محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
المكابيين الأول: |
يزخر هذا السفر بالكثير من الأحداث، إلاّ أن محوره الرئيسي هو: "الحياة الليتورجية لليهود ". فقد ثار اليهود حالما صدر الأمر بإيقاف الخدمة في الهيكل، وحَظر العمل بالشريعة. كانت الأمّة تستمد قوتها وعزاءها من الشريعة والليتورجية، فما أن اختلّت الحياة الطقسية، حتى اضطربت تبعا لذلك الحياة العامة بشتى وجوهها، وانحرفت الأمة إلى هوّة رديئة. وكان أنطيوخس أبيفانيوس قد أقام شناعة الخراب على مذبح المحرقات، وحوّل الهيكل إلى معبد للإله زيوس "زفس" (أعمال الرسل 19: 35) وسعى إلى أغرقة البلاد. ولكن اليهود ما أن حققوا أولى انتصاراتهم على السلوقيين، حتى بدأوا في إجراءات تطهير الهيكل ثم تدشينه (1)، فاستقام حال الأمة من جديد.
وهكذا فإن الهيكل هو الذي جمع كلمة الشعب ووحّد بين قلوبهم. بل أن الحكام السلوقيين كانوا كلّما أرادوا أن يسترضوا اليهود، بالغوا في إكرام الهيكل بالهدايا ومنح العديد من الحريات الدينية لهم، لعلمهم إلى أي مدى يؤثر ذلك عليهم. هذا وقد أُعيد تجديد الهيكل لاحقًا بشكل جعله تحفة فنية رائعة، على يد هيرودس الكبير، حيث استمر العمل فيه مدة 46 عامًا.
في بداية صراع اليهود مع السلوقيين، تكاتف جماعة الكهنة واللاويين والكتبة، مع الحشمونيين (متتيا الكاهن وأولاده) (2)، فما أن أن تحول الأخيرون ومالوا إلى التوسع والمكاسب السياسية، حتى تخلّوا عنهم مهتمّين بحياة الفضيلة، ومن هنا أُطلق عليهم اسم: "جماعة التقاة". واستحوذ الحشمونيين على رتبة رئاسة الكهنوت، وإذ لم يكن من السهل أن يجمع القائد ما بين الحروب والأنشطة السياسية من جهة، والعمل الكهنوتي والطقوس ودراسة الأسفار من جهة أخرى: فقد فشلوا كرؤساء للكهنة، بل كقادة سياسيين. وضعفت الأمة من جديد، لذلك يقول الله "ارجعوا إليّ أرجع إليكم " (ملاخي 3: 7).
هذا وقد نال سفري المكابيين اهتمامًا كبيرا من العلماء والمتخصّصين(1)، باعتبارها مستودعًا ثمينا للحقائق التاريخية، ومادة كتابية هامة في تفسير العديد من النبوات، لا سيما في: أسفار الشريعة وإشعياء وزكريا، ولا سيما دانيال. وهي نبوات تتعلق بتدنيس الهيكل وتطهيره واضطهاد أنطيوخس أبيفانيوس ونشاطه العسكري والسياسي، ودور البطالمة كذلك في منطقة اليهودية، ثم جماعتي اليهود الأتقياء واليهود المرتدين (المتأغرقين) وغيرها من أحداث تلك الحقبة.
كما وُجد الكثير من أخبار هذين السفرين في الكتب الأبوكريفية للعهد القديم، وهي التي يُطلق عليها اصطلاحا: " الأدب المنحول"، مثل: (نبوة أخنوخ. وصية موسى. كتاب اليوبيلات. وكتابات قمران بشكل عام) (2).
أرجو أن يجد القارئ تعزية من خلال كلمة الله في هذا السفر، بصلوات قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الأنبا إيسوزورس رئيس الدير، والذي تفضّل مشكورا بمراجعة الكتاب. ولإلهنا المجد دائمًا أبديا آمين.
دير البرموس / فبراير 2003م.
_____
(1) أصبح هذا العيد أهم الأعياد اليهودية حتى اليوم، ويسمى عيد التجديد أو عيد الأنوار (الحانوكا).
(2) يُلاحظ أثناء دراستنا وجود اصطلاح "المكابيين": وقد أطلق على الجماعة التي قامت بالثورة، منسوبين في ذلك إلى يهوذا المكابي (القائد العسكري حينئذ) بما فيهم الحسيديين (جماعة التقاة والذين تخلوا لاحقًا عن الأعمال القتالية). واصطلاح "الحشمونيين": وقد أُطلق على خلفاء متتيا الكاهن (بني حشمناي) والذين استمر نسلهم في الحكم حتى عام 34 ق.م.
(1) ومن بين أولئك: العالم: " أبل Abel, F. M " والعالم "جريم Grimm, Carl L, W. "و العالم " بيكرمان Bickerman, Elias J." وغيرهم كثيرون.
(2) وكذلك المؤرخ اليهودي يوسيفوس: وهو صاحب أهم تاريخ مكتوب عن اليهود (خارج الأسفار المقدسة)، غير أن هناك الكثير من المعلومات الخاطئة التي يوردها عن المكابيين بخلاف ما يرد في السفرين، ويرجع السبب في ذلك إلى أنه كتب تاريخه في روما، فكان بعيدا جدًا عن موقع الأحداث، كما أنه كتب بعد سنة 70 م. أي بعد الثورة المكابية بحوالي قرنين من الزمان. ومن المؤرخين المعاصرين لأحداث تلك الفترة: بوليبيوس وهو يوناني، والمؤرخ سترابو وهو روماني وتاكيتوس ولاكتنتيوس.
← تفاسير أصحاحات مكابيين أول: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/v837s9x