الكتابات الأوريجانية في
القرن الرابع
الأوريجانية والرهبنة
بين إسيذورس والبابا ثاوفيلس
الإخوة الطوال في فلسطين
أثر رسالة ثاوفيلس في فلسطين
أثر رسالة ثاوفيلس في قبرص
الإخوة الطوال في القسطنطينية
القديس أبيفانيوس في القسطنطينية
الحواشي والمراجع
احتلت الكتابات الأوريجانية مركزًا هامًا في فكر آباء القرن الرابع وكتاباتهم، فقد وجد البابا أثناسيوس الرسولي فيها براهين تسنده في قانون الإيمان النيقوي، كما شغف بها كبار آباء الكبادوك مثل القديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي. أما في الغرب فقد استوحى القديسان هيلاري أسقف بواتييه وأمبروسيوس أسقف ميلان منها أفكارهما وتأملاتهما. أما القديس جيروم والأب يوحنا الإنطاكي، فقد أخذ عنها منهج أوريجينوس التفسيري.
لقد انشغل آباء الكنيسة في نهاية القرن الرابع بكتابات أوريجينوس، يأخذون أفكاره ويستبعدون أخطاءه، مشيرين إليها دون أن يقلل ذلك من اهتمامهم بها(1).
وفى حوالي عام 373م بدأ القديس أبيفانيوس (315-403م) أسقف سيلاميس بقبرص عمله العظيم "خزانة العلاج لشفاء كل الهرطقات".
لقد كانت الهرطقات تهز نفسه بشدةٍ، يشعر في نفسه بالالتزام أن يرد على كل هرطقة حديثة وقديمة. وإذ هو ناسك صارم أحس كأن العلامة أوريجينوس قد أفسد نقاوة الإيمان الحقيقي البسيط بسم الثقافة الوثنية. لقد اعتبر كتاباته هرطوقية، دان فيها أولًا وقبل كل شيء ميله لتفسير العبارات الحرفية الواضحة برمزية روحية، خاصة روحنة تعليم القيامة.
لم يقصد القديس أبيفانيوس إدانة أوريجينوس الراقد، بل "مجموعة رهبان مصر" الذين شغفوا بالفكر الأوريجاني(2). لكن لن يهتم أحد بذلك، حتى جاء عام 394م فيه قامت مناضلة بين يوحنا أسقف أورشليم ومعه روفينوس كاهن أكويليا، وكان الاثنان معجبين بالعلامة أوريجينوس، وبين جيروم الذي اِعتبر أوريجينوس هرطوقيًا يؤيده في ذلك أبيفانيوس أسقف سلاميس...
لا أريد الدخول في تاريخ الخلافات بين الأوريجانيين وأضدادهم، إنما ما أريد تأكيده أن العالم الكنسي كان مشدودًا تجاه هذه المشكلة. أما مركز عنفها فكانت "برية مصر" بسببها تصارع الرهبان، بل سقطوا في تصرفات عنيفة غير لائقة. ثار البعض ضد البابا، وحاول البعض قتله، واندفع البابا في تصرفاته مع رهبان طوباويين، وأخطأ في حق بطريرك القسطنطينية، وكانت النتائج مُرّة للغاية!
أثارت الكتابات الأوريجانية ثورة فكرية في الحياة الرهبانية، وجدت لها عشاقًا بين الرهبان كما أثارت عداوة مُرّة في قلوب آخرين. فالرهبنة في بدء قيامها تأسست على الممارسة العملية للحياة الفاضلة، أي دخول إلى "حلبة الصراع في البرية ضد قوات الظلمة من أجل تنفيذ الوصية الإنجيلية". هذا الذي أعلنه القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه عن القديس أنبا أنطونيوس، الذي لا نشتم فيه أي اتجاه تأملي عقلي، لكن "الأوريجانية" تسللت إلى بعض الرهبان والنساك ليجد البعض لذتهم بل غايتهم في الانطلاق في تأملات إلهية عميقة(3).
نستطيع أن نقول أن "الكتابات الأوريجانية" هي سرّ التحول الرهباني من نسكيات مجاهدة لأجل الفضيلة إلى نسكيات مجاهدة من أجل التأمل أو التاوريا.
ففي حوالي عام 370 م. تكونت جماعة أوريجانية في منطقة نتريا، تحت قيادة "الإخوة الطوال(4)": الأب أمونيوس وإخوته الثلاثة. هؤلاء الإخوة اتسموا بالروحانية والنسك، قاموا بنضال ضد الأريوسية بعد نياحة البابا أثناسيوس الرسولي، وكانوا على علاقة طيبة بالبابا تيموثاوس السكندري، وحتى عام 400 م. مع البابا ثاوفيلس الـ23. فقد أحبهم وأكرمهم كرامة زائدة، فرسم ديوسقورس أسقفًا على هرموبوليس، وأراد أن يرسم آخر منهم فاعتذر بعدم استحقاقه لهذه الكرامة السامية، فرسم منهم كاهنين يساعدانه في الخدمة.
تعلق البابا بهم، وأراد أن يستبقيهم معه في الإسكندرية، أما هم فأحسوا بضرورة العودة إلى البرية، يمارسون نسكهم وعبادتهم الرهبانية كما يليق. وعندما جاء مار أوغريس (إفجاريوس St. Evgarius) إلى مصر، استرشد بالأب أمونيوس، وجاءت كتاباته تفصح عن فكر الجماعة.
تحفز كثير من الرهبان ضد كتابات العلامة أوريجينوس من حيث أنها تدخل بالفلسفة إلى الرهبنة، فتفقدها بساطتها، وتشغل فكر الناسك بتأملات قد تدفعه إلى الانشغال بها عن جهاده النسكي. لكن ما هو خطير بحق أن رد الفعل ضد الفكر الأوريجاني كان قويًا في منطقة الإسقيط، حيث رفض بعض البسطاء التفسير الرمزي رفضًا قاطعًا، حتى فسروا العهد القديم تفسيرًا حرفيًا، فتصوروا لله وجه وعينان وأعضاء جسدية كما جاء في بعض عبارات العهد القديم لتوضيح أفكار معينة بلغة يفهمها البشر، كقول الكتاب(5):
"اسجدوا عن موطئ قدميه"،
"عيناي على أمناء الأرض... المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني"،
"شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة"،
"يديك صنعتاني وأنشأتاني"،
"أضئ بوجهك على عبدك وعلمني فرائضك"...
هكذا سقطوا في بدعة "تصور شكل الله الإنساني Anthropomorphism"، وقد جرُّوا وراءهم كثيرين. وحدث نزاع بين الأوريجانيين والأنثروبومورفيت حول السؤال: هل لله أعضاء جسدية؟
وفى عام 399م جاءت الرسالة الفصحية التي يحدد فيها البابا موعد عيد القيامة تلمح بطريق غير مباشر أنه لا يليق بنا أن نفكر في الله بطريقة جسمية مادية، إذ هو غريب عن الشكل البشري. وقد روى لنا القديس يوحنا كاسيان في كتابه "المناظرات(6)" أثر هذه الرسالة على جماعة الرهبان، فقد رفضت المجامع قراءتها(7)، ماعدا القديس بفنوتيوس الذي كان أبا لمنطقة شهيت العليا، فقد تلاها في مجمعه.
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) R. Moulard: Saint Jean Chrysostome, p 317.
(2) H. Chadwick: The Early Church, ch. 13.
(3) Lossky: The Vision of God, ch 6.
(4) دعوا كذلك من أجل طول قامتهم Soc 6: 7. أما أسماؤهم فهي: ديسقورس أسقف هرموبوليس، ويوسابيوي، وأفثيموس، وأمونيوس (آمون) الذي دعي باروتيس أي صاحب الأذن الواحدة. وذلك أنه طلب للأسقفية فبتر أذنه اليسرى للهروب منها، وإذ قبل البابا ثيموثاوس رسامته من اجل عظم فضيلته هدده بقطع لسانه، فاضطروا إلى تركه.
(5) (مز 99: 5، 101: 6، 7 ، مز 119: 73).
(6) مناظرة 10، فصول 1-6.
(7) فصل 2.
(8) Soc 6: 7, Soz. 8: 11.
(9) يشهد بذلك كتاب بستان الرهبان... فربما كان أكثر الآباء البطاركة حبًا للتردد على الأديرة للاستجمام الروحي ونوال بركة النساك وطلب صلواتهم والاسترشاد بهم.
(10) إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية ج1، بند 461.
(11) Soz. 8: 12,
(12) Moulard, Saint Jean Chrysostome, ch 16.
(13) Moulard, ch 16.
(14) Soz. 8: 13.
(15) Eulogius, John, Zebianus, Auxentius, Dionysius, Gennadius, Zeno, Theodosius, Dicterius, porphyry, Saturninus, Alan, Paul, Ammonius, Hilanus, Eusebius, the other Paul and to all the Catholic bishops gathered together at the dedication festival of Aelid.
(16) Epiphanius, Marcianus, Agrapetus, Boethius, Helpidius, Entasius, Norbanus, Meccedonius, Aristo, zeno, Asiaticus, Heraclidus, the other Zeno, Cyriacus and Aphroditus.
(17) قام القديس جيروم بترجمته إلى اللاتينية (رسالة رقم 92).
(18) الأب آمون بتر أذنه اليسرى.
(19) راجع موضوع حرق معبد السيرابيوم في كتاب: إيريس المصري: قصة الكنيسة القبطية ج1.
(20) Jerome: EP. 93.
(21) Ibid. EP: 94.
(22) Jerome, EP. 63
(23) Moulard, ch 16.
(24) Jerome, p. 82.
(25) EP 86.
(26) Jerome: EP 87.
(27) (يوئيل 3: 13).
(28) أسقف روما 398-402.
(29) (أع 5: 29).
(30) راجع رسائل جيروم: رسالة 98 (الرسالة الفصيحة لعام 402 تعالج الاوريجتنية والأبولينارية)، رسالة 100 (الرسالة الفصيحة لعام 404 تذم أخطاء أوريجين)، رسالة 109 (يعتذر لتأخيره في ترجمة الرسالة الفصيحة لعام 405، يرسل الترجمة التي قام بها رغم شدة مرضه ووجود اضطربات من هجوم الاشوريين).
(31) راجع جيروم: رسالة رقم 92.
(32) الأخوة الطوال ما عدا الأسقف.
(33) Jerome: EP. 90.
(34) Soc. 6: 10.
(35) Jerome: EP. 91.
(36) PG 67: 688.
(37) Moulard. P 324.
(38) Palladius, PG 47: 24, 25.
(39) Ibid 25, 26.
(40) Ibid 25.
(41) Ibid 25.
(42) PG 62: 472.
(43) Pallad PG 47: 26, Soz. H.E.
(44) soc 6: 1214.
(45) على بعد 7 أميال من القسطنطينية (سقراط 6: 17).
(46) Soc 6: 12.
(47) Soc: 6: 15. Soz. 8. 16. Theod. 5: 34. pallaadius 3: 8-10.
(48) Palladius PG 47: 26.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom/tall.html