محتويات |
6- المعمودية ولادة جديدة:
غاية العماد المقدس هو شركتنا مع السيد المسيح ابن الله الوحيد لكي نحمل سمة البنوّة لله، فيرفعنا الروح القدس الناري إلى حضن الآب، ونُوجد فيه أولادًا أحياء، لنا برّ المسيح وقداسته وشركة أمجاده.
هذا هو مفهوم الحياة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع والتي دفع السيد المسيح ثمنها: "صلبه وموته". لهذا لا عجب إن افتتح القديس يوحنا اللاهوتي إنجيله عن لاهوت السيد المسيح بقوله: "فيهِ كانت الحياة..."، "أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمهِ. الذين وُلِدُوا ليس من دمٍ ولا من مشيئَة جسدٍ ولا من مشيئَة رجلٍ بل من الله" (يو 1: 4، 12-13). وتحدث السيد المسيح صراحة وبكل وضوح عن هذه الولادة الجديدة بقوله: "الحقَّ الحقَّ أقول لك إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). ولهذا السبب بدأ السيد المسيح خدمته بعماده أولًا ليؤكد لنا أنه لا دخول لأحد إلى مملكة الله وخدمته إلا عن طريق الولادة الجديدة التي في المعمودية. وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي مع طالبي العماد: [المسيح هو ابن الله ومع هذا لم يكرز بالإنجيل قبل العماد. إن كان السيد نفسه قد اتبع هذا الوقت المناسب واللائق، فهل يجوز لنا نحن خدامه أن نخالفه في النظام؟! [132]]
هذا المركز الجديد الذي صار لنا في المعمودية، أي البنوة لله، قد شغل أذهان التلاميذ والرسل وكل الكنيسة كسرّ قوة المسيحي في حياته الروحية، لهذا لا يكف الرسل عن الإشارة إليه من حين إلى آخر:
"لأنكم جميعًا أبناءُ الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 26-27).
"إذ لم تأْخذوا روح العبوديَّة أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبنّي الذي بهِ نصرخ يا أَبا الآب. الروح نفسهُ أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو 8: 15-16).
"مولودين ثانيةً، لا من زرعٍ يفنى، بل مِمَّا لا يفنى، بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد" (1 بط 1: 23).
"ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمتهِ خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبهُ بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا" (تي 3: 5-6).
"شاءَ فولدنا بكلمة الحقّ لكي نكون باكورةً خلائقهِ" (يع 1: 18).
جاءت كتابات الآباء في الشرق والغرب والليتورجيات الأولى تفسرّ كل عبارة وردت في العهد الجديد عن المؤمنين كأولاد لله أنها خاصة بعمل المعمودية كولادة حقيقية. وكما يقول D. Stone: [لا يليق تجنب شهادات الآباء بافتراض أنهم كانوا يتحدثون بطريقة مجازية أو أنهم كانوا في بعض الظروف يتحدثون بلغة تحمل سمة البلاغة. إنه لا توجد إشارة في كل عباراتهم الخاصة بالمعمودية تشير إلى استخدامهم المجاز [133].]
* انظروا إلى المولدين من الله. هنا الرحم المادي، مياه المعمودية!
* لنا ميلادان: أحدهما أرضي، والآخر سماوي. الأول من الجسد، والثاني من الروح.
الأول صادر عن مبدأ قابل للفناء، والثاني عن مبدأ أبدي.
الأول من رجل وامرأة، والثاني من الله والكنيسة.
الأول يجعلنا أبناء الجسد، والثاني أبناء الروح.
الأول يصيرنا أبناء الموت، والثاني أبناء القيامة.
الأول أبناء الدهر، والثاني أبناء الله.
الأول يجعلنا أبناء اللعنة والغضب، والثاني أبناء البركة والمحبة.
الأول يقيدنا بأغلال الخطيئة الأصلية، والثاني يحلّنا من رباطات كل خطيئة [134].
* كان يوحنا ينادي بمعمودية التوبة... والرب ينادي بمعمودية البنوة.
* من أين نحن مسيحيون؟ يجيب الكل: أننا مسيحيون بالإيمان، وبأي وجه نخلص؟ واضح أننا نخلص بولادتنا بنعمة المعمودية [135].
عظيمة هي المعمودية التي تَهِب لكم: عتق الأسر، غفران المعاصي، موت للخطيئة، ولادة ثانية للنفس، ثوب النور، ختم مقدس لا ينحل، مركبة إلى السماء، نعيم الفردوس، سبب الملكوت، عطية التبني [136].
** كنتم تولدون في نفس اللحظة التي فيها كنتم تموتون، فقد كانت مياه الخلاص بالنسبة لكم قبرًا وأمًا [137].
* ليس بأم وأب، ليس باجتماع بشر، ولا بآلام المخاض نولد ثانية، ولكن من الروح القدس تُصنع أنسجة طبيعتنا الجديدة، وفي الماء تُشّكل، ومن الماء نولد سرّا كما من الروح...
الرحم يحتاج إلى زمن طويل فيه يتشّكل الجسد، أما الماء والروح فمنهما تتشكل حياة الروح في لحظة في طرفة عين.
* ميلادنا ليس حسب الطبيعة إنما يتم بالكلمات التي ينطق بها الكاهن والتي يعرفها المؤمنون، فيكون جرن المعمودية أشبه برحم فيه يُشّكل المعمد ويولد! إذن نحن أولاد العاقر، نحن أحرار! [138]
* الاستنارة هي المعمودية... هي معينة للضعفاء، هي ترك الجسد واتباع الروح. هي مشاركة الكلمة، استصلاح الجبلة، غرق الخطيئة، مساهمة النور، انتفاضة الظلمة!
الاستنارة مركب تسير نحو الله، مسايرة المسيح، أساس الدين، تمام العقل.
الاستنارة مفتاح ملكوت السماوات، استعادة الحياة، عتق العبودية، انحلال الرباطات...
نحن ندعوها عطية وموهبة المعمودية واستنارة ولباس الخلود وعدم الفساد وحميم الميلاد الجديد وخاتمًا وكل شيء كريم! [139]
* أما بالنسبة لنا، نصير سَكْرَى عندما نتقبل الروح القدس الذي يدعى النهر... فإنه بالنسبة لنا نحن الذين ولدنا ثانية بواسطة سرّ المعمودية نمتلئ بالفرح الأعظم فنتقبل بعض بدايات الروح القدس فينا، إذ يصير لنا فهم الأسرّار ومعرفة النبوة وكلمة الحكمة وثبات الرجاء ومواهب الشفاء والسلطان على الشياطين التي تخضع لنا [140].
* كما أن قوة النار حينما تتسلط على عروق الذهب المختلطة بتراب الأرض تتحول إلى ذهب نقي، هكذا أيضًا، بل وأكثر من هذا يعمل الروح القدس في المعمودية في الذين يغسلهم، إذ يحوّلهم إلى ما هو أنقى من الذهب عوض الطين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فحينما يحّل الروح القدس كالنار في نفوسنا يحرق أولًا صورة الترابي ليعطى صورة السماوي، فنصير كعملة بهية متلألئة خارجة من أفران الصهر.
أما كيف يُخلق الإنسان جديدًا من الماء بواسطة الروح، فبنفس القوة والسرّ اللذين بهما خُلق الإنسان أولًا من التراب. وكما تقوّى التراب وتشدّد بإرادة الله، وصار أعضاءً وأجهزة جسدية كاملة، هكذا وأكثر يعمل الروح القدس بالماء صانعًا أمورًا عجيبة وفائقة للعقل.
إذن فلا تشك في عمل الماء والروح في الإنسان الجديد بسبب أنك لا ترى، فأنت أيضًا لا ترى نفسك التي فيك [141].
* هذه الأم غير المائتة تلد شموسًا جسدانية كل يوم... أم الحياة أولادها مرتفعون فوق الظلام.
* من هذه الأم الجديدة التي جعلت الشيوخ أحداثًا، إذ تحبل بهم وتلدهم ليصيروا صبيانًا؟!
* المعمودية هي البطن التي تلد كل يوم أحياء، وتقدّسهم ليصيروا إخوة الابن الوحيد.
* المعمودية تلدنا ببتوليتها فهي الأم، وهي البتول...
* تعالوا يا من في الخارج أدخلوا إلى البنوة، لأن الباب مفتوح، وتمسكوا بالبيت، وابتهجوا بالآب فإنه يقبلكم.
تعالوا أيها البعيدون وصيروا بالمعمودية قريبين، لأن بيت الله مفتوح لكل القادمين إليه.
تعالوا أيها الغرباء وصيروا من أهله في داخل المياه، واقتنوا لكم أبًا جديدًا في العلي وادعوه أبانا.
يرى القديس يعقوب السروجي أن الإنسان بدخوله مياه المعمودية، إنما يدخل إلى ميلاده الجديد، فيحرره من ميلاده الجسدي القديم، فبعد أن كان له آدم الذي لدغته الحيّة أبًا، صار له الآب السماوي أباه الجديد، وعوض حواء التي سقطت صارت له المعمودية المقدسة الأم الجديدة. بهذا دخلنا إلى حياة جديدة وإمكانيات جديدة.
ويقارن القديس بين المياه المقدسة وكأنها أحشاء بتولية، وبين القديسة مريم البتول. ففي أحشاء البتول قدم لنا الآب ابنه أخًا لنا، ابنًا للبشر، وفي أحشاء المعمودية نصير نحن أبناء الله. في أحشاء القديسة مريم حمل ابن الله طبيعتنا فصار ابنًا للبشر، أما نحن ففي المعمودية قبلنا الاتحاد مع الله فصرنا أبناء الله.
* صارت لنا المعمودية أمًا، وصرنا نحن بها أبناء الآب، ندعوه أبانا بمحبة!
هذه البطن كوّنتنا روحيًا، لكي بالقداسة نكون أبناء الله. لو لم تهبنا الميلاد الثاني، فمن أين لنا أن ندعوه أبانا السماوي؟!
عند حواء نحن تراب وأبناء الموت. أما عند هذه الأم الجديدة فنحن أبناء الله...
* من أين لنا الآب السماوي؟ ومتى؟
هوذا أبونا آدم في الهاوية بغباوة، فإن كان ميلادنا من حواء قائم فإننا ندعو أبانا ذاك الذي في الهاوية.
أبونا الأول لدغته الحيّة، وانحدرت به إلى الجحيم، وها هو هناك داخل الهلاك مطروح في مذلة يحيط به الوحل، وأصناف الدود. صار السوس لباسه، والعنكبوت رداءه. الأرض من تحته والسوس فوقه. لقد انحط في التراب فاحتضن طينه وابتلى بالهاوية. هذا هو أبونا الأول، وهذه هي بلده. فلو لم يتغير هذا الميلاد لكنا في ذلٍ عظيمٍ...
اهربوا أيها السامعون من هذا الذل العظيم، واطلبوا لكم أبًا آخر في السماء.
أسرع والتجئ إلى المعمودية واطلبها أمًا لك، فهي تقدم لك أبًا غنيًا مملوء خيرات. إنها تلدك حتى وإن كنت شيخًا، فتجعلك صبيًا محبوبًا للملك أبيك.
هي تعلمك أن تدعو: "أبانا الذي في السماوات"، ومنها ولها يكون لنا أب من فوق وليس في الهلاك...
* المعمودية تكتب اسمك فوق في السماء، في بيعة الأبكار، ابنًا للآب الجالس بارتفاعه.
اعتمد أيها السامع وأدعو "أبانا الذي في السماوات"، فقد صار لك الأب الحقيقي من داخل المياه، هو في السماء في بلدته يتباهى ويتمجد فوق الجبال...
* أبوك في السماء وليس في الهاوية...
لقد نسينا حواء، وقبلنا أمنا المعمودية التي بدونها كنا قد طرحنا من العلو وبلغنا العمق.
تركنا آدم، لأن الله أعدنا أبناء. انكتمت الهاوية عن جنسنا، وها نحن قد تركناها.
الآن لسنا ندعو ذاك المسكين المحتاج المنهدم آدم أبًا لنا، لأننا قد وجدنا لنا أبًا آخر مملوء غنى، أخذ موضع ذاك المسكين.
* اختار البتول وجعلها أمًا لابنه الوحيد، وفي داخل البطن صار أخًا لبني البشر. أٌحصى مع البشر الذين هم من أسفل، ودُعي ابن الإنسان في كل طرقه، حتى يصير بنو البشر أبناء معه.
* استبدل الأم التي هي من أسفل بأم أنزلها معه من بيت أبيه! المعمودية هي البطن الطاهرة الممتلئة نورًا، تلد كل يوم الأحياء ببتوليتها، وتغير البشر فتجعلهم أبناء الله.
تستقبل الجسدانيين وتهبهم كل روحانية بالقداسة.
اختلط فيها الجنس بالجنس، لتجعل الذين من أسفل عاليين. تجنَّس بيت آدم مع الله، لكي يدعو الآب أبًا...
أنزل الروح القدس في الماء، وأنزلهم حتى يصيروا بميلادهم اخوة لابنه الوحيد، ويصير لهم -في المعمودية- أبًا بدون ألم!
* أٌعطيت مريم الجسد ليتجسد الكلمة، وأعطيت المعمودية الروح لتجديد الناس، إذ صار لنا أخًا في البطن وجعلنا نحن أبناء بالمعمودية لندعو أبانا الذي في السماوات...
* تجنَّسنا بلاهوته في داخل المياه، صرنا بالحقيقة أبناء، ومنذ ذلك الحين صار لنا أن ندعوه أبانا، ذاك الخفي الذي أعطانا روحه بالمعمودية [142].
يقول الرسول بولس: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). في المعمودية تتم ولادتنا لله بلبسنا السيد المسيح الابن الوحيد الجنس monogenyc `Uioc، نلبسه لا بطريقة جسدية، بل لباسًا روحيًا داخليًا، فيه تختفي طبيعتنا، واهبًا إيانا نفسه دون أن يٌفقدنا شخصياتنا.
إننا نلبس المسيح لا كثوب خارجي، بل نتحد به ونتفاعل معه لنحمل شركة طبيعته دون أن نفقد طبيعتنا الإنسانية.
* إذ اعتمدتم في المسيح، ولبستم المسيح، صرتم خاضعين لابن الله... بهذا تصيرون شركاء المسيح [143].
* الذي يعتمد للمسيح لا يولد من الله فقط، بل يلبس المسيح أيضًا. لا نأخذ هذا بالمعنى الأدبي كأنه عمل من أعمال المحبة بل هو حقيقة. فالتجسد جعل اتحادنا بالمسيح وشركتنا في الألوهية أمرًا واقعيًا [144].
يقول العلامة ترتليان: [بالمعمودية يستعيد الإنسان تشبهه بالله [145].] يتحقق هذا الشبه باتحاد النفس مع مخلصها اتحادًا حقيقيًا، حيث تتطعم فيه كالغصن في الشجرة ليحمل ثمارها فيه. وقد استخدم السيد مثل الكرمة والأغصان (يو 15) ليعلن أنه هو سرّ حياتنا، عليه نقتات، كما يحيا الغصن على العصارة التي تقدم له من الأصل. وكأن عمل الروح القدس هو تطعيمنا "في المسيح". هذه العبارة: "في المسيح" استخدمها الرسول بولس 164 مرة في رسائله، ولا نكون مبالغين إن قلنا أن جميع كتاباته في جوهرها ليست إلا تعليقات على هذه العبارة العميقة الغنية [146].
"في المسيح" نقبل موته وقيامته (رو 6)، فإذ ننزل إلى مياه المعمودية نختفي فيه عن أعيُن العالم، أي ندفن معه ونموت، وإذ نصعد من المياه نقوم أيضًا "فيه" متمتعين بالميلاد الجديد أو الحياة الجديدة المُقامة، نترك خطايانا ونقوم حاملين برّ المسيح فينا. بمعنى آخر، في المعمودية نختفي في المسيح، فنقبل موته موتًا لنا، وقيامته قيامة لنا. ندخله في حالة اتحاد على مستوى زواج روحي، فيه تتحد طبيعتنا به ونوجد نحن فيه كما يتحد الزوجان فيصيران جسدًا واحدًا دون أن يفقد أحدهما شخصه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. في هذا الاتحاد ننعم بما للمسيح، حياته وسماته وأعماله (غل 17:6). تصير لنا نصرته على الشيطان نصرة لنا (2 كو 14:2)، وبرَّه برَّنا (1 كو 11:6)، وفكره فكرنا (1 كو 16:2)، وكهنوته كهنوتنا، وملكوته ملكوتنا، ميراثه ميراثنا (رو 17:8)، وأمجاده أمجادًا لنا، حتى عبادته تحسب عبادتنا نحن [147]، وأمه صارت أمًا لنا [148]، وأخوته الأصاغر هم إخوتنا.
هذا هو التطعيم في المسيح، يأخذ الروح القدس مما للمسيح يسوع ويعطينا بغير كيلٍ. وقد نقل الأب توما الأكويني هذا المفهوم عن القديس أغسطينوس متحدثًا عن فاعلية المعمودية، قائلًا: [الذين يتقبلونها يتحدون مع المسيح كأعضاء له، فيتحقق شيء من ملء النعمة والفضيلة يفيض في كل الأعضاء من الرأس الذي هو المسيح، وكما يقول القديس يوحنا: "من ملئه نحن جميعًا أخذنا" (يو 1: 16) [149].]
في رسائل معلمنا بولس الرسول "سرّ الفصح" هو مركز التعليم بالمعمودية [150]، فميلادنا الجديد في حقيقته هو تمتع شخصي بفصح المسيح، عبور بالمسيح ومعه: "فدُفِنَّا معهُ بالمعموديَّة للموت، حتى كما أُقِيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة. لأنه إن كُنَّا قد صرنا متحدين معهُ بشبه موتهِ، نصير أيضًا بقيامتهِ". (رو 4: 5-6)
في المعمودية لا نتقبل رمزًا لفصحه، بل شركة حقيقية في سرّ فصح المسيح، فنقبل بالإيمان: "عمل الله الذي أقامهُ من الأموات" (كو 2: 12)، ليعبر بنا إلى الحياة المقامة ويجلسنا معه في السماويَّات (أف 2: 4-6).
نُدْفَن مع المسيح بواسطة المعمودية لكي نقوم معه [151].
** لقد سُئلتم: أتؤمنون بالمسيح يسوع وبصليبه؟ وقلتم: نؤمن، وغطستم في الماء.
هذا هو السبب الذي لأجله دفنتم مع المسيح: أن من يدفن مع المسيح يقوم معه [152].
* المعمودية ليست فقط تطهيرًا من الخطايا ونعمة البنوة، لكنها أيضًا تمثُلًا بآلام المسيح [153].
* في المعمودية يتحقق عربون ميثاقنا مع الله: الموت والدفن والقيامة والحياة. يحدث هذا كله دفعة واحدة! عندما نُغطس رؤوسنا في الماء يُدفن الإنسان العتيق كما في القبر من أسفل، يغطس بكماله إلى الأبد. وإذ نقيم رؤوسنا من جديد يقوم فينا الإنسان الجديد عوض الإنسان القديم.
كما يسهل علينا أن نغطس برؤوسنا ونقيمها ثانية، هكذا يسهل على الله أن يدفن الإنسان القديم ويُظهر الجديد. هذا يحدث ثلاث دفعات لكي تعلموا أن ما يتم إنما هو بقوة الآب والابن والروح القدس.
ولئلا تظنوا أن ما أقوله هو على سبيل الحدس اِسمع ما يقوله بولس: "دُفِنَّا معهُ بالمعمودية للموت"، وأيضًا: "إنساننا العتيق قد صُلِب معهُ"، "متحدين معهُ بشبه موتهِ" (رو 4:6، 3).
ليس فقط المعمودية تُدعى صليبًا، بل والصليب أيضًا يدعى معمودية، إذ يقول المسيح: "بالمعمودية (بالصبغة) التي أعتمد (اصطبغ) بها أنا تعتمدان (تصطبغان)" (مر 10: 39)، "لي معمودية أعتمد بها (ولي صبغة اصطبغها)" (لو 12: 50).
وكما يسهل علينا أن نُغطس رؤوسنا ونقيمها ثانية، هكذا في أكثر سهولة مات المسيح وقام حين أراد ذلك، وإن كان قد بقي ثلاثة أيام من أجل تدبير السرّ [154].
العماد هو الصليب. ما قد حدث بالنسبة للمسيح في الصلب والدفن يصنعه العماد معنا، وإن كان ليس بذات الطريقة.
*لقد مات المسيح بالجسد ودفن، أما نحن فنموت عن الخطية ونُدفن...
إن كنت تشاركه الموت والدفن، فبالأولى تشاركه القيامة والحياة... [155]
* لا تعجب من حدوث ولادة وهلاك في المعمودية... هذا هو عمل النار: تصهر الشمع وتستهلكه، وتحلُّ العناصر المعدنية وتُخرج ذهبًا.
قبل العماد كنا أرضًا، بعده صرنا ذهبًا."الإنسان الأوًّل من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الربُّ من السماء". (1 كو 15: 47) [156]
_____
[132] Cat. Lect. 3:14.
[133] Holy Baptism, p 50.
[134] In Joan. hom 19.
[135] On Bapt., On The Holy Spirit 10.
[136] Procatchesis 16.
[137] Cat Mys. 2:4.
[138] Comm. on Gal, Ch 4. للمؤلف: الله مقدسي، ص 48
[139] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 855،856.
[140] Tract. In 64 Ps., 15.
[141] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 847.
[142] ميمر عن المعمودية المقدسة.
[143] Cat. Myst. 3:1.
[144] للمؤلف: الله مقدسي، ص 52.
[145] De Baptismo 5.
[146] Francoise Cuttz: Baptism, Divine Birth, p 9.
[147] للمؤلف: المسيح في سرّ الإفخارستيا، 1975، باب 1، فصل 1..
[149] 3 q 69:94.
[150] Rev. J. P. Schanz: The Sacraments of Life and Worship, Milwaukee 1966, p 108.
[151] PG 36:369 B.
[152] De Sacr. 2:20.
[153] PG 33:1081 B.
[154] In Joan. hom 25.
[155] In Joan. hom 25.
[156] In Colos. hom 7.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/holy-spirit/new.html
تقصير الرابط:
tak.la/pty3xn9