St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-repentance
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عظات عن التوبة: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

7- العظة السابعة: عن التوبة والندم وكيف أن الله يسرع لنجدتنا ويتمهل على معاقبتنا(78)

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

سيرة راحاب العجيبة
منفعة التوبة
الغرض من الرحمة
طول أناة الله
خاطئة الإنجيل
استعمال الصبر
الأغنياء والفقراء
تذكر الخطايا
الرحمة الإلهية
الله يريد حياة الخاطئ
راحاب رمز الكنيسة
الخطية نبع لكل الشرور
الصدقة
مَنْ يعطي قرضًا لله
لقد كنت جائعًا فأطعمتموني
مكافآت الملكوت

سيرة راحاب العجيبة

1- إن الرسول العظيم في كل كتاباته يُرى وهو يتحدث بلغة سمائية وإلهية ويعرض بعمق لا يُبارى نسيج الحقائق الإنجيلية. إن تعليمه ليس ثمرة أفكاره الخاصة، إلا أنه يعلن كل تعاليمه بسلطان ملوكي، وهو يُظهر هذه التعاليم العميقة بالأساس عندما يحدّث الخطاة عن التوبة - الموضوع الذي أنا مزمع أن أتناوله اليوم معكم.

يجب علينا بالطبع أن نعبر على ما سبق أن ذكرناه وأن أذّكركم بتلك اللهجة التي انتهجها هذا الرجل العجيب في حديثه إلى أهل كورنثوس: "لأني أخاف إذا جئت أنوح على كثيرين من الذين أخطأوا من قبل ولم يتوبوا عن النجاسة والزنا والعهارة التي فعلوها" (2كو 12: 21).

إن هذا المعلم الذي لا يُبارى كان بطبيعته إنسانًا ولكن مهنته خدمة الله، وهو لهذا السبب يستخدم بطريقة ما لغة سمائية في توبيخه للخطاة كما لو أن صوته نازل من السماء، ومؤكدًا للتائب الرحمة (الإلهية).

إنني وإن كنت استخدم نفس الطريقة، فأنا لا أنسب هذه النعمة لكلمة بولس بل على العكس أنسب كل شيء لمجد الله، وهذا (هو عين) ما يقر به الرسول بقوله: "هل تطلبون قوة المسيح المتكلم بفمي" [(2كو 13: 3) بحسب النص].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

منفعة التوبة

لقد عرض بولس الرسول آنذاك على الخطاة صلاح الله كعلاج، والتوبة كوسيلة للخلاص، وفي مطالعتنا لكلمات الرسول نجد أنها تتوافق مع سلطان الرب الذي سمعتموه في الإنجيل وهو يمنحنا بسخاء غفران خطايانا إذ قال للمفلوج الذي هو مزمع أن يشفيه: "مغفورة لك خطاياك" (مر 2: 5)، وفي نفس الوقت فإن غفران الخطايا هو نبع الخلاص وثمن التوبة، فالتوبة إذًا هي العلاج الذي يمحو الخطية، والتوبة هي هبة إلهية بفضيلتها العجيبة وتوسط النعمة توقف مجرى شريعة القضاء، وهي أيضًا لا ترفض الفاسق ولا تطرد الزاني، والتوبة أيضًا لا تعود للخلف مشمئزة من البذيء ولا تجزع من الوثني ولا تصد الواشي ولا تطارد المجدف والمتكبر إذ إنها تغير الكل وهي البوتقة التي فيها يتطهرون من خطاياهم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الغرض من الرحمة

إنه يلزم أولًا أن نبحث في غرض الرب من هذا، ونحن سندركه ليس بأن نترك لفكرنا الخاص الاهتمام بسبر غور هذا الموضوع، ولكن بتداعي شهادات الكتب الإلهية ونشرح الحق الذي تثبته لنا.

إن الله إذ يتصرف برحمةٍ من نحونا فله في هذا غرضين مفيدين لخلاصنا. إنه هكذا يريد أن يمنح الخلاص للخطاة التائبين ويؤكد أيضًا عون صلاحه لذريتهم المزمعين أن يسلكوا طريق التوبة، ونقول بطريقة أخرى إن كان الله رحيم فهذا لكي يتوب الخاطئ ولكي لا ينغلق طريق التوبة أمام ذريته أيضًا. وحتى عندما يصر الخاطئ على خيانته، فالله أحيانًا يُبقي على الأصل لكي يحفظ الثمار، وأحيانًا أخرى يُغير الأصل.

إذا سلًم الخاطئ نفسه لكل أنواع الشر، فالله في صلاحه يؤجل طرده لكي يدرك كل من يتوب الخلاص.

كيف هذا؟ سأوضح لكم الأمر.

تارح أبو إبراهيم كان عابدًا للأوثان ومع ذلك فالله لم يعاقب كفره، والسبب في ذلك أنه إن قطع الله الأصل فكيف كانت ستظهر ثمار الخلاص فيما بعد؟ أي فساد أعظم من ذاك الذي لعيسو الذي يقدم لنا دليلًا آخر على رحمة الله؟ أي قبح وأي خبث كان له. ألم يكن هو الزاني والمستبيح كما ذكر الرسول؟ (انظر عب 12: 16) ألم يسع لهذا في حياة أبيه وأمه؟ ألم يبيت النية على قتل أخيه؟ ألم يكن موضع استهجان أمام الله بحسب كلمات الكتاب: "لقد أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 9: 13)، فإن كان قاتل أخيه (بالنية) وفاسق ومستبيح ومبُغض من الله، فلماذا لم يُمحى ويُقطع في الحال من عداد الأحياء؟ لماذا لم يُقاس العذاب الذي يستحقه في الحال؟ إنني أسألكم: لماذا؟

إنه حسنًا أن نعرف السبب. لو كان عيسو قد قُطع من عداد الأحياء لحُرم العالم من ثمرة البر العجيبة. اسمعوا ما هي هذه الثمرة: عيسو ولد رعوئيل، ورعوئيل ولد زارح وزارح ولد يوباب (أي أيوب)(*) (تك 36: 33). من أين كانت ستظهر زهرة الصبر الجميلة (أيوب) لو كان الأصل قد ضُرِبَ؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Job receiving evil tidings (Job 2) - from "Bible Pictures" book, by W. A. Foster, 1897. صورة في موقع الأنبا تكلا: أيوب يتلقى أخبار رديئة (أيوب 2) - من كتاب "صور الكتاب المقدس"، و. أ. فوستر، 1897 م.

St-Takla.org Image: Job receiving evil tidings (Job 2) - from "Bible Pictures" book, by W. A. Foster, 1897.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيوب يتلقى أخبار رديئة (أيوب 2) - من كتاب "صور الكتاب المقدس"، و. أ. فوستر، 1897 م.

طول أناة الله

2- في كل أمر ضعوا أمامكم هذا الاعتبار، فإن كان المصريون لم يُعاقبوا (بالفناء) لتجديفاتهم التي لا تُحتمل، فهذا من أجل الكنائس التي ازدهرت في تلك البلاد ومن أجل الأديرة التي أُقيمت فيما بعد، ومن أجل المؤمنين الذين يعيشون الآن حياة ملائكية.

طبقًا لتعليم المشرعين وطبقًا للقوانين الرومانية نفسها، إن كانت امرأة حٌبلى تستوجب حكم الموت لجرائمها، فلا ينبغي أن تستوفي عقوبتها إلا بعد الولادة. وهذا إجراء جدير بالثناء تمامًا لأنه ليس من العدل أن يهلك البريء مع الأثيم.

إن كانت القوانين البشرية لا تمس بالسوء كل من ليس له علاقة مباشرة بالجريمة، فكم بالأولى يحفظ الله رأس ذرية ما ليؤكد لذريته منفعة التوبة. ثم لاحظوا أيضًا أن الخطاة أنفسهم يُنتظر انتفاعهم من هذه الفرصة ويُحوطوا بشهادات لنفس المحبة. فلو كان العدل تقدم التوبة لكان العالم قد دُمر وهلك عن آخره. ولو كان الله قد سارع إلى العقوبة ما كانت الكنيسة قد فازت ببولس، هذه الشخصية العظيمة.

لقد سامح الله تجديف بولس لكي يُظهر لنا توبته. إن الرحمة الإلهية هي التي حولت الذئب إلى راعي. إن الرحمة الإلهية هي التي حولت العشار إلى مبشر. إن الرحمة الإلهية إن تلامست معنا تغيرنا وتتوبنا كلنا.

عندما ترون من كان نهمًا سابقًا يصوم اليوم كله، من كان مجرمًا بالأمس يتحدث بكل وقار عن الله، وعندما ترون الذي كان لسانه في السابق منجسًا بالأغاني القذرة يُطهّر روحه بالتراتيل الإلهية، فابدوا إعجابكم بالرحمة الإلهية وامدحوا التوبة، ولننتهز فرحة هذا التغيير لنردد كلمات النبي: "هذا التغيير هو حقًا عمل يمين العليّ" [(مز 76: 11) بحسب النص].

إن الله صالح نحو كل البشر وخصوصًا الخاطئين.

هل ترغبون في سماع شيء غريب جدًا - أعيروني انتباهكم.

بينما الله يُظهر في كل موضع (في الكتاب) الصرامة تجاه الأبرار، فهو لا يظهر للخطاة إلا كل عذوبة ورقة إذ يقيمهم من عثرتهم ويشجعهم بكلماته وهو يقول: "هل يسقطون لا يقومون أو يرتد أحد ولا يرجع؟ فلماذا ارتد هذا الشعب في أورشليم. رفضوا أن يرجعوا؟" (إر 8: 4-5)، "ارجعوا إليَّ يقول الرب فارجع إليكم" (زك 1: 3)، فضلًا عن هذا فإن منتهى صلاحه يلّح عليه حتى يثبت بقسم الوعد بخلاص الخاطئ التائب: "حي أنا يقول السيد الرب إني لا أسر بموت الشرير، بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا" (حز 33: 11)، ويوجه كلامه للبار قائلًا: "إذا رجع البار عن بره وعمل إثمًا فلن أعود بعد أذكر بره ويموت في خطيته" (حز 18: 24).

يا لصرامة الله تجاه البار وتساهله تجاه الخاطئ. يا له من تضاد وتنوع، ذلك الذي يقدمه لنا الرب.

ليس معنى هذا أن الله يخضع لأي تغيير، ولكنه ينظم (وينوع) مظاهر صلاحه لكي يجعلها أكثر فعالية. وهذا هو السبب: إن إرهاب الخاطئ وبالأخص العنيد، سيحرمه من كل دالة (لدى الرب) ويغرقه في اليأس، والمدح للبار سيرخيه عن صلابة فضيلته، وبنفس الإطراءات يدفع البار للانحلال من غيرته وحميته وبالتالي فالله يشفق على الخاطئ ويزرع المخافة في البار: "الرب مخيف لكل الذين حوله" [(مز 88: 8) بحسب النص]، ولنقرأ في أحد فصول الكتب المقدسة: "الرب ممتلئ عذوبة لكل البشر" [(مز 144: 9) بحسب النص]، وعمومًا عن من يتكلم المرنم في عبارة "الرب مخيف لكل من حوله" إلا عن القديسين؟ فداود يهتف قائلًا: إن الله ممجد في مجمع القديسين وعظيم ومخيف لكل من حوله [(انظر مز 88: 8) بحسب النص] فإن رآنا نسقط يمد لنا يد الرأفة وإن رآنا قائمين يلهمنا بتذكارات الحكمة والعدل التي تدخل أعماقنا، لأن المخافة حارسة البار، والرأفة توقظ الخاطئ.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خاطئة الإنجيل

هل تريدون مثالًا لهذا الصلاح السخي وللصرامة التي هي مفيدة ونافعة لنا. أعيروني انتباهكم لكي ندرك هذه الحقيقة في كل عمقها. يعلم الجميع أن تلك المرأة الخاطئة كانت متمرغة في وحل الرذيلة والإثم. تلك المرأة الغارقة في الفساد والمحمّلة بالأعمال السيئة قد تغيرت بالخلاص الذي أعطته التوبة وتسحبت حتى دخلت إلى وليمة القديسين، وأنا أطلق عليها وليمة القديسين، لأن قدوس القديسين كان حاضرًا بنفسه في هذه الوليمة إذ كان حاضرًا على المائدة في بيت سمعان الفريسي. عندما دخلت تلك المرأة الخاطئة، بدأت في الحال بإمساك قدمي الرب يسوع وكانت تغسلهما بدموعها وتمسحهما بشعر رأسها، وبالرغم من حمل الإثم الذي كانت مثقلة به، إلا أن المخلص الصالح رفعه قائلًا لها: "مغفورة لك خطاياك" (لو 7: 47).

ليس هدفي في هذه اللحظة أن استغرق في هذه القصة، لكني اذكرها لأستشهد بها. انظروا هذا السخاء: "من أجل ذلك أقول لك قد غُفرت خطاياها الكثيرة، لأنها أحبت كثيرًا" (لو 7: 47)، وهكذا عادت المرأة لبيتها ومعها صك بغفران خطاياها الكثيرة. على العكس منها كانت مريم أخت هارون وموسى التي لأجل تذمر بسيط ضُربت بالبرص (عد 6: 12، 10).

لقد قيل للخطاة: "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" (إش 1: 18). إن الرب يمنح التوبة مزية تحويل الظلمة إلى نور، وبكلمة ممتلئة رحمة تمسح الكثير من خطايانا. ولكن الذي يسلك في البر يُقال له: "من قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت 5: 22).

يا لهذا العقاب الذي لأجل كلمة واحدة بينما أعظم الخطاة ينال الكثير من التساهل.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

استعمال الصبر

3- لاحظوا أيضًا شيئًا آخر ليس أقل غرابة - إن الخطايا صك بديون حقيقية والله يترك للخطاة الدين كله، ولكن يطلب من الأبرار الفوائد!

إن العبد كان مدين بعشرة آلاف وزنة عندما قُدم للسيد. وبعد أن حاول أن يستدر عطفه بتضرعاته وأسفه قال: "يا سيد تمهل عليّ فأوفيك الجميع" (مت 18: 26).

هذا السيد الرقيق لم يطق أن يسمع كلام عن رد المبلغ مدفوعًا في ذلك بتضرع عبده، وعفا له عن كل دينه، ولكن إن كان قد عفى عن الذي عليه العشرة آلاف وزنة وتغاضى عن كل دينه، فهل يعلن أنه يطلب من الأبرار فوائد المال المودع لديهم. "فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة، فكنت متى جئت استوفيها مع ربا" (لو 19: 23). لا تذهبوا إلى الاعتقاد أن الأبرار غير كريمين في عيني الرب، إذ لا أحد أحب إليه منهم، وكما سبق أن ألمحت إنه يريد بهذا أن يجتذب ويقود الخاطئ إليه، ويجعل المخافة تحفظ البار من كل تعثر. لهذا السبب غفر لأعدائه بالرغم من كبريائهم وخطاياهم العديدة، وسأل أحبائه التدقيق الشديد بهدف أن يبعدهم عن كل ما من شأنه أن يقصيهم عن ذروة الكمال.

إن البار أمام الله مثل الغني في نظر الناس، والخاطئ في نظر الله مثل فقير في نظر الناس، وبالمثل فكما أنه لا يوجد من هو أكثر فقرًا من الخاطئ، هكذا لا يوجد من هو أكثر غنى من البار، وهذا هو الكلام الذي وجهه بولس الرسول إلى المؤمنين الذين يمارسون التقوى والفضيلة: "اشكر إلهي أنكم استغنيتم فيه في كل كلمة وكل علم" (1كو 1: 4-5)، وهذه كلمات إرميا النبي عن الأثمة: "إنما هم مساكين، لهذا السبب لم يسمعوا لصوت الرب" [(إر 5: 4) بحسب النص]، وهو هكذا قد نعت المبتدعين عن التقوى بالفقر. وهوذا ظهر لنا كيف أن الرب يظهر شفقته تجاه الخطاة كما تجاه من هم فقراء، وهو مدقق تجاه الأبرار كما تجاه الأغنياء، وهو يشهد للفقراء كيف أن سخائه يضع في الاعتبار فقرهم، بينما لكي يعضد كنوز فضيلة الأبرار فهو يعاملهم بحنان حازم.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأغنياء والفقراء

إن السلوك الذي انتهجه الله تجاه الأبرار والخطاة هو، هو نفس سلوكه باتجاه أغنياء وفقراء العالم. وكما رأيناه يشجع الخاطئ بعطفه ويخيف البار بصرامته، فنحن نراه يتصرف بنفس الطريقة فيما يختص بالأمور الأرضية، فهو يتحدث بلهجة مرعبة جدًا للناس الذين يحيون محاطين ببهاء الكرامات مثل الملوك والأمراء وكل من يحيون في بحبوحة العيش، وهو يقدم لهم الرعبة كلجام للسلطان: "والآن أيها الملوك افهموا وتأدبوا يا جميع قضاة الأرض، اعبدوا الرب بخوف وهللوا له برعدة" (مز 2: 10-11) - لأنه "ملك الملوك ورب الأرباب" (1تي 6: 15). فهناك حيث القوي يمارس سلطانه يزرع الله التذكار بسلطانه الذاتي (عليهم)، وحيث لا يوجد إلا الضعف والظلمة فالله يجعل النور المعزي لحنان محبته يتلألأ، هناك الله الملك العظيم للملوك ورب الأرباب.

هنا الكتاب يكشف لنا بهاء عظمة الله، فهو أب الأيتام ونصير الأرملة وملك الملوك وأمير لأمراء ورب الأرباب (انظر مز 67: 6).

أترون هذه الرحمة التي بلا حدود؟ أترون هذه المخافة الخلاصية للتقوى والاقتدار اللتان يلهمهما معًا؟ هنا الرب ينبّر على الاقتدار كضمان للصحة (الروحية) ويضيف إليها المخافة كصمام أمن، وهناك ينظر الله بعين الاعتبار للضعف الذي يتوج آلام اليتيم والفقر الذي يتوج بؤس الأرملة فيأتي ليعزيهم بإحسانات صلاحه قائلًا: "أنا أب للأيتام" فهو من ناحية يبسط رأفته، ومن ناحية أخرى يردع تجاوزات السلطة، وهو يسمي نفسه أب الأيتام ليعزي قلوبهم البائسة، وينزع من المتسلطين فكرة مواصلة مضايقتهم للأرامل والأيتام إذ أن الأرامل محرومون من أزواجهم، والأيتام من والديهم. لذلك فإن أحكام الصلاح الإلهي تأتي لتصلح وتعوض الضربات القاتلة، وهذا الصلاح يجعل ملك القديسين نصير للأرملة وأب لليتيم.

يقول الرب: خذوا حذركم أيها الظالمين فباضطهادكم للأرملة فأنتم تثيرون سخط نصير الأرملة، وفي مضايقتكم لليتيم فأنتم تضايقون من هو الله أبوه، فأنا أب اليتيم ونصير الأرملة. فمن هو وقح وجسور أيضًا حتى يضايق أولاد الله ويضطهد الأرامل المسكينات اللواتي هن تحت حمى الله؟

وهكذا يأتي هذا الإله العظيم للمساعدة على التقوى فيتصرف مع البعض بالرأفة ومع البعض الآخر بالتخويف محافظًا على وحدة أهدافه دائمًا وجاعلها في تناسق مع مختلف أحاسيس البشر. ولنا الآن أن نستعمل الدواء الشافي للتوبة أو بالأحرى لنقبل من الله نفسه التوبة التي تؤدي إلى الشفاء من شرورنا، لأن الله يقدمها لنا كدواء لشفائنا.

هل ترون الصرامة التي يبديها الله تحت الناموس، والصلاح الذي يظهره في ظل نعمة الإنجيل؟ وإن كنت أتكلم عن صرامة الناموس فلست أحط من قدر العدل الإلهي، ولكني أقصد الخروج إلى (تذوق) حلاوة النعمة الإنجيلية.

إن الناموس يضرب المخالفين بدون شفقة، ولكن النعمة تختلف معه، فبرحمة عجيبة تعاقبهم لتحثهم على التوبة. إذًا فلنحتضن التوبة يا إخوتي، فالتوبة هي التي تثّبت خلاصنا، وهي العلاج الذي يخلصنا من خطايانا.

لست أتكلم عن التوبة المظهرية ولكن عن تلك التي تترجم إلى أعمال وتمحو من القلب نجاسات الإثم. يقول الرب "اغتسلوا، تنقوا، انزعوا الإثم من قلوبكم من أمام عيني وكفوا عن فعل الشر" (إش 1: 16)، ماذا يعني حشو الكلام هذا؟ ألا تكفي الكلمات: "انزعوا الإثم من قلوبكم" لكي توضح كل شيء، فلماذا هذه الإضافة "انزعوها من أمام عيني"؟ إن هذا لأن عيني الله لا ترى مثل عيون البشر، فالإنسان ينظر إلى الظاهر، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب" (1صم 16: 7)، فلا تهتموا بتوبة خارجية كاذبة أمام عيني أنا الذي أفحص الخفيات، أنتم الذين يجب أن تنتجوا الثمار الواجبة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تذكر الخطايا

4- بعد أن تطهرنا من خطايانا فلا ينبغي أن نتوقف عن تذكارها في الفكر، وإن كان الله في عطفه قد منحكم الغفران، لكن من أجل صون روحكم فلا تفقدوا رؤيتها على الإطلاق (في ذاكرتكم). فإن تذكر الخطايا الماضية حصن أمان ضد أخطاء المستقبل، وأيضًا من يبكي على ضعفاته السابقة لن يُظهر بعد ذلك في المستقبل إلا كل حذر ويقظة.

قال داود النبي: "خطيتي أمامي في كل حين" (مز 50: 6). لقد كانت خطاياه السابقة أمام عينيه لكي لا يسقط ثانية في المستقبل. فضلًا عن ذلك، فإن الرب يطلب صراحة هذا الاهتمام من جانبنا، واسمعوا بالأحرى كلماته: "أنا، أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا اذكرها. ذكّرني فنتحاجج، حدّث لكي تتبرر" (إش 43: 25-26). فبمجرد أن تُظهر التوبة لا يتأخر الله عن الصفح. فأنتم اعترفتم بخطيتكم فتبررتم، وأنتم تبتم فحصلتم على الرحمة. إن التائب يمحو خطاياه بمسلكه، لكن طول الوقت (الذي للتوبة) ليس هو الفيصل الذي يجعل الله يرضى علينا.

إنه يحدث أحيانًا أن لا يُدرك الخلاص بالرغم من طول وقت التوبة، بينما من يقر بخطاياه صراحة في بضع لحظات ينال الغفران. إن صموئيل النبي أمضى وقت طويل للصلاة من أجل خلاص الملك شاول، وقد أمضى ليالي عديدة بدون نوم متضرعًا للغفران له، ولكن الله لم يعير اهتمامه لطول فترة تضرعاته، لأن شاول الملك لم يتبع ذلك بتوبة، فقال الله لصموئيل: "إلى متى تبكي شاول؟ لقد رفضته" (1صم 16: 1). هذه الكلمات "إلى متى؟" تحدد (طول) فترة صلاة صموئيل ومثابرته، إلا أن الله لم يستجب لهذه الصلاة الطويلة، لأن شفاعة البار لم يتبعها توبة الخاطئ.

إن الطوباوي داود خضع لتوبيخات القديس ناثان النبي بشأن خطيته الشهيرة، وإذ قد ارتعب من الانتقام الإلهي فاظهر (في الحال) علامات توبة حقيقية وهتف قائلًا: "لقد أخطأت أمام الله" (2صم 12: 13). وهذه الكلمة التي أعلنها من عمق قلبه والتي لم تستغرق إلا لحظة جلبت غفران كامل لأمير التائبين، إذ في الحال أُلغي الحكم وقال له ناثان النبي: "الرب نقل عنك خطيتك" (2صم 12: 13)، وهكذا الله بطئ في العقاب سريع في إعطاء الغفران.

تأملوا أيضًا في الله كلي الرأفة، كيف انتظر أيام طويلة قبل أن يستعمل هذا العلاج الناجع. لقد صار داود آثمًا، والمرأة المُغرر بها صارت حُبلى دون أن يعقب هذا الخطأ أي تحذير. ولكن فقط عندما ظهرت ثمرة الإثم للنور، حينئذ فقط ظهر الطبيب ليعالج الخطية. ولكن لماذا لم يراجع الأثيم في الحال؟

لأنه كان يعلم أن أنفس الخطاة تكون عمياء في بدايات الخطية، ويعلم أن آذانهم (الروحية) تكون صماء عند وقوعهم في هاوية الإثم. ولقد أرجأ الرب إعطاء العلاج لفترة طويلة ليعطي درسًا، إلا أنه في نفس اللحظة التي ظهرت فيها التوبة تلاها الغفران مباشرة.

حقًا كم أن طرق الرب عجيبة حتى عندما يهدد. أنظرتم سرعة رحمته؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الرحمة الإلهية

إن الله يسلك هكذا في مواقف شتى ودائمًا يُظهر تمهلًا في الإهلاك وإسراعه في مد يد العون للتائبين، فمثلًا نحن الذين لسنا سوى بشر، نحتاج لوقت طويل لنقيم بناءًا، إلا أننا نحتاج لوقت طويل للهدم. ولكن الله عكسنا تمامًا، فعندما يبني فهو يفعل هذا بسرعة، وعندما يهدم يفعل هذا ببطءٍ. فالسرعة في البناء والبطء في الهدم والتدمير صفة لكمال الله، فالصفة الأولى توافق قدرته والثانية تلائم صلاحه، فهو سريع لأجل لانهائية قدرته وبطئ لأجل عظمة صلاحه.

إن ما يؤكد هذه الكلمات هو طبيعة الأحداث ذاتها، ففي ستة أيام خلق الله السماء والأرض وسلاسل الجبال والأودية والسهول والغابات والزروع والينابيع والأنهار والفردوس وسائر الأشياء المرئية المختلفة والبحر بعمقه واتساعه والجزائر...

كل هذا العالم الجميل قد خلقه الله في ستة أيام، فإن كان الله قد صنع كل هذا بهذا القدر من السرعة، أما فيما يختص بتدمير أي مدينة فهو يتردد ويتمهل من أجل صلاحه.

لقد أراد الله أن يقلب أريحا، فقال لبني إسرائيل: "دوروا حول المدينة لمدة ستة أيام وفي اليوم السابع يسقط سورها" (يش 6: 3-5).

ما هذا يا رب؟‍‍‍‍‍! أتخلق كل هذا العالم في ستة أيام وتحتاج لسبعة أيام لتدمير مدينة عادية؟ أي عقبة تلك التي تعترض قدرتك؟ لماذا لا تتم هذا التدمير بسرعة؟ ألم يهتف داود حين ذكر عجائب قدرتك قائلًا "لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار" (مز 46: 2).

إنه كان سهلًا عليك يا رب أن تنقل الجبال وتلقي بها في البحر، أفلا تريد أن تحطم بسرعة هذه المدينة التي تقاومك فتنتظر لليوم السابع؟ كيف يتأتى هذا؟ فيجيبنا الرب قائلًا: ليست القدرة هي التي تنقصني، ولكن صلاحي هو الذي جعلني انتظر. لقد أمهلتهم سبعة أيام لعلهم يتوبوا ويخلصوا، على غرار الثلاثة أيام التي أعطيتها لنينوى فيما بعد.

ومن كان بشير التوبة بالنسبة لأهل أريحا؟ إن الأعداء حول المدينة من كل جانب وقائدهم يراقب الأسوار، والذعر والاضطراب يعمل في هؤلاء التعساء، فأي طريق أعددته لتقودهم للتوبة؟ هل أرسلت إليهم نبي أو بشير بخبر سار؟ هل كان يوجد في وسطهم من يستطيع أن يقترح عليهم بماذا يتدبرون؟

نعم يقول الرب: كان بينهم معلم قادر على تعليمهم التوبة، وهذا المعلم هو راحاب العجيبة التي خلصتها بالتوبة وهي من نفس هذا الشعب الوثني ولكنها تخلت عن وثنيتها وشرورها ولم تعد تحمل أي شيء من إثمها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الله يريد حياة الخاطئ

5- اندهشوا لهذه العظة العجيبة عن التوبة، إن ذاك الذي قال في الناموس لا تزن (خر 20: 14) استعار لهجة أخرى لرحمته ونطق على فم يشوع: "لتحيا راحاب الزانية" (يش 6: 17).

إن يشوع بن نون الذي قال: "لتحيا راحاب الزانية" كان صورة للرب يسوع الذي قال أيضًا "إن الزواني والعشارين يسبقونكم لملكوت السموات" (مت 21: 31).

إن كان يجب أن تحيا راحاب فلماذا عاشت في الزنا؟ وإن كانت راحاب زانية فلماذا صنع معها هذا المعروف؟

إنني سأوضح لكم حالتها السابقة لكي تندهشوا بالأكثر للتغيير الذي حدث فيما بعد. ما الذي صنعته راحاب حتى تستحق أن تخلص؟ هل لأنها أحسنت استقبال الجاسوسين العبرانيين؟ وهل هذه الضيافة تصنع كل هذا؟ لا - فليست كلماتها فقط هي التي ضمنت لها الخلاص ولكن بالأساس إيمانها ومشاعرها الحسنة نحو الله التي هي ممتنة ومدينة له، ولكي نحكم على عظمة إيمانها فلنسمع القصة بشهادة الكتاب المقدس الذي يشرح لنا سلوكها العجيب. لقد كانت في ماخور الفساد -كحجر ثمين- مغمورة في الوحل، مثل الذهب المُلقى في الطين. كانت راحاب زهرة تقوى منعتها الأشواك عن التفتح، كانت نفسها التقية أسيرة موضع الإثم.

(من فضلكم) أعيروني انتباهكم. لقد استقبلت راحاب الجاسوسين، والإله الذي خانه بني إسرائيل في البرية آمنت به راحاب في وكر الدعارة. وبماذا نتكلم عن إسرائيل في البرية؟ إن الجبل كان مغطى بالسحاب الكثيف والبروق والرعود مع العجائب المخيفة التي تلت بعضها البعض وفجأة أطلق الله صوته من وسط اللهيب: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهك رب واحد. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (تث 6: 4)، وبعد أن سمع إسرائيل هذه الكلمات صنعوا تمثالًا وتركوا إلههم وأساءوا إلى ربهم ورفضوا المحسن إليهم وقالوا لهارون "اصنع لنا آلهة أخرى" (خز 32: 1).

لماذا هذه الكلمات: "اصنع لنا"؟ هل هذا شيء يليق بالآلهة (الحقيقية)؟ كيف تكون آلهة إن كانت مصنوعة باليد؟ وهكذا دفعهم الإثم حتى إلى العمى ولتدمير أنفسهم.

"هذه آلهتك يا إسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر" (خر 32: 4).

إنه لا يُرى إلا عجل من ذهب. إنه لا يُرى إلا صنم فلماذا هذا الهتاف: "هذه ألهتك يا إسرائيل".

إن ما ادّعوه ليس فقط عبادة الشيء الموجود نصب أعينهم، بل أيضًا وقعوا في شرك تعدد الآلهة، وهذا تعبير عما يجول بفكرهم أكثر منه شيء كائن أمامهم.

هذه العظائم التي سمعها بني إسرائيل وسط غرائب الطبيعة وأخذوا عليها ناموس مدهش، ومع كل هذا فقد رفضوا الله. وراحاب اعترفت بتلك العظائم والحقائق في قلب وكر الدعارة إذ قالت للجاسوسين: لقد علمنا بالأشياء العظيمة التي صنعها إلهكم بالمصريين (يش 2: 9).

إن العبرانيين هتفوا قائلين: هوذا آلهتك يا إسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر" والزانية نسبت هذه العجائب ليس للأصنام بل لله الواحد "نحن علمنا بالأشياء العظيمة التي صنعها إلهكم بالمصريين وفي البرية - سمعنا فذابت قلوبنا ولم تبق روح في إنسان. لقد سمعنا بالأشياء العظيمة التي أتمها إلهكم".

انظروا (الكلمات التي قالتها) وكأنها خاضعة بالإيمان لكلمات مشّرع عظيم: "لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وغيره لا يوجد إله غيره".

لقد كانت راحاب رمز للكنيسة المهجورة في السابق لسيطرة فساد الشياطين وقبلت رسل المسيح، ليس رسل يشوع بل تلاميذ المسيح المخلص الحقيقي: "إني أعلم أن إلهكم في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وغيره لا يوجد إله".

هذه التعاليم قبلها اليهود ولم يكونوا أمناء عليها والكنيسة قبلتها وحفظتها بالتمام.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

راحاب رمز الكنيسة

إن راحاب التي هي رمز الكنيسة تستحق (منا) مدح جزيل وعظيم، وبولس الرسول إذ اقتنع بنبل إيمانها في مقابل سمعتها السيئة في وضعها السابق، فحكم باستحقاقها بالإعجاب بسبب توبتها وذكرها ضمن سائر القديسين الآخرين، فبعد هذه الكلمات:

"بالإيمان قدم هابيل ذبيحته وبالإيمان أيضًا قدم إبراهيم إسحق وبالإيمان بنى نوح الفلك وبالإيمان أجرى موسى العديد من العجائب وبعد ذكره العديد من شخصيات القديسين أضاف قائلًا: "بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة إذ قبلت الجاسوسين بسلام".

انظروا بأي مهارة أخفت صنيعها إذ أن السعاة المكلفين بالبحث عن الجاسوسين عندما سألوها: هل أتى إليك الرجلان؟

فأجابت: نعم لقد أتوا إليَّ.

لقد أجابت بالحق لتمهد الطريق لخداعهم. إن الكذب لا يُصدق في حد ذاته على الإطلاق ولكن إن كان مرتبطًا بكلام حق يتقدمه يُصدَّق، وبالتالي فإن الأشخاص الذين يريدون إضفاء الثقة واليقين على كذبهم فإنهم يبدأون مقدمًا بأشياء غير مشكوك في صحتها ومعروفة للكل، وبعد ذلك يدسون كذبهم.

- هل أتي الرجال؟

- نعم.

لو كانت قد أجابتهم بالنفي ما كانت ستستطيع تحريضهم على السعي خلفهم.

- نعم. لقد أتوا وخرجوا عند الظلام فاسعوا سريعًا وراءهما حتى تدركوهما.

 يا له من كذب عجيب! كم أحب هذه الإجابة التي ضللتهم بدلًا من خيانة الأمور الإلهية. وهكذا إذًا استحقت راحاب خلاصها بالتوبة. هذه هي راحاب التي اسمها يُنطق حتى بفم القديسين: "لتحيا راحاب" فهكذا هتف يشوع في الصحراء، وبولس الرسول يقول: "بالإيمان لم تهلك راحاب مع شعبها الوثني" وبالأولى نحن أنفسنا إن تبنينا التوبة سننال الخلاص. إن الآن وقت التوبة - لأنه علينا أن نخاف كثيرًا من الخطايا التي تتراكم علينا إن لم نتلافى العقوبة بتوبتنا "فلنسرع ونقر بالكل في محضره" (انظر مز 94: 2)، فلنطفئ مخزن الحطب الذي أشعلته خطايانا.

إنه لا حاجة لأن نسكب عليه مياه كثيرة بل يكفي قليل دموعٍ. ولو أن الحريق الذي تلده الخطية متسع إلا أنه ينطفئ بدموع قليلة والتي في نفس الوقت تطفئ لهيب آثامنا وتبدد الروائح الكريهة. ولنا في هذا شهادة من كلمات الطوباوي داود الذي أجاد إظهار قيمة الدموع: "أعوّم في كل ليلة سريري، بدموعي أذوّب فراشي" (مز 6: 5). لو كان داود يريد الكلام عن وفرة دموعه لكان يكفي أن يقول "أعوّم سريري بدموعي" - فلماذا أضاف "أذوّب فراشي". إنه فعل هكذا لكي يعلمنا أن الدموع تمسح وتكفر بآن واحد عن خطايانا.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخطية نبع لكل الشرور

6- إن الخطية هي المصدر لكل الشرور، فحيث الخطية هناك الألم وحيث الخطية هناك الشقاقات والحروب والأمراض وسائر الآلام الصعب تسكينها. وبالمثل فإن الأطباء المهرة لا يكتفون بدراسة الأمراض في مظاهرها ولكن يبحثون عن المسببات. وبالمثل فإن الله لكي يُظهر للبشر أن الخطية هي المصدر لكل المصائب التي يعاني منها البشر، فالمخلص الإلهي طبيب النفوس قال للمفلوج الذي رأى أن روحه مريضة أكثر من جسده: "ها أنت برئت فلا تخطئ لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14). إذًا يُستنتج من هذا أن الخطية كانت هي السبب في مرضه السابق، وهكذا دائمًا تكون الخطية هي السبب في كل عقوبة وكل ضيق وكل نكبة.

إن الشيء الذي يدهشني في هذا إن أرى الله قد أخضع الإنسان منذ البدء للألم بسبب الخطية، وعارض بعد ذلك حكم بحكم وإدانة بإدانة... سأشرح كيف يكون هذا.

إن الألم صار عقابًا للخطية وبالألم أيضًا تُمحى الخطية -أصغوا بانتباه في غضب الرب على حواء- أشار بالعقوبة التي جلبتها على نفسها بعدم طاعتها فقال الرب: "بالوجع تلدين أطفالًا".

إن هذه الكلمات تثبت أن الألم هو ثمرة (مباشرة) للخطية، ولكن يا لسخاء ربنا، ما كان عقابًا قد صّيره مصدر للخلاص.

إن الخطية ولدت الألم والألم بدوره حطم الخطية وذلك مثل الدودة التي أكلت الشجرة التي ولدت عليها. هكذا الألم الناتج عن التوبة التهم الخطية التي كانت سبب منشأة، وبولس الرسول يقول: "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة" (2كو 7: 10). فالحزن إذًا خلاصي بالنسبة للنفوس التائبة بالحقيقة، وبالمثل أنه لائق وحسن جدًا للخطاة أن يبكوا على آثامهم "طوبى للباكين لأنهم سيتعزون" (مت 5: 5)، فابكوا على خطيتكم لكي لا تبكوا في العقاب. أبطلوا الحكم الصادر ضدكم قبل أن تقفوا أمام منبره في اليوم الأخير. إن كنتم تريدون حكمًا في صالحكم، فهل تجهلون إنه لا ينبغي الانتظار حتى تحقيق القضية، بل عليكم أن تسارعوا إليه -أي إلى القاضي- قبل لحظة إصدار الحكم، سواء عن طريق أصدقاءه أو عن طريق حرسه (الخاص) أو بأي طريقة أخرى؟

أما فيما يختص بحكم الله فلا تأملوا شيئًا عندما تأتي الساعة بأن يتنازل عن الحكم الصادر ضدكم، ولكن قبل تلك الساعة فقط أمامكم فرصة للحكم لصالحكم وداود يهتف قائلًا: "فلنسرع ونقر بخطايانا في حضرته".

إن مهارة أي خطيب (محامي) لن تخدع هذا القاضي العظيم وهو لا يهاب بأس الإنسان فلا اعتبار لديه للكرامات ولا يخشى مقامات الأشخاص، لا يدركه الفساد -أي لا يمكن أن نرشوه بالمال- وأحكامه صارمة وعدله ثابت، فلنتوسل إذًا هنا ونحن على الأرض إلى هذا القاضي الأعلى ولنتضرع إلى حلمه ورأفته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الصدقة

إننا ننادي بأن نتكل ليس على الأموال ولكن نتكل على رحمة الله من كل قلبنا. إن تحدثنا حقًا بأكثر دقة فإن الله -وهو الصالح- ينعطف للأموال - ليس الأموال التي توضع بين يديه، ولكن بالأموال التي تصب في يديّ الفقير، فأعطوا أموالكم للفقير ليرضى قاضيكم عنكم.

إنه من محبتي إياكم أشير عليكم بهذا. إن الصدقة تقدم الأجنحة التي تطير بها التوبة. إن الصدقة مدّت يد العون لتوبة كرنيليوس الحارة: "صدقاتك وصلواتك قد صعدت تذكارًا أمام الله" (أع 10: 4)، بحيث أنه لو لم تكن هناك صدقة قدمها لما صعدت توبة هذا الرجل القديس إلى الرب. إذًا فهوذا طريق مُعبد قد فُتح اليوم أمام صدقاتكم.

انظروا المحبوسين والفقراء من حولكم، انظروا المحتاجين الذين يجوبون الأماكن العامة، اسمعوا تلك الصرخات والدموع والآهات. إنها لصفقة عجيبة مقدمة إليكم! - أو بالأحرى عجيب ذلك الصنف من المؤسسات الذي يسمح بالشراء بسعر رخيص وبالبيع بدينارات قليلة. أليس هذا مماثل لما يفعله التجار؟ أليس كل اهتمامهم التجاري منصبًا على البيع بسعر مرتفع كل ما كلفهم قليلًا وبالتالي تحقيق مكاسب ضخمة؟

إن ما يقدمه الله لكم يشابه الاوكازيون إلى حد قريب. اشتر البر بسعر رخيص لكي تبيعه ثانية فيما بعد بسعر مرتفع. هذا إن كان يمكن إعطاء اسم بيع على إرجاع الشيء لصاحبه الحقيقي.

إن هذا البر يكلفكم شيئًا زهيدًا: كسرة خبز، رداءًا رخيصًا، كوب ماءٍ باردٍ: "ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره" (مت 10: 42). ما هذا‍؟ إن كان كأس ماء بارد يكون له مكافأة، فهل الملابس والأموال الموزعة في هيئة صدقة ستُحرم من المكافأة؟ بالتأكيد لا، بل سيكون لها اعتبار أعظم.

ومع هذا، فما هو غرض المخلص من الحديث عن كأس الماء البارد؟ إنه قال هذا ليشير إلى أن الصدقة لا تكلف أي نفقة، لأن كأس الماء البارد لا يكلف، فإن كانت الصدقة التي لا تكلف تضمن لنا مكافأة هكذا حسنة، فأي مكافأة سيمنحها هذا القاضي البار لمن سينفق في الصدقة ملابس كثيرة وأموال وأملاك بلا حصر؟ انتفعوا إذًا من ذلك السعر المرتفع قليلًا الذي به تُمنحون هذه الاستحقاقات التي تقبلونها من السخاء الإلهي: "أيها العطاش جميعًا هلموا إلى المياه والذين ليس لهم فضة تعالوا اشتروا" (إش 55: 1).

مادامت تسمح لنا الفرصة فلنشتري الصدقات أو بالأحرى فلنشتري الخلاص بواسطة الصدقة، وأنتم عندما تغطون عري الفقير تغطون عري المسيح نفسه.

ستقولون لي إننا نعلم هذه الأشياء ونعرفها تمامًا، وقد تعلمناها من قبل كلامك لنا عنها، ولست أنت أول من علمنا إياها، فأنت تعلمنا بشيء ليس بجديدٍ، فهذه الحقائق قد سمعناها كثيرًا من فم أشخاص عديدين موجودين هنا.

إنني لست أجهل أنكم عُلمتم مرات كثيرة هذه الحقائق، وحقائق أخرى مماثلة - ليتنا نرد على هذه التعاليم الكثيرة ببعض الأعمال الحسنة.

"من يرحم الفقير يقرض الرب" (أم 19: 17)، فلنقرض الله صدقتنا لكي نستمتع في مقابل ذلك برأفته. أي حكمة في هذه العبارة: من يرحم الفقير يقرض الرب.

إنه لم يقل: من يرحم الفقير يعطي الرب، بل قال من يرحم الفقير يقرض الرب. إن الكتاب قال هذا لأن الله يعرف بخلنا ولم يفت عليه أن طمعنا الجشع يشتهي دائمًا الأموال التي ليست له ويطلب امتلاكها، وبالتالي فبدلًا من هذه الكلمات: "من يرحم الفقير يعطي الرب - التي تعني عطية لا تُرَد - استخدم الكلمات: "من يرحم الفقير يقرض الرب"، فإن أقرضنا الرب، فالرب مدين لنا - فهل تريدون أن يكون الرب مدين لكم أم أن يكون قاضيكم؟

إن المدين يكنّ الاحترام لمن أقرضه، ولكن القاضي لا يعتبر من أسدى إليه هو شخصيًا العديد من الخدمات.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مَنْ يعطي قرضًا لله

7- لنفحص أيضًا لماذا قال الرب أن من يعطي الفقير يقرضه هو شخصيًا، فأولًا نحن نلاحظ كيف أننا نضع في اعتبارنا طمعنا الذي لا ينتهي والذي لا يسمح لنا أن نقرض المال دون أن نأخذ ضمانًا، فالمقرض يطلب في العادة ضمانًا بأحد ثلاثة أشياء، إما رهن عقاري أو أي ممتلكات تكفي لتغطية القرض أو وجود ضامن، وفقط في حال استيفاء أحد هذه الشروط الثلاثة يقرض الدائن ماله لمن يريد، والرب إذ يعرف حسنًا إنه لن يوجد من هو مستعد للإقراض خارج هذه الشروط، وأنه لن يوجد من يتصرف بدافع الصلاح فقط، وأن المكسب هو الهدف المشترك لكل البشر، كما يعلم أن الفقير لن يستطيع أن يفي أحد هذه الشروط إذ لا رهن عقاري لديه لأنه لا يملك شيئًا، وليس لديه ممتلكات أخرى يرهنها لأنه يحيا في العوز، ولا كفيل له لأنه من الذي يجازف بضمان الفقير من أجل الخطر المضاعف المحيق بتلك الأحوال من بؤس الفقير إلى عدم رحمة الغني.

لذلك فإن الرب أراد أن يكون هو نفسه مادة رهن للمقرض والكفيل للمقترض، (وكأن الرب يقول) لا تحسبوا (القرض) على الفقير لسبب بؤسه، ولكن احسبوا القرض عليَّ من أجل كنوزي اللانهائية.

وهكذا إذ رأى (الرب) الفقير فأخذته الشفقة، وبدلًا من أن يحتقره ارتضى بأن يكون ضامن له وأعانه بمحبته التي بلا حدود، المحبة التي هلل لها داود بهذه الكلمات: "لأنه يقوم عن يمين المسكين" (مز 109: 31).

"من يرحم الفقير يقرض الرب" لا تخافوا شيئًا، فأنتم تقرضوني أنا. ما الشيء العظيم الذي اكتسبه أو يعود عليَّ بإقراضكم لبعضكم البعض؟

ولو إنه لا يجوز إطلاقًا أن نطلب من الله أن يجعلنا ندرك أغراضه، فإنه قال: أنا ارتضيت بهذا الطلب الغريب لأستخدم صلاحي في تليين صلابتكم (أي غلاظة قلوبهم).

لنفحص بتدقيق ٍ السؤال محل البحث. عندما تقرضون الآخرين فأي فائدة ستعود عليكم؟ كم هو الربح الذي تأخذونه مقابل الإقراض؟ إن كنتم تطلبون العدل فلن تفرضوا عليهم ولا حتى واحد في المائة ربح، ولو خضعتم لجشعكم الشره فستصيرون مذنبين بالأكثر. حسنًا سأكمل كيل رغبات جشعكم، سأذهب إلى ما هو أبعد من حدود جشعكم، الذي سيتلاشى في فيض غناي. أنتم تطلبون واحد في المائة من المبلغ المقترض، وأنا سأعطيكم مائة ضعف.

يا رب! إنني أصدق أنك تنظر للصدقة المعطاة للفقير كأنه قرض لك أنت شخصيًا ولكن متى ترده لي؟ إنني أطلب أن أتحقق من هذه النقطة لكي أجعل أيضًا هذا الاتفاق أكثر اكتمالًا. أريد أن تحدد لي الوقت الذي فيه ستفي بالتعهد المبرم. حدد الأجل الذي فيه يحين وفاء الدين.

إن هذا الطلب سخيف: لأن الله صادق في كل أقواله (ووعوده) [(مز 144: 13) بحسب النص].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لقد كنت جائعًا فأطعمتموني

ومع أن العرف المتبع بالنسبة للمدين الأمين أن يحدد الوقت واليوم الذي يفي فيه الدين، فاسمعوا إذًا في أي وقت وأي مكان سيفي الله الدين الذي أقرضته له في شخص الفقير: "متى جاء ابن الإنسان على عرش مجده فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار، فيقول للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المُعد لكم منذ تأسيس العالم [انظروا بأي كرم يعامل المدين دائنه وكيف يشهد له عن طيب خاطر بالعرفان].

لماذا يا رب هذا الإكرام؟

"لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني، محبوسًا فأتيتم إليَّ" (مت 25: 31، 34-36). حينئذ ينظر أولئك الناس ويقولون له: "يا رب متى رأيناك جائعًا فأطعمناك أو عطشانًا فسقيناك؟ أليس أعين الكل إياك تترجى وأنت تعطيهم طعامهم بوفرةٍ" (مز 145: 15)؟

يا لأعجوبة الصلاح! إن الله يخفي كرامته لكي يجعل رحمته تتلألأ.

"كنت عطشانًا فسقيتموني". من هو المتكلم بهذه الطريقة؟

إنه ذاك الذي يسكب المياه للبحيرات والأنهار والينابيع، إنه ذاك الذي هتف في الإنجيل قائلًا: "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماءٍ حي" (يو 7: 38)، إنه ذاك الذي قال: "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب" (يو 7: 37).

ثم أضاف قائلًا: كنت عريانًا فكسوتموني. فهكذا نحن نكسي ذاك الذي يكسي السموات بالسحاب، ذاك الذي يعطي الكنيسة والأرض كلها كسوتها. "لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27).

"كنت مسجونًا... " أأنت يا من تفك قيود المأسورين سجين؟ فسر لنا هذا، لأن مجدك العظيم لا يجعلنا نصدق هذا الكلام. متى رأيناك واقعًا تحت هذا الضيق؟ متى عاملناك بهذه الكيفية؟ "الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت 25: 40) - إذًا فتلك العبارة " من يرحم الفقير يقرض الرب" صادقة.

إنه شيءٌ جديرٌ بالملاحظة أن نرى أن المخلص لم يشر إطلاقًا على أيًا من أعمال الفضائل الأخرى. كان من الممكن أن يقول: "تعالوا يا مباركي أبي، لأنكم متعففين وحفظتم البتولية وعشتم حياة إنجيلية بالتمام... ".

لقد صمت إزاء هذه الفضائل، ولو أنها جديرة بالمدح، إلا أنها تأتي في المرتبة بعد المحبة. أيضًا فإنه قد أظهر لمن هم على يمينه أن الملكوت قد مُنح لهم مكافأة على محبتهم للقريب، وبالمثل فقد أعلن لمن هم على يساره أنهم عوقبوا لقساوة قلبهم: "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41).

ولماذا هذا الحكم؟ ما هو السبب (لمثل هذه العقوبة الشديدة)؟

"لأني جعت فلم تطعموني". إنه لم يقل لهم: "لقد تنجستم بالإثم والزنا والسلب وشهادة الزور والحنث بالقسم. ما من شك أن هذه شرور واضحة لكنها أقل بكثير من سوء القصد (الكائن) في عدم الإحساس وقساوة القلب.

لماذا يا رب لم تذكر طرق الإثم الأخرى؟

إن حكمي ليس ضد الخطية (في حد ذاتها) ولكن ضد قساوة القلب، ليس ضد الخطاة (كلهم)، ولكن ضد الخطاة الذين لم يتوبوا. وكأنه يقول: إنني أدينكم بسبب قساوة قلوبكم.

لقد كانت الصدقة دواءً فعالًا وأكيدًا لكم. تلك الفضيلة التي تمحو كل السيآت، ذلك الدواء الخلاصي الذي احتقرتموه. لهذا السبب فإن الرب قد اعتبر قساوة القلب أصل كل شر وعدم تقوى.

إنني أحببت المحبة كأصل لكل خير، وأني وإن كنت قد زجرت الأولى بالنار الأبدية، إلا أنني كفلت للثانية ملكوت السموات.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مكافآت الملكوت

إن المكافآت التي وعدنا بها الرب عظيمة. إنه لجميل ذلك الملكوت الإلهي الذي ننتظره. وأيضًا فإن جهنم التي هددتنا بها مرعبة جدًا، فهي تخيفنا وذاك يجتذبنا، الواحد يبث فينا خوفًا خلاصي، والآخر يجتذبنا لمحبة الفضيلة.

إن الله لا يهددنا بجهنم لكي يلقينا فيها بل ليقينا إياها. لو كان الله لا يريد لنا إلا العقاب لما حذرنا بأن نسعى للخلاص من تهديداته وبالتالي فهو يوضح لنا العقوبة لكي نتحاشاها. إنه يهددنا بكلماته لكي لا يعاقبنا حقيقةً، إذًا فلا ترفضوا أن تشهدوا بمحبتكم لله بالكيفية التي ذكرتها سابقًا سواء كمدين لكم أو كقاضي لكم، فالمدين يحترم دائنه. إنه يخافه وفي نفس الوقت يحترمه، حتى أنه إذا أتى الدائن لبيت المدين، فإن المدين لفقره يهرب في الحال من بيته، وإن كان المدين متيسرًا فعلى العكس يستقبل دائنه ولا يهرب منه. وهوذا أيضًا القاضي الأعظم الذي يتصف بالعدل يستقبل دائنيه ويحترمهم بحسب ما توحيه لي دلائل الأمور البشرية.

إن أقرضتم لأحد نظرائكم الذين في الضيق، وبعد ذلك أصاب غنىٍ عظيم يسمح له أن يفي لك ما عليه فهو سيفعل هذا بمنتهى التكتم حتى لا يخجل من حالته السابقة وهو سيعبّر عن عرفانه وشكره ولكن خزيه من فقره السابق سيحمله على إخفاء هذا المعروف، لكن الرب ليس هكذا، فهو وإن كان يأخذ في السر لكن يرد ما أخذه علانية. فعندما يأخذ منك فهذا يتم خفية تحت ستار الصدقة، وعندما يرد فهذا أمام الكل.

رُبَّ من يسأل: لماذا لا يغني الرب الفقير كما أغناني من خيراته؟

نعم هذا سهلًا جدًا على الرب أن يعطي الفقير غنىٍ أكثر منك، ولكنه لم يشاء أن يحكم على غناك بالعقم، وفي نفس الوقت لم يشاء أن يظل عوز الفقير بلا مكافأة.

إن الله يقدم لكم أيها الأغنياء الفرصة لكي تغتنوا أيضًا بالصدقة وأن تستخدموا ثروتكم بحسب البر "فرّق، أعطى المساكين، بره يبقى إلى الأبد" (مز 112: 9). بهذه الطريقة يجمع الغني كنوز أبدية بالصدقة، والفقير بدوره ليس له مال ليتمم هذا النوع من البر إذ أنه معوز، لكن الصبر في العوز يجلب له مكافأة أبدية. لأن صبر البائسين لا يخيب إلى الأبد (انظر مز 9: 18).

لنستطع أن نكون هكذا بالمسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى دهر الدهور آمين.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(*) توضيح من الموقع: موضوع أن أيوب هو نفسه يوباب مجرد رأي غير شهير في نقطة غير عقائدية.  أو مجرد اختلاط في كتابة الاسم ما بين يوباب وأيوب.

(78) جاء في حاشية النص الفرنسي ما يلي: مؤلف هذه العظة سيفيرين الجبالي، وجبالي هي مدينة بالقرب من لاودكية في سوريا. وقد عادي سيفيرين فم الذهب في آخر أيامه وهو يمثّل صفوة مدرسة إنطاكية والكثير من أعماله قد فُقد وما تبقى تم إدراجه تحت اسم القديس يوحنا ذهبي الفم.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-repentance/god-is-quick-to-help.html

تقصير الرابط:
tak.la/rxw683f