محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
المكابيين الأول: |
عاد الصراع من جديد بين اليهود والوريث الجديد لعرش سورية "ديمتريوس الثاني" فقد تمكّن بطليموس السادس فيلوماتور ملك مصر من مناصرته ضد الإسكندر بالاس صهره لخلافات بينهما، مما أضر بالمصالح اليهودية إلى حين. غير أن المكابيين في نهاية المطاف حققوا مكاسبًا في تلك الفترة تفوق ما حققوه قبلًا.
1وجمع ملك مصر جيوشا كثيرة كالرمل الذي على ساحل البحر وسفنا كثيرة، وحاول الاستيلاء على مملكة الإسكندر بالمكر وإلحاقها بمملكته. 2فقدم سورية متظاهرا بالسلم، ففتح له أهل المدن ولا قوة، إذ كان الإسكندر الملك قد أمر بلقائه لأنه صهره. 3وكان بطليمس عند دخوله المدن يبقى في كل مدينة حرسا من الجند. 4ولما وصل إلى أشدود، أروه هيكل داجون الُمحرَق وأشدود وضواحيها المهدومة والجثث المطروحة، ورفات الذين كان يوناتان قد أحرقهم في الحرب، وكانوا قد جعلوها كوما على طريقه. 5وحدثوا الملك بما فعل يوناتان لكي يلومه، ولكن الملك بقى صامتا. 6ولاقى يوناتان الملك في يافا بإجلال، وسلم أحدهما على الآخر وناما هناك. 7ثم شيع يوناتان الملك إلى النهر الذي يقال له ألوتارس، ورجع إلى أورشليم. 8 فاستولى الملك بطليمس على مدن الساحل إلى سلوقية الساحلية، وكان مضمرا للإسكندر سوءا. 9ثم أنفذ رسلا إلى ديمتريوس الملك قائلا: "هلم فنعقد عهدا بيني وبينك، وأهب لك بنتي التي عند الإسكندر، وتملك ملك أبيك. 10فإني قد ندمت على إعطائي ابنتي له، لأنه أراد قتلى". 11وكان يلومه على هذا طمعا في ملكه. 12ثم استرد ابنته وأعطاها لديمتريوس، وانقلب على الإسكندر، وظهرت عداوتهما. 13ودخل بطليمس إنطاكية ووضع على رأسه تاجين، تاج آسية وتاج مصر. 14وكان الإسكندر الملك إذ ذاك في قيليقية، لأن أهل تلك البلاد قد تمردوا. 15فلما سمع الإسكندر قدم لمقاتلته، فتحرك بطليمس ولاقاه بجيش شديد فهزمه. 16فهرب الإسكندر إلى ديار العرب مستجيرًا بهم، وعظيم شأن بطليمس الملك. 17فقطع زبديئيل العربي رأس الإسكندر وبعث به إلى بطليمس. 18وفي اليوم الثالث مات بطليمس الملك، وأما حراس حصونه فقتلهم أهل تلك الحصون. 19وملك ديمتريوس في السنة المئة والسابعة والستين.
في تلك الأثناء كان بطليموس يراقب عن كثب، التطورات في مملكة الإسكندر زوج ابنته، فلما رأى أن المملكة ستؤول إلى الوريث الجديد -ديمتريوس الثاني- أقحم ذاته في الأحداث متظاهرًا بأنه يبغي خير البلاد، ومن ثم صعد بجيش كبير على سواحل فينيقية، بعد انتصار يوناتان في أشدود بقليل، ورغم تباين فهم سكان تلك المناطق نيّة الملك المصري، فقد رحبوا به، لا سيما وقد كانت وصية الملك في إنطاكية أن يستقبلوه حسنًا. فقد رأى البعض أنه حليف بالطبع لصهره، بينما رأى آخرون أنه قد يضم فينيقية إلى مملكته المصرية وقد أسعدهم ذلك نظرًا لاستقرار حكم البطالمة في ذلك الوقت.
الفعل "أمر" الوارد في (آية2) Order هو ترجمة للكلمة اليونانية "entole” وهو مصطلح فني يعني " نشرة " موجهة إلى أكثر من مستلم، والمقصود هنا: أنه قد وُزع ما يشبه " البيان"، على جميع القادة والمسئولين في المدن. وقد رأى فيه المعاصرين للأحداث خيانة من الإسكندر ضد بطليموس!
أما بطليموس نفسه فقد سلك وكأنه ملك البلاد حيث استمع إلى شكاوى سكان أشدود والذين حاولوا إثارته ضد يوناتان، ولكن الملك الذي كان مشغولًا بتدبير آخر، لم يلق بالًا إلى ذلك، وإنما عمد إلى ترك حامية من جنوده في كل من البلاد التي مر بها هناك، فقد كان بطليموس يأمل من التحالف والتصاهر الحصول على "جوف سوريا" والذي كان تحت السيطرة البطلمية من قبل، فلما لم يفعل الإسكندر ذلك استاء بطليموس وانقلب عليه.
وفي إنطاكية سمع " أمونيوس" الموكل من قبل الإسكندر على مصالح البلاد بما يفعله بطليموس فخشي على عرش سيده، وبالتالي فقد دبر مكيدة لقتل بطليموس بالسم، ولكن الأخير والذي تسربت إليه أخبار المكيدة طلب من الإسكندر تسليم أمونيوس، ورفض الإسكندر مدافعًا عن وزيره، ومن هنا اعتبر بطليموس أن الإسكندر ذاته وراء محاولة اغتياله ومن هنا نشب الخلاف بينهما علانية، وخشي أهل إنطاكية من الفتنة فقاموا بالقبض على أمونيوس والذي كان قد حاول الهرب في زيّ امرأة!، وقتلوه، لا سيما وقد كانوا يبغضونه (1). ولكن ذلك لم يٌقنع بطليموس والذي انقلب جهارا على صهره، في حين أن الإسكندر ذاته لم يكن يفكر في خيانة حميه والذي أعانه قبلًا في الحصول على العرش.
أما بطليموس فقد قبل تحالف يوناتان معه، بل وأكرمه ولم يبكته بخصوص شكوى سكان أشدود، كان بطليموس في ضيافته في يافا حتى اليوم التالي حيث ودعه يوناتان حتى نهر ألوتارس(2)، ومع أن بطليموس كان مناصرًا لليونانيين والحضارة الهيلينية، وكان من المنتظر أن يتعاطف مع ضحايا يوناتان (اليونانيين واليهود المتأغرقين) وخصومه من الإكليروس، إذ كان قد أوقف استمرار الكهنوت داخل العائلة الحونية (نسل حونيا الكاهن) من رئاسة الكهنوت. ولكن بطليموس أظهر التقدير له.
نهر ألوتارس Eleutherus: وفي اليونانية Ελευθερος وهو نهر كبير ينبع من أسفل جبل لبنان شمال طرابلس، ويجري حتى البحر المتوسط، ويعرف حاليًا باسم " النهر الكبير" (جاءت في العبرية "كبير" أي الكبير)(3) ويصل طوله 30 كم حيث يفصل بين لبنان وسوريا، ويعتبر الحد الشمالي لإقليم " بقاع سورية وفينيقية " وهو النهر الذي عبره جنود ديمتريوس الثاني، هربًا من جيش يوناتان (12: 30). انظر خريطة رقم (12).
هذا وقد استولى بطليموس على جميع مدن الساحل حتى مرفأ سلوقية (السويدية الآن) على مصب نهر العاصي، وهو يكشف بذلك عن نيته الحقيقية، وأن لم تكن تلك هي خطته في البداية، بل جاءت لاحقًا.
وفي هذا الإطار قام بطليموس بنشاط دبلوماسي مع الحليف المرتقب ديمتريوس الثاني، وعند ذاك لم يعد خافيًا الشر الذي أضمره لصهره الإسكندر، وبالرغم من العداء الذي كان يكنه لأبوه ديمتريوس الأول، فها هو يعرض عليه تمكينه من عرش سوريا بل ويهبه كليوباترا زوجة، وهو يعلل ذلك بأن الإسكندر رام قتله، وبحسب المؤرخين فإن بطليموس قد اشترط على ديمتريوس -وهو ما يزال خارج أنطاكية- إعادة جوف سوريا إلى السيادة البطلمية، الشرط الذي وافق عليه الآخر من فوره، إذ لم يكن بإمكانه استعادة عرش أبيه بتلك السهولة. وكان بطليموس يعتبر "جوف سوريا" هدية له من أمه كليوباترا، في الأصل، بينما ترك هو إنطاكية بإرادته لديمتريوس الثاني.
وبدأ بطليموس في إثارة أهالي أنطاكية على الإسكندر لخلعه من الملك، وكان الأهالي يرون أنه لا خير - في الحقيقة - لا في الإسكندر ولا في ديمتريوس سواء السابق أو الآتي! وذلك بسبب الشرور التي ألحقها بهم الاثنين السابقين، وما زال بطليموس في مسعاه، حتى خرج الإسكندر مرغمًا ليذهب إلى قيليقية. وبينما هو هناك يعانى القلق والجزع من مصيره ومصير مملكته -والتي كانت ما تزال حديثة بالنسبة له- قامت ثورة عليه في قيليقية نفسها وبينما هو يحاول إخمادها، كان بطليموس قد دخل أنطاكية وجلس على عرشها، فما كان من تريفون (ديودوتس) والوزير الآخر المسمى "هيراكس" واللذين كانا مناصرين للإسكندر ويتوليان شئون البلاد - بعد أمونيوس الذي قتل كما سبق - إلاّ أن سلما تاج سوريا (ويسمى أيضًا تاج آسيا) إليه اعترافًا به ملكًا عليها، بل أيدهما الشعب في ذلك. فلبس بطليموس التاجين: تاج مصر وتاج سوريا، دليلًا على أحكامه السيطرة على تلك المنطقة الشاسعة بكاملها، ثم يظهر بعد ذلك وكأنه وهب ديمتريوس الثاني: أنطاكية.(4) لقد هتف أهالي أنطاكية لبطليموس معترفين به ملكًا، وبهذا تحققت رغبة قديمة لأنطيوخس الرابع أبيفانيوس في توحيد مصر وسوريا تحت تاج واحد، غير أنها تحققت بطريقة عكسية، إذ لبس ملك مصر هذا التاج..! ولكن وخشية أن يثير غضب روما فقد أعلن للأنطاكيين أنه سيكتفي بعرش مصر، مراقبًا مملكتهم وصهره الجديد فيها.
ولكن أين كان الإسكندر أثناء هذه الاتصالات؟ الأرجح أن ديمتريوس الثاني كان في قيليقية يطالب بعرشه، بينما كان الإسكندر في أنطاكية (10: 68) مما يسهل على بطليموس المصري نزع المملكة من الإسكندر وإهداءها إلى ديمتريوس. بل أن يوسيفوس يشير إلى قيام قواد جيش الإسكندر بإثارة الشعب في أنطاكية ليقوموا بثورة ضد الإسكندر الميئوس من قضيته، وكان قد غادر أنطاكية مما سهّل أيضا حضور زوجته كليوباترا لملاقاة والدها بطليموس، وبالتالي أخذها وتسليمها من قبله إلى زوجها الجديد. هكذا دخل بطليموس إلى أنطاكية دون معارضة وفي غير وجود الإسكندر الذي كان من البديهي أن يختفي ويخفي مكان وجوده عن الآخرين.
واجتمعت إلى ديمتريوس الثاني الكثير من الجنود الذين كان الإسكندر قد سرّحهم، وانضم إليهم جيش تابع لبطليموس كان قد تركه في جوف سوريا، والتحمت الجيوش: جيوش ديمتريوس وبطليموس من ناحية وجيش الإسكندر من ناحية أخرى، وذلك عند شاطئ نهر أونوباراس Onoparas أحد روافد نهر الأرنت (العاصي) والذي يصب في البحيرة التي في جنوب شرق أنطاكية حيث هزم الإسكندر، بينما أصيب بطليموس بجرح في رأسه أفقده الوعي لأربعة أيام قبل أن يفارق الحياة أثناء جراحة أُجريت له(5). وكان ذلك في أغسطس/سبتمبر عام 145 ق.م.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، فقد عمل انطيوخس الرابع مع بطليموس السادس الشيء ذاته، حيث توج نفسه في ممفيس، ثم عين بطليموس ملكًا وكأنه تابع له، هكذا قام بطليموس بتتويج نفسه على مصر وسلوقية ثم عين ديمتريوس الثاني وكأنه تابع له، وكما تعين بطليموس السادس ليس كسليل البطالمة هكذا تعين ديمتريوس ليس كسليل السلوقيين! وفي حين فشل انطيوخس في مواجهة روما بل خضع لسفرائها في الإسكندرية، فإن بطليموس لو عاش لاستطاع تكوين جيش قوي يعتمد عليه في عدم الخضوع لروما، لا سيما وأنها في ذلك الوقت كانت قد أُنهكت بسبب الحربين " البونية والاخائية".
كان الإسكندر قد سار من أنطاكية إلى كيليكية وقد دار حول جبال "الأمانوس" الوعرة بدلًا من تخطيها، ويرد في تاريخ يوستين أن جيش الإسكندر قد فر من أمام ديمتريوس ولكنه من غير الواضح إن كان قد فر قبل المعركة أو أثناءها.
أما الإسكندر فقد هرب بصحبة خمسمائة فارس إلى مكان يدعى "عبّاي" في منطقة العربية (6)، عند: "زبديئيل العربي" والذي بدلًا من حمايته ونجدته قام بقطع رأسه ليرسلها إلى بطليموس والذي أفاق أثناء غيبوبته ليراها ويشعر بالارتياح لنجاح مسعاه، قبيل موته.
ويقول ديودورس المؤرخ أن "هيلياس وكاسيوس" وهما قائدان في جيش الإسكندر، قاما بإبرام اتفاق مع ديمتريوس يقتلان بموجبه الإسكندر، حتى يضمنا نجاتهما، وربما كان أحد هذين القائدين عربيًا باسم زبدئييل.
زبديئيل Zabdiel: وهو اسم عبري معناه " الله أعطى" ويسميه ديودورس باسمه اليوناني " ديوكليس" وهو أمير إحدى القبائل العربية في جنوب حلب قرب بلدة "خلقيس" وهو أبو " إيملكوئيل العربي" (آية 16 - 18) بينما يسميه يوسيفوس " زابيلوس بن ملخوس" وفي موضع آخر: δυναστης، كما جاء في نقش تدمري من سنة 155 ق.م: " زبدئيل وهو زبد الله"(7). ويذكر ديودورس أيضًا أن الإسكندر كان قد أودعه ابنه أنطيوخس (آية 39) وقد عُثر على نقش في منطقة " بالميرا " يرجع إلى سنة 155 ق.م. ويحمل اسم زبديئيل. فإذا صحّ كلام ديودورس فسيكون زبديئيل قد عمل كقائد عسكري لحساب الإسكندر أولًا.
وهكذا مات الاثنان لتؤول مملكتيهما إلى آخرين، فقد فقد الإسكندر العرش الذي انتزعه من ديمتريوس الأول، بينما لم يهنأ بطليموس بجوف سوريا، الذي قام برحلته المضنية سعيًا لضمّه إلى مملكته.
20في تلك الأيام، جمع يوناتان رجال اليهودية لفتح القلعة التي في أورشليم، ونصب عليها مجانيق كثيرة. 21فذهب قوم من مبغضي أمتهم، من الرجال الأثمة، إلى الملك وأخبروه بأن يوناتان يحاصر القلعة. 22فلما سمع غضب غضبا شديدًا وسار من ساعته قاصدًا بطلمايس، وكتب إلى يوناتان أن يكف عن محاصرة القلعة وأن يبادر إلى ملاقاته في بطلمايس للتداول. 23فلما بلغ ذلك يوناتان، أمر بأن يواصلوا الحصار، واختار بعضا من شيوخ إسرائيل والكهنة، وخاطر بنفسه. 24وأخذ من الفضة والذهب والحلل وسائر الهدايا شيئًا كثيرا، وذهب إلى الملك في بطلمايس، فنال حظوة لديه. 25ووشى به قوم من الأمة من أهل الإثم، 26إلا أن الملك عامله كما كان أسلافه يعاملونه، وعظمه لدى أصدقائه جميعًا. 27وأقره في الكهنوت الأعظم وفي كل ما كان له من الامتيازات، وجعله من أول أصدقائه. 28وسأل يوناتان الملك أن يعفي اليهودية والأقضية الثلاثة وأرض السامرة من كل جزية، ووعد بثلاث مئة قنطار.
هذا وُيوصف أولئك اليهود المعارضين للحشمونيين ب"مخالفي الناموس" سواء أكان ذلك في النص العبري "بنى بليعال" أو في اليوناني "أندريس بارانومي" آي " مخالفو الناموس" فهم يرفضون الاعتراف بأن سلطة الحشمونيين هي من الله، راجع (5: 55 - 62 و7: 6،7).
وبينما علق يوناتان الهجوم على القلعة، أوصى جنوده بمواصلة الحصار، ريثما يتضح ما يسفر عنه ذلك اللقاء، وقد استطاع يوناتان أن يبهر الملك بموكبه وهداياه، تمامًا كما سلك من قبل أمام بطليموس والإسكندر بالاس، ولقد كانت مغامرة منه أن يذهب بنفسه إلى الملك، غير عابئ بالأخطار، إذ قد يُصبح فريسة سهلة للقتل أو الأسر. غير أنه وجد نعمة في عينيه.
وعادت الجالية اليهودية في بطلمايس من جديد إلى محاولة تشويش صورة يوناتان، كما فعلوا من قبل ولكن الملك لم يسمح لهم أيضًا بل ثبته في مكانه وفي كهنوته ورتبته: "صديق الملك".
كما انتهز يوناتان الفرصة لكي يؤكد إعفاء اليهودية والمدن الثلاث المذكورة في (10: 30) على أن تستبدل جزية رئيس الكهنة المتوجبة عليه سنويا منذ زمن بعيد، ومقدارها 300 قنطار، وذلك بالضريبة العقارية المتوجّبة على تلك المناطق، وهو ما قد وعد به أبوه ديمتريوس الأول سابقًا.
ووافق الملك إذ رأى في ذلك تحالفًا مع اليهود يضمن به تأمين المنطقة اليهودية لصالحه، وكذلك لضمان عدم انضمامها إلى البطالمة أو إلى أعدائه متى تعرّض لأي مُطالب جديد بالعرش، شأن تلك الأيام التي شهدت تقلبات سياسية سريعة.
29فرضى الملك وكتب ليوناتان كتبا في ذلك كله، وهذه صورتها: 30من ديمتريوس الملك إلى يوناتان أخيه وأمة اليهود سلام. 31نسخة الكتاب الذي كتبناه في شأنكم إلى لسطانيس قريبنا، كتبنا بها إليكم أيضا لتقفوا على مضمونها: 32من ديمتريوس الملك إلى لسطانيس أبيه سلام. 33لقد رأينا أن نحسن إلى أمة اليهود أصدقائنا المحافظين على ما يحق لنا وفاء بما سبق من برهم لنا. 34فنقر لهم أراضي اليهودية والأقضية الثلاثة، وهي أفيرمة ولدة والرامتائيم التي ألحقت باليهودية من أرض السامرة، وجميع توابعها، فتكون لجميع الذين يذبحون في أورشليم، بدل الضرائب الملكية التي كان الملك يستخرجها منهم قبلا في كل سنة من محصولات الأرض وثمار الأشجار. 35وأما سائر ما يحق لنا من العشور والضرائب ووهاد الملح والأكاليل، فقد أعفيناهم منه جميعا. 36ومن الآن لا يلغى شيء من هذا الإنعام ما طال الزمان 37فاعتنوا الآن باستنساخ هذا الكتاب، ولتسلم النسخة إلى يوناتان ولتوضع في الجبل المقدس في مكان مشهود".
وبموت الإسكندر أصبح يوناتان عضوا في بلاط ديمتريوس الثاني، وفي مقابل شك البعض في شرعية الإسكندر، فإن يوناتان في المقابل تقلد رئاسة الكهنوت من قبل الملك السلوقي - غير المشكوك فيه- ديمتريوس الثاني، على الرغم من أن الامتيازات التي منحها ديمتريوس له أقل من تلك التي منحه إياها الإسكندر، إذ أن لقب صديق من الدرجة الأولى لا يرقى إلى مستوى رتبة " مُقرّب"(1مكا10: 89) وقد منحته هذه الامتيازات حق حشد الجيوش وتصنيع الأسلحة (10: 6) إضافة إلى منصبي: " القائد والشريك Strategos and meridarches " (10: 65) وكذلك حيازة مدينة عقرون (10: 89).
ولكن من هو لسطانيس هذا الذي يطلب إليه الملك إبلاغ المعاهدة في أنحاء المملكة؟
لسطانيس Lasthenes: هو لسطانيس الكريتي حاكم سورية وأحد المقربين من ديمتريوس الثاني، وكان مسئولًا عن تجنيد المرتزقة في الجيوش، وطبقًا لما يورده يوسيفوس، فإنه كان عريق الحسب والنسب، وأنه هو الذي قام بقيادة جيوش الملك عند نزوله أولًا إلى الساحل آتيا من روما، كما ساعده أيضًا في الاستيلاء على عرش الإسكندر، ويبدو لسطانيس هنا كرئيس لوزراء ديمتريوس ومن كبار رجاله، وأماّ عن دعوته إياه بـ"أبيه" فهو لقب توددي، قد يشير أيضًا لخدمات قدمها له في حداثته.
وأمّا الأقضية (المقاطعات) الثلاثة، فهي - تابعة للسامرة وهي:
أفيرمة Aphairema: من الاسم إفرايم وهو عبري معناه "الثمار المتكاثرة" وبالآرامية "عفاريم" وباليونانية " Αφαιρεμα أو(8) Αφερεμα.
وهي أراضي إفرائيم أو (أورفا) وتقع على مسافة عشرين كيلومترا شمال شرق أورشليم، ومسافة أحد عشر كيلو مترا شمال بيت إيل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). هذا وتسمّى أفيرمة أيضًا "غزة إفرائيم" كما تدعى "الطيّبة" راجع (يشوع 18: 23) كما سُميت قبلًا " لود" راجع (عزرا 2: 33).
كانت تتبع السامرة في الأساس (صموئيل الثاني 13: 43 وأخبار الأيام الثاني 13: 19 ويوحنا 11: 54) غير أن يهوذا المكابي كان قد استولى عليها وضمّها إلى اليهودية بسبب ما كانت تسببه من مضايقات لليهود، وقد كانت هذه المقاطعة مع المقاطعتين الأخريين (لدة والرمتائيم) ورقة مساومة هامة في المحادثات العديدة التي دارت بين اليهود والسلوقيين على مدار سنوات طويلة، فقد وافق السلوقيون في البداية نتيجة مباحثاتهم في عهد ديمتريوس الأول، على ضمها إلى اليهودية شريطة أن يؤدوا عنها جزية تتمثل في ثلث غلال الأرض ونصف أثمار الشجر، في حين تعفي مع اليهودية من الضرائب، كبادرة حسن نية، بل وأكد الملك في حينه، سلطة اليهود عليها. أما ديمتريوس الثاني هنا فانه يعفيها مع اليهودية من أية ضرائب عينية أو مادية، مكتفيًا بضريبة رئيس الكهنة والتي تؤدَّى سنويًّا، ولكن الملك سريعًا ما نقض هذه الاتفاقات.
لدة Lydda: وهي "اللّد" على مسافة ثمانية عشر كيلو مترا، شمال شرق يافا ويمنيا وعقرون، وتقع في سهل شارون، وكانت تتبع أولًا سبط بنيامين، عند تقاطع طريقين رئيسيين وهما: طريق "مصر وبابل" وطريق " أورشليم ويافا " مما جعل لها شهرة وأهمية تجارية وعسكرية واسعة، وكانت تتبع السامرة، شأنها شأن المدينتين الأخريين حتى سنة 153 ق.م. قبل أن تلحق باليهودية، وبحسب يوسيفوس فقد كانت " لدة " ضمن أحد عشر قسمًا، قسمت اليهودية إليها ذات وقت(9). ولكونها تقع بالقرب من يافا فقد وهبها يوليوس قيصر إلى يوحنا هركانوس، ولكن بعد موت القيصر بيع سكانها مع سكان مدن أخرى حولها، عن طريقّ كاسيوس" وذلك لعجزهم عن دفع الجزية المتوجبة عليهم، ولكنه أعفي عنهم لاحقًا عن طريق مرقس أنطونيوس، غير أن سكانها عانوا أيضًا كثيرًا تحت حكم " كاسيتوس جالينوس" والذي أحرق المدينة سنة 66 ق.م. بينما كان أهلها يحتفلون بعيد المظال في أورشليم، ولما جاء فاسبسيان أسكن فيها الوثنيون، وبعد خراب الهيكل سنة 70م. صارت مركزًا للتعليم، وفي سنة 200م. أصبحت مقاطعة رومانية سميت "ديوسبوليس" حيث أصبحت مركزا تجاريًا هامًا للرومان.
وقد صارت لدة أسقفية لها أسقف خاص، ومنها خرجت بدعة بيلاجيوس سنة 415 م. وتحت الحكم الإسلامي كانت عاصمة محلية، وقد أنشأ بها الصليبيون كاتدرائية كبيرة، وذلك مكان الكنيسة التي دمرها المُسلمون هناك وكانت تسمى لمدة طويلة "سان جورج" حيث استشهد فيها الشهيد مارجرجس سنة 303 م. وفي سنة 1191 م. هدم صلاح الدين الكاتدرائية، ثم أكمل المغول بعد ذلك هدمها سنة 1271 م. أما العرب فقد أعادوا تسمية المدينة "لود" وتقع الآن على مسافة 18 كم. شرق تل أبيب ملاصقة لمطار إسرائيل الدولي.
الرمتائيم Ramathaim: وهي "الرامة" موطن ألقانة وحنة (صموئيل أول 1: 19 و2: 11) وسميت أيضا " رمتائيم صوفيم" (الرامة/ صموئيل أول 1: 1) وتأتي في اليونانية Ραμαθεν ووردت في يوسيفوس: Ραμαθα، وفي السريانية " راماتيم " . وتقع في جبل أفرايم على مقربة من شيلوه، وفيما بعد جعلها صموئيل مركزًا له، ويؤكد يوسابيوس أنها كانت تقع بالقرب من لدة، وهي التي ينتسب إليها يوسف الرامي والذي صار له شرف دفن المسيح في قبره الخاص. ويظن العلماء أنها الآن إما أن تكون "بيت ريما" على مسافة واحد وعشرون كم شمال شرق لدة، ومسافة تسعة عشر كيلومترا شمال غرب بيت إيل أو "رام الله". وعلى مسافة ثلاثة عشر كيلومترا جنوب غرب لدة في سهل شارون. ويرى البعض أنها الآن قرية (النبي صموئيل) وربما (بيت ريما) بين اللد وشكيم أو رامتيس Remtis بعد ذلك إلى الغرب.
وكانت هذه الولايات الثلاث معروفة جيدًا لمطالعي رسالة ديمتريوس، وهذه الولايات وأن لم تكن قبلًا جزءا من اليهودية، إلاّ أنها كانت تحت سيطرة يهوذا، وربما كانت تحت إدارة يوناتان إذ يزعم اليهود حقهم التاريخي في المنطقة كلها مدعين أن الإسكندر الأكبر قد منحهم إياها، وهكذا يفهم من رسالة ديمتريوس إما أنه يعترف ضمنًا بمنحة الإسكندر الأكبر هذه أو الاعتراف بالوضع القائم (الأمر الواقع)، وربما كان ديمتريوس يود سحب هذه الولايات من السامرة إلى اليهودية لتصبح تحت حكم رئيس الكهنة الذي لم يتم اختياره بعد، لا سيما وقد كان هناك من اليهود من يكره يوناتان. انظر خريطة رقم (13).
وكانت كلمة "ولاية nomos" في اللغة اليونانية تطلق على أقاليم مصر، ولذلك فاستخدام كل من ديمتريوس الأول والثاني لها قد يكون بتأثير حكم البطالمة لها، في حين كان المصطلح السلوقي هو " أقاليم toparchies" وهكذا ظهر ديمتريوس كمن يشتهي أن يترك لليهود كل فلسطين غرب الأردن بل وعبر الأردن أيضا.
يقول الملك في تلك الوثيقة أن دخل هذه المدن يخصص للذين يذبحون في أورشليم، وقد ظن البعض أن المقصود هو الكهنة واللاويون وخدام الهيكل، ولكن المقصود هو اليهود الوطنيين المحافظين الأرثوذكس وليس اليهود المتأغرقين الساكنين خارج أورشليم، ويذكرنا ذلك بسؤال المرأة السامرية للسيد المسيح "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه (يوحنا 4: 20) وتقصد مكان العبادة الحقيقية حيث نظر إلى الذين يذبحون في هيكل جزريم بالسامرة باعتبارهم ليسوا يهودا حقيقيين.
ورغم قائمة الإعفاءات هذه فقد بقيت الضرائب الموضوعة على الغلال تحق للملك، رغم ما طلبه يوناتان بخصوصها، كما بقيت كذلك جزية الـ300 قنطار الخاصة برئيس الكهنة، وهكذا ومع أن عرض ديمتريوس الثاني جاء أقل في قيمته من عرض ديمتريوس الأول، حيث لم يرد فيه أيضًا ردّ القلعة، ولا هبات مالية تدفع لأعمال البناء ونفقات العبادة. إلاّ أنه كان أكثر صدقًا من الأول.
وفي النهاية يطلب أن تعدّ من المعاهدة عدة نسخ توضع في أنحاء المملكة، واحدة منها تسلم ليوناتان لوضعها في مكان عام بجبل الهيكل. وكان الإجراء المتبع في النظام الهيليني: أعطاء متلقى الإنعام نسخة من الإنعامات، منقوشة في الغالب على الحجر أو المعدن راجع (8: 22).
هذه الوثيقة تُعدّ أقدم وثيقة حكومية باقية فيها إشارة إلى الدور السياسي لرئيس الكهنة كقائد للأمة، ومنذ ذلك الحين بدأ ت تظهر في العملات اليهودية الإشارة إلى الزعيم الحشموني والأمة اليهودية.
هذا وكان منصب رئيس الكهنة في فترة الهيكل الثاني هامًا، إذ عمل كقائد للأمة من قبل الحكام الذين يحكمون المنطقة، ونقرأ في التاريخ أن يهود مستعمرة "الفنتين" (في أسوان بمصر) عندما احتاجوا إلى المساعدة راسلوا يوحنا رئيس الكهنة واتباعه من الكهنة في أورشليم، وكذلك "أوستانيس Ostanes" شقيق "حناني" وكذلك نبلاء اليهود.
هذا وقد منحت السلطات السلوقية صلاحيات هائلة لكل من حونيا الثالث ثم ياسون ومنلاوس وألكيمس وأن كان هؤلاء قد لاقوا أيضًا صعوبات كثيرة من المعارضين اليهود، راجع (2 مكا3: 1، 4؛ 4: 1-50؛ 5: 23؛ 1مكا 9: 23-27، 54-57) ومع كل ذلك فقد كان من الممكن سحب هذه الصلاحيات ومنحها لأي شخص آخر علماني.
38ورأى ديمتريوس الملك أن الأرض قد استراحت أمامه، لا ينازعه منازع، فسرح جميع جيوشه، كل واحد إلى بيته، ما خلا الجنود الغرباء الذين جاء بهم من جزر الأمم. فمقته جيوش آبائه كلهم. 39وكان تريفون من أنصار الإسكندر قبلًا، فلما رأى أن الجيوش جميعا تتذمر على ديمتريوس، ذهب إلى أيملكوثيل العربي، وكان يربى أنطيوخس بن الإسكندر. 40فألح عليه أن يسلم الولد إليه لكي يملك مكان أبيه، واخبره بكل ما أمر به ديمتريوس وبما تكنه له الجيوش من البغض ومكث هناك أياما كثيرة.41وأرسل يوناتان إلى ديمتريوس الملك أن يخرج الجنود الذين في القلعة من أورشليم والذين في سائر الحصون، لأنهم كانوا يحاربون إسرائيل. 42فأرسل ديمتريوس إلى يوناتان قائلًا: "سأفعل ذلك لك ولأمتك، بل سأعظمك أنت وأمتك تعظيما متى سنحت لي فرصة. 43والآن فإنك تحسن عملا إذا أرسلت إلى رجالا يكونون في نجدتى، فقد خذلتنى جيوشى كلها". 44فوجه يوناتان ثلاثة آلاف محارب بسلاء إلى أنطاكية، فوافوا الملك ففرح الملك بقدومهم. 45واجتمع أهل المدينة في وسط المدينة، وكانوا مئة وعشرين ألف رجل يحاولون قتل الملك. 46فهرب الملك إلى داره، فاستولى أهل المدينة على شوارع المدينة وشرعوا في القتال. 47فدعا الملك اليهود لنجدته، فاجتمعوا إليه كلهم، ثم تفرقوا بجملتهم في المدينة، فقتلوا في المدينة في ذلك اليوم مئة ألف رجل. 48وأحرقوا المدينة وأخذوا غنائم كثيرة في ذلك اليوم وخلصوا الملك، 49فلما رأى أهل المدينة أن اليهود قد استولوا على المدينة يفعلون ما شاءوا، خارت عزائمهم وصرخوا إلى الملك متضرعين وقالوا: 50"مد لنا يمناك، وليكف اليهود عن محاربتنا وعن محاربة المدينة" 51فألقوا السلاح وعقدوا الصلح. فعظم أمر اليهود عند الملك وعند جميع أهل مملكته. ثم رجعوا إلى أورشليم بغنائم كثيرة. 52وجلس ديمتريوس الملك على عرش ملكه، وهدأت البلاد في قيادته. 53ولكنه أخلف في كل ما وعد، وانقلب على يوناتان، وكافأه بخلاف ما صنع إليه من المعروف، وضيق عليه كثيرًا.
ما أن هدأت الأمور وشعر ديمتريوس باستتاب الملك، حتى انصرف هو الآخر بدوره إلى حياة الترف والمجون موكلًا أمور البلاد إلى شخص يدعى "لستانيس" المشار إليه في (آية 30) وهو كريتى عاون ديمتريوس أثناء حربه مع الإسكندر، فلما استولى على العرش قرّبه إليه وقام لستانيس بتجنيد الكثير من الكريتين كمرتزقة (حيث يقصد بجزر الأمم " آية 38 " جزيرة كريت) وهو الذي أوعز إلى ديمتريوس بقتل الحراس الذين تركهم بطليموس في المدن كحاميات مصرية، وهو الأمر الذي أغضب الجنود المصريين الذين كانوا يمثلون قسمًا من جيش ديمتريوس وقفلوا عائدين إلى مصر، ثم أردف الملك ومعاونه ذلك، بقتل كل من خالفه، كما قام بتسريح أغلب جنوده ولم يبق إلاّ على المرتزقة الكريتين مما أوغر صدور رعيته ضده. جدير بالذكر أن النظام العسكري في العصر الهيلينى كان يهتم كثيرًا بالجنود المسرّحين والمتقاعدين (قدامى المحاربين) حيث توهب لهم امتيازات خاصة، بل تم تخصيص بعض المدن لهم للسكنى والاستجمام، ولكنه كثيرًا ما كانت الحكومات تتقاعس عن منح مثل تلك الامتيازات مما كان يشكل خطرًا كبيرًا على الدولة من قبل هؤلاء الجنود.
إيملكوئيل العربي Imalkue: اسم عبري معناه "الممسوح من الله ملكًا" وهو ابن زبدئيل المذكور في (آية 17) جاء في العبرية (يمّلكو) وباليونانية Ειμαλκουαι أو Ιμαλκουε. وكان رئيس قبيلة عربية في خلقيس جنوب حلب ويُرجح أن يكون الصبي الملك قد اختبأ لدى ايملكوئيل في المنطقة ما بين "بالميرا Palmyra" و"إميساEmesa " حيث تقع الأولى على مسافة 140 كم من حدود شرق الثانية، وكان الطريق بين بالميرا وأنطاكية وعرًا طويلًا، ولكن البعض يحددون "اميسا" كمكان مرجح لاختباء الصبي هناك، ويدعوه يوسيفوس "ملخس" أي "ملك"(10) وكان أنطيوخس الصغير ابن الإسكندر بالاس في عهدته، فمضى إليه تريفون يقنعه بتسليم الصبي شارحًا له ما آلت إليه المملكة من السوء، ولم يرحب إيملكوئيل بالفكرة في بادىء الأمر، مما اضطر تريفون إلى البقاء هناك مدة طويلة حتى حقق رغبته وتسلّم الصبي، هناك ألبسه التاج ونادى به ملكًا.
وبينما انتهز يوناتان الفرصة للضغط على ديمتريوس بسحب قواته السلوقية من القلعة، فإن ديمتريوس فعل الشيء ذاته، إذ انتهز الفرصة أيضًا فوعده بذلك على أن ينجده بارسال بعضًا من جيشه لاخماد الثورة في مملكته. وقد فوجئ جيش يوناتان والذي كان أشبه "بالقوات الخاصة" أنهم في مواجهة عصيان مدني كبير يضم مئة وعشرون ألفًا من الناس أغلبهم من عامة الشعب، وقد انتشروا يعيثون فسادًا على نطاق واسع.
وبحسب يوسيفوس فإن مواطني أنطاكية تحركوا ضد ديمتريوس قبل أن يحشد المزيد من القوات، ولذلك فقد استنجد باليهود والمرتزقة معًا، وقد ثار المواطنين في البداية، ولكن الحال تبدل عندما صعد اليهود إلى أعلى القصر وأصلوا الثوار بقذائف من أعلى حيث ابعدوهم عن المنطقة المحيطة بالقصر، وبسبب اشتعال النيران جاهد الثوار لأنقاذ ما يمكن من أسراهم، ولكن كثيرون ماتوا قتلى بالسيف أو النار بينما استسلم الباقون، وقد قام ديمتريوس بنزع سلاح الثوار ثم أعدم الكثير منهم مع زوجاتهم وأولادهم، وينسب يوسيفوس احراق المدينة (آية 48) إلى ديمتريوس ذاته، وقد نتج عن ذلك أن تفرق الكثير من الثوار في انحاء سوريه حيث انضموا بعد ذلك إلى تريفون الثائر الذي مكّن الملك الصغير من عرش البلاد.
وقد ينظر إلى عدد القتلى لأول وهلة باعتباره مبالغًا فيه، ولكن إذا عرفنا أنهم لم يكونوا جنودًا مدربين على القتال، وإنما من عامة الشعب فإنه يسهّل اصطيادهم من قبل جنود يوناتان والذين كانوا قد وعُدوا مسبقًا بالغنائم وأن يدفع ديمتريوس فاتورة نجاته بتلبية مطالب يوناتان.
ولكن ديمتريوس ما أن استردّ أنفاسه وهدأت البلاد من جديد، حتى تراجع في وعوده، ويقول يوسيفوس في هذا الخصوص أن ديمتريوس الثاني طالب بدفع الجزية من جديد (ربما بعض الضرائب التي كان قد تنازل عنها سابقًا) ولم يسحب قواته من القلعة.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وعلى وجه العموم فإن اخلاف الملك في وعوده قد كلفه كثيرًا كما سنرى.
54وبعد ذلك رجع تريفون ومعه أنطيوخس وهو ولد صغير، فملك أنطيوخس ولبس التاج. 55فاجتمعت إليه جميع الجيوش التي سرحها ديمتريوس، وقاتلت ديمتريوس ففر منهزما. 56فاستولى تريفون على الأفيال، ثم فتح أنطاكية. 57وكتب أنطيوخس الصغير على يوناتان قائلًا: "إنى أقرك في الكهنوت الأعظم، وأقيمك على الأقضية الأربعة وأتخذك من أصدقاء الملك". 58وأرسل إليه آنية من الذهب وأدوات للمائدة، وأذن له أن يشرب في الذهب ويلبس الأرجوان وعروة الذهب. 59واقام سمعان أخاه قائدًا من عقبة صور إلى حدود مصر. 60وخرج يوناتان وطاف في شرق النهر وفي المدن. فجتمعت لمناصرته جميع جيوش سورية. وقدم اشقلون فلاقاه أهل المدينة باحتفال. 61وأنصرف من هناك إلى غزة، فأغلق أهل غزة الأبواب في وجهه، فحاصرها وأحرق ضواحيها بالنار ونهبها 62فسأل أهل غزة يوناتان، فمد لهم يمناه، ولكنه أخذ أبناء رؤسائهم رهائن وأرسلهم إلى أورشليم. ثم جال في البلاد إلى دمشق. 63وسمع يوناتان أن قواد ديمتريوس قد وصلوا إلى قادش الجليل في جيش جرار يريدون أن يعزلوه عن الولاية 64فزحف لملاقاتهم وترك سمعان أخاه في البلاد. 65فحاصر سمعان بيت صور وحاربها أياما كثيرة وطوقها. 66فسألوه الصلح فصالحهم وأخرجهم من هناك وفتح المدينة وأقام فيها حرسًا. 67وأما يوناثان وجيشه فعسكروا عند مياه جناسر، ووصلوا قبل الفجر إلى سهل حاصور. 68فإذا بجيش الغرباء يلاقيهم في السهل، وقد أقاموا كمينا في الجبال. فبينما هم يتقدمون تجاههم، 69خرج الكمين من مواضعه وشن القتال. 70ففر رجال يوناثان جميعًا، ولم يبق أحد إلاّ متتيا بن أبشالوم ويهوذا بن حلفي، قائدا الجيوش. 71فمزّق يوناتان ثيابه وحثا التراب على رأسه وصلّى. 72 ثم عاد إليهم يقاتلهم، فانهزموا وهربوا. 73ولما رأى ذلك الذين هربوا من رجاله، رجعوا وتعقّبوا العدو معه إلى قادش إلى معسكره، وعسكروا هناك. 74فسقط من الأجانب في ذلك اليوم ثلاثة آلاف رجل. ورجع يوناتان إلى أورشليم.
أنطيوخس: والمقصود هنا هو أنطيوخس السادس أبيفانيوس ديونيسيوس، ويلقب أحيانًا "ثيوّس" أي المؤله، وقد استمر في الملك شكليا خلال الفترة (145 - 142 ق.م.) وهو ابن الإسكندر وكليوباترا ثيا ابنة بطليموس فيلوماتور، فلما آلت الأمور إلى درجة كبيرة من السوء والخطورة في المملكة، قام تريفون وطالب بحق أنطيوخس الصغير في العرش، ورغم صغر سنه إلاّ أن هذه الخطوة قد نالت تأييد الأمة لا سيما بسبب ما عانته من ديمتريوس، عند ذلك ألبسوه التاج ونادوا به ملكًا سنة 145 ق.م. وفي ذلك الوقت كان الصبي لا يتجاوز سنه الخمس سنوات! إذ أن زواج أبيه قد تم سنة 150 ق.م. راجع (10: 57) فتوارى ديمتريوس بقسم من جيشه عن الأنظار، ريثما يظهر من جديد على مسرح الأحداث، واحتفظ بأجزاء شاسعة من المملكة. وخلال فترة ملك أنطيوخس كان تريفون هو الحاكم الفعلي للبلاد، ولما كان إعلان مُلك أنطيوخس في بطلمايس، فإن تريفون استولى على الأفيال الحربية وقاد الجنود الذين عادوا إلى الجيش وفتح بهم أنطاكية. ومن المحير كيف استطاع تريفون ومليكه الصغير استعادة الجنود المسرّحين وتوفير نفقاتهم، بينما فشل ديمتريوس وسلفه الإسكندر في ذلك، هل قام تريفون بابتزاز الشعب بالمزيد من الضرائب؟
ثبت أنطيوخس السادس وعود الإسكندر أبيه (10: 89) وهو يقيم يوناتان هنا قائدا على بقاع سوريا، دون فينيقية (حيث اقتطع أتباع ديمتريوس أجزاءا منها) وأمّا المدينة الرابعة المشار إليها هنا فهي "أقربتين" (5: 3)(11). ويزيد على ذلك منح يوناتان امتياز " أن يشرب في الذهب" وهو اعتراف ضمني بكونه ملكًا. كما عين سمعان أخوه قائدًا على المنطقة البحرية (آية 59) وهي الوظيفة السياسية التي جعلت منه قائدًا للسهل السأحلى كله: من بعد صور إلى حدود مصر، بما في ذلك بطلمايس (عكا) والتي ظهرت بذلك منفصلة عن فينيقية(12). وهذه أول مسئولية يحصل عليها سمعان من الملك السلوقي.
بهذا يجعل الملك كل من يوناتان وسمعان شريكان له في الملك، حيث نلاحظ أن جيوش سورية تعاونت معهما (آية 60) بما في ذلك "أشقالون" والتي يسكنها غالبية وثنية تبغض اليهود، إذ استقبلت يوناتان استقبالًا حسنًا.
وقد تجوّل يوناتان في منطقة قول سوريا (سهل البقاع) وهي منطقة غرب الفرات (راجع 7: 8) في عمليات تأييد لأنطيوخس الصغير ضد ديمتريوس وأنصاره، إذ كان يدرك جيدًا أن اليهود سيفيدون كثيرًا من هذه التوسعات. انظر خريطة رقم (12).
ولكن أهل غزة رفضوا استقباله مما اضطره إلى حصارها والتضييق عليها، حتى طلب أهلها الأمان فأمنهم شريطة أن يسلموه أبناء رؤساءهم كرهائن في أورشليم، وهو الأمر الذي تكرر ثانية مع سمعان بعد ذلك، حيث جعلها مركزا لحكمه بعد تطهيرها (13: 43 - 48).
وقد كانت غزة في ذلك الوقت موالية لديمتريوس الثاني بشدة، وأن كانوا قد خذلوه بعد ذلك بانضمامهم إلى أنطيوخس السادس، ولكنه سواء برجوع رهائنها أم لا فانها كانت ستقوم بتمرد عند أول فرصة.
غزة: هي أقصى المدن الفلسطينية الخمس جنوبًا وأقربها بالتالي إلى مصر (1صم 6: 17) بالقرب من البحر المتوسط مسافة خمسة كيلومترات إلى الشرق منه، ونظرًا لموقعها الاستراتيجي فقد كانت على الدوام هدفًا للمستعمرين، إذ كانت مخرجًا هامًا للبضائع الثمينة الآتية من الجنوب العربي، حيث أقام منها الفرس ميناءا وهو الذي أفاد منه اليونان جدًا، وفي العصر الهيليني كانت أول مدينة تسك عملة خاصة بها، وكانت مركزًا هيلينيًا شديد العداوة لليهود، حاصرها الإسكندر الأكبر لمدة شهرين، وقد نكّل بأهلها سنة 332 ق.م. ومن بعده تصارع كل من البطالمة والسلوقيين عليها ويقال أن الاباحية كانت منتشرة فيها. وفي حوالي العام 100 ق.م. استولى عليها الإسكندر جنايوس، بعد حصار استمر عام كامل حيث أسلم المدينة للسلب والنهب والذبح، وقد نشبت معركة بسببها بينه وبين بطليموس المصري هُزم فيها الأخير، كما ثارت حروب كثيرة بينه وبين قائدها "أبللودوتس" والذي تحالف معه أرتاس ملك العرب.
وفي بداية العصر الروماني جعلها القائد بومباى تابعة لسوريا حيث قام قائد سوريا "جابينيوس" ببناء غزة جديدة بجوار القديمة (أعمال 8: 26) وأعطاها أوكتافيوس هدية لهيرودس بعد معركة أكتيوم، وبعد موته ضمتّها روما من جديد إلى سوريا، وازدهرت بعد ذلك جدًا، ويقول المؤرخ سوزومين أنها كانت ميناءا هامًا في عصر قسطنطين، حيث صارت أسقفية في وقت لاحق.
وفي الحفريات التي جرت هناك سنة 1922م اكتشفت بقايا المعبد اليهودي الذي كان فيها، كما عثر فيها على رسم لداود النبي وهو يرتدي الزى البيزنطي الملكي يلعب على قيثارته بينما حوله بعض الحيوانات كما عُثر على قطعة من مركب ربما يعود إلى سنة 420 م.
وقد واصل يوناتان زحفه حتى وصل إلى دمشق شمالًا، على مسافة 234 كم شمال شرق أورشليم وهي أكبر المدن السلوقية.
كان ديمتريوس أشبه ما يكون بالنمر الجريح، وقد استطاع بعد هروبه أن يجمع جيشًا كبيرًا، في محاولة لاسترداد العرش والانتقام من مؤيدى أنطيوخس خصمه، وقد شق عليه أن يصبح يوناتان قائدا لهذه الرقعة الضخمة من المملكة، وربما رأى أنه وإن كان من الصعب في الوقت الحالي استرداد العرش، إلًا أنه من الممكن الاستيلاء على منطقة نفوذ يوناتان، يتمركز فيها ليحارب أنطيوخس من خلالها. وقد وصل رجاله إلى منطقة الجليل واحتلّوها وكانوا يتمركزون عند قادش.
قادش الجليل: قادش كلمة عبرية معناها "مقدس" وقادش الجليل هي قادش نفتالي، وهي التي قيل عنها "قادش في الجليل في جبل نفتالي" (يشوع 20: 7) وقد ذكرت على أنها إحدى مدن الملجأ الثلاث في الجليل (يشوع 21: 32؛ أخبار الأيام الأول 1: 76). وهي مدينة قديمة جدًا في الجزء الغربي من سوريا، تقع على نهر العاصي على مسافة 24 كم جنوب غرب حمص الحالية، وقد دارت عندها المعركة الشهيرة بين المصريين والحيثيين سنة 1299 ق.م. ولعلها الآن قرية " قديس"، وقد ذكرها يوسيفوس باعتبارها خاضعة للسلوقيين تقع بين بلادهم والجليل، وأما يوسابيوس فيرى أنها تبعد عن صور بمسافة 35 كم بالقرب من بانياس.
جناسر Gennesaret: كلمة عبرية معناها "حديقة الأمير" وهي أيضًا "بحر الجليل" (متى 4: 18) وبحيرة جنيسارت (لوقا 5: 1) وقد عرفت بعد ذلك ببحيرة طبرية" (يوحنا 6: 1) وذلك منذ بَنَى هيرودس على الشاطئ الغربي منها مدينة طبرية، تكريما لطيباريوس قيصر، وذلك فوق موضع كان ممتلئا بالقبور القديمة لمدينة مجهولة لعل اسمها "جناسر". كما يرى يوسيفوس أن اسمها هو "جنيسار"، ولها اسم آخر في العبرية هو "بحر كيرنيت". وهذه هي المرة الأولى في الكتاب المقدس التي يذكر فيها جنيسارت، وتتكون المنطقة المحيطة بها من حجر جيرى، وهي قريبة من "وادي الحمام" حيث تنتشر مغائر اللصوص وكذلك أطلال "أرابيلا" وكذلك قرون حطين والتي يظن البعض أنها "جبل التطويبات".
حاصور Hazor: كلمة عبرية معناها "حظيرة" وهي عاصمة حاصور الكنعانية القديمة (يشوع 11: 10) في ذلك الوقت كانت قد أصبحت مجرد قلعة، على مسافة عشرة كيلومترات شمال "مياه جناسر" ورغم أن تفلث فلاسر قد سَبَى أهلها سنة 733 ق.م. إلاّ أنها استمرت عامرة حتى العصر الهيللينى، ويرى البعض أن موقعها الآن هو "تل القيدا" أو "تل وقاس" وتبعد مسافة سبعة كيلومترات جنوب غرب بحيرة الحولة، على مسافة 18 كم شمال بحر الجليل، كما أطلق بعض الُكتّاب على سهل حاصور "جبل الحضيرة".
عند ماء جناسر استراح يوناتان المكابي بجيشه، ثم واصل المسير ليلًا حتى وصل قرب الصباح إلى سهل حاصور، ولكنهم فوجئوا بجيش ديمتريوس يطوّفهم مثل الكمين، مما أوقع الرعب في قلوبهم، ففر الجنود مذعورين تاركين يوناتان في نفر قليل معرضين إياهم لخطر جسيم، ولكن يوناتان - وكما أشرنا سابقًا - كان يجد نفسه في ساحة المعركة أكثر مما يجدها في الأرجوان الملكي. صلى بانسحاق إلى الله واستمد معونة منه فاستعاد شجاعته ثم هجم بالثلة الصغيرة من الجنود التي معه فاستطاع ايقاع الرعب في قلوب ديمتريوس وجنوده، مما شجع الجنود المرتدين من جيش اليهود إلى العودة من جديد، حيث استطاع الجيش ايقاع هزيمة مرة بجيوش ديمتريوس.
ويحسب لكل من متثيا بن أبشالوم ويهوذا بن حلفى، شجاعتهما النادرة والتي كان لها الدور الفعال في انقاذ الجيش وبالتالي سمعة اليهود والذين كانوا قد أصبحوا أمة يُخشى بأسها، وقد يكون أبشالوم المذكور هنا (أبو متثيا) هو الدبلوماسى المرسل من قبل يهوذا المكابي في (2 مكا 14: 17).
فقد حاصر مدينة بيت صور باعتبارها في آخر حدود المنطقة التي وُلِّيَ عليها من قبل أنطيوخس السادس، حيث اضطر أهلها إلى الاستسلام فأمّنهم بعد أن افتتحها.
_____
(1) هذا ما يرويه كل من يوسيفوس وديودورس. ولا يعرف كيف استطاع استرداد ابنته كليوباترا، والتي كان من الممكن أن تصبح رهينة لدى الإسكندر، يساوم بها ويفاوض حميه ويضغط عليه، لقد أعطاها بطليموس فيما بعد زوجة لديمتريوس الثاني (كما مر بنا في الأصحاح السابق).
(2) كان يوناتان موجودا في يافا رغم عدم استحواذه عليها حتى ذلك الوقت.
(3) راجع سترابون (16: فصل 2: 12).
(4) حسبما يروى المؤرخ ديودورس.
(5) موسوعة مصر القديمة. سليم حسن/ج 16 . ص/280.
(6) كان اصطلاح "العربية" يقصد به الصحارى الشمالية هناك.
(7) Cooke NSI,272.
(8)راجع حروب اليهود ليوسيفوس (4 فصل 9:9) وقد رد ذكرها في كثير من الكتابات اليهودية القديمة، على سبيل المثال (المشنا / مناحوت 8: 1).
(9)حروب اليهود ( كتاب 2 فصل 20: 4 )
(10) حدث ذلك بسبب خطأ في قراءة الأسم (إيميلكو / أيميلخو / ملكوئيل / ملخوئيل..) لمزيد من التفاصيل عن الالتباس الذي حدث في قراءة الأسم. راجع: Jonathon, 1 Macc, P. 437
(11) يقترح الكاتب: "م. آفي يونا" أن الولاية الرابعة هي أرض طوب في عبر الأردن، انظر: يوناثان جولدشتاين / ص 439.
(12) وفي ظل الاضطرابات المتعاقبة تمتعت عكا بدرجة كبيرة من الاستقلال سمحت لها بصك عملات خاصة بها.
← تفاسير أصحاحات مكابيين أول: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
تفسير مكابيين أول 12 |
قسم
تفاسير العهد القديم الأنبا مكاريوس الأسقف العام |
تفسير مكابيين أول 10 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k6mh2d9