كان الملوك القدماء يلهون بالصيد (تك 10: 9). وكان ملوك بابل وأشور يتلذذون به ويتفاخرون ويذكرون مآثرهم في النقوش ويصفون أعمالهم في النحت ويزينون بها جدران قصورهم. ويصور الكتاب المقدس الإنسان قبل الطوفان غير آكل اللحوم وإنما أذن لنوح بأكل لحوم الحيوانات البرية والأليفة (تك 9: 3). وكان نمرود صيادًا شهيرًا (تك 10: 9) أما الآباء فلم يتصيدوا كثيرًا وكان إسحق يحب لحم الحيوانات البرية وكان عيسو يتصيد له فيطعمه (تك 27: 3، 4).
وكان الصيد في كل العصور التي شملها الكتاب المقدس معروفًا في بعض الأمكنة كبرية يهوذا وآجام الردن والغابات الأكثر شهرة والجنوب [(تك 25: 27) ويوسيفوس]. ويظهر أن الحيوانات البرية كانت كثيرة العدد في فلسطين عند دخول بني إسرائيل إليها (خر 23: 29) ونهاهم الله عن طرد جميعها (خر 23: 11؛ لا 25: 7). ومن الحيوانات البرية الموجودة قديمًا في البلاد المقدسة الأسود (قض 14: 5؛ 1 صم 17: 34) والدببة (1 صم 17: 34؛ 2 مل 2: 24). وبنات آوى (قض 5: 4) والثعالب (نش 2: 15) والظباء والأيائل (تث 12: 15). واليحامير (1 مل 4: 23). وكثيرًا من الحيوانات الطاهرة والصالحة للطعام كانت برية ولم تكن لتقتنى إلا بالصيد. وإذا ذبح حيوان يسفك دمه على الأرض ولا يؤكل الدم (تث 12: 16؛ 16: 23).
وكانوا يتعاطون القنص لإفناء الحيوانات الضارة (خر 23: 29؛ 1 مل 13: 24). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وللحصول على الطعام (تك 27: 3؛ سي 36: 21) وكرياضة (يوسيفوس). وكان الناس يقنصون وحدانًا وزرافات (ار 16: 16)، رجالًا أو فرسانًا (يوسيفوس) وفي السهول الكبيرة وفي المركبات. وكانوا يصطادون بالسهام والقسي (اش 7: 24) والرماح (يوسيفوس). وكانوا يتصيدون الحيوانات الكبيرة بالجب أو الحفرة (2 صم 23: 20؛ حز 19: 4، 8)، أو بمصيدة تحت الأرض (اي 18: 10) أو بفخاخ توضع في طريق الحيوان (ام 22: 5)، فتمسك برجله (اي 18: 9)، أو بشبكة تساق إليها الحيوانات وتقتل (اي 18: 8؛ مز 140: 5). وكانوا يسكبون دم الحيوان المذبوح (لا 17: 13). وكان عند البابليين والآشوريين والفرس كلاب للصيد.
وكان العبرانيون يأكلون الطيور (لا 17: 13)، ويصطادونها بشرك أو شبكة (اي 18: 9؛ ام 1: 17) أو بفخ (ام 7: 23).
تفاصيل:
والكلمة العبرية المُستخدمة للدلالة على الصيد هي نفسها "صيد" كما في العربية، وقد ترجمت إلى "زاد" (يش 9: 5، 14)، وإلى "طعام" (نح 13: 15؛ أيوب 38: 41).
(1) الإنسان والصيد:
تدل الرسومات والنقوش القديمة التي رسمها الإنسان البدائي على جدران الكهوف والقبور بالمغرة والفحم (كما في "لوسكو" في فرنسا، و"ألتاميرا" في أسبانيا.. إلخ.) على أن إنسان ما قبل التاريخ كان صيادا. ولعله رسم تلك المناظر كتعاويذ سحرية للنجاح في الصيد.
وباستثناء الحيوانات واستقرار المجتمعات الزراعية، لم تعد للصيد الأهمية التي كانت له من قبل. فقد كان الإنسان البدائي يصيد الحيوانات للحصول على الطعام والملبس (من جلودها)، أو دفاعا عن نفسه. وبعد استثنائه لبعض الحيوانات واقتنائه للقطعان، كان يدافع عنها ضد الضواري التي تهاجمها.
وكان بعض فراعنة مصر وملوك أشور يمارسون الصيد كنوع من الرياضة ولإظهار القوة والشجاعة. فقد اشتهر أمنحوتب الثالث (1411-1375 ق.م.) بصيد الأسود ومطاردة الثيران، فيسجل مفتخرًا أنه في رحلة واحدة قتل 76 ثورًا، وأنه قتل 102 من الأسود على دفعات. كما يسجل تغلث فلا سر الأول ملك أشور (حوالي 1100 ق.م.) أنه قتل أربعة ثيران برية، وأربعة عشر فيلًا وتسعمائة وعشرين أسدًا، للتدليل على مهارته وشجاعته ودقته في إصابة الهدف، مما يجعل منه محاربًا يخشى باسه.
ويبدو أن أرض فلسطين كانت تعيش فيها قديمًا الأسود والدببة فنقرأ عن شمشون أنه قتل أسدا في كروم تمنة (قض 14: 5، 6)، وأن داود قتل أسدًا ودبًا (1 صم 17: 34، 35)، وأن بناياهو بن يهوياداع "ضرب أسدا في وسط جب في يوم الثلج" (2 صم 23: 20). ولكن هذه كانت حوادث طارئة لا تدخل في باب الصيد. وليس ثمة ما يشير إلى أن ملوك إسرائيل قد مارسوا رياضة الصيد، وإن كان يوسفوس يذكر أن هيرودس الكبير كانت له أداة للصيد، وأن هيرودس نفسه كان يصطاد الخنازير البرية والأيائل والوعول والحمير الوحشية، وأنه اصطاد في يوم واحد أربعين حيوانًا بريًا.
(2) أشهر الصيادين في العهد القديم:
سجل لنا العهد القديم أن "نمرود" كان "جبار صيد أمام الرب" (تك 10: 9). وقد تعنى هذه العبارة أنه كان جبار صيد لا نظير له. ويرى البعض أنه -قبل الطوفان- عاش الإنسان نباتيا، أما بعد الطوفان، فقد قال الله لنوح: "كل دبة حية تكون لكم طعاما كالعشب الأخضر.." (تك 9: 3، 4).
كما يذكر العهد القديم أن إسماعيل بن إبراهيم سكن في البرية، وكان ينمو "رامى قوس" (تك 21: 20)، وأن عيسو طلب منه أبوه إسحق أن يأخذ عدته وجعبته وقوسه ويخرج إلى البرية ليصيد له صيدًا ويصنع له أطعمة كما يحب، ليأكل منها ويباركه قبل أن يموت (تك 27: 3، 4).
وتأمر الشريعة: "كل إنسان من بني إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم، يصطاد صيدًا، وحشا أو طائرا يؤكل بسفك دمه ويغطيه بالتراب" (لا 17: 13)، وهو ما يعني أن صيد الحيوانات والطيور كان مباحا، بشرط ألا يؤكل منها إلا ما كان حيوانًا أو طيرًا طاهرًا (انظر لا 11؛ تث 14)، وأن يسفك دمه على الأرض ويغطيه بالتراب.
ويقول الحكيم: "الرخاوة لا تمسك صيدًا. أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الاجتهاد" (أم 12: 27).
وهناك إشارة ضمنية إلى صيد الأسود في الصورة المجازية التي رسمها حزقيال للشعب قديمًا في حديثه عن اللبوة وأجرائها (حز 19: 1-9؛ انظر أيضا أيوب 10: 16). كما أن وجود جب للأسود في بابل، يعنى أنهم اصطاد أسودً ووضعوها في الجب (دانيال 6).
كما جاء ذكر بعض الحيوانات البرية التي كان مسموحًا بأكلها في الشريعة، وكان هذا يتضمن صيدها أولًا: "الإِيَّلُ وَالظَّبْيُ وَالْيَحْمُورُ وَالْوَعْلُ وَالرِّئْمُ وَالثَّيْتَلُ وَالْمَهَاةُ." (سفر التثنية 14: 5؛ 1 مل 4: 22، 23). ويشير إشعياء إلى صيد الوعل بالشبكة (إش 51: 20). وهناك إشارة إلى صيد الحجلة في الجبال (1 صم 26: 2). كما اصطاد شمشون ثلاث مئة ابن أوي (قض 15: 4).
كما يذكر الكتاب المقدس عددًا من الطيور الطاهرة التي لم تحرم الشريعة أكلها (لا 11: 13-19؛ تث 14: 11-19).
(3) وسائل الصيد:
أهم الأدوات التي كانت تستخدم في الصيد هي القوس والسهام (تك 27: 3؛ أيوب 41: 28؛ إش 7: 24) وهي التي تظهر كثيرًا في النقوش الأثرية، فهناك صور -على سبيل المِثال- لأشور ناصر بال الثالث ملك أشور (885-860 ق.م.) وداريوس الأول ملك فارس (حوالى 500 ق.م.)، يصدان الأسود بالسهم والقوس.
كما كان يستخدم السيف والرمح والمقمعة والمقلاع (انظر أيوب 41: 26، 28، 29). وكانت الحيوانات الكبيرة تصاد بعمل حفرة كبيرة في طريقها (مز 35: 7؛ إش 24: 17، 18؛ إرميا 48: 43، 44؛ حز 19: 4، 8.. إلخ.). ولجعل الحفرة أكثر نجاحًا، كانت تغطى الشبكة (انظر حز 19: 8؛ مز 35: 7). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وكان الأسد يوضع بعد صيده في قفص لنقله أو حفظه (حز 19: 9). كما كان توضع في فكه خزامة ليجر بها (حز 19: 4، 9؛ انظر أيضا 2 مل 19: 28؛ إش 37: 29؛ حز 29: 4؛ 38: 4). وقد استخدم ملوك أشور القساة هذه الطريقة الشباك مع أسرهم من صيد البشر (2 أخ 33: 11). كما كانت تستخدم الشباك لصيد بعض الحيوانات مثل الوعل (إش 51: 20). كما تدل النقوش والرسوم على الآثار المصرية والأشورية، أهم استخدموا الكلاب في صيد بعض الحيوانات.
وكانت تستخدم المصالي والشباك والفخاخ والشراك والحبائل والمصايد للامساك بالطيور (انظر أيوب 18: 8-10؛ مز 91: 3؛ 124: 7؛ أم 1: 17؛ 6: 5؛ جا 9: 12؛ عاموس 3: 5).
(4) استخدموا الصيد مجازيًا:
كثيرًا ما يَستخدِم الكتاب المقدس كلمة "صيد" ومشتقاتها، أو ما يدل عليها، مجازيًا مثل تشبيه نفوس الناس بالحيوانات أو الطيور التي تصطاد فيقول المرنم: "لأنه (الرب) ينجيك من فخ الصياد" (مز 91: 3). يقول أيوب: "تصطادني كأسد" (أيوب 10: 16). ويقول إشعياء عن الشعب المرتد: "ينكسروا ويصطادوا" (إش 38: 13) وإنه شعب منهوب ومسلوب قد اصطيد في الحفر كله" (إش 42: 22؛ انظر أيضا حب 1: 15). ويقول عنهم ميخا النبي: "جميعهم يكمنون للدماء، يصطادوا بعضهم بعضا" (مي 7: 2).
ويقول إرميا النبي: "هانذا أرسل إلى جزافين (صيادين) كثيرين، يقول الرب، فيصطادونهم، ثم بعد ذلك أرسل إلى كثيرين من القانصين فيقتنصونهم عن كل جبل وعن كل أكمة ومن شقوق الصخور" (إرميا 16: 16). كما يقول عن نفسه: "قد اصطادتني أعدائي كعصفور بلا سبب" (مراثى 3: 52)، "نصبوا فخاخا لخطواتنا حتى لا نمشى في ساحتنا" (مراثي 4: 18).
ويقول حزقيال النبي: "ويل للواتي يخطن وسائد لكل أوصال الأيدي، ويصنعن مخدات لرأس كل قامة، لاصطياد النفوس، أفتصطادن نفوس شعبي وتستحيين أنفسكن؟" (حز 13: 18).
ويحذر الرب شعبه قديما بالقول: "وتماثيل آلهتهم تحرقون بالنار. لا تشته فضة ولا ذهبا مما عليها لتأخذ لك، لئلا تصاد به" (تث 7: 25؛ انظر أيضا تث 12: 30؛ مز 109: 11).
كما يستخدم الرب يسوع الكلمة مجازيًا في قوله لبطرس وأخيه أندرواس: "هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس" (مت 4: 19؛ مرقس 1: 17؛ لو 5: 10). كما تستخدم الكلمة مجازيًّا في وصف محاولات الكتبة ورؤساء الكهنة وغيرهم لاصطياد الرب يسوع بأسئلتهم الخبيثة (انظر مت 22: 15؛ مرقس 12: 13؛ لو 11: 54؛ 21: 35).
ويستخدم الرسول بولس الفخ والقنص مجازيًا أيضًا دون ذكر كلمة "صيد" (رومية 11: 9؛ 1 تي 3: 7؛ 6: 9؛ 2 تي 2: 26؛ 1 كو 7: 35).
* انظر أيضًا: السمك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r74kwbj