محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة يوحنا الرسول الأولى: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24
في هذا الإصحاح يتكلم عن عائلتين روحيتين يحيون في هذا العالم، عائلة تنتسب لله، وعائلة تنتسب لإبليس (يو8: 36-47). وكل منا إما هو ابن لله أو ابن لإبليس، ولا يجب أن نعرج بين الفرقتين، ومن يسلك بما يليق بأولاد الله فهو ابن الله حقًا، والعكس فمن يعمل أعمال إبليس فهو ابن لإبليس. لذلك ففي كل موقف عليَّ أن أقف وأتساءل... هل يليق هذا التصرف بي كابن لله؟ وماذا كان تصرف المسيح لو كان مكاني؟ وأتصرف كما لو كان المسيح مكاني.
آية 1:- أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ
تأمل محبة الله، وتأمل في الكرامة التي أعطاها لنا الله نحن الخطاة الأشرار في أننا نتحد بابنه فنصير أولادا لله. وهذا ما نسميه الميلاد الثاني.
من [الآية السابقة 1 يو 2: 29] رأينا أن أولاد الله يصنعون البر. ولكن كيف نصنع البر. هنا نسمع الرد... انظروا آية محبة... = = وكلمة انظروا تعني تأملوا بعمق في هذه المحبة التي أحبنا بها الله، وهذا يزيد محبتنا له كما قال القديس يوحنا نفسه "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلا" (1يو4: 19).
ومَنْ تزداد محبته لله ينفذ وصاياه فيصنع البر. والتأمل بعمق في محبة الله يحتاج للعشرة مع الله [كما شرحه الرسول في آية (1 يو 1: 1)] هي خبرة معاشة مع المسيح تصل لدرجة التلامس. هذه العشرة مع الله مطلوب منا أن ننمو فيها فيكون لدينا الإمكانية لنمتلئ بالروح فنسمع صوته يخبرنا عن المسيح ومحبته فنحبه، ومن يحبه سيحفظ وصاياه ويثبت فيه كابن لله. حين طلب الفريسيين من الرب يسوع آية أي معجزة تدل على شخصه ليتأكدوا من صدق إرساليته وأنه من الله، قال لهم "جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَة ولا تُعْطَى له آية إلا آية يونان النبي" (مت12: 39). لأن المعجزات لا تحرك القلب فيؤمن بقدر التأمل في محبة المسيح التي ظهرت على الصليب وكان يونان النبي رمزا لهذا. وصليب المسيح وفدائه كانت نتيجته أننا صرنا أولادا لله.
حتى ندعى أولاد الله = (يو1: 12) هنا نرى بركات التجسد فقد صرنا أولادًا لله، ولدنا منه بكلمته الحية وبفعل روحه القدوس في المعمودية أي بالميلاد الثاني، وأولاد الله بالحق هم الذين يعملون ما يرضيه، أما الأشرار فلا ينتفعون من الاسم شيئًا.
من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه = وعلينا أن لا نتصور أننا لو التزمنا بتنفيذ الوصايا أننا سنكون محل إعجاب العالم بنا. العالم لا يتصور ولا يفهم هذه الكرامة وهذا المجد المعد لنا كأولاد الله، وكما لم يعرف العالم المسيح حين جاء بل صلبوه، هكذا لا يعرف أولاد الله ويطاردهم ولا يقبلهم، إذ هم في طبيعتهم الغريبة عن الشر غرباء عن طبيعة أولاد العالم. فمحبة أولاد العالم للإثم تجعلهم لا يقبلون النور الذي في أولاد الله والذي يفضح شرهم (يو15: 18- 21).
آية 2:- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ
هنا بركة أخرى للتجسد، أننا سنرى الله حين نخلع جسدنا الترابي ونلبس جسد القيامة الروحاني، حين يغير الله شكل جسد تواضعنا (صحة الترجمة جسد وضاعتنا our lowly body فهو جسد ترابي وحين يموت ينتن) إلى صورة جسد مجده (فى3: 21) حين نرى الله وجهًا لوجه ونعرفه (1كو12:13). فلأننا سنراه كما هو = مجد أجسادنا الممجدة لن يكون راجعا لنا، فالمجد هو طبيعة الله نفسه. لكن الله ينعكس مجده علينا فيصير لنا جسدًا ممجدًا، وينعكس نوره علينا فيكون لنا جسدًا نورانيًا. وذلك كما يقول الرسول لأننا سنراه كما هو. هذا يقوله الرسول بعد أن حدثنا عن أن العالم سيبغضنا.
ولكن من يؤمن ويدرك هذا المجد المُعَّدْ لن يهتم ببغضة العالم له. والمجد الذي فينا الآن غير معلن وسيستعلن في الأبدية (رو8: 18). ونحن الآن نحصل على عربون هذا المجد بواسطة الروح القدس الذي فينا، الذي يعطينا أن نرى الأمجاد ونرى الله، ولكن كما في لغز، كما في مرآة (1كو2: 9، 10 + 1كو13: 12 + يو16: 13-16) فالروح يعطينا الرؤية الحقيقية للمسيح وهي أهم من الرؤية بالجسد. ولاحظ أن من ينجح في أن يكون صورة المسيح على الأرض (غل4: 19) سيكون له صورة المسيح في مجده.
آية 3:- وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ
كُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ = يجاهد بقدر إمكانه حتى لا يضيع منه هذا المجد.
يُطَهِّرُ نَفْسَهُ = فطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله = لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ (أية 2). وقوله يطهر نفسه يؤكد مساهمتنا نحن في السلوك . حقًا فالله يعين، ولكنه يعين من يجاهد، وذلك كما قال بولس الرسول "ولكن ان كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8: 13). ولاحظ أن الرب يسوع طلب من الخدام في عرس قانا الجليل أن يملأوا الأجران ماء (يو2). وكان هذا الماء يستخدم للتطهير، وحوله هو إلى خمر. وهذا يشير لجهاد كل منا أن يطهر نفسه = يملأ الأجران، يملأه المسيح فرحا (الخمر رمز للفرح). وجهادنا جهاد كله رجاء في مجد مُعَّدْ، وليس جهاد إنسان يائس مكتئب.
كَمَا هُوَ طَاهِرٌ = الموضوع نسبي، فلن نكون في طهارة الله، لكن هناك مثل أعلى يجب أن نحاول الوصول إليه. هذه مثل "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48). وهنا المسيح في طهارته هو مثلنا الأعلى فلنقتدي به.
آية 4:- كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي
الخطية هي أن يخطئ الإنسان سواء عن جهل أو عن معرفة. وبعد الناموس صار من يخطئ يتعدَّى على وصايا الله وناموسه. ومن يخطئ الآن يتعدى على ناموس الله وعلى صوت الروح القدس داخله. وقطعًا فالتعدي عقوبته أصعب كثيرا فهو تحدي لله. وهذا الكلام موجه للغنوسيين حتى لا يستهين أحد بالخطية. ونقول ثانية أنه طالما كنا في الجسد فسوف نخطئ، ولو قلنا أننا لا نخطئ نضل أنفسنا (1 يو 1: 8، 10). لكن أولاد الله يجاهدون بقدر إمكانهم حتى لا يخطئوا، وإن أخطأوا يشعرون بغربة عن حياتهم كأولاد لله، ويعودون بسرعة تائبين معترفين ولا يستمروا في الخطية مستغرقين فيها. وعلاقة هذه الآية بالسابقة أن الخطية تحرمنا من رؤية الله والرجاء في المجد. فالخطية تجلب الحزن والغم.
آية 5:- وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ
ذاك = هو المسيح.
أُظْهِرَ = تجسد وتأنس وإتحد بنا لكي نثبت فيه فلا نخطئ.
لكي يرفع خطايانا = ليس فقط يغفرها بل ليقاوم الخطية التي ينشرها إبليس ويضعها في القلب، ولا يترك منها شيئًا في القلب. فمن بركات التجسد أن الله يحولنا إلى صورته في القداسة والبر، فهو يكره الخطية والشر = وليس فيه خطية. فإبليس يجاهد لكي يجعلنا نخطئ والمسيح يعمل فينا حتى لا نخطئ.
بالرجوع لنبوة دانيال النبي عن الصليب (دا 9: 24) قال أنه لتكميل المعصية وتتميم الخطايا: *تكميل المعصية = بها يُكمِل اليهود معصيتهم بخطيتهم العظمى إذ صلبوا المسيح. *تتميم الخطايا = الحقيقة أن المعنى في العربية ليس واضحًا ولكنه في الإنجليزية يعطي المعنى المطلوب to make an end of sins. فالمسيح أتى ليعطينا قوة فلا نخطئ بعد أن كنا ضعفاء والخطية أقوى منا (رو6: 14).
أيات 6-9:- كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ. كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. مَنْ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ. مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ.
زرعه يثبت فيه = الزرع الإلهي هو الإنسان الجديد الذي أعطاه الله لنا، والذي هو على صورة المسيح، وهذا نحصل عليه بالمعمودية إذ يموت الإنسان العتيق ونقوم في جدة الحياة، أي حياة جديدة وخليقة جديدة (2كو5: 17 + رو6: 2- 7). وهذا يكون بأن المسيح يعطينا حياته "لي الحياة هي المسيح" وهذه الحياة تجعلنا نثبت فيه (1بط1: 23). ولكن بالخطية يقل هذا الثبات فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14- 16) وهذه الطبيعة الجديدة تثبت فيمن يحصل عليها ويحافظ عليها، وهذا يعني أن هناك قوة إلهية فاعلة داخل المؤمن تعمل معه وتعينه إن أراد وجاهد لأجلها (النعمة). هذه هبة الله المستمرة لشعبه حتى لا يخطئ. وماذا يعطيني الله حتى لا أخطئ؟
1. المسيح أعطاني حياته، ويقول "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا (يو15: 5). أي هو يعطي قوة، إذ هو ثابت فيَّ. لكن هو لا يقيد حريتي.
2. الله وهبنا الروح القدس يسكن فينا وهو:
أ. يبكت إن أخطأنا (يو16: 8). وذلك بالإقناع (ار20: 7).
ب. يعطي معونة ويعين ضعفاتنا (رو8: 26).
ت. يملأنا محبة (غل5: 22 + رو5: 5) ومن يحب لا يستطيع أن يخطئ في حق من يحبه، ولا يقبل لمحبته أن يحزن قلب الله (يو14: 23).
3. ابن الله أظهر لينقض أعمال إبليس أي الخطية. وهذا معنى قول بولس الرسول "دان الخطية في الجسد" (رو8: 3) والمسيح بدأ خدمته بصراع مع إبليس في الجبل وأنهاه بصراعه معه على الصليب. وهو خرج غالبًا ولكي يغلب لحسابنا (رؤ6: 2). وتعبير يغلب لحسابنا يعني أن كل ما عمله المسيح بالجسد نحن قادرون أن نعمله كما قال السيد المسيح "الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا، ويعمل أعظم منها، لأني ماض إلى أبي" (يو14: 12)، لأن بعد صعوده يرسل الروح القدس الذي يثبت حياة المسيح فينا فنعمل الأعمال، لكن المسيح الذي فينا هو الذي يعملها وما نحن سوى آلات يستخدمها هو لمجد الله، أسماها بولس الرسول "آلات بر" (رو6: 13). نحن أي الكنيسة نعمل كاستمرار للعمل الذي بدأه المسيح وهو على الأرض ليتمجد الله. (وراجع مت12: 28 ، 29) لترى أن المسيح أتى ليؤسس ملكوت السموات ويستردنا كسبايا كنا في يد عدوه إبليس بعد أن ربطه ليضمنا لملكوته.
الرسول هنا يشدد على من يسمعه بأن يتحاشى الخطية،
أولًا:- بعد كل هذا الذي أخذه.
وثانيًا:- فهذا لا يليق به كابن لله.
وقوله زرع يشير للنمو، فكل زرع ينمو، وإنساننا الداخلي ينمو بجهادنا في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس، والقداسات والتناول وعدم مقاومة صوت الروح القدس حين يبكت. وقوله زرعه تذكرنا بمثل "خرج الزارع ليزرع" (مت13) فالزارع هو المسيح وتجسد ليزرع فينا حياته الأبدية. وبذرة حياته التي زرعها فينا تنمو بجهادنا حتى نتشبه بالمسيح، والروح القدس يعطي معونة. أما من يهمل هذه البذرة ويرتد للخطية فإن بذرة الحياة التي فينا تموت، وراجع مثل الزارع لتعرف متى تنمو البذرة ومتى تموت.
وهنا يرد على الغنوسيين...
لا يضلكم أحد. من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار = فإذا كنا قد أخذنا حياته كزرع ثابت فينا، فكما هو بار فلا بُد بالضرورة أن نحيا في بر. يقول القديس بولس الرسول لأهل غلاطية "يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل4: 19)، فإن كان القديس بولس يجاهد لهذا الهدف، فكم وكم يكون عمل الروح القدس الساكن فينا ليحولنا لصورة المسيح = من يفعل البر فهو بار، كما أن ذاك بار.
ولكن ليس معنى هذا موت الإنسان العتيق موتًا نهائيًا، بل الله أعطانا الإمكانيات وعلينا نحن أن نجاهد، فالله لم يلغ حريتنا. وعلينا نحن أن نحسب أنفسنا أمواتًا أمام الخطية (رو6 : 11 + 2كو4: 10 ، 11)، وفي هذه الحالة تظهر حياة المسيح التي فينا ونشعر بمعونة الروح القدس بأن يجعلنا نحيا ونشعر بأن إنساننا العتيق قد مات فعلًا "بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو8: 13 + رو6: 11+ كو3: 5). ولكن طالما نحن في الجسد فنحن معرضين للسقوط، "لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم" كما يقول الكتاب (أم24: 16)، والقديس بولس يعتبر نفسه بأنه أول الخطاة (1تى1: 15). والقديس يوحنا نفسه يذكر هذا (1يو1: 8، 10). ولكن أولاد الله إن سقطوا يقومون سريعًا كما يقول السيد المسيح، ويقدمون توبة لذاك الذي أحبهم فأحبوه، "لا تشمتي بي يا عدوتي. إذا سقطت أقوم" (ميخا7: 8).
عمومًا لن نمتنع تمامًا عن الخطية إلا بعد أن نخلع هذا الجسد ونلبس الجسد الممجد، وهذا ما أطلق عليه بولس الرسول التبني فداء الأجساد (رو8: 23) إذ بهذا نصير أولاد الله الذين لا يخطئون. من هنا كانت شهوة بولس الرسول أن ينقذه الله من هذا الجسد المائت، أي يخلع هذا الجسد فيتخلص من الإنسان العتيق (رو7: 20، 24).
والآن نفهم الآيات السابقة كل من يثبت فيه لا يخطئ + كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية = أنه بالمعمودية يعطينا الله إمكانيات جبارة جديدة هي النعمة أي عمل الروح القدس فينا حتى لا نخطئ، فالجسد العتيق يموت ويقوم إنسان جديد. ولكن نظرًا لضعف طبيعتنا البشرية نخطئ أحيانًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذا لن ينتهي إلا بحصولنا على البنوة الكاملة التي بها لا نستطيع أن نخطئ حين نلبس الأجساد الممجدة.
كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ... كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ = هنا نرى علاقة واضحة بين المعرفة والثبات. فالمعرفة تعني... إتحاد مع المسيح به يكون لنا ثبات فيه، وحياة . وقوله كل من يخطئ لم يعرفه أي هو غير ثابت تمامًا، وهذه الحياة التي يعطيها المسيح هي لمن يتحد به، لذلك يطلب منا ان نثبت فيه. ويعطينا جسده نأكله ليعيد لنا الحياة والثبات فيه عندما نخطئ . فهو يُعْطَي غفرانًا للخطايا وحياة أبدية .
ولكن لاحظ قوله يثبت = أن هذه الحياة التي نحصل عليها بالمعمودية هي شيء عرضي أي يمكن أن تثبت فينا هذه الحياة، ويمكن أن نفقدها بإصرارنا على حياة الخطية.
من يفعل الخطية فهو من إبليس = أي أن إبليس هو الذي يحرض على ذلك. هذه تفهم على من تأصلت الخطية فيه وصارت عادة عنده، ويرفض التوبة وبعناد وإصرار على الخطية فإبليس هو قوة تعمل ضد إرادة الله. ولكن أولاد الله إذ يخطئوا سريعًا ما يقدمون توبة.
إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ
= أي منذ يوم سقوطه بدأ الشر، ثم دخل الشر للعالم بحسد إبليس الذي خدع أبوينا آدم وحواء وما زال يغوينا.أما ابن الله فهو يسقط في الشر على خلاف طبيعته، أي أن طبيعة الخطية لا تتواءم مع أولاد الله.
وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ = (راجع النقطة رقم 9 في المقدمة). ونفهم أنه حين تتفق إرادتنا مع إرادة المسيح تتولد داخلنا قوة جبارة تجعلنا غير قادرين على أن نخطئ، فنمتنع عن الخطية. وننعم بهذه القوة هنا ونختبرها كثيرًا، ولكنها ستكون بشكلها النهائي في السماء، لذلك يقول أن السماء لن يدخلها شيء دنس (رؤ21: 27).. ولكن لنلاحظ..
لو فهمنا الآيات السابقة على أن أولاد الله لا يخطئون أبدًا، وإن فعلوا أي خطية لصاروا أولادًا لإبليس، فهذا يدفع لليأس، وأيضًا يتعارض مع بقية آيات الكتاب المقدس بل مع ما قاله الرسول نفسه في هذه الرسالة (1 يو 1: 8، 10) ونكرر أن ابن الله قد يخطئ ولكن باب التوبة والاعتراف مفتوح دائمًا للعودة كأبناء للأحضان الإلهية كما عاد الابن الضال (1يو1: 9). ولو كان أولاد الله لا يخطئون أبدًا فلماذا طلب السيد المسيح أن نصلي قائلين"
أبانا الذي في السموات... واغفر لنا ذنوبنا.
إذًا نحن أبناء ولكن يمكن أن نتعرض للسقوط. ولكننا فورًا نطلب الغفران ولكن لنفهم أن الخليقة الجديدة التي حصلنا عليها تعني أن الخطية لم يعد لها سلطان علينا (رو6: 14). أي صار لأولاد الله بإنسانهم الجديد أن يدوسوا على الخطية وشوكتها، ويحيا ابن الله بالرب يسوع المحب سالكًا في الروح. ولكن متى نخطئ نكون قد انحرفنا عن وضعنا الحقيقي كأبناء. وبالتوبة نصحح وضعنا "ارجعوا إليَّ أرجع إليكم" (زك 1: 3). وينتهي تمامًا إمكانية انحرافنا عن وضعنا الحقيقي كأبناء حين نحصل على الجسد الممجد.
آية 10:- بِهَذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاه
أولاد إبليس = ابن إبليس أي من يقتدي بإبليس ويتشبه به كما يقال عنا أننا أولاد إبراهيم لأننا نتشبه بإيمان إبراهيم. وفي آية 8 سمعنا أن إبليس من البدء يخطئ، أي أن إبليس من بدء خلقته يخطئ. وقد قرر أن لا يخضع لله، ومن بداية الإنسان، وإبليس يحاربه ليتشبه به فيصير ابنًا لإبليس (يو8: 44). عوضًا عن أن يكون ابنًا لله. وفي آية 8 نسمع أيضًا "من أجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس". ومن هنا نرى قوة الحق ودخوله للعالم بالمسيح... وما هي علامات أولاد إبليس؟
كل من لا يفعل البر + من لا يحب أخاه
فالله بار والله محبة، لذلك يطبع سماته في أولاده أي البر والحب. والمسيح أعطانا حياته ومن هو ثابت فيه يستخدم المسيح أعضاءه لفعل البر.
آية 11:- لأَنَّ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا
أبناء الله علامتهم وجود المحبة في قلوبهم، فطبيعة الله المحبة وهكذا أولاده لأنهم على صورته. وأبناء إبليس علامتهم هي وجود البغضة في قلوبهم.
هذا هو الخبر = هذه هي الرسالة التي جاءت لنا من الذي أحبنا (يو13: 35).
آية 12:- لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ
من بركات التجسد أن المسيح يسكن قلوبنا ويفتحها على إخوتنا فلا نكون مثل قايين، بل نحب بالحقيقة وبالعمل
. ومن بركات التجسد أيضًا سكنى الروح القدس فينا والذي من ثماره المحبة (غل5: 22) . وقايين لم تكن فيه صورة الله أي البر والمحبة، وبهذا صار يشبه العالم الذي يبغض دائمًا أولاد الله، فأبغض قايين هابيل إذ كان هابيل بارًا، وهكذا أبغض العالم المسيح فصلبه ولأن قايين كان شريرًا وليس على صورة الله لم يقبل الله قرابينه. كان قلب قايين مملوءًا بغضة وكراهية وحسدًا لأخيه البار فلم يقبل الله قرابينه.ملحوظة:- كثيرًا ما نظن أن سبب الضيق الذي في قلوبنا والكراهية التي في قلوبنا هو الآخر، وأن سبب شقائنا هو الآخر، ولو تخلصنا من الآخر لاسترحنا، وهكذا ظن قايين أنه لو تخلص من هابيل لاستراح ولانتهت مشاكله. ولكن لنعلم أن المشكلة هي فينا، في قلبنا الخالي من المحبة.
آية 13:- لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ
العالم هنا هم من يعشقون العالم وشهواته ولا يحبون الله. صار لهم العالم بشهواته ومادياته هدفا بل إلها يعبدونه. أما أولاد الله فهدفهم هو السماء ولا يطلبون سوى ما يمجد الله. فَمَنْ تعلق بالعالم لا تكون له روح الحب الحقيقي ولا يطيق الله ولا أولاده. فالناس تحب الظلمة ولا تريد أن تأتي للنور، وهم لا يحبون أولاد الله لأن الطهارة والمحبة التي في أولاد الله توبخهم. العالم لا يحب أولاد الله لأنهم لا يحبون الله (يو15: 18 - 25). عمومًا كيف يحب من لا يسكن فيه الروح القدس. ليست ميزة في المسيحي أنه يجد قلبه فيه محبة للآخرين فالسبب أنه يسكن فيه الروح القدس. وليس غريبا أننا لا نجد محبة بل نجد كراهية في قلوب غيرنا فالسبب أن الروح القدس لا يسكن فيهم. وبالتالي فلا عذر لنا إن كرهنا من يضايقنا أو يكرهنا، فالروح القدس قادر أن يعطينا محبة لأعدائنا الذين يكرهوننا.
ملحوظة: أولاد الله لهم محبة على شكل محبة المسيح الباذلة على الصليب. أما ما يسميه العالم حبا فهو لا ينطبق عليه هذا المفهوم في بذل الذات.
آية 14:- نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْت
الله محبة والله حياة والله نور. فإن كنا قد صرنا أولادًا لله نصير ثابتين في المحبة أي في الله، وبالتالي نصير ثابتين في الحياة فنحيا أبديا. ومن هو ثابت في الله ستكون له صورته أي المحبة لله وللناس حتى أعدائه. ومن لا يؤمن بالله ولا ولد منه فهو ميت. ومن ولد من الله صار حيًا، فنحن نولد من الله بإتحادنا بالمسيح، والمسيح هو "القيامة والحياة" (يو11: 25). وعلامة ذلك وجود الحب في قلب هذا الإنسان، فالمسيح هو الله، والله محبة فمن يتحد بالمسيح تظهر فيه صفات المسيح. لذلك فقايين بسبب بغضته لأخيه إنتقل من الحياة إلى الموت. فالذي مات حقيقة هو قايين وليس هابيل. راجع الملحق الأخير بعد الأصحاح الخامس.
آية 15:- كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ
ماذا يعني وجود البغضة في قلب إنسان؟ هذا يعني عدم وجود المحبة.
وماذا يعني عدم وجود المحبة؟ هذا يعني عدم الثبات في المسيح، فالمسيح هو المحبة.
وما معنى عدم الثبات في المسيح؟ هذا يعني الموت، فالمسيح هو الحياة وهو المحبة.
كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس = إن كانت البغضة هي موت فكل من وجد في قلبه بغضة فهو ميت أي أنه قتل نفسه، أي حكم على نفسه بالموت. وهذا نفهمه من مقارنة آيات (14، 15). وطالما بقيت البغضة داخل نفس إنسان فهو ميت = كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه.
ففي وصايا العهد القديم كل قاتل يُقتل (تك9: 6). وحكم الله عليه بالقتل يعني ضمنًا خسارته لحياته الأبدية. وبالتالي فمن يبغض فلأنه قاتل نفس كما قلنا فهو يخسر حياته الأبدية.
آية 16:- بِهَذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ
فليكن المسيح في محبته الباذلة قدوة لنا وهذا هو تعليمه (يو 15: 12، 13). أن ذاك = يوحنا في محبته للمسيح يسوع، يشغل يسوع كل فكره. وفي كتاباته يتصور أن الكل مثله، فلا حاجه له للتعريف به.
يطلب الرب يسوع ممن يريد أن يصير له تلميذا أن يحمل صليبه ويتبعه (لو14: 27). والتلمذة على المسيح تعني التشبه به في حمل الصليب. والصليب بالنسبة للمسيح هو محبته التي وصلت إلى بذل الذات حتى آخر نقطة دم. التلمذة للمسيح هي مدرسة الحب وبذل الذات إلى آخر نقطة دم.
آية 17:- وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟
مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ =
في ترجمات أخرى = مَنْ كان غنيًّا أو كان له الكثير.أَحْشَاءَهُ = الأحشاء هي الجزء الذي اعتقدوا قديمًا أنه خاص بالعواطف والمشاعر. والمعنى أن ليس في قلبه شفقه وحنان، فمثل هذا لا تثبت فيه محبة الله. فلو كانت محبة الله ثابتة فيه لكان قد امتلأ حبًا وشفقة وحنان متشبهًا في ذلك بالرب يسوع (يو15: 9). وعلامة المحبة الحقيقية هي التعب وخدمة الناس وليست كلامًا يقال، فنجد بولس الرسول في (1تس1: 3) ينسب التعب كعلامة للمحبة الحقيقية.
آية 18:- يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ
إذًا المطلوب هو المحبة العملية، أي المحبة التي تظهر في أعمال وخدمة (يع2: 15، 16). ونلاحظ أن المطلوب هو الحب الحقيقي وليس السعي وراء المجد الباطل.
آية 19:- وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ الْحَقِّ وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ
بهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ الْحَقِّ = بهذا نعرف أننا مولودين من الله الآب الحق، وثابتون في الرب يسوع الحق (يو14: 6)، ويسكن فينا الروح القدس روح الحق (يو16: 13).
وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ
= نقنع قلوبنا أن تطمئن. والسؤال تطمئن على ماذا؟ أولاد الله لهم ما يشغل عقولهم كل النهار وهو خلاص نفوسهم فهذا هو غاية إيماننا (1بط1: 9)... فهناك إلحاح من الشيطان الذي يخيفنا بأننا مرفوضين. والرسول هنا يعطينا علامة بها تطمئن قلوبنا. والقلب هنا هو الضمير. ومتى نطمئن وتسكن قلوبنا؟ إن كان لنا محبة عملية باذلة وليس بمجرد كلمات. وإن كان في قلوبنا محبة لمن يكرهوننا ويعادوننا ، ونجد أنفسنا نصلي لهم ونحزن لو أصابهم شر . وهذه المحبة لا تأتي إلا لمن يسكن الروح القدس فيه فيغيِّر قلبه ويعطيه محبة تملأه لكل إنسان. والروح القدس يعطينا أن نتذوق محبة المسيح أولًا ثم نعطي الآخرين مما أعطاه لنا المسيح.
آية 20:- لأَنَّهُ إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا فَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ
قد يصاب إنسان باليأس حينما يسمع ما سبق ويتساءل في وسوسة هل أنا أحب الناس حقيقة أم لا. وهل انتقلت من الموت إلى الحياة أم مازلت في الموت. فكيف نهدئ قلوبنا إن نخستنا قلوبنا؟
هنا نرى حنان يوحنا ومحبته للناس. نرى حنانه في هذه الآية ولنرى كيف نفهمها؟ هناك عدة مفاهيم للآية:-
1. إن كان قلبنا يؤنبنا هكذا، فكم بالحري الله الذي هو أعظم من قلوبنا، وهو أقدس منا، ويعلم كل شيء، وأكثر مما تدركه قلوبنا. فإن لامك قلبك فماذا عن لوم الله. فمن المؤكد أن لومه أعظم. وقطعًا ليس هذا هو المعنى المقصود، فهذا يزيد المخاوف والوسوسة.
2. حكم الضمير ليس معصومًا من الخطأ ولا هو نهائي، فنحن يجب أن نعلم أن مراحم الله أعظم من تقصيرنا وهو يفرح حتى بأشواقنا، وهو يرثي لنا ويتحنن علينا ويقبل ما نقدمه. ونقول في أوشية القرابين " والذين يريدون أن يقدموا لله وليس لهم " فما يفرح الله اتجاه القلب فاللص اليمين ضبط اتجاه قلبه فكان أفضل من قيافا الذي قدم ألاف الذبائح. يوحنا هنا يسكن الضمائر الموسوسة المتعبة، ويقول إن الله أعظم من أن يحكم علينا بعمل واحد أو اثنين، بل هو ينظر لاتجاه القلب. وإذ نجد أن محبة الله منغرسة في قلوبنا فهذه علامة أننا غير مرفوضين، فلا نهتم بهواجسنا.
3. وما هو الموقف لو وجدنا في قلوبنا كراهية لأحد قد تسبب لنا في مشكلة كبيرة؟ ولنسمع ما يقوله الإنسان العادي... الله يعلم أنني إنسان وأنا غير قادر أن أحب هذا الشخص الذي نالني منه ضرر عظيم، فأنا لي عذر . ولكن نسمع بولس الرسول يقول "أنت بلا عذر أيها الإنسان" (رو2: 1). لماذا نحن بلا عذر؟ حينما أتى شخص للمسيح يسأله أن يشفي له ابنه سأله الرب..أتؤمن.. قال "أؤمن يا سيد لكن أعن عدم إيماني"، فلم يرفضه المسيح بل شفى له ابنه، وشفى له إيمانه. إذًا إن وجدت في قلبك كراهية اذهب للرب يسوع وقل له في صلاتك .. أعن عدم محبتي.. وقِف
بتغصب وصلي من أجل الشخص الذي تكرهه... حينئذٍ فالله الأعظم في عطائه من قلبك المحدود في محبته، سيعطيك المحبة ويشفي قلبك من الكراهية. "الله يعطي نعمة أعظم" (يع4: 6). الله يعطي نعمة تفوق إمكانياتنا البشرية المحدودة. وبهذا التفسير الأخير نفهم الآية إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا (على عدم محبتنا) فَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا (هو قادر لأنه الأعظم من إمكانيات قلبنا فيعطينا حبا لمن نكرهه). إذًا حتى لو كانت قلوبنا جافة ولا يوجد فيها محبة، فالله له القدرة أن يخرج من الجافي حلاوة، ومن الموت هو قادر أن يخرج حياة. ومن الجفاف الروحي وعدم المحبة والأنانية بل والكراهية، الله قادر أن يحول هذه القلوب لجنة خضراء حية مثمرة تملأها المحبة، والمطلوب منا أن نطلب والرب يقول "إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا ... الله أعظم من قلوبنا ومن إمكانياتنا الضعيفة غير القادرة على المحبة، وهو قادر أن يعطي لمن يطلب المحبة فيحيا. (راجع المُلْحَق بعد الإصحاح الخامس).
آية 21:- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ اللهِ
هناك مَنْ لا تلومهم قلوبهم لأن ضمائرهم ميتة من كثرة الإثم، مثل هؤلاء قد أطفأوا الروح القدس. وهذه الآية لا تنطبق على هؤلاء. فهم أصلا لا يشغلهم موضوع خلاص نفوسهم. بل إن هذه الآية تنطبق على المسيحي الحقيقي الذي يرفع قلبه لله كقاض ليعرف رأي الله فيه. يرتمي أمامه معترفًا بأنه خاطئ ولا شيء، غير مهتم بمديح الناس أو هجومهم عليه، يطلب من الله الذي وحده يستطيع أن يكشف ويعطي للقلب سلام وطمأنينة لمن هو على الطريق الصحيح.
إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا = لو وقف الإنسان ليصلي بأمانة وهو متضايق من شخص ما، فعمل الروح القدس أنه يبكته لو أخطأ، لكن إن كان لم يُخطئ، والآخر كان فعلا قد أخطأ فيه، فلن يجد تبكيتا داخل قلبه. وإن كان هذا الشخص أمينا مع الله فليغصب نفسه ويصلي لأجل مَنْ أخطأ فيه، حينئذ يحول الروح القدس مشاعر الضيق في داخله إلى حب لمن أخطأ فيه، هذا الحب هو عطية من الله، وليس في قدرة إنسان، هي نعمة مجانية يعطيها الله.
آية 22:- وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ الأَعْمَالَ الْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ
مهما سألنا ننال منه = هذه قالها السيد المسيح "لأن كل من يسأل يأخذ" (مت7: 8). وهذه الآية لها علاقة بالآية السابقة، والرباط بينهما هو الثقة. فمن له ثقة في الله يسأل والله يعطيه. وهذا ما قاله السيد المسيح "كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم" (مر11: 24). وهناك شرط آخر لاستجابة الصلاة (راجع 1يو5: 14). ونجد في هذه الآية شرطًا آخر لاستجابة الصلاة = نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه. وفي الآية التالية يحدد ما هي الأعمال المرضية أمامه.
آية 23: وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً
نؤمن باسم ابنه = نقبله فاديًا ومخلصًا. وهذه الآية تشير لأهمية العقيدة التي نعتقدها في المسيح بجانب أعمالنا.
نحب بعضنا بعضًا = يوحنا يرى أن أعظم وصية هي المحبة، فالله أعطى في الناموس وصايا كثيرة، لكن أعظم ما فيها أن نحب الآخرين.
آية 24:- وَمَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ وَهُوَ فِيهِ. وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا.
قال السيد المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). وهنا يشرح يوحنا كيف يتم هذا الثبات هو لمن يحفظ وصاياه = فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). وهذه الآية مثل ما قال السيد "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يو14: 23). وكيف نعرف أننا ثابتين فيه وهو فينا = بهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا = فالروح يملأ مَنْ هو ثابت في المسيح، وَمَنْ يملأه الروح يعطيه الشعور بالبنوة لله، فهو يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رو8: 16) فَنُسَلِّم له حياتنا دون تذمر على مشيئته. وإن كنا أولاد فسنحب أبونا السماوي ونحب كل إنسان حتى من يعادوننا. وأول ثمار الروح محبة ثم فرح وسلام... هذه الثمار هي للمملوء من الروح... ولمن هو ثابت في المسيح.
وهذه الآية هي مدخل للإصحاح الرابع الذي يحدثنا عن الروح القدس.
← تفاسير أصحاحات يوحنا الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا الأولى 4 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا الأولى 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2zf56tt