† بمناسبة صوم القديسة العذراء مريم نتذكر أن الملاك خاطبها بقوله: "السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة"، العذراء كانت ممتلئة نعمة.
النعمة هي ما أنعم الله به على الإنسان. فكل شيء يأتي بركة للإنسان يكون نعمة من الله.
† ونحن من اهتمامنا بهذه النعمة، نختم كل اجتماع روحي بكلمة "محبة الله الآب، ونعمة ابنه الوحيد، وشركة وموهبة الروح القدس، تكون مع جميعكم".
† وفي الحقيقة كل حياتنا سببها النعمة، أي مجرد أننا موجودين نعمة من الله فالوجود نعمة من الله، بل الخليقة كلها هي نتاج نعمة الله.
† ونعمة الله للكل. ليست للأبرار فقط، بل حتى للأشرار أيضًا.
† أي لولا النعمة التي يعطيها الله للإنسان الشرير، ما كان يتوب.
† ولولا نعمة الله مع غير المؤمن، ما كان يؤمن.
† فالشرير بنعمة الله يستطيع أن يتوب "تَوِّبْنِي يا رب فَأَتُوبَ" (سفر إرميا 31: 18). وغير المؤمن بنعمة من الله يصبح مؤمنًا.
† النعمة عملت مع لونجينوس قائد المئة عندما ضرب المسيح بالحربة في جنبه. جاءت له نعمة من الله فقال: "حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ" (إنجيل مرقس 15: 39).
† النعمة عملت مع شاول الطرسوسي: فجعلته بعد أن كان مضطهد للكنيسة أصبح أكبر رسول يدافع عن الإيمان، وفي الحقيقة شاول الطرسوسي هذا الله أعطاه هذه النعمة قبل أن يولد. لذلك قال في الرسالة إلى غلاطية "لما سر الله الذي أفرزني بنعمته ودعاني للكرازة باسم ابنه الوحيد....إلخ"، ونص الآية هو: "وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ.." (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 1: 15، 16) كان هذا نعمة من ربنا له. بل بنعمة ربنا قابله السيد المسيح نفسه في الطريق ودعاه. فالله يعمل بنعمته حتى مع الخطاة.
نعمة ربنا كانت مع اللص اليمين المصلوب بجانبه فآمن بالرب وهو على خشبة الصليب وقال له "اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (إنجيل لوقا 23: 42).
نعمة ربنا افتقدت زكا العشار الذي كان رئيس العشارين وقبل المسيح وقال له الرب: "اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت"، ونص الآية هو: "الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ" (إنجيل لوقا 19: 9).
النعمة أيضًا كانت مع الأمم الذين كانوا يعبدون الأصنام فآمنوا.
نعمة ربنا كانت مع الشيوعيين بعد 70 سنة إنكار لوجود الله فآمنوا. وبعد أن كان لا يوجد من يفرح الله بإيمانه في روسيا الشيوعية، أصبح فيها الآن أكثر من 120 مليون يؤمنون بالمسيح افتقدهم ربنا وهم خطاه بنعمته.
بل أستطيع أن أقول أكثر من هذا. نعمة ربنا لم تترك الشيطان. كيف؟ كان من الممكن أن الله يفنيه من أول سقوطه ولكن نعمة الله أعطته البقاء والوجود وليس فقط بل أعطته قوة. لم تفارقه قوته. لذلك يقول الرسول: "إبليس الذي يضلكم يجول مثل أسد يزأر"، ونص الآية هو: "لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 8). ربنا سمح حتى للشيطان بنعمته أن يبقى وتكون له حرية في العمل وسمح له أن يجرب أيوب الصديق. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وسمح أن يكون له قوة وأعطاه فرصة حتى آخر الزمان حيث يقول الكتاب "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" آمين (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 10).
بل أقول أن نعمة ربنا كانت حتى مع يهوذا قبل أن يهلك. نعمة ربنا اختارته تلميذ، ونعمة ربنا سمحت أن يعمل معجزات وآيات مثل باقي التلاميذ. ونعمة ربنا جعلته تغسل رجليه بواسطة الرب مثل باقي التلاميذ وقال لهم "أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ" (إنجيل يوحنا 13: 10) ونعمة ربنا أعطته إنذارات كثيرة كثيرة لعله يتوب. ولكنه هلك لأنه لم يستخدم نعمة الله.
بل أقول لكم أكثر أن نعمة ربنا حتى تعمل في الجماد الذي لا يعقل.
† فكما تعلمون أن يوسف الصديق خزن القمح 7 سنوات ليستخدمه في السنوات العجاف. من يقول أن قمح يخزن 7 سنوات دون أن يأتيه سوس؟! لكن نعمة الله شملت حتى هذا القمح أن لا يأتيه السوس على مدى 7 سنين أو أكثر.
† نعمة ربنا افتقدت كوز الزيت في بيت الأرملة فلم ينقص. وكذلك طبق الدقيق.
† نعمة ربنا عملت في الأسود في الجب حتى لا يأكلوا دانيال.
† ونعمة الرب عملت في النار التي رمي فيها الثلاث فتية بحيث أنها أصبحت عاجزة عن حرق الفتية أو حتى ملابسهم.
† نعمة ربنا تعمل حتى في العصافير التي لا تزرع ولا تحصد وتقيتها.
† ونعمة ربنا أيضًا منذ العهد القديم يقول الكتاب: مباركة تكون ثمرة أرضك وثمرة بطنك. فنعمة ربنا تبارك ثمرة الأرض فتتكاثر. كما قال الله بارك غلة العام السادس أصبحت غلة العام السادس تكثر وتكفي أعوام.
† عجيبة نعمة الله التي تعمل في كل شيء حتى في الفراشات فتعطيها جمالًا ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها.
† نعمة الله ضرورية لنا جدًا. لماذا؟ لأننا كبشر خلقنا على صورة الله ومثاله لكن عندما وقعنا في الخطية أصبحت طبيعتنا ضعيفة، يستطيع الشر أن يؤثر عليها أكثر.
† بدليل أن الكتاب يقول إن الخطية طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء.
† ما دام هؤلاء القتلى غير قادرين والشيطان يغلبهم ويهزم كثيرين منهم فربنا من أجل رحمته أعطانا النعمة لكي ننتصر. ما دام عدونا قوي ونحن ضعفاء فلا بد أن نأخذ نعمة. من عدل الله أعطانا نعمة.
† لا يجب أن يقول أحدكم أنا أقع وأخطئ. أنت تخطئ لأنك لا تستخدم النعمة التي فيك.
† بمباركة الوالدين.
† وتأتيك النعمة حتى دون أنت تطلب.
† بالمعمودية:
هناك نعمة أخرى تحصل عليها من الأسرار المقدسة في المعمودية. ربنا يعطيك نعمة الميلاد الجديد وأن تكون ابن الله وابن الكنيسة وان الإنسان القديم يموت والإنسان الجديد يوجد على صورة الله.
† وفي سر الميرون: ربنا يعطيك نعمة الثبات في الروح القدس وأن تكون هيكل للروح القدس.
† وفي التوبة يعطيك نعمة المغفرة.
† وفي التناول يعطيك الثبات في الإبن.
تأخذ نعم كثيرة جدًا في الأسرار.
† ولكن مع ذلك توجد نعم كثيرة أنت تأخذها دون أن تطلب. ربنا يقول "من أجل شقاء المساكين الآن أنا أقوم أصنع خلاصًا"، ونص الآية هو: "مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ" (سفر المزامير 12: 5) دون أن تطلب تجد الله أعطاك.
الله يقول : "أنا نظرت مذلة شعبي" لم يقولوا له يا رب احنا اتزلينا أو تعبنا من طغيان فرعون، بل قال الرب: "أنا نظرت إلى مذلة شعبي، أنزل لأخلصهم"، ونص الآية هو: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي.. فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ" (سفر الخروج 3: 7، 8).
† إذًا لا بد أن نعرف كيف نشترك مع النعمة في العمل؟ الله مستعد أن يعطيك نعمة ومواهب كثيرة ولكن لا بد أن تقبل النعمة وتشترك في العمل معها.
† ربنا أعطى نعمة لإمرأة لوط أن الملاك يمسكها ويخرجها ولكنها لم تشترك مع النعمة ولم تقبل، ونظرت إلى الوراء فصارت عمود ملح.
† فرعون مثلًا وهو رجل وثني كان الله يعطيه نعمة أن يمنع عنه الضربات. فعندما كانت تأتيه ضربة فيصرخ ويقول "أخطأت إلى الرب" فيرفع عنه الله الضربة لكن كان فرعون قلبه قاسي ولا يقبل نعمة الله ويعود ليخطئ مرة أخرى ولذلك ضيَّع نفسه.
† أما أنت فكن حريصًا عندما تزورك النعمة، أن تشترك مع النعمة في العمل. والقديس أوغسطينوس قال كلمة جميلة: "الله الذي خلقك بدونك، لا يشاء أن يخلصك بدونك". أي لكي تخلص لابد أن تعمل مع النعمة.
† النعمة تعطيك قوة، وتعطيك رغبة في التوبة، وتعطيك حرارة، وأنت تشترك مع النعمة.
† أي القوة التي تُعطى لك من النعمة لا تمنع نعمة الحرية التي لك. لا توجد نعمة تلغي نعمة أخرى. نعمة المعونة لا تلغي نعمة الحرية. النعمة ترشدك للخير ولكن لا ترغمك على عمل الخير. تعطيك محبة الخير وتتركك لإرادتك الحرة. هي مجرد مرشد.
† الملاك قال لها: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة.
† فبالنعمة قبلت أن تكون أم وهي بتول لا تعرف رجلًا. قبلت هذا ولم ترفض هذا الأمر.
† أعطاها الرب نعمة أن تحتمل نظرة الناس إليها. وأن تختفي وراء اسم يوسف النجار.
† الرب أعطاها نعمة أن تحتمل التعب. وتحتمل الآلام وتحتمل أن تسير على الجبال لتزور أليصابات وتخدمها إلى أن تلد. أعطاها نعمة أن تحتمل التعب في أن تذهب إلى أرض مصر 3 سنين ونصف وكلما تذهب إلى بلد تطرد منها لأن الأصنام كانت تسقط بسبب وجود الرب. فتذهب بلد أخرى وتسقط الأصنام أيضًا وتطرد.
† أعطاها نعمة أن تحتمل الفقر واليتم. فمن سن 8 سنين ذهبت إلى الهيكل وهي يتيمة الأبوين وعاشت في فقر. أعطاها النعمة أن تحتمل أن تلد في مزود بقر وهو مكان لا يصلح البقاء فيه أبدًا من الرائحة والقذارة.
† وأعطاها نعمة أن تحتمل ولادة ابنها في الشتاء القارص.
† أعطاها نعمة أن تحتمل رؤية ابنها المحبوب الوحيد وهو مصلوب أمامها وترى الناس يهزأون به ويتحدوه.
أعطاها نعمة أن تحتمل كل هذا. ولاحتمالها كل هذا ولغيره قيل عنها أنها ممتلئة نعمة. نرجو شفاعتها وبنعمتها نحصل على نعمة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bpa2yzd