← اللغة الإنجليزية: Seleucia - اللغة العبرية: סלאוקיה על החידקל - اللغة اليونانية: Σελεύκεια.
ميناء إنطاكية التي ركب منها بولس وبرنابا في رحلتهما التبشيرية الأولى (أعمال 13: 4) وهي على شاطئ البحر على بُعْد خمسة أميال شمال فم نهر العاصي، وعلى بُعْد 16 ميلًا غرب إنطاكية. وكانت سلوكية القديمة على منحدر جبل كوريفيوس Mt. Corypheus (اسمه الآن جبل موسى). وقد أسسها سلوقس نيكاتور الذي توفي عام 280 ق. م. وقد كانت أثناء حكم الرومان ذات جمال عظيم وتنظيم رائع، كما كانت ميناؤها حسنة ولا زالت كذلك إلى يومنا، ولها رصيفان أحدهما باسم بولس والآخر باسم برنابا. وقد اجتمعت في سلوكية بعض مجامع الكنيسة الأولى، ولكن أهميتها صارت إلى الاضمحلال منذ القرن السادس والسابع الميلاديين. واسمها اليوم السويدية ويوجد بقرب خرائب سلوكية القديمة قرية اسمها القبوصي.
تقع سلوكية على ساحل سوريا في الركن الشمالي الشرقي للبحر المتوسط على بُعْد نحو خمسة أميال إلى الشمال الشرقي من مصب نهر العاصي، وتقع أنطاكية -عاصمة سوريا في عهد السلوقيين- على بُعْد بضعة أميال في الداخل عند النقطة التي ينحرف عندها نهر العاصي بزاوية حادة -بعد مسيرته شمالًا بين جبال لبنان- متجهًا شرقًا إلى البحر المتوسط. وقد أدت عملية اجتثاث غابات جبال لبنان التي بدأت قبل الميلاد بنحو ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، عندما أدرك الفينيقيون -سكان الشريط الساحلي- أن هناك سوقًا عالمية رائجة لخشب الأرز، إلى خلق مشكلة التعرية التي لم تجد لها حلًا حاسمًا حتى اليوم. ولذلك فإن نهر العاصي كان يحمل أحمالًا ضخمة من التربة التي جرفها في طريقه إلى البحر. ونتيجة لهذه التعرية، ثبتت حكمة بناء ميناء سلوكية على بُعْد قليل شمالي مصب نهر العاصي. وكان الميناء يتكون من حاجزين حجريين، كان الجنوبي منهما أعرض من الشمالي، ويرتفع فوقه، مما كَّون مدخلًا محميًا من الرياح الجنوبية السائدة، وعائقًا أمام تيار الطمي الذي يجرفه النهر، ورغم ذلك فإن الطمي الذي جلبه النهر، ترسب على طول الساحل حتى اختنق مدخل الميناء. أما موقع الميناء الآن فهو مسطح مكون من رواسب الطمي، ولا يمكن تمييز إلا القليل من بقايا مباني الميناء القديمة. وكانت سلوكية التي أقيمت لتكون ميناء لأنطاكية، واحدة من تسع مدن حملت اسم سلوقس أول ملوك الأسرة التي حكمت سورية والمناطق المجاورة منذ بداية القرن الثالث قبل الميلاد إلى أن استولى الرومان -بعد ذلك بنحو قرنين ونصف- على المنطقة شرقي البحر المتوسط.
ومن أعجب الظواهر في التاريخ ما حدث من تغير في النمط السياسي لمنطقة شرقي البحر المتوسط بعد فتوحات الإسكندر الأكبر السريعة، وتقسم الأقاليم التي فتحها بين قواده الذين جعلوا من أنفسهم ملوكًا. وكان أحدهم سلوقس، الذي أطلق على نفسه لقب "نيكاتور" (أي الفاتح) - رغم أنه كان من صغار قواد الإسكندر - وتولى حكم الولايات الشمالية من إمبراطورية الإسكندر الأكبر في الشرق. وأسس سلوقس مملكة السلوقيين في سورية في 312 ق.م. وفي 301 ق.م. بنى ميناء سلوكية وأطلق عليها اسمه. وكان الاسمان: سلوقس وأنطيوكس اسمين شائعين بين ملوك السلوقيين، مما يفسر إطلاق اسمي "سلوكية وأنطاكية" على الكثير من المدن في المنطقة.
وكانت مدينة سلوكية السورية تعرف باسم "سلوكية بيرية" تمييزًا لها عن المدن التي تحمل نفس الاسم في بلاد ما بين النهرين وفي كيليكية القريبة. ويبدو أن اسم "بيرية" يحتفظ باسم ميناء فينيقي أقام على أنقاضه، سلوقس الأول هذا الميناء، ولكن ليس ثمة دليل على ذلك. وقد قصد الملك السوري أن يكون ميناؤه قلعة حصينة تحرس واحدًا من أهم المداخل الرئيسية إلى مملكته. ورغم كل قوتها - الطبيعية والصناعية - حدث بعد نصف قرن أن قام بطليموس الثالث "أورجيتس" بالاستيلاء على سلوكية عند هجومه على سورية متخذًا - على الأرجح - من قبرس قاعدة له (1مك 11: 8)، وذلك بسبب ما كان ينقص مملكة السلوقيين من التماسك الذي كانت تتمتع به مصر البطلمية، حيث كان من العسير على سورية أن تحكم قبضتها على الأقاليم المختلفة، والحدود البعيدة التي تضم شعوبًا متباينة وولايات متنافرة. وظلت سورية في تنافس مستمر مع مصر شريكتها في خلافة الإسكندر، إلا أنها لم تتعرض لهزيمة أشد من تلك التي تلقتها على يد بطليموس الثالث الذي طعنها في موضع القلب منها. وظلت سلوكية في يد المصريين تهديدًا لأمن أنطاكية لأكثر من ثلاثين عامًا، ثم استردها أنطيوكس الكبير في 219 ق.م. لكنها وقعت مرة أخرى في يد البطالمة في 146 ق.م. وتتضمن الفصول التي كتبها بوليبيوس (Polybius) عن حصار أنطيوكس لسلوكية، وصفًا بليغًا للأهمية الحربية والطبوغرافية لتلك الميناء.
لقد كانت استعادة أنطيوكس لسلوكية من مصر جزءًا من برنامج ذلك المحارب لجمع شمل مختلف أقاليم مملكة السلوقيين. وكان واضحًا أنه يجب أن يسترد سلوكية أولًا، إذ اعتبر ميناء سلوكية رمزًا لنجاحه العسكري. ويقال إنه في 205 ق.م. دخل سلوكية في موكب ظافر وكأنه الإسكندر الثاني، في طابور من الفيلة وكميات ضخمة من الغنائم. وخلع على نفسه في هذه المناسبة لقب "الملك العظيم" وأصبح يعرف باسم "أنطيوكس الكبير" وفي عهده أصبحت سلوكية مدينة جميلة حصينة تحقق الغرض من إقامتها لتكون قاعدة للدفاع عن أنطاكية العاصمة.
ونتيجة لحملات أنطيوكس الكبير البعيدة، في محاولته لاستعادة السيطرة على كل المناطق التي كانت خاضعة من قبل لسورية السلوقية، وجد أنطيوكس نفسه في مواجهة الرومان، الذين تنبهوا -بفعل الحرب البونية الثانية- إلى التزامهم الدولي، وأدركوا أنه لكي يقيموا حدودًا قوية، لابد أن تمتد سيطرتهم إلى الممالك الهيلينية شرقي البحر المتوسط . وكان من أعظم أخطاء أنطيوكس السياسية هو فشله في إدراك القوة المتصاعدة لروما واهتمامها الشديد بشرقي البحر المتوسط، فمد فتوحاته إلى أبعد ما استطاع غربًا، فلقي هزيمة منكرة على يد الرومان. وبتوقيعه معاهدة مع الرومان في أبامبا -على نهر العاصي- في 188 ق.م. لم تعد المملكة السلوقية في سوريا قوة عظمى في حوض البحر المتوسط، إلا أنها احتفظت بمكانتها كقوة في الشرق الأوسط. وكانت مدينة سلوكية حينئذ ما زالت حصنًا عظيمًا في يد السوريين، ولك تكن روما تسعى نحو انتصارات بقدر ما كانت تسعى نحو حدود شرقية ثابتة وآمنة.
ولم يحدث إلا بعد أكثر من قرن من الزمان أن ظهر الرومان بقوتهم في قلب الإمبراطورية السورية. وقد نظر كل من "ميثريديتس" (Mithridates) ملك بنطس، و"تيجرينس" (Tigranes) ملك أرمينية بعين الريبة والعداء إلى تعاظم قوة روما في أسيا الصغرى. وبسبب ما حدث من انهيار عام في المنطقة شرقي البحر المتوسط والأقاليم المجاورة، خوَّل مجلس الشيوخ الروماني سلطات خاصة للمحارب العظيم بومبي في 66 ق.م. ليقضي على الفوضى المتزايدة في المنطقة وليعيد إليها السلام. وخلال السنوات الثلاث التي أقامها بومبي في الشرق، قام بعمل عسكري وإداري فذ. وعندما وصل بومبي، وجد أن الغزو الأرميني البنطي قد وصل حتى أورشليم. أما سلوكية، فبفضل تحصيناتها المنيعة التي تمت منذ قرن مضي، فظلت شوكة في مؤخرة جيوش الغزاة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ولهذا فإن بومبي بعد أن استعاد بسرعة كل الأقاليم غربي الفرات، جعل سلوكية "مدينة حرة". وعند تنظيمه للمنطقة الواسعة الممتدة من أسيا الصغرى حتى مصر، قضى على كل أثر لمملكة السلوقيين التي ظلت تتدهور زمنًا طويلًا، بعد أن أضعفتها الانقسامات الداخلية والمنازعات على العرش، فتآكلت حدودها. وإذ أدرك بومبي هذه الحقيقة، جعل من سورية مقاطعة رومانية. وظلت سلوكية مدينة حرة داخل الحدود الإقليمية، وميناء رئيسيًا للسيطرة على المناطق الداخلية. وزاد بومبي في تحصين الميناء لتصبح مثل قيصرية -على نفس الساحل- ميناء وقاعدة حربية حصينة.
وبحلول السيادة الرومانية، ومعها السلام، في منطقة طالما مزقتها المنازعات والفوضى والحروب المتواصلة، بدأت سلوكية قرنًا من الازدهار . ولابد أن النشاط البحري للميناء كان عظيمًا، ولم تعد مجرد منفذ للخروج والدخول إلى مقاطعة رومانية هامة، بل أصبحت أيضًا مرفأ للسفن، في زمن كانت الملاحة فيه تفضل السير بمحاذاة السواحل.
وقد أبحر الرسولان بولس وبرنابا من سلوكية إلى قبرس (أع 13: 4) في أول رحلة تبشيرية. وبعد ذلك بنحو نصف قرن، مر إغناطيوس أسقف أنطاكية بسلوكية في طريقه إلى الاستشهاد في روما. ولابد أن الرسولين بولس وبرنابا عادا من نفس الطريق (أع 14: 26). ومن التقاليد القديمة أنه يوجد في أطلال الميناء القديمة التي غطاها الطمي، رصيفان باسمي بولس وبرنابا.
ومن المحتمل أيضًا أن بولس في رحلته التبشيرية الثانية قد أبحر مع سيلا من سلوكية (أع 15: 40، 41). ويسير التيار البحري بمحاذاة الساحل في الاتجاه الشمالي الشرقي، إلا أن الرياح الساحلية تعادل تأثير التيار، وهكذا يمكن للمسافر أن يصل إلى قبرس في أقل من يوم.
وقد احتفظت سلوكية بوضعها كمدينة حرة، وقد تأيد ذلك بمرسوم من الإمبراطور فسباسيان في 70 م. وظلت سلوكية طوال القرن الميلادي الأول قاعدة للأسطول الروماني في سورية. وقد عملت الحكومة الرومانية باستمرار على تحسين الميناء. وهناك آثار للأعمال الهندسية الرومانية، من أهمها نفق ضخم طوله نحو 200 ياردة، لتحويل السيول المتدفقة من التلال المجاورة، بعيدًا عن الميناء، فمن الواضح أن مشكلة التعرية والطمي، كانت موضع اهتمام جاد. ويحمل النفق نقوشًا باسمي فسباسيان وابنه تيطس. ويبدو هذا دليلًا على أن سلوكية كانت قد اكتسبت أهمية كبيرة كقاعدة وميناء إمداد خلال الثورة الكبرى في اليهودية، فقد كان لسلوكية ميزة واضحة على قيصرية في هذه الناحية، لبعدها النسبي عن ميدان القتال وغارات العصابات.
ولابد أن مدينة سلوكية في ذلك الزمان كانت مدينة رائعة غنية بمعابدها، وبمسرح دائري ضخم منحوت في جرف جبل مازالت بقاياه قائمة. كما يمكن تتبع الطريق العظيمة التي كانت تربط سلوكية بأنطاكية، وما زالَت تشاهد الأطلال السامقة لبوابة السوق في سور المدينة. وعلى المنحدرات السُفلي لجبل "موسي داج" توجد كهوف صنعها الإنسان، يُظن أنها كانت مخازن في أيام ازدهار سلوكية ورواج تجارتها البحرية.
وسلوكية الآن عبارة عن مساحة شاسعة من الأطلال، يجرى عدد من البعثات الأثرية التنقيب عن آثارها منذ عام 1932 م.، وقد تم كشف الكثير من مبانيها وأبوابها وأسوارها ومسرحها، والميناء الداخلي والقناة العظيمة التي حفرها قسطنطيوس في 338 م. في الصخر الصلد، لنقل مياه السيول المتدفقة من الجبال إلى البحر بعيدًا عن المدينة، وكذلك القناة التي كانت تربط الميناء الداخلي بالبحر والتي كانت قد اختفت تحت الطمي منذ زمن بعيد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gxwtjc4