سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
أولًا، هذه الصور التي يضعونها من موقع الأنبا تكلا مع رابط الموقع هي صور سليمة مائة في المائة، ونشكرهم على ذلك.. ولكنها -كما في عنوان أعطوه: صورة سجود الشعب للبابا شنوده- يفترضون افتراضات بدون علم بالطقوس المسيحية، وكما يقول الله: "لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلًا" (إنجيل يوحنا 7: 24). فتلك الصورة مثلًا هي جانب من الصلاة لنوال الحِل الإلهي.. وليست سجود للبابا شنوده، لا سجود عبادة ولا سجود احترام.. بل تتم يوميًا في كنائس مصر في القداسات الإلهية أمام المذبح المقدس.. ويقول فيها الكاهن أو الأسقف أو البطريرك: "عبيدك يا رب خدام هذا اليوم... إلخ."، فهي صلاة وسجود للآب.. فقد جانب الصواب الأخوة الذين استشهدوا بتلك الصورة وغيرها في أنها سجود للشخص الذي يصلي، بل هي سجود أمام الله الذي يحالل الشعب..
هذا من جانب، من الجانب الآخر، فقد استشهد الأخوة المسلمون الذين تناولوا هذا الموضوع بالكتاب المقدس، وهلَّلوا لشخص ترك إيمانه الأرثوذكسي اسمه أ. حنين عبد المسيح، والمسيحي العارف بدينه يعرف للوهلة الأولى أنه يتبع طائفة البروتستانت، التي تنادي بالمثل بنبذ العقائد والطقوس وأجزاء من الكتاب المقدس والكهنوت والمعمودية واحترام الصليب والأيقونات.. إلخ.. فهذا بعض مما تناوله الكتيب الذي نشره في هذا الأمر.. فمن جانب، الذين استشهدوا بالكتاب المقدس، ردنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت من الكتاب المقدس، وردنا على ذلك الأخ أيضًا من الكتاب المقدس.. اتبع الروابط المذكورة في كل نقطة من النقاط السابقة لتجد الرد عليها..
أخيرًا، وقبل البدء في البحث في موضوع السجود، فيجب أن يتحلّى المقتبس بالحكمة والعلم قبل الاقتباس من الموقع أو غيره.. فنشكر الله أن معظم ما يوضع في تلك المنتديات الإسلامية يكون قد جانبه الصحة، ولا يهلل له المسلم العارف بدينه وبالمسيحية، ولا يُعثَر به المسيحي المؤمن بالله عز وجل، والعالم بروحانية العبادة في الكنيسة الأرثوذكسية.. وإن كان صحيحًا، فهو يكون موضوع بسوء فهم أو سوء نية، بدون محاولة البحث عن الحق.. فكما فنَّدنا سابقًا تهليل البعض لما يحدث في المعمودية من الرشومات، وربط ذلك في خيالهم بما قد يحدث للنساء في المعمودية.. وكما قمنا بالرد الكامل حول موضوع سفر نشيد الأناشيد من وجهة نظر الإسلام.. وغير ذلك من الكثير والكثير المذكور بين جنبات موقع الأنبا تكلا وغيره.. فالباطل دائمًا سهل الرد عليه.. وسوف نستمر في الرد، ليس انغماسًا منا في دائرة الحروب الكلامية الدائرة بين الجانبين، ولكن لسهولة ووضوح الحق أمام الباطل.. فالشمس لا تتأثر بالظلام بل العكس..
نعود الآن للرد على موضوع:
1- تعوَّد الناس أن يسجدوا للأسقف احترامًا، باعتباره وكيل الله (تى 1: 7). فهم يسجدون لله في شخصه. ومثال ذلك:
ومثال ذلك أنهم يستقبلون الأسقف بلحن إب أورو.. "يا ملك السلام، أعطنا سلامك" بينما ملك السلام هو المسيح. ولكنهم يقولون هذا اللحن في وجود الأسقف، للترحيب به، باعتباره وكيلا للمسيح.
وبالمثل حينما يصلي الأسقف الإنجيل، يرتلون لحن "أقسم الرب ولن يندم، أنك أنت هو الكاهن إلى الأبد على طقس ملكي صادق" (مز 110) بينما هذا اللحن هو للسيد المسيح، وهذا المزمور نبوءة عنه. ولكن اللحن يقال في وجود الأسقف باعتباره وكيل المسيح (كما هو الحال مثلًا في مُعاملة مُمَثِّل رئيس الجمهورية، حتى لو كان ضابطا صغيرًا)..
2- والسجود للأسقف هو سجود احترام، وله أمثلة في الكتاب:
وكثير من الأساقفة يمتنعون عن قبول هذا السجود، فيحترمهم الشعب بالأكثر بسبب تواضعهم، ويتمسكون بالسجود بالأكثر. فيضطر هؤلاء أن يستسلموا لهذا الواقع، وفي قلوبهم يعتقدون أنهم تراب ورماد.
3- ولبحث الموضوع لاهوتيا وكتابيا نقول إن هناك نوعين من السجود: سجود عبادة وسجود احترام. وسجود العبادة هو لله وحده.
وعن سجود العبادة قال الكتاب عن الأصنام: "لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (تث 5: 9). وقال أيضًا: "الرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (مت 4: 10). وفي كلا النصين يقترن السجود بالعبادة والآيات كثيرة. ولا خلاف في أن سجود العبادة لله وحده.
أما سجود الاحترام، فأمثلته كثيرة في الكتاب. وقد صدر من قديسين يعتبرون أمثلة عليا في الإيمان: سجدوا لغيرهم، وقبلوا السجود.
5- أبونا إبراهيم مثلا، أبو الآباء والأنبياء: لما اشترى من بنى حث أرضًا لمقبرة، ليدفن زوجته سارة، يقول الكتاب: "فقام إبراهيم، وسجد لشعب الأرض لبنى حث" و"سجد إبراهيم أمام شعب الأرض" (تك 23: 7، 12).
فهل كان سجود أبينا إبراهيم لبنى حث ضد الإيمان؟! فأبونا إبراهيم من أبرز الأمثلة في الإيمان بشهادة الكتاب (عب 11: 8-10).
6- وأبونا يعقوب أبو الآباء "سجد إلى الأرض سبع مرات، حتى اقترب إلى أخيه عيسو" (تك 33: 3). وكذلك سجدت زوجتاه وجاريتاه وأولادهن لعيسو فهل خرجوا جميعًا عن الإيمان؟! حاشا.
7- وموسى النبي خرج لاستقبال حميه يثرون، وسجد وقبله (خر 18: 7).
8-وداود النبي سجد أمام شاول الملك لأنه مسيح الرب (1صم 24: 8). وقال له: يا سيدي الملك. فهل أخطأ موسى النبي العظيم؟ وهل أخطأ داود النبي العظيم، وخرجا عن الإيمان؟!
إن سجود آبائنا إبراهيم ويعقوب وداود وموسى، أمام بشر، كان مجرد احترام وتوقير. ومن المحال أن نتهم إيمان هؤلاء الأنبياء العظام الذين شهد لهم الرب بنفسه.
9- وهناك قديسون سجدوا أيضًا لملائكة:
فإبراهيم أبو الآباء رأى ثلاثة رجال، فركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض (تك 18: 2). وكانوا الرب وملاكين. وما كان إبرام وقتذاك يعرف أن الرب بينهم، وإلا ما كان يقول لهم: "اغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة، فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون" (تك 18: 4، 5).
10- ولما "جاء الملاكان إلى سادوم مساء، وكان لوط جالسًا في بابا سادوم. لما رآهما لوط، قام لاستقبالهما، وسجد بوجهه إلى الأرض" (تك 19: 1).
ولم يعترض الملاكان إطلاقا على سجود لوط لهما.
إنه سجود احترام. ولو كان سجود عبادة لمنعاه حتما.
11- وبلعام لما أبصر ملاك الرب واقفًا " خر ساجدًا على وجهه" (عد 22: 31). وحتى لو كان بلعام مخطئًا، لم نسمع أن الملاك منعه من السجود أو وبخه على ذلك، بل وبخه على أنه ضرب أتانه " (عد 22: 32).
12- إن الملاك الذي سجد له يوحنا، امتنع تواضعًا.
ومن المحال أن تظن أن هذا الرسول العظيم الذي كان من أعمدة الكنيسة، قد خرج عن الإيمان بسجوده للملاك! بل انه منعه الملاك من السجود له (رؤ 19: 10) عاد فسجد للملاك مرة ثانية (رؤ 22: 8).
13- ورجال الله القديسون: كما سجدوا لغيرهم، فإنهم أيضًا تقبلوا من غيرهم السجود، ولم يمتنعوا، ولم يعتبروا عبادة:
داود النبي العظيم: سجدت له إبيجايل (1صم 25: 23)، وسجد له الرجل العماليقي (2صم 1: 2). وسجد له مفيبوشت بن ناثان (2صم 9: 6، 8). وسجدت له المرأة التقوعية (2صم 14: 4). وسجد له صيبا غلام مفيبوشت (2صم 16: 4). وسجد له شمعي بن جيرا (2 صم 19: 18). وسجدت له زوجته بثشبع (1مل 1: 16، 31).
سجد له كل هؤلاء احتراما، كمسيح للرب. وقبل داود منهم هذا السجود، ولم يعتبره عبادة. بل سجد له ناثان النبي.
14- قيل عن ناثان النبي أنه: "دخل إلى أمام الملك (داود). ويسجد للملك على وجهة إلى الأرض" (1مل 1: 23 ). وهنا نرى نبيا يسجد أمام نبى آخر هو ملك ومسيح للرب.
فهل أخطأ هذان النبيان؟ أم أمه سجود احترام؟
15- وأرونه اليبوسي سجد لداود "فخرج أرونه، وسجد للملك على وجهه إلى الأرض" (2صم 24: 20). وقيل أيضًا عن اخيمعص بن صادوق الكاهن انه قال للملك داود: سلام، وسجد للملك على وجهه إلى الأرض".
16- دانيال النبي قبل السجود من نبوخذ نصر الملك:
يقول الكتاب: "حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه، وسجد لدانيال" (دا 2: 46) ولم يمتنع دانيال عن قبول السجود.
17- وإيليا النبي قبل السجود من رئيس الخمسين الثالث:
" فصعد رئيس الخمسين الثالث، وجاء وجثا على ركبتيه أمام إيليا. وتضرع إليه وقال له: يا رجل الله، لتكرم نفسي وأنفس عبيدك هؤلاء الخمسين في عينيك" (2مل 1: 13).
18- وأليشع النبي قبل السجود من المرأة الشونمية:
وذلك بعد إقامته ابنها من الموت: "فأتت وسقطت على رجليه، وسجدت إلى الأرض. ثم حملت ابنها وخرجت" (2مل 4: 37).
19- ومن أمثلة الاحترام، سجود الملك سليمان لأمه بثشبع:
"دخلت بثشبع إلى الملك سليمان، لتكلمه عن أدونيا. فقام الملك للقائها، وسجد لها. وجلس على كرسيه، ووضع كرسيًا لأم الملك، فجلست عن يمينه" (1مل 2: 19).
وسليمان الملك، وإن كان قد سجد لبثشبع لأنه أمه، فإنه من الناحية الأخرى اقتبل السجود من أدونيا، الذي رشحه البعض للملك (1مل 1: 53)
20- ويوسف الصديق قبل سجود أخوته له:
"فأتى إخوة يوسف وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض" (تك 42: 6). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وسجدوا له مرة أخرى (تك 43: 26)، ومرة ثالثة (تك 44: 14) ومرة رابعة (تك 50: 18).
ولم يوبخهم على السجود، ولم يمتنع. كان ذلك شيئًا طبيعيًا كعلامة احترام، أما لو خرج عن هذا المعنى إلى العبادة، لرفضه يوسف الصديق بلا شك.
21- سجود أخوة يوسف له، كان بوحي من الله. وكان مؤيدًا برؤى إلهية حكاها يوسف لوالديه وأخوته. فالأمر إذن متفق مع مشيئة الله، وبتدبير منه.
قال لإخوته عن حلمه: "وإذا حزمتي قامت وانتصبت، فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي" (تك 37: 7). وقال لأبويه: "حلمت حلمًا أيضًا. وإذا الشمس والقمر واحد عشر كوكبًا ساجدة لي.. فانتهره أبوه قائلًا: هل نأتي أنا وأمك وأخوتك ونسجد لك" (تك 37: 9، 10).
22- ومن البركة الإلهية التي نالها يعقوب أبو الآباء، أن يسجد له أخوته، وتسجد له شعوب وقبائل. هكذا كانت البركة:
"ليستعبد لك شعوب. وتسجد لك قبائل. كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29).
23- ولئلا يظن البعض أن بركة سجود الغير، أو طاعته وخضوعه، كانت في العهد القديم فقط، نأخذ مثلًا واضحًا له في العهد الجديد، في سفر الرؤيا. وذلك في الرسالة إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا، حيث قال الرب عن القائلين إنهم يهود، وهم ليسوا يهودا بل يكذبون:
"هأنذا أصيرهم يأتون، ويسجدون أمام رجليك، ويعرفون أني أنا أحببتك" (رؤ 3: 9).
ومادام هؤلاء سيسجدون لراعى كنيسة فيلادلفيا، بأمر إلهي وبمشيئة إلهية، إذن مثل هذا السجود ليس خطية.
24- وهناك سجود أمام الهياكل و المذابح والأماكن المقدسة.
يقول داود النبي: "أمام الملائكة أرتل لك، واسجد قدام هيكلك المقدس" (مز 137). ويقول أيضًا: "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز 5: 7).
ونحن حينما نسجد أمام الهيكل أو المذبح، أترانا نعبد الهيكل أو المذبح؟! حاشا. وإنما هو احترام للمواضع المقدسة. كما قال رئيس جند الرب ليشوع: "اخلع نعلك من رجليك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس" (يش 5: 15).
25-هناك سجود آخر للتوبة أو للاعتذار:
مثل المطانيات metanoia، يسجد بها شخص لآخر اعتذرًا، أو يعبر بها عن توبته لله وهذا خارج نطاق الكهنوت.
26-الأسقف أو البطريرك الذي يسجد له الناس، هو أيضًا يسجد لهم.
وذلك قبل بداية القداس قائلا للشعب: أخطأت سامحوني".
إذن ينبغي أن نفهم السجود، بالروح لا بالحرف، لأن الحرف يقتل.
ونضيف أيضًا لأحبائنا المسلمين زوار موقع الأنبا تكلا هيمانوت فقرة لتوضح أنه يوجد موضوع السجود لبشر في الإسلام نفسه.. وهو مثله مثل المسيحية سجود لهدف محدد كالاحترام أو التوقير أو الإكرام أو غيره، وليس بهدف العبادة بالطبع.. حتى نرى أن الله نفسه في القرآن أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم.. فهل الله ذاته يأمر بالشرك معه؟! حاشا.
بل وزاد من الأمر أن هذا الموضوع ذُكِرَ في القرآن نفسه عدة مرات:
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"،
"وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ"،
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"،
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا"،
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى".
(سورة البقرة 34؛ سورة الأعراف 11؛ سورة الإسراء 61؛ سورة الكهف 50؛ سورة طه 116).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m6xnn95