محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
آية 1، 2:- "بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِحَسَبِ أَمْرِ اللهِ مُخَلِّصِنَا، وَرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَجَائِنَا. إِلَى تِيمُوثَاوُسَ، الابْنِ الصَّرِيحِ فِي الإِيمَانِ: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا."
رسول: الرسول هنا يضع تنظيمات كنسية ومبادئ روحية كمرسل من المسيح فمن يخالف فكأنه يخالف المسيح الذي أرسله.
الله مخلصنا = الآب خلصنا بابنه يسوع ولكن هنا نرى الوحدانية فالخلاص منسوب للآب كما للابن.
يسوع رجائنا = هو رجائنا أن يكمل خلاصنا يوم الدينونة. ولاحظ هنا أن الرسول يكتب لمن هو متألم من المعلمين الكذبة، ويعاني من أمور وضغوط الخدمة، فيكتب له أنه وهو رسول الله يعاني من هؤلاء كما يعانون هم.
بأمر الله مخلصنا = فهو خلصنا ونحن مدينون له، وله أن يأمر، بل هو رجاؤنا، فإن كنا نتألم فرجاؤنا في المسيح عظيم.
بولس رسول= أي بولس كرسول لله يعلم تيموثاوس كيف يرد على الهراطقة وهذا يتضح من آيات 4،3 وأن هذا هو عمل تيموثاوس.
أَمْر
= جاءت في اليونانية بمعنى الأمر الملوكي العسكري الذي لا رجعة فيه. وبولس الرسول في خدمته وكرازته هو ينفذ أمر الله.الابْنِ
= هو ولده بعد أن تمخض به خلال أتعاب الكرازة.الصريح في الإيمان
أي ابن أصيل، حقيقي، شرعي، مشابه لأبيه الروحي بولس في إيمانه وهي في الإنجليزية "my true son in the faith "رَحْمَةٌ
= هذه إضافة لتحيته التقليدية "نعمة وسلام" والمعنى كما أن الله يرحمنا يلزمنا "والكلام موجه لراع وأسقف" أن نتعامل مع الناس برحمة.
آية 3:- "كَمَا طَلَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَمْكُثَ فِي أَفَسُسَ، إِذْ كُنْتُ أَنَا ذَاهِبًا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، لِكَيْ تُوصِيَ قَوْمًا أَنْ لاَ يُعَلِّمُوا تَعْلِيمًا آخَرَ،"
طلبت = أتت بمعنى يتوسل فهو لا يميل إلى إصدار الأوامر. الرسول يحب أن يستخدم ألفاظًا لطيفة.
تعليمًا آخر = في أصلها اليوناني تعليمًا غير أرثوذكسي أي غير مستقيم، وهو يقصد المعلمين المضلين المتهودين.
آية 4:- "وَلاَ يُصْغُوا إِلَى خُرَافَاتٍ وَأَنْسَابٍ لاَ حَدَّ لَهَا، تُسَبِّبُ مُبَاحَثَاتٍ دُونَ بُنْيَانِ اللهِ الَّذِي فِي الإِيمَانِ."
خرافات وأنساب = اليهود كانوا يعملون شجرة أنساب يرجعون بها إلى لاوي أو داود، وهذه محاولات صعبة جدًا. أما اليونانيين فكانوا يتصورون أن الآلهة تتزوج بالبشر، ويبحث كل واحد عن نسبه لآلهة خرافية والإسكندر الأكبر صنعت له شجرة نسب تعود بأصله إلى بعض الآلهة، أما الغنوسيون فيقولون أن الله انبثق عنه أيون وهذا الأيون انبثق عنه أيون آخر (راجع مقدمة كولوسي) ويقولون نحن نصل إلى الله عبر هذه الأيونات (الأنساب). وكل هذا ما هو إلا خرافات غير بناءة، والله جعلنا له أبناء فهل نبحث إن كنا أولادًا لداود أو إبراهيم بعد أن صرنا أولادًا لله.
لا حد لها = بلا نهاية وبلا غاية وبلا هدف يصل إليه الإنسان [بل أتى في نهاية الأيام من عاد بأصل الإنسان للحيوانات وصارت الحيوانات آباء للإنسان]. من أجل هذه الخرافات ومن أجل المعلمين الكذبة أقام بولس تلميذه تيموثاوس أسقفًا على أفسس ليقاوم هؤلاء المعلمين الكذبة.
مباحثات دون بنيان الله = الغنوسيون بمجادلاتهم المتعجرفة بعيدًا عن الحياة التقويَّة، كانت مباحثاتهم غير بناءة أما من يطلب الله بأمانة ويتساءل فالله يجيبه ويقنعه (أر 7:20).
الَّذِي فِي الإِيمَانِ
= هناك تساؤلات من أناس يحاولون هدم الإيمان والله لا يتعامل مع هؤلاء، وهناك من هو متمسك بإيمانه = الذي هو في الإيمان ، ولكن له تساؤلات، مثل هذا هو من يجيبه الله إما بأن يقنعه الروح القدس خلال قراءته للكتاب أو صلاته أو قراءته لكتاب روحي، أو ويرسل له من يقنعه.
آية 5:- "وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ."
هناك من يجادل لأجل الجدل وهذه مباحثات غبية، ولكن ما هو هدف المباحثات التي يشجعها الله، ما هو هدف الوصايا التي أمر بها الله؟ ليس هو الجدل والمباحثات العقلانية إنما أن ندخل لأعماق المحبة، فخارج الحب ينحرف المعلمون عن رسالتهم فتتحول مباحثاتهم إلى مباحثات غبية تسبب انشقاقات في الجماعة، المحبة هي التي تشبع القلب.
من قلب طاهر = لاحظ أن امرأة فوطيفار أحبت يوسف ولكن من قلب غير طاهر، فهل هذا حب. والقتلة اللصوص يحبون بعضهم، هل هذا حب، هم يحبون شهوات أنفسهم والقلب الطاهر هو الذي يسكن الله فيه.
وضمير صالح = نية وإرادة صالحة فلا يداهن ولا يعمل بخبث. وإيمان بلا رياء = المحبة تكون نابعة من قلب مؤمن بالله ومحب لله وبلا خوف من أحد أو حقد أو حسد لأحد، فلا يوجد حب حقيقي في قلب لا يحب الله. لاحظ أن حنان وقيافا لم يكن ضميرهما صالح بسبب الحسد فصار لهما إيمان برياء فلم يعرفا المسيح واستعملا الناموس بطريقة خاطئة ليدينا المسيح.
آية 6:- "الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل."
القلب الذي لا يحب الله تتحول حياته إلى فراغ بلا شبع فيتحول عن الحق إلى الكلام الباطل والمباحثات التي بلا هدف لعلها تغطي العجز الداخلي. يتحول الإنسان عوضا عن الحياة التقويَّة إلى شهوة التعليم وبلوغ السلطة.
إذ = قوله إذ يشير لأنه يقصد جماعة معينة قامت تعلم بالعودة للناموس أي المتهودين.
آية 7:- "يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِي النَّامُوسِ، وَهُمْ لاَ يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ، وَلاَ مَا يُقَرِّرُونَهُ."
هذه المجموعة من المتهودين يطلبون الكرامة دون وجه حق.
وهم لا يفهمون ما يقولونه = هم بلا حب لله، بلا خبرات روحية، يتكلمون عما يجهلونه، حبهم لذواتهم وكبريائهم طمس عيونهم فما عادوا يرون أو يفهمون في الروحيات، لذلك هم كثيرو الخصام، يهاجمون بولس لأنهم ظنوا أنه يهاجم الناموس ويكسره. هم في فراغ داخلي لا يعرفون معنى الشبع بالله. لذلك يطلبون إشباع ذواتهم بكثرة التعليم. وهذا هو حال من يتمسك بطقوس الناموس، ويريد أن يبدو كمعلم للناموس له منصب رئاسي.
آية 8:- "وَلكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ صَالِحٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيًّا."
قال بولس الرسول هذا حتى لا يفهم أحد أنه ضد الناموس. فالخطأ ليس في الناموس بل في إساءة استعماله. وكان الرسول دائمًا يردد هذا حتى لا يفهمه أحد خطأ (رو 7: 12).
ولكن ما معنى أن يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيًّا = تعني بالطريقة والهدف الذي وضع الناموس لأجله أي كما أراد الله واضع الناموس أن يستعمل. وماذا كان هدف الناموس.
أ. يقول القداس الغريغوري "أعطيتني الناموس عونًا" فحين خلق الله الإنسان كانت الوصايا مكتوبة على القلب أو ما يسمى الضمير. وبعد السقوط فسد الضمير، فأعطى الله للإنسان الناموس بوصايا مكتوبة ليعينه ويرشده كيف يرضي الله فيحيا في سلام وفرح.
ب. حين يحاول إنسان العهد القديم أن يسلك بحسب الوصايا يكتشف ضعفه وفساد طبيعته، ولم يستطع أحد منهم أن يلتزم بالناموس. حتى أن التلاميذ قالوا " لم نستطع نحن ولا آباؤنا أن نحمله (أع 15: 10) وراجع (رو 3) فالناموس كان مرآة تظهر وتفضح طبيعتي الفاسدة، ولكنه بلا قوة تعين المؤمن على التغيير. الناموس كان يظهر عجز الإنسان أمام الوصية.
ت. كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح. فكان إنسان العهد القديم يلتزم بالوصية خوفًا من العقاب لا حبًا ورغبة في البر، كان كمن هو في كبت (غل 3: 24).
ث. حينئذ يشتاق إنسان العهد القديم لمخلص يخلصه من سطوة وسيادة الخطية عليه. وهذا المخلص هو المسيح. لذلك قال معلمنا بولس الرسول أن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن (رو 10: 4).
أما اليهود فلم يستعملوا الناموس ناموسيًا أي استخدموه بطريقة خاطئة لماذا؟
أ. هم استخدموه لإثبات برهم (رو 10: 3).
ب. بدلًا من أن ينتظروا مسيحًا يبررهم انتظروا مسيحًا يعطيهم ملكًا زمنيًا.
وبالنسبة للعهد الجديد كيف نرى الناموس؟
أ. الناموس يحوي وصايا أخلاقية نحن ملتزمون بها (أف 6: 1-3) لكن المسيح يعطي معونة لتنفيذها لذلك يقول "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5) ويقول القديس يوحنا "وصاياه ليست ثقيلة" (ايو 5: 3). إذًا ما زال هدف الناموس هو تبكيت الناس وتكوين شعور داخلهم باحتياجهم للمسيح، فيذهبوا ليطلبوا. ومن يسأله يعطيه. لكن الناموس وحده دون المسيح عاجز عن التبرير. والله يعطي معونة ونعمة لمن يجاهد في حفظ الوصية. التجاؤنا للمسيح أيضًا يجعلنا نمتلئ من الروح القدس الذي يعطينا تبكيت على الخطية والروح أيضًا يعين ضعفاتنا (رو 8: 26) ويسكب فينا محبة ننفذ بها الوصية (رو 5: 5) + (يو 14: 15) والتجاؤنا للمسيح المرتبط معنا بنير، يجعل النير هين (مت 11: 3) لأنه هو في الحقيقة الذي يحمل عنا.
ب. الناموس يحوي رموزًا للمسيح ونبوات تشدد إيماننا به.
ت. الناموس يحوي طقوسًا كالذبائح والختان وهذه انتهت بالصلب والمعمودية.
الملخص أن ناموسيًا تعني أنني أشعر بعجزي وألجأ للمسيح فيعطي معونة وقوة. لكن عليَّ أن لا أقول أنني بار وتممت الوصايا. بل أنا عبد بطال والسيد المسيح أعطاني قوة. ولا أنسب لنفسي برًا ليس لي أو قوة أعطاها لي المسيح الذي هو غاية الناموس. إذًا المعنى أن أجاهد لأسلك بحسب الناموس ووصاياه ناسبًا القوة لله الذي أعطاها وليس لنفسي، فكل عطية صالحة هي من فوق من عند أبي الأنوار (يع 1: 17) وقارن مع (1كو 4: 7).
الآيات 9-11:- "عَالِمًا هذَا: أَنَّ النَّامُوسَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ، بَلْ لِلأَثَمَةِ وَالْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْفُجَّارِ وَالْخُطَاةِ، لِلدَّنِسِينَ وَالْمُسْتَبِيحِينَ، لِقَاتِلِي الآبَاءِ وَقَاتِلِي الأُمَّهَاتِ، لِقَاتِلِي النَّاسِ، لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِي الذُّكُورِ، لِسَارِقِي النَّاسِ، لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ يُقَاوِمُ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ."
من هنا نفهم أن الناموس مقدم للأشرار وليس لمن يبحثون عن برهم الذاتي، حتى يكتشفوا فسادهم ويبحثوا عن المسيح المخلص. لكي يقودهم المسيح كمخلص لهم يهبهم الحياة الفاضلة ويرتفع بهم إلى ما فوق الناموس. الناموس لم يوضع للأبرار أي ليس هدف الناموس إثبات بر إنسان. فلو كان الناس كلهم أبرار ما كان هناك داع للناموس. بل هو موضوع للأشرار ولدينونة العصاة، وذلك ليشعروا بنجاستهم فيلجأون للمسيح إذ يشعرون بعجزهم والخطايا المذكورة هنا هي أشر أنواع الخطايا. فالمسيح أتى ليخلص الجميع.
الأثمة والمتمردين = كاسرو الناموس والوصية عن عمد. الفجار = يرتكبون الخطية بلا خجل. المستبيحون = يرتكبون الخطية دون أدنى إثارة لضمائرهم. مضاجعي الذكور = أدنس أنواع الزنا. سارقو الناس = ليبيعوهم كعبيد. الحانثون = يرتكبون ألعن أنواع الكذب. مقاومو التعليم الصحيح = هؤلاء يقاومون الحق. الإنجيل مقدم لكل هؤلاء الخطاة ليحولهم إلى أبرار.
الآيات 12، 13:- "وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِينًا، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ، أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ."
هنا تطبيق عملي فبولس الرسول نفسه الذي كان مضطهدًا للكنيسة حوله الإنجيل إلى كارز عظيم، هو يرى في حياته وسيلة إيضاح لقبول أشر الخطاة، وفي قصته ظهرت طول أناة الله ورحمته، لم يغفر الله لبولس فقط بل جعله كارزًا... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فلماذا يا إخوة ييأس أي منا. وما فعله بولس كان في جهل وعدم إيمان = وليس بسبب حسد مثل اليهود (يو 12: 42، 43) + (يو 5: 44) + (يو 12: 19) + (مر 15: 10). فبولس كان هدفه الغيرة على مجد الله ولكن بحسب مفهومه وكان هذا جهلًا بالله وبالطريق الصحيح فصحح له الله مفاهيمه وبارك له غيرته ولكن بالطريق الصحيح.
آية 14:- "وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدًّا مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ."
نعمة الله على بولس تفاضلت جدًا فلم يسامحه فقط بل حوله إلى رسول. ولكن كان هذا لإيمان ومحبة بولس = مع الإيمان والمحبة.
آية 15:- "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا."
الْكَلِمَةُ
= التي تنبأ بها الأنبياء من أجيال عن المسيح أو يكون المعنى أن الكلمة هي أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة.الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا
= هكذا ينبغي أن يشعر كل واحد فينا أنه أول الخطاة ولاحظ أن بولس رأى نفسه بحسب الناموس بلا لوم (فى3: 6) والآن يسمى نفسه أول الخطاة، لقد فتح المسيح عينيه فأبصر ما لم يبصره بالناموس، لقد رأى المسيح وقارن بين المسيح وبينه فرأى نفسه مظلمًا بجانب نور المسيح. لقد حسب نفسه غنيًا لكن إذ دخل قصر الملك أبصر وأدرك فقره هو، نور المسيح الشديد جعله يرى في نفسه خطايا بسيطة جدًا لا يراها الإنسان العادي، ولاحظ أن من انفتحت عيناه على نور المسيح ما عاد يقارن بين نفسه والآخرين، بل بين نقاوة المسيح وخطاياه، لذلك قال أنا أول الخطاة.
آية 16:- "لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِىَّ أَنَا أَوَّلًا كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالًا لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ."
الله رحم بولس حتى لا ييأس أي خاطئ من نوال رحمة الله. ولاحظ أتضاع بولس فهو لم يقل يظهر فيَّ الله أناته بل قال:
يظهر في كل أناة = كل خاطئ يحتاج إلى عفو الله وأناته. أما أنا فخاطئ كبير يحتاج كل عفو وكل أناة الله.
آية 17:- "وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى، الإِلهُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ."
إذ يتأمل بولس في عمل الله معه لا يسعه إلا أن يسبحه ويمجده.
آية 18:- "هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الابْنُ تِيمُوثَاوُسُ أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا الْمُحَارَبَةَ الْحَسَنَةَ،"
هي وصية أب لابنه أن يجاهد في خدمته وعمله. ويبدو أن بعض الأنبياء تنبأوا لتيموثاوس بأنه سيكون خادم عظيم وأمين، وبولس هنا يشير لهذه النبوات على أن الله دعاه بنفسه للخدمة فعليه أن يكون أمينًا لله.
المحاربة الحسنة = هي حرب روحية ضد قوات الظلمة لينقذ كل نفس من أسْر الخطية وينقذ الكنيسة من الهراطقة الذين يحركهم عدو الخير.
آيات 19، 20:- "وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، الَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ، انْكَسَرَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ أَيْضًا، الَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَالإِسْكَنْدَرُ، اللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يُؤَدَّبَا حَتَّى لاَ يُجَدِّفَا."
لك إيمان وضمير صالح = الجهاد في حياة الخادم غير منفصل عن حياته الداخلية التي يجب أن تتميز بالإيمان والضمير الصالح، أي يكون له حياته الروحية العميقة فمن يُعَلِّم الآخرين يلزمه أن يعلم نفسه (1كو 9: 27).
انكسرت بهم السفينة = حياة الإنسان على الأرض أشبه بسفينة تعبر من شاطئ إلى شاطئ، وما أسعد ذلك الإنسان الذي تصل سفينة حياته بسلام إلى بر الأمان "إلى ميناء هادئة، ميناء الخلاص". والمعنى أننا كبشر غرباء على الأرض (1 بط 2: 11) ليس لنا هنا إقامة دائمة (1كو 4: 11). فنحن عابرون مسافرون. وسفينة حياتنا تتحرك في بحر الحياة. ومن يرفض الإيمان تنكسر به السفينة ويغرق في بحر هذا العالم. ومن يرفض الإيمان إما أن يسقط في هرطقات كثيرة ويدخل في مناقشات غبية ويتوه في بحر هذا العالم، أو يسقط في خطايا تجذبه إليها شهواته، فالحياة الروحية الفاضلة في المسيح تلتحم بالإيمان المستقيم فيحيا الإنسان في رجاء وفرح. أما الحياة الفاسدة فتلتحم بالمباحثات الغبية البعيدة عن الإيمان المستقيم. فالحياة هي وحدة واحدة متكاملة لا تنفصل فيها التقوى عن الإيمان الصحيح.
هيمينايس = مذكور في (2تي 2: 17) وقال عنه الرسول أنه زاغ عن الحق قائلًا إن القيامة قد حصلت فيقلب إيمان قوم. لقد قدم تعاليمه المضللة بإساءة استخدام كلمات السيد المسيح عن قيامة النفس من موت الخطية، منكرًا قيامة الجسد في اليوم الأخير الاسكندر = مذكور في (2 تي 4: 14) وهذا أظهر شرورًا للرسول. كلاهما رفض صوت الله لحساب كبرياء قلبيهما
أسلمتهما للشيطان = مصطلح معناه حكم الطرد من الكنيسة وشركة الكنيسة أو ما يسمى بـ"الحَرْم الكنسي" أو "الأناثيما" ανάθεμα (غل 1: 8، 9). وهو مبني على السلطان الذي يعطيه المسيح لكنيسته للحل والربط (مت 18: 17، 18)، ومن هو خارج الكنيسة يمشي تابعًا للشيطان. وهذا ما فعله بولس الرسول مع خاطئ كورنثوس (اكو 5: 4-6) وحين يُسَلَّما للشيطان يؤذيهما جسديًا ولعل هذا يقودهم للتوبة فتخلص الروح = لكي يؤدبا.
وإذا تابا = لا يجدفا ثانية.
[انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان = concerning the faith have suffered shipwreck].
* هذا الإصحاح يضع المؤمن أمام طريقين:-
* أولهما:- أن يطيع الوصية حسب قول الرسول غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ (الآية5). أي أن كل من يغصب نفسه على طاعة الوصية (مت11: 12) سيجد المعونة من الروح القدس (رو8: 26)، بل ينمو في الإيمان والمحبة، ويتطهر ضميره. وهذا ما تسميه الكنيسة الجهاد (التغصب على تنفيذ الوصية) والنعمة (معونة الروح القدس التي تجدد طبيعتنا). فالروح القدس يقدس للطاعة أي يعيننا لنطيع الوصية، وهذا لمن يبدأ ويغصب نفسه. وأيضًا دم يسوع المسيح يقدس أي أن المؤمن يَتَكَرَّس (يتخصَّص) ليصير بِكُلِّيَتهُ لله. ونلاحظ قول القديسين بطرس الرسول وبولس الرسول "لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان، مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي (المعمودية)" (عب10: 22). + ".. المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق، في تقديس الروح للطاعة، ورش دم يسوع المسيح" (1بط1:1 ، 2). ونلاحظ أن عمل الرب الفدائي لم يتوقف على غفران الخطايا، بل يجعلنا بالمعمودية في المسيح خليقة جديدة (2كو5: 17). ويصل تقديس الإنسان بدم المسيح ليجعل ضمير الإنسان طاهرًا. فالسيد قال "بدوني لن تقدروا أن تفعلوا شيئا". والنمو ينشأ من حياة المسيح الثابتة في المؤمن المُعَمَّد. والغصن الحي له ثمار (يو15: 5). مثل هذا الإنسان يرحمه الله ويبارك حياته، بل يبارك في كل ما تمتد إليه يده.
* والثاني:- أن يعاند ويصر على السلوك الخاطئ معاندا ورافضا الالتزام بوصايا الرب. مثل هذا لن يكون له إيمان وضمير صالح وهذا تغرق سفينته، بل تتحطم حياته وتصيبه اللعنة، ويتحول إلى حطام إنسان [لاحظ أن كلمة shipwreck تترجم غرق السفينة أو حطام السفينة التي اصطدمت بالصخور]. قارن وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، الَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ (آية19) مع آية (5). فالإيمان الذي بلا رياء، والضمير الصالح، والمحبة من قلب طاهر هم ثمر عمل النعمة في الإنسان لمن يجاهد بأمانة ويحفظ الوصية.
* ونفهم أن المسيح أتى لأشر الخطاة (أيات9 ، 10) كطبيب ليشفيهم وليحولهم إلى أبرار. ويضرب الرسول مثلا بنفسه وكيف تحول من مضطهد للمسيحية إلى كارز عظيم.
* ولا داعي للشك في قبول المسيح لنا، فنقول: وهل يقبلني المسيح وأنا ليس لي إيمان أو ليست لي محبة، أو أنني أحيا في نجاسة، لأن المسيح قادر أن يشفيك من ضعف إيمانك ومن عدم محبتك، ومن محبتك للخطية بل ومن نجاستك (أمثلة: موسى الأسود وأغسطينوس). فمن جاء للمسيح واعترف قائلا "أؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني" (مر9: 14 - 27) لم ينتهره المسيح أو يرفضه، فشفى ابنه وبهذا شفى إيمانه أيضا. لقد فرح المسيح بالرجل الذي أتى له بإيمانه الضعيف وقَبِلَه، واستجاب لطلبته وشفى له ابنه، بل وشفى إيمانه أيضا. والمسيح شفى بطرس من نقص محبته وأعاده لرتبته الرسولية (راجع تفسير يو21). فهو الطبيب الذي أتى لشفاء الخطاة (مر2: 17).
* فتعال للمسيح مهما كانت خطيتك ومهما كانت نجاستك، فسيشفيك. فالمسيح أتى للخطاة والنجسين والضعفاء. فقط تعال وسيقبلك ويفرح بك فرحة الأب بعودة ابنه الضال (لو15) ويحولك إلى قديس. والله هو القائل "ارجعوا إليَّ، يقول رب الجنود، فأرجع إليكم، يقول رب الجنود" (زك1: 3). ولاحظ تكرار القول "يقول رب الجنود" وذلك تشديد على الوعد الإلهي بأنه سيقبل من يرجع إليه. ويقول القديس يعقوب "اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم" (يع4: 8). ولاحظ في الآيتين أنه سيرجع الله بالقبول وبالبركة والحياة لمن يأتي إليه.
والسيد ما زال يسأل "أتريد أن تبرأ" (يو5: 6).
ويقول "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب" (يو7: 37).
"والروح والعروس يقولان:«تعال!». ومن يسمع فليقل: «تعال!». ومن يعطش فليأت. ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانا" (رؤ22: 17). الله يدعو الجميع فهو يريد أن يخلص الجميع * وهو يريد أيضًا أن يبارك حياة الجميع، وكان هذا أول ما عمله الله حين خلق أبوينا آدم وحواء، إذ قيل "وباركهم" (تك1: 28). وكانت كلمات البركة التي ينطق بها الكهنة لشعب الله "كلم هرون وبنيه قائلا هكذا تباركون بني إسرائيل قائلين لهم. يباركك الرب ويحرسك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما. فيجعلون اسمي على بني إسرائيل وأنا أباركه" (عد6: 23 - 26). وهذه البركة هي عطية من الله لشعبه. ومن يباركه الله تتبارك حياته وكل أعماله لأن الرب يشترك معه [يوسف كمثال (تك39: 2 ، 23)]. وهذه هي أيضًا كلمات البركة التي يقولها الكهنة في العهد الجديد "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم" كما علمها لنا القديس بولس الرسول (2كو13: 14). كلمات البركة التي ينطق بها الكهنة هي إعلان عن إرادة الله أن يبارك شعبه.
* نرى في كلمات البركة في العهد القديم أن البركة ناشئة من اشتراك الرب مع يوسف أو أي أحد، والبركة في العهد الجديد ناشئة من شركة الروح القدس معنا. ولكن هذا لمن هو ثابت في المسيح فيصير غصنا حيا مثمرا، ويمتلئ بالروح، فيشترك معه الروح في كل عمل في حياته ويبارك في كل ما تمتد إليه يده.
* أما من يُصِّر على المعصية وعدم طاعة الوصية فلن يثبت في المسيح لأنه لا شركة للنور مع الظلمة، ولا اتفاق للمسيح مع بليعال أي الأشرار الذين يسلكون وراء الشيطان (2كو6: 14). ولأن البركة تأتي من اشتراك الرب معنا. فمن يسلك في المعصية لن يثبت في المسيح، ولن يبارك المسيح حياته بل سيتحول إلى shipwreck فيحيا بلا بركة، وتتدمر حياته هنا على الأرض، ويخسر أيضًا حياته الأبدية.
← تفاسير أصحاحات تيموثاوس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير تيموثاوس الأولى 2 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة رسالة تيموثاوس الأولى |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5gftqz2