يعجبني جدًا ذلك المثل الذي يقول: بدلًا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة, وإضاءة شمعة هي عمل إيجابي بلا شك. وبها ينقشع الظلام تلقائيًّا دون أن تلعنه. أما لعن الظلام, فهو عمل الذين ينشغلون بالسلبيات.. ويظنون أنهم بذلك يقضون علي الظلام ويتخلصون منه, أي بالشتيمة والإهانة والتجريح, وكلها عناصر من الظلام أيضًا!
† العمل الايجابي هو البناء, والعمل السلبي هو الهدم... والمعروف طبعًا أن الذي يبني, يصعد دائما إلى فوق بينما الذي يهدم, يهبط دائمًا إلى أسفل... وماذا ينتفع إن كان عمله هو مجرد الهدم دون أن يبني شيئًا أو ماذا ينتفع المجتمع من ذلك؟!
قد يقول السلبيون: نحن ننبه المجتمع إلى الأخطاء الموجودة, فهل هذا التنبيه هو هدف في ذاته, أم هو مجرد وسيلة للإصلاح؟! فإن كان مجرد وسيلة فالاكتفاء به لا يصلح.... دون ذكر وسائل الإصلاح. وهنا يكون الدخول في العمل الإيجابي البناء.
† هناك مثل معروف, وهو الكوب الممتلئ نصفه بالماء: أصحاب النظرة البيضاء يشكرون الله علي النصف الممتلئ. أما أصحاب النظرة السوداء, فإنهم يتذمرون بسبب النصف الفارغ... وأنت, إلي أي النظرتين تنتمي؟ لا شك أن السلبيين هم أصحاب النظرة السوداء التي لا تشكر علي شيء, بل يتضجرون.. إنهم يفعلون ذلك, حتى مع الله نفسه -تبارك اسمه- ينسون كل إحسانات الله السابقة التي أحسن بها عليهم. ولا يذكرون ألا الضيقة الحاضرة! ويتذمرون بسببها ويقولون: أين معونة الله لنا؟! هذا هو أسلوب السلبيين, وبنفس الوضع يتصرفون مع أصدقائهم من البشر: يتجاهلون كل إخلاصهم السابق, ويركزون علي غلطة حاضرة!
† إن العمل الإيجابي (أي البناء) هو العمل الباقي, الآن وفي المستقبل. أما الشوشرة التي يقيمها العمل السلبي, فإنها تزول, ولا يبقي لها أثر في قلوب الناس أو في أفكارهم, مقارنة بعمل البناء الذي يسعدهم.
والعمل الإيجابي البناء هو أيضًا عمل مفرح, إذا انه طوبي لأقدام المبشرين بالخيرات (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 10: 15), إذ يسعدون من يسمعونهم. إنهم مثل الحمامة التي بشرت أبانا نوح بانتهاء الطوفان, وأتت إليه بورقة زيتون خضراء عرف بها أن الحياة عادت تظهر علي الأرض.
† إن السلبيين يبحثون دائمًا عن الأخطاء أينما وجدت لكي ينتقدوها, ويفرحون بذلك كمن وجد غنائم كثيرة! ويفرحون بالنقائص التي يكتشفونها, أو ما يظنون أنها نقائص, لكي يتخذوها مجالات للتشهير. ويفتخروا بذلك! ويقولون: مفاجأة نحن أول من ينشرها: "إنها فضيحة بجلاجل"! وما أسعدهم بذلك! وربما ينشرون ذلك بدون تحقيق وبدون تأكد إن كان السلبيون يبحثون عن النقائص لكي ينتقدوها, فإن الإنسان الروحي, إذا وجد نقصًا في مجال ما بالمجتمع, يحاول أن يوفي احتياجات ذلك المجال, حتى يزول النقص, في حرص ألا ينتقد.
† إن السلبيات التي تحمل شرورًا كثيرة, منها التشهير الذي يدل علي عدم محبة, وكذلك رغبة في الإيذاء. كل هذه وغيرها من الشرور, من أين أتت؟ وما مصدرها؟ ومتى بدأت؟
عندما خلق الله الإنسان, كان بارًا, لا يفعل شرًا, بل من فرط بساطته ونقاوته, لم يكن يعرف ما هو الشر, بكل ما في تفاصيل الشر.. فكيف إذن فقد البساطة وعرف الشر ومارسه؟! لقد فعل كل ذلك بحسد إبليس, الذي سقط, ولم يعجبه أن يبقي الإنسان بارًا, ويمتاز عليه بالبر والقرب إلى الله. لذلك عمل علي إسقاطه كما سقط هو من قبل.
† وهكذا أنت يا أخي القارئ العزيز, إذا وجدك الشيطان منشغلًا بالعمل الإيجابي والنمو في الفضيلة والبر, ما أسهل عليه أن يقدم لك العديد من السلبيات لكي تنشغل بها, وتترك عملك الإيجابي البار, يقدم لك مشاكل وأخبار أحداث صراعات لكي تنشغل بها, وتترك عملك الإيجابي، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وان لم يجد أخبارًا تثيرك, يخترع شائعات وأكاذيب يقدمها لك لتشغلك, ولا تعود تفكر ألا فيها! وهكذا يجذبك إلى السلبيات, ويربطك بها رباطا وثيقا لا تنحل منه!
† احترس إذن من السلبيات وأسبابها... وإن حوربت بالتفكير في أخطاء الناس ونقائصهم, قل لنفسك: الأفضل لي أن أفكر أولًا في أخطائي الشخصية وأصلحها, قبل أن أفكر في إصلاح غيري, فهذا هو المفيد لي. فحقا من أقامني قاضيًا علي غيري؟!
† واعرف أن انشغالك بأخطاء الآخرين وبالعمل علي نشرها, إنما يفقدك الحب الذي بينك وبينهم, وبينما أنت تستطيع بالحب والعمل الهادئ أن تكسبهم وأعرف أيضًا أنك بالسلبيات تبدد طاقاتك. وأيضا في السلبيات تفقد سلامك الداخلي, وتصبح إنسانًا متضايقًا مضطربًا ثائرًا عالي الصوت، أحيانًا تقول لمن يقابلك: "الدنيا كلها خربانة"!!
وأيضًا تفقد الوداعة والبشاشة والوجه المبتسم.
† إن استمرارك في الحكم علي الآخرين, إنما تعطي نفسك سلطانا ليس لك. فاهدأ إذن واعرف حدودك.
أقول ذلك, لأنه حدث -وأنا سائر في طريق الحياة- أنني رأيت أشخاصًا بدأوا بطريق الفضيلة والبر, ولكنهم إذ انشغلوا بالسلبيات التي كانت أقوي من اقتناعهم الداخلي بالعمل الإيجابي, انتهي بهم الأمر إلى الضياع. واندفعوا في تيار الظلام, الذي صاروا يحبونه أكثر من النور بسبب تأثير السلبيات عليهم, وضعفهم أمامها. لذلك نصيحتي أن تثبتوا في العمل الإيجابي, ولا تعطوا فرصة للسلبيات أن تغيركم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ahvmc57