محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة يوحنا الرسول الأولى: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
آية 1:- كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضًا.
الرسول كان يتكلم في الإصحاح السابق عن محبة الله، فمن أين أتت هذه المحبة؟
كل من يؤمن = ما الذي جعل الرسول ينتقل من الكلام عن المحبة إلى الكلام عن الإيمان؟ الرسول يريد أن يشرح أن المحبة ليست شيئًا يتمتع به الإنسان الطبيعي (غير المسيحي الذي لم تتعامل معه النعمة) بل هي عطية الروح القدس للمؤمن المعمد. هي طبيعة مكتسبة بها نحب الله والناس حتى الأعداء. وحب الأعداء هذا ليس ممكنًا للإنسان العادي الطبيعي... فقط هذا للمؤمن. المحبة التي يتكلم عنها الرسول ليست مشاعر إنسان تجاه إنسان يحبه، بل هي طبيعة جديدة وخليقة جديدة، يحيا بها المؤمن وبها يحب كل إنسان.
ولماذا ذكر الرسول الإيمان فقط دون أن يذكر المعمودية، هل الإيمان وحده دون معمودية يكفي لنحصل على هذه الطبيعة الجديدة؟
قطعًا لا. والرسول لن يناقض نفسه فهو الذي ذكر أن الولادة الثانية تكون من الماء والروح (يو3: 5) وهو ذكر موضوع المعمودية هنا في آية (6)، (8). ولكن المقصود أن الإيمان هو المدخل لهذه الطبيعة الجديدة. إذًا الإيمان الذي يتكلم عنه الرسول هنا هو إيمان حيّ عامل بالمحبة (غل5: 6).
إن يسوع هو المسيح = أن يسوع هو ابن الله الذي تجسد ليفدينا ويعطينا حياة جديدة ويعطينا التبني. الخليقة الجديدة المولودة من الله لها العين المفتوحة التي تعرف من هو المسيح. وهناك علامة أخرى للخليقة الجديدة وهي المحبة.
فقد ولد من الله = كما قلنا فالولادة من الله تستلزم الإيمان أولًا ثم المعمودية التي بها تغفر خطايانا وننال التبني. وعلامة أننا صرنا أولاد لله، أننا نحب الله أبونا. وطالما هو أبونا كلنا، فلا بُد أن نحب إخوتنا المولودين مثلنا منه = كل من يحب الوالد. يحب المولود منه أيضًا. وبهذا فإن هذه الآية هي امتداد للآية الأخيرة من الإصحاح السابق التي فيها ينص الرسول على أن من يحب الله يحب أخاه أيضًا. وارتباط الإيمان بالمحبة نراه في أن علامة الإيمان الحي هي المحبة. أما من يقول أنا مؤمن وهو لا يحب إخوته فإيمانه ميت، كإيمان الشياطين (يع2: 19).
آية 2:- بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ
سبق وقال أن علامة محبتنا لله هي محبتنا للإخوة (1يو4: 20، 21) وهو يقول أن علامة محبتنا لأولاد الله هي محبتنا لله، فما المعنى؟
قد ينخدع الإنسان المؤمن ويتصور أنه يحب الناس، ولكن تكون محبته نفسانية جسدانية أو لمنفعة ما، أو لأنه لا تكون هناك ظروف ومحكات تختبر هذه المحبة، أي لا توجد مشاكل من النوع الذي يجلب الكراهية، فيظن الإنسان نفسه أنه مملوء محبة. لذلك يحدثنا معلمنا يوحنا هنا عن المحبة الحقيقية وعلامتها أننا نحب الله. فالروح القدس يسكب محبة الله فينا أولًا ثم الإخوة. ولكن كيف نعلم أننا نحب الله؟ يجيب الرسول وحفظنا وصاياه. فحفظ الوصايا علامة محبة الله (يو14: 21، 23). وأهم وصية هي المحبة.
آية 3:- فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً،
وصاياه ليست ثقيلة = لماذا؟
1. إن كنا نحب الله سنجد وصاياه سهلة، فالمحبة تستسهل الأمور الصعبة بل سننفذ الوصايا بدون كبت. فعلامة المحبة هي الطاعة الكاملة لوصايا من تحبه، بل أن تسعى لأن تجعله مسرورًا، وهذا يُسعدك أن تراه فرحا.
2. الله لا يأمر بشيء إن لم يعطي قوة على التنفيذ، فهو يعمل بيَّ وفيَّ، هو يحمل معي مهما كان الأمر صعب. هذه مثل "احملوا نيري فهو هين" (مت29:11). ولشرح هذا... أننا نكون قادرين على حمل إنسان ثقيل بسهولة في الماء، فالماء يرفع معنا دون أن نعاني من ثقل الشخص المحمول، ومن لا يعرف ما يفعله الماء (قوة دفع الماء) يظن أننا نقوم بعمل إعجازي إذ نحمل هذا الشخص الثقيل لأن قوة دفع الماء هي قوة خفية غير مرئية، وهكذا كل من هو خارج الإيمان يظن أن المؤمن الملتزم بوصايا الله أنه يعمل عملًا عجيبًا بينما أن الله هو الذي يعمل ويعطي المعونة، والمعونة هي النعمة وهي قوة مؤازرة للإنسان. وهي قوة خفية يشعر بها المؤمن الذي يحاول تنفيذ الوصية. بل أن من ولد من الله حقًا يجد لذته وسعادته في تنفيذ الوصايا. وصايا الله ثقيلة فعلًا على طبيعة الإنسان القديمة..مثل محبة الأعداء والطهارة وعدم اشتهاء ما في العالم... وهكذا اعتبرها تلاميذ المسيح (أع15: 10) ولكن لنسمع قول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى13:4) وهذا إستجابة لقول السيد المسيح "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو5:15).
3. كون أن وصايا المسيح ليست ثقيلة ردده القديس بولس الرسول أيضًا (عب12: 1).
4. كل ما عمله المسيح بالجسد كان لحسابنا (راجع مقالة "ماذا قدم المسيح لنا بتجسده" في نهاية تفسير رسالة كولوسي).
آية 4:- لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا
كيف نغلب العالم؟
1. كل من ولد = من ولد من الله، صار ابنًا لله. فيحب أبوه ويثق فيه، يثق في أن كل ما يقوله هو لمصلحته وفائدته، ويهرب من شهوات العالم التي تجذب الإنسان الطبيعي. وهكذا فعل أولاد يوناداب (بيت الركابيين) راجع (ار 35).
2. إيماننا = من يؤمن ويعتمد يحيا المسيح فيه، فالإيمان هو المدخل لحياة النعمة (غل2: 20 + فى1: 21). والمسيح الذي فينا قال "ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33). وراجع (1يو3: 9 + 1كو15: 57).. فالمسيح الذي فينا يعطينا قوة نغلب بها هي ما نسميه النعمة التي تؤازرنا في جهادنا.
3. من أحب الله اكتشف اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت13: 46) فاحتقر باقي اللآلئ أي العالم بما فيه (فى3: 7، 8). ومن احتقر شهوات العالم يغلب. والروح القدس يسكب محبة الله فينا (رو5: 5). فمن يجاهد ليمتلئ يغلب.
4. راجع آية (3) لترى كيف أن وصايا الله ليست ثقيلة. عندئذ سنغلب شهوات العالم التي تجذبنا.
5. والمولود من الله في المعمودية يصير خليقة جديدة لها إمكانيات جديدة.
آية 5:- مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟
لقد انتصرت الطبيعة البشرية في يسوع المسيح، ومن يؤمن تكون له النصرة. ولكن ما هو الإيمان المطلوب في المسيح لكي ننتصر؟
يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ
= هذه تساوي عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد (1تى16:3) أي الإيمان بسر التجسد. أن الله دخل إلى العالم وأعطاني حياته أحيا بها وهذه هي التي تجعلني أغلب. وهو عاش كإنسان مثلي واختبر ضعفاتي، فيستطيع أن يعينني ويسندني. ولكن الإيمان ليس إيمانًا نظريا، بل قبولا للموت مع المسيح المصلوب، فنقوم معه وتكون لنا حياته التي بها نغلب أو الأدق أنه هو يغلب فينا (رؤ6: 2) . وهذا يبدأ بالمعمودية التي هي موت مع المسيح وقيامة معه متحدين به (رو6)، وحتى نظل ثابتين في حياة المسيح علينا أن نتخذ قرارا بالموت عن الخطية فتظهر فينا حياة المسيح ونغلب، فحياة المسيح تظهر في جسدنا المائت (2كو4: 10، 11 + غل2: 20). والروح الذي يسكن فينا بالميرون يعيننا. والإيمان هو المدخل لذلك. والإيمان العملي هو السلوك في طريق المسيح الذي بدأ بالصليب فالموت فالقيامة.... فالمجد.
آية 6:- هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ
في الآية السابقة حدثنا الرسول عن إمكانية ان نغلب العالم عن طريق التجسد. وهنا يحدثنا عن كيفية الاستفادة من سر التجسد... أي بالمعمودية، كطريق نموت به عن خطايا العالم ونقوم بحياة جديدة.
هذَا هُوَ الَّذِي أَتَى
= أي المسيح.بِمَاءٍ وَدَمٍ
= أي ليس بماء فقط مثل يوحنا المعمدان الذي كان يعمد للتوبة، وكان النزول في الماء هو رمز للتوبة. لكن المسيح أتى بماء ودم. لقد أعطى يوحنا أهمية كبيرة لخروج الدم والماء من جنب المسيح لذلك كررها في إنجيله وفي رسالته، فهو الوحيد الذي رأى الماء والدم من جنب المسيح. وخروج الماء والدم من جنب المسيح إشارة لخروج الكنيسة من جنبه بصفتها حواء الجديدة. وكان المسيح على الصليب في موته مرموزًا له بآدم النائم (أف30:5 + + تك23:2). وعمل المعمودية كان مرموزًا له في العهد القديم بالتطهير بالماء والدم (لا4:14-7). والجديد في العهد الجديد هو عمل الروح القدس في الماء، فالمعمودية ليست ماءً عاديًا بل ماء يعمل فيه الروح القدس باستحقاقات الدم، (فالماء بدون قوة دم المسيح لا قيمة له) فيولد المعمد من الماء والروح ولادة جديدة وخليقة جديدة قادرة أن تغلب العالم ولا يكون للخطية سلطان عليها لأننا أصبحنا تحت النعمة التي تعين أما الناموس فيدين (رو14:6). والخليقة الجديدة هي الموضوع الذي يتكلم فيه الرسول، الخليقة الجديدة التي تغلب العالم. وهذه الخليقة تكون بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ = أي بالمعمودية.وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ
= المعمودية هي بالماء والروح (يو5:3). ولكن ذكر الماء والدم، يقصد به الرسول الموت والحياة اللذان حدثا لجسد المسيح على الصليب ، فالماء كان يشير لموت الجسد أي انفصال الروح الإنسانية للمسيح عن جسده الإنساني، أما خروج دم من جسد المسيح فيشير لحياة هذا الجسد. فالدم لا يخرج من جسد ميت، فالحياة في جسد المسيح الميت على الصليب كانت راجعة لإتحاد اللاهوت بجسده. المسيح بعد موته على الصليب صار فيه فعلين: الموت والحياة، *الموت بالجسد الإنساني أي انفصال الروح عن الجسد *والحياة لإتحاد اللاهوت بجسده الإنساني. ونحن بالمعمودية يصير فينا الفعلين، نموت بإنساننا العتيق، فنحيا بحياة المسيح الأبدية. والروح في داخلنا يشهد بذلك.وبعد انفصال الروح الإنسانية فلقد انطلقت هذه الروح المتحدة بلاهوته إلى الجحيم لتفتح الأبواب الدهرية للجحيم أمام الأبرار وتنطلق بهم إلى الفردوس. وبعد ثلاثة أيام أقام لاهوت المسيح جسده الميت بحياة جديدة غير قابلة للموت مرة أخرى، هي حياة أبدية يعطينا المسيح إياها في سر المعمودية. والرسول تكلم عن الماء والدم وترك الروح ليذكره هنا، فالروح في سر المعمودية يعطينا بطريقة سرية ان نموت بالطبيعة العتيقة مع المسيح المصلوب ونقوم معه في حياة جديدة. والروح يشهد في داخلنا لعمل المسيح، ولحياة المسيح الجديدة فينا، وعمله الخلاصي، وللبنوة التي حصلنا عليها بإتحادنا بالمسيح في المعمودية "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا آبا الآب " (غل6:4). فالروح لن يحل فينا ويصرخ يا آبا الآب ويشهد للبنوة التي صارت لنا، ما لَمْ يكن قد عمل في الماء لنولد بخليقة جديدة ونصير أبناء لله فعلًا. وبهذه الطبيعة الجديدة نغلب العالم وشهواته (آيات4، 5). الطبيعة الجديدة لها إمكانيات أن تموت عن العالم بخطاياه (ففيها فعل الموت) وتحيا في المسيح (لأن فيها فعل الحياة)، وبهذا تغلب العالم إذا فهم الإنسان أنه مات مع المسيح، وهذا يكون إن أراد المعمد وقرر أن يعتبر نفسه قد مات مع المسيح فيقبل الموت معه (وهذا ما يُسَمَّى بالإماتة) (2كو4: 10 ، 11)، ولاحظ قول بولس الرسول "مع المسيح صلبت فأحيا..." فحتى أختبر هذه الحياة يجب أولًا أن أمارس الموت الاختياري عن العالم وهذا ما نسميه الإماتة. ومن يفعل حينئذ يختبر القوة العاملة فيه والتي بها يغلب. والروح القدس الذي فينا هو روح الحق ويشهد للحق (يو13:16، 14)
لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ
= والروح يشهد للمسيح وعمله، ويعطينا أن نحبه وأن نختاره فهو الحق ونرفض العالم الباطل، وهذه هي غلبة العالم. وإذ نعرف الحق المعلن بالروح القدس نتحرر من الباطل (يو8: 32). إذ أن من يكتشف الحق الجوهرة الكثيرة الثمن يبيع كل ما كان في نظره لآلئ من شهوات العالم (فى3: 7، 8). وكون أن العالم باطل الأباطيل نجده في (جا2:1). والروح يعطينا أن نميز بين الحق والباطل ويبكتنا لو انحرفنا عن الحق. ويساعدنا أن نختار الحق لنغلب فهو يعين ضعفاتنا (رو8: 26). ويعطينا أيضًا القوة لنختار ونستمر في طريق الموت عن العالم فنحيا مع المسيح.
آية 7:- فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِد
يشهدون
= يشهدون للحياة الجديدة التي حصلنا عليها.الثالوث في السماء يشهد بهذه الحياة الجديدة والطريق لها لنغلب العالم فلا نهلك. ليس الروح القدس فقط هو الذي يشهد للمسيح وعمله فينا، بل إن الثالوث القدوس يشهد لتجسد الابن وعمله الخلاصي للإنسان.
فالآبُ
شهد للابن في يوم المعمودية وفي يوم التجلي وفي الهيكل أمام الكثيرين (مت17:3 + مت5:17 + لو35:9 + يو28:12-30). لكن يوم معمودية المسيح كانت شهادة الآب وفرحته أيضا هي إعلان أنه بالمسيح وفدائه وبهذه المعمودية التي بها يؤسس المسيح سر المعمودية لنا، نعود كأبناء للآب. ويوم التجلي كانت شهادة الآب هي " له اسمعوا" فمن ترونه الآن هو ابن الله وكلامه ووصاياه هي للحياة. ومن يسمع أقوال ابنه المسيح يحيا (تث18: 18، 19). فرحة الآب هنا بقوله "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" هي فرحة الأب برجوعنا نحن ابنه الضال لأحضانه في ابنه المسيح، بالمعمودية التي كان المسيح يؤسسها يوم عماده في الأردن.والابن شهد لنفسه بأقواله وتعاليمه ومعجزاته وقبوله للصليب وموته وقيامته (رو4:1) وصعوده أمام أعين تلاميذه. وبهذا كان المسيح يشهد لنا ويرسم لنا طريق الخلاص، فكل من يقبل الموت مثله صالِبًا جسده، الأهواء مع الشهوات يقوم مع المسيح من موت الخطية الآن فيحيا ويمتلئ بالروح ويكون له ثمار الروح (غل 5: 22 – 24). وكل وصية قالها المسيح هي للحياة. ولنذكر قول السيد المسيح " أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل". شهادة الابن للحياة الجديدة نلخصها في بعض أقوال الرب يسوع كأمثلة:
أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل (يو10: 10).
ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه (يو15: 13).
ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16: 33).
بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا (يو15: 5).
أعطيتكم سلطان أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو10: 19).
إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا (يو8: 36).
"أنا امضي لأعد لكم مكانًا،
وان مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون انا تكونون انتم أيضا" (يو14: 2 ، 3).ولكن شهادة المسيح أيضًا ظهرت يوم معموديته التي أعلن بها أنه سيموت ويقوم، وأن كل من يعتمد بنفس الأسلوب سيموت معه ويقوم معه.
والروح القدس شهد له في النبوات التي أوحى بها لأنبياء العهد القديم، وبحلوله على هيئة حمامة. إشارة لعمله فينا، وأنه يعمل في الأسرار ويبكت ويعين حتى يضمن ثباتنا في المسيح الابن. وكما يعود الحمام دائمًا إلى بيته، فعمل الروح معنا ان يعيدنا للثبات في المسيح الابن الذي يحملنا إلى حضن الآب، وهيئة الحمامة كانت شهادة لعمل الروح. والروح يشهد للمسيح داخلنا (يو 14:16). ويشهد لطريق المسيح وهو الموت عن العالم والخطية، فإن أخطأنا يبكت وإن أردنا وطلبنا يعين.
هُمْ وَاحِدٌ
= فنحن نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم. خلقنا ويجدد خلقتنا في خليقة جديدة لها إمكانية الخلاص. ولكن الآب يريد وأقنوميّ التنفيذ هما الابن والروح القدس:الآب
يريد أن الجميع يخلصون.الابن
يأخذ جسدا إنسانيا ليموت به ويقوم به وله حياة أبدية.والروح القدس الذي حل على المسيح يوم المعمودية يشهد بأنه سيوحدنا في جسد المسيح فيميت طبيعتنا القديمة ليقيم فينا خليقة جديدة قادرة على غلبة العالم. العالم له إغراءاته وبها يجذب البشر للخطية، ولكن ماذا تفعل هذه الإغراءات لمن حسب نفسه ميتا عن العالم. مع ملاحظة معونة النعمة التي يعطيها لنا الروح القدس وهي أعظم (يع4: 6).
آية 8:- وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ
الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ = في آية 6 رأينا فعل الموت والحياة في المسيح على الصليب. وفي آية 8 رأينا معمودية المسيح وشهادة الثالوث أن المسيح يؤسس المعمودية التي على نمطها نعتمد. وهذه الآية عن المعمودية وهي تشهد أننا بها نحصل على الحياة الجديدة والميلاد الجديد بخليقة جديدة . فما تم يوم عماد المسيح في الأردن نكرره في الكنيسة مع كل معمد، والروح القدس يأخذ من استحقاقات الدم ويعطي للمعمد أن يموت بإنسانه العتيق المولود من آدم وبالتالي تمسح خطاياه القديمة ، ثم يقوم متحدا بالمسيح الابن كخليقة جديدة فيحصل على البنوة لله .
الآن بعد انتهاء عمل الفداء . فالآن الروح القدس لا يحل بشكل منظور (حمامة أو ألسنة نار). والآب لا يتكلم ليشهد للمسيح من السماء. والابن لا نراه بأعيننا الجسدية. كل هذا نقبله ليس بالعيان كما حدث في الأردن بل بعين الإيمان (غل2: 20) . عمل الله الخلاصي يبدأ في حياة المؤمن بالمعمودية (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والمعمودية هي بـــ الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ = الواحد هو جسد المسيح الذي تدفق منه الماء والدم، والروح القدس حل على جسد المسيح لحساب الكنيسة كلها يوم عماد المسيح من المعمدان. والروح الآن يعمل في ماء المعمودية، وذلك بقوة دم المسيح، فتلد المعمودية أبناء لله، خليقة جديدة، وكل من شعر بقوة هذه الخليقة الجديدة وإمكانياتها يدرك عمل المسيح الخلاصي، هذه القوة التي تعطيها المعمودية لأولاد الله تشهد على أن المسيح هو مخلص العالم بدمه ، وتشهد للطريق الذي حدده الله للحياة الأبدية = وهو الموت عن العالم كي نحيا لله بحياة المسيح. والمعمودية لا معنى لها بدون وجود أحد الثلاثة عناصر (الماء والدم والروح). والولادة من الماء والروح نص عليها السيد المسيح في (يو5:3). المعمودية ونتائجها تشهد لعمل المسيح الخلاصي وللخليقة الجديدة التي بها نغلب .
الدَّمُ = هو الثمن الذي دفعه المسيح لكي يقدم لنا الفداء "لأنكم افتديتم...بدم كريم" (1بط1:18 ، 19). الماء والرُّوحُ= هما إشارة للمعمودية التي هي الوسيلة التي بها ننال استحقاقات هذا الدم. فبالمعمودية نولد ولادة ثانية من الماء والروح.
ترتيب الآيات 1 – 8
الآيات 1 – 5:- نحن مولودين من الله ولادة جديدة وخليقة جديدة لها إمكانيات الغلبة.
أية 6:- الروح يشهد في داخلنا بأن هذا كان نتيجة عمل صليب المسيح، موته وقيامته. وهذا أعطانا أن نموت معه بحياتنا القديمة ونقوم معه بل فيه بحياته المقامة من الأموات. والمسيح الذي مات على الصليب لم يكن إنسانا عاديا، بل هو له طبيعة فريدة، وحيد الجنس. فهو بعد أن مات على الصليب خرج منه دم وماء، الدم علامة على موته والماء علامة على وجود حياة في جسمه لإتحاده بلاهوته. خروج الدم والماء من جنب المسيح يشير لولادة الكنيسة من جنبه، تموت عن العالم لكن لها حياة أبدية.
آية 7:- هناك شهادة الثالوث. فالآب شهد يوم معمودية المسيح بأن المسيح الذي يعتمد هو إبنه، وفي ابنه هذا نعود نحن لحضن الآب كأبناء له وهذا سبب سرور الآب. والروح القدس يحل على المسيح وهو الذي يعطينا أن نموت ونقوم في المسيح. والمسيح بنزوله للماء وصعوده من الماء كان يؤسس سر المعمودية. نزوله يشير لقبوله للموت، وخروجه من الماء يرمز لقيامته. وبهذا فكل من ينزل لماء المعمودية يشركه الروح القدس في موت المسيح، وكل من يخرج من الماء يشركه الروح في قيامة المسيح.
آية 8:- المسيح جاء ليوحنا ليعتمد وذلك ليؤسس سر المعمودية. ففي المعمودية نموت مع المسيح ونقوم بحياة جديدة وبخليقة جديدة. وما أعطى لماء المعمودية قوة على الولادة الجديدة هو الروح القدس وذلك باستحقاقات دم المسيح. فالمعمودية بها نولد من الماء والروح.
والخلاصة:- نرى المسيح على الصليب وفيه فعل الموت (دم)، وفيه فعل الحياة (الماء). والروح يشهد لنا بهذا داخلنا (آية 6). وأن هذا لكي نولد من جديد من الماء والروح، وفينا نفس الفعلين الموت والحياة. نموت بالطبيعة القديمة ونقوم بحياة جديدة بالمعمودية التي أسسها المسيح بمعموديته. وشهد الآب بفاعليتها يوم المعمودية، والروح يحل على المسيح ليشهد بالعمل الذي سيقوم به معنا في المعمودية. فالثالوث يشهد بأن هناك خليقة جديدة نحصل عليها في المعمودية فيها موت بالخليقة القديمة وحياة بالخليقة الجديدة (آية 7). ونفس الفعلين نجدهم في الإفخارستيا، فالذبيحة التي نقدمها هي ذبيحة حية أي فيها نفس الفعلين الموت والحياة. وهذا ما رآه القديس يوحنا في رؤياه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). وما نفهمه بعد كل هذه الشهادات: شهادة داخلنا بعمل المعمودية في الولادة الجديدة (آية 6). وشهادة الثالوث في فاعلية المعمودية بأنها تجعلنا أبناء لله (آية 7). والآن بعد أن إعتمدنا فعلا من الماء والروح، فهل نؤمن ونقتنع بأننا متنا عن حياة الخطية وقمنا مع المسيح في خليقة جديدة وذلك بالمعمودية (آية 8). إذًا علينا أن نمارس حياة الإماتة لننعم بالحياة الجديدة والخليقة الجديدة التي لها إمكانية الغلبة (آية 5). إذًا نحن لنا إمكانية الغلبة وهناك شهود لذلك من داخلنا ومن الخارج، هذا لو مارسنا حياة الإماتة، أي نقف كأموات أمام الخطية (رو6: 11 + 2كو4: 10 ، 11 + كو3: 1- 5).
آية 9:- إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ فَشَهَادَةُ اللهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ اللهِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ابْنِه
نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ
= كثيرون شهدوا لعمل المعمودية العجيب في حياتهم. وكثيرون شهدوا للمسيح إبتداء من نثنائيل (يو49:1) وحتى لونجينوس الجندي (مر39:15). وعموما في القضايا العادية نحن نقبل شهادة الناس.فَشَهَادَةُ اللهِ أَعْظَمُ
= شهادة الثالوث عن عمل المسيح، أن المسيح أتى ليعطيني حياة هي اعظم (موضوع هذا الإصحاح). وشهادة الثالوث يوم معمودية المسيح، أنه بالمعمودية نصير أبناء لله. وشهادة الروح داخلنا هي أقوى من كل كلام الناس، وفي هذا يقول بولس الرسول " ليس أحد يقدر ان يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو12: 3). شهادة الثالوث يوم معمودية المسيح هي شهادة إلهية لطريق الخلاص، وهو الموت مع المسيح والقيامة معه. ففرحة الله يوم معمودية المسيح كانت بعودتنا كأبناء له في المسيح على نفس نمط معمودية المسيح في الأردن أي بالمعمودية الآن.
آية 10:- مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ فَعِنْدَهُ الشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ اللهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِبًا، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا اللهُ عَنِ ابْنِه
مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ
= شهادة الله الأعظم هذه نشعر بها داخلنا. فالمؤمن هو إنسان معمد، حل فيه الروح القدس بالميرون، وصار مسكنًا للروح، والروح يشهد في داخله للمسيح شهادة عملية اختبارية. وأيضًا فالروح يشهد في داخلنا بمفعول المعمودية والحياة الجديدة التي حصلنا عليها. [لكن هذا لمن لم يطفئ الروح بإصراره على الخطية ومقاومة تبكيت صوت الروح القدس داخله (1تس5: 19)].مَنْ لاَ يُصَدِّقُ اللهَ
= من يقاوم شهادة الله في داخله أي صوت الروح القدس، ومن لا يصدق الكتب المقدسة الموحى بها من الله، ومن يقاوم الإيمان المُسَلَّم مرة للقديسين (يه3) والمودع في الكنيسة، يجعل الله كاذبًا.
آية 11:- وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِه
هذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ
= الشهادة التي كان يتكلم عنها في الآيات (6 – 10) فالله يشهد لابنه ليس لأن ابنه يحتاج لهذه الشهادة، بل لنا نحن، إذ أن الابن كان هدف تجسده أن نؤمن به ونتحد به في المعمودية فيكون لنا حياة أبدية. "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". (يو3:17 + يو15:3). وهذه الحياة كلها غلبة على العالم. فالشهادة التي يتكلم عنها الرسول هنا هي الحياة التي نختبرها إن عشنا بحسب الإنجيل.وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ
= هذه الحياة التي أعطاها لنا الله تسرى فينا ونشعر بها كشهادة داخلنا بحسب الشروط الآتية:1. بالإيمان. ليس الإيمان النظري بل بقبول السلوك كما سلك المسيح في حياته بالجسد. وهذا ما قال عنه القديس يعقوب الإيمان الحي (يع2) .
2. بالمعمودية (دم + ماء + روح).
3. بقبول الموت الذي حدث لنا في المعمودية ، ونستمر نحيا كأموات أمام الخطية فحينئذ تكون لنا حياة المسيح (رو6 : 1– 14 + 2كو4: 10، 11 + غل2: 20 + كو3: 1 - 5). فحياة المسيح الأبدية تظهر في جسدنا المائت إذ تتحد مع هذا الجسد المائت عن الخطية. ولاحظ أن حياة المسيح الأبدية اتحدت بجسده المائت في القبر، والمعنى أننا كلما مارسنا حياة الإماتة أمام شهوات العالم، كلما ثبتت حياة المسيح فينا. وإن أخطأنا نتوب سريعا فنحيا (1يو1: 9 + أف5: 14).
4. بالتناول من جسد الرب لنثبت فيه "مَنْ يأكلني يحيا بي".
والحياة الأبدية ليس معناها أن نحيا للأبد، فالأشرار والشياطين سيوجدون أيضًا للأبد، ولكن في الظلمة الخارجية في عذاب جهنم. ولكن المقصود بالحياة الأبدية هي أن تكون لنا حياة الله ذاته، نحيا بها. وهي حياة كلها قوة وغلبة ومجد ونور وفرح وسلام ومحبة وطهارة وهي تبدأ من الآن. وما نحصل عليه الآن هو عربون المجد والفرح الذي يكون لنا
هناك في السماء.
آية 12:-. مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاة
مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ = هذه الحياة الأبدية هي حياة الابن فينا "لي الحياة هي المسيح" (فى21:1)+ "المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). ومن له الابن أي من يثبت في الابن ويملك الابن عليه، يكون الابن هو حياته. والإتحاد بالابن بدأ بالمعمودية. وعلينا أن نحرص على هذا الثبات "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو4:15) وذلك بأن نسلك في نفس طريق المسيح أي موت وحياة. وهذه الحياة هي حياة أبدية لأن المسيح الذي يحيا فينا هو أبدي، لذلك ستكون نهاية هذه الحياة مجد أبدي هناك [وراجع تفسير (يو5: 26)].
آية 13:- كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ
تؤمنوا باسم ابن الله = الاسم يعبر عن الشخصية، فاسم ابن الله هو تعبير عن كامل شخصيته وجبروته ومحبته التي وصلت للفداء. وراجع (أع12:4) "ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" وراجع أيضًا (يو36:3) ولاحظ قوله أنتم المؤمنين ثم يقول لهم أن تؤمنوا. لذلك فقوله تؤمنوا تعني تثقوا في قدرته على أن فدائه قادر أن يعطينا الغلبة فنخلص. وهذا يتفق مع آية (14). لذلك قال مخلصنا " بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو15: 5).
كتبت هذا = كل ما شرحه عن محبة المسيح وفعل المعمودية الذي يكون لنا به حياة. لكي تؤمنوا باسم ابن الله = لكي تدركوا وتثقوا أن قوته غير المحدودة قادرة أن تعمل فيكم فتغلبوا وتثبتوا في الحياة الأبدية التي أتى بها إليكم وقارن مع (أف1: 19، 20).
آية 14:-. وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا
طلب في الآية السابقة أن يكون لنا ثقة في الله، وهنا نجد دلالات هذه الثقة. أنه إن طلبنا شيئًا يستجيب لنا = وهذه هي الثقة التي لنا عنده = الثقة ناشئة من شهادة الروح داخلنا أننا أولاد الله المحبوبين منه حتى أنه بذل ابنه عنا. ومن هذه الثقة نصلي واثقين أنه لا بُد وأن يستجيب إن كان الطلب ليس فيه ضرر لنا.
و هناك شروط للاستجابة أي لاستجابة الصلاة وهي أن تكون:-
1. حسب مشيئته = الصلاة ليست أداة لإقناع الله بأن يغير تفكيره، بل هي طريقة لتغيير فِكْر مَنْ يصلي بأن يقبل ما يسمح به الله. بل مَنْ يصلي متجاوبًا مع روح الله، يعلمه الروح القدس ماذا يطلب (هو14: 2)، أي أن الصلاة هي استكشاف لمشيئة الله. فالإنسان قد يبدأ الصلاة بإصرار على الحصول على شيء معين قائلًا... أريد يا رب كذا وكذا... ولو خضع لصوت الروح القدس داخله، الذي يقنعه ربما بأن هذا الشيء ليس في صالحه، نجد هذا الشخص ينهي صلاته قائلًا " لتكن مشيئتك " " وليكن ليس حسب إرادتي بل حسب إرادتك "، وهكذا صلَّى المسيح في بستان جثسيماني. فالروح القدس يعطي للذي يصلي بطريقة صحيحة أن يسلم إرادته كاملًا لله، بل أن تتفق إرادته مع إرادة الله، فيطلب بحسب مشيئة الله. وهذا نسميه شفاعة الروح القدس (رو26:8، 27) فإذا كنت مسلمًا الأمر تمامًا لله، فأنا مقبول أمام الله، أما لو كنت في حالة تذمر، فأنا غير مقبول أمام الله، وهذا ما يقوم به الروح القدس أنه يقنعني في الصلاة أن أسلم الأمر بالكامل لله (أر7:20). وقد نصلي ضد مصلحتنا، ولذلك لا يستجيب الله، كما صلى بولس الرسول ثلاث مرات ليشفى والله لم يستجب لأنه خاف عليه من الكبرياء وبالتالي من الضياع (2كو7:12-9). وهذا رأيناه في مزامير داود النبي، الذي كان في بعض الأحيان يبدأ المزمور بالشكوى، ولكنه ينهي المزمور بالشكر والتسبيح إذ استمع لصوت الروح القدس الذي يعطيه الاطمئنان فيسبح " إلى متى يا رب تنساني... يبتهج قلبي.." (مزمور 13).
ومشيئة الله هي خلاص نفوسنا، فكل من يطلب طلبًا به يخلص يعطيه له الله. ونلاحظ أن السيد المسيح علمنا في الصلاة الربانية أن نقول " لتكن مشيئتك". ولكن للأسف يكون لسان حالنا كثيرًا ونحن نصليها أن يكون في قلوبنا... لتكن مشيئتك إن كانت حسب مشيئتنا، لذلك نشتكي إن لم يستجب الله ونتذمر ونقول "الله لا يسمعنا. لذلك يقول بولس الرسول "لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي" (رو26:8). ولكن الروح يعطينا إقناع (= يشفع فينا) بما نطلبه وبما يتفق مع مشيئة الله. ويمكن أن نقول أن الله يستجيب دائمًا، ونقولها بثقة ولكن هناك 3 حالات لهذه الاستجابة:
أ. أن يستجيب فورًا.
ب. أن يستجيب بعد فترة أي في ملء الزمان حينما يكون الزمان مناسبًا والظروف مناسبة.
ت. أن لا يستجيب إن كان الطلب ضد خلاص نفوسنا. أو فيه ضرر لنا.
2. من شروط استجابة الصلاة أيضا أن تكون بإيمان (مر24:11). فلا يقبل أن أطلب شيئًا من الله وأنا أشك أن الله قادر على الاستجابة أو أكون في حالة شك في محبته، وأنه في محبته لابد وسيستجيب. وإن كان إيمانك ضعيفًا فقل له "أعِن عدم إيماني" (مر9: 24).
3. والإيمان ليس شرطًا وحيدًا لقبول الصلاة، فقد أطلب ما يكون سببًا في أن أفقد خلاص نفسي، فبولس الرسول طلب من الله ثلاث مرات أن يرفع عنه شوكة مرضه والله رفض فهل نشك في قوة إيمان بولس الرسول. فالإيمان هو أحد الشروط لاستجابة الصلاة وليس هو الشرط الوحيد.
4. أن تكون الصلاة باسم يسوع (يو14:14) لذلك ننهي الصلاة الربانية قائلين "بالمسيح يسوع ربنا". وهذه تعني الثقة في قدرات المسيح اللانهائية وقوة عمله الخلاصي؛ إذ أعاد لنا دالة البنوة للآب (راجع تفسير آية 13 السابقة).
5. أن نكون ثابتين في المسيح (يو7:15) وذلك بحفظ وصاياه (1يو22:3، 23). وهذا يعني أن صلاة الأشرار غير مقبولة أمام الله بل هي مكرهة الرب "ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته" (أم15: 8)
، فمن يحيا في شره فهو ليس ثابتا في المسيح فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14).6. أن نغفر لمن يسيء إلينا (مر25:11).
فالله لن يغفر لنا ما لم نغفر نحن أيضًا للآخرين (مت6: 15). الله لن يقبل صلاة من يكون قلبه مملوءًا بالكراهية.7. أن لا نطلب طلبة لا تتفق مع اسم المسيح، أي تكون الغاية من الصلاة إشباع شهواتنا ورغباتنا (يع3:4).
8. بل كلما يرتقي إنسان في علاقته مع الله لا يطلب سوى مجد الله، ولا يطلب ما لنفسه بقدر ما يطلب عن الآخرين (يع16:5).
آية 15:- وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلْبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ
مَنْ يصلي لدرجة أنه يصلي بحسب مشيئة الله، أي خاضعًا تمامًا لصوت الروح القدس داخله. لا بُد أن تكون له هذه الثقة أن الله سيستجيب. هذه الثقة هي بِدَاَلَّة البَنين.
آية 16:- إِنْ رَأَى أَحَدٌ أَخَاهُ يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ، يَطْلُبُ، فَيُعْطِيهِ حَيَاةً لِلَّذِينَ يُخْطِئُونَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ. تُوجَدُ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ. لَيْسَ لأَجْلِ هَذِهِ أَقُولُ أَنْ يُطْلَبَ
خطية للموت = الموضوع ليس في نوعية الخطية، بل في العناد والإصرار على ارتكاب الخطية. فحتى خطايا الزنا أو القتل لها غفران لو استجاب الإنسان للروح القدس ولم يقاوم وقدم توبة. والله لا يتدخل في حرية أحد بل هو يحاول أن يقنعه أن يترك الخطية، ولكن إن رفض وعاند يتركه. فحرية الإنسان هي التي تحدد هل الخطية للموت أم لا.
والإنسان حينما يفعل الخطية لأول مرة يبكته الروح القدس، ولكن إن قاوم وعاند يعتاد عليها ولا يسمع لصوت الروح القدس، بل يبدأ يتلذذ بالخطية بل يفتخر بها (وهذا ما يمكن أن نسميه التجديف على الروح القدس). فالقلب قد تقسى تمامًا رافضًا التوبة أو الاستجابة للروح القدس. ولمثل هذا الإنسان، مهما صلينا فلا فائدة فهو لن يتوب. هذه إذًا خطية للموت.
يخطئ خطية ليس للموت = أي خطايا الضعف البشري نظرًا لوجودنا في الجسد. لكنه يجاهد ويريد أن يتغير ويرضي الله. هذا نطلب له الغفران ونصلي له. ولعل هذا إشارة لسر التوبة والاعتراف وصلاة التحليل التي يصليها الكاهن على رأس المعترف.
يَطْلُبُ فَيُعْطِيهِ حَيَاةً
= أي غفران يؤدي للحياة الأبدية.ونفهم من كلمات الرسول أن خطايا الموت هي:
1.
الإصرار على إنكار المسيح والهرطقة وإفساد المؤمنين. هذه هي الخطايا التي يكتب الرسول رسالته بسببها فمثل هؤلاء يفسدون الإيمان. وراجع المقدمة لترى موقف يوحنا من كيرنثوس الهرطوقي. وراجع ما قاله في رسالته الثانية عن من يأتي لنا بتعليم مختلف "لا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة (2يو10 ، 11). فالكنيسة تحرم من يقاوم الإيمان وتعزله (آريوس).2.
المصرون على خطايا الكراهية والبغضة. هذا هو مضمون هذه الرسالة. وراجع تعليم الرب يسوع "وان اخطأ اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. ان سمع منك فقد ربحت أخاك. وان لم يسمع فخذ معك أيضًا واحدًا أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة. وان لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء" (مت18: 15 - 18). فمن يُصِّر على عدم الغفران فالكنيسة أعطاها الله سلطانا لكي تربطه أي تعزله عن شركتها.3.
خطايا إنكار المسيح ورفضه أشار لها بولس الرسول في (عب6)، إرتدوا عن الإيمان بالمسيح بعد أن تذوقوا نعمته، هم الأرض المعرضة للحريق. هؤلاء يقول عنهم بولس الرسول أنه لا يمكن إعادتهم للتوبة. هؤلاء يقول عنهم بولس الرسول أنه لا يمكن إعادتهم للتوبة. هؤلاء لا تستطيع لهم الكنيسة أن تفعل أي شيء بل تتركهم ولا تصلي لأجلهم. لا تصلي لغفران خطاياهم، بل تصلي لهدايتهم وإبعاد أذيتهم عن الكنيسة.4.
ونرى أن قساوة القلب ومهاجمة ومقاومة الكنيسة هي خطايا موت لذلك لم يصلي بولس الرسول لإسكندر النحاس (2تى14:4، 15). والسيد المسيح لم يصلي عن كل العالم بل من أعطاهم له الآب أي المؤمنين (يو9:17) والكنيسة لا تصلي عن المنتحرين لأنهم أصروا على يأسهم حتى النهاية.
آية 17:- كُلُّ إِثْمٍ هُوَ خَطِيَّةٌ، وَتُوجَدُ خَطِيَّةٌ لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ
كلمة إِثْمٍ في اليونانية تعني إعتداء الإنسان على حق الغير (إذًا الإثم هو تعدي على حق من حقوق الله أو حقوق أي إنسان).
وكلمة خَطِيَّةٌ = تعني مخالفة إرادة الله ووصاياه. هي أن أفعل ما أريده أنا وليس ما يريده الله.
وأصل الكلمة خَطِيَّةٌ = في اليونانية "من يخطئ الهدف ولا يصيبه" . ومن يصيب الهدف فله مكافأة، ومن يفشل في إصابة الهدف فلا مكافأة له.
فهدفنا هو الحياة الأبدية في مجد الله ، فالهدف الصحيح الذي يجب أن يكون أمام أعيننا هو ماذا يريد الله لنعمله، أو ما هي وصية الله لننفذها؟ وإن فعلنا يكون الهدف صحيح ونرث المجد في السماء . ولكن إن نفذنا إرادتنا ولم نهتم بوصايا الله نفقد المكافأة. فمن يخالف إرادة الله يفقد المكافأة التي هي حياته الأبدية. ببساطة لأن الله حين أعطانا الوصية لم يكن هذا ليتحكم فينا إنما هو يعرف الصالح لنا. فكل إعتداء على حق الغير هو خطية لأنها تخالف إرادة الله. وكل انحراف عن المحبة الكاملة لله وللإخوة هو خطية. وهذا ما عبَّر عنه بولس الرسول "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو3: 23). ويصبح المعنى أن كل خطأ يفقدني حياة المجد في الأبدية. وبهذا يصبح معنى كل إثم هو خطية = كل مخالفة لوصايا الله تفقدني المكافأة التي هي ميراث المجد.
آية 18:- نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّه
كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ = سبق شرحها في إصحاح (3) وفي المقدمة. لكن الرسول يقول هذا هنا بعد أية (16) ليكون المعنى أن كل من ولد من الله لن يكون قاسي القلب معاند رافض للتوبة وبهذا يخطئ خطية للموت، لكن من هو ابن لله؟ هذا تجده إن سقط يقوم سريعًا ويتوب. ولكن الرسول يطلب من أولاد الله أن كل واحد يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ = أي لا يستطيع أن يجري معه اتصالًا من أي نوع. وراجع قصة القديسة يوستينة في تاريخ الكنيسة، فهذه القديسة حاول الشياطين التي كان يرسلها الكاهن الوثني أن تدخل بيتها لغوايتها، فلم تستطع الشياطين دخول بيتها لأنها كانت تصلي. فمن هو ثابت في أبيه لا يقدر عليه الشيطان، ولكن في اللحظة التي فيها ينسى بنوته لله وينحرف قليلاُ عن أبيه يسقط. لذلك يطلب الرسول هنا من كل مولود من الله أن يحفظ نفسه أي يحاول أن يظل دائمًا ملتصقًا بالله. ولنذكر سقطة داود، فنجد أن داود سقط حينما:- 1*صار لا يخرج للحرب، وهذه = عدم الجهاد في حياتنا + 2*وصار لا يصلي مزاميره، وهذه = لا صلاة ولا تسبيح في حياتنا + 3*بل كان يتمشى على سطح القصر، وهذه = الحياة في ملذات ولهو العالم بالنسبة لنا. وبهذا فقد داود النعمة الحافظة له.
ويكون معنى الآية: كل من ولد من الله لا يخطئ (خطية للموت). بل المولود من الله يحفظ نفسه (يجاهد) والشرير لا يمسه (فالذي فينا كأولاد لله أعظم). هذه الآية أتت هنا بعد أن قال أن هناك خطية للموت حتى لا يرتعب السامعين، فهو هنا يعطي طمأنينة أن كل من يريد الثبات ويجاهد، لا سلطان للشيطان عليه ولن يمسه. هذه الطمأنينة لمن تحرك قلبه وخاف، أما القلب القاسي فلن يحركه تخويف ولن يطمئنه كلام الرسول هنا.
آية 19:- نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ.
نحن من الله = مولودين منه.
والْعَالَمَ كُلَّهُ
= المقصود بكلمة العالم ليس كل الناس بل الذين أحبوا العالم وتعلقوا به.قد وضع في الشرير = أي تحت سلطان الشيطان الشرير.
فكما يعيش أولاد الله في دائرة قوة الله فتحفظهم، يعيش أولاد العالم في دائرة قوة الشرير وإغرائه. فالشيطان يزيف كل ما هو حق ويغوي أتباعه ويضللهم فيسقطوا فيستعبدهم. وكيف يضلل الشيطان أتباعه؟ بأن يصور لهم العالم والخطية أنها متعة ولذة وهدف يسعون وراءه، ويخفي عنهم الآلام والحزن نتيجة للخطية. والعالم ملئ بالخطايا.
آية 20:- وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلَهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة.
في الآية السابقة رأينا العالم قد وضع في الشرير، والشيطان يضلل الناس، ولكن ما موقفنا نحن أولاد الله = أعطانا بصيرة لنعرف الحق = الله أعطى أولاده بصيرة بها يدركون تفاهة العالم (جا2:1 + فى8:3). وأيضًا يعطيهم بصيرة فتنفتح عيونهم ويدركون الأمجاد المعدة لهم في السماويات (1كو9:2- 12). ومن هذه الآيات الأخيرة من كورنثوس نفهم أن هذه البصيرة تكون بالروح القدس المعطى لنا. والحق في هذه الآية في مقابل العالم في آية (19). فالعالم هو الباطل (جا2:1). ونحن تكون لنا هذه البصيرة إن ثبتنا في المسيح = ونحن في الحق (ندرك الحق ونميز بينه وبين الباطل) في ابنه يسوع المسيح = فالمسيح هو الحق (يو6:14). وثباتنا في المسيح يملأنا من الروح القدس، روح الحق، والذي يرشد للحق (يو13:16). فثباتنا في المسيح هو ثبات لنا في الحق. وثباتنا في المسيح يأتي عن طريق حفظ وصاياه، وثباتنا في المسيح يعطينا الامتلاء من الروح الذي يفتح بصيرتنا فنعرف المسيح الحق وعمله ومحبته وما أعطاه لنا، وما أعده لنا في السماء، وهذا يجعلنا نحتقر العالم الباطل وهذا معنى قول الرب "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو8: 32).
هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية = بدأ الرسول رسالته بأن المسيح هو كلمة الحياة وبظهوره أظهرت الحياة (1يو1:1، 2). وهنا يسميه الحياة الأبدية. وبهذا تتفق بداية الرسالة ونهايتها. وبهذا يلخص الرسول رسالته في أن ابن الله قد أتى إلى العالم وأعطانا معرفة الإله الحق الذي لا يعرفه عبدة الأوثان ولا الهراطقة. وأعطانا أن نكون فيه بالإيمان. ومن يؤمن به تكون له حياة أبدية، ويحيا في محبة، ويغلب العالم فلا ينجذب لشهواته. فالمؤمن يفتح الله بصيرته فيعرف أن الرب يسوع هو كل الحق ويشبع به مؤمنًا أنه مصدر حياته، فيثبت فيه بأن يطيع وصاياه ولا يريد أن يفارقه. تعرفون الحق والحق يحرركم (يو 8: 32).
آية 21:- أَيُّهَا الأَوْلاَدُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ. آمِينَ.
احفظوا أنفسكم من الأصنام. أيها الأولاد = أي لا يليق كأولاد لله أن تتعلقوا بالأصنام فأولاد الله لا يعطون قلوبهم لأحد سوى الله الذي فداهم وأعطاهم حياة أبدية. وقوله احفظوا أنفسكم يعني لا تقبلوا شيئًا أو أحدًا يحتل مكان الله في قلوبكم.
ولكن ما هي الأصنام؟ قد تكون الأوثان التي عبدها قديمًا عباد الأوثان. ولكن تكرار بولس الرسول أن الطمع عبادة أوثان (أف5:5 + كو5:3) تجعلنا نمتد في فهمنا للأصنام بأنها تكون الطمع أو شهوة الزنا أو الملذات المختلفة والمال والذات؛ وهذا ما يسميه القديس يوحنا "العالم" (1 يو 5: 19 + 2: 15-17)، وهذا ما قال عنه القديس يعقوب "محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4). أي يجب أن لا نضع شيئًا في قلوبنا غير الله، ويكون الله فقط هو كل شيء في حياتي.
فالأصنام عمومًا هي أدوات عبادة الشيطان. والشيطان عرض على السيد المسيح كل ما في العالم من ممالك على أن يسجد له.
← تفاسير أصحاحات يوحنا الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
الخط العام للرسالة الأولى ليوحنا |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا الأولى 4 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/63jsmwb