اسم السفر
كاتبه
غايته وسماته
النبوات في سفر التكوين
الرموز في سفر التكوين
سفر التكوين والكتاب المقدس
أقسامه
الأصحاح الثالث والعشرون (موت سارة) |
الأصحاح الرابع والعشرون (زواج إسحق) |
(اللقاء الثاني مع يوسف) |
|
يُدعى في العبرية "بي راشيت" وهي الكلمة العبرية الأولى من السفر نفسه وتعني (في البدء)، أما تسميته "التكوين" فمترجمة عن السبعينية وتعني (الأصل) أو (بداية الأمور).
موسى النبي، يظن أنه كتبه في مديان عندما كان يرعى غنم حميه يثرون، والأرجح أنه كتبه بعد استلامه لوحي الشريعة. وقد تعلم الكتابة من المصريين الذين تثقف بحكمتهم، وإن كان الذي علّم التلاميذ اللغات يوم الخمسين قادر أن يعلم موسى الكتابة.
1. شغل موضوع الخلقية العالم القديم بكل دياناته وفلسفاته وأدبه الشعبي وكان يحمل مزيجًا من الأساطير والخرافات، لذا التزم موسى أن يسجل في شيء من البساطة التي يمكن أن يفهمها حتى الرجل العامي في شرحه للخليقة بعيدة كل البعد عن الخزعبلات القديمة. ومما يجدر ملاحظته أنه لم يقدم "لاهوتًا خاصًا بالخلق Ktisiology" إنما حدثنا عن الخلق كطريق لتفهم عمل الله الخلاصي. فالوحي الإلهي لم يهدف إلى عرض لاهوتيات وفلسفات خاصة بالخليقة وإنما أراد أن يدخل بنا إلى الخالق الذي يهتم بتجديد الخليقة بعد فسادها. وكما يقول أحد الدارسين: (في إسرائيل كان علم اللاهوت الخاص بالخليقة Ktisiology يعتبر ثانويًا معتمدًا على علم اللاهوت الخاص بالخلاص Soteriology)(15).
يرى القديس ديديموس الضرير في تفسيره لسفر التكوين أن غاية الوحي الإلهي من الحديث عن الخلق هو تصحيح الأفكار الخاطئة التي تسربت إلى إسرائيل في هذا الشأن من العبادات الوثنية المصرية. أما القديس باسيليوس فيؤكد أن عمل الكنيسة ليس دراسة طبيعة المخلوقات (أي الدراسات الفلسفية العقلية الجافة) وإنما النظر في أعمالها ونفعها(16)، وان موسى النبي كتب في بساطة ليؤكد بعض الحقائق التي شوهها بعض الفلاسفة الملحدين، فأكد أن العالم ليس وليد الصدفة(17)، وإنما هو عمل خالق ماهر، وأنه ليس أزليًا مع الله ولا يشاركه أبديته إنما له بداية ونهاية(18).
2. أبرز هذا السفر جانبًا هامًا يمس علاقتنا بالله. فالإنسان في نظر الله ليس مجرد خليقة وسط ملايين من المخلوقات الأرضية والسماوية لكنه كائن فريد يحمل السمة الأرضية في الجسد والسماوية في الروح. له تقديره الخاص في عيني الله. وهبة الله الإرادة الحرة التي تميز بها عن سائر المخلوقات الأرضية، فالأرض بكل جبروتها والكواكب بكل عظمتها تسير حسب قوانين طبيعية موضوعة لها، والحيوانات تسلك حسب غريزة طبيعية، أما الإنسان فالكائن الحرّ له أن يختار الطريق ويسلك حسبما يقرر.
من أجل هذا خلق الله الإنسان سيدًا على الأرض، ومتسلطًا على كل ما عليها وما تحتها، ما في البحار وما في الهواء... حتى على الفضاء! لقد وهبه صورته ومثاله وأقامه كسفير له.
وتبرز نظرة الله لنا واعتزازه بنا من شوقه أن ينسب نفسه إلينا متى تأهلنا لذلك، فيدعو نفسه إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب... يود أن يكون إلهًا خاصًا بكل ابن له.
3. أبرز هذا السفر أبوة الله الفائقة للإنسان، فلم يخلقه أسيرًا كما تخيلته بعض الفلسفات المعاصرة، ولا أقامه في مذلة يتحكم فيه كيفما أراد، وإنما أقامه ابنًا محبوبًا لديه، من أجله خلق المسكونة وقد هيأ له الأمجاد الأبدية ليرفعه إلى حيث يوجد الله أبوه ليعيش الإنسان شريكًا في المجد، متنعمًا بالأبوة الفائقة. قيل عن أحدهم أنه إذ كان يحتضر تبسم بفرح وهو يخاطب الله: "هل أنت خلقت العالم لأجلي، أم أنا الذي جبلته؟ الآن أستطيع أن أقول أنك قادر أن تشبعني وترعاني!". هذا ما هدف إليه سفر التكوين: يقدم لنا الله الخالق للعالم المادي ومؤسس العالم الروحي. في أبوته الحانية خلق من أجلي السماء والأرض الماديتين لينطلق بي إلى مجيئه الأخير لأنعم بالسماء الجديدة والأرض الجديدة على مستوى ملائكي أبدي!
4. يرى البعض في هذا السفر أنه أهم أسفار الكتاب المقدس، إن صح التعبير. إذ يضع الأساس لكل إعلان، يفتح لنا الباب لإدراك المفاهيم اللاهوتية السليمة، فيعرفنا عن الله وعلاقته، ووصيته الإلهية وعملها في حياتنا. حدثنا عن الأسرة البشرية في الرب كيف انطلق من خلق الإنسان إلى تكوين أسرة مقدسة، فعشيرة ثم شعب لله. كشف لنا عن مفهوم الزواج والحياة الأسرية، كما عرفنا علاقتنا بالجسد والخليقة غير العاقلة. فضح عدو الخير وأعلن خططه المهلكة وشهوته من جهة هلاك الإنسان. أخيرًا يضع السفر الأساس لتاريخ الخلاص والنبوة إلخ...
5. الله في حبه للإنسان قدم أسراره له -قدر ما يحتمل- لا للمعرفة العقلية الجامدة وإنما ليدخل معه في صداقة أبدية، وكأنه بالصديق الذي يفتح خزائن قلبه لصديقه حتى يدخل به من يوم إلى يوم إلى أعماق جديدة في الصداقة. فإن حدثنا الرب عن ألقابه الإلهية مثلًا إنما لكي نتعرف عليه خلال هذه الألقاب وننعم بعمله معنا وفينا. فلا نجد في السفر كتابات فلسفية نظرية ومبادئ جامدة وقوانين حرفية، لكننا نرى الله متجليًا كصديق، فيتمشَّى صوته عند هبوب ريح النهار في الجنة ليلتقي بالإنسان الساقط، وفي الحقل يحاج قايين القاتل، وعند ثورة بابل ينزل ليرى ماذا يفعل الإنسان، وفي وقت الظهيرة يتقبل مع ملاكيه ضيافة إبراهيم، وفي الطريق يلتقي مع يعقوب في صراع ليحطم اعتداده بذاته...
6. إذ أفسدت الخطية عيني الإنسان وأفقدته القدرة على اللقاء مع صديقه الأعظم قدم لنا هذا السفر منهج العبادة لله بكونه يحمل شقين متلازمين: الذبيحة لأجل المصالحة والسلوك الحيّ لحمل سمات الله فينا... وهكذا عرفنا هذا السفر مفهوم العبادة كسر مصالحة مع الله خلال الذبيحة وحياة معه خلال شركة الحب العامل.
7. يمكننا القول بأن الكتاب المقدس كله جاء ليكشف ما ورد في هذا السفر عن حديث الله للحية: "وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يستحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تك 3: 15). فالكتاب المقدس إنما يعلن الصراع المرّ بين عدو الخير والإنسان الذي ينتهي بنصرة الإنسان خلال ذبيحة السيد المسيح (نسل المرأة) وإن كان البعض يهلك إذ يصير كعقب ينزل إلى التراب لتسحقه الحية وتبتلعه.
8. في عرضه لحياة الآباء البطاركة لم يقدم لنا السفر قصصًا مجردة لحياتهم إنما قدم معاملات الله معهم، مظهرًا أن كل تحرك في حياتهم وكل تصرف مهما بدا تافهًا يمثل جزءًا لا يتجزأ من خطة الله الخلاصية... بمعنى أنه يستخدم أولاده في كل تصرفاتهم كآلات برّ تعمل لحساب ملكوته في حياتهم الخاصة وفي حياة الجماعة. لكن ما أوضحه السفر هو تأكيد جانبين: الأول أن الله عامل في أولاده لكن ليس بدونهم، فإبراهيم ما كان يبقى إبراهيمًا بكل ما حمله من نعم وكرامات كأب الآباء بدون إبراهيم نفسه. الله يكرم الحرية الإنسانية ويقدسها، فيتعامل معنا على مستوى الصداقة كما مع نِد -إن صحَّ هذا التعبير- وليس كما مع آلات جامدة يحركها بطريقة آلية جامدة. أما الجانب الآخر فهو إبرازه لبطولات رائعة ومتنوعة كإبراهيم خليل الله ويعقوب مغتصب البكورية وسارة الزوجة المثالية... لكن خلال الواقع البشري العملي، فلم تخلُ حياة بطل من ضعف بشري. صوّرهم كما هم دون أن يضفي عليهم مسحة العصمة من الخطأ أو الضعف.
9. يبدأ هذا السفر بالحديث عن عمل الله كخالق، يوجد الحياة من العدم، لكنه ينتهي بيوسف في أكفانه بمصر (تك 50: 26). فما أقامه الله من حياة أفسده الإنسان بشِره، إذ دخل بنفسه (الإنسان الحيّ) إلى أكفان الظلمة والدنس ليدفن في مصر. والعجيب أن السفر ينتهي بالدفن في مصر بالذات التي عرفت بالأهرامات وأبي الهول وفن التحنيط الذي لا يزال موضع بحث العلماء حتى يومنا هذا... وكأن الإنسان بفنه وقدراته وأعماله المجيدة مهما بلغت لا تقدر أن تخلصه من الأكفان. إنه يدفن في مصر حتى يأتي إليها المسّيا المخلص قادمًا على سحابة خفيفة يقيمه من الأكفان ويحرره من ظلمة القبر.
كأن السفر يختتم بانتظار المؤمنين للمسيّا المخلص لينزل إليهم ويقيمهم من أكفانهم.
10. من جهة الأسلوب، سجله موسى النبي نثرًا لا شعرًا، بطريقة تاريخية، ليقدم لنا الحق في بساطة ووضوح بعيدًا عن الأساطير التي ملأت العالم في ذلك الحين.
يقدم لنا سفر التكوين بداية النبوات الخاصة بمجيء السيد المسيح كمخلص العالم، فقد وعد الله الإنسان بعد السقوط مباشرة أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15)، ولم يقل نسل الرجل لأن السيد المسيح جاء متجسدًا في أحشاء القديسة العذراء مريم بغير زرع بشر، هذا الذي سحق رأس الحية القديمة أي إبليس (رؤ 20: 2؛ رو 6: 20؛ 1 يو 3: 8).
لم يترك تحقيق الوعد عامًا بل خصص أنه يتحقق من نسل إبراهيم: "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 22: 18؛ أع 2: 25، غل 3: 16)، وأوضح يعقوب أنه يأتي من سبط يهوذا، قائلًا: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" (تك 49؛ مت 2: 26؛ لو 1: 32، 33).
إن كان السيد المسيح كمخلص للعالم هو مركز الكتاب المقدس بعهديه، فقد قدم لنا هذا السفر الكثير عن المخلص لا خلال النبوات الصريحة فحسب وإنما خلال الرموز الكثيرة التي نتحدث عنها في شيء من التفصيل في مواضعها، وأهمها:
1. شجرة الحياة في وسط الجنة (تك 3: 22) تشير إلى السيد المسيح الذي يعلن ملكوته داخل القلب كشجرة حياة وسط الجنة التي تفرح قلب الآب كما تفرح قلبنا. إنه الشجرة واهبة الحياة للعالم كله (يو 3: 36).
2. بدأت العبادة بعد السقوط بتقديم ذبائح دموية إشارة إلى دم السيد المسيح بكونه الذبيحة الفريدة، به تُقبل عبادتنا رائحة سرور للآب وموضع رضاه.
3. فلك نوح والطوفان كرمز للسيد المسيح واهب التجديد للعالم لا خلال مياه الطوفان بل مياه المعمودية، أما فلكه الخشبي فهو الصليب الذي احتضن المؤمنين وحفظهم من الهلاك (1 بط 2: 20، 21).
4. تقدمة ملكي صادق (تك 14: 18-20) كرمز لذبيحة السيد المسيح في العهد الجديد خلال الخبز والخمر المتحولين إلى جسده ودمه واهبين التقديس (عب 8: 5-8).
5. طاعة إسحق لأبيه إبراهيم حاملًا الحطب مقدمًا نفسه حتى الموت (تك 22)، تعلن عن طاعة الابن المتجسد لأبيه حاملًا خشبة الصليب. (في 2: 8).
6. تحقيق الزيجات عند المياه بجوار الآبار كاختيار رفقه وراحيل إشارة إلى اختيار الكنيسة كعروس السيد المسيح خلال مياه المعمودية.
7. السلم الذي رآه يعقوب متصلًا من الأرض إلى السماء (تك 28: 12) والملائكة صاعدون ونازلون إشارة إلى صليب ربنا يسوع الذي فيه تمت مصالحة السماء مع الأرض (2 كو 5: 18؛ أف 2: 16؛ كو 1: 20، 21)، أما الملائكة الصاعدون فهي الكنيسة المقدسة المرتفعة به إلى حضن أبيه، أما النازلون فهم جماعة اليهود الذين رفضوه فنزلوا إلى الهاوية خلال جحودهم للصليب.
8. جاءت حياة يوسف غِنَى يفيض بالرموز من جهة السيد المسيح جوانب متعددة منها:
أ. كان يوسف الابن المحبوب لدى أبيه، والسيد المسيح الابن الوحيد موضع سرور الآب.
ب. قدم له أبوه قميصًا ملونًا، وكأنه بالآب يقدم للابن كنيسة العهد المتباينة المواهب.
ج. نزول يوسف لافتقاد أخوته إنما يعلن نزول الكلمة الإلهي إلينا ليفتقدنا كأخوة له.
د. إلقاء يوسف في الجب وبيعه يرمزان لنزول السيد المسيح إلى الجحيم وخيانة يهوذا له.
ه. سقوطه تحت العبودية في مصر بلا ذنب سوى كراهية أخوته له يعلن عن السيد المسيح وقد صار من أجلنا عبدًا.
ز. ترك الثياب في يدي المصرية إشارة إلى ترك الأكفان في القبر دون أن يمسك به الموت أو يحجبه عن القيامة التي هي فيه.
ح. لقاؤه في السجن مع رئيس السقاة الذي يخرج من السجن الخباز الذي يحكم عليه بالموت يشير إلى قيامته وموته.
ط. إنقاذه حياة أخوته إشارة إلى السيد المسيح الممجد مخلص البشرية وواهبها الحياة.
سفر التكوين كأول سفر في الكتاب المقدس يعتبر المدخل الحيّ لفهم كلمة الله، قدم لنا الخطوط العريضة التي تكشفت وتحققت في الأسفار التالية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ففي سفر التكوين إذ يعلن الله محبته للإنسان خلال الخليقة يبقى الله متحدثًا عن محبته خلال تجديد الخليقة حتى تظهر الأرض الجديدة والسماء الجديدة في سفر الرؤيا.
في سفر التكوين كانت الدعوة لإبراهيم أن يرث أولاده الملكوت، وفي العهد الجديد ظهر الملكوت معلنًا في أولاد إبراهيم... حتى يمكننا القول مع القديس أغسطينوس: [في العهد الجديد وحده ينكشف القديم، ويختفي العهد الجديد في القديم].
في سفر التكوين نتلمس شخصية ربنا يسوع المسيح كمخلص معلنة خلال نبوات صريحة ورموز كثيرة، ويبقى السيد المسيح كَعَصَب الأسفار لنراه [هُوَ هُوَ أَمْس وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ] (عب13: 8)، جاء ليخلص الخطاة ويعد بمجيئه الأخير ليضمنا إلى مجده كعروس مقدسة له.
أولًا- التاريخ البدائي: |
|||
1. خلقة العالم وسقوط الإنسان. |
|||
2. قتل هابيل. |
4. |
||
3. نوح وتجديد العالم. |
|||
4. برج بابل. |
11. |
||
ثانيًا- البطاركة الأولون: |
|
||
1. إبراهيم. |
|||
2. إسحق. |
|||
3. يعقوب. |
|||
4. يوسف. |
_____
(15) Jerome Boblical Comm., P 8.
(16) Hexaemeron hom 1: 8.
(17) Ibid. 1: 2.
(18) Ibid 1: 3.
← تفاسير أصحاحات التكوين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4t97ww3