St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-repentance
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عظات عن التوبة: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

8- العظة الثامنة على التوبة: الكنيسة | الرذائل والخطأ وعلاجه | الاعتراف | النحيب على الخطية

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

الكنيسة شبيهة بفلك نوح
منفعة التوبة
الرذائل تُقتلع قليلًا، قليلًا
الخطأ وعلاجه
الاعتراف المقدس
تعليم الكتاب
إشعياء
اسمعي أيتها السموات
منافع التوبة
النحيب على الخطية
الله أب
ابذلوا الجهد

العظة الثامنة على التوبة: للقديس يوحنا فم الذهب

 

إذا كنت قد تغيبت عنكم، فهذا شيء ما كنت أريده، ولكني كنت مجبرًا على ذلك. إلا أن غيابي عنكم كان بالجسد فقط لا بالروح. بالجسد كنت بالتأكيد بعيدًا عنكم، ولكن روحي لم تنفصل عنكم قط، فالروابط التي توثقت بيننا كانت تعتمل فيَّ بكل قوتها وصورتكم ظلت محفورة في قلبي.

لقد كنت متلهفًا يا إخوتي أن أجوز هذه الوعكة المؤقتة لكي أراكم ثانية بأكثر سرعة، ومع أنه لا يزال متبقي فيَّ بعض الآثار من المرض، إلا أنني أسرعت إليكم حتى التقي ثانية بمحبتكم ومودتكم.

إن كان كثيرًا ما يستعين المرضى في فترة النقاهة بعلاج الحمامات، فأنا من جهتي فضلت أن اغطس ثانية وبسرعة في حمّام المحبة الذي تقدمونه إليَّ، وألبي رغبتكم المقدسة لسماع الكتب الإلهية - هذا المحيط الواسع الذي لا تعرف أمواجه العواصف أو الحزن.

لقد أتيت لأرى أرضكم من الآن فصاعدًا نقية. هل يوجد ميناء مشابه للكنيسة، وهل هناك فردوس مملوء بثمر البر مثل اجتماعكم؟

نحن هنا نجد الملجأ الأمين من كل خبث الشيطان. هنا المسيح يثبتنا في أسراره.

لن تُرى هنا حواء ساقطة في التعدي، ولكن سُترى الكنيسة باذلة جهدها لترفعنا إلى فوق. لا توجد هنا أوراق شجر، ولكن فقط ثمار الروح الشهية. لا يوجد هنا شوك وحسك، ولكن كرمة خصبة وعصارة حياة، وإن وجد فيها شوك، سأحولها في الحال إلى زيتونة.

ماذا يهمنا من ضعف الطبيعة هنا حيث تسود الحواس السمائية، فإن قابلت ذئبًا حولته إلى خروف ليس بتغيير طبيعته لكن بتهذيب حواسه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الكنيسة شبيهة بفلك نوح

من المكن أيضًا أن نؤكد دون مبالغة أن الكنيسة ميناء أعظم حتى من فلك نوح، لأن فلك نوح استضاف الحيوانات البكماء وحفظ حياتها سالمة، بينما الكنيسة وهي تقدم لهم الملجأ تحولهم إلى جدة الحياة. سأوضح لكم هذا.

تخيلوا مثلًا صقرًا دخل إلى الفلك، فإنه حتمًا سيخرج صقرًا كما هو، وكذلك الذئب إن دخل فسيخرج ذئبًا كما هو بغير تغيير، ولكن إن دخل الكنيسة صقرٌ، فإنه على العكس سيخرج حمامة وديعة، وأيضًا الذئب إن دخل الكنيسة سيخرج خروفًا، والحية ستخرج حملًا وديعًا. إذن فالكنيسة لا تعمل على تحويل طبيعة الكائنات بل تنتزع منهم الشر.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A scrap iron statue depicting a person - Park of Mahmoud Mukhtar Museum (image 20), Cairo, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, 26 November 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال حديدي بالخردة يصور شخص - ساحة متحف محمود مختار (صورة 20)، القاهرة، مصر - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت، 26 نوفمبر 2023 م.

St-Takla.org Image: A scrap iron statue depicting a person - Park of Mahmoud Mukhtar Museum (image 20), Cairo, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, 26 November 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال حديدي بالخردة يصور شخص - ساحة متحف محمود مختار (صورة 20)، القاهرة، مصر - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت، 26 نوفمبر 2023 م.

منفعة التوبة

هذا هو السبب الذي لأجله أُحدثكم باستمرار عن التوبة. نعم إن التوبة تسبب خوفًا وضيقًا للخاطئ ولكنها ترياق صالح يعالج علل الخطايا وتفتديه من آثامه، والتوبة بالدموع الغزيرة تجعل للخاطئ دالة عند الله، فهي سلاح مخيف ضد الشيطان، نصل بتار قادر على استئصال الخطايا من جذورها. إن التوبة تمنحنا الرجاء في الخلاص وهي عدو لليأس، وهي التي تمنحنا مفاتيح السماء، وهي التي تتيح لنا الوصول للفردوس وهي التي في النهاية تنتصر على الشرير وتقوي رجاءنا في الإفلات منه (وهذا هو الدافع الأساسي والسبب الحقيقي الذي من أجله أحدثكم الآن عن التوبة).

أأنتم خطاة؟ لا تيأسوا. فأنا مُصرّ على أن أقدم لكم الرجاء كدواء وأفضل علاج لضعفكم، لأني أعرف إلى أي مدى يمكن للثقة المستمرة والرجاء في الله أن يكونا سلاحًا فعالًا مقابل الشيطان.

لن أكف عن أن أكرر لكم أنه: إذا أخطأتم لا تسقطوا في اليأس. إن أخطأتم كل يوم فتوبوا كل يوم.

أسألكم سؤالًا، فقولوا لي ماذا نفعل عندما تتهدم مبانينا القديمة؟ ألا نضع جانبًا الأشياء المتهدمة لنقيم بدلًا منها الجديد؟ ولا ندخر الجهد في بذل كل اهتمامنا لهذا التعمير. فليكن لنا مثل هذا (التصرف) بالنسبة لأنفسنا، فإنه إن خضعتم للخطية فجددوا أنفسكم بالتوبة.

ستقول لي: كل حياتي وأنا واقع تحت سطوة الخطية وأنت تقول لي الآن: إذا أنت قدمت توبة فستجد الخلاص والعتق؟

نعم بكل تأكيد.

وإذا سألتني: من أين لك هذه الثقة والجرأة في خلاص التائب؟

أقول لكم: من مراحم الله تجاه البشر ومن أحشاء رأفاته المنعطفة نحو الخطاة.

لا تظنوا أنني أضع ثقتي في توبتكم فقط، لأني أعرف أنها لا تقوى على طرد كل الشرور من القلب. إذا كانت لا توجد غير التوبة فقط لكان يحق لكم أن تكونوا قلقين، أما إن كان صلاح الله هو أساس اعتمادنا، فيجب أن تثقوا به، فمراحمه نحونا لانهائية، بل أقول أيضًا أنها تفوق كل وصف.

إن ضعفاتكم محدودة، أما علاجها فليس له حدود. حتى وإن كانت أخطاؤكم لا تُحصى من الكثرة، فهي لا تزيد عن كونها أخطاء بشرية، وهي لا تُقاس إزاء صلاح الله اللانهائي. فليكن لكم ثقة في الله، لأن التوبة ستنتصر على رذائلكم.

تخيلوا شعلة -سقطت في البحر- هل يمكنها بعد ذلك أن تظل مشتعلة؟‍‍

إن خطاياكم ستتلاشى عند تلامسها مع صلاح الله مثل انطفاء الشعلة إذا لامست الماء، بل إن المحيط رغم اتساعه الهائل، فإنه محدود أما المراحم الإلهية فهي غير محدودة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الرذائل تُقتلع قليلًا، قليلًا

لا أقصد على الإطلاق بمثل هذا الكلام أن أسقطكم في السلبية، بل على العكس إني أحثكم على مزيد من الاجتهاد. مرات عديدة حذرتكم من التردد على المسارح، وأنتم بالرغم من سماعكم هذا الكلام لكنكم لم تتبعوا نصائحي بل ذهبتم للمسارح دون أن تعيروا أي اهتمام لتوصياتي لكم، ومع هذا لا تخجلون من العودة هنا مرة ثانية لتسمعوني.

(ستقول لي): لكن لقد سمعتك من قبل ولم أطعك، فما فائدة العودة هنا؟

إذن أنتم تعترفون بأنكم سخرتم من نصائحي وهوذا أنتم خجلتم وخزيتم!

أنتم تخفون انزعاجكم بصعوبة بينما لا أحد يوبخكم!

إذن فكلماتي لا تزال محفورة في أذهانكم، وحتى في غيابي فهي تعمل فيكم. إنكم لم تعملوا بنصائحي وهوذا أنتم تلومون أنفسكم!! فبسبب ذلك قد تناقص ذنبكم للنصف، لأنه مع أنكم قد احتقرتم نصائحي، إلا أنكم قد اعترفتم بخطاياكم بمجرد قولكم: أنا لم أتبع نصائحك. إنني اعتبر كل من لام نفسه بأنه قد سقط عن الوصية فهو الآن على الطريق الصحيح.

هل لكم نظرات (خاطئة) تلومون أنفسكم عليها؟ هل ارتكبتم خطأ ما؟ هل سحرتكم زانية؟ هل بمجرد خروجكم من المسرح وتذكركم ما سمعتموه (مني) تشعرون حينئذ بالخزي؟

تعالوا‍‍‍‍‌‌‍!

هل أنتم متضايقين؟ تضرعوا إلى الله وللوقت تقومون.

(تقول): الويل لي، لقد سمعت تحذيراتك ولم أعرها أي اهتمام، فكيف أستطيع العودة إلى الكنيسة؟ كيف أستطيع أن أسمع كلامك ثانية؟

إنه هنا بالذات يوجد مبرر أعظم لكي تعودوا وتنضموا إلينا حيث أنكم خالفتم، والآن ستسمعونني مرة أخرى وسأعطيكم نصائحي وستعملون بها هذه المرة.

لو أن الطبيب وصف لكم دواءً لم يأت بالنتيجة (المرجوة)، ألا تظنوا أنه (يمكن أن) يقدمه لكم مرة أخرى في الغد؟

تخيلوا (مثلًا) حطابًا. إنه يأخذ بلطة لكي يقطع شجرة بلوط، فإنه يبدأ في قطع الجذور. إن لم تقع الشجرة من الضربة الأولى، فهو لن يتردد من الضرب ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة إذا احتاج الأمر. افعلوا أنتم بالمثل، فإن بلوطتكم لهي شجرة عقيمة وثمارها لا تخدع إلا الحيوانات الغبية، تلك الشجرة هي الزانية. إنها قد تأصلت منذ وقت طويل داخل فكركم ولقد غلّفت ضمائركم بحبائلها.

إن كلماتي تشبه البلطة. لقد سمعتم كلماتي مرة، ولكن هل تعتقدون أن الشيء الذي قد تأصل منذ وقت طويل يمكن أن يسقط بضربة واحدة؟

أتجده أمرًا غريبًا أن يسقط في المرة الثانية أو الثالثة أو المرة العشرين أو حتى بعد ربوات من المرات؟

إطلاقًا!

إن الشيء الوحيد الذي يهم هو أن تهدموا هذا الانعطاف الدنيء الذي التصق بكم كعادة خبيثة. إن اليهود اغتذوا بالمن وطالبوا ببصل مصر وقد كانوا يقولون باكين: لقد كنا سعداء في مصر!

إن هذا الوضع المحزن والوضيع للغاية لم يكن سوى تعبير عن عادة سيئة. فافهموا حسنًا أنه لا يكفي أن تسلكوا سلوكًا لا غبار عليه لمدة عشرة أو عشرين أو ثلاثين يومًا حتى أرفعكم فوق السحاب وأهنئكم وأقبّلكم، ولكن الشيء الأهم بالنسبة لي هو ألا تسقطوا في اليأس وكل ما أطلبه منكم هو أن تشعروا بالخجل وأن تلوموا أنفسكم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخطأ وعلاجه

2- منذ فترة حدثتكم عن المحبة، فبالرغم من أنكم سمعتموني، إلا أنكم مضيتم وسلبتم الآخرين ولم تعملوا بوصيتي. لا تترددوا مع ذلك في العودة للكنيسة.

اخجلوا من أخطائكم وليس من توبتكم وافهموا جيدًا ما هو عمل الشيطان الذي يحاول أن يعمله فيكم.

فنحن أمامنا شيئان: الخطية والتوبة. الخطية هي الجرح الذي تحمل له التوبة العلاج. إن ما يوجد للجسد يوجد للروح أيضًا، فكما للجسد توجد جروح وأدوية، هكذا أيضًا للروح فلها خطايا كالجروح وأيضًا التوبة كعلاج. فبينما الخطية يقابلها الخزي فإن التوبة يجب أن تكون مصحوبة بالثقة (في محبة الرب لرجوع الخاطئ). تابعوا شرحي أتوسل إليكم، لأنه إذا فقدتم تتابع كلامي هربت فائدته منكم.

نحن إذًا لنا جرح ودواء، الخطأ والتوبة، والخطأ هو الجرح، والعلاج هو التوبة. الخطأ يسبب نوعًا من الغرغرينا بينما التوبة توقفه. الخطية تزيد هذه الغرغرينا وتلحق بالمريض العار والخزي، أما التوبة فهي على العكس مصدر للثقة والحرية والتطهير. انتبهوا لذلك.

إن الخجل رد فعل للخطية، والدالة ملازمة للتوبة. هل أدركتم ما أريد أن أقوله؟ إن الشيطان يقلب الأمور ويربط الدالة بالخطية والخزي بالتوبة. سأشرح هذه المسألة.

إني لن أمّل من الكلام حتى لو كان عليَّ أن أتابع حديثي حتى المساء وسأعالج هذا الموضوع ولن أتهرب منه.

نحن إذن في محضر جرح مماثل للغرغرينا، وعلاج ودواء يهدف إلى التطهير من هذه الغرغرينا.

هل الدواء هو الذي ينشئ الفساد، وهل الجرح هو الذي يسبب الشفاء؟! أليست هذه الأسباب وهذه النتائج مرتبطة بحسب ترتيبها الطبيعي؟ هل تظنون أنها قابلة للتبديل؟ طبعًا لا. فلنصل إذن إلى مشكلة النفس المدنسة بالخطايا. إن عمل الخطية الأساسي هو أن تجلب الذل والعار والخزي لمن يرتكبها، وأما اختصاص التوبة هو الثقة والتعقل والاستقامة. "حاسب نفسك لكي تتبرر" [(إش 43: 26) بحسب النص]، وأيضًا قيل "البار يبدأ دائمًا بملامة نفسه" [(أم 18: 17) بحسب النص].

إن الشيطان يعلم أن الخطية تلد إحساسًا بالخزي يكفي لأن يقتاد الخاطئ إلى الطريق المستقيم، وأن التوبة تلد إحساسًا من الثقة (الدالة) كفيل بأن يجتذب التائب، لذلك فإن الشيطان يقلب الوضع لكي يربط التوبة بالخزي والخطية بالثقة! وسأعطيكم مثالًا لذلك.

لنفرض مثلًا أن رجلًا قد أُمسك بشهوة مستعرة لزانية فيتبعها كما لو كان أسيرها، ويدخل لديها، ودون أدنى إحساس بالخزي يستسلم لها ويسلم نفسه للخطية. ولكن عندما يخرج ويريد أن يتوب، فهل في هذه اللحظة يخزى؟

يا للتعاسة!

هل وأنت بين براثن تلك المرأة لم تشعر بالخزي والآن وأنت تنوي التوبة تُمسك بالخزي؟ لقد قلتم لي إنه خزي ولكن لماذا لم يحدث هذا وقت ارتكابه الخطية؟ لماذا يخجل من التحدث عن إثمه بينما هو ارتكب هذا الإثم بدون خجل؟ انظروا دهاء الشيطان، فأثناء استسلام هذا الرجل للخطية لم يدع الخزي يجتاحه، إلا أنه بعد ذلك يعمل على أن يفضح ضعفه، لأنه يعلم (تمامًا) أنه لو كان خجل آنذاك لكان قد تقهقر أمام الخطية، ولكن على العكس فإنه يسلمه للخجل (فقط) في لحظة التوبة، لأنه يعلم أن هذا الإحساس بالخزي سيكون عقبة في طريق توبته.

إن هدف الشيطان حينئذ يكون مضاعفًا، فهو من ناحيته يجتذب فريسته نحو الخطية، ومن الناحية الأخرى يمنع التوبة. لماذا هذا الخلط في الأمور؟

في لحظة ارتكاب الفعل الأثيم لا تظهرون أي خجل، والآن وأنتم على وشك أن تُشفوا من الخطية تخجلون؟ هل تخجلون من التحرر من الخطية؟ كان يجب أن يكون هذا هو سلوككم (إحساسكم) وأنتم تخطئون!

أانتظرتم حتى وقت التبرير لتحمروا خجلًا - بينما ذلك لم يرد عليكم وأنتم في ذات الفعل؟

"حاسب نفسك لكي تتبرر" (إش 43: 26).

يا للصلاح الإلهي - إن الرب لم يقل: "لكي تهربوا من العقوبة" بل قال "لكي تتبرر". أما يكفي (يا رب) أنك لا تعاقبه حتى تبرره أيضًا؟

بالتأكيد (لا يكفيني)، لكن اسمعوا بالأولى أين نجد مثالًا لهذا التبرير.

هل كان يكفي للص أن يقول لرفيقه "ألا تخاف الله؟ أما نحن فبعدل (جوزينا) لأننا ننال مجازاة ما فعلنا" لكي يسمع هذه الكلمات من الرب يسوع: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 40-41، 43)؟

إن الرب لم يعد بأن يجنبه كل ملامة وعقاب، بل اقتاده دفعة واحدة مبررًا إلى الفردوس.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الاعتراف المقدس

هل لاحظتم أن اللص قد تبرر بفضل اعترافه عن خطاياه؟

إن الإحسان الإلهي نحو البشر عظيم جدًا. إنه لم يشفق على ابنه الوحيد، لكنه أشفق على العبد - أي الإنسان. لقد بذل ابنه الوحيد لكي يفتدي العبيد الجاحدين، وسفك دمه كثمن لهم.

يا للإحسان الإلهي!

أرجوكم ألا تعودوا للاحتجاج بقولكم: لقد أخطأت كثيرًا، فكيف يمكن أن أخلص؟ لأن ما لا تستطيعون أن تعملوه فالله يستطيعه، وقدرته قادرة حتى إلى محو كل خطاياكم.

انتبهوا لما سأقوله: الله يمحو خطاياكم بحيث أنه لا يعود يتبقى لها أي أثر. مثل هذه الأعجوبة لا توجد في الطبيعة، فالطبيب يمكن له أن يظهر كل مهاراته وحذقه لكي يعالج جرحاه، مع ذلك لن يتمكن من محو كل أثر لذلك الجرح.

تخيلوا مثلًا أن رجلًا ضُرب على عينيه عدة مرات، فحتى ولو كل مرة اعتنى بجرحه فمع ذلك ستتبقى هناك ندبة (أثر الجرح)، وهذه الندبة ستكون علامة بعد ذلك على الجرح القديم. نعم سيبذل الطبيب قصارى جهده لكي يمحو هذه الندبة ولكن لن يستطيع، لأنه سيصطدم دائمًا بضعف الطبيعة، هذا إلى جانب محدودية علمه وأدويته.

أما الله، فإنه يمحو كل الخطايا ويفعل هذا بحيث لا يترك أي أثر لأية ندبة، ويحرر النفس من كل شر ويجعلها تستعيد جمالها الأصلي، والرب يقدم لها كل بره لكي يجنبها كل عقوبة، وفي النهاية يجعل الخاطئ من كل الأوجه مماثلًا لمن لم يخطئ، وبالإجمال فإن الخطية تختفي تمامًا وكأنها لم توجد قط، فلا ندبة على الإطلاق ولا اثر ولا شاهد ولا دليل.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تعليم الكتاب

3- كيف أستطيع أن أؤكد ذلك؟

يجب عليَّ أن أدّعم كلامي بالإثباتات وبدلًا من أن أطرح تأكيدات واهية سأعطيكم حقيقة كاملة وسأؤكدها بإثباتات من الأسفار المقدسة. إن الرجال الذين سأذكرهم كأمثلة هم رجال عانوا من جروح عديدة (للخطية) هم يشكلون عينة من البشر تغطوا بالكامل بالجروح وسُلموا للغرغرينا والفساد. هؤلاء إذن الذين لم يكونوا إلا جروحًا ورضوضًا أمكن معالجتها حتى أنه لم يعد يتبقى أية ندبة أو أي أثر لها، ومع ذلك فإنني أكرر أنها لم تكن مجرد جرح أو اثنين أو ثلاثة، بل كان الشر قد استشرى من الرجلين إلى هامة الرأس. أعيروني انتباهكم، لأن كلماتي تخصنا كلنا وتساهم في خلاصنا. إنني أُعدّ الأدوية التي تفوق كل ما يستطيع الأطباء تحضيره، بل ولا حتى الملوك أيضًا. فما الذي يستطيعه الملك؟

بالتأكيد أن الملك له السلطان أن يُخرج من السجن، لكنه لا يستطيع أن يُخلص أحدًا من جهنم. إنه يستطيع أن يُغني إنسانًا، لكنه لا يستطيع أن يخلص نفسه.

إنني من ناحيتي سأضعكم بين يدي التوبة لكي تدركوا اتساع قوتها وتعلموا أن الشرير يرضخ دائمًا أمامها، ولا توجد أية خطية تستطيع على الإطلاق الإفلات من سلطانها، وسأبين لكم أيضًا أنني لن استند على بعض الأمثلة الهشة، ولكن سأستند على أمثلة لآلاف الأشخاص الذين امتلئوا جروحًا متقيحة، الذين قد تثقلوا بخطايا عديدة، ووهبتهم التوبة شفاءً كاملًا لم يترك فيهم أي أثر أو ندبة. فركزوا كل انتباهكم، سأذهب إلى أبعد من ذلك: اجتهدوا في أن تحفروا كلماتي في ذاكرتكم لكي تعلموا الغائبين وتنعشوا حماس المؤمنين الذين لم يحصلوا على هذه التعاليم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إشعياء

فلنسأل الآن إشعياء الذي تأمل الساروفيم، والذي سمع الأنشودة الخالدة، والذي تنبأ بنبوات متعددة تخص السيد المسيح: "رؤيا إشعياء بن آموص التي رآها على يهوذا وأورشليم".

إن النبي في هذه الرسالة يسلّمنا رؤيا له وهذه الرؤيا تقول كلماتها الأولى: "اسمعي أيتها السماوات وأصغي أيتها الأرض لأن الرب قد تكلم" (إش 1: 2).

لكنك لم تتكلم عما أعلنته في البداية يا إشعياء؟ فرسالتك يجب أن تكون مختصة بيهوذا وأورشليم، وهوذا أنت قد تركت الأمر جانبًا لتخاطب السماء والأرض. لماذا تصرف وجهك عن البشر العاقلين لكي تخاطب عناصر عديمة العقل؟

اعلموا أن الكائنات العاقلة قد انحطت حتى إلى مستوى أقل من الكائنات المجردة عن العقل، ومن ناحية أخرى فإن موسى عندما قاد العبرانيين إلى أرض الموعد، أحس بقلبه بأولئك الذين في المستقبل سوف يحتقرون الطريق التي وصفها لهم فهتف أيضًا قائلًا: "أنصتي أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي" (تث 32: 1). إنني أشهد عليكم السماء والأرض، أنه إذا وصلتم أرض الموعد وتركتم المسيح إلهنا فسوف يصيبكم التشتت في كل الأمم.

عندما أتى إشعياء كان التهديد على وشك أن يصير حقيقة، فلم يستطع إشعياء أن يخاطب موسى أو أولئك الذين سمعوا حينئذ هذا الكلام لأن الكل كانوا قد ماتوا، فلذلك خاطب إشعياء عناصر الخليقة التي سبق أن أخذها موسى كشاهد. لقد نقضتم وعدكم أيها اليهود وتركتم الله. كيف أدعوك يا موسى وأنت قد مُت ومهمتك قد انتهت؟ هل أدعو هارون، ولكنه هو أيضًا رحل عن العالم.

ألم تعد تعرف لمن توجه كلامك يا إشعياء؟!

خاطب إذًا العناصر الجامدة!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اسمعي أيتها السموات

لهذا السبب وعلى مدى حياتي أيضًا لم أستشهد بهارون ولا بأي واحد آخر لأنهم جميعًا مائتون. لهذا فأنا أدعوكِ أيتها الأشياء الطبيعية لأنك باقية. لذلك صرخ إشعياء قائلًا: "اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض، لأن موسى يوصيني (بمثاله) أن أدعوكِ اليوم. ولكن هناك سبب آخر: إنه كان يخاطب اليهود: أيتها السموات اسمعي، لأنك أنت التي أسقطتي المن، وأنت أيتها الأرض أصغي لأنك أنت التي أعطيت السلوى.

اسمعي، اسمعي أيتها السموات، لأنك أنت التي جعلت ِ المن يسقط، أنت التي جاءت منك هذه الظاهرة العلوية التي تفوق الطبيعة فتحولت إلى حقل فائض الخصوبة.

أصغي أيتها الأرض لأن هنا على الأرض قد تهيأت مائدة عظيمة.

لم تكن الطبيعة هي التي عملت (هذه الأعاجيب) في ذلك الزمان بل النعمة. إنه لم يكن هناك لزوم لبذل جهد فوق الطاقة لكي ينضج الحصاد، ولم يكن هناك احتياج لطباخ ولا أيضًا لتوصيات خاصة، فالمن مصدر غذائي حقيقي ومقدس كان هو البديل لكل أنواع الأغذية الأخرى.

لقد تناست الطبيعة ضعفها، كيف أن ملابسهم لم تبلَ وأحذيتهم لم تتهرأ؟ كل ذلك كان يخدمهم.

"اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض" بالرغم من كل العجائب التي لم يُسمع بها وبالرغم من هذه الإحسانات فقد أُهين الرب. إلى من سأتكلم؟ هل لكم؟ لكن لم يسمعني إنسان!

لقد أتيت ولم أجد أحد، لقد تكلمت ولم يسمعني إنسان، لذلك فإلى الأشياء غير العاقلة أوجه كلامي حيث أن ذوي العقول قد انحطوا لمستوى محزن.

لهذا السبب أيضًا فإن نبيًا آخر إذ رأى السلوك غير العاقل لملكهم وهو يوقد للوثن ويهين الله والكل يرتعد خوفًا فصرخ: "يا مذبح، يا مذبح اسمعني" (1مل 13: 2).

ما هذا أيها النبي أتخاطب حجرًا؟

نعم، لأن هذا الملك قد صار عديم العقل أكثر من الحجر.

"اسمعني يا مذبح اسمعني... هذا ما يقوله الرب" والمذبح أيضًا انشق والحجر سمع وانفلق وذرَّى الرماد في كل جهة. ومع ذلك فإن الملك ظل أصم إزاء هذه الكلمات - إذ مدّ يده بشدة لكي يمسك النبي لكن الله تدخل ويبّس يده.

أترون إحسان الله في هذا الفعل وتدركون مدى خطأ العبد؟ إن الله لم ييبس تلك اليد من البداية - لعل مشهد المذبح المنشق يقتاد الملك إلى الصواب، وبالفعل لو لم يكن الله قد أجرى هذه المعجزة لكان عفا عن الملك، لكن حيث أنه لم يقوّم سلوكه لدى رؤيته المذبح المنشق لذا صب الله غضبه عليه.

إن الملك قد رفع يده ليضرب النبي فيبست تلك اليد في موضعها. هكذا انتصبت راية النصر (لله) فلا الجنود المسلحين ولا الحرس الموجود بأعداد غفيرة استطاعوا أن يمنعوا أو يشفوا هذه الضربة، وظلت اليد يابسة تشهد بانحطاط الإثم وتعلن انتصار التقوى وتظهر الضلال الجنوني للملك، ولكن تشهد (في نفس الوقت) للإحسان الإلهي تجاه البشر وهكذا لم يستطع شيء أن يعيد الصحة إلى هذه اليد.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

منافع التوبة

4- بسبب كثرة الاستطراد في التفاصيل الجانبية نكاد نبتعد عن موضوع حديثنا الأول، لذلك سأذكركم به.

إنني أقصد من كلامي أن أوضح لكم أنه لو كان أحد مُغطى بالجروح، فإنه يكفيه أن يتوب ويعمل أعمالًا صالحة لكي يمحو الله له خطاياه بالكلية حتى لا يعود يتبقى أي أثر أو ندبة أو علامة ظاهرة على جرح قديم.

سأبذل قصارى جهدي لكي أبر بوعدي!‍‍

"اسمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض لأن الرب تكلم" فماذا قال؟

"ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليَّ. الثور يعرف قانيه (أبنائي عديمو العقل أكثر من الحيوانات) والحمار يعرف صاحبه (إنهم أكثر غباءً من الحمير) أما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم. ويل للأمة الخاطئة" (إش 1: 2-4).

لكن ألا يوجد رجاء للخلاص؟ لماذا هتاف اليأس هذا؟ لأنني لا أجد (استجابة) للشفاء. وماذا أيضًا؟

لأنني قدمت أدوية عديدة والجرح لا يستجيب، وأيضًا فأنا تركته. ماذا أستطيع أن أفعل أيضًا؟ لقد سأمت من محاولات الشفاء.

"الويل" كلمة تُقال في نحيب النساء وهي كلمة موافقة لو قيلت في مناسبتها. انتبهوا لي حسنًا. لماذا هذا الويل إذن؟

إن شعور النبي هنا مشابه تمامًا لشعور طبيب وجد أن مريضه لم يعد له أي أمل في الشفاء. فهو يبكي وأسرة المريض وأصدقاؤه في حالة غم وهم يتأوهون لمصيره. كل هذا غير مفيد بالمرة، فحتى لو سكب العالم كله الدموع على شخص في النزع الأخير فلن يستطيعوا أن يعيدوه للحياة. إن موشحات الحزن على الميت لن تنقلب بأي حال من الأحوال إلى أناشيد قيامة.

لكن ليست الأمور هكذا بالنسبة للنفس. ابكوا جرحها فتتوفر لديكم كل الفرص لإنعاش وإقامة من كانت نفسه مائتة. كيف يكون هذا؟

بمجرد أن يموت الجسد لا يمكن إنعاشه بأية قوة بشرية، بينما النفس الميتة من الممكن إعادتها للحياة بتقويم السلوك. كثيرًا ما يكفي أنكم تنوحون عندما ترون مستبيحًا لكي تعيدوه للطريق المستقيم، لهذا فإن بولس الرسول لم يكتف بكتابة تعاليمه ومواعظه للمؤمنين، بل أضاف أيضًا بكاءه وآهاته إلى (سجل) الإنذارات التي وجهها لكل واحد منهم. ولكن لماذا خلط الرسول البكاء مع الإنذارات؟ لكي إذا ظهر أن إنذاراته غير مجدية، فدموعه تحل محلها.

إن دموع النبي تعبّر عن نفس الأحاسيس، فعندما رأى الرب سقوط أورشليم، خاطب المدينة الهابطة بهذه التعبيرات التي تشبه نحيب إنسان: "يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها" (مت 23: 37)، والنبي قال "ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم" (إش 1: 4).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

النحيب على الخطية

ما أسوأ صحة هذا الجسد - أتنظرون جروحه العديدة؟ "نسل فاعلي الشر أولاد مفسدين". لماذا تنوح هكذا؟ "تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل".

بأي شيء سأضربكم؟ أبالمجاعة أم بالوبأ؟ لقد استنفذت كل العقوبات ولكنها لم تقض على رذيلتكم "تزدادون زيغانًا، كل الرأس مريض وكل القلب سقيم لا يوجد جرح ولا إحباط".

هذه لغة جديدة، فمنذ قليل كنت تقول: نسل فاعلي الشر أولاد مفسدين، تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل. وأيضًا قلت "ويل للأمة الخاطئة" ولم تكف عن النحيب والبكاء والرثاء وعددت الجروح، وهوذا الآن يبدو أنك تنفي قولك الأول إذ تقول لا يوجد جرح ولا إحباط.

اسمعوا: في البداية كان يوجد جرح، فجزء من الجسد كان مصابًا بينما بقية الجسد سليمًا، لكن بعد ذلك صار الجسد كله جرحًا واحدًا، من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت. بلادكم خربة، مدنكم محرقة بالنار، أرضكم تأكلها غرباء قدامكم" (إش 1: 6-7).

وبالرغم من كل المصائب التي سكبتها عليكم، فأنتم لم تغيروا سلوككم. لقد أظهرت كل مهاراتي والمريض مازال يصارع ضد الموت.

"اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم. أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة. لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب". كيف هذا؟ هل يخاطب السدوميين؟

لا، بل يدعو اليهود سدوميين، لأنهم كانوا يتمثلون بتصرفاتهم "اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم. أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة. لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب - أُتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات. لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البخور هي مكرهة لي. رؤوس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي. أصوامكم واحتفالاتكم لست أطيقها. حين تبسطون أيديكم استر عيني عنكم" (إش 1: 10-15).

هل رأيتم من قبل غضبًا كهذا؟ يدعو النبي السماء، ويبكي ويتأوه وينتحب ويعلن أنه لا يوجد جرح وإحباط. إن الله ساخط ولا يقبل ذبيحة ولا رأس شهر ولا سبتًا ولا تقدمة ولا صلوات ولا حتى أيادي مرفوعة نحوه. أترون الجرح؟ أترون هذا المرض عديم الشفاء الذي أصاب ليس واحدًا أو اثنين ولا عشرة بل آلاف؟ ماذا يمكن أن يُصنع بعد ذلك؟

يقول الرب: "اغتسلوا تنقوا" (إش 1: 16). هل هناك خطأ بعد ذلك يدعو إلى اليأس؟ فبعد أن قال الله منذ قليل: لن أسمعكم، هنا يدعوهم أن يتطهروا.

لماذا هذه اللغة المزدوجة؟

في الواقع فهذه الكلمات وتلك تعمل لخيركم. الله يبدأ إخافتكم ثم يجتذبكم.

ولكن رُبَّ معترض يقول: إن كنت لا تسمعهم بعد - إذًا فلم يعد لهم أي رجاء في الخلاص؟ وفي هذه الحالة لماذا تقول لهم تنقوا؟

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الله أب

الله أب ممتلئ حنانًا، وهو الصالح وحده وأحشاؤه تتحرك أكثر من أي أب. فلكي تفهموا حسنًا أنه يتصرف كأب فقد وضع هذا السؤال لأولاده: "ماذا سأفعل يا يهوذا؟"

ألا تعرف ماذا ستفعل (يا رب)؟

نعم أنا أعرف، لكن لا أستطيع أن أعمد إلى هذا، فثقل الخطايا يتطلب عقوبة لا تتفق مع عظم إحساني تجاه البشر.

فماذا أفعل إذًا؟ هل أسامحكم؟

لكن هذا سيزيد عدم اكتراثكم. هل يجب أن ألاحقكم بغضبي؟ صلاحي يمنعني، فما العمل؟ هل أعاملكم كسدوم؟ هل أفنيكم كعمورة؟ ينقلب عليَّ قلبي!

مع أن الله فوق الأحاسيس البشرية، إلا أنه هنا يستعير أحاسيس الإنسان ويظهر حنان يفوق حنان الأم: قلبي انقلب عليّ. فالأم لا تتكلم بغير هذا عن طفلها، لكن الله لم يكتف بأن يذكر انقلاب قلبه اللائق بالأمومة، بل أضاف أيضًا: "قد انقلب قلبي عليّ. اضطرمت مراحمي جميعًا" (هو 11: 8).

هل اضطرب الله حقًا؟

لا فالله فوق هذه الانفعالات، ولكن كما سبق أن قلت إنه يستعير لغتنا: قد انقلب عليّ قلبي فاغتسلوا وتنقوا‍!

لنعد إلى وعدي: لقد أكدت لكم أن الله يشفي الخطاة والبشر المحملين بخطايا لا تُعد والشبيهة بالقروح ولا يبقي هناك أي أثر أو ندبة أو علامة على الجرح بمجرد أن يتوبوا.

اغتسلوا تنقوا. انزعوا شر أفعالكم من أمام عيني، تعلموا فعل الخير (إش 1: 16-17).

ماذا تعني يا رب بفعل الخير؟

اطلبوا الحق، انصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة.

هذه التوصيات ليس فيها أي تثقيل وهي تبدو متوافقة مع الطبيعة، لأن اليتم والترمل والظلم تثير الشفقة حقًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ابذلوا الجهد

يقول الرب: "هلم نتحاجج" - ابذلوا بعض الجهد من جانبكم وأنا سأتولى الباقي. أعطوني حتى ولو شيئًا قليلًا وأنا سأمنحكم الكثير. هلم إذن!

لكن إلى أين؟

هلموا إليَّ أنا الذي أسخطتموني وضايقتموني. إليَّ أنا الذي قلت لكم إنني لا أسمعكم، راجيًا بذلك أن الخوف المتولد من التهديد يقتادكم لتبديد غضبي. أذهبوا لمن لا يسمعكم لكي يسمعكم.

ولكن ماذا ستفعل؟

لن أترك فيكم أي أثر أو ندبة أو علامة على جرح قديم.

"هل نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج" (إش 1: 18).

أبلا ندبة؟ أبلا غضن؟ أمع هذا البهاء من النقاوة؟

إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج.

أأنقياء بدون أي دنس؟!

كيف سيصير هذا؟

إنها كلمات الرب نفسه. هل وعدتكم بخلاف كلمات الرب؟

هكذا استطعتم أن تدركوا عظمة مواعيد الله من جهة، ومن جهة أخرى تدركوا كمال الله الذي يسبغه علينا، فكل شيء مستطاع لله. إنه قادر على تطهير الإنسان حتى لو كان كله نجاسة.

فلنتقوى بهذه التعاليم ولنزداد نضوجًا بمعرفة هذا الدواء - أقصد التوبة، ولنقدم له القوة والمجد إلى دهر الدهور آمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-repentance/church-sin.html

تقصير الرابط:
tak.la/jkzv5bb