف عام. ويقبل معظم المؤرخين القول بأن الإنسان الأول تخلي بالتدريج عن اعتماده علي صيد الحيوانات البرية والتقاط النباتات البرية، وبدأ في إنتاج طعامه من الأنواع المستأنسة من الحيوان والنبات. وفي هذا الصدد يقدم العلماء حضارة النطوفيين في فلسطين دليلًا علي هذا الانتقال. والسؤال هو: هل بدا الإنسان أصلًا صائدًا أم زارعًا؟
إن دراسة موضوع الزراعة فيالكتاب المقدس لا تترك مجالًا واسعًا للإجابة علي هذا السؤال الذي لم ينل حقه من الدراسة. ونحن نؤمن بصحة ما يقولهالكتاب المقدس، وأن البيانات الأركيولوجية غير كاملة ومعرضة لتأويلات مختلفة. وعند تمحيص الآراء القديمة يكتشف الإنسان أن الكتبة المسيحيين لم يولوا حياة الإنسان الاقتصادية إلا القليل من الاهتمام. ومن خلال التقاليد العبرية واليونانية، افترض "ترتليانوس" أن البشرية كانت تعيش علي الحبوب والثمار قبل الطوفان. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وقد سادت هذه الفكرة بين رجال الكنيسة الذين اعتقدوا أن الإنسان لم يصبح آكلا للحوم إلا بعد الطوفان. وقد اتفق "نوفاتيان" في القرن الثالث الميلادي مع هذا الرأي بتأكيده أن الإنسان قبل الطوفان كان يأكل الثمار، لكنه بعد الطوفان أكل اللحوم والحبوب والنباتات. ورأي أوغسطينوس أن آدم قد مارس الزراعة لكنها لم تكن مرهقة، بل كانت عملًا تعاونيًا إلي أبعد حد.
وقد صارت هذه الآراء تقليدية في الكنيسة رغم الرأي الغالب القائل بأن الإنسان بعد أن مر في مرحلة الصيد تحول إلي الرعي وأخيرًا إلي الزراعة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، عارض عارض ألماني يدعي "جورج جرلاند" (Gerland) الرأي الشائع بقوله: "كانت الزراعة هي الحرفة الأولي للبشرية، ومن ثم فإن الترتيب التقليدي لمراحل نشاط الإنسان من صيد إلي ترحال إلي زراعة، لا يمثل التطور الحقيقي .. فقد كان البشر في الأصل يعملون بالزراعة، ثم انقسم الناس فيما بعد إلي جماعات، واضطروا تحت ضغط الحاجة إلي القوت، إلي أن يتحول بعضهم إلي الصيد، والبعض الآخر إلي تربية الحيوان ورعايته.." ويقدم "جرلاند" مفتاحًا للإجابة علي سؤال نشأ عن ادعاء علم الآثار بأن الإنسان الأول كان صائدًا، فبالنظر إلي حكم الله علي الإنسان وعلي البيئة التي حوله -بعد السقوط- ليس عجيبًا أن يتخلَّى الإنسان عن العائد الضعيف والبطيء من الزراعة، ليتجه إلي الصيد الأيسر نسبيًا. ويبدو هذا واضحًا من القصاص الذي أوقعة الله علي قايين بعد أن قتل أخاه هابيل: "فالآن ملعون أنت من علي الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك، متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها، تائهًا وهاربًا تكون في الأرض" (تك 4: 11، 12). وواضح أن الصيد أكتسب أهمية بعد ذلك من وصف نمرود: "وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارًا في الأرض، الذي كان جبار صيد أمام الرب. لذلك يقال ك نمرود جبار صيد أمام الرب" (تك 10: 8، 9).
وعندما تحول الإنسان |إلي الصيد، لعله نسي الزراعة والرعي، أو علي الأقل أصبحت الزراعة والرعي أقل أهمية بالنسبة لحياته الاقتصادية، وبخاصة في الظروف الصعبة المناطق المرتفعة. وبدون اهتمام الإنسان وانتقائه للأصناف والعناية تدهور بها الحال وتحولت الحيوانات والنباتات إلي الحالة البرية التي كانت عليها أصلًا. وهناك أمثلة تاريخية لهذه العملية، فمثلًا عندما |أدخل الأسبان الحصان إلي أمريكا، هربت بعض الجياد لتكون قطعانًا برية في غربي أمريكا. أما فيما يختص بالنباتات، فيتفق علماء النبات علي أنه لولا رعاية الإنسان وعنايته لتدهورت النباتات من جراء تنوع الأمشاج Gamete والعوامل الوراثية. "إن التدهور في الأداء يصبح واضحًا حالمًا يقل الانتخاب بواسطة الإنسان أو ينعدم".
والنتيجة المنطقية إذًا، هي أن الدليل علي قيام الزراعة والرعي منذ البداية- وقد كانا محدودين في نطاق عدد قليل من الناس- لم يعثر عليه علماء الآثار. وبعد حقبة طويلة من الزمن تجمعت العوامل لتتيح للإنسان فرصة إعادة اكتشاف مزايا إنتاج الطعام من خلال تربية الحيوان والنبات. وأصبح الانتقال إلي الزراعة والرعي وتطويرهما، من الأمور المنتشرة علي نطاق واسع، مما أتاح للمؤرخين إدراك الدليل المناسب لافتراض أنهما قد ظهرا في العصر الحجري الحديث (النيوليثي Neolithic).
ترتبط الزراعة بالعوامل البيئية، مثل السمات الطبوغرافية والمناخية، وخواص التربة. ولكي نفهم الزراعة في إسرائيل قديمًا، يلزمنا أن نتعرف علي مجموع هذه العوامل التي كانت تؤثر في إنتاج المحاصيل:
الأرض المقدسة بصفة عامة أرض جبلية مع وجود مساحات كبيرة من المنحدرات شديدة الميل علي طول أخدود وادي الأردن، مما يجعل الزراعة قاصرة علي أرض الوادي الضيقة، أو حيث يمكن الزراعة علي مصاطب. ومع أن وادي الأردن يصل عرضة إلي بضعة أميال، وهو مستو نسبيًا، إلا أنه سهل جاف يعلو سهلًا ضيقًا يفيض عليه النهر. ولم يكن الري ممكنًا بالأساليب المستخدمة في مصر أو في بلاد ما بين النهرين. وكانت أريحا وغيرها تحصل علي احتياجاتها من الماء من الينابيع والعيون المتفجرة من المرتفعات المجاورة، وليس من نهر الأردن. وتتميز المرتفعات الشمالية غربي وادي الأردن بالتلال التي تتخللها أودية عديدة تضم مساحات كافية لقيام الزراعة. وإلي الجنوب في تلال يهوذا، فإن الأرض منحدرة إلي حد كبير، إلا أن المصاطب الموجودة هناك، وقمم الجبال المتموجة في الإقليم الواقع بين أورشليم وبير سبع، تسمح بقيام زراعة حقلية. أما السهل إلي الغرب من جبال يهوذا، فهو -إلي حد كبير- عبارة عن سفوح متقطعة، إلا أنه توجد أودية قليلة تتجه من الشرق إلي الغرب يمكن زراعتها. أما سهل شارون الواقع غربي أفرايم (السامرة) فصالح للزراعة، لكنه ينتهي غربًا بمنطقة مستنقعات لا فائدة منها. أما وادي اسدرالون Plain of Esdraelon المستوي الواقع إلي الجنوب الشرقي منسلسلة جبال الكرمل، فقد كانت تحده في القديم مستنقعات كمنطقة الحولة شمالي بحر الجليل. وإلي الجنوب من تلال يهوذا تنحدر الأرض تدريجيًا حتى النقب حيث يحد الجفاف من الزراعة. وتبدأ هضبة شرقي الأردن في الارتفاع بشدة عن الوادي، إلا أن المنطقة المرتفعة ( باشان، جلعاد، عمون، موآب) مناسبة جدًا للزراعة.
يتمتع هذا البلد بتنوع مناخي مذهل بالنسبة لمساحته الصغيرة. ويتفاوت سقوط الأمطار بدرجة كبيرة، وذلك تبعًا للارتفاع وخط العرض. وتسقط الأمطار في الشمال بغزارة يمكن الاعتماد عليها، حيث تهطل علي المرتفعات أمطار مقدارها ثلاثون بوصة سنويًا، بينما لا تستقبل منطقة بير سبع في الجنوب إلا نصف هذه الكمية سنويًا مع عدم انتظام سقوطها. وكلما اتجهنا شرقًا نجد أن أمطارًا غزيرة تسقط علي المنحدرات الغربية المرتفعة بسبب العواصف الزوبعية، بينما يغلب الجفاف علي المنحدرات المواجهة للشرق. ويسقط علي غربي اليهودية في المتوسط أكثر من عشرين بوصة سنويًا، ولكن البحر الميت- الواقع علي بعد بضعة أميال إلي الشرق- يتلقي كمية مطر أقل من خمس بوصات سنويًا، وبالاتجاه شرقًا نجد أن مرتفعات عمون وموآب تتلقي كمية مطر مماثلة لما تتلقاه اليهودية، ولكنها تتناقص كلما اتجهنا شرقًا حتى نصل إلي الصحراء العربية.
ويبدأ سقوط الأمطار خلال الفصل البارد، "فالمطر المبكر" يبدأ في أكتوبر، بينما يسقط "المطر المتأخر" في مارس وأبريل. وفي الأزمنة الكتابية كانت الدورة الزراعية تتوقف علي موسمي الجفاف والرطوبة، فكان الفلاح يزرع حقوله بكل الحبوب الهامة عند سقوط المطر، ويحصدها عند انتهاء موسم الأمطار.
كما أن درجات الحرارة تتوقف علي الارتفاع عن سطح البحر، حيث تقل الحرارة علي المرتفعات طوال العام، مع تعرضها للصقيع في شهور الشتاء. ويقتصر انتشار الأشجار التي لا تتحمل البرودة الشديدة (مثل شجرة الزيتون) علي المنحدرات حيث تجد الحماية من صقيع المرتفعات ومن الرياح الباردة القادمة من الصحراء الشرقية. والثلج نادر إلا في الجبال العالية في شمالي لبنان. والفلاح الإسرائيلي يزرع محاصيله حسب نزول الصقيع وحسب كمية الأمطار. وكانت عمليات الزراعة والتقليم والحصاد وغيرها من العمليات الزراعية، تتم في وقت مبكر في المناطق المنخفضة.
تأتي خصائص التربة في الأراضي المقدسة- كما في أي مكان آخر- تالية في الأهمية للتضاريس والصخور التي تحت التربة، والغطاء النباتي الطبيعي والمناخ. وهناك تنوع معقول في التربة في هذه المساحة الصغيرة. فالتربة في بعض الأودية الكبرى، وفي سهل شارون خصبة تكونت من طبقات سميكة من الطمي، ولكنها في المرتفعات وفي المناطق الجافة عبارة عن طبقة رقيقة حجرية، وقد كانت التربة في القديم في فلسطين ومنطقة بير سبع تربة طفلية خصبة يصل سمكها إلي عدة بوصات، إلا أن الجفاف كان يحد من الإنتاج. وكانت التلال في يهوذا وأفرايم وعمون وموآب ذات تربة حجرية رقيقة ولكنها خصبة حيث أنها تربة جيرية نشأت وتطورت أساسًا من الحجر الجيري. كما أن التربة في الجليل وباشان وجلعاد خصبة ومنتجة لأنها تكونت حديثًا من طبقة البازلت التي تحتها، أما التربة علي المنحدرات شديدة الميل فهي أقل سمكًا. ويزيل الفلاح عادة الكثير من الأحجار من الحقل ليستخدمها كسياج أو كحائط للمصاطب التي يقيمها.
ليس من الواضح إن كان بنو إسرائيل قد مدوا حدود زراعاتهم إلي كل مناطق حكمهم السياسي في أيام داود وسليمان. وقد استصلحت إسرائيل في العصر الحاضر العديد من أراضي المستنقعات علي طول ساحل البحر المتوسط، وسهل إسدرالون وبحيرة الحولة، وهي مناطق لم تكن مستغلة في القديم. وهناك ما يؤكد أن شعوب المناطق المجاورة لإسرائيل، كانوا يعملون بالزراعة أيضًا حتي في النقب شبة الجاف، وعلي حدود صحراء عمون وموآب وأدوم. ولم يكن ذلك بسبب هطول أمطار أكثر. في ذلك الوقت- لأن العالم "جلوك" Gluck يعارض بشدة النظرية القائلة بأنه قد حدث تغير في الأراضي المقدسة خلال الأزمنة التاريخية المعروفة، كما يعتقد أن الجفاف قد نتج عن سوء استخدام الإنسان للأرض، وفشله في استخدام وسائل المحافظة عليها، التي جعلت- فيما مضي- من المناطق شبه الجافة، مناطق إنتاج غزير.
ويشير "جلوك" إلي النبطيين الذين استطاعوا التغلب علي الجفاف في أدوم والنقب، ممتدحًا عملهم الجبار في خلق حقول منزرعة في الأودية. وقد أدت قدرتهم وتمكنهم من علم التربة والحفاظ علي الماء، إلي تحويل الأودية إلي مناطق خضراء، وإلي ازدهار الزراعة في العديد من القرى. ولعل أهل موآب في القديم، تمكنوا- بمثل هذه الأساليب- من استمرار الإنتاج، وقت أن تسبب الجفاف في مغادرة أليمالك ونعمي امرأته وابنيه لمدينتهم بيت لحم، ليتغربوا في موآب (راعوث 1: 1- 5).
وفي المناطق الأشد جفافًا حول دمشق وأريحا لم تعتمد الزراعة المتخصصة (كزراعة البساتين) علي المطر، بل كانت هذه المناطق تزرع بكثافة اعتمادًا علي الري من ماء الينابيع (في أريحا)، أو من المياه السطحية المنسابة من المنحدرات المطيرة لجبال لبنان الشرقية. وهناك مقولة قديمة مشهورة، وهي أن دمشق هي هبة جبل حرمون للصحراء.
يقتبس العالم "بابي" (Baby - 1963) بعض الآيات من سفر أخبار الأيام الثاني كموجز لأهم المحاصيل الزراعية في إسرائيل قديمًا: و" الآن الحنطة والشعير والزيت والخمر التي ذكرها سيدي فليرسلها لعبيده" (2 أخ 2: 15). فقد كان القمح والشعير والزيتون والعنب من المواد الرئيسية في غذاء الشعب، ومن ثم كان غالبية الفلاحين يحاولون زراعة اكبر قدر ممكن من هذه المحاصيل. إلا أن التنوع البيئي كان يرجح إنتاج محصول واحد في مناطق معينة حتى لتصبح المحاصيل الأخري ثانوية بالنسبة للمحصول الرئيسي السائد. فكانت يهوذا رائدة في زراعة الكروم، حيث كانت كروم العنب تجود في مصاطب المنحدرات المشمسة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وإلي الشمال في أفرايم (أي في السامرة) تعرض الحجر الجيري لعوامل التعرية ليتحول إلى تربة حمراء خصبة، أثبتت- مع وجود كمية أمطار كافية- بأنها بيئة ممتازة لشجر الزيتون. وإلي الشمال من ذلك في أودية الجليل المكشوفة حيث التربة الغرينية والأمطار الوفيرة، تجود زراعة القمح بكثافة. أما إلي الجنوب، بالقرب من النقب. حيث التربة الطفلية الخصبة والأمطار نادرة، فكانت تنتشر زراعة الشعير. وفي شرقي الأردن علي المرتفعات المطيرة، كان القمح أهم محصول في باشان شمالًا، كما كان الشعير أكثر أهمية في موآب وأدوم جنوبًا.
تعتبر نقوش جازر كشفًا أثريًا هامًا لأنها تتيح لنا أن نتبع الدورة الزراعية في عصور الكتاب المقدس، ويبدو أن هذا النقش الحجري كتب لمساعدة بعض الشباب علي تذكر الأنشطة الموسمية التي كان يتبعها الفلاحون الإسرائيليون. وقد ورد في هذا النقش ما نصه" "شهران لجمع الزيتون، شهران لزراعة (الحبوب)، شهران للزراعة المتأخرة، شهر لإعداد الأرض للكتان، شهر لحصاد الشعير، شهر للحصاد والاحتفال بالعيد، شهران لرعاية الكروم، وشهر لثمار الصيف".
يذكر نقش جازر أن الفلاح الإسرائيلي يبدأ دورته الزراعية السنوية بجمع الزيتون من منتصف شهر سبتمبر حتى منتصف شهر نوفمبر. وكان العمل الرئيسي في هذه الفترة هو جمع ثمار الزيتون، واستخلاص الزيت منها لاستعماله في العديد من الأغراض. وبسبب هذه الاستخدامات العديدة للزيتون، كانت له المكانة الثالثة بعد الحبوب والعنب. وتحتاج أشجار الزيتون -بالطبع- إلي الكثير من العناية، ولذلك، ولضمان إنتاجية عالية، كان يجب أن تحرث الأرض حول الأشجار في الربيع، ثم تقتلع الحشائش وتوضع طبقة سطحية من القش أو التبن لتحتفظ بالرطوبة تحت الطبقة السطحية للأشجار خلال شهور الصيف غير المطيرة. كما كان يجب أن يتم تقليم الأشجار في الربيع ليمنع النمو الزائد للأغصان من أن تصبح عبئًا طفيليًا علي الشجرة. فيقلل بالتالي من المحصول. وتزهر شجرة الزيتون في مايو، وتسقط زهوره البيضاء الصغيرة بعد أيام قليلة من تفتحها (أي 15: 33)، وتنمو الثمار خلال الصيف وتبدأ في النضج في سبتمبر حين تتساقط أولي الثمرات الناضجة أمام الفلاح، فتبدأ عائلته في جمع الثمار. وكان الفلاحون يستخدمون عصيًا طويلة لإسقاط ما علي الأشجار من ثمار، إلا أن الشباب النشيط كثيرًا ما كانوا يتسلقون الأشجار لجمع الثمار التي في أعلي الشجر. وكانت ثمار الزيتون غير الناضجة تترك لتنضج ثم يجمعها بعد ذلك "الغريب واليتيم والأرملة" (تث 24: 20).
وكان جزء من محصول الزيتون يخلل في ماء مملح ليؤكل مع الخبز. وكانت لزيت الزيتون أهمية كبري، فكان يستخلص بعدة طرق، كان أبسطها عصر الثمار يدويًا في حجر منحوت علي شكل وعاء له قناة لتوصيل الزيت المستخلص إلي الآنية التي سيحفظ بها. وكانت هناك طريقة أخري هي عصر الثمار بالقدمين في وعاء من الحجر، إلا أن أكفأ طريقة لاستخلاص الزيت هي التي كان يستخدمها أصحاب البساتين الكبيرة منه، فكانت الثمار تنقل في سلال علي ظهور الحمير إلي المعاصر، حيث تعصر برحي مستديرة. وإلي جانب استخدامات زيت الزيتون المتعددة في الطعام، كان يستخدم أيضا كعلاج في تضميد الجروح (لو 10: 34)، وأيضًا كدهن رمزًا للسلام والازدهار (مز 23: 5).
مع بداية نزول "المطر المبكر" في نوفمبر يبدأ الفلاح في حرث الحقول استعدادًا لبذر الحبوب. ويعتقد البعض أن الفلاحين الأوائل في الشرق الأوسط قد استخدموا العصي أو المعازق لتجهيز المساحات الصغيرة. أما الحقول الكبيرة فكانت تحرث بالمحراث الذي تجره الحيوانات (وكانت الثيران عادة). وكان شكل الحقول يميل إلي الشكل المستطيل ليتلاءم مع الأخاديد الطولية للحرث، وكانت مساحة الحقل تتوقف علي تضاريس المنطقة.
وكان المحراث النموذجي مصنوعًا من الخشب له سكينة من النحاس أو من البرونز، إلي أن استخدام الإسرائيليون الحديد في صنع سلاح المحراث، وقد عرفوا ذلك من الفلسطينيين في القرن العاشر قبل الميلاد. وينبغي أن نخلط بين هذه المحاريث والمحاريث الحديثة المصنوعة من الصلب، ذات الشفرات الحادة والقلابات التي تقلب ست بوصات أو أكثر من التربة. لقد كان المحراث القديم يخدش سطح التربة إلي عمق ثلاث أو أربع بوصات ويمكن أن تري اليوم- في بعض بلدان الشرق الأوسط- مثل هذا المحراث ذي العارضة الخشبية التي تربط إلي نير يوضع علي أعناق الثيران.
وكانت هناك آله للبذر (بذَّارة) تلحق ببعض المحاريث في بلاد بين النهرين قديمًا، حيث كانت تنثر البذور من خلال أنبوبة لتسقط خلف سلاح المحراث، ولكن يبدو أن الإسرائيليين لم يستخدموا مثل هذه الآلة، فكان الفلاح يلقي بالبذور بنثرها بيده وهو يسير في الحقل جيئة وذهابًا. وكان الفلاح يحمل البذور في سلة أو في كيس مربوط إلي خصره. ثم تطمر البذور بعد ذلك بالحرث مرة ثانية، أو تجر بعض الأغصان أو كتلة خشبية وراء الثيران، كما أن عملية التجريف كانت تعمل علي تسوية أرض الحقل وطمر البذور لضمان الإنبات ولمنع الطيور من التقاط البذور وأكلها: "هل يحرث الحارس كل يوم ليزرع ويشق أرضة ويمهدها. أليس أنه إذا سوّي وجهها يبذر الشونيز ويذرِّي الكمون، ويضع الحنطة في أتلام، والشعير في مكان معين والقطاني في حدودها؟" (إش 28: 24, 25). و"فيما هو يزرع سقط بعض علي الطريق، فجاءت الطيور وأكلته" (مت 13: 4). وكان الفلاح عادة يختار أخصب الحقول ليزرعها قمحًا، ثم الأقل خصوبة للشعير، ثم العدس، وهكذا.
ويستمر نثر البذور حتي يناير حتي تتم "الزراعة المتأخرة" للمحاصيل الأخرى، وتضم هذه المحاصيل الثانوية الدخن والسمسم والحمص والعدس والبطيخ والخيار والتوم، وغير ذلك من الخضر. وكانت الخضر تزرع عادة في الحدائق والبساتين بالقرب من القرية ومن بيت الفلاح. وكان نثر البذور يقوم به الرجل، أما النساء فكن يساعدن في زراعة البساتين والعناية بها. وكانت عمليات الزراعة وإزالة الحشائش تستمر حتى شهر مارس.
يقل سقوط المطر في أبريل حيث يبدأ الشعير في النضج، ثم يتم حصاده في نهاية مايو. وبعد حصاد الشعير، يبدأ الرجال في حصاد القمح الذي يستمر حتى يونية. ويستخدم الرجال في حصاد الحبوب مناجل صغيرة يقطعون بها الأعواد، ثم يجمعونها باليد (مز 129: 7). أما الفلاحون الذين يمتلكون قدرًا أكبر من الماشية، فكانوا يقطعون سيقان النباتات (كالشعير والقمح) فوق الأرض مباشرة ليزيدوا من كمية التبن الناتجة لاستخدامها علفًا للماشية وفراشًا لها. أما إذا لم يكن لدي الفلاح ماشيه فإنه يقطع سيقان النبات أسفل السنابل مباشرة، حتى يكون هناك اقل قدر من القش عند عملية الدرس. وكانت السنابل تحمل إلي مكان الدرس أي إلي البيدر. وكان الرجال يقطعون السنابل، والأطفال يساعدون في جمعها في أكياس.
أما النساء فكن يلتقطن ما سقط من السنابل، كما نقرأ في سفر راعوث. ونادرًا ما كان يسقط المطر خلال موسم الحصاد، ومن ثم لا يحدث إلا القليل من الخسائر. ومع ذلك كان هناك خطران يتهددان المحصول، هما: الريح الشرقية اللافحة القادمة من الصحراء والتي كثيرًا ما كانت تدرر الحبوب الناضجة. والخطر الثاني هو غزو الجراد الذي كان يلتهم المحاصيل.
وكانت سنابل القمح تحمل بعد حصادها، وتحزم وتكوّم في البيدر بالقرب من القرى. وكان البيدر عبارة عن مساحة دائرية علي سطح حجري صلب مستو، أو علي مساحة قطرها نحو أربعين قدمًا، تزال منها الحجارة وتسوي أرضها وترطب بالماء ثم تدك وتترك لتجف وتصبح سطحًا صلبًا. وفي عملية الدرس تطرح الحزم علي الأرض لتدوسها الثيران، وهي تجر الزحافة التي يجلس فوقها الفلاح، حيث تعمل أظلاف الثيران وقطع الحديد الحادة المثبتة أسفل الزحافة علي فصل الحبوب عن القش والتبن، كما تدرس القش إلي أشياء صغيرة. وكان بعض الفلاحين يفضلون استعمال آله ذات مجرفة علي شكل قرص عن استخدام الزحافة العادية، وكانت تجرها الثيران أيضًا، وكانت أفضل من الزحافة العادية لأنها لم تكن تهشم الكثير من الحبوب (إش 28: 27, 28).
وبعد أن يتحول القمح إلي كومة من الحبوب والتبن، يقوم الفلاح بتذريتها، باستخدام شوكة تذرية، فيرفع بها جزءًا منها إلي الهواء ليعرضها للرياح مرارًا، فتحمل القش والتبن بعيدًا، وتسقط الحبوب مكانها. وأنسب ميعاد للتذرية هو نحو المساء عندما يتحرك الهواء بفعل نسيم البحر بطريقة منتظمة ولطيفة لا شدة فيها. وكانت الحبوب المدروسة تبقي في أكوام في البيدر حيث كان ينام أحد الفلاحين ليلًا بجوارها لحراستها من السرقة (راعوث 3)، ثم تعبأ الحبوب في أكياس لحملها للتخزين في جرار كبيرة أو في صوامع. وقد تم اكتشاف بعضها تحت أرضية منازل أثرياء القوم. وحيث أن إيجار الأرض (وكان بعض الفلاحين يستأجرون الحقول) وكذلك الضرائب كانت تدفع عادة عينًا، لذلك كانت تنقل كمية من الحبوب علي ظهور الحمير إلي مخازن كبيرة لأصحاب الأرض أو للحكومة.
ويربط نقش "جازر" بين موسم الحصاد والعيد، وهو ما يشير بلا شك- إلي الشعائر الدينية الاجتماعية التي تتوافق مع نهاية فترة الأسابيع السبعة التالية لبداية الحصاد: "سبعة أسابيع تحسب لك ابتداء من المنجل في الزرع، تبتدئ أن تحسب سبعة أسابيع، وتعمل عيد أسابيع للرب إلهك" (تث 16: 9، 10؛ انظر أيضًا لا 23: 15، 16)، وهو العيد المعروف باسم "عيد الخمسين"، وفيه كان يحج الشعب سنويًا إلي بيت الله الذي كان أولًا في شيلوه، ثم بعد ذلك في أورشليم، لإقامة شعائر عيد الباكورات.
كان العمل التالي الذي يعقب الحصاد، هو العناية بالكروم، وكانت تتطلب عناية كبيرة في الربيع في فترة "المطر المتأخر"، ففي كل ربيع كان الفلاح يلتقط الأحجار من الحقل، ويعيد ترميم الأسوار وينزع الأغصان الميتة، ويحرث أو يزحّف الأرض حول الأشجار، للاحتفاظ بالرطوبة في التربة، كما لقتل الأعشاب والحشائش. وعند ظهور العناقيد ونضجها، تحتاج الكرمة إلي عناية شديدة مستمرة لمنع الحيوانات البرية من التعدي عليها: "خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ، لأَنَّ كُرُومَنَا قَدْ أَقْعَلَتْ" (نش 2: 15). وكان أحد الفلاحين أو حارس أجير- يسمي الناطور- يقيم في برج مراقبة يقام خصيصًا لهذا الغرض، يسمح له بالأشراف علي العديد من الكروم. وعند اقتراب موعد جني العنب، كانت الأسرة بأكملها، تنتقل في شهري أغسطس وسبتمبر لتقيم في مأوي طوال فترة جمع العنب. وكان بعض العنب يؤكل طازجًا، والبعض الآخر يجفف ليحفظ في صورة زبيب، ولكن معظم العنب كان يعصر ويخمر ليصير "نبيذًا". وكان جو من البهجة والفرح يسود فترة جمع العنب ويصاحب عصر العنب: "انتزع الفرح والابتهاج مكن البستان، ولا يغنَّي في الكروم ولا يترنَّم، ولا يدوس دائس خمرًا في المعاصر، أبطلت الهتاف" (إش 16: 10). وكان استخراج العصير من العنب يتم بوضع العنب في الطرف العلوي من إناء حجري كبير، ويهرس بالأقدام فينساب العصير الناتج إلي الطرف السفلي من الإناء.
وكان يجمع التين والرمَّان أيضًا عند نهاية الصيف. وكان نمو التين يستغرق فترة طويلة. ويعتبر التين غذاء أساسيًا للشعب: "أرض حنطة وشعير وكرم وتين ورمَّان، أرض زيتون زيت وعسل" (تث 8: 8). ويتضح قدم التين من قصة آدم وحواء، فقد "خاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تك 3: 7). وتنجح زراعة التين في الأرض الحجرية التي لا تلاءم زراعة معظم النباتات الغذائية الهامة. وشجرة التين بطيئة النمو، وتحتاج إلي عدة سنوات حتى تعطي ثمرًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وتعتبر شجرة التين رمزًا للاستقرار والاستمرار اقتصاديًا وسياسيًا في البلاد (1 مل 4: 25). وتطرح شجرة التين ثمارها مرتين في العام، وينتج المحصول الأول في يونية في منتصف الصيف من براعم السنة الماضية، أما المحصول الثاني ففي أغسطس وهو الأهم. وكانت الثمار تجفف وتضغط لصنع أقراص منها لتستخدم بعد ذلك ويشكل التين والبلح -لارتفاع نسبة السكر فيهما- مصدرًا رئيسيًا للسكر في غذاء بني إسرائيل، كما كانت أقراص التين تستخدم لأغراض طبية كما حدث في علاج حزقيا الملك، حيث قال إشعياء النبي: "خذوا قرص تين، فأخذوها ووضعوها علي الدمل فبريء" (2 مل 20: 7).
وأشجار الرمَّان- كالتين- أشجار موسمية تتساقط أوراقها، وتطرح في شهر أبريل من كل عام أوراقًا جديدة، وبراعم قرمزية اللون لامعة. ولا تحتاج شجرة الرمَّان إلا إلي القليل من العناية. وتنضج الثمار في شهر سبتمبر حيث تجمع. وكانت الدورة الزراعية السنوية تنتهي بجمع الرمَّان حسب الجدول الذي ورد في نقش جازر، فكانت الحياة الدينية تواكب التقويم الزراعي تقريبًا.
دخل بنو إسرائيل أرض الموعد كجماعة من الرعاة، مع ما احتفظوا به من تقاليد ترجع إلي أيام إبراهيم الذي كان راعيًا متنقلًا (تك 13). وبعد أن امتلكوا أرض كنعان قضوا فترة في الانتقال من حياة الرعي إلي حياة الزراعة، وقد ظلت الماشية علي أي حال عنصرًا من عناصر النشاط الاقتصادي، وأسهمت في المزاج الحضاري للشعب لعدة أسباب، فقد كان قسم كبير من الأرض بلا زراعة، ولكنه كان مناسبًا جدًا للرعي (1 صم 16: 11؛ عا 1: 1). ولم تكن الماشية تمد السكان بحاجتهم من المنتجات، وتشكل بالنسبة لهم مصدرًا للدخل فحسب، بل من الواضح أيضًا أن طقوس العبادة كانت تستلزم تقديم ذبائح حيوانية سواء في خيمة الاجتماع أو في الهيكل (1 مل 8: 5؛ عب 9: 18- 22).
وكانت الحيوانات المستأنسة المألوفة في إسرائيل تشمل الأغنام والماعز والأبقار والحمير والكلاب، وكذلك الجمال ولكن لم يكن الفلاح عادة يربيها أو يحتفظ بها لأنها لم تكن مناسبة له من الناحية الاقتصادية بالنسبة للحياة المستقرة، ولذلك لم يكن يمتلك الجمال سوي التجَّار وبدو الصحراء الرحّل. ويبدو إن الخيل كانت حيوانات ذات اعتبار خاص، فكانت تعتبر من قبيل الفخفخة والأبهة لا يقدر معظم الفلاحين علي اقتنائها. وكانت الخيل تستخدم أساسًا في ركوب الفرسان وجر المركبات في جيش الملك. أما الحمير فكانت حيوانات الحمل، فكانت تحمل الإنسان وحاصلاته كما يحدث في كثير من القرى في الريف الآن. ومن الأمور التي لا تنسي أن الرب حين دخل إلي أورشليم منتصرًا كان راكبًا علي أتان (مت 21: 5)، كما كانت الأبقار والثيران من حيوانات الحمل والعمل الشاق حيث كانت تجر المحراث والزحافة والعزاقة ومختلف أدوات الزراعة، كما كانت تستخدم أيضًا في تقديم الذبائح، ويبدو أنها لم تكن تُربَّي أساسًا لإنتاج اللبن أو اللحم كما هو الحال الآن.
أما الأغنام فكانت أهم المواشي عند بني إسرائيل في القديم، وقد ورد الحديث عنها في الصفحات الأولي من سفر التكوين فقد "كان هابيل راعيًا للغنم" (تك 4: 2). وكانت الغنم ذات الذيل السمين هي المفضلة لدي الرعاة، كما هي الآن، لأن ما تختزنه من دهون في ذيلها، يمكِّنها من تحمل ظروف الرعي غير المستقرة خلال فصول الجفاف. وكان الضأن أفضل مصادر اللحم، كما كان صوفها يُغزل وتنسج منه الملابس. ولسنا في حاجة إلي تأكيد أهميتها في الذبائح (إش 53). وكان القطيع عادة يضم الغنم مع الماعز، فالماعز تمد الراعي بعدة منتجات، فتمده باللحم والشعر لصناعة الملابس الخشنة، وكانت الخيام السوداء المصنوعة من شعر الماعز خيامًا تقليدية في عصور الكتاب المقدس، وما زالت مُسْتَخْدَمَة عند البدو والرعاة الرحل. كما كانت تمده بالجلود المستخدمة في صنع الزقاق التي يحفظ فيها الراعي اللبن، أو يخزن فيها الخمر، أو ينقل فيها الماء وغيره من السوائل. وهذه الزقاق كانت مفضلة جدًا عند الشعب. وكانت الغنم والماعز كثيرة جدًا في إسرائيل بسبب قوة تحملها الكبيرة لظروف الرعي هناك، فهي أكثر تحملًا لتلك الظروف من الأبقار والخيل.
وَتُسْتَخْدَم تربية الغنم وحياة الرعي في تصوير العلاقات الروحية بين الشعب -كغنم- وبين الرب، كراع، وهو تشبيه رائع لرعاية الرب وعنايته بشعبه أفرادًا وجماعة: "الرب راعَّي فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضر يربضني، إلي مياه الراحة يوردني..." (مز 23)، "أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف.." (يوحنا 10: 1-17).
* انظر أيضًا: سقي بالرجل، نورج، فأس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/hy4ngbr