محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15
خشي الرسول لئلا يسيء البعض فهم الأصحاح السابق فيحسبونه أنه يتهم الكنيسة بالبخل وعدم العطاء، لذا يقدم هنا عذرًا عن غيرته في حثهم على ممارسة هذا النعمة (1-5). استطرد الحديث فقدم توجيهات عن العطاء المقبول وكيفية ممارسته.
1 - 5. |
|||
6. |
|||
7. |
|||
8 - 10. |
|||
11 - 16. |
|||
من وحي 2 كو 9 |
1 فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْخِدْمَةِ لِلْقِدِّيسِينَ، هُوَ فُضُولٌ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ. 2 لأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ الَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى الْمَكِدُونِيِّينَ، أَنَّ أَخَائِيَةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ الْعَامِ الْمَاضِي. وَغَيْرَتُكُمْ قَدْ حَرَّضَتِ الأَكْثَرِينَ. 3 وَلكِنْ أَرْسَلْتُ الإِخْوَةَ لِئَلاَّ يَتَعَطَّلَ افْتِخَارُنَا مِنْ جِهَتِكُمْ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ، كَيْ تَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ كَمَا قُلْتُ. 4 حَتَّى إِذَا جَاءَ مَعِي مَكِدُونِيُّونَ وَوَجَدُوكُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لاَ نُخْجَلُ نَحْنُ -حَتَّى لاَ أَقُولُ أَنْتُمْ- فِي جَسَارَةِ الافْتِخَارِ هذِهِ. 5 فَرَأَيْتُ لاَزِمًا أَنْ أَطْلُبَ إِلَى الإِخْوَةِ أَنْ يَسْبِقُوا إِلَيْكُمْ، وَيُهَيِّئُوا قَبْلًا بَرَكَتَكُمُ الَّتِي سَبَقَ التَّخْبِيرُ بِهَا، لِتَكُونَ هِيَ مُعَدَّةً هكَذَا كَأَنَّهَا بَرَكَةٌ، لاَ كَأَنَّهَا بُخْلٌ.
هو فضول مني إن اكتب إليكم" [1].
مع ما اتسم به الرسول بولس من الصراحة في كتاباته سواء للأفراد أو الكنائس، لكنه خلال الحب يلطف من مشاعر سامعيه ويشجعهم قبل أن يكشف عن جراحاتهم ويوبخهم.
هنا يحسب ما كتبه في رسالته الأولى بخصوص حثهم على العطاء هو نوع من الفضول، لأنهم محبون للعطاء، ومدركون لأهميته، فما كان يليق به أن يذكرهم بهذه الفضيلة.
وهو يكتب هكذا معتذرًا يشجعهم بطريقه غير مباشرة للعطاء بأكثر سخاء ويُشعرهم بأنهم يمارسونه، ليس خلال حثه لهم، بل خلال مسرتهم بالعطاء. إنه يقتدي بالسيد المسيح في حديثه مع سمعان بطرس بعد القيامة (يو21: 15- 17)، فهو يعلم ما في قلب تلميذه من حب له، لكنه كرر السؤال ثلاث مرات: "أتحبني؟" يبدو هذا التكرار كنوعٍ من الفضول، لكنه بالحق قدم دفعة قوية لعودة الرسول إلى عمله الرعوي المملوء حبًا.
* نطق بولس بذلك لكي يربح أهل كورنثوس إلى جانبه. فقد ظن بعض ممن لهم شهرتهم أنهم لم يكونوا في حاجه إلى نصيحة. إذ كانوا يخجلون من الظهور بأنهم أقل من غيرهم. لا يريدون أن يظهروا أمام الآخرين أنهم مقصرون[505].
"لأني أعلم نشاطكم الذي افتخر به من جهتكم لدى المكدونيين،
إن أخائية مستعدة منذ العام الماضي،
وغيرتكم قد حرضت الأكثرين" [2].
في الأصحاح السابق قدم مكدونية مثلًا رائعًا في ممارسة العطاء بطريقة فائقة؛ هنا يقدم أخائية التي عاصمتها كورنثوس بأنها بدأت فألهبت قلوب الكل للعمل. كما بدأوا بغيرة يليق بهم أن يكملوا الطريق.
* قدم بولس أهل مكدونية إلى أهل كورنثوس، وأهل كورنثوس لأهل مكدونية كأمثلة يحتذون بها[506].
لئلا يتعطل افتخارنا من جهتكم من هذا القبيل،
كي تكونوا مستعدين كما قلت" [3].
يؤكد لهم الرسول أنهم موضوع فخره واعتزازه، ليس في أعماقه فحسب، بل وأمام الآخرين.
يتحدث مع شعبه بكل توقير وتقدير لمشاعرهم، فيعتذر على حثهم على العطاء بمهارة عجيبة، حتى أنه وهو يعتذر يحثهم أكثر على ممارسته بفكرٍ إنجيلي سليم. كأنه يقول لقد كتبت ما فيه الكفاية بخصوص هذا الأمر ولا حاجة لكم أن تقرأوا أكثر عنه. كان الرسول على علم بأن كل منطقة أخائية وليس فقط كورنثوس كانت تستعد منذ العام السابق أن تساهم في مساندة القديسين الفقراء المتألمين وإنه يفخر بهذه الغيرة التي ألهبت قلوب الكثيرين للإقتداء بهم، ربما من بينهم كنائس مكدونية.
"حتى إذا جاء معي مكدونيون ووجدوكم غير مستعدين
لا نخجل نحن،
حتى لا أقول أنتم في جسارة الافتخار هذه" [4].
يبدو كمن يعتذر على إرساله تيطس والأخوين معه في هذا الشأن. لكنه يبرر ذلك بأن الوقت قد حان لتقديم العطية بسرعة وبسخاء. لقد افتخر بعملهم فيخشى من التأخير فيتعطل افتخاره بهم ويصير في عارٍ أمام المكدونيين. لقد عرف أن بعض المكدونيين ربما يحضرون معه فإن كان الجمع لم يكن يعد قد تحقق يصير في خجل، ويسيئون إلى سمعته، لأن ما أفتخر به لم يكن حقًا
"فرأيت لازمًا إن اطلب إلى الاخوة،
إن يسبقوا إليكم ويهيئوا قبلًا بركتكم التي سبق التخبير بها،
لتكون هي معدة هكذا،
كأنها بركة لا كأنها بخل" [5].
يترجم البعض كلمة "بخل" هنا في اليونانية بالطمع. فيرى البعض أن بعضًا من أهل كورنثوس بعد أن جمعوا في العام السابق بدأوا يدعون بأن الجمع يقوم على أساس الطمع، لذا وجههم الرسول لإدراك أن العطاء بركة لمن يعطي، فهو المنتفع.
وربما عني الرسول أنه قد تم بالفعل الجمع لكن لم تكن مشاعر الذين قدموا العطية مهيأة للعطاء بمفهوم نوال البركة فقدموا بالشح وليس بسخاء.
* لقد أراد منهم أن يساهموا بسخاء وبمحض اختيارهم. يقول "البركة معدة، بكونها بركة وليست ابتزازًا". بدأ أولًا بما هو أكثر بهجة وإنارة وهو أنه ليس عن ضرورة إذ "هي بركة". تطلع أنه في حثه يشير للحال إلى الثمرة التي تصدر عنها، فالعطاء مملوء بركة[507].
* يضيف "وليس ابتزازًا" ما يقوله هو: لا تظنوا أننا نأخذ العطاء كمبتزين، وإنما لنصير علة بركة لكم. لأن الابتزاز يصدر بغير إرادة حتى أن من يعطي الصدقة يقدمها بغير إرادته كابتزاز منه. عبر بعد ذلك إلى العطاء بسخاء[508].
"هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ،
وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ." [6].
كثيرًا ما يفهم اليهود الزرع بمعنى العطاء، فيفسرون ما ورد في إشعياء: "طوباكم أيها الزارعون على كل المياه" (إش 20:32) بمعنى طوبى للذين هم مستعدين أن يقدموا عونًا لكل محتاج.من يظهر رحمة لأخيه يظهر اللَّه رحمته له.
مبدأ رئيسي عام أنه لا يستطيع أحد أن يحصد إلا ما يناسب ما زرعه. فالعطاء أشبه ببذور تُزرع وتأتي بحصاد، فمن يزرع بسخاء ينال حصادًا لائقًا به.
* لم يقل "بسخاء" بل "ببركة" وهي أعظم بكثير من الأولى[509].
* على أي الأحوال لا يوجد طريق أكثر أمانًا من أن يخزن الشخص نصيبًا من مصادره في أفواه الفقراء[510]
* في وضوح، إذ نعين البؤساء نعطي لأنفسنا. توزيع مصادرنا هو مكسبنا. فإنك إن تضع في اعتبارك المكافأة المقبلة فإن كل ما تعطيه للفقراء يُحسب ربحًا[511]
لذلك، إن كان الذي يزرع بالشح فبالشح يحصد كما ترون، هكذا من يوزع قليلًا ينال القليل، من لا يزرع شيئا لايخزن شيئًا... هكذا إن أردنا أن نجمع حصادًا من الفرح فلنزرع الآن بفيض بدموعنا[512]
الأب فاليريان
* إذا يقول الرسول نفسه: "الآن أقول أن من يزرع بالشح..." يلزمكم أن تفهموا أن "الآن" هو" الزمن"، أي مادمنا في هذه الحياة، فلنسرع بغيرة ونقتني عطية الحياة الأبدية، فإنه إذا ينتهي العالم فإن هذه العطية تقدم فقط للذين اقتنوها لأنفسهم بالإيمان قبل أن يكونوا قادرين على رؤيتها[513].
* لنزرع تلك البذور الصالحة بسخاء حتى نحصد في الوقت المناسب بسخاء الآن هو وقت للزرع، حيث أسألكم ألا تتجاهلوا، حتى يمكنا في الزمن الحصاد أن نجمع ثمار ما زرعناه هنا، ونستمع بالحنو المترفق من قبل الرب[514].
"كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ،
لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ.
لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ." [7].
لا يكفي أن يقدم الإنسان بسخاءٍ متطلعًا أن ما يفعله هو بركة له، سيحصد ما يفعله، وإنما يقدم بقانون الحب، ألا وهو قدر ما يستطيع بفرح وبهجة قلب. ما يفعله يخرج من قلبه وبكامل إرادته ومن كل مشاعره وأحاسيسه. فلا يقدم بروح التذمر ولا تحت ضغط خارجي، وليس بحوارٍ وجدالٍ. وكما جاء في سفر إشعياء: "وأنفقت نفسك للجائع، وأشبعت النفس الذليلة، يشرق في الظلمة نورك، ويكون ظلامك الدامس مثل الظهيرة، ويقودك الرب على الدوام، ويشبع نفسك في الجدوب (القحط)، ينشط عظامك فتصير كجنة ريا، وكنبع مياه لا تنقطع مياهه" (إش 58: 10-11).
كان لدى اليهود في الهيكل صندوقان للعطاء أحدهما يدعى Shel Chuwbah صندوق الضروريات فيه يقدم الشخص ما يُلزمه به الناموس، والآخر Shel Nedabah صندوق العطاء بكامل الحرية حيث يعطي الشخص ما لا يلزمه الناموس بكامل إرادته. فالبعض كانوا بالكاد يقدمون ما يُلزمهم به الناموس عن ضرورةٍ وبحزنٍ، والآخرون يقدمون بسخاء أكثر مما يتطلب الناموس، يقدمونه بفرح من أجل اللَّه وخلال محبتهم للمحتاجين. هنا لا يتحدث عن الفريق الأول الذي يقدم العطاء عن ضرورة إنما يتحدث عن الفريق الثاني فيقول "يحبه اللَّه". الفريق الأول يفقدون بركة نعمة العطاء خلال شعورهم بالالتزام مع حزن القلب. إنهم يرون في العطاء فقدانًا لما يملكونه ويقدمونه. الفريق الثاني يرى في العطاء دفن لما يقدمونه كي ينتج حصادًا أعظم بكثير من البذور التي اختفت. الفريق الأول يرون في العطاء محاولة تهدئة غضب اللَّه، أما الثاني فيرون فيه حبًا فائقًا ومشتركًا بينهم وبين اللَّه. عطاؤهم موضع سرور اللَّه، هذه المسرة لا تعادلها أية خسارة مادية مهما بلغت قيمتها.
إذا نعطي بسرور نقدم مع العطاء قلبًا متهللًا، نحصد هذا التهليل مضاعفًا حين نلتقي بعريس نفوسنا في يوم الفرح الأبدي.
ولما كان العطاء أمرًا جوهريًا في حياة المؤمن تحدث كل آباء الكنيسة تقريبًا عن العطاء مباشرةً أو غير مباشرةً.
لم يتوقف القديس يوحنا ذهبي الفم عن إبراز بركات العطاء الروحية، إذ تقيم من البشر أيقونة لحنو الله[515].
ويعتبر القديس باسيليوس الكبير أن البخيل في العطاء هولص: "ألست طماعًا ومحبًا للمال عندما تحتفظ لنفسك ما قد تسلمته لتعطيه للخدم؟[516]"
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم في مقاله عن "الصدقة" بأن الله حين أمر بالصدقة لم يقدم الوصية من أجل المحتاجين فقط، بل ومن أجل مقدمي العطية أنفسهم. لهذا لم يتحدث الرسول إشباع احتياجات المساكين فحسب، وإنما عن "السرور في العطاء" لنفع مقدمي العطايا، ليتمتعوا ببركات الفرح في هذا الدهر وفي الدهر الآتي[517].
ويقول الأب مكسيموس أسقف Turin بأنه شتان ما بين من يقدم الضريبة لقيصر في حزنٍ تحت التزام القانون قهرًا، وبين من يقدم عطاء للمسيح بسرور. الأول يلتزم بالعطاء في حزنٍ من أجل الخوف، والثاني يجد مسرته في العطاء من أجل الحب. الأول يخشى العقوبة، والثاني يترقب المكافأة السماوية[518].
8 وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ. 9 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ». 10 وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَارًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَلاَتِ بِرِّكُمْ.
"واللَّه قادر أن يزيدكم كل نعمة،
لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء،
تزدادون في كل عمل صالح" [8].
ليس من دليل يجعلنا نفقد الثقة في وعد اللَّه من جهة العطاء، فهو أمين في مواعيده، قادر على تحقيقها. يقدم لنا ما يشبع احتياجنا، يفيض ببركاته علينا، ويهبنا أيضًا عمل الصلاح.
* لاحظوا كيف أن بولس لا يصلي من أجل الغنى والفيض، وإنما يكتفي بالصلاة من أجل ما يكفى للحياة. إنه يطلب نفس الأمر للكورنثيين... يطلب لهم أن يكون لهم الكفاف في أمور العالم، ولكن فيض عظيم من البركات الروحية[519].
فرَّق، أعطَى المساكين، بره يبقى إلى الأبد" [9].
ورد هذا النص في (مزمور 9:112)، بقوله "فرِّق" يعني العطاء خارج أسرته كما في داخلها، كمن يبذر في أرضه وفي أراض أخرى.
ما يقدمه الإنسان كعطاءٍ سيزول، سواء قدمه أو احتفظ به، لكن ما يبقى هو البرّ الدافع للعطاء.
* الأشياء نفسها لن تبقى، إنما تبقى فاعليتها (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لهذا يلزمنا ألا ننشغل ولا نحسب ما هو لدينا بل نعطي بسخاء. تطلعوا كم يقدم الناس للممثلين والراقصين، لماذا لا تعطوا حتى النصف للمسيح؟[520]
* إن قوة الرحمة خالدة عديمة الفساد لا تهلك مطلقًا. كل الأعمال زائلة وأما ثمرة الرحمة فلا تزول نضارتها، ولا تؤثر فيها تقلبات الزمان... فلا الأيام تمحوها، ولا الموت يهدمها، بل تكون في مأمنٍ حتى بلوغها الحياة الهادئة.
* إن ارتواء الظمآن إلى المسيح أعظم من إحياء الموتى باسمه. لأنك إن أتممت الأمر الأول تحسن إلى المسيح، وإن أتممت الأمر الثاني يكون المسيح قد أحسن إليك.
فالجائزة لمن يفعل الخير، لا لمن يتقبله من الآخرين.
بصنعك العجائب تكون مدينًا لله، أما بفعلك الرحمة فيكون الله مدينًا لك.
وقد يكتمل عمل الرحمة عندما تعطيها بطيب خاطرٍ وسخاءٍ غير متوقعٍ أجرًا ولا شكر. فبهذا نحصل على نعمة لأنفسنا لا خسارة[521].
"والذي يقدم بذارًا للزارع وخبزًا للأكل،
سيقدم ويكثر بذاركم، وينمي غلات برّكم" [10].
يقدم الرسول صلاة لدى اللَّه طالبًا منه أن يسندهم ليقدموا بذورًا أكثر، أي يفتح قلوبهم بالأكثر نحو العطاء، لينالوا حصادًا أوفر. اللَّه هو الذي يعطي الباذر، وهو الذي يهب البذور أن تأتي بثمرٍ متزايدٍ. وقد جاءت كلمة "يقدم" epichoreegoon لتعني قيادة فريق أو خورس موسيقي، فاللَّه يقود النفس ويوجهها للعطاء كما يليق وفي الوقت المناسب، وهو الذي يعطيها حصادًا وفيرًا من النعم والبركات، بل ومن برّ اللَّه.
في سفر هوشع إذ يعلن اللَّه عن خطوبته للنفس يستجيب لطلباتها، وتستجيب السماء لها كما الأرض "والأرض تستجيب: القمح والمسطار والزيت، وهي تستجيب يزرعيل، وأزرعها لنفسي في الأرض..." (هو 2: 21-22).
* إن كان الله يكافئ الذين يفلحون الأرض بخيرات وفيرة، فكم بالأكثر يكافئ الذين يفلحون تربة السماء بأعتنائهم بالنفس؟[522]
11 مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ يُنْشِئُ بِنَا شُكْرًا للهِ. 12 لأَنَّ افْتِعَالَ هذِهِ الْخِدْمَةِ لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ الْقِدِّيسِينَ فَقَطْ، بَلْ يَزِيدُ بِشُكْرٍ كَثِيرٍ للهِ 13 إِذْ هُمْ بِاخْتِبَارِ هذِهِ الْخِدْمَةِ، يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ التَّوْزِيعِ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ. 14 وَبِدُعَائِهِمْ لأَجْلِكُمْ، مُشْتَاقِينَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِ نِعْمَةِ اللهِ الْفَائِقَةِ لَدَيْكُمْ. 15 فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا.
لكل سخاء ينشئ بنا شكرًا للَّه" [11].
هكذا يغني اللَّه النفس التي تشتهي العطاء وتمارسه بفرح قدر ما تستطيع، يغنيها فتفيض بتسابيح الشكر له. النفس التي تفرح بالعطاء تصير أيقونة المسيح، فتحمل بفيض بره [10] وتشاركه طبيعة الشكر.
* بكونك غني في كل شيء بيد مفتوحة. أن تعطي بسخاء هو ما يدعوه هنا "يد مفتوحةopen-handedness" التي تعمل فينا لتقدم شكرًا للَّه... سمح الله لنا أن ندبر الأمور العظيمة وترك لنفسه الأمور الأقل. فهو الذي يهتم بإعالة الجسد إذ هو وحده الذي يضبط الأمطار وفصول السنة. أما المداد الروحي فتركه في عهدتنا، إذ بإرادتنا يمكننا أن نقرر أن كانت ثمارنا وفيرة أم لا[523].
ليس يسد أعواز القديسين فقط،
بل يزيد بشكرٍ كثيرٍ للَّه" [12].
إذ يجد القديسون الفقراء ما أشبع احتياجاتهم يدرك المعطي أن هذا الشبع ليس بفضلٍ منه، بل من اللَّه، فيفرح ويشكر اللَّه.
* يشير بولس إلى أن العطاء للقديسين ليس موضوع سد أعوازهم العاجلة وإنما لها نتائج أخرى وتقود إلى بركات متنوعة[524].
يمجدون اللَّه على طاعة اعترافكم لإنجيل المسيح
وسخاء التوزيع لهم وللجميع" [13].
* يمدح الرسول (القديسين الفقراء) لأنهم يشكرون من أجل ما قُدم للآخرين من عطايا بالرغم من فقرهم. ليس أحد حاسد مثل الفقير، ومع هذا فإن هؤلاء الناس متحررون من هذا الهوى حتى أنهم يفرحون من أجل البركات المقدمة للآخرين[525].
* سيحصد الكورنثيون منافع صلوات الفقراء. هذه الصلوات هي حصيلة الحب العظيم[526].
عدد الرسول أثر العطاء المفرح:
أولًا: إشباع احتياجات القديسين.
ثانيًا: بهجة القلب بعمل اللَّه فيقدم ذبيحة شكر للَّه.
ثالثًا: شعور بالطاعة والخضوع بفرح للوصية الإنجيلية.
رابعًا: تمجد قلوب المنتفعين اللَّه من أجل المقدمين للعطاء، بكونهم إنجيليين بالإيمان كما بالعمل، أو بكونهم مخلصين في إيمانهم.
خامسًا: تصلي قلوبهم من أجل الذين قدموا لهم العطاء [14].
مشتاقين إليكم من أجل نعمة اللَّه الفائقة لديكم" [14].
يركز الرسول في موضوع العطاء على "نعمة اللَّه". فالعطاء في ذاته هو نعمة إلهية حيث يفتح اللَّه القلب بالحب ليعطي بسخاء. النعمة هو التي تقدم بذار العطاء، وهي التي تهب الحصاد حيث يتمتع المعطي ببر المسيح، وهي التي تعمل في قلوب الذين نالوا العطاء ليشكروا اللَّه ويسبحوه على نعمته التي تعمل في المعطين، وتطلبوا أن يزداد هؤلاء بالنعم الإلهية.
"فشكرًا للَّه على عطيته التي لا يُعبر عنها" [15].
يشكر الرسول بولس اللَّه على عطيته التي يهبها للمؤمنين والتي لا يعبر عنها. يرى البعض أنها عطية النعمة التي تهب القلب فرحًا في العطاء بسخاء، ويرى آخرون أن هذه العطية هو السيد المسيح نفسه الذي يسكن القلب فيجعله أيقونة له، يجد لذته في الحب العملي والعطاء بسخاء وسرورٍ. السيد المسيح هو عطية الآب أو عطية الحب التي يتمتع بها المؤمنون، هذه التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها.
* أنها عادة بولس أن يسبح الله في كل وقت يشرح فيه تدبيرًا إلهيًا أو آخر[527].
* هب لي في تواضع أن امتلئ غيرة،
فأقتدي بإخوتي وأسلك بروح العطاء.
لا أخجل من أن أمتثل بهم، فهم أعضاء معي في ذات الجسد.
* هب لقلبي وفكري وإرادتي الاستعداد للعطاء.
اليوم هو يوم خلاصي، والوقت وقت مقبول.
لأقتني بالحب العملي أبديتي.
لأسرع في غيرة مؤمنًا بك، يا مَن تشتهي أن تعطي بسخاء ولا تعير.
هب لي روح العطاء لإخوتي، فأنعم بعطائك ذاتك لي.
أقدم حبي مع عطائي، وأنت تقدم لي ذاتك مع مجدك مجانًا!
* لتسندني نعمتك، فأزرع صلاحًا قبل عبور الزمن.
متى أعبر وأحصد بحبك العجيب شركة أمجادك.
* هب لي أن أقدم قلبًا متهللًا بالعطاء،
فأجد خزينًا من التهليل في السماء.
لست أقدم جزية إلزامية عن خوف من القانون.
بل أقدم قلبًا متهللًا يترقب اللقاء معك.
بسرور أقدم لإخوتي المحبوبين،
فترد سروري سرورًا أعظم، حيث أشارك السمائيين تهليلاتهم!
* ليتسع قلبي بالحب، ولتنبسط يداي وتنفتحا بالعطاء.
فكل ما لدى يزول، لكن الحب الذي أقتنيه يبقى معي أبديًا.
← تفاسير أصحاحات كورنتوس الثانية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير كورنثوس الثانية 10 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير كورنثوس الثانية 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pwqyf62