St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   01-Sefr-El-Takween
 

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب

سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

التكوين 1 - تفسير سفر التكوين

التاريخ البدائي

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب تكوين:
تفسير سفر التكوين: مقدمة سفر التكوين | التكوين 1 | التكوين 2 | التكوين 3 | التكوين 4 | التكوين 5 | التكوين 6 | التكوين 7 | التكوين 8 | التكوين 9 | التكوين 10 | التكوين 11 | التكوين 12 | التكوين 13 | التكوين 14 | التكوين 15 | التكوين 16 | التكوين 17 | التكوين 18 | التكوين 19 | التكوين 20 | التكوين 21 | التكوين 22 | التكوين 23 | التكوين 24 | التكوين 25 | التكوين 26 | التكوين 27 | التكوين 28 | التكوين 29 | التكوين 30 | التكوين 31 | التكوين 32 | التكوين 33 | التكوين 34 | التكوين 35 | التكوين 36 | التكوين 37 | التكوين 38 | التكوين 39 | التكوين 40 | التكوين 41 | التكوين 42 | التكوين 43 | التكوين 44 | التكوين 45 | التكوين 46 | التكوين 47 | التكوين 48 | التكوين 49 | التكوين 50

نص سفر التكوين: التكوين 1 | التكوين 2 | التكوين 3 | التكوين 4 | التكوين 5 | التكوين 6 | التكوين 7 | التكوين 8 | التكوين 9 | التكوين 10 | التكوين 11 | التكوين 12 | التكوين 13 | التكوين 14 | التكوين 15 | التكوين 16 | التكوين 17 | التكوين 18 | التكوين 19 | التكوين 20 | التكوين 21 | التكوين 22 | التكوين 23 | التكوين 24 | التكوين 25 | التكوين 26 | التكوين 27 | التكوين 28 | التكوين 29 | التكوين 30 | التكوين 31 | التكوين 32 | التكوين 33 | التكوين 34 | التكوين 35 | التكوين 36 | التكوين 37 | التكوين 38 | التكوين 39 | التكوين 40 | التكوين 41 | التكوين 42 | التكوين 43 | التكوين 44 | التكوين 45 | التكوين 46 | التكوين 47 | التكوين 48 | التكوين 49 | التكوين 50 | التكوين كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ص 1- ص 11

 خلقة العالم

افتتح الْوَحْي الكتاب المقدس بإعلان الله كخالق، هيأ كل شيء من أجل الإنسان، وانطلق به خلال الحب حتى يدخل به في النهاية إلى ملكوته الأبدي يتمتع بالأمجاد الأبدية.

 

مقدمة

     

1. الله الخالق

   

1.

2. روح الله والمياه

   

2.

3. اليوم الأول: انطلاق النور

   

3 -5.

4. اليوم الثاني: الجلد

   

6 -8.

5. اليوم الثالث: إنبات الأرض

   

9 -13.

6. اليوم الرابع: الأنوار

   

14 -19.

7. اليوم الخامس: الزحافات والطيور

   

20 -23.

8. اليوم السادس: الحيوان والإنسان

   

24 -31.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The beginning of the creation - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: بداية عملية الخلق - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: The beginning of the creation - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: بداية عملية الخلق - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

مقدمة:

أود في دراستنا هنا الالتزام بروح الكنيسة التي تتطلع إلى الكتاب المقدس لا ككتاب علمي أو فلسفي وإنما كسرّ حياة مع الله يتمتع بها الإنسان ويعيشها، ولهذا عندما كتب القديس باسيليوس الكبير مقالاته عن أيام الخليقة الستة Hexaemeron أوضح أن عمل الكنيسة ليس البحث عن طبيعة الأشياء والمخلوقات وإنما دراسة عملها ونفعها. وكما أعلن القديس أغسطينوس: [كثير عليك إدراك كيف خلق الله هذه الأشياء، فقد خلقك أنت أيضًا لكي تطيعه كعبد وعندئذ تفهم كصديق له(19)]. وكأننا كخليقة الله نقبل عمله بفرح كعبيد وإذ يهبنا فهمًا وحكمة وإدراكًا لأسراره نعيش معه كأصدقاء وأحياء له.

نستطيع في إيجاز أن نقدم الملاحظات التالية عن حديث سفر التكوين عن الخليقة:

أ. قدم لنا السفر أحداث الخلق بطريقة مبسطة وصادقة، يفهمها الإنسان البسيط ويفرح بها ويجد العالم أيضًا فيها أعماقًا...

ب. حاول كثير من الدارسين الغربيين تأكيد أن ما ورد في سفر التكوين لا يتنافى مع الحقائق العلمية حسب الفكر الحديث، ورأى البعض أن ما ورد من تسلسل في الخليقة كما جاء في التكوين يطابق الفكر الخاص بتطور الخليقة بدقة بالغة... وقد صدرت أبحاث كثيرة في هذا الشأن كتب بعضها علماء وَرِعُون(*)، لكنني لست أود الدخول في تفاصيل تبعد بنا عن تفسير كلمة الله. وقد سبق فأصدرت كنيسة الشهيد مارجرجس باسبورتنج بحثًا مبسطًا للأستاذ الدكتور يوسف رياض، أستاذ بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، تحت عنوان: "التوافق بين العلم الحديث والكتاب المقدس"، تعرض لهذا الموضوع في شيء من البساطة والإيجاز، كما قدمت أسقفية الشباب كتيبًا عن: "ستة أيام الخليقة" للدكتور فوزي إلياس.

ج. يلاحظ في كلمة "يوم" في الأصحاح الأول من سفر التكوين أنها لا تعني يومًا زمنيًا يُحصر في 24 ساعة، إنما تعني حقبة زمنية قد تطول إلى ملايين السنوات، فالشمس والقمر وبقية الكواكب لم تكن بعد قد خُلقت حتى الحقبة الزمنية الرابعة، وبالتالي لم يكن يوجد من قبل زمن مثل الذي نخضع له الآن، كما لم يكن للعالم نهار وليل بالمعنى المادي الملموس. هذا ما أكده كثير من الآباء منهم القديس جيروم(20). وحتى بعد الخليقة كثيرًا ما يتحدث الكتاب المقدس عن "اليوم" بمفهوم أوسع من اليوم الزمني، من ذلك قول المرتل: "لأن يومًا في ديارك خير من ألف" (مز 84: 10؛ راجع مز 90: 4، 2 بط 3: 8).

لقد جاءت كلمة "يوم" في الكتاب المقدس بمفاهيم كثيرة، فأحيانًا يقصد بها الأزل حيث لا توجد بداية، كقول الآب للابن: "أنت ابني أنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7؛ أع 13: 32؛ عب 1: 5)، كما قيل عن الله: "القديم الأيام" (دا 7: 9) بمعنى الأزلي. وجاء عن "اليوم" بمعنى الأبدية التي فوق الزمن كالقول: "يوم الرب" (أع 2: 20)، أي مجيئه الأخير حيث ينتهي الزمن، كما قيل عن السيد المسيح: "رَبِّنَا.. يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإِلَى يَوْمِ الدَّهْرِ" (2 بط 3: 18)...

د. ربما يعترض البعض على ما ورد في سفر التكوين بخصوص خلق الإنسان الأول، فقد اثبت الحفريات بطريقة قاطعة وجود عظام إنسان منذ أكثر من مليون سنة كما وجدت نقوش قديمة عن أيام آدم... فبماذا نعلل هذا؟

St-Takla.org Image: Creation: Sun, Moon and Stars, by God - illustration from "Communicating Christ" book, Bogota, Colombia صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يخلق الشمس، القمر، النجوم: الخليقة - من صور كتاب توصيل المسيح، بوجوتا، كولومبيا

St-Takla.org Image: Creation: Sun, Moon and Stars, by God - illustration from "Communicating Christ" book, Bogota, Colombia

صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يخلق الشمس، القمر، النجوم: الخليقة - من صور كتاب توصيل المسيح، بوجوتا، كولومبيا

أولًا: بحسبة رياضية بسيطة نجد أن سكان العالم حاليًا لا يمكن أن يكون ثمر أكثر من 6000 عامًا بافتراض أن كل عائلة تنجب حوالي 3 أطفال، هذا مع خصم نسبة مرتفعة من الموتى بسبب الموت الطبيعي والكوارث الطبيعية والحروب... لو أن تاريخ الإنسان يرجع إلى مليون سنة، فإن الإنسان الواحد في مليون سنة ينجب نسلًا لا تكفي آلاف مضاعفة من مساحة الأرض لوجودهم.

ثانيًا: قلنا أن كل حقبة زمنية يمكن أن تكون عدة ملايين من السنوات، فغالبًا ما تكون هذه العظام لحيوانات ثديية حملت شكل الإنسان ولها أيضًا قدرات لكن ليس لها النسمة التي من فم الله التي تميز بها آدم وحواء. هذه الكائنات لا تحسب بشرًا حتى إن حملت شيئًا من التشابه.

ه. إن كان هذا السفر يقدم لنا فصلًا مختصرًا للغاية عن عمل الله في بدء الخليقة، فإن الله الذي كان يعمل ليقدم لنا العالم لخدمتنا يبقى عاملًا خلاقًا في حياتنا بلا انقطاع. ما سبق ففعله لا يتوقف، إذ يبقى الله نفسه يعمل في حياة الإنسان ليجعل من أعماقه سماءً جديدة وأرضًا جديدة يسكنها البر. وفي هذا يقول السيد المسيح: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17). لهذا ففي تفسيرنا هذا نود أن نتلمس عمل الله المستمر في حياتنا الداخلية ليخلق فينا بلا انقطاع مجددًا أعماقنا. وإنني أرجو في المسيح يسوع ربنا أن أقدم التفسير الروحي جنبًا إلى جنب مع التفسير التاريخي أو الحرفي.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. الله الخالق:

1 فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.

 

بدأ سفر التكوين بهذه الافتتاحية البسيطة: "في البدء خلق الله السموات والأرض" [1].

إن كان التعبير "في البدء" لا يعني زمنًا معينًا، إذ لم يكن الزمن قد أوجد بعد، حيث لم تكن توجد الكواكب بنظمها الدقيقة، لكنه يعني أن العالم المادي له بداية وليس كما ادَّعَى بعض الفلاسفة أنه أزلي، يشارك الله أزليته. هذا ما أكده القديس باسيليوس في كتابه "الهكساميرون" Hexaemeron أي "ستة أيام الخليقة"، إذ يقول أن تعبير "في البدء" لا يعني زمنًا وإلاَّ كان للبدء بداية ونهاية، وهكذا تكون لهذه البداية بداية وندخل في سلسلة لانهائية من البدايات، لكن "البدء" هنا يعني حركة أولي لا كّمًا زمنيًا، وذلك كالقول: [بدء الحكمة مخافة الله] (أم 9: 10)(21). كما يقول: [لا تظن يا إنسان أن العالم المنظور بلا بداية لمجرد أن الأجسام السماوية تتحرك في فلك دائري ويصعب على حواسنا تحديد نقطة البداية، أي متى تبدأ الحركة الدائرية، فتظن أنها بطبيعتها بلا بداية(22)]، ويقول: [الذي بدأ بزمن ينتهي أيضًا في زمن(23)]. هنا لا يعني وجود زمن في بداية الحركة للعمل إنما يؤكد انتزاع فكرة الأزلية، فمع عدم وجود زمن لكنه وجدت بداية قبلها إذ كان العالم عدمًا. وقد جاء العلم يؤكد عدم أزلية المادة(24).

St-Takla.org Image: In the beginning God created the heavens and the earth. (Genesis 1:1) صورة في موقع الأنبا تكلا: في البدء خلق الله السموات والأرض (تكوين 1: 1)

St-Takla.org Image: In the beginning God created the heavens and the earth. (Genesis 1:1)

صورة في موقع الأنبا تكلا: في البدء خلق الله السموات والأرض (تكوين 1: 1)

ويأخذ كثير من الآباء بجانب هذا التفسير الحرفي أو التاريخي "في البدء" التفسير الرمزي أو الروحي، فيرون أنه يعني "في المسيح يسوع" أو "في كلمة الله" خُلقت السموات والأرض، وفيما يلي بعض كلمات الآباء في هذا الشأن:

* الابن نفسه هو البدء. فعندما سأله اليهود: مَنْ أنت؟ أجابهم: "أَنَا مِنَ الْبَدْءِ" (يو 8: 25). هكذا في البدء خلق الله السموات والأرض.                

القديس أغسطينوس(25)

* من هو بدء كل شيء إلاَّ ربنا ومخلص جميع الناس (1 تي 4: 10) يسوع المسيح، [بكر كل الخليقة] (كو 1: 15)؟ ففي هذا البدء، أي في كلمته "خلق الله السموات والأرض"، وكما يقول الإنجيلي يوحنا في بداية إنجيله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 1-3). فالكتاب لا يتحدث عن بداية زمنية، إنما عن هذه البداية التي هي المخلص، إذ به صُنعت السموات والأرض.

العلامة أوريجينوس(26)

*  يفكر البعض أن "البدء" هو زمن، لكن من يتعمق في كلمة "البدء" يجد أنها لا تحمل معنى واحدًا بل أكثر من معنى. فأحيانًا تعني العلة، فيكون المعنى هنا  أن السموات والأرض متواجدة في العلة... بالحقيقة كل شيء صنعها الكلمة؛ ففي المسيح يسوع خُلق كل ما على الأرض وما في السماء، الأمور المنظورة وغير المنظورة.

القديس ديديموس الضرير(27)

في اختصار نقول أن الله خلق العالم في بداية معينة ولم يكن العالم شريكًا معه في الأزلية، ومن جانب آخر فإن كلمة الله هو البدء الذي بلا بداية خالق الكل!

[في البدء خلق ألوهيم السموات والأرض] [1].

جاءت كلمة "ألوهيم" אֱלֹהִים بالجمع، أما الفعل "خلق" فمفرد، فالخالق هو الثالوث القدوس، الواحد في جوهره وطبيعته ولاهوته.

أكّد موسى النبي أن الله هو الخالق، نازعًا عن شعبه الأساطير الكثيرة التي ملأت العالم في ذلك الحين حول موضوع الخلق، كما نزع عنهم فكرة بعض الفلاسفة القائلين بأن العالم وليد ذاته جاء محض الصدفة، وقد تحدث الأستاذ الدكتور يوسف رياض في هذا الشأن(28).

أخيرًا فإنه يقول [خلق ألوهيم السموات والأرض]، إذ خلقْ السمائيين أولًا بكل طغماتهم وبعد ذلك الأرض وكل ما يخصها.

إن كانت السموات تشير للنفس البشرية التي يتقبلها الله مسكنًا له، أو سموات له، والجسد بتقديسه يكون أرضًا مقدسة، ففي المسيح يسوع نتمتع بهذه السموات والأرض، أي ننعم بنفس هي هيكل للرب وجسد مقدس لحساب مملكته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. روح الله والمياه(29):

"وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ" [2].

 

St-Takla.org Image: The earth was without form, and void (Genesis 1:2) صورة في موقع الأنبا تكلا: الأرض خربة (تكوين 1: 2)

St-Takla.org Image: The earth was without form, and void (Genesis 1:2).

صورة في موقع الأنبا تكلا: الأرض خربة (تكوين 1: 2).

قيل عن الأرض إنها كانت [خربة وخاوية]، وفي الترجمة السبعينية: "غير منظورة وغير كاملة"، ويعلل القديس باسيليوس الكبير أنها غير منظورة لعدم خلق للإنسان بعد لكي يراها، ولأن المياه كانت تغطيها تمامًا، أو لأن النور لم يكن بعد قد أشرق عليها فكان الجو غامضًا. أما كونها "غير كاملة" فبسبب عدم قدرتها على الإنبات(30).

على أي الأحوال إن كان الوحي قد أعلن أن الآب خلق السموات والأرض بكلمته [1]، فهنا يكشف عن دور الروح القدس الذي كان يرف على وجه المياه ليخلق من الأرض الخربة والخاوية عالمًا صالحًا جميلًا. ولا يزال الروح القدس إلى يومنا هذا يحل على مياه المعمودية ليقدسها فيقيم من الإنسان الذي أفسدته الخطية وجعلت منه أرضًا خربة وخاوية، غير منظورة لحرمانها من إشراقات الله وغير كاملة... سموات جديدة وأرضًا جديدة، أي يهبنا الميلاد الجديد فيه ننعم بنفس مقدسة على صورة الله خالقنا وجسد مقدس أعضاؤه آلات برّ لله. نقتطف هنا بعض كلمات الآباء في هذا الشأن:

* لقد أنجبت المياه الأولى حياة، فلا يتعجب أحد إن كانت المياه في المعمودية أيضًا تقدر أن تهب حياة... كان روح الله محمولًا على المياه، هذا الذي يعيد خلق من يعتمد. كان القدوس محمولًا على المياه المقدسة، أو بالأحرى على المياه التي تتقبل منه القداسة. بهذا تقدست المياه وتقبلت إمكانية التقديس. هذا هو السبب الذي لأجله إذ كانت المياه هي العنصر الأول لموضوع الخلق حصلت على سر التقديس خلال التوسل لله(31).

العلامة ترتليان

* تتم الخليقة الجديدة بواسطة الماء والروح وذلك كخلق العالم، إذ كان روح الله يرف على المياه(32).

القديس إكليمنضس الإسكندري

* المياه هي بدء العالم، والأردن هو بدء الإنجيل(33).

St-Takla.org Image: In the beginning God created the heavens and the earth. The earth was shapeless and empty and the Spirit of God hovered over the waters. God said, ‘Let there be light.’ God called the light day and the darkness was called night. All this happened on the first day of creation. (Genesis 1: 1-5) - "God creates the heavens and earth" images set (Genesis 1-2): image (1) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "في البدء خلق الله السماوات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله: «ليكن نور»، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارا، والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يوما واحدا" (التكوين 1: 1-5) - مجموعة "الله يخلص السموات والأرض" (التكوين 1-2) - صورة (1) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: In the beginning God created the heavens and the earth. The earth was shapeless and empty and the Spirit of God hovered over the waters. God said, ‘Let there be light.’ God called the light day and the darkness was called night. All this happened on the first day of creation. (Genesis 1: 1-5) - "God creates the heavens and earth" images set (Genesis 1-2): image (1) - Genesis, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "في البدء خلق الله السماوات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله: «ليكن نور»، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارا، والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يوما واحدا" (التكوين 1: 1-5) - مجموعة "الله يخلص السموات والأرض" (التكوين 1-2) - صورة (1) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

القديس كيرلس الأورشليمي

* إن كانت المعمودية في ذلك اليوم قد سبق فأُعلنت خلال الظل، فإنه لم تكن هناك معمودية حقيقية أكيدة بدون الروح(34).

القديس جيروم

أما عن تعبير "يرف" فيقول القديس باسيليوس: [أن أحد السريان يرى أنه الكلمة السريانية قادرة على إعطاء معنى أكثر من العبرية، فهي تُتَرْجَم بمعنى يحتضن، وكأن الروح يُشبه طائرًا يحتضن بيضًا ليهبه حياة خلال دفئه الذاتي(35)]. ويرى القديس أمبروسيوس أن حركة الروح هنا على وجه المياه إنما هي حركة حب مستمر لعمل خلاّق في حياة الإنسان، إذ يقول: [كيف يمكن لذاك الذي كان يتحرك قبل خلق الأرض أن يتوقف عن حركته بعد أن أوجدها؟‍!(36)].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. اليوم الأول: انطلاق النور...

 وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ 4 وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ 5 وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.

 

أول عمل يقدمه الله هو انطلاق النور: "وقال.. ليكن نور، فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن، وفصل الله بين النور والظلمة، ودعا الله النور نهارًا والظلمة دعاها ليلًا، وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا" [3- 5].

ويلاحظ في هذا النص:

أولًا: إلى سنوات قليلة كان بعض العلماء يتعثرون في هذه العبارة قائلين كيف ينطلق النور في الحقبة الأولى قبل وجود الشمس، إذ كان الفكر العلمي السائد أن النور مصدره الشمس، لكن جاءت الأبحاث الحديثة تؤكد أن النور في مادته يسبق وجود الشمس، لهذا ظهر سمو الكتاب المقدس ووحيه الإلهي، إذ سجل لنا النور في الحقبة الأولى قبل خلق الشمس، الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد.

في اختصار يمكن القول بأن الرأي العلمي السائد حاليًا أن مجموعتنا الشمسية نشأت عن سديم لولبي مظلم منتشر في الفضاء الكوني انتشارًا واسعًا (السديم هو سحابة من الغازات الموجودة بين النجوم). ولذلك فمادة السديم خفيفة جدًا في حالة تخلخل كامل، لكن ذرات السديم المتباعدة تتحرك باستمرار حول نقطة للجاذبية في مركز السديم، وباستمرار الحركة ينكمش السديم فتزداد كثافته تدريجًا نحو المركز، وبالتالي يزداد تصادم الذرات المكونة له بسرعة عظيمة يؤدي إلى رفع حرارة السديم. وباستمرار ارتفاع الحرارة يصبح الإشعاع الصادر من السديم إشعاعًا مرئيًا، فتبدأ الأنوار في الظهور لأول مرة ولكنها أنوار ضئيلة خافتة. هكذا ظهر النور لأول مرة قبل تكوين الشمس بصورتها الحالية التي تحققت في الحقبة الرابعة (اليوم الرابع)... لقد ظهر النور حينما كانت الشمس في حالتها السديمية الأولى، أي قبل تكوينها الكامل.

St-Takla.org Image: "Let there be light" (Genesis 1:3-8) صورة في موقع الأنبا تكلا: "ليكن نور" (تكوين 1: 3-8)

St-Takla.org Image: "Let there be light" (Genesis 1:3-8)

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ليكن نور" (تكوين 1: 3-8)

والعجيب أن كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم في القرن الرابع جاءت مطابقة لاكتشافات القرن العشرين، إذ قال: [نور الشمس التي كانت في اليوم الأول عارية من الصورة وتصورت في اليوم الرابع للخليقة(37)].

ربما حمل القديس أغسطينوس نفس الفكر حينما قال إن النور هنا في اليوم الأول ليس بالصادر عن الشمس لكنه ربما يكون نورًا ماديًا يصدر عن أماكن علوية فوق رؤيتنا(38).

ثانيًا: من الجانب الرمزي يرى القديس أغسطينوس(39) أن هذا النور خاص بالمدينة السماوية المقدسة التي تضم الملائكة القديسين، وفيها ينعم المؤمنون بالأبدية، هذه التي قال عنها الرسول إنها أورشليم العليا، أمنا الأبدية في السموات (غلا 4: 26)، والتي يكون لنا فيها نصيب، إذ قيل: "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة" (1 تس 5: 5). يرى القديس أن السمائيين تمتعوا بالنور الذي انطلق في اليوم الأول بمعاينتهم أعمال الله العجيبة خلال كل الحقبات، لكنه متى قورنت معرفتهم للخليقة بمعرفة الله حُسبت معرفتهم مساءً.

يمكننا القول بأن أعمال الله بدأت بانطلاق النور حتى ترى الملائكة أعماله فتمجده، وهكذا في بداية الخليقة الجديدة أشرق الرب علينا بنوره الإلهي من القبر المقدس عند قيامته حتى إذ نقوم فيه يعلن مجده فينا. في خلقتنا الجديدة - في مياه المعمودية - ننعم بالنور الإلهي، نور قيامته عاملًا فينا، كأول عمل إلهي في حياتنا، وهذا هو السبب في تسمية المعمودية "سر الاستنارة".

ثالثًا: فصل الله بين النور والظلمة لكي نقبل النور كأبناء للنور وأبناء للنهار ونرفض الظلمة فلا نسقط تحت ليل الجهالة المهلك.

يهبنا الرب النور الداخلي ليبدد الظلمة القديمة، كقول الرسول: "لأنكم كنتم قبلًا ظلمة" (أف 5: 8). يهبنا أيضًا روح التمييز فنفصل بروح الله بين النور والظلمة، فلا نسقط تحت الويل النبوي: "ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا، والنور ظلامًا، الجاعلين المر حلوًا والحلو مرًا" (إش 5: 20).

رابعًا: ليست "الظلمة" مادة مخلوقة أوجدها الله، بل هي حرمان من النور، فبظهور النور انفضحت الظلمة وعُرفت. ومع هذا فكما يقول القديس أغسطينوس: [أن الله يأمر النور الذي خلقه والظلمة التي لم يخلقها ويطيعانه(40)].

خامسًا: يرى القديس هيبولتيس الروماني أنه [في اليوم الأول خلق الله الأشياء من العدم، أما في الأيام الأخرى فلم يخلق بقية الأشياء من العدم وإنما مما خلقه في اليوم الأول بتشكيله حسب مسرته(41)]. هذا وإن كان كثير من الآباء علق على عبارة: "قال فكان" بأن الخلق كله خلال المراحل الست قد تم كثمرة للأمر الإلهي، فيقول القديس أمبروسيوس: [لم يخلق الله الأشياء بأدوات وفن، وإنما قال فكان (مز 33: 9)، إذ تكمن قوة العمل في الأمر الإلهي(42)]. ويقول القديس باسيليوس الكبير: [الأمر في ذاته عمل(43)].

سادسًا: يعلق القديس باسيليوس على العبارة "ورأى الله ذلك (النور) أنه حسن" (تك 1: 4، 12، 18، 21)... [الله لا يحكم بأن الشيء حسن خلال افتتان العين به ولا لتذوق الفكر لجماله كما نفعل نحن وإنما يراه حسنًا متى كان الشيء كاملًا، مناسبًا لعمله، نافعًا حتى النهاية(44)].

تحدث كثير من الآباء عن صلاح الخليقة... فقد "رأى الله ذلك أنه حسن"، لكن الإنسان بفساده أفسد استخدام الخليقة الصالحة. لذلك إذ جاء السيد المسيح يجدد طبيعتنا الساقطة وكأنه يخلقها من جديد، لا نعود نرى في العالم شيئًا شريرًا. وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الأشياء التي تبدو فاسدة كتلك التي استخدمت في العبارة الوثنية: [خليقة الله ليست دنسة، فإن كانت قد صارت هكذا فلديك العلاج: اختمها "بعلامة الصليب" وقدم لله شكرًا ومجدًا فيزول عنها الدنس(45)].

St-Takla.org Image: Creating the land and the waters (Genesis 1:9, 10) صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الأرض والبحار (تكوين 1: 9، 10)

St-Takla.org Image: Creating the land and the waters (Genesis 1:9, 10)

صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الأرض والبحار (تكوين 1: 9، 10)

سابعًا: يختم حديثه عن اليوم الأول أو الحقبة الأولى بقول: "وكان مساء وكان صباح يوم واحدًا". بدأ بالسماء وختم بالصباح، وفي التقليد اليهودي يبدأ اليوم بالعشية ليليها النهار. فإن كان المساء في نظر القديس أغسطينوس [يشير إلى الجسد القابل للموت، والصباح يشير إلى خدمة البر أو النور فإن المساء يسبق الصباح بمعنى أن يكون الجسد خادمًا للبر، لا البر خادمًا لشهوات الجسد(46)]. فإن كنا قد بدأنا حياتنا بالمساء فلننطلق بالروح القدس إلى الصباح فلا نعيش بعد كجسدانيين بل كروحيين.

ثامنًا: إذ نختم حديثنا عن انطلاق النور نورد ما قاله القديس أغسطينوس عنه: [انه قد يشير إلى خلق السمائيين أي الملائكة بطغماتهم فقد خلقوا أولًا، وأن فصل النور عن الظلمة يشير إلى سقوط جماعة من الملائكة بالكبرياء فصاروا ظلمة. ويرى القديس أن هذا الفصل تم قبل السقوط بسابق معرفة الله لهم(47)]، وإن كان هذا الرأي غير مستحب، فالله لا يفصل إلا بعد السقوط.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. اليوم الثاني: الجلد...

6 وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ» 7 فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ 8 وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.

 

ربما يقصد بالجلد المنطقة التي فوق الأرض مباشرة التي تطير فيها الطيور وليس الفضاء حيث الكواكب. ويمكننا أن ندرك طريقة تحقيق أمر الله إن علمنا أن الأرض كانت في غليان مستمر وبخار فكانت محاطة بغلاف بخاري كثيف. وفي الفترة ما بين الحقبة الأولى والحقبة الثانية أخذت درجة الحرارة تهبط، وبالتالي هدأ البخار وبدأ الجو يصير صحوًا. أما تسمية الجلد "سماء" فذلك من قبيل إطلاق هذه الكلمة على ما هو سامٍ ومرتفع فوق الأرض(48).

هذا الجلد يفصل ما بين المياه التي من فوق أي السحب، والمياه التي من أسفل أي البحار والمحيطات. وقد حمل هذا الفصل بجانب تحققه الحرفي مفهومًا روحيًا يمس حياة الإنسان. فإن كان الإنسان الروحي يتقبل في البداية انطلاق الإشراقة الإلهية في أعماقه الداخلية، فإنه يليق به أن يحمل الجلد الذي يفصل بين مياه ومياه، فيتقبل مياه الروح القدس العلوية واهبة الحياة (يو 4: 14) ويسمو فوق المياه التي هي أسفل أي في الأعماق والتي يسكنها لويثان الحيّة القديمة والوحش البحري القتال للنفس البشرية (رؤ 12: 7؛ 20: 3) فمن ينعم بالانطلاق في الجلد يميز بين نعمة الروح وخداعات الشرير.

يقول العلامة أوريجينوس: [إذ يرتبط المؤمن بالمياه العليا التي هي فوق في السموات يصير سماويًا، ويطلب الأمور المرتفعة العلوية، فلا يكون له فكر أرضي بل كل ما هو سماوي؛ يطلب ما هو فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله (كو 3: 1)، فيستحق التمتع بمديح الله القائل: "رأى الله أنه حسن"(49)].

هاجم القديس أغسطينوس(50) ما قاله العلامة أوريجينوس في كتابه "المبادئ" أن المياه التي فوق هي الأرواح الصالحة التي خلقها الله وبقيت هكذا في صلاحها بسبب التصاقها بالله، وأنها إذ انعزلت عنه صارت منحطة فعاقبها الله بإنزالها إلى العالم وحملها أجسادًا. وكأن العالم الذي نعيشه هو عقوبة أوقعها الله على ملائكة ساقطين لبسوا جسدًا كتأديب لهم. هذه النظرية رفضها أيضًا القديس أبيفانيوس وعارضها آباء الكنيسة إذ تشوه نظريتنا للعالم، وتدنس الجسد، وتقلل من شأن الإنسان وتوحي بفكرة تناسخ الأرواح.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. اليوم الثالث: إنبات الأرض...

St-Takla.org Image: Creating grass, herbs, trees and seeds (Genesis 1:11-13) صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق النباتات "الزرع" (تكوين 1: 11- 13)

St-Takla.org Image: Creating grass, herbs, trees and seeds (Genesis 1:11-13)

صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق النباتات "الزرع" (تكوين 1: 11- 13)

9 وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ 10 وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ 11 وَقَالَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ 12 فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بِزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ 13 وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا.

 

نقتطف كلمات الأستاذ الدكتور يوسف رياض بخصوص الخلق: [نجد أن موسى النبي في بداية سفر التكوين قسم أعمال الله على سِت فترات من الزمن منتهيًا بخلق الإنسان، وقال موسى أن النباتات ظهرت أولًا على شكل نباتات بسيطة وهي العشب، ثم تدرجت الحياة إلى ما هو أكثر تعقيدًا وهو البقل، ثم الشجر، وبعد ذلك ظهر الحيوانات، وواضح أن الحيوانات المائية ظهرت قبل الطيور وهذه ظهرت قبل الإنسان. هذا الترتيب هو نفس الترتيب الذي تضعه علوم الحياة للكائنات الحية. فهل كان موسى على علم بمعلوماتنا عن الكائنات الحية في القرن العشرين؟ كلا. ربما يقول البعض إن هذا الترتيب جاء نتيجة للمصادفة ولكن الحقيقية أن الله هو الذي أرشده لهذه المعرفة].

كتب موسى أيضًا في سفر التكوين (تك 1: 9-10): "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة، وكان كذلك. ودعا الله اليابسة أرضًا ومجتمع المياه دعاه بحارًا، ورأى الله ذلك أنه حسن".

كتب موسى بأن الله جمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد، والمتأمل في خريطة العالم يلاحظ فعلًا أن ذلك صحيح علميًا، وإذ أن جميع المحيطات السبعة لها قاع واحد، إذ هي مشتركة مع بعضها في القاع. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن موسى كان حريصًا إذ ذكر البحار منفصلة، لأنه ذكرها بصيغة الجمع "بحارًا". وفي أيام موسى كان البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وربما بعض أجزاء من المحيط الأطلنطي معروفين لدى البشر، وأن المحيطات السبعة المعروفة الآن لدينا لم تكتشف إلاَّ بعد قرون طويلة حين بنَى الإنسان المراكب الضخمة، فكيف عرف موسى أن البحار مع كونها منفصلة إلاَّ أن قاعًا واحدًا لها! (51)].

يرى البعض أنه في هذه الحقبة أمر الله حرارة الأرض أن تهدأ أكثر من ذي قبل مما أدى إلى تقلص القشرة الأرضية وتشققها، فنشأت المجاري العميقة وتكونت الأنهار والبحيرات والبحار. وقد تجمعت البحار والمحيطات معًا في مكان واحد، أما البحار المعزولة الآن فجاءت نتيجة لعوامل طبيعية مختلفة.

والآن إذ نترك التفسير الحرفي أو التاريخي وننطلق إلى التفسير الرمزي أو الروحي، نجد العلامة أوريجينوس يميز بين اليابسة والأرض، فاليابسة وقد غطتها المياه تشير إلى الإنسان وقد غطته الخطية والرذيلة فصار كأرض غارقة في المياه لا تصلح للإثمار، أما إذا انحسرت عنها الخطية فتتحول من يابسة عقيمة إلى أرض قابلة للإثمار تنتج عشبًا وبقلًا وأشجارًا، أي تأتي بثمر روحي ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 8). يقول العلامة أوريجينوس: [إن لم ننفصل عن المياه التي هي تحت السماء، أي خطايا جسدنا ورذائله، لا يمكن للأرض أن تظهر في حياتنا، ولا أن نتمتع بالقدرة على النمو في النور. "لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله، وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة" (يو 3: 20، 21). لا توهب لنا هذه الثقة إن لم ننفصل عن مثل هذه المياه، وننزع عنا رذائل الجسد التي هي أساس خطايانا، وإلاَّ يبقى العضو اليابس فينا في يبوسته(52)].

ليتنا إذن نتقبل عمل الله فينا فيحول يابستنا الداخلية إلى أرض مقدسة تقدم ثمار الروح لتبهج الله، لا أن تحمل لعنة وتقدم شوكًا وحسكًا. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إن كان البعض لا يزالون يابسين ليس لهم ثمر بل يحملون شوكًا وحسكًا (تك 3: 18)، هؤلاء يحملون [اللعنة التي نهايتها الحريق] (إش 9: 17، 18؛ عب 6: 8)، لكن بالاجتهاد والمثابرة إذ ينفصلون عن مياه الهاوية التي هي طريق الشيطان يظهرون أرضًا خصبة، عندئذ يليق بهم أن يترجوا الرب الذي ينقلهم إلى أرض تفيض عسلًا ولبنًا]. كما يقول: [لنرجع إلى أنفسنا، فإننا أرض، لسنا بعد يابسة! لنقدم للرب ثمارًا كثيرة ومتنوعة لكي نتبارك من الرب بالقول: "رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب" (تك 27: 27). ويتم فينا قول الرسول: [لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة وأنتجت عشبًا صالحًا للذين فلحت من أجلهم تنال بركة من الله، ولكن إن أخرجت شوكًا وحسكًا فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها الحريق] (عب 6: 7، 8)(53)].

ويرى القديس أمبروسيوس(54) في إنبات الأرض علامة على قيامة الجسد من الموت، فكما تخرج الأرض حياة بأمر الرب، هكذا بأمره يرد الحياة لجسدنا المائت. الطبيعة تطيعه، والعظام اليابسة تطيعه أيضًا في يوم الرب العظيم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6. اليوم الرابع: خلق الأنوار...

14 وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ 15 وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ 16 فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ 17 وَجَعَلَهَا اللهُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ 18 وَلِتَحْكُمَ عَلَى النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَلِتَفْصِلَ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ 19 وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا رَابِعًا.

 

من أجل الإنسان خلق الله العوالم الشمسية في دقة نظامها الفائق، لا ليجعل منا رجال فلك وإنما لأجل خدمتنا وإعلان حبه لنا.

St-Takla.org Image: Creation of the sun, moon and the stars (Genesis 1:14-19) صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الشمس والقمر والنجوم (تكوين 1: 14- 19)

St-Takla.org Image: Creation of the sun, moon and the stars (Genesis 1:14-19)

صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الشمس والقمر والنجوم (تكوين 1: 14- 19)

إن كان الله قد خلق الشمس لتنير له في النهار وتكون له عونًا في كل حياته، إنما يقدم لنا كلمته الحيّ شمس البر الذي يحول ظلمتنا إلى نهار لا ينقطع، واهبًا إيانا حياة جديدة داخلية. يسطع باشراقاته على الكنيسة فيجعل منها قمرًا تضيء على العالم، ويعمل في كل عضو ليجعل منه نجمًا له موضعه ليدور في الفلك الذي له ساكبًا نورًا وبهاء على الأرض. يقول العلامة أوريجينوس: [المسيح هو نور العالم الذي يضئ الكنيسة بنوره. كما يستمد القمر نوره من الشمس فينير الظلام، هكذا تستمد الكنيسة النور من المسيح لتضئ على الذين هم في ظلمة الجهل(55)]. كما يقول: [موسى أحد هذه الكواكب يلمع فينا، وأعماله تنيرنا. وبالمثل إبراهيم وإشعياء ويعقوب وإرميا وحزقيال، كل الذين شهد لهم الكتاب أنه أرضوا الله (عب 11: 5)]. وكما يقول أيضًا: [كلما ارتفعنا إلى فوق نتأمل الشروق من الأعالي، ويكون البهاء والحرارة بصورة أفضل. هكذا كلما صعد فكرنا وارتفع إلى المسيح اقترب من بهاء ضيائه، فنستضئ بنوره في أكثر روعة وجمال. وكما يقول بنفسه: "ارجعوا إليَّ يقول رب الجنود فأرجع إليكم" (زك 1: 3)... فإن كنا قادرين أن نرتفع معه إلى قمة الجبل مثل بطرس ويعقوب ويوحنا نستضيء بنور المسيح وبصوت الآب نفسه(56)].

خلق الكواكب بأنواعها المختلفة وأحجامها المتباينة ومواقعها المتباعدة تبعث في النفس شوقًا داخليًا للمسيح في سماء الكنيسة فترتفع النفس من مجد إلى مجد (2 كو 3: 18)، لتكون كوكبًا أعظم بالمسيح يسوع.

يقول الكتاب: "وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الأرض" [17]. وكأن كل كوكب روحي يود أن يحتفظ بطبيعته ككوكب وعمله [إنارة الأرض] يلزمه أنه يبقى "في جلد السماء"، أي يبقى حاملًا الطبيعة السماوية. فإن سقط كوكب على الأرض يفقد كيانه ككوكب ويُفسد الأرض عوض أن ينيرها. هكذا كل نفس تجامل الآخرين فتسقط معهم في محبة الأرضيات وتعيش بفكر زمني تفقد طبيعتها السماوية، ويظلم نور الرب فيها، وتهلك معها الكثيرين. إذن لنحب الأرض ببقائنا في جلد السماء، لا في كبرياء أو رياء، وإنما في حب نعكس نور شمس البر على الآخرين، مدركين أن سر الاستنارة ليس فينا وإنما في شمس البر المشرق على الجميع مجانًا!

إن كانت الأرض تشير إلى الجسد فإنه متى حملت النفس الطبيعة السماوية الجديدة وحلقت في جلد السماء ككوكب تعكس نور الرب على الجسد فيستنير، ولا تكون أرضنا (الجسد) عائقًا في طريق خلاصنا إنما تحمل نور المخلص فيها؛ هكذا يسلك الجسد مع النفس في تناغم وتوافق، ويتحقق القول: "وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الأرض".

وللقديس ثاوفيلس أسقف أنطاكية من رجال القرن الثاني بعض التعليقات على خلق الكواكب المنيرة في اليوم الرابع. ففي رأيه أن الأيام الثلاثة الأولى تشير إلى الله وكلمته وحكمته، وربما قصد الثالوث القدوس، وجاء اليوم الرابع يشير إلى البشرية التي خلقها الله ككواكب منيرة تخضع للوصية الإلهية. هذه الكواكب نوعان: كواكب بهية ثابتة لا تنحدر مثل الأنبياء ومن يتمثلون بهم؛ وكواكب سيارة تغير مركزها تشير إلى الذين ضلوا عن الله وتركوا وصيته(57).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7. اليوم الخامس: خلق الأسماك والطيور...

20 وَقَالَ اللهُ: «لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ السَّمَاءِ» 21 فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الَّتِي فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ 22 وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلًا: «أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ» 23 وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا خَامِسًا.

 

إذ تهيأت الأمور لخلق الأسماك قال: "لِتَفِضِ الْمِيَاهُ.. ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ" [20]، فكانت بداية الخلائق التي لها نفس حيّة في المياه، وكما يقول القديس أمبروسيوس أنه كما أنجبت المياه كائنات حية طبيعيًا بكلمة الله هكذا تلد المياه المقدسة الآن بكلمة الله كائنات حيَّة حسب النعمة، إذ نعيش كالسمك متمثلين بالمسيح السمكة الحقيقية.

يرى القديس أغسطينوس في خروج الزحافات ذات الأنفس الحية من المياه صورة حيَّة لخروج الشعب القديم زاحفًا من البحر الأحمر يحمل حياة في داخله، وكأنه كان منطلقًا من مياه المعمودية(58). وما حدث معهم رمزيًا يتحقق معنا واقعيًا، إذ يقول: [انظروا أنتم الذين أخرجتكم المياه تزحف فيكم أنفس حيّة(59)].

St-Takla.org Image: Creation of fish and birds (Genesis 1:20-23) صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الأسماك والطيور (تكوين 1: 20- 23)

St-Takla.org Image: Creation of fish and birds (Genesis 1:20-23)

صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الأسماك والطيور (تكوين 1: 20- 23)

ويرى العلامة أوريجينوس في الزحافات إشارة إلى الأفكار الشريرة التي تجعلنا كمن يزحف على الأرض مرتبطة قلوبنا بالتراب، أما الطيور فتشير إلى الأفكار الصالحة التي تنطلق بنا إلى السمويات، إذ يقول: [فيما يخص ما هو أفضل أي الطيور لنتركها تحلق في جلد السماء ولا تزحف على الأرض... لنعرف الزحافات التي تؤذينا. فإن نظرنا إلى امرأة لنشتهيها نكون كالحيّة (التي تزحف)، وإن كان لنا تعقل ورزانة فحتى إن عشقنا المرأة المصرية نكون كالعصفور، نترك بين يديها ملابسنا المصرية ونطير بأجنحتنا من مكائدها المخادعة (تك 39: 7). إن تركنا أنفسنا لفكر السرقة فإننا نتمم أعمال الحية، أما إذا قدمنا صدقة للآخرين فنكون كعصفور يرتفع فوق الأرضيات محلقًا في جلد السماء(60)].

يتساءل العلامة أوريجينوس إن كانت الزحافات تشير إلى الفكر الشيطاني، فلماذا يقال أن الله رأى كل شيء حسنًا؟ يجيب أنه حتى في مقاومة الشيطان لنا ننعم بالنصرة والإكليل فيكون لنا حسنًا(61).

أما القديس ثاوفيلس الأنطاكي فيرى في الأسماك ما هو صالح حينما يشير إلى المتمتعين ببركات جرن المعمودية والذين لا يطلبون ما لهم، أي ليس لهم ملكية خاصة، ومن الأسماك ما هو شرير حين يكون الإنسان كالسمك يأكل الكبير الصغير، والقوي الضعيف. والطيور أيضًا منها الصالح ومنها الشرير: [الذين يرجعون عن شرهم ويعيشون بالبر في الروح يطيرون إلى أعلى ويسرون إرادة الله، أما الذين لا يعرفون الله ولا يعبدونه فيكونون كالطيور التي لها أجنحة لكنها عاجزة عن الطيران فلا تحلق في الإلهيات العالية(62)].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

8. اليوم السادس: الحيوانات والإنسان...

St-Takla.org Image: Creation of the living creature (Genesis 1:24, 25) صورة في موقع الأنبا تكلا: الكائنات الحية (تكوين 1: 24، 25)

St-Takla.org Image: Creation of the living creature (Genesis 1:24, 25)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الكائنات الحية (تكوين 1: 24، 25)

24 وَقَالَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا». وَكَانَ كَذلِكَ 25 فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ 26 وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» 27 فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ 28 وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» 29 وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا 30 وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا». وَكَانَ كَذلِكَ 31 وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا.

 

هيأ الله كل شيء لخلق الحيوان ثم خلق الإنسان، مقدمًا لهم الأمور المنظورة وغير المنظورة.

يرى القديس ثاوفيلس الأنطاكي أن الحيوانات المفترسة لم تحمل روح الشراسة إلا بعد سقوط الإنسان، مما قدمه الإنسان لنفسه من فساد خلال عصيانه انعكس على طبيعة الأرض لِتُخْرِج شوكًا وحسكًا، وعلى الحيوانات ليحمل بعضها نوعًا من الشراسة، تزول بالنسبة لكثير من الأبرار، إذ يقول: [عندما يرجع الإنسان إلى حالته الطبيعية فلا يفعل شرًا تعود هذه الحيوانات أيضًا إلى لطفها الأصلي(63)]. وتاريخ الكنيسة يقدم لنا أمثلة بلا حصر لقديسين عاشوا وسط حيوانات مفترسة، وفي السنوات الأخيرة رأينا راهبًا مثل "الأب عبد المسيح الحبشي" لا يؤذيه أي حيوان مفترس بل يعيش في وسطها.

أخيرًا توّج الله خليقته الأرضية بخلق الإنسان لا كخليقة وسط مخلوقات بلا حصر، وإنما على صورته ومثاله، وأقامه سيدًا على الخليقة الأرضية... ويلاحظ في خلق الإنسان الآتي:

أولًا: إن ما يشد أنظارنا في خلق الإنسان قوله: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" [26]، مؤكدًا: "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه" [27]. الأمر الذي لم نسمع عنه قط في خليقة أخرى، إذ أوجد النفس تحمل صورة الثالوث القدوس، وتتسم بالتمثل بالله...

قبل أن أقدم تعليقات آباء الكنيسة الأولى في هذا الشأن أود أن أشير باختصار إلى الفلسفات الإلحادية المعاصرة لنرى أنها تقوم عن عدم إدراك لحقيقة العلاقة التي تربط الله بالإنسان، وعدم فهم خلق الإنسان على صورة الله.

St-Takla.org Image: Karl Marx, retouched reproduction of a carte de visite, 1867 made in Hanover by Friedrich Wunder صورة في موقع الأنبا تكلا: كارل ماركس، صورة مهذبة عن كارت زيارة، 1867، مصنوعة في هانوفر عن طريق فريدريك فوندر

St-Takla.org Image: Karl Marx, retouched reproduction of a carte de visite, 1867 made in Hanover by Friedrich Wunder

صورة في موقع الأنبا تكلا: كارل ماركس، صورة مهذبة عن كارت زيارة، 1867، مصنوعة في هانوفر عن طريق فريدريك فوندر

نحن نعلم أن الإلحاد المعاصر هو رفض الله أكثر منه إنكارًا لوجوده(1)، فالملحدون المعاصرون لا ينكرون وجود الله لكنهم يتجاهلون وجوده، أو بمعنى أدق يريدون التحرر منه لأنه في نظرهم يستعبد الإنسان ويفقده إنسانيته. لذلك قال الملحد الألماني هنري هين: [فلنترك السماء للملائكة والعصافير]، وقال الشاعر الفرنسي بريفير: [أبانا الذي في السماوات، أبق فيها]. وجاء ماركس بإلحاده فتتلمذ جزئيًا على كلمات الفيلسوف فووباخ (1804-1872) القائل: [أن نقطة التحول الكبرى في التاريخ ستكون اللحظة التي سيعني فيها الإنسان أن الإله الوحيد هو الإنسان نفسه Homo homini deus]. هكذا أراد فووباخ أن يكون الإنسان إلهًا لذاته، ليس من كبير يكتم أنفاسه، وجاء ماركس ينكر وجود الله لا لشيء إلاَّ ليؤكد وجود الإنسان. هكذا رأى ماركس خطأ أن الدين هو "تغرب عن الإنسان" بالهروب إلى ما يسمَّى "إله". والآن لا أريد مناقشة هذه الأفكار هنا وإنما يمكن الرجوع للبحث الشيق العلمي الذي كتبه الأستاذ كوستي بندلي(64) Costi Bendaly، وإنما ما أريد توضيحه أن ما أثار هؤلاء الفلاسفة الملحدين هو عدم إدراكهم لتقدير الله للإنسان. فالله ليس عدو الحرية الإنسانية كما كرر الماركسيون، ولا يقوم وجوده على عجز الإنسان وذله، إنما خلق الإنسان على صورته ليقبل خالقه صديقًا له، يتجاوب معه لا على مستوى المذلة والضعف وإنما على مستوى الحرية والحب والصداقة، وسنرى في دراستنا للكتاب المقدس ككل أن الخط السائر فيه هو إقامة الإنسان على صورة الله ومثاله ليكون وارثًا لله ووارثًا مع المسيح، شريكًا معه في المجد الأبدي. نرى الله يجري وراء الإنسان ليضمه إليه لا ليحطمه، ويرفعه إلى ما فوق الحياة الزمنية. حتى بعد السقوط نسمع السيد المسيح كلمة الله يقول: [لا أعود اسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي] (يو 15: 15).

وجود الله لا يقوم على إهدار حياة الإنسان وكرامته، إنما نزل الله إلينا لكي يرفعنا إليه، وقد جاء اللاهوت الشرقي في القرون الأولى ملخصًا في العبارة المشهورة التي كررها كثير من الآباء وإن كان بأسلوب مختلف: [صار الله إنسانًا، لكي يصير الإنسان إلهًا]. إن ما يحمله الملحدون المعاصرون من شوق نحو الألوهية إنما هو عطش داخلي نحو الأبدية يقوم خلال الصورة التي تمتع بها الإنسان دون سائر الخليقة الأرضية. وكما يقول كوستي بندللي: [أماني الإنسان اللامحدودة هي في الإنسان صورة الله غير المحدود الذي يدعوه إلى مشاركته حياته(65)].

لقد ظن ماركس أن يقيم من نفسه إلهًا لنفسه بإنكاره وجود الله، ولم يدرك أن ما في داخله من شوق نحو الألوهية إنما هو ثمرة خلقه على صورة الله وإن كانت قد انحرفت في اتجاهاتها. وقد واجه ماركس "مشكلة الموت" في عجز لذا حاول عدم التعرض لها في إنتاجه الضخم إلاَّ مرة واحدة، بسبب ارتباكه أمام الموت وإدراكه أنه عندئذ يفقد ألوهيته التي أقامها لنفسه. وظهر ذلك في قوله: [إن موت ولدي آلمني كثيرًا حتى أنني لا أزال أشعر بمرارة فقده كما في اليوم الأول(66)]. هنا يتحطم كل رجاء له، ويفقد معنى الحياة، لذلك بدأ الماركسيون يثيرون في مؤتمراتهم مشكلة "معنى الحياة والموت" إذ يقفون في حالة ارتباك.

إن كان الملحدون المعاصرون يظنون في تحطيم العلاقة مع الله إقامة للكيان الإنساني، فإننا نقول أن اتحادنا مع الله الذي خلقنا على صورته ومثاله، ومات لينجينا ويهبنا شركة طبيعته والتمتع بأمجاده فوق حدود الزمان والمكان. إننا نحمل صورته وكأننا عملته الخاصة التي لا يغتصبها آخر بل تنجذب إليه لتوجد الصورة مع الأصل، وكما قال السيد: [أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله] (مت 22: 21). إذ نحمل صورته نشتاق أن نرجع إليه وننعم بأحضانه.

St-Takla.org Image: Then God said, "Let Us make man in Our image, according to Our likeness (Genesis 1:26) صورة في موقع الأنبا تكلا: وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا (تكوين 1: 26)

St-Takla.org Image: Then God said, "Let Us make man in Our image, according to Our likeness (Genesis 1:26)

صورة في موقع الأنبا تكلا: وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تكوين 1: 26)

فيما يلي بعض تعليقات للآباء عن خلق الإنسان على صورة الله ومثاله:

* لاحظ كيف يوجد في خلق الإنسان أمر سامِ جدًا لا نجده في خلق آخر، فخلق الله الإنسان على صورته ومثاله، الأمر الذي لا نجده في خلق السماء أو الأرض أو الشمس أو القمر.

* الذي صُنع على صورة الله هو إنساننا الداخلي غير المنظور، غير الجسدي، غير المائت ولا فانٍ. بهذه السمات الحقيقية تتصف صورة الله وبها تُعرف(67).      

العلامة أوريجينوس

* إني أقصد ما قاله الرب عندما رأى عملة قيصر: [أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله] (مت 22: 21)، كأنه يقول: كما يطلب قيصر منكم ختم صورته هكذا يطلب الله، فترد العملة لقيصر وتُرد النفس لله مستنيرة ومختومة بنور ملامحه(68).

* لقد طبعت ملامحك علينا! لقد أوجدتنا على صورتك ومثالك! لقد جعلتنا عملتك، لكن لا يليق بصورتك أن تبقى في الظلام. أرسل شعاع حكمتك لتبدد ظلمتنا فتشرق صورتك فينا(69).       

* لا تبحث كيف ترد له المكافأة... ردّ له صورته، فهو لا يطلب شيئًا غير هذا. إنه يطلب عملته... لا تعطه مكافأة من عندك، فالله لا يطلب ما هو لك، فإنك إذ تعطيه ما لديك إنما تقدم الخطية(70).    

القديس أغسطينوس

ثانيًا: خلق الله النفس البشرية على صورته ومثاله، أي على مِثال الثالوث القدوس فهي كائن ناطق حيّ، ومع أنها جوهر واحد في كيانها وطبيعتها لكن الكيان غير النطق غير الحياة. هكذا مع الفارق الآب هو الوجود الذاتي له، والنطق هو كلمة الله، والحياة هو الروح القدس. فالله واحد في جوهر، موجود بذاته، ناطق بالابن، حيّ بالروح القدس.

St-Takla.org Image: The LORD God formed man of the dust of the ground (Genesis 1:26-28) صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الإنسان من التراب (تكوين 1: 26- 28)

St-Takla.org Image: The LORD God formed man of the dust of the ground (Genesis 1:26-28)

صورة في موقع الأنبا تكلا: خلق الإنسان من التراب (تكوين 1: 26- 28)

ثالثًا: في خلق الإنسان وحده دون سائر الخليقة يقول الله: "نعمل" بصيغة الجمع، إذ يلذ للثالوث القدوس أن يعمل معًا بسرور من أجل هذا الكائن المحبوب.

رابعًا: خلق الله الإنسان في النهاية حتى يتوجه كملك على الخليقة، وكما نقول في القداس الأغريغوري أنه لم يجعلنا معوزين شيئًا من أعمال كرامته. خلق كل شيء من أجله وأعطاه سلطانًا، إذ قال: "إملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" [28]. لم يخلقه كائنًا خانعًا في مذلة إنما أراده صاحب سلطان على نفسه كما على بقية الخليقة.

 يقول العلامة أوريجينوس: [هذه تشير إلى ما ينبع عن النفس كما إلى أفكار القلب، أو ما ينتج عن شهوات جسدية وحركات الجسد. فالقديسون الذين هم أمناء في بركة ربنا يحملون سلطانًا على هذه الأمور، فيسيطرون على الإنسان بكليته حسب إرادة الروح، أما الخطاة فعلى العكس يسقطون تحت سلطان ما ينتج عن رذائل الجسد وشهواته(71)]. المسيحي الحقيقي كما يقول الأب مار إسحق السرياني ملك صاحب سلطان يقول لهذا الفكر اذهب فيذهب ولذاك أن يأتي فيأتي.

خامسًا: جاء خَلْق الإنسان في اليوم السادس أو الحقبة السادسة حتى إذ تكمل خلقته لا يرى الله أن كل ما عمله حَسَنٌ فقط بل "حَسَنٌ جِدًّا" [31]، فيستريح في اليوم السابع، أي يفرح وَيُسَرّ بالإنسان مَوضِع حُبه. وكما خلق الإنسان في اليوم السادس، قدم السيد المسيح حياته فدية على الصليب ليعيد خليقته أو يجددها روحيًّا في اليوم السادس في وقت الساعة السادسة. ويرى القديس أغسطينوس(72) أن السيد المسيح جاء إلى الإنسان في الحقبة السادسة ليجدد الإنسان ويرده إلى صورة الله، إذ يقسم تاريخ الخلاص إلى الحلقات التالية: الأولى من آدم إلى نوح، والثانية من نوح إلى إبراهيم، والثالثة من إبراهيم إلى داود، والرابعة من داود إلى سبي بابل، والخامسة من سبي بابل إلى كرازة يوحنا، والآن نحن في المرحلة السادسة أو في اليوم السادس حيث جاءنا السيد المسيح ليجدد خليقتنا حتى ينتهي العالم وندخل إلى راحته في يوم الرب أو اليوم السابع.

St-Takla.org Image: God gives dominion to man over all creation (Genesis 1:26) صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يسلط الإنسان على المخلوقات (تكوين 1: 26)

St-Takla.org Image: God gives dominion to man over all creation (Genesis 1:26)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الله يسلط الإنسان على المخلوقات (تكوين 1: 26)

سادسًا: في حديثه العام عن الخلق تحدث هنا عن خلقه الإنسان في عبارة مختصرة ودقيقة للغاية، إذ يقول: "ذكرًا وأنثى خلقهم" [27]، مع أنه سيعود ويتحدث في شيء من التفصيل عن خلق آدم ثم حواء، لكنه من البداية أَكَّد "ذكرًا وأنثى خلقهم" ليظهر أن لنا أبًا واحدًا وأمًا واحدة، فترتبط البشرية كلها بِرِبَاط دم واحد... وليؤكد جانبًا آخر هو تقديس لسر الزواج بين الرجل والمرأة بكونه سرّ الوحدة بينهما. يقول العلامة أوريجينوس: [كل أعمال الرب تتم بعمل مجموعة متحدة معًا كالسماء والأرض، والشمس والقمر، وهكذا أراد الكتاب أن يظهر الإنسان كعمل الرب لا يتحقق بدون الملء والوحدة التي تناسبه(73)]. بمعنى آخر الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى لكي تكون فيهما حركة حب كل نحو الآخر، لا بالمفهوم الشهواني الجسدي، إنما ما هو أعظم "الحب" كعلامة الحياة الداخلية التي تعطي ولا تنتظر مقابل. إن كان الثالوث القدوس هو ثالوث الحب الذي يتفاعل معًا أزليًا في حركة حب فإن الله يريد في البشرية أن تحمل حركة حب صادق من أجل طبيعة الحب الداخلية وليس انتظارًا لمكافأة. ولعل هذا هو الهدف الأول للحياة إنسانية بوجه عام، وهو أيضًا هدف الحياة الزوجية.

يقول الكتاب: "وباركهم الله وقال لهم: اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا..." [28]. وكما يقول القديس أغسطينوس: [الإكثار والنمو لملء الأرض هما هبة من بركة الله، إنهما عطية الزواج الذي أسسه الله من البداية قبل سقوط الإنسان عندما خلقهما ذكرًا وأنثى، بمعنى أنه خلقهما جنسين متمايزين(74)]. ويقول العلامة أوريجينوس: [لا يستطيع الرجل أن يثمر ويكثر بدون المرأة، (فأعطاه المرأة) لكي لا يشك في إمكانية البركة(75)].

 لقد خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى لينجبا -حتى ولو لم يسقطا في العصيان- وليس كما ظن البعض أن الإنجاب جاء ثمر للخطية. لذلك يؤكد القديس أغسطينوس(76) إن الإنجاب يتحقق لا كثمرة للشهوة وإنما كجزء من مجد الزواج الذي أسسه الله نفسه، كما يرفض القول بأن الخطية التي ارتكبها الأبوان الأولان هي الشهوة الجسدية وقد عرّتهما من الطهارة، وإنما يقول إن الشهوة جاءت ثمرة من ثمار العصيان.

أخيرًا فإن العلامة أوريجينوس(77) تفسيرًا رمزيًا أيضًا فيرى في الرجل رمزًا للعقل وفي المرأة رمزًا للروح، وكأنه يلتزم اتحاد العقل مع الروح في حياة مقدسة كعنصرين متفقين معًا ينجبان أبناء لهما سلطان على الأرض، أي على الجسد وكل طاقاته. بمعنى آخر أنه لا حياة روحية بدون العقل ولا بدون الروح، إنما يتناغم الاثنان معًا وينسجمان تحت قيادة الروح القدس ليثمرا في الرب ما يفرح قلبه.

St-Takla.org Image: Adam and Eve in the garden of Eden: the paradise on earth - from "Story of the Bible", authored by Rev. Hurlbut, 1904 صورة في موقع الأنبا تكلا: آدم وحواء في جنة عدن: الفردوس الأرضي - من كتاب "قصة الكتاب المقدس"، إصدار الكاهن هيرلبات، 1904

St-Takla.org Image: Adam and Eve in the garden of Eden: the paradise on earth - from "Story of the Bible", authored by Rev. Hurlbut, 1904

صورة في موقع الأنبا تكلا: آدم وحواء في جنة عدن: الفردوس الأرضي - من كتاب "قصة الكتاب المقدس"، إصدار الكاهن هيرلبات، 1904

في العهد الجديد إذ يرفعنا الله إلى الحياة السماوية الملائكية يشتهي البعض الحياة البتولية ليس احتقارًا للزواج ولا نهيًا عنه، ولكن تفرغًا للعبادة أو الخدمة لحساب ملكوت الله، كقول الرسول بولس: "لأَنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ كَمَا أَنَا... أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ" (1 كو 7: 7، 32-33). في هذا لا يحقر الرسول من الزواج إنما يرفع من شأن البتولية، كما يقول القديس جيروم: [بينما نحن نسمح بالزواج نفضل البتولية النابعة عنه... هل تعتبر إهانة للشجرة إن فُضل تفاحها عن جذورها وأوراقها؟!(78)].

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(*) توضيح من الموقع: "ورعون"، من كلمة "ورع" ومعناها تقوى وصلاح وخوف الله.

(1) تعليق من الموقع: لا يُقْصَد بهذا أنه يوجد إلحاد يؤمن بوجود إله ولكنه يرفضه، حيث أن الإلحاد يعني عدم الإيمان بوجود قوة إلهية عُليا من الأساس.  ولكن ربما يكون المقصود هو أن فكرة وجود إله يضع قوانين أو مبادئ يسير عليها الإنسان هي فكرة مرفوضة لبعض الملحدين، حيث أنها تحد من حرية الإنسان حسبما يرون..

(19) On Ps. 102.

(20) Hom. 1.

(21) Hexaemeron 1: 6.

(22) Ibid 1: 3.

(23) Ibid.

(24) راجع د. فوزي إلياس: ستة أيام الخليقة ص 11: 14.

(25) Pl 46: 821.

(26) In Gen. hom 1: 1.

(27) In Gen. hom 1.

(28) التوافق بين العلم الحديث والكتاب المقدس، ص 8 - 19.

St-Takla.org Image: Arabic Bible verse: "God created man in His own image; in the image of God He created him" (Genesis 1: 27) - Arabic calligraphy. صورة في موقع الأنبا تكلا: نص آية "خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه" (التكوين 1: 27) - فن بالخط العربي.

St-Takla.org Image: Arabic Bible verse: "God created man in His own image; in the image of God He created him" (Genesis 1: 27) - Arabic calligraphy.

صورة في موقع الأنبا تكلا: نص آية "خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه" (التكوين 1: 27) - فن بالخط العربي.

(30) Hexaem. 2: 1.

(31) De Baptismo 2.

(32) Ecol Proph 7.

(33) Cat. Lect. 3: 5.

توضيح من الموقع: يقصد أن حادثة معمودية السيد المسيح كانت هي بدء الكرازة بالإنجيل: البشارة المُفرِحة.

(34) On Ps. hom 10.

(35) Hexaem. 2: 6.

(36) Of the Holy Spirit 2: 5.

(37) د. فوزي إلياس، ص 18، 19.

(38) City of God 11: 7.

(39) Ibid.

(40) On Ps. 10.

(41) In Gen. 1: 6.

(42) Of the Holy Spirit 2: 148.

(43) Hexaem. 2: 6.

(44) Ibid 3: 10.

(45) In 1 Tim. hom 12.

(46) On Ps. 71.

(47) City of God 11: 23.

(48) راجع دراسات في سفر التكوين للدكتور راغب عبد النور (مجلة مدارس الأحد سنة 1، 2).

(49) In Gen. hom 1: 2.

(50) City of God 11: 23.

(51) التوافق بين العلم الحديث والكتاب المقدس، ص 21، 22.

(52) In Gen. hom 1: 3.

(53) Ibid.

(54) On Belief of Resur. 2: 74.

(55) In Gen 1: 5.

(56) Ibid.

(57) To Autolycus 2: 15.

(58) On Ps. 81.

(59) Ibid.

(60) In Gen. hom 1: 8.

(61) Ibid. 1: 10.

(62) To Autolycus 2: 16, 17.

(63) Ibid.

(64) الإله الإلحاد المعاصر، بيروت 1986.

(65) المرجع السابق، ص 19.

(66) المرجع السابق، ص 51.

(67) In Gen. hom 1: 13.

(68) On Ps. 67.

(69) Ibid.

(70) Ibid 103.

(71) In Gen. hom 1: 16.

(72) On Ps. 93.

(73) In Gen. hom 1: 14.

(74) City of God 14: 22.

(75) In Gen. hom 1: 14.

(76) City of God 14: 21.

(77) In Gen. hom 1: 14.

(78) Ep. 48: 2.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات التكوين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/01-Sefr-El-Takween/Tafseer-Sefr-El-Takwin__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/m2cbdjq