حدث أن داود النبي تعب كثيرًا جدًا من شاول الملك كان يحاول أن يقتله ويوصي عليه أناسًا ليقتلوه. ويطارده من برية إلى برية ومن مدينةٍ إلى مدينة. ولما تعب داود من هذه المعاملة، قال لشاول: "الله يقضي بيني وبينك" (يَقْضِي الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) (سفر صموئيل الأول 24: 12)، "فَيَكُونُ الرَّبُّ الدَّيَّانَ وَيَقْضِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ" (سفر صموئيل الأول 24: 15)، لأنه كان يؤمن بقضاء الله، وأنا أريد أن أحدثكم في هذه الليلة عن قضاء الله.
الله قاضي وقاضي عادل يحكم بالحق، لأن من أسمائه كلمة الحق. وهو أيضًا يحكم بعدل لأنه يعرف الخفيات والظاهرات، يعرف ما في قلب الإنسان وما في فكره وما في نيَّاته. لذلك عندما يحكم، يحكم بعدل.
وهو يقضي حينما نطلب، ويقضي دون أن نطلب. كيف؟
لذلك في قصة قايين وهابيل. قايين قتل هابيل في خفية، ولكن الله واجهه بالجريمة التي يشعر أنه لا أحد يعرفها. وقال له: "صوت دم أخيك صارخًا إلي من الأرض. لذلك ملعون أنت من الأرض التي قبلت دم أخيك من يدك، تائهًا وهاربًا تكون في الأرض": ونص الآية هو: "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ.. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ" (سفر التكوين 4: 10-12).
فهو قضاء من عند الله من أجل هابيل الذي كان قد مات ولا يشكو. ولكن الله قال له "صوت دم أخيك صارخًا إليّ من الأرض". دم القتيل يصرخ إلى الله، والله يسمع.
يعقوب كان هاربًا من أخيه عيسو الذي قال: "أقوم وأقتل يعقوب أخي"، ونص الآية هو: "وَقَالَ عِيسُو فِي قَلْبِهِ: «قَرُبَتْ أَيَّامُ مَنَاحَةِ أَبِي، فَأَقْتُلُ يَعْقُوبَ أَخِي»" (سفر التكوين 27: 41). وفيما كان يعقوب خائفًا، ولا يعرف إلى أين يذهب، نام، ووضع رأسه على حجر، فظهر له الله في أعلى السلم السمائي الذي بين السماء والأرض. وقال له: "لا تخف أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض"، ونص الآية هو: "هَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ" (سفر التكوين 28: 15). يعقوب لم يشكو إلى الله. لكن الله عرف ما الذي في قلبه؟ وما الذي يريده؟ وقال له: "أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض". هذا هو الله الذي يقضي بالعدل. والذي يقول عنه داود في المزمور: "الرب يحكم للمظلومين": ونص الآية هو: "الْمُجْرِي حُكْمًا لِلْمَظْلُومِينَ" (سفر المزامير 146: 7).
باعه إخوته إلى الإسماعيليين. والإسماعيليين باعوه إلى فوطيفار ودخل مصر كعبد. الله كان غير راضي عن ذلك. وحتى تلك اللحظة لم يكن يوسف قد تكلم أو صرخ إلى الله. ثم تم إيقاعه في مشكلة أخرى في بيت فوطيفار، حيث اتهموه بتهمة باطلة ظالمة مع أنه كان بريئًا كل البراءة، واقتادوه إلى السجن. وقضي فترة في السجن، ولكن الله كان ينظر وكان يحب أن يقضي في هذه المسألة وقضى الله. وأصبح يوسف الصديق ثاني رجل في المملكة. وأتى إليه إخوته وسجدوا بين يديه وقالوا له اغفر لعبيدك. وغفر لهم وقال لهم: أنتم أردتم لي شرًا، والله أراد خيرًا: ونص الآية هو: "وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضًا وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ». فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟! أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا" (سفر التكوين 50: 18-20).
الله يحكم بالعدل. حتى دون أن يطلب هذا منه.
الشعب لم يصرخ إلى الله لينجيهم. أبدًا. وإنما يقول الكتاب أن الله نظر إلى مذلة شعبه، "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي" (سفر الخروج 3: 7). تأملوا في هذا الكلام.. الله هو الذي نظر. فنزل واختار موسى، وقال له: "كَلِّمْ فِرْعَوْنَ" (سفر الخروج 6: 29)، وكلما كلَّم فرعون أزاد الثقل على الشعب أكثر. والله يرى. وكانت النتيجة 10 ضربات مخيفة. آخرها ضربة الأبكار التي ضرب فيها من ابن فرعون الجالس على العرش إلى ابن الجارية التي على حجر الرحى. "فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مصر، مِنْ بِكْرِ فرعون الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ"(سفر الخروج 11: 5).
ثم بعد ذلك أغرقه الله في ماء البحر الأحمر.
الله يقضي ويرى كل ما يحدث. ويقضي قضاءً عادلًا.
موسى أيضًا لما تزوج امرأة كوشية تقولت عليه أخته مريم وأخوه هارون (في عدد إصحاح 12).
" وَتَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ وَهَارُونُ عَلَى موسى بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الْكُوشِيَّةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّخَذَ امْرَأَةً كُوشِيَّةً" (سفر العدد 12: 1).
دون أن يشكو موسى ودون أن يطلب تدخل الله. الله ظهر وَبَكَّتَهُم وقال لهم: "من أنتم حتى تتجرءون على عبدي موسى"، ونص الآية هو: "فَلِمَاذَا لاَ تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلَّمَا عَلَى عَبْدِي مُوسَى؟!" (سفر العدد 12: 8). "إن كنت أظهر لكم في رؤية أو حلم، أما موسى فأكلمه فمًا لأذن".. وهو أمين على كل بيتي، "هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي" (سفر العدد 12: 7). وضرب مريم بالبرص لأنها تكلمت على موسى. وموسى تشفع من أجلها. ولكن الله تركها لكي تقضي أسبوعًا خارج المحلة.
الله قاضي وعادل، حتى دون أن يطلب الناس منه.
آخاب الملك أراد أن يأخذ حقل نابوت اليزرعيلي، ولكن نابوت رفض. فرجع آخاب حزينًا، وكانت زوجته إيزابل حنونة جدًا ولكن في الشر! فقالت له: "لا تأبه بذلك، ندبر عليه خطية تجديف على الله، ونأتي بشهود زور، ويقتل شرعًا، وترث أنت حقله".. وقد تم ما دبروه، فقد دبروا حيلتهم بكل دهاء بشري، ولكن نسوا شيئًا واحدًا أن الله يرى وأن الله سينتقم منهم. لم يفكروا في ذلك. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولكن الله أرسل لهم النبي ليكلمهم حيث قال لآخاب: "فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا" (سفر الملوك الأول 21: 19). وقال لزوجته إيزابل: "إن الكلاب ستأكلك"، "إِنَّ الْكِلاَبَ تَأْكُلُ إِيزَابَلَ" (سفر الملوك الأول 21: 23). وقد حدث لأن ذلك كان قضاء الله الذي يأخذ حق نابوت اليزرعيلي، مع أن نابوت اليزرعيلي كان قد مات ولم يطلب. ولكن الله يطلب.. يطلب دم هؤلاء.
نستطيع أن نتكلم عن مسألة داود عندما قام أبشالوم بالحرب ضده مع أنه ابنه! ومستشار داود النبي، الرجل الحكيم "أخيتوفل" انضم إلى أبشالوم. وأصبح داود يصرخ ويقول: "إبطل يا رب مشورة أخيتوفل"، ونص الآية هو: "حَمِّقْ يَا رَبُّ مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ" (سفر صموئيل الثاني 15: 31) والرب استجاب وأبطل مشورة أخيتوفل وحزن ومضى وقتل نفسه. وأبشالوم نفسه ضاع في الطريق.
الله لا يسكت.. الله يسمع ويعمل دون أن يطلب منه أحد، فهو يرقٌب، ويرى، وهو ضابط للكل، ويتصرف.
لذلك قيل في الكتاب: "مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 10: 31). إن كنت تظلم غيرك، الله لن يتركك.
أيضًا قضاء الله يتدخل حينما تَتَأزَّم الأمور..
تأزمت الأمور بين هامان ومردخاي. وأراد هامان أن يقتله وأعد له صليبًا ليصلب عليه. وإذا الله يتدخل. كيف يتدخل؟
الملك الفارسي عندما كان يتفحص أخبار الملوك وجد اسم مردخاي من ضمن الناس الذين خلصوه من مؤامرة. فاستدعى هامان وسأله: "عندما يفعل شخص جميلًا في الملك، والملك يريد أن يكافئه، ماذا يفعل؟"، فظن هامان أنه يتكلم عنه، فرد قائلًا: "يجعلوه يركب على دابة الملك، ويزفوه في البلد، ويحتفلوا به و.....و....إلخ"ونص الآية هو: "وَلَمَّا دَخَلَ هَامَانُ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «مَاذَا يُعْمَلُ لِرَجُل يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ؟» فَقَالَ هَامَانُ فِي قَلْبِهِ: «مَنْ يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ أَكْثَرَ مِنِّي؟» فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ، يَأْتُونَ بِاللِّبَاسِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَلِكُ، وَبِالْفَرَسِ الَّذِي يَرْكَبُهُ الْمَلِكُ، وَبِتَاجِ الْمُلْكِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، دْفَعُ اللِّبَاسُ وَالْفَرَسُ لِرَجُل مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ الأَشْرَافِ، وَيُلْبِسُونَ الرَّجُلَ الَّذِي سُرَّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ وَيُرَكِّبُونَهُ عَلَى الْفَرَسِ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، وَيُنَادُونَ قُدَّامَهُ: هكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ" (سفر أستير 6: 6-9). فقال الملك إفعل كل ما قلته هذا مع مردخاي! فلم يحتمل مردخاي سماع ذلك وسقط. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ودون أن أدخل في تفاصيل القصة، ولكن أخيرًا انتهت القصة بأن هامان حكم عليه الملك بالموت، وصُلِب على الصليب الذي أعدّه لمردخاي. فالصليب الذي أعده هامان لمردخاي صُلِبَ عليه هامان. لماذا؟ لأن هناك اله في السماء يسمع ويقضي.
اليهود تركوا الله وعبدوا الأصنام. فإذا بإلهنا القاضي العادل يلقيهم في سبي بابل وآشور وقضوا في السبي 70 سنة ثم رجعوا. وأخيرًا لمَّا قاموا على السيد المسيح قال لهم: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا" (إنجيل متى 23: 38؛ إنجيل لوقا 13: 35). وقد كان.
الله قاضي عادل..
وفي علاقة المسيحية والوثنية والمسيحية والدولة الرومانية كم عُذِّبَ المسيحيين وقُتلوا، والله يرى. هل يرى ما يحدث ويسكت؟! بالطبع لا. الله يرى وينتظر الوقت المناسب الذي يقضي فيه. وأخيرًا عمل أعمالًا جبارة.
قسطنطين الملك الروماني عند دخوله أحد الحروب، رأى في رؤيا صليبًا وقيل له بهذا تغلب. فاعتنق المسيحية وغلب.
وفي سنة 313 م أصدر مرسوم ميلان الذي منح به الحرية الدينية، وأخذ المسيحيون حريتهم الدينية. وتخلصوا من الكل. وبعد أن كانت الدولة رومانية وثنية أصبحت الدولة رومانية مسيحية.
كم عمل الله..!
في أحد المرات بعد مجمع نيقية 325 م، حكم الإمبراطور على بطريرك القسطنطينية أنه لابد أن يقبل آريوس في الشركة. وظل الشعب يصلي طوال الليل، حيث كان الإمبراطور يأمرهم بشيء ضد ضميرهم. وإذا بآريوس يدخل إلى المرحاض وتنسكب أمعائه. ومات آريوس في تلك الليلة ونجي بطريرك القسطنطينية.
الله لم يخلق الكون ليتركه! بل خلقه ليحافظ عليه وينظر ويرقب ويرى كيف يدبر هذا الكون في عدل؟ وكيف يدبر الكون بعدل؟
وما دام الله ساهرًا ولا هروب من قضاء الله، إذن فليحترس كل إنسان لنفسه لأن لابد أن يتم قضاء الله وإن كره الكارهون.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9vwg9gn