إن الله هو إله الكل. هو خالق الكل, والمعتني بالكل, والمهتم بالكل, هو خالق السموات والأرض, والمهتم بكل من هم في السموات ومن هم علي الأرض, بل ومن هم تحت الأرض أيضًا, إنه إله لكل المخلوقات: للملائكة والبشر, وأيضا للحيوانات وللحشرات, يعطيها طعامها, ولكن بوجه خاص هو إله الضعفاء.
† نعم إن الله في حنوه يقف إلي جوار الضعيف ليسنده.. إنه معين من ليس له معين, ورجاء من ليس له رجاء. عزاء صغيري القلوب, ميناء الذين في العاصف, وكل إنسان قلبه صغير, لا يحتمل متاعب الدنيا, ولا متاعب الناس, ولا متاعب الخطية, هذا إن اضطربت سفينته وسط الأمواج العاصفة, يري الله منقذًا له في كل هذا.
† إن الله دائمًا مع الضعفاء, وضد الأقوياء المعتزين بقوتهم. إنه بعمق محبته يبشر المساكين بالفرح, يعصب منكسري القلوب. ينادي بالمسببين بالعتق, وللمأسورين بالإطلاق.. لقد كان الله مع يوسف المسكين, الذي ألقاه أخوته في البئر, وبيع كعبد في أرض مصر, وألقوه في السجن ظلمًا, ولم يدافع في كل ذلك عن نفسه, وكان مع داود الضعيف أمام شاول الملك وكل سلطانه وجنده وقوته وقسوته, وكان مع داود الفتى حينما وقف أمام جليات الجبار, وكان مع موسى الوديع الهادئ ضد فرعون المتعالي المعتز بقوته.
الله هو أيضًا حافظ الأطفال, يراعي ضعفهم ويسندهم ويحميهم, كما أن الله أيضًا يحكم للمظلومين الذين لا يستطيعون أن ينالوا حقهم, لذلك إن كنت ضعيفا فلا تخف ما دام الرب معك, واحذر من أن تكون قويًا والرب مفارقك, لقد كانت الكنيسة عَزْلاء وضعيفة أمام كل قوة الدولة الرومانية وبطشها وأسلحتها وبخاصة أيام الإمبراطور نيرون الظالم. ولكنها انتصرت وانتشرت لأن قوة الرب كانت معها.
† لذلك إن وجدت جبارًا معتزًا بجبروته, قل له: لقد قربت نهايتك, إنني اذكر من تأملاتي بعض الكتاب الروحيين: "قال الشيطان لله: اترك لي الأقوياء فأنني كفيل بهم, أما الضعفاء فإذ ليست لهم قوة لذلك يحاربونني بقوتك أنت فلا أقدر عليهم".
† إذا كنت في ضيقة أو خطية, فلا تقف أمام الله وتذكر وعودًا منك أو تعهدات, كمن هو واثق بقدرته علي التنفيذ, إنما قف أمام الله كضعيف يطلب المعونة.. قل له: ساعدني يا رب لكي أترك هذه الخطية, لأني كلما أتركها أعود إليها مرة أخري, إنني أعرض ضعفي أمام جلالك الإلهي, وأنت يا رب تعرف يقظة أعدائي, وضعف طبيعتي أنت تعرفه يا خالقي, وأنا في حروبي الروحية لا أغلب إلا بقوتك.
† إن الإنسان المتواضع المنسحق القلب, الذي يقف أمام الله كضعيف يطلب معونته الإلهية, فهو الذي يمكنه أن يأخذ قوة من الله يستطيع بها أن ينتصر. ذلك إن وقفت أمام الله كقوي, تكون معتمدًا علي ذراعك البشري, وحينئذ تتخلي عنك النعمة لكي تشعر بضعفك وتتضع.. إذن فلا تفتخر بقدرتك.
† وإذا ما عرفت ضعفك, لا تحتقر إنسانًا ضعيفًا ساقطًا, بل قل لنفسك: أنتِ معرضه للسقوط مثله لولا نعمة الله التي تسندني. نعم نعمة الله التي تحتمل ضعف الضعفاء بما لا يحد من طول أناته.
إن شعورك بقوتك في الحروب الروحية, إنما يفقدك الاحتراص, ويفقدك التدقيق, ويوقعك في الغرور, ويبعدك عن الصلاة, ألم يقل سليمان الحكيم عن الخطية إنها "طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" (سفر الأمثال 7: 26). يقصد المعتمدين علي قوتهم فقط.. حقا إن المعتزين بقوتهم, نادرًا ما يصلون, إذ لا يشعرون بحاجة إلي صلاة تساندهم, وصعب علي هؤلاء أن يتضعوا.
† ومع ذلك إن شعرت أنك ضعيف, لا تخف من ضعفك, وإن كنت مغلوبا من خطية ما, فلا تيأس من انغلابك, لقد كان أوغسطينوس ضعيفًا أمام الخطية ومغلوبا لكنه بنعمة الله انتصر علي كل ذلك, بل إنه نما في النعمة حتى صار راهبًا ثم أسقفًا, ثم قائدا للروحيات في جيله, وهكذا كان موسى الأسود, وبلاجيه, ومريم القبطية, وآخرون، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. ولكن قوة الله التي تسند الضعفاء, قادتهم في موكب النصرة, وهكذا هو عمل الله المحب, الذي يستطيع أن يعطي للمعيي قوة, ويثبت له أجنحة كالنسور, ويرتفع في حياة الروح.
† علي أن شعورك بالضعف, لا يعني أن تتصف دائمًا بهذه الصفة, بل علي العكس تؤمن أنك تستطيع كل شيء في الله الذي يقويك. لذلك أنت تشعر أنك ضعيف بذاتك, ولكنك قوي جدًا بالله العامل فيك, فاحرص علي عمل القوة الإلهية فيك, واتضاعك الدائم, من هنا يكون الإنسان الروحي قويًا جدًا ولكن ليس بقوته وشخصيته, وإنما بقوة الله العامل فيه.
† بهذا لا تقف أمام الله وتقول سأترك هذه الخطية ولا أرتكبها بعد الآن, إنما قل: أعطني يا رب قوة لأتركها, لأنك إن لم تمسك بيدي لن أتقدم خطوة واحدة بدونك.. إنني لست أقوي من الشيطان, الذي هو أكثر حيلة, وأكثر معرفة بالنفس البشرية وضعفاتها, وأكثر خبرة بالحروب الروحية.. أنت يا رب الذي تنقذني منها. أفرح لا بقوتي, بل بنعمتك التي تخلصني.. أنا لا أحب إطلاقًا أن أتكبر, والكتاب يقول: "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ" (سفر الأمثال 16: 18). نجني يا رب من كليهما, ولك المجد الدائم إلي الأبد, آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fxsrs38