محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24
مع اهتمام الخادم بحياته الروحية وحياة الآخرين لا يتجاهل خدمة القديسين، لا كعطاء إنساني بحت بل كعمل روحي.
1. يسألهم الرسول أن يقدموا نفوسهم قبل مالهم (2 كو 1:8-8) "أعطوا أنفسهم أولًا للرب ولنا بمشيئة اللَّه" (2 كو 5:8) .
2. إنه ثمر عمل المسيح (2 كو 9: 11)، فقدعلمنا العطاء عمليًا. "من أجلكم أفتقر وهو غنى لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 9:8). صار السباق بينهم من يصير غنيًا متمتعًا بفقر المسيح الاختياري.
3. العطاء بسخاء: "لأن المعطي المسرور يحبه اللَّه " (2 كو 7:9).
إذ تحدث في الأصحاح السابق عن التعزيات المتبادلة والفرح العظيم الذي غمر أهل كورنثوس بتوبتهم، وانعكاس هذا على الرسول بولس، تحدث عن الحب العملي تجاه فقراء أورشليم الذين عانوا الكثير بسبب اضطهادهم وحلول مجاعة بها وأيضًا بسبب الحروب؛ هذا وطلب منهم أن يقبلوا تلميذه تيطس ورفيقيه.
إنه كرسول للأمم لم يتغافل عن احتياجات المسيحيين الذين من أصل يهودي، ولا حسب الخدمة في أورشليم ليست من اختصاصاته. إنه أب محب لكل البشر كسيده، شعر بالالتزام أن يحث المسيحيين من أصل أممي للمساهمة بسخاء في تقديم احتياجات الكنيسة في أورشليم.
في هذا الأصحاح يظهر الرسول اهتمامه الشديد بالفقراء أينما وجدوا، وليس فقط فقراء الكنائس التي يخدم فيها. كما أبرز ضرورة اختيار أناس موثوق في أمانتهم وإخلاصهم أمام اللَّه والناس حتى لا يتعثر أحد فيهم أثناء خدمته الخاصة بالعطاء. كما سألهم أن يربطوا عطاء القلب بالمال، ويربطوا السخاء بالحكمة والاعتدال.
1 - 6 |
|||
7 - 15 |
|||
16 - 24 |
|||
من وحي 2 كو 8 |
1 ثُمَّ نُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ نِعْمَةَ اللهِ الْمُعْطَاةَ فِي كَنَائِسِ مَكِدُونِيَّةَ، 2 أَنَّهُ فِي اخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ، 3 لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ الطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، 4 مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ النِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ الْخِدْمَةِ الَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ. 5 وَلَيْسَ كَمَا رَجَوْنَا، بَلْ أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ اللهِ. 6 حَتَّى إِنَّنَا طَلَبْنَا مِنْ تِيطُسَ أَنَّهُ كَمَا سَبَقَ فَابْتَدَأَ، كَذلِكَ يُتَمِّمُ لَكُمْ هذِهِ النِّعْمَةَ أَيْضًا.
"ثم نعرفكم أيها الاخوة نعمة اللَّه المعطاة في كنائس مكدونية" [1].
انتهز الرسول فرصة تقديم كنائس مكدونية، أي الكنائس في فيلبي وتسالونيكي وبيريه وغيرها من منطقة مكدونية، العطاء بسخاء لحث أهل كورنثوس ومسيحيي أخائية للإقتداء بها. السخاء الذي اتسمت به هذه الكنائس ليس نابعًا عن جو من المنافسة، ولا حب الظهور، ولا لمجرد عاطفة بشرية مجردة، إنما هو ثمر نعمة اللَّه التي تعمل في القلب، فيصير محبًا لا لإعطاء المال فحسب، بل ولبذل الذات. إنه عطاء خلال الحب الإلهي المنسكب في النفس.
كل عطاء بل وكل فضيلة صالحة هي عطية أو نعمة من اللَّه. أيضًا إنها نعمة اللَّه هي التي تحول حياتنا لكي تكون بنِّاءة ونافعة في حياة الآخرين.
يقول الرسول بولس أنهم يتقبلون نعمة اللَّه، وأنهم قبلوا كلمة الإيمان بتقوى.
* الصدقة صناعة، حانوتها في السماء، ومعلمها ليس إنسانًا بل اللَّه.
* نعمة اللَّه يقصد بها بولس اقتناء كل عملٍ صالح. بقوله هذا لا يُستثنى دور الإرادة الحرّة، ولكن التعليم هنا هو أن كل عمل صالح يصير ممكنًا بعون اللَّه[485]
إذ تعمل النعمة الإلهية في قلب المؤمن تفتح قلبه بالحب لإخوته فيصير متشبهًا باللَّه.
* ليس شيء يجعلنا هكذا مقربين من اللَّه وعلى شبهه مثل العمل الحسن[486].
* الصدقة قوية وذات سلطان حثى تحل القيود والأغلال،
وتبدد الظلام،
وتخمد سعير نار جهنم،
وتؤهل فاعلها للتشبه باللَّه، لقوله: "كونوا رحماء كما أن أباكم الذي في السماوات هو رحوم"[487].
* الرحمة بالآخرين فضيلة سامية، يُسر اللَّه بها. وهي صفة عالية تتسم بها النفوس الصالحة وتزيدها فخرًا ونبلًا. إنها من صفات اللَّه.
* عملان للرحمة يجعلان الإنسان حرًا: اغفر يُغفر لك، أعطِ فتنال.
* ماذا يشحذ منك الفقير؟ خبزًا. ماذا تشحذ من اللَّه؟ المسيح القائل: "أنا هو الخبز الحيّ النازل من السماء".
* إن أردت أن تطير صلواتك مرتفعة إلى اللَّه، هب لها جناحين: الصوم والصدقة[488].
فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم" [2].
مع أن مسيحيي مكدونية فقراء ومضطهدون، يعانون من الضيق لكنهم أغنياء للغاية في البهجة والفرح أنهم وجدوا فرصة سانحة للعطاء للإخوة في ضيقة أشد، أكثر فقرًا واضطهادًا.
هكذا خلال نعمة اللَّه تشعر الكنائس الفقيرة والتي في محنة بالالتزام أن تسند الكنائس التي أكثر منها فقرًا أو ضيقًا. بمعنى آخر لا يُعفى مسيحي من العطاء، لأنه يئن مع أنات من هم أكثر منه تعبًا واحتياجًا.
العطاء بسخاء يِوِّلد وفورًا من الفرح الداخلي. فإذ يعطي الإنسان مما لديه تنفتح أبواب قلبه ليتقبل عطايا السماء السخية المقدمة له.
بالرغم من أن المكدونيين كان لديهم عجز في المصادر المادية كانت نفوسهم غنية، إذ هم يخدمون القديسين بضمير طاهر، محاولين أن يُرضوا اللَّه لا الناس.
* هذا هو علوّ التسبيح، لأنه في الأحزان يبقون في سلام، وفي أعماق الفقر يعطون بسخاء مما لديهم[489].
* من له نفس رحيمة يكون كمن له كنز من البركات، إذ تكون ينبوعًا لاحتياجات إخوته ومصدر تمتع بكل المكافآت التي أعدها الإله[490].
* الرحمة تُصعد الإنسان إلى علوٍ شامخٍ، وتعطيه دالة بليغة عند اللَّه[491].
* إن كنت حزينًا وأنت تعطي فأنت تفقد كلًا من الخبز والاستحقاق، لأن اللَّه يحب المعطي المسرور[492].
أنا أشهد وفوق الطاقة،
من تلقاء أنفسهم" [3].
في سخائهم لم يضعوا قاعدة للعطاء كأن يقدموا العشور أو أكثر، إنما كانوا يشعرون بالرغبة في تقديم كل ما يمكنهم تقديمه، بل وفاقوا حتى هذا المبدأ. فقدموا أنفسهم للَّه بكل قلوبهم، وقدّموا لهم من أعوازهم، أكثر فأكثر فوق طاقتهم، متشبهين بالأرملة التي قدمت الفلسين، وهما كل ما كانت تملكه.
أن نقبل النعمة وشركة الخدمة التي للقديسين" [4].
الرسول في أبوته الحانية رفض مثل هذا العطاء بالرغم من احتياج كنيسة أورشليم، لأنه فوق طاقتهم. ألهب هذا التصرف بالأكثر قلوبهم ليصروا على العطاء، فصاروا يتوسلون إليه بإلحاح لكي يقبل العطية، حاسبين في ذلك نعمة ينالونها من قبل اللَّه وشركة في خدمة القديسين.
كان إصرارهم بثقة كاملة في الإيمان وبذهن نقي متطلعين إلى المكافآت السماوية مما جعل الرسول يقبل عطاياهم في النهاية.
"شركة الخدمة التي للقديسين": بالعطاء نعلن عن عضويتنا العاملة في جسد المسيح المقدس. ما نقدمه للمحتاجين هو عطاء للرأس الذي يهتم بكل أعضاء جسده المقدس.
* بقدر ما يكون الإنسان من "الأصاغر" هكذا بالأكثر يأتيك المسيح خلاله، لأن من يعطي إنسانًا عظيمًا يفعل هذا بزهوٍ، أما من يقدم للفقراء فبنقاوةٍ يفعل هذا من أجل المسيح[493].
بل أعطَوا أنفسهُم أولًا للرب ولنا بمشيئة اللَّه" [5].
لم يكن ينتظر بولس الرسول مثل هذا العطاء العجيب فإنهم ليس فقط قدموا ما هو فوق طاقتهم، بل أعطوا أنفسهم للرب وللرسول ومن معه حسب مشيئة اللَّه. قدموا أنفسهم أولًا للرب، وأذ رأوا في مشيئة اللَّه أن يقدموها لخدامه حققوا هذه المشيئة الإلهية لحساب مجد اللَّه.
لن تقبل العطية ما لم تُقدم أولًا للرب وحسب مشيئته ولمجد اسمه القدوس، مقدمين أنفسهم أو قلوبهم قبل ممتلكاتهم.
* الكلمات "ليس كما توقعنا" تشير ليس فقط إلى رغبة المكدونيين في العطاء، بل وإلى كمية العطاء[494]
ثيؤدورت أسقف قورش
"حتى أننا طلبنا من تيطس أنه كما سبق فابتدأ
كذلك يتمم لكم هذه النعمة أيضًا" [6].
بدأ تيطس خطة الجمع لأهل أورشليم حين كان قبلًا في كورنثوس. وكانت الكنيسة هناك قد قبلته بتكريمٍ عظيمٍ، وشعر الكل بحبه لهم. الآن يرسله الرسول لكي يتمم هذه المهمة الخاصة بنعمة العطاء.
* حسنًا يشير إلى العطاء فيدعوه نعمة (2 كو 8: 6)... فإنه صلاح عظيم وعطية من اللَّه... هذه النعمة أعظم من إقامة الموتى. فإن إطعام المسيح وهو جائع أعظم بكثير من إقامة الموتى باسمه... فعند عمل آيات تكون أنت مدينًا للَّه، وفي تقديم العطاء تجعل اللَّه مدينًا[495].
7 لكِنْ كَمَا تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي الإِيمَانِ وَالْكَلاَمِ وَالْعِلْمِ وَكُلِّ اجْتِهَادٍ وَمَحَبَّتِكُمْ لَنَا، لَيْتَكُمْ تَزْدَادُونَ فِي هذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا. 8 لَسْتُ أَقُولُ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ، بَلْ بِاجْتِهَادِ آخَرِينَ، مُخْتَبِرًا إِخْلاَصَ مَحَبَّتِكُمْ أَيْضًا. 9 فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ. 10 أُعْطِي رَأْيًا فِي هذَا أَيْضًا، لأَنَّ هذَا يَنْفَعُكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ سَبَقْتُمْ فَابْتَدَأْتُمْ مُنْذُ الْعَامِ الْمَاضِي، لَيْسَ أَنْ تَفْعَلُوا فَقَطْ بَلْ أَنْ تُرِيدُوا أَيْضًا. 11 وَلكِنِ الآنَ تَمِّمُوا الْعَمَلَ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّهُ كَمَا أَنَّ النَّشَاطَ لِلإِرَادَةِ، كَذلِكَ يَكُونُ التَّتْمِيمُ أَيْضًا حَسَبَ مَا لَكُمْ. 12 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّشَاطُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لاَ عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ. 13 فَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَيْ يَكُونَ لِلآخَرِينَ رَاحَةٌ وَلَكُمْ ضِيقٌ، 14 بَلْ بِحَسَبِ الْمُسَاوَاةِ. لِكَيْ تَكُونَ فِي هذَا الْوَقْتِ فُضَالَتُكُمْ لإِعْوَازِهِمْ، كَيْ تَصِيرَ فُضَالَتُهُمْ لإِعْوَازِكُمْ، حَتَّى تَحْصُلَ الْمُسَاوَاةُ. 15 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يُفْضِلْ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلًا لَمْ يُنْقِصْ».
في الإيمان والكلام والعلم وكل اجتهاد ومحبتكم لنا،
ليتكم تزدادون في هذه النعمة أيضًا" [7].
يشجعهم الرسول من أجل مواهبهم وتقدمهم، طالبًا منهم أن يضموا إليها نعمة العطاء.
أظهر فيض هذه النعم عليهم مبتدئا بالإيمان ويختمها بمحبتهم للرسل والخدام، وكأنه يقول لهم بأن لديهم إمكانيات التمتع بهذه النعمة الخاصة بالعطاء، ما دام لديهم وفرة من الإيمان وأيضًا الحب. فالإيمان هو مصدر النعم خاصة إن اتحد بالكلام أي بالتعليم، والعلم والمعرفة، والاجتهاد. تحمل كنيستهم كنوز الشهادة الحية مع المعرفة الصادقة لإرادة اللَّه والمثابرة للنمو في ملكوت اللَّه، فماذا بعد ينقصهم؟ لقد تأهلوا عمليًا للعطاء كما يليق. إنهم أغنياء في الإيمان والحب مع المعرفة الروحية الصادقة، وتأهلوا لميراث الملكوت، هذا يدفعهم للعطاء للمضطهدين من أجل الملكوت والمحتاجين.
بل باجتهاد آخَرين مختبرًا إخلاص محبتكم أيضًا" [8].
لم يرد أن يصدر أمرًا بالعطاء ولا أن يضع حدودًا معينة، معطيا لهم الفرصة لكي يظهر كل واحد حبه الداخلي الذي يسمو فوق كل قانون ملزم. قانونهم في العطاء هو حبهم الخالص وقلوبهم المتسعة ومعرفتهم الصادقة لمشيئة اللَّه، وإرادتهم المقدسة الحرة. أما المثل العملي أمامكم فهو غيرة الآخرين (كنائس مكدونية) واجتهادهم، لا بل السيد المسيح نفسه، إذ يقول:
"فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح
أنه من أجلكم افتقر وهو غني
لكي تستغنوا أنتم بفقره" [9].
من غنى نعمته أنه وهو الغني، خالق الكل، من أجلنا افتقر، حيث أخلى نفسه وصار في شكل العبد، وأطاع حتى الموت موت الصليب، حتى بفقره الإرادي هذا نتمتع بحبه، ونغتني بنعمته فيصير لنا حق الشركة معه في الميراث الأبدي.
* صار الرب فقيرًا لكي يعطي راحة للفقراء. صار مع البشر فقيرًا حتى لا ييأس أحد من الخلاص بسبب فقره[496].
* إن كنت تتمثل باللَّه قدر إمكانية طبيعتك، فستلبس أنت نفسك الشكل الطوباوي[497]
* مَن مِن بين البشر يعرف كل كنوز الحكمة والمعرفة المخفية في المسيح ومحتجبة في فقر جسده؟ مع كونه غنيًا صار فقيرًا من أجلنا حتى بفقره نغتني. عندما لبس قبولنا للموت قتل الموت، ظهر في فقرٍ لكنه وعدنا بالغنى الذي أرجأه فقط، إنه لم يفقد الغنى الذي أخذ منه[498]
* ليس شيء يثير النفس العظيمة الحكيمة (الفيلسوفة) لإتمام الأعمال الصالحة مثل تعلمها بأنها بهذا تتشبه باللَّه. أي تشجيع يعادل هذا؟ لا شيء! هذا يعرفه بولس تمامًا عندما حثهم على التواضع[499].
لأن هذا ينفعكم أنتم الذين سبقتم فابتدأتم منذ العام الماضي،
ليس إن تفعلوا فقط بل إن تريدوا أيضًا" [10].
لا يتحدث كمن يصدر أمرًا بل كمن يعطي مشورة، وهي أنكم قد بدأتم هذا العمل منذ عام فيليق بكم أن تكملوه بالعمل مع المسرة.
بقوله "تريدوا"thelein هنا تتمموا العمل مع الإرادة، أو المسرة. عملهم يشبه برعمًا قد نبت لكن يحتاج إلى اهتمام وتكملة حتى لا يموت.
حتى إنه كما إن النشاط للإرادة
كذلك يكون التتميم أيضًا حسب ما لكم" [11].
لا يتجاهل الرسول إرادتهم الصادقة للعمل، لكن يليق بكل شخص أن يعمل قدر المستطاع، فإن الإرادة ينقصها العمل. العمل بغير إرادة جادة تنزع عن النفس الفرح والبهجة، والإرادة بغير عملٍ جاد تقتل ما هو صالح فيها.
فهو مقبول على حسب ما للإنسان
لا على حسب ما ليس له" [12].
إن كانت الإرادة قائمة ونشيطة تصير مقبولة لدى اللَّه إن تُرجمت إلى عملٍ جادٍ قدر ما يستطيع المؤمن، حسب ما لديه دون إن يقدم مما هو ليس ملكه، كأن يسلب حق والديه عليه أو حق أولاده وزوجته تحت دعوى العطاء.
"فإنه ليس لكي يكون للآخرين راحة ولكم ضيق" [13].
فلا يقدم الإنسان للآخرين حتى يصيروا في حالة ترف بينما تئن أسرته من العوز. يلزمه أن يكون حكيمًا في عطائه، فيرتبط الحب بالحكمة.
لكي تكون في هذا الوقت فُضالتُكم لأعوازِهم،
كي تصير فُضالتُهم لأعوازِكم، حتى تحصل المساواة" [14].
بحكمة يقدم الشخص مما يفضل عنه ليقدم الضروريات للغير، كما يقبل من الغير ما يفضل عنهم لإشباع ضرورياته. فيوجد نوع من المساواة. لقد سمحت العناية الإلهية بوجود نوعٍ من عدم التساوي في ما يمتلكه الأشخاص، لكي تفتح الباب لممارسة الحب عمليًا بالعطاء المتبادل بين البشرية.
* كيف تكون المساواة؟ أنتم وهم تقدمون من فضلات كل منكم وتشبعون احتياجات الآخر. وأي نوع من المساواة هذا: تقديم الروحيات مقابل الجسديات؟ فإنه من هذا الجانب أسمى من الآخر، فلماذا يدعو ذلك مساواة؟ إما بسبب الفيض والاحتياج، أو يقول هذا بخصوص الحياة الحاضرة فقط. لهذا السبب بعد قوله "المساواة" أضاف "في الحياة الحاضرة". الآن يقول هذه الأمور لكي يصد الأفكار المتشامخة التي للأغنياء، ولكي يُظهر أنه بعد رحيلنا من هنا سيكون للأمور الروحية فضل أعظم. هنا نتمتع بالمساواة، وأما هناك فسيوجد تمييز أعظم وتفوق عظيم عندما يضئ الأبرار أكثر بهاءً مما للشمس[500].
* من يقدم عونًا مؤقتًا للذين لهم مواهب روحية إنما يحسبون شركاء في المواهب الروحية. فإنه وأن كان الذين لهم مواهب روحية قلة قليلة، بينما كثيرون لديهم الأمور الزمنية بفيض، فإنه بهذه الوسيلة يمكن لمن لهم ممتلكات أن يشتركوا في فضائل المحتاجين، بأن يقدموا مما يفضل عنهم للفقراء المقدسين[501].
"كما هو مكتوب الذي جمع كثيرًا لم يفضل،
والذي جمع قليلًا لم ينقص" [15].
يشير هنا إلى ما ورد في سفر الخروج (خر 18:16) حيث جمع بنو إسرائيل من المن في الصباح قبل الدفء، فالذين أكثروا في الجمع لم يكثر، وما تبقى منه إلى اليوم التالي فسد، ومن جمع أقل أكل هو وأسرته وشبعوا ولم يشعروا بالحاجة إلى طعامٍ أكثر. هكذا إذ نعطي أو نأخذ، بالعطاء لا نصير في عوزٍ، وبالأخذ لن يصير لنا ما يفضل عنا، لأننا حتمًا نترك كل ما لدينا.
16 وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي جَعَلَ هذَا الاجْتِهَادَ عَيْنَهُ لأَجْلِكُمْ فِي قَلْبِ تِيطُسَ، 17 لأَنَّهُ قَبِلَ الطِّلْبَةَ. وَإِذْ كَانَ أَكْثَرَ اجْتِهَادًا، مَضَى إِلَيْكُمْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. 18 وَأَرْسَلْنَا مَعَهُ الأَخَ الَّذِي مَدْحُهُ فِي الإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الْكَنَائِسِ. 19 وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ مُنْتَخَبٌ أَيْضًا مِنَ الْكَنَائِسِ رَفِيقًا لَنَا فِي السَّفَرِ، مَعَ هذِهِ النِّعْمَةِ الْمَخْدُومَةِ مِنَّا لِمَجْدِ ذَاتِ الرَّبِّ الْوَاحِدِ، وَلِنَشَاطِكُمْ. 20 مُتَجَنِّبِينَ هذَا أَنْ يَلُومَنَا أَحَدٌ فِي جَسَامَةِ هذِهِ الْمَخْدُومَةِ مِنَّا. 21 مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَ قُدَّامَ الرَّبِّ فَقَطْ، بَلْ قُدَّامَ النَّاسِ أَيْضًا. 22 وَأَرْسَلْنَا مَعَهُمَا أَخَانَا، الَّذِي اخْتَبَرْنَا مِرَارًا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ، وَلكِنَّهُ الآنَ أَشَدُّ اجْتِهَادًا كَثِيرًا بِالثِّقَةِ الْكَثِيرَةِ بِكُمْ. 23 أَمَّا مِنْ جِهَةِ تِيطُسَ فَهُوَ شَرِيكٌ لِي وَعَامِلٌ مَعِي لأَجْلِكُمْ. وَأَمَّا أَخَوَانَا فَهُمَا رَسُولاَ الْكَنَائِسِ، وَمَجْدُ الْمَسِيحِ. 24 فَبَيِّنُوا لَهُمْ، وَقُدَّامَ الْكَنَائِسِ، بَيِّنَةَ مَحَبَّتِكُمْ، وَافْتِخَارِنَا مِنْ جِهَتِكُمْ.
الذي جعل هذا الاجتهاد عينه لأجلكم في قلب تيطس" [16].
ما يشغل قلب بولس يشغل قلب تيطس تلميذه، فقد انطلق من نفسه إلى كورنثوس ليحثهم على العطاء. هنا يقدم الرسول ذبيحة شكر للَّه الذي وضع في قلب تيطس ما وضعه في قلبه نحوهم.
وإذ كان أكثر اجتهادًا،
مضى إليكم من تلقاء نفسه" [17].
لم يتضايق الرسول لأن تيطس تحرك من نفسه للعمل، بل فرح به، وشكر اللَّه الذي عمل في قلب تلميذه كما في قلبه هو. لقد أوصاه الرسول بالذهاب إليهم فوجد أنه كان قد وضع في قلبه أن يفعل ذلك قبل أن يسأله.
"وأرسلنا معه الأخ الذي مدحه في الإنجيل في جميع الكنائس [18].
يرى البعض إن هذا الأخ الذي طلب منه الرسول مرافقة تيطس هو لوقا البشير (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هذا الأخ يعرفه كثيرون خلال خدمته، ويمتدحونه في كنائس كثيرة. البعض يرى أن هذا الأخ هو سيلا أو برنابا أو مرقس أو أبلوس. على أي الأحوال كان الشخص معروفًا جدًا للكنيسة في كورنثوس، ورفيقًا للرسول بولس في خدمته، إذ يقول:
بل هو منتخب أيضًا من الكنائس،
رفيقًا لنا في السفر مع هذه النعمة المخدومة منّا،
لمجد ذات الرب الواحد ولنشاطكم" [19].
إنه خادم موثوق فيه يعمل لحساب ملكوت اللَّه ولنمو الكنيسة في كورنثوس.
بقوله: "مُنتخب من الكنائس، رفيقًا لنا في السفر" تكشف أن الرسول بولس كان يقدر رأي الجماعة حتى في اختيار من يرافقه في رحلاته التبشيرية.
* يبدو لي أنه يشير إلى برنابا بكونه هذا الشخص... ولكن ما هذا: "هذه النعمة المخدومة منا"؟ يقصد لكي يعلن الكلمة ويكرز بالإنجيل، أو لكي يخدم في أمور المال. نعم بالأحرى يبدو أنه يشير إلى كليهما[502].
أن يلومَنا أحد في جسامة هذه المخدومة منّا" [20].
كان الرسول يهتم جدًا ألا يتعثر أحد فيه أو في من يعمل معه، فكان العاملون معه مختارين من الكنائس، لهم سمعتهم الحسنة وسلوكهم غير الملوم، خاصة وأنه في هذه الخدمة يأتمن الشخص على فيض كبير من العطاء، فلا يسمح لأحد من الأشرار أن يشوه سمعة الخادم أو يتهمه بالطمع أو الخيانة.
ليس قدام الرب فقط،
بل قدام الناس أيضًا" [21].
لا يكفي الخادم أن يكون مشهودًا له من اللَّه فقط العارف بالخفايا وإنما من الناس أيضًا حتى لا يتعثروا في الكنيسة.
* بينما يناضل (الرسول) من أجل الحياة المستقيمة اهتم أن يدافع عن سمعته الصالحة أيضًا، معتنيًا بأمور حسنة في نظر اللَّه والناس. يخشى اللَّه ويرعى الناس. في نفس حديثه يفضل أن يُسر الآخرين بالأعمال أكثر من الكلام، حاسبًا إن الشيء يُقال عنه حسنًا إن كان متفقًا مع الواقع العملي، وأن المعلم يلزمه أن يضبط الكلمات، ولا يسمح للكلمات أن تتحكم فيه. هذا ما يقوله: "لا بحكمة الكلام لئلا يتعطل صليب المسيح"[503]
"وأرسلنا معهما أخانا الذي اختبرنا مرارًا في أمور كثيرة أنه مجتهد،
ولكنه الآن أشد اجتهادًا كثيرًا بالثقة الكثيرة بكم" [22].
رافقهما خادم ثالث يعرفه الرسول بولس ويثق جدًا في غيرته ومحبته وأمانته، وقد زادت غيرته ونشاطه عندما أعلن أهل كورنثوس ثقتهم هم أيضًا فيه. كما أن الخادم الأمين يلهب قلوب شعب اللَّه للعمل، فإن ثقة الشعب بالخادم تدفع الخادم للعمل بأكثر قوة واجتهاد. علاقة الراعي بالرعية علاقة متبادلة، كل منهما يسند الآخر. يقال أن الخادم الثالث هو أبلوس.
"أما من جهة تيطس فهو شريك لي وعامل معي لأجلكم،
وأما أخوانا فهما رسولا الكنائس ومجد المسيح" [23].
ختم حديثه بخصوص هذه الإرسالية للجمع بمدح الجميع، تيطس كشريك معه في الخدمة (مع أنه تلميذه) والرسولين الأخوين هما رسولا الكنائس ليعملا لمجد المسيح، غالبًا لوقا وأبلوس الرسولان.
"فبينوا لهم وقدام الكنائس بينة محبتكم،
وافتخارنا من جهتكم" [24].
بعد أن مدح هؤلاء القادمين إليهم سألهم أن يترجموا محبتهم لهم عمليًا حتى يفتخر الرسول بأهل كورنثوس كشعب محب لخدام المسيح الأمناء.
* بالكلمات المقدسة "قدام الكنائس" يقصد لمجد الكنائس أو كرامتها. فإن كنتم تكرمونهما فأنتم تكرمون الكنائس التي أرسلتهما. فلا تعبر الكرامة إليهما وحدهما بل وإلى الذين أرسلوهما، الذين ساموهما، وما هو أكثر من هذه لمجد اللَّه. فإننا إذ نكرم الذين يخدمونه، فإن السيرة الحسنة والمديح يعبران إليه، وإلى الجسد العام للكنائس[504]
* لم يكن إيليا خادم الرب في حاجة إلى خدمة الناس، إذأرسل له الرب الغراب ومعه الخبز واللحم (1مل 4:17-9). لكن لكي تتبارك الأرملة التقية أرسل لها الرب إيليا. وهذا الذي كان يطعمه الرب سرًا أطعمته الأرملة التقية. وقد أعلن الرب جزاء هذه الخدمة "من يقبل بارًا باسم بار فأجر بار يأخذ، ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره"(مت 41:10، 42).
* نزلت إليّ يا أيها الغني،
لكي أقتنيك في داخلي!
افتقرتَ من أجلي، لكي أتجاسر واتحد بك.
أتمتع بك، فتهبني شركة سمائك.
تعطيني من حياتك المقامة، فاغتني بك أبديًا.
* من يفتح قلبي بالحب، فيجد مسرته في العطاء؟
نعمتك يا أيها الغني تهبني الحب.
لتحمل قلبي إلى سمائك المتسعة،
وليشكله روحك الناري فيصير أيقونتك،
يتسع جدًا ويصير سمائيًا، فيفيض بالعطاء بسرورٍ.
* نعم، نعمتك هي تشكل أعماقي.
تحوّل قلبي الحجري إلى قلب سماوي.
تجعلني مقربًا إليك، ومتشبهًا بك.
تحل قيود محبتي للعالم الضيق،
وتحطم متاريس أنانيتي.
* هوذا إرادتي بين يديك، قدسها.
تتناغم مع إرادتك إذ تعمل حسب نعمتك.
* أجد لذتي في العطاء، متشبهًا بك يا صانع الخيرات.
وأحسب كل ما بين يدي ملكًا لك،
أوكلتني عليه لحساب كل بشرٍ.
فلا أكون كفمٍ يغلق على الطعام ولا يسلمه للمعدة وبقية الأعضاء،
يُصاب الفم بالعفونة ويحطم معه الجسم كله,
ما أوزعه هو ملك الكل، لا فضل لي عليهم.
* اقبل عطاء نفسي لك مع كل عطاء لاخوتي.
هب لي روح البهجة مع العطاء،
فأختبر عربون تهليل السماءّ
* مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ،
فمع كل عطاءٍ أراك تهبني التمتع بحضرتك.
مع كل عطاء تفيض مخازن قلبي بالخيرات.
← تفاسير أصحاحات كورنتوس الثانية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير كورنثوس الثانية 9 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير كورنثوس الثانية 7 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ykxt43h