القديس بولس الرسول يقول: "لست مستحقًا أن أدعى رسولًا لأني اضطهدت كنيسة الله، ولكن بنعمة الله أنا ما أنا، ونعمته المُعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي": ونص الآية هو: "لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ، أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا لأَنْ أُدْعَى رَسُولًا، لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ. وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي". (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 9، 10).
أنا أريد أن أكلمكم عن النعمة العاملة معنا.
بولس الرسول نجح في حياته أكثر من جميع الرسل. وقال هذا النجاح ليس بسببي أنا بل بسبب النعمة العاملة معي.
هذه النعمة العاملة معه، كانت نعمة الدعوة التي دعي إليها عندما اختاره الله رسول ورسول للأمم. والنعمة أيضًا هي التي حفظته من كل شر.
وأيضًا النعمة هي التي أعطته الكلمة التي كان ينطق بها، ولذلك طلب صلوات الناس وقال لهم "صلوا من أجلي لكي أعطى كلامًا عند افتتاح فمي": ونص الآية هو: "مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6 : (- 19، وطبعًا يقصد أن يعطى كلامًا من النعمة، النعمة تعطيه كلامه عند افتتاح فمه. فيكون الكلام له تأثير.
والنعمة أيضًا حفظت بولس الرسول، هذه النعمة الحافظة هي التي يقول عنها المرتل لنا في المزمور: "الرب يحفظك الرب يحفظ نفسك الرب يحفظك من كل سوء الرب يحفظ دخولك وخروجك من الآن وإلى الأبد": ونص الآية هو: " الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ. الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ. الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ" ( سفر المزامير 121 : 5 – 8).
أي نعمة الله تحفظ الإنسان. الإنسان بدون النعمة المعطاه من الله لا يستطيع أن يحفظ نفسه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). عندما خلق الله الإنسان أي عندما خلق آدم وحواء، كانوا في حالة نقية وقوية. لكن بعد سقوطهم في الخطية، أصبحت حالة الإنسان ضعيفة وأصبح من الممكن أن يواجه مَنْ هم أقوى منه ويعتدون عليه.
لذلك أرسل الله النعمة لكي تحفظ الناس وهو يعلم أنهم في حالة ضعف.
وبالنسبة لبولس الرسول، أراد اليهود أكثر من مرة أن يقتلوه ولكن ربنا حفظه منهم. وظل طوال حياته محفوظ بالنعمة. ونحن نعلم أن النعمة الحافظة هذه، كانت مع كثيرين.
يوسف الصديق عندما أغرته امرأة سيده، وطلبت منه أن يخطئ معها، كان شابًا صغيرًا وهذه سيدته ولها حكم عليه، ومن الممكن أن تضره وهي التي اشتهته، ولكن نعمة الله حفظته من أن يخطئ وأعطته قوة أن يقول: "كيف أخطئ وأفعل هذا الشر العظيم أمام الله": ونص الآية هو: "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (سفر التكوين 39: 9). ونعمة الله حفظته في السجن أيضًا.
ونعمة الله حفظته قبل ذلك من إخوته. فنعمة الله الحافظة موجودة باستمرار.
يونان وهو في بطن الحوت نعمة الله استطاعت أن تحفظه حتى لا يبتلعه أو يهضمه أو يؤذيه بأي شكل. نعمة الله موجودة تحفظ الناس.
بل صدقوني ما هو أكثر من هذا أن نعمة الله، تستطيع أن تحفظ الجمادات، أي ليس فقط الإنسان، بل الجماد أيضًا ومن أمثلة ذلك:-
فيوسف الصديق عندما أصبح نائب الملك في مصر ووزير التموين، عمل مخازن وجمع فيها قمح لمدة 7 سنين خزنها. ألم نتساءل هل القمح المخزون لمدة 7 سنين كيف ظل طوال هذه المدة دون أن يطوله السوس؟ بل من الجائز أن المدة كانت أطول من 7 سنين! ربما جمعه قبل ذلك بسنتين أو أكثر! ولكن الله حفظ هذا القمح أن لا يحدث له شيء من أجل أن يستبقي حياتنا على الأرض.
عندما نقول أن الثلاثة فتية وهم في أتون النار. كيف حفظهم الله من النار؟! لم يحفظهم هم فقط بل حفظ ثيابهم أيضًا حتى لا تحترق. أي الله لم يحفظ الإنسان فقط بل حفظ الثياب أيضًا.
كيف أن الله حفظ كوز الزيت وكوار الدقيق أن يظلوا بحالهم طوال مدة المجاعة. لا ينقصوا ولا يفرغوا!
نعمة الله تحفظ العصافير دون أن تطلب منه قوتها. يقول ولا واحد منها تسقط.
ونعمة الله تحفظ كل شيء وتعمل عملًا كبيرًا.
ونعمة الله تدعوا الناس أن يكونوا رسلًا وقديسين.
ونعمة الله تحفظ الرهبان والمتوحدين في المغاير. تحفظهم من دبيب الأرض ومن وحوش البرية ومن الجوع والعطش، وتحفظهم من جهة حروب الشياطين.
لذلك لا بد أن نطلب حفظ الله لنا باستمرار ونقول له كن يا رب معنا واحفظنا من كل شر ومن كل شبه شر ومن التجربة. ونصليها كل يوم في الصلاة الربانية ونقول له: "يا رب لا تدخلنا في تجربة".
فيقول الله: أنا سأرسل لكم نعمتي لتحفظكم من التجربة. ويقصد التجربة التي من الممكن أن تضيع الإنسان. التجارب البسيطة نأخذ بركتها.
الله حفظ داود أمام جليات الجبار. فقد كان جليات قويًا مجرد نفخة منه في وجه داود كفيلة بأن تطيره من على الأرض. فقد كان شابًا صغيرًا ولا يملك قوة أمام هذا الجبار. لكن الله حفظه وجعله ينتصر عليه.
والله أيضًا حفظه من شاول الملك ومؤامراته عليه. فلم يستطع أن يطغى عليه.
وحفظه فيما بعد من أبشالوم ومن أخيتوفل الذي كان يدبر مؤامرة يضيع بها داود.
وكثيرون جدًا عاشوا في حفظ الله. وحفظ الله قديم العهد من أول البشرية.
نلاحظ أن الله حفظ نوح في الفلك ولم يحدث له سوء. وحفظ معه كل أنواع الوحوش والحيوانات والطيور. كل أنواع المخلوقات. حفظه منها وأيضًا حفظها بواسطته فكان يهتم بها ويعطيها الأكل والشرب وحفظ هذه الحيوانات في الفلك أيضًا الكبير منها لم يأكل الضعيف.
الله عجيب في حفظه وفي نعمته التي تعمل في كل الناس وفي كل زمان، ونعمته تحفظ الإنسان من كل عداوة.
داود النبي يتغنى بهذا الأمر ويقول "لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا لابتلعونا ونحن أحياء عند سخط غضبهم علينا": ونص الآية هو: "لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا عِنْدَ مَا قَامَ النَّاسُ عَلَيْنَا، إِذًا لاَبْتَلَعُونَا أَحْيَاءً عِنْدَ احْتِمَاءِ غَضَبِهِمْ عَلَيْنَا" (سفر المزامير 124: 2، 3).
ويقول نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. تصوروا عصفور أمام فخ الصيادين! ماذا يفعل هذا العصفور؟ لا شيء. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن نجونا، عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض": ونص الآية هو: "انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ، وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا. عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ، الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (سفر المزامير 124: 7، 8).
هذه هي النعمة العاملة فينا والنعمة العاملة من أجلنا. الله في معاملته المُحِبة يحفظ الكل.
حتى الأشرار أيضًا يحفظهم الله بنعمته وبنعمته يهيئ لهم طريقًا للتوبة. فالنعمة بالنسبة للأبرار تنميهم في حياة النعمة، وبالنسبة للأشرار النعمة تقودهم إلى التوبة. لأن هناك أناس كثيرين خطاه لا يستطيعون التوبة. الخطية أقوى منهم ونفوسهم أضعف لكن الله قادر أن يفعل أشياء كثيرة.
ليس فقط بولس الرسول الذي كان يتكلم عن النعمة.
بل الكتاب يتكلم عن كل الرسل ففي سفر أعمال الرسل، يقول بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة المسيح، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم. هم يعملون والنعمة تعمل معهم.
النعمة التي كانت على الرسل أيضًا هي النعمة التي أعطتهم العجائب والمعجزات. هل يوجد إنسان يستطيع يعمل أعجوبة أو معجزة؟! لا يستطيع. لكن النعمة تعطيه هذه الموهبة وهذه القدرة على المعجزات. لولا نعمة الرب معنا ما كنا نستطيع أن نعيش يومًا واحدًا.
ونعمة الله هي الدعاء الجميل الذي يقوله الأب الكاهن في نهاية الإجتماع: "محبة الله الآب ونعمة ابنه الوحيد وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم".
وهكذا نستطيع أن نقول أن النعمة هي التي عملت في اللص اليمين فاستطاع ان يشهد للمسيح ربًا وسيدًا وصاحب ملكوت وقال له: "اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (إنجيل لوقا 23: 42). من يستطيع أن يقول أن لص مصلوب ويرى السيد المسيح مصلوبًا بجواره ويرى الدماء والتعب ومعايرة الناس له، ومع ذلك يشهد له ويقول "أذكرني متى جئت في ملكوتك".. لابد أن هناك نعمة افتقدت اللص اليمين. وجعلته يشهد هذه الشهادة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وأعطته أيضًا نعمة الإيمان.
صدقوني لو تسمعوا عن عذابات الشهداء تجدونها صعبة جدًا جدًا، ليس من السهل أن يحتملها الإنسان. ولكن كيف احتملوها؟ نعمة الرب ساعدتهم أن يحتملوا.
الكنيسة نفسها التي مرت عليها عصور الاستشهاد وعصور الاضطهاد من اليهود ومن الحكم الروماني القاسي. وخصوصًا أيام دقلديانوس وأيام نيرون. وأيام أريانوس والي أنصنا كانوا يَتَفَنَّون في طُرُق التعذيب.. كيف احتملت الكنيسة كل هذا؟! بالنعمة التي كانت معها. واستطاعت أن تجوز تلك الأيام.
ونسمع قصص عجيبة عن هذه النعمة في عصور الاستشهاد.
بطرس الرسول قبضوا عليه وكانوا سيقتلونه في اليوم التالي، ولكن النعمة فكت السلاسل وفتحت الأبواب وأخرجته سالمًا. كيف خرج؟ هذا هو عمل النعمة معه. وهكذا بولس الرسول.
أيضًا القديس أثناسيوس الرسولي كم من المرات قبض عليه وكم من المرات أرسل للنفي خارج البلاد. 4 مرات وفي المرة الخامسة صدر الأمر بنفيه، وذهب قائد الجيش ليأخذه للنفي ولم يستطع. الشعب كله وقف أمامه، فرجع قائد الجيش للملك وقال له لم أستطع القبض عليه. فتركوه.
نعمة الله تعمل وتعمل في كل وقت ومع كل أحد ولكن المهم أننا نتجاوب معها. أي إنسان لا يستطيع أن يتوب، تعمل معه النعمة ولكن يجب أن يشترك معها هو أيضًا. ليس معنى أن النعمة تعمل معه أن ينام ويستريح ويظن أن النعمة ستعمل معه كل شيء. لا . الله عندما يعطينا قوة من جهة النعمة لا يحب أن يأخذ منا نعمة الإرادة الحرة التي عندنا . الله يعطينا حرية الإرادة نستخدم النعمة أو لا نستخدمها. النعمة تمهد الطريق أمام الخاطئ ليتوب ولكن لا ترغمه على السير في الطريق السليم.
عندما تسير مع النعمة تجعل حتى أعدائك يسالمونك (سفر الأمثال 16: 7). هي تفتقد الناس وتُعَزّي وتحفظ وتعين وتسبب النجاح. كما قال بولس الرسول النعمة العاملة معي.
يا ليت كل واحد يشكر الله على النعمة العاملة معه.
أما الإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يسير بدون النعمة، فهو إنسان غير داري بنفسه. كيف يعيش إذن بدون النعمة؟! وكيف ينجح في أموره بدون النعمة؟! وكيف ينجو من الكثير من الضيقات بدون النعمة؟! كل هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بمعونة النعمة.
الرب يبارك في هذه النعمة ويباركنا جميعًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f55rtft