محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
المكابيين الأول: |
يعرض الأصحاح الأول موجزًا سريعًا لتاريخ الإسكندر وخلفاؤه، ليحدِّد أصل ملك أنطيوخس إبيفانس ومحاولته فرض الثقافة الهيلينية وما رافق هذه المحاولة من تدنيس للهيكل واقامة الشعائر الوثنية، وما سبَّبه ذلك من إهانة للشريعة واضطهاد لليهود، مما مهّد الطريق أمام الثورة المكابية.
1كان أن الإسكندر بن فيلبس المقدوني، بعد أن خرج من أرض كتيم وكسر داريوس، ملك فارس وميديا، وملك مكانه مبتدئا باليونان، 2شن حروبا كثيرة وفتح حصونا وقتل ملوك المنطقة، 3واجتاز إلى أقاصي الأرض وسلب غنائم جمهور من الأمم، وسكتت الأرض بين يديه، فترفع في قلبه وتشامخ. 4وحشد جيشا قويا جدًا وأخضع البلاد والأمم والسلاطين، فكانوا يدفعون له الجزية. 5وبعد ذلك لزم الفراش وعرف أنه يشرف على الموت. 6فدعا أشراف ضباطه الذين تربوا معه منذ الصبا، فقسم مملكته بينهم وهو لا يزال حيا.7وكان الإسكندر قد ملك اثنتى عشرة سنة حين مات. 8فتولى ضباطه الملك كل واحد في منطقته. 9ولبس كل منهم التاج بعد وفاته، وكذلك بنوهم من بعدهم سنين كثيرة، فأكثروا من الشرور في الأرض.
تعتبر هذه الفقرة مقدمة سريعة لحكم أنطيوخس إبيفانس، والذي لعب دورًا كبيرًا في أحداث السفرين، وهذه الآيات عرض خاطف للسنوات العشر الأخيرة في حكم الإسكندر الأكبر، والتي تعد بداية التأثير اليوناني في الشرق(1). فبعد موت الإسكندر سنة 323 ق.م. تقسّمت إمبراطوريته الواسعة واستمرت الحروب بين خلفائه لمدة تصل إلى أربعين عامًا، تلك الحروب والمنازعات التي أفرزت ما يسمى بـ"دول شرق البحر الأبيض المتوسط" والتي استمرت حتى استولت روما عليها جميعًا.
وفيما عدا مقدونية والتي كانت تسيطر على معظم أرض اليونان، كانت توجد قوتان عظميتان في الشرق: سوريا وعاصمتها أنطاكية، وكانت تحكمها الأسرة السلوقية (نسبة إلى مؤسسها سلوقس) ومصر وعاصمتها الإسكندرية، ويحكمها البطالمة أو البطالسة (نسبة إلى بطليموس الأول الملك المصري). أما فلسطين -وهي التي تعنينا في هذه الدراسة- فقد كانت تقع بين هاتين القوتين المتصارعتين.
فبعد موقعة إيسوس سنة 301 ق.م. آلت اليهودية إلى سلوقس كجزء من سورية، ولكن بطليموس المصري أسرع باحتلال هذا البلد الصغير والاستراتيجي -أي اليهودية- والتي استمرت خاضعة للبطالمة كرهينة لمدة تزيد على المئة سنة، وخلال هذه المدة كثيرًا ما كانت ميدانًا لمعارك الطرفين، غير أنها خضعت في النهاية لسوريا سنة 198 ق.م. وذلك نتيجة للسياسة القوية لحكم أنطيوخس الكبير، والذي كان يحب اليهود معطيًا إياهم امتيازات خاصة مثل حرية العبادة، وقد حذا حذوه في ذلك خليفته سلوقس الرابع، وفي مقابل ذلك كان اليهود يساندون السلوقيين في صراعهم ضد البطالمة وغيرهم، مفضلين في ذلك الحكم المركزي للسلوقيين في كافة أنحاء غرب آسيا.
ومن بين الأحداث التي جرت خلال المئة عام المشار إليها، أنه في سنة 250 ق.م. وقف حونيا (أونيا)(2) رئيس الكهنة مؤيدًا سلوقس الثاني ضد بطليموس الثالث، وحتى عندما هُزم سلوقس من بطليموس سنة 242 ق.م. رفض حونيا دفع الجزية له وهي عشرون طالنا (وزنة) غير أن فريقًا من اليهود بقيادة يوسف (ابن أخت حونيا) ووالده (زوج أخت حونيا) كانوا يعارضونه، إذ كانت لهم علاقات تجارية مع مصر، ومن ثم فقد أشاروا بوجوب دفع الجزية لمصر، وكان من نتائج هذا الخلاف أن أصبح يوسف رئيسًا لليهودية، بينما احتفظ حونيا برئاسة الكهنوت، وهكذا ظلت اليهودية على ولائها للبطالمة.
ولعدة عقود لم تتمكن كل من مصر وسوريا من الاستمرار كقوة أعظم من الأخرى، مما نتج عنه معاناة المدن اليهودية، ففي سنة 219 ق.م. غزا أنطيوخس الثالث (الكبير) جنوب سوريا وعبر الأردن والتي كانت خاضعة لبطليموس الرابع فيلوميتور (ولكنه استعادها بعد سنتين)، وفي سنة 201 ق.م. وبعد جلسة لمجلس شيوخ اليهود قرروا الانحياز لسوريا ضد مصر، مما أثار المصريين الذين أعادوا فتح مدن اليهودية من جديد منتقمين من اليهود مؤيدي السلوقيين، وقد نتج عن ذلك مرابطة حامية مصرية في أورشليم، ولكن أنطيوخس غزا هذه المنطقة بعد سنتين من ذلك، مدمرًا الجيش المصري. وهكذا ضاعت اليهودية من البطالمة.
فيليب المقدوني: (فيليب، فيلبس = اسم يوناني معناه: محب الخيل) 359-336 ق.م. وهو أبو الإسكندر الأكبر وابن أمنتاس، وتنتمي أسرته إلى هرقل، وكانت ذات علاقات وثيقة بعلماء أثينا مثل أبقراط. وقع فيلبس في الأسر لمدة ثلاث سنوات في طيبة من بلاد اليونان، وكان ذكيًا كفئا حتى وُصف بأنه من أعظم ملوك العالم، اهتم بتنظيم بلاده إذ أعاد توحيد القبائل المقدونية من خلال القوة العسكرية لتصبح بلاد اليونان ولأول مرة تحت حكومة واحدة (باستثناء اسبرطة) ومن هنا أصبح ذلك الحلف اليوناني قادرًا على مجابهة الفرس (القوة المخيفة في ذلك الوقت). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). أعاد تنظيم الجيوش وتعديل طرق القتال، مستفيدًا في ذلك بما رآه أثناء أسره من السبل التي ينتهجها "أبامنونداس" المحارب الشهير.
وكان الإسكندر ابنه يحسده على شخصيته وانتصاراته، وقد جهز فيلبس الجيوش والعتاد استعدادًا لغزو العالم، وعندما بدأ في إعلان الحرب على الفرس، اعترف به حلف الدول الإغريقية قائدًا عامًا لهذه الحرب في سنة 338 ق.م.، وقد ساعده في الحصول على هذا التأييد دهائه السياسي وارتداءه قناع الهيلينية (وان كان معجبًا بالفعل بالفنون الإغريقية وثقافتها) غير أن فيلبس قد اغتيل على يد أحد حراسه ليتولى الإسكندر ابنه مكانه.
الإسكندر: اسم يوناني معناه (حامي البشر). ولد الإسكندر في سنة 356 ق.م. وقد عين له والده معلمًا خاصًا هو أرسطو الفيلسوف الشهير، وقد ظهرت عليه منذ طفولته الميول العسكرية والسياسية، فقد تولى إدارة البلاد في سن لا يتجاوز السادسة عشر، عندما كان أبوه منشغلًا بمحاصرة بيزنطة، حيث قاد الإسكندر وقتئذ حملة عسكرية ضد الليريكون، وبعد ذلك بسنتين قاد فرسان مقاطعات مقدونية (الذين أطلق عليهم اسم الرفاق) في معركة "كايرونيا" حيث حقق النصر من جهة، كما أنقذ أبوه من الموت من جهة أخرى. هكذا بدأ الإسكندر حياته.
وعندما بدأت الحملة على بلاد فارس وعبر قسم من الجيوش "الدردنيل" جاء مقتل فيلبس كمفاجئة فتولى ابنه مكانه، وهكذا اعتلى عرش مقدونية وهو ما يزال في العشرين من عمره سنة 336 ق.م. وقد أخذ على عاتقه تحقيق أمنية أبيه في غزو بلاد فارس.
خرج من أرض كتيم: خرج الإسكندر من عاصمته بللا Pella في مقدونيا، في "مغامرة الغزو الكبرى" والتي بدأها في ربيع سنة 334 ق.م. وكتيم أو شتيم وفي الأصل كيتون في جزيرة قبرس، فقد أُطلقت على الجزيرة كلها فيما بعد (تكوين 10: 4؛ أخبار الأيام الأول 1: 7 وإشعياء 23: 1) ثم عبر بها مع الوقت عن بلاد اليونان، وأشير بها في بعض الأوقات إلى جميع البلاد والجزر الواقعة في الجهة الغربية ومنها مقدونية، بل نجد أن إرميا يستخدم الكلمة للإشارة إلى الغرب البعيد (إرميا 2: 10).
أمّا الكلمة العبرية التي تشير إلى اليونان فهي ياوان Yawan شاملة مقدونيا في حين أن الكلمة كتيم في العبرية هنا بالجمع: Chetiim وهي اسم بديل لليونانيين، وربما كانت كلمة كتيم هي نفس الكلمة حيثيم (ذو علاقة بالحثيين) ويرى بعض الشراح أنها هي المقصودة في نبوءة دانيال عند الحديث عن جيش روما، كما أن الكلمة نفسها تأتي في الترجمة اللاتينية "إيطاليا" وترد كذلك في ترجوم "أونكلوس(3) Onkelos" باسم " الرومان" (فتأتي عليه سفن من كتيم فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس.. دانيال 11: 30) هكذا أطلقت الكلمة أخيرًا على العالم الروماني.
وقد حارب الإسكندر الفرس وظفر بهم على دفعتين، الأولى في سنة 334 ق.م. وأما الأخرى ففي عام 331 ق.م. تخللت الاثنتين واقعة عند سهل ايسوس Issus. وربما كان في ذلك تحقيق للنبوءة الواردة في (سفر العدد 24: 24) ولذلك كان حرص الكاتب على التمييز بين الإسكندر بن فيلبس المقدوني والإسكندر جنايوس، والذي كان سيحقق نبوءة بلعام عن نجم يعقوب الذي كان مقدّرا أن يحطم بني شيث (سفر العدد 24: 17) بتأسيس إمبراطورية إسرائيلية، ولعل هذه النبوءة كانت منعكسة في عملات الإسكندر جنايوس حيث ظهر عليها: (الهلب والنجمة)(4).
داريوس (دارا) 336 - 330 ق.م. وبحسب المؤرخ هيرودت Herodotus فإن الاسم في اليونانية يعني "الحاكم بأمره" وبحسب ما ورد في كتابات يوسيفوس، فهو يدعى كودومانوس Codomannus ويلاحظ أن كاتب السفر يدعو ملوك فارس وبرثية بملوك ميديا وفارس (14: 2). وقد اشتبك داريوس مع الإسكندر المقدوني في ثلاث معارك، الأولى معركة عند نهر جرانيكوس سنة 334 ق.م. والثانية عند سهل إيسوس Issus سنة 333 ق.م. والثالثة جوجاميلا 331 ق.م. وفي النهاية اغتيل داريوس على يد "بيسوس" حاكم بكتريا.
أما تفاصيل قضاء الإسكندر الأكبر على مملكة الفرس، فإنه قد اشتبك بقواته مع قوات الفرس عند نهر جرانيكوس حيث استظهر على داريوس فهربت القوات الفارسية بعد مذبحة رهيبة، ولكن وقبل أن يُتم الإسكندر السيطرة على كافة بلاد فارس ومادي، أحكم السيطرة أولًا على آسيا الصغرى، والتي لم تثبت أمام شجاعته وخططه المحكمة(5).
وفي المعركة الثانية سمع الإسكندر أن داريوس يعد الجيوش لمواجهته بما يصل إلى خمس مئة ألف جندي، وهنا أسرع إليه الإسكندر بشكل خاطف (وهي أهم ميزات الإسكندر العسكرية) حيث التقى الجيشان في سهل ايسوس Issus، وانهزم الفرس مرة أخرى وقتل منهم كثيرون، وهرب داريوس ولكن الإسكندر تعقّبه وقضى على بقية الجيش، وعن سرعته الخاطفة هذه يشير سفر دانيال قائلًا عن تيس الماعز".. جاء من المغرب.. ولم يمس الأرض" (دانيال 8: 5) . ومن ثم انطلق الإسكندر في طريقة وكأنه يقوم بعملية (مسح شامل!) للشرق، حيث سار جنوبًا على امتداد ساحل سوريا متجهًا إلى مصر، وبينما فتحت له البلاد جميعها طواعية، فإن صور وغزة لم تستسلما إلاّ بعد حصار شديد وتضحيات كبيرة، ويذكر يوسيفوس في تاريخه أن الإسكندر بعد أن فتح غزة، اتجه إلى الهيكل في أورشليم وهناك تقابل مع "يشوع" رئيس الكهنة، والذي أطلعه على المواضع التي تشير إليه في سفر دانيال، الأمر الذي أسعده كثيرًا فأغدق على الهيكل والكهنة الكثير من المال والهدايا.
أما في المعركة الثالثة، فكان داريوس قد سمع بالأنباء المتلاحقة عن انتصارات الإسكندر السريعة والباهرة، ولذا فقد أرسل يعرض عليه الصلح ويساومه على اقتسام مملكة فارس، غير أن الإسكندر رفض بشدة قائلًا: أن المهزوم لا يشترط.! وفي الرفض الحاسم للإسكندر شرحٌ لنبوءة دانيال "ورأيته وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه" (دانيال 8: 7) ولم يكن عند ذلك مناصّ من المواجهة بين الطرفين، فحشد داريوس جيشًا أكبر من السابق وقبع في سهل دجلة ينتظر الإسكندر. ولكنه ورغم تفوق الفرس وامتياز موقعهم، إلاّ أن الإسكندر ألحق بهم هزيمة كبرى بعد مذبحة رهيبة، وعلى اثر ذلك خضعت أغلب الإمبراطورية له. وواصل زحفه خلف داريوس الهارب، والذي لجأ أخيرًا إلى "بيسوس" حاكم بكتريا يختبئ لديه، غير أن الأخير قتله إمًا تملقًا للإسكندر أو خوفًا منه، ولكن الإسكندر قتله بدوره بعد أن قام بحملة لاحتلال بلاده!! خلال الفترة من 331 - 325 ق.م. (وهي الآن إيران وأفغانستان وكاذاخستان واسيا الوسطى ووادي الاندوس).
يرد في العدد الأول من هذا الأصحاح أن الإسكندر ابتدأ باليونان، وتجدر الإشارة إلى أن اليونان هنا ليست بحصر المعنى، لأن كلمة "ياوان" في العبرية والتي تعني اليونان كما سبق (إشعياء 66: 19 وحزقيال 27: 13) تدل على بلاد أيونيا في آسية الصغرى، وهكذا وكما سيجيء فإن الإسكندر بعد الموقعة الأولى مع داريوس اتجه للاستيلاء على بقية آسيا أولًا.
ففي مسيره جنوبًا متجهًا إلى مصر احتلّ كل ما في طريقه، وأما مصر فقد استقبلته بالترحاب، وأعجب هناك الإسكندر بساحل البحر المتوسط وجزيرة فاروس، فقرر لوقته تأسيس عاصمة لملكه هناك، فأقام ميناء الإسكندرية مقابل جزيرة فاروس، أي بين بحيرة مريوط والبحر المتوسط، وهي المدينة التي صارت بعد ذلك عاصمة للحكام البطالمة. وبينما كان الإسكندر يزور معابد مصر، قام كهنة معبد آمون بتتويجه "ابنًا للإله آمون" وكانوا يقصدون بذلك أن ينادوا به ملكًا شرعيًا، غير أنه اعتبر ذلك إضفاء روح الألوهية عليه (على غرار أبطال هوميروس في الإلياذة والأوديسا) ومن ثمّ ظهرت عملة للإسكندر وهو متوّج بقرن كبش مثل "آمون رع" . ويذكر الرابي " كاهانا في تعليقاته على سفري المكابيين (نقلًا عن الفيلسوف كاليستينوس وآخرين) أن الإسكندر ألّه نفسه بعد انتصاره على داريوس.
فقد أرسل إلى جميع البلاد في سنة 323 ق.م. يطالبهم باعتباره ابنا ل "زيوس"، وقد أفاده ذلك كثيرا خلال فتوحاته إذ تخلّت بلاد أخرى كثيرة عن مقاومته. وقال أهل اسبرطة متعجبين: " فليكن الإسكندر إلهًا إذا شاء!".(6)
أمّا الملوك والسلاطين المشار إليهم في(آية 4) فالأرجح أنهم حكام ثانويين خاضعين لملك فارس (راجع مزمور 2: 2 و76: 13) إذ حمل ملوك بابل وفارس لقب: ملك الملوك (راجع عزرا 7: 12 وحزقيال 26: 7)(7).
وفي إطار رغبته الجامحة في المزيد من الفتوحات، قرر الإسكندر غزو الشرق الأقصى، وفي طريقه وعند أحد روافد نهر السند تذمّر الجنود بسبب طول الغربة وأجبروه على العودة، وفي طريق عودته إلى بابل عاصمة ملكه، انتابته حمى الملاريا فمات على إثرها، بسبب الإفراط في الطعام والشراب، وقيل مات مسمومًا بيد واحدًا من حاشيته، وكان عمره وقتئذ لا يتجاوز الثالثة والثلاثين. وهكذا كانت وفاته في مساء 10 يونيو سنة 323 ق.م. ولكن خبر وفاته أُخفى عن الجنود، أمّا الجسد فقد وُضع في تابوت من الذهب وُغطى بالعسل الأبيض، وُحمل إلى مصر حيث دفن في الإسكندرية. ويقول بعض المؤرخين أن بطليموس المصري قررّ الاحتفاظ بجسد الإسكندر في مصر بعد ذلك. وقد ملك الإسكندر 12 سنة بدأت في صيف سنة 336 ق.م.
يعد الإسكندر من أعظم الفاتحين في التاريخ ما لم يكن أعظمهم، فقد حقق كافة الانتصارات في أقل من اثني عشر عامًا، لا سيما وقد كان حجم قواته صغيرًا بالنسبة لقوات الفرس، (وان كان زادها بعد ذلك وطوّر نظم الإدارة والضرائب، فلم يكن قائدًا عسكريًا فذًا فحسب، وإنما سياسيًا محنكًا يجمع في شخصيته ما بين الرومانسية والواقعية مجيدًا لفنون السياسة والحرب، وقد كان يصبو إلى تكوين عالم جديد ذو ثقافة ولغة وعقيدة واحدة، يتساوى فيه دخل الفرد وحقوقه، فلا يُستعبد بلد لآخر ولا يعانى بلد من الفقر والجهل مقارنة بالآخر. ولعل عمل الإسكندر وانجازاته من حيث نشر اللغة اليونانية والثقافة الهيلينية، كان له كبير الأثر على الكرازة بالإنجيل، لا سيما وقد كُتبت أسفار العهد الجديد باليونانية، وهي لغة غنية بمفراداتها وقدرتها على التعبير أكثر من أية لغة أخرى(8).
الآيات (6 - 9): يرد في هذه الفقرة رغبة الإسكندر في تقسيم الإمبراطورية، ويقول التاريخ أنه عندما سُئل عمن يخلفه، أجاب بكبرياء بأنه لا يوجد من يستطيع حكم هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف!! أي أنه ليس هناك من هو جدير بأن يملأ مكانه. ثم قال: "إلى أعظمكم قوّة" ورغم ادعاء البعض أنه لم يرد في التاريخ أنه قسّم الإمبراطورية بين خلفائه، فإن ديودوروس الصقلي (18: 2) يقول ما نصه: "عند موت الإسكندر لم يستطع الكلام، فأخذ خاتمه وسلمه لبرديكاس رئيس خدمه وبهذا أعلن عن رغبته في أن يملك مكانه" كما أننا نستطيع الاعتماد على سفر المكابيين هنا كوثيقة تاريخية هامة، اعتمد عليها ثقات المؤرخين. فقد وقع الكثير من الخلافات والحروب بينهم.(9) فقد حدث العديد من الدسائس والمؤامرات ما بين سلوقس وأنتيغونوس وبطليموس وليسيماخوس، ثم عقدوا هدنة فيما بينهم لم تلبث أن انتهت فعادوا إلى الاقتتال من جديد، وبدأت سلسلة من الاغتيالات، حيث قُتل ابن الإسكندر الأكبر وأمه، كما قَتل أنتيغونوس كليوباترا أخت الإسكندر وكثيرين آخرين، غير أنهم اتفقوا أخيرًا على تقسيم المملكة بينهم على النحو التالي:
1- ليسيماخوس: آسيا الصغرى حتى جبال طوروس، يضاف إلى ذلك "ثراكية".
2- سلوقس: سوريا الشمالية وما بين النهرين وما في شرقيها حتى الهند.
3- بطليموس: اليهودية وفينيقية (أي سوريا الجنوبية حتى عكا إلى مصر وما يليها).
4- كسندر: مقدونية، إضافة إلى ما يسترده من بلاد اليونان.
بعد أن تقاتل الخلفاء المباشرون للإسكندر، امتنع خلفاؤهم عن لبس التيجان كملوك، وكان التاج عبارة عن شريط أبيض من القماش مزيّن الحافتين، يوضع حول الرأس كرمز للملكية. والكلمة اليونانية الواردة هنا (وملكوا) هي "إبيكراتيسان" وتعني أخذوا الملك بقوة وحرب. أمّا تاج الملك، فهو باليونانية "دياديما" وهو اسم يوناني لشريط أسود بدائرة أو إكليل أبيض وكان ملوك فارس يضعونه حول الشريط الذي يلف رأسهم(10)
وفي سنة 306 ق.م. قام أنتيجونوس وابنه ديمتريوس، واللذان كانا مشتركين في حكم أجزاء كبيرة من اليونان وأسيا الصغرى وسوريا، بلبس التاج، وفي سنة 305 ق.م. استخدم بطليموس وسلوقس لقب ملك، مؤسسين الأسرة الحاكمة المستمرة والتي تعامل معها المكابيون.
وبحكم موقعها فقد تأرجحت اليهودية ما بين الخضوع لسلطان السلوقيين إلى الخضوع لسلطان البطالمة في مصر، إلى أن حُسم الأمر سنة 198 ق.م. حين انتزعها أنطيوخس الثالث (الكبير) من البطالمة، حيث أصبحت منذ ذلك الوقت ولاية تابعة السلوقيين.
مكابيين ثان 4: 7-17
10 وخرج منهم عرق أثيم هو أنطيوخس إبيفانس بن أنطيوخس الملك، وكان رهينة في روما، ثم ملك في السنة المئة والسابعة والثلاثين من مملكة اليونان. 11وفي تلك الأيام خرج من إسرائيل أبناء لا خير فيهم فأغروا كثيرين بقولهم: "هلموا نعقد عهدا مع الأمم التي حولنا، فإننا منذ انفصلنا عنهم لحقتنا شرور كثيرة". 12فحسن الكلام في عيونهم. 13وبادر بعض من الشعب وذهبوا إلى الملك، فأذن لهم أن يعملوا بأحكام الأمم. 14فبنوا مؤسسة رياضية بدنية في أورشليم على حسب سنن الأمم، وعملوا لأنفسهم قلفا وارتدّوا عن العهد المقدس واقترنوا بالأمم، وباعوا أنفسهم لعمل الشر.
أنطيوخس إبيفانس الرابع: واسمه بالكامل باسيلاوس أنطيوخس ثيئوس إبيفانس نيكافور (215 - 163 ق.م.).
أنطيوخس: اسم يوناني معناه "مقاوم" بينما إبيفانس يوناني أيضًا معناه "الظاهر" أو "المتجلي" وهو لقب فخري للآلهة الوثنية، أطلقه أنطيوخس على نفسه إذ كان يعتقد -كما سيجيء- أنه تجسُّد للإله "زيوس" على الأرض! غير أن أعداءه أطلقوا عليه اسم "أبيمانوس" ويعني "المجنون"!
لم تكن عادة الملوك السلوقيين إطلاق صفات خاصة لهم ولكنهم اقتبسوها من الملوك البطالمة المصريون، كتب كل من بوليبييوس وهو كاتب معاصر لهذه الأحداث، وديودوروس الصقلي وليبيوس وصفوه بالآتي: "المتقلب في سلوكه وأعماله" ويذكر يوسيفوس أنه كتب على تيجان ملكه وخواتم يديه (ثيئوس) أي الله (11). وأحيانا نيكيفوروس "أي الجبار" وكان تاجه يحمل لقب الألوهية في المنتصف وله قرنان (كعادة الآلهة السورية الكنعانية وأشهرهم بعل قرنايم) وباللاتينية corona radiata، وهو الوصف الذي أطلقه عليه السامريون حين طلبو منه أن لا يسلمهم كقربان لليهود وكتبوا له في مقدمة رسالتهم ما نصه الآتي: "للملك أنطيوحوس، الله الظاهر، من الصيدونيون...)(12).
وهو ابن أنطيوخس الثالث الكبير والذي اضطر لتسليمه إلى الرومان كرهينة، وذلك ضمن اتفاقية هدنة بين الطرفين، فظل هناك لمدة 14 سنة بدأت في 198 ق.م. ويجيء ترتيبه بين أبناء أنطيوخس: الثالث والأخ الأصغر لسلوقس الرابع. جدير بالذكر أن عائلة السلوقيين تحتوي على ثلاثة عشر شخصًا باسم أنطيوخس، منهم إحدى عشر شخصية شغلت كرسي المملكة تراوحت ما بين القوة والضعف والأهمية والهامشية. وبينما يُعَد أنطيوخس الثالث المعروف بالكبير أشهرهم وأشدهم تأثيرًا، نجد أن أنطيوخس الرابع هو الذي دخل أبواب التاريخ اليهودي، ولكن من باب الكراهية والاضطهاد، حتى أنهم يوسمونه بأسوأ الصفات.
في عام 176 ق.م. أُطلق سراح أنطيوخس الرابع ليحل محله ديمتريوس الأول (وهو الابن الثاني لسلوقس الرابع): كرهينة، وفي أثينا تم تعيينه رئيسًا للقضاة، وفي سنة 175 ق.م.(13) تولّى الملك مكان سلوقس أخيه (الذي مات في 3 سبتمبر). على الرغم من وجود وريثين شرعيين للعرش، هما: أنطيوخس الطفل الصغير ابن سلوقس، وديمتريوس الذي كان في ذلك الوقت رهينة في روما.
يُقال أن هليودورس رئيس وزراء سلوقس والذي قتله، استولى على السلطة ونصّب أنطيوخس الصغير كملك صوري فقط، ولكن أنطيوخس إبيفانس كسب تأييد وعون حكام برغامس، والذين نقلوه إلى حدود الإمبراطورية السلوقية مزودين إياه بالرجال والعتاد، ثم توّجوه بتاج فدخلها ظافرًا. ومع أنه اهتمّ في البداية بالملك الصغير، إلاّ أنه أعدمه سنة 170 ق.م.
لعب أنطيوخس إبيفانس دورًا خطيرًا في تاريخ اليهود خلال القرن الثاني قبل الميلاد، حيث خصته اليهود بقدر كبير من الكراهية بسبب تدنيسه لمقادسهم ومحاولته فرض الثقافة الهيلينية، هذا ويعد أنطيوخس إحدى الشخصيات المحورية في سفري المكابيين.
أنطيوخس الثالث (الكبير) 223 - 187 ق.م
|
|
|
|
|||||
(187 - 6/175) |
كليوباترا زوجة بطليموس الخامس |
أنطيوخس الرابع (إبيفانس) (6/175 - 4/163) |
||||||
|
|
|
|
|||||
ديمتريوس الأول (162 - 150) |
أنطيوخس الخامس (أوباطور) (4/163 - 162) |
إسكندر بالاس (153 - 145) |
||||||
|
|
|
|
|
||||
ديمتريوس الثاني (145 - 140؟) (129 - 125) |
أنطيوخس السابع (9/138 - 129) |
أنطيوخس السادس (143؟ - 141؟) |
||||||
أبناء لا خير فيهم: هذا التعبير أصبح اصطلاحًا شائعًا بين اليهود آنذاك للدلالة على الشر، وتترجم هذه العبارة في السبعينية عادة ب"بنو بليعال". أمّا هذا اللفظ فقد جاء بالسبعينية هكذا παρανο’μοι أي: " أبناء من غير توراة .. خاطئون" وقد ورد هذا التعبير في (تثنية 13: 14) "قد خرج قوم لا خير فيهم (بحسب السبعينية) أما بحسب البيروتية: " قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك". وورد نفس التعبير في (آية 34 من هذا الأصحاح) عند وصف الرجال الذين استعان بهم السلوقيون في الحامية المرابضة في أورشليم. وهكذا صار التعبير اسم علم له صلة بالشر، راجع أيضا تعبير آخر موازٍ هو: بليعار! (مزمور 18: 5)، راجع أيضًا (كورنثوس الثانية 6: 15).
يطلق هذا الوصف في الآية (11) على الجماعة التي تجاوبت مع رغبة أنطيوخس وأتباعه في نشر الثقافة الهيلينية، وكان تجاوبهم بدافع مزدوج، فمن الجهة الأولى قد جلبوا على أنفسهم عداء السلوقيين لهم، ومن الجهة الأخرى وجدوا أنهم بمعاداتهم للسلوقيين، قد خسروا الكثير من المكاسب الثقافية والمدنية، حيث انقسمت اليهودية إلى فريقين، أحدهما مؤيد للاتجاه الهيليني (وهو ما كان يعرف ب أبناء طوبيا) والآخر هم المحافظون (وهم الذين عُرفوا بعد ذلك بالحسيديين).
ويقول يوسيفوس في تاريخه أنه في ذلك الوقت (عند بداية الأزمة) ظهر حشد كبير من الخيول النارية في السماء وكأنها حرب وذلك لمدة أربعين يومًا، وكان في المدينة ثلاثة من الكهنة الأشرار هم (مياليس / شمعون / ألقيموس) وكان لكل منهم أتباعه من اليهود، وقد مضى أولئك الثلاثة إلى أنطيوخس في أنطاكية، حيث وشوا بأخوتهم أنهم فرحون لما رأوا من خيول في السماء متهللين إذ في ذلك علامة على مقتل أنطيوخس! ومن ثمّ اقترحوا عليه تعضيدهم لنشر الهيلينية في البلاد (14). وهذا هو المقصود ب (الآية13).
وقد كانت رغبة أنطيوخس بالفعل أن يحقق الاستقرار السياسي والمالي في مملكته ويقضى على الانقسامات السياسية فيها، ومن ثم فالسبيل إلى ذلك هو نشر الحضارة الهيلينية مع ثقافتها، وذلك من خلال برنامج ضخم، وقد رأى أن العقيدة هي الوسيلة الفعالة لتحقيق هذه الرغبة.
فلما ذهب إليه الثلاثة صرّح لهم بالاضطلاع بهذا البرنامج الثقافي تحت رعايته، وهو ما عبّر عنه السفر بأنه أذن لهم أن يعملوا بأحكام (سنن الأمم، حيث تشير كلمة الأمم دائمًا إلى الوثنيين.
من جهة أخرى فقد كان الأمر يحتاج إلى تصريح من الملك السلوقي، بسبب أن القانون الملكي كان يسير جنبًا إلى جنب مع الشريعة اليهودية، فقد جعل الملك ارتحتشتا Artaxerxes التوراة
ُ ملزمة لجميع اليهود المقيمين في مملكته بإقليم عبر الفرات بما فيه اليهودية، ومن المحتمل أن يكون الإسكندر قد أبقى الوضع كما هو، وبالتالي فقد جعل أنطيوخس الثالث التوراة -من جديد- شريعة البلاد بالنسبة لليهود، ولذا اضطر اليهود المتأغرقين إلى الحصول على ترخيص من الملك لتنفيذ برنامجهم.في هذا الإطار استطاع أحد هؤلاء الثلاثة المسمى يشوع، الاستيلاء على رئاسة الكهنوت برشوة ضخمة بلغت 350 قنطار فضة مضافًا إليها ثمانين أخرى، ثم خمسين من دخل آخر (انظر التعليق على 2 مكا 4: 7) وحينئذ أصدر الملك قرارًا بتعيينه. وقد حمل هذا القرار في طياته قرارًا آخر بعزل حونيا الثالث (شقيق يشوع!!) وهو الرجل المحبوب من الشعب، وبذلك تحول اسم "يشوع اليهودي" إلى "ياسون اليوناني".
تعني المؤسسة الرياضية إقامة مدارس لممارسة أنواع مختلفة من الألعاب الرياضية والمسابقات، مثل سباق الجري (والذي عرف حديثًا بـ: الماراثون) ورمى القرص (بيسبول) ورمى الرمح والملاكمة وألعاب الحظ (مثل النرد) ولعبة أخرى أشبه بالشطرنج، والفروسية وهي ألعاب بدنية، يضاف إليها العزف على الآلات الموسيقية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). ولكن الملعب أو الإستاد (المدرسة) Gymnesium كان من معالم الحضارة اليونانية في العالم الهيليني، فلم يكن للألعاب البدنية فحسب، بل للتعليم المدني والأدبي أيضًا (15).
اللفظة اليونانية γυμνα’σιον لا يوجد في اللغة العبرية مفهوم يطابق ما تحمله من معنى، وقد استخدم اليهود عدة ألفاظ تصف ما يحدث فيه مثل: "بيت العاريين، بيت للدعاية ونشر الأفكار" وفي الترجمات الآرامية القديمة للسفر الواردة في التلمود ترجموها هكذا: استاديون، وهي من الكلمة اليونانية ستاديون σταδιον أي ساحة للألعاب الرياضية، كما استخدمت هذه الكلمة في التلمود، راجع وصف يوسيفوس للجمنازيوم (الآثار اليهودية 12: 5) وكان الجيمنازيوم ساحة دائرية محاطة بسور وبجانبها غرف لتغيير الملابس وللاستحمام . وكانت الساحة الدائرية مزدانة بتماثيل الآلهة وخاصة هرمس وهرقل، ويحيط بها أماكن للجلوس.
وما تزال الكثير من الألعاب اليونانية خالدة حتى اليوم فيما يسمّى بالألعاب الأوليمبية Olympic والتي كانت في العصر المكابي تقام مرة كل أربع سنوات على شرف الإله زيوس، وكان تمثال هذا الإله مقامًا في المكان الذي تجرى فيه المسابقات، وما يزال تمثال "رمي المطاث" أو "رمى القرص" والمعروف الآن بـ"البيسبول" موجودًا كما هو منذ العصر اليوناني.
ولكن هذه الألعاب أثرت تأثيرًا سلبيًا على أخلاق اليهود، إذ لم تكن مجرد رياضيات جسدية "نافعة لقليل" (تيموثاوس الأولى 4: 8) وإنما كانت تحمل في طياتها خطورة شديدة، وهي الاختلاط بالوثنيين (لاعبين ومتفرجين) مما أثر على أفكارهم، لا سيما وأن اليهود كانوا منعزلين حتى ذلك الوقت، كمجتمع مغلق على نفسه منذ عودتهم من السبي (بسبب ما كان هناك من اختلاط بالوثنيين وحضارتهم). وكان من شأن هذه الألعاب والدراسات والمسابقات أن تكسر هذا الطوق المضروب حولهم، لا سيما وأن هذه الممارسات مرتبطة بالآلهة الوثنية من حيث الشكل والمضمون. فمن جهة الشكل كانت تتم على شرف الإله زيوس في اليهودية مثلًا، وما يصاحب ذلك من ممارسات وإيماءات تعبدية له من بخور وذكر اسمه.. إلخ، وأما من جهة المضمون فهو الفكر الهيليني نفسه.
كانت بعض تلك الألعاب في الدورة الأولمبية، يمارسها اللاعبون وهم عرايا تمامًا، فكان اليهود المشتركون فيها يجدون حرجًا شديدًا بسبب الختان، والذي لم يكن معروفًا بين اليونانيين، لا سيما وقد كانوا يرون أنه تشويه جسدي لا مبرر له، وبالتالي فقد كانوا يسخرون من المختونين. مما دفع أولئك اللاعبين اليهود إلى عمل جراحة يخفون بها الختان، وقد كان ذلك يحمل في طياته استخفاف اللاعب بقيمة عظمى تكمن في الختان والذي كان يساوي اليهودية كلها!! (راجع تكوين 17: 9-14) وهكذا كان ذلك السلوك: (على حسب سنن الأمم آية 14) ينطوى على خطورة أخلاقية ناجمة عن المذهب الجديد. وكان ذلك بداية الأزمة التي ستنشأ في اليهودية ما بين اليهود والسلوقيين.
ترجمت لفظة "غرلة" للآرامية بـ(غرل) وهي مطابقة تمامًا للمصطلح التلمودي الوارد في (يباموت 72: 1): "أن الأغرل يجب أن يختن"، و(سنهدرين 44: 11) في قوله: "ختنوا غرلتهم" والكلمة الآرامية هي (عورلوتا)(16).
إلى ذلك يشير كتاب ميثاق موسى (وصية موسى) من كتابات قمران Qumran: "سيحرض ضدهم ملك ملوك الأرض والذي سيصلب الذين يعترفون بختانهم .. وسيعالج أطفالهم أطباء أطفال سيعيدون لهم القلف" (8: 1و3)(17).
وقد حذر الكتاب من مثل هذه الممارسات الوثنية، والتي ينتج عنها الخراب والسبي (تثنية 4: 25-28) كما نجد في موضع آخر أن "العهد" الذي يسمح بالتعامل بحرية مع الأمم المحيطة، كان يعتبر مدخلًا لعبادة آلهة تلك الأمم (خروج 34: 15-16 وتثنية 7: 2-4) لذلك كان الأمر الإلهي لليهود بالانفصال التام عن الأمم السبع الساكنين في أرض الموعد (خروج 23: 32 و34: 12-16؛ تثنية 7: 1-4).
كما أن ممارسات وعادات الأمم في (الآيتين 14و15) هنا، تذكرنا بما نقرأه في (لاويين 18: 3 وملوك ثان 17: 8) فإن الذين يقبلون التشبّه باليونانيين ستكون خطيتهم كبيرة، مثلها مثل عبادة الأوثان والزنا والانحراف، كذلك فإن تعبير اقترنوا بالأمم (آية 15) نجد له نظيرًا في سفر العدد، حيث يشير إلى مصاهرة الوثنيين. فيرد تعبير "على سنن الأمم" في السبعينية هكذا και ’εζευγισθησαν والذي يعني: "أصبحوا في علاقات مزدوجة مع الأمم" [راجع (سفر العدد 25: 3- 5)].
وفي العصر الرسولي كانت الكنيسة تشترط على الراغبين في الانضمام إلى الكنيسة، التخلّي عن أية وظائف أو ممارسات وثنية وارتياد حلبات المصارعات وإدارة بيوت الدعارة أو ارتيادها، والتسرّي والسحر، وغيرها(18).
وفي المقابل فإنه كثيرا ما بدأ الانحراف والارتداد، بمجرد مشاركة بريئة في أنشطة رياضية أو اجتماعية، وكثيرًا ما استخدمت الثقافة والمدنية في جذب الكثيرين بعيدا عن التدين، ولعله من المناسب هنا أن نشير إلى أن هناك الآن اتجاه شديد الخطورة، يهدف إلى ضمّ العالم كله تحت "ديانة عالمية" هي ديانة العقل واللذة والعلم المجرد، وبسبب سوء فهم البعض للدين ونتيجة للممارسات غير الناضجة والصحيحة لبعض المتدينين، يتشدّق الملحدون بأن سبب تخلّف بعض الشعوب يرجع إلى "تعاطي الدين". ومن ثمّ فإن هناك برامج عدّة منفذة الآن -في غفلة من الأكثرين- للتخلّص من الدين! وهو ما فعله من قبل أنطيوخس أبيفانيوس. وعلى الرغم من الفوائد الكثيرة للعلم، فكثيرا ما يتطاول العلماء على الله والدين وينسبون الكون والخلائق للصدفة بل ويؤلّهون الكون! وهكذا يعيد التاريخ نفسه.
مكابيين ثان 5: 1-21
16ولما استتب الُملك لأنطيوخس، عزم على أن يكون ملك مصر، ليملك على كلتا المملكتين. 17فدخل مصر بجيش عظيم ومركبات وأفيال وفرسان وأسطول عظيم، 18وشن الحرب على بطليمس ملك مصر، فتراجع بطليُمس أمام وجهه وهرب، وسقط جرحى كثيرون. 19فاستولوا على المدن الحصينة بأرض مصر، وسلب أنطيوخس غنائم أرض مصر. 20ورجع أنطيوخس بعدما كسر مصر، وذلك في السنة المئة والثالثة والأربعين، وصعد إلى إسرائيل وإلى أورشليم بجيش عظيم. 21ودخل المقدس متعجرفا وأخذ مذبح الذهب ومنارة النور مع جميع أدواتها 22ومائدة التقدمة والأباريق والكؤوس وقصاع الذهب والحجاب والأكاليل والحلية الذهبية التي كانت على واجهة والهيكل ونزع عنها تلبيسها كله. 23وأخذ الفضة والذهب والآنية النفيسة، وأخذ ما وجد من الكنوز المكنونة. 24أخذ كل ذلك وانصرف إلى أرضه، وأكثر من القتل وتكلم بتعجرف عظيم.
25وكانت مناحة عظيمة في إسرائيل في كل أرضهم: 26انتحب الرؤساء والشيوخ وخارت قُوَى الفتيات الفتيان وتغير جمال النساء. 27وكل عريس أنشد مرثاة والمرأة الجالسة في غرفتها صارت في حداد. 28وُزلزلت الأرض بسبب سكانها وجميع بيت يعقوب لبسوا العار.
بينما استتب الملك لأنطيوخس في سوريا في البداية، قرر بطليموس السادس فيلوماتور الصغير - بإيعاز من بولادس وليناوس الوصيان عليه- أن يستعيد السيطرة على جنوبي سورية بما فيها اليهودية، ليثأر للهزيمة التي مُنِيَ بها أبوه في معركة بانياس، فلما ترامت هذه الأنباء إلى مسامع أنطيوخس، أعد جيشًا عظيمًا هاجم به مصر سنة 170/169 ق.م. فهزم بطليموس ثم اتجه إلى ممفيس حيث نصب نفسه هناك ملكًا على مصر، ثم عاد إلى الإسكندرية وحاصرها، وتركها بعد أن قسم المملكة بين بطليموس فيلوماتور وبطليموس يورجيتيس، وذلك بغرض العمل على تفككها، وهو ما يسمّى بالحرب السورية السادسة. وإلى ذلك يشير دانيال النبي بقوله "ويُنهضه قوته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم وملك الجنوب يتهيج إلى الحرب بجيش عظيم وقوى جدًا ولكنه لا يثبت لأنهم يدبرون عليه تدابير والآكلون أطايبه يكسرونه وجيشه يطمو ويسقط كثيرون قتلى، وهذان الملكان قلبهما لفعل الشر ويتكلمان بالكذب على مائدة واحدة ولا ينجح لأن الانتهاء يعد إلى ميعاد" (دانيال 11: 25 - 27). راجع أيضًا (2 مكا 5: 1).
عُرفت الأفيال منذ زمن بعيد كحاملة للجنود والعتاد، ولربما كانت الهند هي أول من عرف ذلك، نظرا لتوافرها هناك بكثرة، بينما كانت "أفاميا" مركز تدريب الأفيال الحربية، وقد استخدم العرب الأفيال في الحروب مثلهم في ذلك مثل شعوب أخرى، مثل السلوقيين في حروبهم مع المكابيين، وكان يثبت فوق الفيل صندوق ضخم من الخشب يسع لحوالي عشرة من الجنود مع أسلحتهم، ومع أن الأفيال كانت صيدًا سهلًا للرماة في المعارك، إلاّ أنه كانت لها ميزة خاصة وهي أن الخيول المستخدمة في الحروب كانت تنفر من رائحة الأفيال، فتضطرب وتهرب حالما تراها، ولذلك فقد كانت الأفيال توضع في مقدمة الجيش، مما يحدث اضطرابًا في صفوف الأعداء، كما كان يُقدم لها عصير التوت
الأحمر قبل البدء في القتال، ربما من أجل إثارتها وجعلها أكثر عدوانية في الحرب. (وسيأتي الحديث عنها في الأصحاح السادس).عاد أنطيوخس من مصر بعد أن جمع منها الكثير من المال والغنائم، حيث كان في أشد الحاجة إلى ذلك بسبب الجزية الثقيلة التي تركها أبوه لصالح الرومان، في إطار شروط الصلح بعد معركة مغنيسيا (أباميا) سنة 198 ق.م. ولعل ذلك هو السبب أيضًا وراء استيلائه على كنوز الهيكل، حيث يوجد ما لا يحصى من المال والهبات، من مشغولات ذهبية ومجوهرات، ولم يكتف بذلك بل استولى على أدوات الخدمة الهيكلية: مثل منارة الذهب والمجامر وصفائح الذهب التي تغشى زخارف الهيكل.(19) هكذا أساء الملك إلى المكان والسكان، حيث أن المقصود بكلمتي إسرائيل وأورشليم في (آية 20) هو الشعب والمدينة(20)
وقد جرى ذلك في طريق عودته إلى مقر ملكه في أنطاكية، إذ سمع بحدوث اضطرابات في اليهودية، وأن أحدهم ويدعى منلاوس قد سرق بعض مقتنيات الهيكل مما أثار حفيظة الشعب ضده، وقد أقدم منلاوس على ذلك بعد سماعه أنباءً عن مقتل أنطيوخس في مصر، فلما وصل الأخير ووقف على ما حدث، رأى بمكر أنه أولى بكنوز الهيكل فقام بنهبه، والعجيب أنه نهبه بمساعدة منلاوس!! بل وانتقم من اليهود الذين ثاروا لذلك، كما سيجيء في تفسير (2 مكا 5)، ومضى أنطيوخس في طريقه إلى أنطاكية بعد أن ترك المدينة تحت قيادة أحد رجاله يدعى "فيليب الفريجى" (2 مكا 5: 18 - 22).
وقد عُثر على لوح من بابل مكتوب بالكتابة المخروطية، ويرجع تاريخه إلى ما بين 18 أغسطس و16 سبتمبر سنة 169 ق.م. وُتذكر فيه انتصارات أنطيوخس في مصر باعتبارها خبر الساعة، ولذلك فإن نهب أورشليم من المحتمل أنه حدث في سبتمبر أو أوائل أكتوبر.(21)
جدير بالذكر أن منطقة اليهودية كانت حساسة جدًا، من السهل اشتعال الفتن والثورات والتمردات فيها، حتى لقد أولاها الرومان فيما بعد ذلك عناية خاصة، وكذلك مصر، بسبب أن مصر كانت تمد الإمبراطورية بربع احتياجها من القمح، وكان كل من والي مصر واليهودية يعيّنان بمعرفة الإمبراطور رأسًا.
دارت ما بين السلوقيين والبطالمة خمسة حروب، خلال القرن الثالث ق.م. بسبب الصراع على جنوب سوريا. الأولى: (سنة 274-271) وفيها انتزع بطليموس الثاني من السلوقيين فينيقية ومعظم الأناضول وجزر سيكليدس. الثانية: (260- 255/253) وفيها قام أنطيوخس الثاني بالتحالف مع ملك مقدونية، باستعادة فينيقية والأناضول. الثالثة: وتسمى "حرب لادوقيا (245-241) اضطر سلوقس الثاني للتنازل لأنطيوخس الثالث عن كثير من الأراضي السورية، وفي 221 قام الأخير بحملة ناجحة لاستعادة قوة وأراضي المملكة السلوقية، ولكنه فشل في احتلال مصر. وأما الرابعة: (219-217) وبدأها أنطيوخس الثالث، واضطر فيها للتنازل عن سوريا الجوفاء لبطليموس الرابع. وأما الخامسة: (202-200) وفيها انتزع السلوقيين سوريا الجوفاء، وانتهج السلوقيين سياسة الأغرقة والتي بسببها قامت الثورة المكابية لاحقًا. ونتيجة لتلك الحروب المستمرة ضعفت الدول اليونانية ووقعت تحت تأثير روما، في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد (22).
"مال الأقداس للأقداس" هكذا كان اليهود يردّدون دائمًا، إذا ما تطرق الحديث إلى أموال الهيكل، أو أراد أحد الحكام: سواء من اليهود أو الأجانب مد يده إلى كنوز الهيكل، وقد حدث في أيام بيلاطس أن تظاهر يهود الجليل في عيد الفصح داخل الهيكل، بسبب سماعهم أنه استولى على تبرعات يهود بابل وهي في طريقها للهيكل، ولكن بيلاطس أقمع المتظاهرين بالقوة وقتل كثيرين منهم وخلط دمهم بذبائحهم (لوقا 13: 1).
ولمعرفة مقدار ما نهب من الهيكل، يمكن الرجوع إلى ما صنعه سليمان من أواني وملحقات ذهبية (ملوك أول 7: 48 - 50) لنكتشف أنه شيء يفوق الوصف والتقدير، وقد استولى نبوخذ نصر من قبل على مثل هذه الكنوز (أخبار الأيام الثاني 36: 7) وهي التي أعادها ثانية كورش الملك (عزرا 1: 7 و5: 14). وقد حمل أنطيوخس معه ألف وثمانمائة قنطار(23).
ورد في كل من المصادر اليهودية والوثنية أن أبيفانس أهدى الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس لهيكل زيوس الأوليمبي، فذكر فيسنياس (عاش في القرن الثاني): "حجاب هيكل زيوس الأوليمبي كان من قدس أقداس اليهود" وكان الحجاب يشابه لحد كبير حجاب هيكل أرطاميس في أفسس، كما أخذ الحجاب الذي عمل بعد هذا -أي في الهيكل الثاني- إلى روما(24). فقد ورد في التلمود ما نصه الآتي: عن رابي إليعازار عن رابي يوسي أنه قال: "لقد رأيته في روما ورأيت عليه دم الذبائح الخاصة بيوم الكفارة".
في وصفه للمناحة يرتفع كاتب السفر عن مستوى النثر إلى الشعر، وهو ما يرد أيضا في بعض أجزاء من العهد القديم، لا سيما المزمور التاسع والسبعون، وهذا المزمور بالذات يُحتمل أن يكون قد كُتب في نفس فترة المكابيين، وربما يكون إشارة إلى صراعهم أيضًا (اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك. نجسوا هيكل قدسك. جعلوا أورشليم أكواما.. مز 79: 1)(25). وربما شعروا وقتئذ أن تلك الأحداث هي تحقيق لما ورد في (يوئيل 2: 6، 7-11).
ورغم أنه خليق باليهود وقتئذ البكاء على خطاياهم، إلاّ أنه لم يكن هناك فاصل ما بين حياتهم الدينية والقومية والشخصية، فقد كانت هذه الدوائر جميعها متداخلة، ففي أحلك الظروف سعى اليهود للاحتفاظ بحريتهم الدينية، كما كان الهيكل هو محور حياتهم، وعند احتراقه في سنة 70 م. ألقى مئات منهم بأنفسهم في النار، ليموتوا مع آخر أمل تبقى لهم ...
فها هوذا الفتيان والفتيات -إزاء نهب أنطيوخس للهيكل- يشعرون بالمصيبة رغم حداثة سنهم، وهوذا العرسان والعرائس يتخلون عن سعادتهم متفاعلين مع نكبة الهيكل، بل أن اليهود شعروا بأن الأرض نفسها قد تزلزلت نتيجة ما حدث، أي أن الطبيعة نفسها قد احتجّت على نهب الهيكل..
وقد نُظر إلى أبولونيوس هنا باعتباره "قضيب غضب الله" الذي يُنزل العقاب عن خطايا المتأغرقين (آية 28 .. وُزلزلت الأرض ..) قارن مع (2مكا 4: 16، 17). غير أن سلوكه تجاوز عصا التأديب إلى اقتراف الجرائم، ولذلك فإن أنطيوخس كان سُيعاقب حسبما تنبأ إشعياء في (10: 5-27) إذ يعتبر ملوك أشور هم الملوك السلوقيين ( AssyriaِSyria =) نظرا إلى أن مملكتهم شملت كغلب مناطق أشور. وكان اليهود يعتبرون أن من يدخل المقدس يقترف خطية عظيمة (2مكا 5: 15-21 ومراثي 1: 10 وحزقيال 44: 7-9).
مكابيين ثان 5: 24-26
29وبعد سنتين، أرسل الملك رئيس الجزية إلى مدن يهوذا، فوفد على أورشليم في جيش عظيم.30وخاطبهم خطاب سلام مكرا فوثقوا به، ثم هجم على المدينة فجأة وضربها ضربة شديدة وأهلك شعبًا كثيرا من إسرائيل. 31وسلب غنائم المدينة وأحرقها بالنار وهدم بيوتها وأسوارها المحيطة بها. 32وسبوا النساء والأولاد واستولوا على المواشي. 33وأعادوا بناء مدينة داود، فبنوا سورا عظيما متينا وبروجا حصينة، فصارت قلعة لهم. 34وجعلوا هناك أمة أثيمة من رجال لا خير فيهم، فتحصنوا فيها. 35ووضعوا فيها السلاح والطعام، وجمعوا غنائم أورشليم ووضعوها هناك وصارت فخا عظيما. 36وكان ذلك مكمنا للمقدس وخصمًا مؤذيا لإسرائيل على الدوام. 37فسفكوا الدم الزكى حول المقدس ونجسوا المقدس. 38فهرب أهل أورشليم بسببهم فأمست جالية غرباء وصارت غريبة للمولودين فيها وأبناؤها هجروها. 39وُدمر مقدسها كالقفر وُحولت أعيادها إلى حزن وسبوتها إلى عار وكرامتها إلى احتقار 40 وعلى قدر مجدها كثر ذلها وانقلبت رفعتها حزنا.
رئيس الجزية المشار إليه هنا هو أبولونيوس بن مسنتاؤس، المذكور في (2مكا 5: 24-26) وهو من "ميسيا" عمل كقائد للمرتزقة، قبل أن يعينه أنطيوخس رئيس وزراءه (راجع 2 مكا 4: 21) وكان هو المسئول -فيما يبدو- عن تحصيل الجزية في كافة أنحاء المملكة.(26) ففي حملة أنطيوخس الثانية البرية والبحرية على مصر في ربيع سنة 168 ق.م. وانتصاره على بطليموس، توغّل أنطيوخس في مصر، وكان قد منع جنوده من قتل أي مصري، مما جعل جميع المدن تستسلم له فيما عدا الإسكندرية، والتي وبينما كان يحاول إخضاعها وصل ممثل روما "بوبليوس ليناس" وسلمه إنذارا من مجلس الشيوخ الروماني بترك مصر فورًا (27) فأذعن ورجع عن مصر حزينًا.
وهو ما أشار إليه دانيال النبي "فيرجع إلى أرضه بغنى جزيل وقلبه على العهد المقدس" فيعمل ويرجع إلى أرضه، وفي الميعاد يعود ويدخل الجنوب ولكن لا يكون الآخر كالأول، فتأتي عليه سفن من كتيم فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس ويعمل ويرجع ويصغى إلى الذين تركوا العهد المقدس" (دانيال 11: 28-30). والغِنى الجزيل المقصود هنا هو ما جمعه من أموال مصر، وأما العهد المقدس فهو الهيكل، والآخر الذي ليس كالأول هو فشله في المرة الثانية لغزو مصر بسبب تهديد الرومان المشار إليهم بـ"كتيم" كما سبق الشرح، وأماّ الذين سيصغى إليهم ممن تركوا العهد المقدس فهم الفريق اليهودي الذي اعتنق الهيلينية.
وبعد عودته من مصر أرسل أبولونيوس هذا على رأس جيش كبير ليؤكد سلطته على أورشليم،(28) غير أنه خدعهم أولًا حتى إذا ما اطمأنوا إليه، انتشر في البلاد دون مقاومة حيث بدأ في مهاجمة الحصون والمدن، واضعًا يديه على موارد البلاد كما سَبَى النساء والمواشي، ولم يعد ثانية بجيشه وإنما عزز الوجود السلوقي في أورشليم، وذلك من خلال إنشاء قلعة لهم مقابل الهيكل.
ولذلك فربما كان الهدف من حملة أبولونيوس هو الاستيلاء على اليهودية، وتحويلها إلى أرض تابعة للملك "chore basilike" فإنه وأن لم تكن حتى ذلك الوقت، مدينة لها امتيازات كاملة كما للمدن اليونانية (polis) إلاّ أنها كانت أرضًا لها امتيازات أمة " شعب/ethnos" ومركز حضري رئيسي لشعب ذو امتيازات. وكان الُحكم السلوقي في ذلك الوقت قد بدأ في فرض الضرائب الباهظة على اليهودية (1مكا 10: 30) قارن مع (11: 34) ولم يُسم السلوقيين اليهود "شعبًا مستقلًا، إلاّ في أيام أنطيوخس الخامس وذلك في رسالته سنة 162 ق.م. (2مكا 11: 25) رغم أن الرومان عندما خاطبوا اليهود قد منحوهم هذا اللقب تقريبًا (2مكا 11: 34).
هي القلعة التي بناها السلوقيون لهم وزودوها بالأبراج والأسلحة والعتاد والأطعمة، وأصبحت حامية سلوقية في أورشليم يسكن فيها الجنود السوريون مع اليهود الهيلينيين، وكانت هذه القلعة سبب تنغيص شديد لليهود، حيث كانت تطل على الهيكل وتكشف بالتالي جميع ما يدور فيه من خدمات، وكثيرًا ما كان الجنود السلوقيين ينزلون منها ليلحقوا الأذى بمن في الهيكل، أو لفض المنازعات والقضاء على الشغب، وهي تشبه القلعة التي أنشأها هيرودس الكبير ملاصقة للهيكل وتسمى "قلعة أنطونيا" والتي اعتبرها اليهود غلطة معمارية.!!
أما الحصن الذي أقامه أبولونيوس هنا، فيسمى "عكرة" والمعروف في أغلب الترجمات ب"أكرا" (Akra كلمة ترادفAcropolic والتي تعني قلعة مبنية على تل منحدر يُشرف على مدينة) وسوف يُشار إلى ذلك الحصن كثيرًا في الحملات العسكرية التالية، وأما عن موقعه فهو غير معروف بالضبط (29)، غير أن الرأي الشائع، أنه كان مجاور للهيكل (4: 41) وبالتحديد عند الطرف الجنوبي الغربي، وتُعرف مدينة داود دائمًا بأنها الرابية الغربية الكبيرة، كما تعرف أيضًا بأنها "منطقة جبل صهيون" وأن كان السفر يفرّق بين الاثنين في (7: 32). اُنظر خريطة رقم (1).
إلاّ أن الكتاب المقدس وكذلك علم الآثار والحفريات، يُشير جميعها إلى أن مدينة داود كانت على أرض منخفضة جنوب الهيكل (ملوك أول 8: 1 ونحميا 3: 15)، وبذلك فإن كل من الهيكل ومدينة داود يقعان على التل الشرقي (أحد التلين اللذين بُنيت عليهما أورشليم) ولا تُوجد أرض عالية تُطل على الهيكل إلاّ من جهة الشمال، وبالتحديد في الجنوب الغربي عبر وادي تروبيون Tyropion.
ويرى كثير من الدارسين أن قلعة "عكرة"، كانت تقع على التل الغربي الذي كان قد أصبح يُسمى "مدينة داود" في الحقبة المكابية، بينما اقترح آخرون أن تكون في الطرف الشمالي للتل الشرقي. وفي عصر لاحق امتدت الأسوار الجديدة والمباني واتسعت المساحة التي أُطلق عليها "مدينة داود" (1مكا 14: 42) بل أنه من المحتمل أن يكون السور الذي امتدّ لاحقًا ليشمل المنطقة كلها قد أُقيم على أساس هذا التقليد.!
كما يُلاحظ أن كلمتي "قلعة" و"مدينة داود" قد استخدما بالتبادل أكثر من مرة حسبما يكون النصّ. كذلك فإن كلمة "عكرة Acra " قد أُطلقت على الكثير من التحصينات راجع (صموئيل ثان 5: 9 "يوناني"؛ ملوك أول 2: 35 "نص سكندري" و10: 22/أ "فاتيكاني"). بدليل التأكيد الوارد في (1مكا 1: 33-35 /3: 45 /10: 32 /14: 36 / 15: 28 و2مكا 15: 31: 35).. وغيرها: "القلعة التي في أورشليم".
وهكذا باحتلال اليهودية جعلها أبولونيوس قرية "غير مسوّرة" تابعة للجنود السلوقيين في القلعة، وكأنها مستعمرة لمواطني أنطيوخس، يُؤكد ذلك الكلمة الواردة في هذا السفر: Katikia والتي تعني مستعمرة. وعن أولئك الجنود تورد المشناه (قسم ميدوت Middot) أن اليونانيين (= السلوقيين) أحدثوا 13 ثغرة في السور الذي كان يمنع الأمم من الاقتراب إلى الهيكل.
انظر خريطة رقم (1).
مرة أخرى يتحوّل الكاتب من النثر إلى الشعر، ليصف المأساة الناجمة عن حملة أبولونيوس وإقامة حامية عسكرية وثنية في البلاد، فقد كانت الاعتداءات السابقة عبارة عن حملات عسكرية خاطفة أو طويلة، ما أن تحقق غرضها حتى تعود أدراجها من حيث جاءت، بعكس هذه المرة والتي يتأكد فيها الوجود الوثني، من خلال المراقبة السلوقية للبلاد.
هذه المرثاة تشبه ما ورد في (إرميا 4: 13 ومراثي 5: 1، 2، 18 و1مكا 4: 38) وربما كان (مراثي 5) نبوءة عن اضطهادات أنطيوخس! في المرثاة يشير الكاتب إلى "جرح" الحرية الدينية، بما في ذلك من تلصّص على الكهنة والخدمة في الهيكل، وما ينتج عن ذلك من إهانات صادرة عن الجنود الساكنين في الحصن المذكور، وكان ذلك هو بداية هجر الكثير من اليهود أورشليم إلى الجبال وأطراف البلاد، إذ شعروا بالغربة في وطنهم، ويبدو أن الوجود السلوقي بجوار الهيكل قد أثّر بشكل ما على العبادة في الهيكل، وقد كان ذلك تمهيدًا لكارثة إقامة الشعائر الوثنية في أورشليم ووقف الخدمة في الهيكل، وكما أشرنا سابقًا فقد كان الهيكل والليتورجية عند اليهود، يمثلان المحور الأول بين حياتهم.
41وكتب الملك أنطيوخس إلى مملكته كلها بأن يكونوا جميعا شعبا واحدًا 42ويتركوا كل واحد سننه، فأذعنت الأمم بأسرها لكلام الملك. 43وكثيرون من إسرائيل رحبوا بعبادته فذبحوا للأصنام واستباحوا حرمة السبت 44وأنفذ الملك كتبا عن أيدي رسل إلى أورشليم ومدن يهوذا أن يتبعوا سننا غريبة عن أرضهم، 45ويبعدوا المحرقات والذبيحة والسكيب عن المقدس ويستبيحوا حرمة السبوت والأعياد، 46وينجسوا المقدس والأقداس، 47ويبنوا مذابح وهياكل ومعابد للأصنام ويذبحوا الخنازير والحيوانات النجسة. 48ويتركوا بنيهم قلفا وينجسوا أنفسهم بكل نجاسة وقبيحة، 49كي ينسوا الشريعة ويغيروا جميع الأحكام.50ومن لا يعمل بمقتضى كلام الملك يُقتل. 51وكتب بمثل هذا الكلام كله إلى مملكته بأسرها وأقام مراقبين على كل الشعب، وأمر مدن يهوذا بأن يذبحوا في كل مدينة. 52فانضم إليهم كثيرون من الشعب، كل من نبذ الشريعة، فصنعوا الشر في تلك الأرض.53وألجأوا إسرائيل إلى المخابيء في كل مكان فروا إليه.
إلى جوار حنق أنطيوخس على اليهودية ومخططاته الاستعمارية الكثيرة، فقد كانت له رغبة قوية في جعل المملكة متحدة، وهو ما يتناغم مع رغبة الإسكندر الأكبر. ومن ثم فقد قرّر فرض ثقافة واحدة وعقيدة واحدة، فأصدر مرسومًا ملكيًا يُلزم جميع سكان مملكته بمختلف أجناسهم ولغاتهم وثقافاتهم وعقائدهم، باتباع ما يقرره من الالتزام بالنظام الديني الجديد، وبذلك يكون ذلك المرسوم قد نقض الميثاق السابق الذي منحه أبوه -أنطيوخس الثالث الكبير- لليهود في سنة 198ق.م. والذي اعترف فيه بشريعة موسى ناموسًا لهم ونظامًا شرعيًا، كما فعل ملوك فارس مع اليهود من قبل إبان فترة السبي.
وقد كان أمره ببناء المذابح والهياكل مخالفة صريحة للشريعة والتي تأمر بوجود المذابح في الهيكل فقط وفي الوقت ذاته هو هيكل واحد فقط (تثنية 12: 5-29) ولذلك يأمر أنطيوخس بأن تقام المذابح في كل مدينة (آية 51) ليؤكد على هذا المعنى، فالكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي: bomos وتعني مذبح غير شرعي (هوشع 10: 8 وعاموس 7: 9)(30).
وبموجب هذا الميثاق من قبل أنطيوخس إبيفانس، أصبح التمسك بالشريعة والعبادة اليهودية، مخالفة صريحة لدستور المملكة تستحق القتل، ومن هنا نشأ الاضطهاد السلوقي لليهود، وظل اليهود يعانون أشد المعاناة، ولم يُنقض هذا الميثاق (المرسوم) إلاّ من خلال خليفته أنطيوخس الخامس، والذي أعاد لليهود الحرية الدينية من جديد (1 مكا 6: 57 - 71 و2 مكا 11: 22 - 26).
كان أنطيوخس في الواقع وبمهارة شيطانية يضرب بذلك أعمدة اليهودية نفسها: الهيكل والسبت والختان والطقوس والتي كانت في الواقع -ضمانًا يحمي هذه العبادة- وفرض لحم الخنزير، والذي كان يُفزع اليهود ليس فقط لأن الشريعة تنهي عنه (لاويين 11: 7 وتثنية 14: 8) بل أيضًا بسبب التقاليد المتوارثة عنه، وكثيرًا ما يمتنع التلمود عن ذكر اسم الخنزير، بل يستخدم رموزًا له تدل على الكراهية، وكذلك بدائلًا للاسم مثل "شيء آخر" راجع (أمثال 11: 22 وإشعياء 65: 4 و16: 3، 17 ومتى 7: 16) وكان تقديم الخنزير كقربان، أمر شائع لدى الأمم القديمة في منطقة الهلال الخصيب (هيرودوت Herodotus 2: 57).
وقد نظر السلوقيين إلى الشريعة باعتبارها كتاب يحرّض على مقاومة الملك وعباداته، مما يعوق مسيرة التغيير التي يقودها، وبالتالي فإن امتلاك نسخة من التوراة يُعتبر في حد ذاته عملًا من أعمال التمرد (آية 56) وكان هذا الإجراء شائعًا في العالم القديم ضدّ الكتابات التي تُعتبر مضادة للحاكم والحكومة (إرميا 36)(31).
استجاب لهذا الميثاق أو هذه الدعوة كافة البلاد التابعة لمملكة السلوقيين، بل ونسبة أيضًا لا بأس بها من اليهود أنفسهم لا سيما داخل فلسطين، وذلك بعد خطابات رسمية موجهة منه إلى جميع المدن اليهودية (آية 44). ولكن ماذا تحمل هذه الدعوة في طياتها؟ إنها تعني أمرين أولهما التخلي عن مظاهر الدين اليهودي وثانيهما إقامة الشعائر الوثنية.
ففي الشق الأول مُنع الختان، وعوقب بالقتل كل من المختون ثم الذي أجرى الختان بل ومَن سعى في إجرائه (الأم مثلًا)، وقد ذكر السفر حادثة تؤيد ذلك (2 مكا 6: 10) وكان الختان على وجه الخصوص يعني "الانتماء ليهوه". وكذلك مُنعت الاحتفالات التي كانت تقام للسبت (اليوم الأسبوعي للشعائر) سواء أكان ذلك في الهيكل بأورشليم أو بالمجامع في مختلف القرى والبلاد، ثم مُنعت الذبيحة اليومية في الهيكل وهو ما يعتبر بحد ذاته كارثة بالنسبة لليهود، إذ أن وقف الذبيحة يعني تخلي الله عنهم وتخليهم هم في المقابل عن واجباتهم من نحوه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وُيلاحظ أن قرار أنطيوخس لم يُشر إلى ذبائح السلامة والخطية، وإنما المحرقات والذبيحة والسكائب، وهذه التقدمات الثلاث هي التي تمثل الخدمة اليومية المستمرة (سفر العدد 28: 3-8). هذا وُيورد يوسيفوس نصّ خطاب من أنطيوخس يعفي السامريين من الاضطهاد، حيث يرد أن السامريين قدّموا التماسًا إلى أنطيوخس ألاّ يعتبرهم مثل اليهود حتى وأن كانت هناك بينهم صلة قربى(32).
وفي المقابل أمر بتقديم الذبائح للإله زيوس في القرى والمدن فماذا كان يعني ذلك؟
54وفي اليوم الخامس عشر من كسلو في السنة المئة والخامسة والأربعين، بَنَى الملك شناعة الخراب على مذبح المحرقات، وبنوا مذابح في مدن يهوذا من كل ناحية 55وكانوا يحرقون البخور على أبواب البيوت وفي الساحات. 56وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار. 57وكل من وُجد عنده سفر من العهد أو اتبع الشريعة، كان يقتل بأمر الملك. 58وكانوا يعملون قوتهم شهرا بعد شهر في جميع الإسرائيليين المأخوذين في المخالفة في المدن. 59وفي اليوم الخامس والعشرين من كل شهر، كانوا يذبحون على المذبح الذي فوق مذبح المحرقات 60وكانوا، بمقتضى الأمر الصادر، يقتلون النساء اللواتي ختنَّ أولادهنَّ، 68ويعلقون أطفالهنَّ في أعناقهنَّ، ويقتلون أيضًا أقاربهنَّ والذين ختنوهم.
كان ذلك في الحقيقة بمثابة اضطهاد منظّم من قبل المملكة، وكان ذلك يعني في الفكر اليهودي: (التعدّي على حقوق الله) بحسب الترجمة اللاتينية، بينما في اليونانية التعدي على "الأوامر" أو "الشعائر" (آية 49) (33) وفي المقابل أمر الملك بإقامة المذابح على اسم الإله زيوس (زفس) في كل قرية ومدينة، وربما حدّد موقع المذبح في المكان الذي يجتمع فيه اليهود للعبادة في تلك النواحي، رغبة من الملك في إحلال عبادة زيوس محلّ عبادة يهوه، على أن تُقدم على تلك المذابح، ذبائحًا على اسم الإله الوثني في ذكرى عيد ميلاد الملك والذي كان يوافق الخامس والعشرين من كل شهر. ولا شك أن هذه العبادة كانت تحمل في طياتها عبادة الملك نفسه والذي نادى بنفسه إلهًا، أو بمعنى آخر اعتقد أنه تجسدّ للإله زيوس على الأرض!! وربما من هنا جاء لقب "إبيفانس" المرتبط باسمه (ويعني الظاهر أو المتجلّي) وهكذا فإن الذبائح كانت في الواقع تقدم باسمه وله.
وكان ذروة ذلك في الخامس عشر من شهر كسلو من سنة 145 سلوقية (ويقع في النصف الأول من ديسمبر سنة 167ق.م.) ذلك عندما جعل هيكل أورشليم هيكلًا للإله زيوس الأوليمبي، نسبة إلى الألعاب الأوليمبية التي كانت تقام بالقرب من أورشليم على شرفه، وهو يماثل ما فعله بهيكل جرزيم بالسامرة حين حّوله هيكلا للإله زيوس المضياف، وقدّم خنزيرة كذبيحة على المذبح، وهو الأمر الذي استشنعه اليهود، ورأوا فيه تحقيقًا لنبوة دانيال "وتقوم منه أذرع وتنجّس المقدس الحصين وتنزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرّب والمتعدون على العهد يغويهم بالتملقات أما الشعب الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون" (دانيال 11: 31، 32) ثم يحدد النبي الموعد بدقة بالغة فيقول "ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس الخراب حتى تطهير الهيكل ألف ومئتان وتسعون يومًا" (دانيال 12: 11 قارن مع (متى 24: 15 وما يليه).
ربما كان تقويم الاحتفالات السوري الوثني هو الذي جعل أنطيوخس يختار شهر كسلو، بينما الممارسات الطقسية اليهودية واليونانية هي التي جعلته يختار الخامس عشر، فقد بدأ تكريس هيكل سليمان في الشهر السابع (أخبار الأيام الثاني 5: 3) حيث بدأ الاحتفال في الخامس عشر من الشهر (لاويين 23: 34، 39) أما بالنسبة لليونانيين فقد كان وقت اكتمال القمر (البدر) حوالي الخامس عشر: وقتًا مناسبًا لبداية الأشياء لديهم.
ففي فينيقية كانت هناك دورة الأعياد الأدونية المنسوبة للإله الشعبي أدونيس، على مدار السنة وخاصة في نهاية فصل الحصاد في تلك المنطقة. أمّا الحثيين فكان لديهم ثمانية عشر عيدا موزعة على مدار السنة ومجموعة أخرى تأتي بعد عيد الحصاد.. أما الإغريق فكان العيد الرئيسي الكبير هو: الساتورناليا، والذي يجيء في نفس توقيت عيد الحانوكا اليهودي في شهر ديسمبر.
وكان التقويم الإغريقي تقويم ديني في جوهره، وكانت شهور كثيرة تسمى بأسماء ما يقع فيها من أعياد دينية، فالشهر الأول هو شهر هكتمبيون(يوليو/أغسطس)... وفي الشهر الرابع البيانبيسيون كان يحتفل بأعياد البيانيسيا والأسكوفوريا والثسموفوريا، وكانت نساء الأغريق في هذا الشهر(وهو الموافق لديسمبر) يعظمن دمتر ثسموروس بإقامة طقوس أرضية مخزية.
من هذا الكلام يتضح لنا لماذا اختار أنطيوخس هذا الشهر بالذات للاحتفال بعيده الوثني، إذ أن هذا الشهر حسب التقويم اليوناني الذي كان يتبعه، كان به احتفالات الدعارة الجماعية وهو الأمر الشائع والمتأصّل في منطقة الهلال الخصيب منذ أقدم العصور، وفي العصور اليونانية عرفت باسم الأعياد الأدونية، نسبة للإله أدونيس وهو إله الشمس.
فمن خلال عيد الساتورناليا "عيد الشمس التي لا تقهر" في 25 ديسمبر ومن خلال الأعياد اليونانية والكنعانية القديمة عرفنا لماذا اختار هذه الأيام بالذات ولماذا ارتبط هذا العيد المذكور هنا بالنجاسة، وذلك لإقامة طقوس الدعارة الجماعية الذي كان يحتفل به مرتين في السنة عند الربيع وفي هذا اليوم بالذات. لأن فيه يبدأ النهار يطول مرة أخرى، ونتيجة لارتباط هذه الآلهة بالشمس والخصب فقد أقاموا لها هذا العيد في هذه الفترة ..(34)
وهكذا سميت هذه التعديات " شناعة الخراب " (دانيال 9: 27) راجع أيضًا (2مكا 6: 1 - 11) والتي هي مذبح بعمل شمايم أو زيوس الأوليمبي، وهو ما يؤكده يوسيفوس من أن رجس (وثن) الخراب هو بناء مذبح الأصنام على مذبح المحرقة في الهيكل حيث وصفه قائلًا (المذبح الذي فوق المذبح) ويوحي (2 مكا 6: 2) بأنه مكرس باسم زيوس الأوليمبي(35).
وجاءت رجسة الخراب في العديد من المراجع التلمودية بـ(تمثال لزيوس الأوليمبي ( التلمود الأورشليمي - السبت 11: 4) وجاءت في مراجع أخرى: رجسة الخراب كانت وجه ملك، أو وجه كلب . والبعض قدم أبحاثا في أن رجسة الخراب كان إله الفينيقيين بعل شمايم، وهكذا جاءت في الترجمة الآرامية لمكابيين الثاني 6: 2 "بعل شامين" وقد وضعوا التمثال في واجهة الهيكل كعادة اليونان في وضع تماثيل آلهتهم في مقدمة هياكلهم.
وكان هذا السلوك وهذا التاريخ هو الطريقة التي خلّد بها أنطيوخس عمله هذا، ويقول يوسيفوس أن السامريين بالفعل كانوا يسمون أنطيوخس "الإله المتجسد". وتوحي (الآية 55) بإقامة الُنصب والتماثيل في الشوارع، وبوجود رجال دين وثنيين يجتهدون في نشر العبادات الوثنية من خلال الطقوس والثقافة.
كان ذلك لضمان اشتراك السكان، والمعنى هنا يتضمن الذبح أيضًا وليس مجرد البخور (وكان هذا الأمر معروفًا في المدن اليونانية خلال القرن الثاني ق.م. أي الذبح عند أبواب البيوت)(36) وكان في ذلك مخالفة صريحة -وربما متعمدة- لما ورد في الشريعة (تثنية 12: 5-18) راجع أيضًا إدانة الهياكل غير الشرعية في (حزقيال 16: 25، 31) كما نجد أن عبادة ملكة السماء كانت تمارس في مدن يهوذا وشوارع أورشليم.
الآيتين (58، 59): ومع الوقت راح جنود أنطيوخس ينتقمون من الرجال المخالفين لأوامر الملك، باعتبارهم جماعة معاندة تشجع آخرين على التمرد، وانتشروا كفرق إرهاب في المدن اليهودية، ويعني تعبير "شهر بعد شهر" أن أعمال العنف كانت تتجدد من شهر لآخر في مناسبة العيد الشهري في الخامس والعشرين، حيث الذبيحة الشهرية لـ"زيوس" وهو في الواقع عيد ميلاد أنطيوخس (2مكا 6: 7) وما يصاحب ذلك من رفض اليهود مما يعرضهم بالتالي للأذى.
معاقبة المختونين (الآيتين 60، 61): كان الختان على وجه الخصوص يعني الانتماء الديني والقبلي لـ"يهوه" وبالتالي فقد كان الغرض من منع الختان هو الرغبة في تفتيت هذه الهويّة، إضافة إلى تقزّز السلوقيين -لا سيما في ظل الحضارة الهيلينية- من إجراء الختان، وقد اُعتبر كل مختون مثله في ذلك مثل جميع الذين اشتركوا في عملية الختان، عمليا أو معنويًا أو دينيًا مُعرِضين جميعًا للعقاب، وفي هاتين الآيتين يتحدث كاتب السفر عن حادثة جرت بالفعل، حيث يُؤكد الوصف ذلك، [راجع (2 مكا 6: 10)].
62غير أن كثيرين في إسرائيل صمدوا وصمّموا في أنفسهم على أن لا يأكلوا نجسا، 63وارتضوا بالموت لئلا يتنجسوا بالأطعمة ولا يدنسوا العهد المقدس، فماتوا. 64وحل على إسرائيل غضبٌ شديدُ جدًا.
ومع كل ذلك فقد وقف الكثير من اليهود موقفًا بطوليًا تجاه هذا الاضطهاد، وذلك استباقًا للشهداء المسيحيين وجميع المعترفين الذين حافظوا على "حقوق الله" في مواجهة عروض الشر، ودافعوا عن الشريعة والناموس والتقليد، وهكذا وُجد العديد من اليهود ممن لم يذعنوا لهذه الدعوة.
وقد نتج عن ذلك ما يشبه "كنيسة السراديب" سواء في روما إبان عصور الاضطهاد، أو في الإتحاد السوفيتي في القرن العشرين، حيث انتشرت أماكن العبادة تحت الأرض وفي الكهوف والمغائر، وكان اليهود يمارسون احتفالات السبت في مثل هذه الأماكن بعيدًا عن رقابة السلوقيين، وكذلك الختان وبقية الصلوات والأعياد، ومراعاة الطعام الطقسي وغيرها.
وهكذا تبقت آلاف الركب التي لم تجثُ لبعل (ملوك أول 19: 18).
_____
(1) هذه المقدمة كفاتحة للسفر، نجد لها شبيها في عدة أسفار من العهد القديم، مثل: (تثنية 1: 1-4 وأستير 1:1 ويهوديت 1: 1-4 وإرميا 1: 1-3 و34: 8-11) ومن خلال تلك الافتتاحيات نحصل على أسماء ومواقع وأزمنة هامة لدراسة السفر.
(2) ينطق هذا الاسم ويكتب في العبرية "حونيا"، ولكنه يترجم أونيا في اللغات الأخرى المنبثقة عن اللاتينية، وذلك لعدم وجود حرف الحاء "ح" فيها.(انظر التعليق على اسم أونيا في الأصحاح الثاني عشر).
(3) دائرة المعارف الكتابية/كتيم- دار الثقافة المسيحية.
(4) انظر: يوناثان جولدشتاين - ص191 والمقدمة (ص 72، 73).
(5) يرد في التاريخ أن الإسكندر - وهو على دراية بتأثر الشعوب بالأساطير - ذهب إلى "جورديوم" وقام بقطع العقدة التي ترتكز عليها إمبراطورية آسيا كما تروي الأساطير!! (دائرة المعارف الكتابية. جزء 1/ الإسكندر).
(6) راجع قصة الحضارة: وول ديورانت. الجزء الرابع / ص533 - مهرجان القراءة للجميع. سنة 2001 م.
(7) أمّا عن البلاد والأمم في الآية ذاتها، فقد كانت كلمة اثنوس ethnos في اللغة اليونانية القديمة، تعني أمة ذات حكم ذاتي محلّي رغم خضوعها للإمبراطورية، وُتجمع منها الضرائب فقط بواسطة موظّفين، وقد كان ذلك بحد ذاته امتيازًا، ويرد في تاريخ استرابو أنه كانت هناك أربع أمم فقط تتمتع بهذا الامتياز داخل سوريا الجوفاء (قول سوريا) التابعة للإمبراطورية السلوقية، وهي: اليهود. أدوم. غزة. أشدود. ولكن اليهود لم يكن يُنظر إليهم كشعب ethnos بهذا الشكل في حكم الملوك الفرس أو في ظل الإمبراطورية الرومانية قبل سنة 200 ق.م. بل كدولة مستقلّة، وربما كان مفهوم اصطلاح شعب أو أمة ethnos: يونانيًا خالصا، يعني أيّ مجموعة عرقية، ولذلك لم يُستخدم في الإشارة إلى اليهود في الترجمة اليونانية لسفري عزرا ونحميا، حتى عندما أشار بوليبيوس المؤرخ إلى انتصار سكوباس على "أمة اليهود" في أحداث سنة 201/200 ق.م. لم يكن يعني التعبير بشكله الفني.
(8) لمزيد من التفاصيل عن شخصية الإسكندر وتأثيره، انظر: قصة الحضارة. وول ديورانت. الجزء الرابع - ص529-540/ مهرجان القراءة للجميع. سنة 2001 م. المرجع السابق ص529-540. وما ورد فيه يؤكد دون شك الحقائق الواردة في سفري المكابيين.
(9) راجع كتاب: مدخل إلى سفري المكابيين. ص25-32.
(10) راجع زينوفون (13: 3)، وفي الترجمة السبعينية ترجمت دياديما أيضًا بمعنى تاج الملك وجاءت في السبعينية في المواضع الآتية (أستير 1: 11)، عمامة (إشعياء 62: 6) شريط، كما في (إستير 8:15).
(11) الآثار اليهودية 12: 5.
(12) المرجع السابق.
(13) وهي السنة 137 من مملكة اليونان، ويجب أن نلاحظ أن هناك تقويمان سلوقيان، سلوقي بابلي وسلوقي مقدوني (يوناني). إذ يبدأ الأخير في ربيع سنة 312 ق.م. وهي سنة تأسيس أنطاكية، بينما يبدأ نفس التقويم في بابل في خريف 311 ق.م. فإذا كان أنطيوخس قد ملك في سنة 175ق.م. فيكون فرق الحساب بين التقويمين هو 38 سنة. بدأ العمل بالتاريخ الجديد أيام سلوقس الأول نيكانور في اليوم الأول من أكتوبر 312 ق.م (أنظر الآثار اليهودية ليوسيفوس 13: 6، 7) وبدأ اليهود العمل به في اليوم الثاني من الأسبوع (الاثنين)، الموافق التاسع من شهر تشري - سبتمبر / أكتوبر - لسنة 3450 من خلق العالم . راجع أفندوفولو في ملحق كتاب "عباءة" إيليا ل بشايسي كوستنديا 219، 5: 2 وأيضا راجع برنشتاين 8: 290. وهذا التاريخ هو سابق لخراب الهيكل بحوالي 380 سنة وهذا هو الإثبات " الآن لي عشرين سنة في بيتك: أربع مئة إلا عشرين (راجع تفسير رابي كوهين للمكابيين ومجموعة الشواهد اليهودية التراثية في هذا الموضوع . كما أن هذا التاريخ ظل معمول به في زمن الجاؤونيم وظل معمول به حتى سنة 6400 لخلق العالم (رجاء الرجوع إلى مدخل السفرين. ص 76).
(14) تاريخ يوسيفوس - الخواجا سليم نقولا. بيروت/ص 52، 53.
(15) في مقابل هذه الاهتمامات: أُولع الرومان بالألعاب الخطرة وسفك الدماء والمصارعات مع الوحوش.
(16) وكانت هذه العملية الخاصة بإخفاء الختان تعمل عن طريق خاتم ثقيل مصنوع لهذه الغاية، وهناك بحث طبي في هذه العملية التي عرفها القدماء في: Grimm, Celsus de medic
(17) انظر: مخطوطات قمران - البحر الميت / أندريه روبون- سومر- مارك فيلوننكو. ترجمة وتقديم: موسى أديب الخوري/ الجزء الثاني - ص 506/دار الطليعة الجديدة - دمشق 1998م. وكتاب ميثاق موسى هو سفر غير موحى به، كتبه شخص أسيني ما بين 30 و7 ق.م. ويحتوي على معلومات عن زمن كتابته فقط وبعض تواريخ اليهود. وأول من نشره هو " كرياني Ceriani".
(18) راجع:الديداكية، تعريب الأبوين جورج نصور ويوحنا ثابت. رابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط- الكسليك/1975م ص175-178. وكتاب الديداخي (تعاليم الرسل) راهب من الكنيسة القبطية / ص129-133.
(19) تأتي كلمة المجامر في بعض المواضع بمعنى أطباق(ربما لحفظ البخور) أمّا بالنسبة للحليات والرسوم المذهبة، فقد حطمها إذ لا يستطيع نزعها، لا سيما وأن الفعل أخذ في آية 21 يمكن أن يستعمل مكانه الفعل حطّم (راجع 1مكا 4: 57).
(20) دار جدل كثير حول ورود هاتين الكلمتين "إسرائيل" و"أورشليم ": في الآية، حيث ظن بعض العلماء أن إسرائيل هنا مضافة، بمعنى أنها وُضعت في الهامش بيد ناسخ ثم أضافها ناسخ لاحق داخل المتن، بينما رأى آخرون أن السبب هو الخلط بين الاختصار الشائع ل أورشليم Ilem واختصار إسرائيل Iel .ولكن اللبس يتلاشى إذا انتبهنا إلى أن إسرائيل تعني الشعب في حين تشير أورشليم إلى المدينة، راجع (1مكا 3: 25 " يستأصل شوكة إسرائيل وبقية أورشليم").
(21) انظر يوناثان جولد شتاين 1مكا 1: 20 . وطبقا للمؤرخين كان لأنطيوخوس أربع حروب مع مصر في أربع سنين متوالية (171 ق .م إلى 168 ق.م) وهذه هي الحرب الثانية التي أصبح بعدها سيدا على مصر باستثناء الإسكندرية (2مك 5: 1).
(22) دائرة المعارف البريطانية- الحروب السورية.
(23) بحسب ما يورده إلياس الدبس مطران بيروت المارونى، تاريخ سورية الدنيوي والديني/ عدد 427.
(24) راجع التلمود: باب يومًا " 57:1"
(25) مازال هناك جدل حول العصر الذي ينتمي إليه هذا المزمور.
(26) والكلمة اليونانية المستخدمة هنا لـ"رئيس الجزية" هي كلمة مقاربة للكلمة العبرية التي تعني "قائد المرتزقة" بحيث يُعطي معنى مزدوجًا (جناس) بالنسبة لمن يعملون لدى الملك. نجد أن المترجم اليوناني للسفر اختلط عليه الأمر عندما ترجم (رئيس الجزية) إذ ترجمها كالآتي: αρχοντα φρονολογιασ إذ أن الكلمتين متشابهتين في العبرية جدًا والاختلاف في تشكيل حرف واحد (سر هموسيم وسر همسيم).
(27) في عجرفة بوبليوس الرومانية رسم دائرة حول أنطيوخس على الأرض، مطالبًا إياه بالرد على إنذار روما قبل الخروج من هذه الدائرة!!، جاء ذلك ردًا على طلب أنطيوخس بمنحه مهلة لدراسة الأمر.
(28) أرسل أنطيوخس أبولونيوس من بعد سنتين، أو على وجه الدقة سنة وبعض السنة (ما بين نهب أورشليم في سبتمبر/أكتوبر 169ق.م. وحملة أورشليم) حيث يحسب دانيال الثلاث سنوات ونصف في (7: 25) من حملة أبولونيوس إلى السنة السبتية أوائل خريف 164ق.م. فمن المحتمل أن حملة أبولونيوس حدثت في أبريل 167 ق.م.
(29) لمزيد من التفاصيل عن تسمية مدينة داود والقلعة ومكانهما: انظر Jonathan, 1Macc. 1:29-40.
(30) كما وردت كذلك الكلمة temenos في (هوشع 8: 14) وتعني أيضًا هيكل غير شرعي.
(31) راجع: Jonathan, 1Macc. p.226
(32) راجع: Jonathan Goldstien, 1Macc. P.223 & Josephus, At xii 5:5, 260-261
(33) هذه من المرات القليلة جدًا التي يذكر فيها اسم الله في السفر في الترجمة اللاتينية، رغم عدم وجوده في السبعينية.
(34) لمزيد من التفاصيل راجع: " الحضارة الفينيقية " ل ج. كونتو وترجمة د. محمد عبد الهادي شعيرة إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 168 إلى 170 . وكتاب " الحثيون " للكاتب جرني وترجمة الدكتور محمد عبد القادر محمد وإصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب في صفحة (184 إلى 186) وكتاب: قصة الحضارة/ وول ديورانت- المجلد الثالث- إصدار مكتبة الأسرة ومهرجان القراءة للجميع صفحة 362. وكتاب: المعتقدات الكنعانية /خزعل الماجدي- صفحة 165، 166
(35) يُقال أن رجسة الخراب تتكون من ثلاثة أصنام حجرية تمثل إله اليهود ومعه الإلهة ملكة السماء وابنهما الإله ديونيسيوس.Jonathan , p.224
(36) ما تزال عادة ذبح الحيوانات على الأبواب، شائعة في الكثير من القرى في الشرق الأوسط، وأن كانت بغير دافع عقائدي.
← تفاسير أصحاحات مكابيين أول: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
تفسير مكابيين أول 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم الأنبا مكاريوس الأسقف العام |
مقدمة سفر المكابيين الأول |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/h43j6t6