محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
النشيد لسليمان:
الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح
|
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
آية (1): "نَشِيدُ الأَنْشَادِ الَّذِي لِسُلَيْمَانَ:".
آية (2): "لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ."
العروس هنا هي التي تتكلم، وهي الكنيسة أو النفس البشرية الناضجة روحيًا والتي اختبرت حب المسيح = لأن حبك أطيب.. وهي الآن تطلب أن تتلذذ بمحبة الآب، هي بعد أن تذوقت حب الابن الذي اتضح على الصليب تريد أن تتذوق حب الآب، لذلك تطلب قائلة ليقبلني = وتقولها بصيغة المجهول، فهي تكلم عريسها المسيح الذي هو الطريق لكل نفس لكي تتذوق حب الآب (اف3:1-6) والابن هو الذي أعلن محبة الآب فـ:"اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو 1: 18). وقول النفس ليقبلني = نقارنه بقبلة الأب للابن الضال بعد رجوعه، فكأن النفس تطلب التأكد من الغفران وعودة المحبة الإلهية، ولاحظ أنها لا تشبع من قبلة واحدة بل تطلب الكثير = قبلات فمه فهي تريد أن تفرح بحبه الأبوي وبأحضانه الأبوية. حبك أطيب من الخمر = هذه عن المسيح، والخمر تشير للفرح، وحب المسيح يسكر النفس فتنسى كل ما هو أرضي لتهيم في حب الله وحده. وحب المسيح قُدِّم على الصليب كسر فرح (إش1:63-4). لذلك كان الخمر يقدم مع الذبائح (لا13:23). حب النفس للمسيح هو حب عروس لعريسها.
يسهل على النفس تصور وتذوق حب المسيح ، فقط تنظر للصليب (هناك كثيرين أحبوا المسيح وتبعوه لأنهم قرأوا العهد الجديد، بل فقط هناك من أحب المسيح وتبعه إذ قرأ العظة على الجبل). ولكن تذوق حب الآب يحتاج إلى عمق أكبر فخطايانا تعوق هذا التذوق . لذلك تطلب النفس هنا من عريسها أن يشفع لها بدمه لكي تتذوق محبة الآب الغافرة هذه التي تذوقها الابن الضال. ونلاحظ أنه قيل عن الأب حينما عاد إليه ابنه الضال أنه "رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ" (لو15: 20).
فلماذا قيل عنقه بالذات؟ لاحظ أنه قيل عن شعب إسرائيل "فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذُنَهُمْ، بَلْ قَسَّوْا أَعْنَاقَهُمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا وَلِئَلَّا يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا" (إر17: 23). فقسوا أعناقهم أي لم يستجيبوا لعمل الروح القدس معهم، ولم يُغيِّروا إتجاههم ولم يعودوا بالتوبة إلى الله. أما الابن الضال فلم تكن له الرقبة الغليظة بل إستدار وعاد إلى الله. فالعنق اللين الذي يستدير عائدًا إلى الله هو تعبير عن التوبة. إذًا معنى وقوع الأب على عنق ابنه تعني فرحته بتوبته. ولاحظ أن كلمة توبة تعني قرار بتغيير الفكر والنية.
من يقدم توبة ويستجيب يشفع فيه دم المسيح الكفاري، فيثبت في المسيح فيحمله المسيح الإبن فيه إلى حضن الآب فيتذوق قبلات المحبة الأبوية.
آية (3): "لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى."
لرائحة أدهانك الطيبة
= ما نشتمه منك هو الحب والبذل والطاعة حتى الصليب. لذلك أحبتك العذارى. اسمك دهنٌ= هنا تلاعب جمالي بالألفاظ كما في (جا1:7). فبالعبرية (اسم Shem ودهن shemen).وقد يكون معنى أدهانك الطيبة سيرة المسيح في حياته على الأرض، كلماته، عظاته، تعاليمه، محبته، حنانه، قبوله للخطاة.
ويكون معنى إسمك دهن مهراق إشارة للحب الذي ظهر على الصليب. وهذا هو الأقرب لمعنى الآية. والاسم يدل على صاحبه وصفاته وقدراته فحينما نذكر اسم يهوذا نذكر الخيانة ، وحينما نذكر اسم يسوع نذكر محبته التي فاحت رائحتها في العالم كله، فنحن بذكر الاسم نذكر أعمال الشخص، وعمل المسيح له رائحة أزكى من كل رائحة، نذكره أمام الناس فيذكروا محبته فيفرحوا [محبوب هو اسمك يا رب فهو طول النهار تلاوتي] (مز 119: 97). فالمسيح سكب كمال حبه على الصليب، سكب نفسه ففاحت رائحة طاعته واشتمها أبوه كرائحة عطرة (تك21:8 + لا9:1+ 13:1 .. + 2كو15:2). فرائحة عمل المسيح الزكية كانت للآب ولنا. ولكن كلمة إسمك تشير أيضًا لجبروت المسيح وقوة دم صليبه التي غلبت الشيطان والخطية والموت، وما زالت تغلب فينا (رؤ6: 2).
أما الدهن فهو خليط من زيت وعطور وهو من أفضل التنعمات في أيام سليمان، وكان دهن المسحة يسكب على رأس رئيس الكهنة فينزل على لحيته (مز133). والزيت رمز للروح القدس، والعطور ترمز للمسيح ذو الرائحة
الزكية. وحين حل الروح القدس على المسيح رأس الكنيسة يوم عماده كان هذا لحساب العروس (الكنيسة) لتفوح منها رائحة المسيح، فلحية هرون رئيس الكهنة تشير لشعب المسيح، كنيسته المجتمعة في حب (رو5:5 + 2كو15:2) ونلاحظ أن عمل الروح القدس هو أن يشهد للابن (يو14:16، 15). والمسيح ممسوح بالدهن من قِبَل الآب لخلاصنا ليصير رئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه عنا (أع27:4). دهن مهراق= أي منسكب بفيض (يؤ28:2، 29). ونلاحظ أن الدهن مشبع ويمنح الجلد رطوبة، والروح القدس يعطي بمعرفة المسيح فرحًا وشبعًا. والْعَذَارَى = أي النفوس المكرسة للمسيح ولا تحب العالم، ولا تبيع نفسها لمحبة غريبة، فما أن قدم دمه على الصليب حتى إنجذبت له العذارى بمصابيحهن. وهكذا قال بولس الرسول "خَطَبْتُكُمْ.. لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ" (2كو2:11). وفداء المسيح كان سبب انسكاب الروح= اسمك دهن مهراق. فبعد الفداء إنسكب الروح على الكنيسة ليعطيها محبة للمسيح ويعطيها فرح .. يعرفها اسمه أي شخصه فتحبه وتشبع به وتفرح به فهو دهن مهراق. وقوله إسمك = عملك الفدائي القوي والعجيب الذي بسببه إنسكب الروح على الكنيسة .لرائحة أدهانك الطيبة = زيت المسحة يشير للروح القدس. والأطياب في المسحة تشير لصفات المسيح وحلاوته التي أعلنها لنا الروح القدس "يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14). اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ = اسمك هو إشارة لقوة دم الفداء، وباستحقاقات هذا الدم أرسل الروح القدس الذي فتح الأعين على المسيح وفدائه. فأحبه من فتح الروح القدس عينه بسبب: 1) حلاوة صفاته. 2) محبته العجيبة التي ظهرت في فدائه. = لذلك أحبتك العذارى. والعذارى هم من تجاوبوا بلا عناد مع صوت الروح القدس.
الملخص:
أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ = الأدهان الطيبة = صفات المسيح الجميلة ومحبته، وأعماله وسيرته ووداعته
وتعاليمه التي رأيناها في حياته على الأرض.
إسمك = = تشير لأعمال الشخص، وإسم المسيح يشير لقوة عمل دم المسيح الذي غلب الشيطان والموت والخطية، والغافر لكل خطية. ويعطينا قوة تغلب فينا. وعلى الصليب سكب المسيح كمال حبه، وفاحت هذه الرائحة الطيبة فإشتمها الآب، وإشتمها العالم كله. بل فاحت هذه الرائحة من المؤمنين.
إسمك دهن مهراق = الدهن هو زيت + عطور = الزيت يرمز للروح القدس. والعطور ترمز لرائحة المسيح الزكية. إسمك = عملك الفدائي على الصليب. جعل الروح القدس ينسكب عليك ثم يفيض على الكنيسة كلها = مهراق.
والروح القدس إنسكب على المسيح ليمسحه كرئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه.
إنسكب الروح القدس أولاً على المسيح ثم على الكنيسة بإستحقاقات دم المسيح.
أفاح الروح القدس رائحة محبة المسيح وعذوبة هذه المحبة التي كانت بغزارة، فإنتشرت رائحة محبة المسيح في العالم كله = مهراق. الروح القدس يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو14:16). فيعطينا معرفة المسيح. ومن يعرف المسيح يحبه ويكرس القلب له، ففي معرفة المسيح شبع وفرح، هو فيه كل الكفاية. لذلك قال بولس الرسول "مَحَبَّةَ ٱللهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُعْطَى لَنَا" (رو5:5)، ومَنْ أعطى أذنه للروح القدس وأحب المسيح وإلتصق به مكرساً كل القلب له، يصير من العذارى الحكيمات، ويلتصق بالمسيح "حبيبي لي وأنا له"(نش16:2). فالعذراء هي من تحب شخصاً واحداً لا يتعلق قلبها بسواه لذلك شبه الرب يسوع كنيسته بعشر عذارى = لذلك أحبتك العذارى.
العذارى الذين أحببنه هن العذارى الحكيمات، الذين ملأن مصابيحهن زيتاً، أي إمتلأن بالروح القدس. ومن يمتلئ بالروح القدس يعرف المسيح، فالروح يخبرنا عن المسيح (يو14:16). ومن يعرف المسيح يحبه ويكرس القلب له فيصير من العذارى الحكيمات. أما من هو غير ممتلئ بالروح فهو لن يعرف المسيح فلن يدخل معه في علاقة حب ولن يستطيع أن يكرس له كل القلب فيصير من الجاهلات. ولاحظ أن طلب الرب هو أن نكرس له كل القلب "يا إبني إعطني قلبك" (أم26:23).
آية (4): "اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ."
فنجري= حين يجذب المسيح نفساً تتحول لكارزة تجذب آخرين له. النفس التي أحبت المسيح لا تهدأ حتى ترى الكل وقد عرف عريسها وأحبه. حين تتذوق النفس حلاوة عشرة المسيح يسوع وكم هي مفرحة، تشتهي أن يتذوقها كل إنسان. والنفس التي عرفت خلاص المسيح، تشتهي خلاص كل إنسان كما قال القديس بولس الرسول لأغريباس الملك (أع26 : 29). وهذا رأيناه مع (السامرية / زكا..). ولماذا ينجذب الناس حينما تكلمهم نفس قد عرفت المسيح عن المسيح؟ السبب أن الناس يرون في هذه النفس جمالا يرجع للمسيح الذي فيها، فينجذبون كلهم للمسيح. ويجري الكل وراءه
والعروس سألت المسيح اجذبني والاستجابة كانت سريعة أدخلني الملك إلى حجاله= حقًا "اسألوا تعطوا" وحجاله أي بيت العرس المزين بالثياب والأسرة والستائر، وهذا يشير لعلاقة المخدع السرية بين المسيح والنفس البشرية. فمن أراد أن يصلي فليدخل إلى مخدعه، وماذا يجد هناك؟ نبتهج ونفرح بك.
نذكر حبك أكثر من الخمر = الخمر يشير للفرح، فمعرفة المسيح وحبه تعطي فرحًا حقيقياً هو عطية من الله، وهذا الفرح ينتصر على أي ألم أو أي خوف "أَرَاكُمْ.. فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو22:16). أما الأفراح العالمية فهي مفتعلة يحاول من يسعى وراءها أن يشعر بالفرح، وهذه لحظات وتنتهي وهذه لا تقدر أن تنتصر على أي ألم خارجي.
بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ = النفس تقول هنا لعريسها: كل من إختبرك وأحبك كان له كل الحق، فحين عرفتك أنا وجدتك تستحق كل هذا الحب.
آية (5): "أَنَا سَوْدَاءُ وَجَمِيلَةٌ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، كَخِيَامِ قِيدَارَ، كَشُقَقِ سُلَيْمَانَ."
النفس التي اشتهت إيمان العالم كله بالمسيح، تدعو من لم يتذوق محبة المسيح بعد فيكرس له كل القلب -وتسميهم هنا بنات أورشليم- لأن يدخلوا إلى العمق فيتذوقوا. ولكنها تذكرت آلام الاضطهاد التي تعاني منها والانشقاقات الموجودة في الكنيسة، فقالت لهم لا تنخدعوا بالمظهر الخارجي بل الفرح والمجد هو شيء داخلي.
الكنيسة توجه حديثها هنا لبنات أورشليم= فهن رأين تجاربها وآلامها واضطهادها فظنوا أنها متروكة، بل رأوا فيها انشقاق.. وبنات أورشليم يمثلن كل من لم يتذوق جمال العشرة مع المسيح وهي تقول لهم أنا سوداء وجميلة= هي سوداء بطبيعتها لأننا كلنا مولودين بالخطية: "هل يُغَيِّرُ ٱلْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ ٱلنَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا ٱلْمُتَعَلِّمُونَ ٱلشَّرَّ" (إر23:13) هكذا كنا قبل المسيح، وهي سوداء بسبب تجاربها ومشاكلها. ومعنى كلام إرمياء أنه لا أمل لشعب العهد القديم أن يتبرروا فيتغير لونهم الأسود. هذا لن يحدث قبل مجيء المسيح. وهذا ما قاله هوشع النبي "اِزْرَعُوا لِأَنْفُسِكُمْ بِٱلْبِرِّ (جاهدوا بقدر إمكانكم أن تفعلوا البر). ٱحْصُدُوا بِحَسَبِ ٱلصَّلَاحِ (ما الذي يدفعهم لعمل البر؟ الخيرات المادية). ٱحْرُثُوا لِأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا (حاولوا أن تقدموا توبة)، فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ ٱلرَّبِّ حَتَّى يَأْتِيَ (المسيح) وَيُعَلِّمَكُمُ ٱلْبِرَّ" (هو12:10).
كخيام قيدار= وقيدار كان إبنًا لإسمعيل وكانت خيامهم لونها أسود من الخارج. ولكنها جميلة كشقق سليمان أي ستائر قصور سليمان الملونة، وهذه تظهر من الداخل [فكل مجد ابنة صهيون من داخل] (مز45: 13) سر جمالها الداخلي وجود المسيح فيها. جمال المسيحية لا يمكن إدراكه لمن يحيا في السطحيات، ولكن من يدركه هو من يدخل إلى العمق. لذلك يقول المسيح [ادخلوا إلى العمق] (لو4:5). وقبل الهيكل الذي أسسه سليمان كانت العبادة في خيمة الاجتماع حيث يسكن الله مع شعبه كسر جمال لهم. والخيمة خارجها جلود كباش محمرة وشقق سوداء من شعر المعيز الأسود ، لكن من الداخل شقق ملونة. وهي بهذا ترد على بنات أورشليم القائلات [لماذا نأتي للمسيح بينما الحياة معه كلها وصايا وقيود وتجارب وآلام؟!]. وكأنها تنادي مع داود "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" الرب الذي يعطي في الداخل فرح ومجد وعزاء (2كو7:4-11+ 8:6-10). والنفس تذكر سوادها فتتضع وتذكر جمالها فلا تصغر نفسها، وهنا نجد التوازن. وهكذا تضع الكنيسة في مقدمة كل صلاة، صلاة الشكر والمزمور الخمسون (مز 51). ففي صلاة الشكر نذكر عمل المسيح ونشكره لأنه أعطانا جمالًا وفي المزمور الخمسين نذكر سواد خطايانا. والعجيب أنه إن وقفنا أمام المسيح باكين على سوادنا يرانا هو في جمال وجاذبية ويقول للنفس المنسحقة الباكية "حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني" (نش5:6).
آية (6): "لاَ تَنْظُرْنَ إِلَيَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ، لأَنَّ الشَّمْسَ قَدْ لَوَّحَتْنِي. بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ. أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ."
لا تنظرن إليَّ لكوني سوداء= أي لا تحكمن بحسب المظاهر. فالشمس قد لوحتني أي التجارب التي كالشمس حولت لوني للسواد، ولكن [1] هذا خارجيًا فقط. [2] هو شيء وقتي، فبعد أن نبتعد من تحت الشمس (هذا العالم) سينتهي هذا اللون الأسود ويعود لنا لون بشرتنا الأصلي بل أبهَى وذلك في جسدنا الممجد، فهناك نصير مثله لأننا سنراه كما هو (1يو2:3) . “ويغير شكل جسد تواضعنا إلى صورة جسد مجده" (في 3: 21). .وجسد تواضعنا يستحسن ترجمتها وضاعتنا فهي بالإنجليزية (our lowly body) . بنو أمي= حين قامت الكنيسة المسيحية كان أول من هاجمها واضطهدها هم اليهود. وبعد هذا قام على الكنيسة كثير من الهراطقة الذين أذاقوها مرارة الانقسام والخصومة. لقد جعل الله الكنيسة ناطورة الكروم= أي حارسة للكروم كلها فلم تحرس حتى كرمها وانشقت. ولكن نلاحظ أن الله كان بعد كل مؤامرة شيطانية من الهراطقة تخرج الكنيسة أقوى مما كانت. بل ومن خلال منازعات الأفراد داخل الكنيسة [يُخْرِج الله من الجافي حلاوة] (قض 14: 14). فخلاف القديسين بولس ومرقس جعل القديس مار مرقس يتجه إلى مصر والنتيجة دخول مصر للإيمان. وهذا ما رأيناه أيضًا أن أزهى عصور انتشار المسيحية كانت أصعب فترات الاستشهاد إذ أدرك الناس حلاوة المسيحية من داخل فآمنوا وإستشهدوا.
ملحوظة للخدام= هناك من يهتم بمخدوميه ولا يهتم بأن يرعى كرمه هو (حياته الروحية).
آية (7): "أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ. لِمَاذَا أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ عِنْدَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ؟"
هذه النفس أو هذه الكنيسة الكارزة في كرازتها وقف ضدها من يحاول تشكيكها في مسيحها وعقيدتها. فصرخت لمسيحها راعيها تبحث عنه ليعطيها طعاما يقنعها ويشبعها أي ما تتكلم به أمام هؤلاء الهراطقة. وتريده راعيا يدافع عنها = يربض.
وإن ضلت وراء هؤلاء المشككين تصرخ له قائلة لا تتركني تائهة لا أجد ردًا عليهم = لِمَاذَا أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ عِنْدَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ.
حينما تذكرت شدتها وسوادها وهياج الأعداء عليها، بحثت عن الراعي، المسيح الذي يقودها للمراعي الخضراء. يا من تحبه نفسي= فهي تحبه لأنه أحبها أولًا بالرغم من سوادها. وهو القادر أن يشبعها ويعزيها= أين ترعى. ويحميها= أين تربض وكلمة يربض تقال عن الأسد المستعد للإنقضاض على فريسته ، ومسيحنا هو الأسد الخارج من سبط يهوذا يدافع عن كنيسته عروسه. وقت اشتداد التجارب= عند الظهيرة= عندما تشرق الشمس التي تلوحها. ونجد العروس هنا تلوم نفسها أنها في بعض الأحيان تترك راعيها الحقيقي وتكون كمقنعة عند قطعان أصحابك (أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ عِنْدَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ) = كلمة مقنعة تعني من ترتدي قناعًا وبالتالي تكون غير قادرة على الرؤية جيدًا لذلك تترجم الكلمة أيضًا "تائهة" أو "مغشي عليها" أو في السبعينية "خفيفة" أي تهزها التعاليم الغريبة للآخرين، هي إنجذبت وراء فكر آخر غير فكر المسيح الواحد، خرجت من كنيسته الواحدة الوحيدة وذهبت وراء قطعان آخرين، وهنا نجدها تلوم نفسها على ذلك. ومن إنجذبت وراءهم يدَّعون أنهم أصحاب عريسها= قطعان أصحابك (1يو19:2 ، 22).
آية (8): "إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ."
إن لم تعرفي.... فاخرجي على آثار الغنم
= كثيرًا ما ندَّعي عدم المعرفة لذلك يقول العريس هنا ولماذا التوهان أيتها النفس وعندك في كنيستك الآباء والقديسين، ما عليك سوى أن تخرجي من نفسك وذاتك وإعجابك بكل ما هو جديد (وموضة) وسيري على أثار القديسين والأباء (عب7:13-9). لا تتركوا إيمان الآباء المُسَلَّم مرة للقديسين (يه 3، 4). ونسمع قول الكتاب "ملعون من ينقل تخم صاحبه. ويقول جميع الشعب آمين" (تث27: 17). فبالنسبة لشعب العهد القديم فالله سلم كل سبط أرضا حددها لهم ووزعها عليهم يشوع. ويطالبهم الله بأن لا يغيروا ما إستلموه. وبالنسبة لنا فالتخم هو التقليد والتعليم الذي تسلمناه من الآباء "الإيمان المُسَلَّم مرة للقديسين" (يه3). ويضيف سفر الأمثال "لا تنقل التخم القديم الذي وضعه أباؤك" (أم22: 28). ويقول الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا "تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ3: 11).أيتها الجميلة = سيتكرر وصف العريس لها بأنها جميلة وهذا لمحبة عريسها لها، بل لم نسمع طوال السفر كلمة توبيخ واحدة للعروس.
إرعي جداءك
= عمل النفس التي عرفت المسيح أن تشهد أمام الخطاة = الجداء بأن عريسها غفر لها وأحبها. ولكن تقودهم لمساكن الرعاة= للكنيسة وليس للغرباء. والجداء لأن لونهم أسود فهم يشيرون للخطية .
آية (9): "لَقَدْ شَبَّهْتُكِ يَا حَبِيبَتِي بِفَرَسٍ فِي مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ."
في الآيات السابقة رأينا النفس أو الكنيسة وقد إضطربت إذ رأت أن هناك هجومًا عليها من الهراطقة والمشككين (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وربما إندهشت العروس الكنيسة من كل هذا الهجوم. والرب يقول لها هنا - أنا أعلم أنك في حرب ولكن تشجعي فأنا الذي أقود المعركة، وأنت كفرس أنا أقوده، لذلك فأنت قوية لأنني أنا وليك قوي. الرب يسوع هنا ينبه الكنيسة أنها على الأرض، وطالما نحن على الأرض فنحن في معركة مستمرة ضد أبواب الجحيم، ولكن "أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16 : 18). مملكة الشيطان لن تقوى على أن تغلب كنيسة المسيح. ليس هذا فقط بل نحن كنيسة هجومية، تهاجم مملكة الشيطان. وأبواب مملكته = أبواب الجحيم لن تقوى على صلوات وتسابيح الكنيسة ورفضها لكل إغراءاته، فهو ينهزم حين نرفض إغراءاته.
هي خلال جهادها ليست وحدها ضعيفة بل هي في حرب ولكنها قوية كفرس قتال لأن من يقود الفرس في المعركة هو مسيحها (رؤ2:6). وهي في موكب (الكنيسة) ولكنها ما زالت على الأرض لذلك قيل مركبات فرعون:-
[1] إشتهر فرعون بجودة جياده، هي جياد قوية في المعارك.
[2] الفرس مشهور بأنه يدخل المعارك بلا خوف (أي21:39).
[3] كلمة فرس المستخدمة هنا تعني أنثى الحصان وهكذا جاءت في الترجمة الإنجليزية (filly) لأننا عروس المسيح وهو عريسنا.
[4] غرق فرسان فرعون في البحر الأحمر وغرق معهم خيولهم التي كانوا يقودونها، أما شعب الرب الذي كان موسى يقودهم فقد خرجوا من البحر أحياء وأحرارا من عبوديتهم لفرعون. وهذا يعني أن مَنْ يترك حياته لقيادة الشيطان (رمزه هنا فرعون وجنوده) يغرق في أمواج بحر هذا العالم. أما من ترك القيادة للمسيح (رمزه هنا موسى) ينجو ويخلص. ولاحظ أن المعمودية هي موت مع المسيح وقيامة مع المسيح (رو6) والشعب اعتمد لموسى في البحر الأحمر (1كو10: 2) لأنهم إجتازوا البحر مع موسى (= الموت مع المسيح) ثم خرجوا أحياء مع موسى (= القيامة مع المسيح).
[5] نرى هنا أن الحروب ضد الكنيسة من داخل ومن خارج هو شيء طبيعي طالما نحن ما زلنا على هذه الأرض. وعلى الكنيسة أن تقف صامدة وتدخل المعركة ضد قيادة مسيحها دون خوف وبلا يأس. وهذا ما يقوله القديس بولس الرسول أننا في حرب دائمة (أف6: 12).
آية (10): "مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ، وَعُنُقَكِ بِقَلاَئِدَ!"
رأينا في الآية السابقة النفس مشبهة بفرس في معركة. وهذا يشير لجهاد الكنيسة في صلواتها وتسابيحها ضد مملكة إبليس. وهي معركة قيل عنها "أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18) والمعنى حتمية انتصار الكنيسة في حربها ضد مملكة الظلام. وهذه الكنيسة المجاهدة الصامدة خلال الحروب ضدها والمتمسكة بإيمانها بمسيحها، والمنتصرة على رئيس هذا العالم سبب فرح للمسيح وللسماء. المسيح يفرح بكنيسته المجاهدة. هذا الفرح جعل المسيح يزين كنيسته بالجواهر واللآلئ. المسيح هنا يطمئن الكنيسة ويشجعها على جهادها بأن لها أكاليل معدة.
سُمُوطٍ = السموط = صنف من الجواهر = فإذ صارت النفس مسكنًا للروح القدس ينعكس جمال المسيح على وجهها أي خديها. وحين تغلب النفس يُلبِسها المسيح هذه الجواهر إذ جعلها ملكة. وعنقك بقلائد= كان عنقها غليظًا رافضًا أن ينقاد لله، والآن قبلت نيره، وهذا هو عمل الروح القدس الذي يبكت ويقنع. لذلك وقع أبو الإبن الضال على عنق إبنه وقبله إذ إنقاد لعمل الله ولم يستمر في عناده = صار عنقه ليناً قابلا للإنقياد لصوت الروح القدس. وإذ قبلت كافأها بقلادة هي روح الطاعة = وهذا هو عمل النعمة لمن يبدأ بالجهاد = التغصب، فبعد أن كان الإنسان يغصب نفسه ليطيع الوصية، جعلته النعمة يطيع الوصية بحريته، ليس جبرًا بل لأنه تذوق حلاوة تنفيذ الوصية.
آية (11): "نَصْنَعُ لَكِ سَلاَسِلَ مِنْ ذَهَبٍ مَعَ جُمَانٍ مِنْ فِضَّةٍ."
نصنع = الثالوث هو المتكلم هنا. وهذه الآية تدل على رمزية السفر فلا يوجد عدة رجال يحبون امرأة واحدة. سلاسل = والسلاسل تظهر من الخارج كأنها قيود ولكنها للجمال. فهي من ذهب= أي سماوية (القيود هي الالتزام بالوصايا والصلاة والصوم..) وقد التزمت العروس بها بالحب. وجمان = أجراس كالتي تُعَلَّق في سلسلة الشورية. فِضَّةٍ = والفضة ترمز لكلمة الله. فهذه النفس لها عمل تنبيه ووعظ الآخرين بكلمة الله "كَلَامُ ٱلرَّبِّ كَلَامٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ" (مز6:12).
ومن هنا نفهم لماذا أعطى الله الوصايا (السلاسل)؟ كان هذا لنحيا حياة سماوية (ذهب) ونحن على الأرض. ومن له الحياة السماوية يكون كلامه وكرازته كجمان (أجراس إنذار)، ويكون لها تأثير في السامعين. وبماذا ينذر الناس؟ تكون كلماته من الكتاب المقدس (فضة). والرب يسوع بتجسده أتى لنا بإمكانية أن نحيا السماويات ونحن ما زلنا على الأرض "طَأْطَأَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ" (مز9:18).
هذه النفس أو هذه الكنيسة المجاهدة ضد الشيطان وأعوانه من الهراطقة لا يجب أن تتوقف عند حد الجهاد والمجادلات. بل عريسها يريد لها أن تتذوق الحياة السماوية، لذلك يوصيها بالالتزام بكل الوصايا فهذا هو الطريق للحياة السماوية، وأيضًا هو الطريق لفعالية الخدمة والكرازة.
آية (12): "مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ."
1) مَنْ إلتزم بالوصايا = أي هو قبل أن يرتبط بالسلاسل الذهبية (الآية 11)، يرتاح المسيح عنده (يو23:14) فيتحول إلى سماء. فالمسيح مكانه السماء = الملك في مجلسه= هو ملك بصليبه على قلبي. ولما صار قلبي مجلساً ومسكناً له ويملك عليه، فاحَت رَائِحَتَهُ هو. ولكن العروس تقول نارديني أي رائحتها هي = وما يجعل رائحة النفس تفوح كناردين هو أن تقبل النفس أن تُسكب عن المسيح فتشترك معه في صليبه. وتظهر النفس كقابلة للصليب دائسة العالم مع عريسها. فما معنى أن تشترك النفس مع المسيح في صليبه وما الذي يدفعها لذلك؟
2) المسيحية تبدأ بالمعمودية، والمعمودية هي موت مع المسيح وقيامة معه. ولكن الموت مع المسيح لابد وأن يستمر فيما نسميه الإماتة "إحسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية" (رو11:6). ولذلك يقول بولس الرسول "من أجلك نُمَات كل النهار" (رو36:8). ويقول "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (غل20:2). فمن يقبل الإماتة أي أن يحيا ميتا أمام الخطية تظهر حياة المسيح فيه "حَامِلِينَ فِي ٱلْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. لِأَنَّنَا نَحْنُ ٱلْأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا ٱلْمَائِتِ (2كو4: 11،10).
3) وهنا نتساءل عن رائحة الناردين التي فاحت، هل هي رائحة المسيح الذي في النفس أم رائحة النفس، لأنها تقول نارديني؟ الرائحة هي رائحة المسيح كما يقول بولس الرسول "لأننا رائحة المسيح الزكية لله" (2كو15:2). ولكن يُحسب للنفس أنها قبلت أن تُصلب مع المسيح.
4) وما الذي يجعلنا نرفض ملذات العالم ونقبل صلب أنفسنا عن العالم؟ هو ثقتنا أن لنا حياة أبدية، وسنقوم في المسيح القائم من الأموات. لذلك نصلي في القداس "بموتك يا رب نبشر وبقيامتك نعترف". يرانا الناس وقد صلبنا أنفسنا عن ملذات العالم، أي نكسر قارورة الطيب، وهذه هي الكرازة = نبشر بموت المسيح، أننا نقبل الصلب معه. فرائحة العطر تفوح عندما تُكسر زجاجة الطيب. ولو سألونا لماذا تفعلون ذلك فالإجابة أننا نؤمن بالحياة الأبدية في السماء.
5) والنفس أو الكنيسة التي يسكن فيها المسيح هي أفضل كارزة لأن رائحة المسيح الذي فيها تجذب الآخرين لها. وأيضا لنلاحظ أن ما كان يجذب الوثنيين للإيمان بالمسيح أيام الإضطهادات هو تمسك المسيحيين بإيمانهم رغم ألامهم، فتساءلوا من هو هذا المسيح الذي يحبونه كل هذا الحب. وعرف هؤلاء الوثنيين من هو المسيح وإستشهد منهم كثيرون. وهذا السؤال هو نفسه الذي سأله الأصدقاء للعروس هنا في (نش5 : 9).
آية (13): "صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ."
المر= يشير للألم (بطعمه المر). ولكنه يشير أيضاً للرائحة العطرة. فإحتمال المسيح لألامه من أجلنا بل لكل البشر كان له رائحة جميلة جذبت البشر إليه. وهكذا بالنسبة لنا، فإحتمال الألم لأجل المسيح له رائحة عطرة أمام المسيح وأمام الناس.
* النفس أو الكنيسة التي عرفت أن قوة كرازتها هو في وجود عريسها فيها، إحتفظت به في داخلها بين ثدييها كصرة مر أي أعلنت إحتمالها الألام لأجله. وهنا إنتشرت رائحته الحلوة للجميع بالأكثر. وصار تعليمها مقبولا لدى الناس بسبب رائحة إحتمالها للألام لأجل مسيحها. وهذا ما يجعل الآخرين يسألونها عن عريسها هذا الذي تحتمل الألام لأجله (نش9:5).
بين ثديي يبيت = على صدري بجانب قلبي يبيت. قلبي هو موضع راحته. هكذا كان يصنع القديس يوحنا الحبيب. وتشير صرة المر بين الثديين إلى:-
أن مسيحها تألم وكان صُرَّةُ الْمُرِّ (صرة مر مملوء آلامًا) وبألامه فاحت رائحة محبته حين فتحت هذه الصرة على الصليب، فملأ حبه قلبها لأنها شعرت بأن حبه أُعْلِنَ أولًا.
النفس شعرت بمحبة المسيح إذ فاحت رائحة حبه فملكته عليها ، وعندما صار له مكانا في قلبها فاحت رائحته منها "لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ" (2كو2: 15) . بل قررت النفس احتمال صليبها كما إحتمل هو لأجلها، فأظهرت احتمالها الآلام والصليب (المر) لأجله، فظهرت كصورة له حاملة صليبها مثله.
بعد أن صار المسيح داخل النفس وبين ثدياها، صار هو مصدر تعليمها الذي ترضعه لأولادها لتجذبهم له. (الثديين هما العهد القديم والعهد الجديد وهو مشرع كلاهما).
كانت العادة أن الزوجة تعلق صورة زوجها الغائب في عنقها علامة محبتها وولائها له إذ تستقر صورته على صدرها. وهنا نرى أن العروس تظهر صورة عريسها للآخرين أي تظهر محبتها وإخلاصها له، وهكذا نشهد نحن للمسيح أمام الكل.
صرة المر أيضًا تشير لعادة عند البنات في تلك الأيام. إذ كن يلبسن صرة مر على صدورهن فيفوح منها رائحة عطرة (كان المر برائحته العطرة هو أشهر عطور ذلك الزمان) . هكذا كل من قبل المسيح وصليبه تفوح رائحته.
آية (14): "طَاقَةُ فَاغِيَةٍ حَبِيبِي لِي فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ."
طاقة = حزمة. فاغية = نبات نور الحناء. وله زهر رائحته طيبة جدًا وقد اشتهر وجود هذا النبات في عين جدي. ومازالت هذه العادة للعروس موجودة في مصر وبعض البلدان، أن تقبض العروس على حزمة من زهر الحناء ليلة عرسها فتصبغ يدها بلون أحمر ويصبح ليدها رائحة حلوة يوم زفافها. العروس هنا حملت علامات الصليب (اللون الأحمر) في يدها وصارت لها الرائحة الزكية (حمل الصليب).
واليد تشير للأعمال والخدمة. وهنا نرى النفس أو الكنيسة تتألم في خدمتها وهي تحتمل صليبها ولكن كل هذه الآلام تنشر رائحتها الزكية بالأكثر، أو قل رائحة مسيحها الذي فيها.
آية (15): "هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ."
عيناك حمامتان
=[1] كحمامة نوح لا تستريح خارج الفلك (الفلك رمز الكنيسة جسد المسيح = تكون النفس ثابتة في المسيح وإن خرجت تعود فلا راحة لها خارجا) .
[2] الروح القدس حَلَّ على المسيح على هيئة حمامة ، لأن الحمام دائما يرجع إلى بيته كما عادت حمامة نوح إلى الفلك . وعمل الروح القدس معنا أن يثبتنا في جسد المسيح بواسطة الأسرار، "وَبَيْتُهُ نَحْنُ" (عب3: 6) . وكلما نضل طريقنا بعيدا عن المسيح يعيدنا بالتبكيت بالإقناع وبالمعونة (يو16: 8 + رو8: 26) . لذلك أخذ الروح القدس شكل حمامة يوم معمودية المسيح . ولذلك يسمى سر الميرون "سر التثبيت" فالروح يثبتنا في المسيح في المعمودية ، وكلما نبتعد يعيدنا إلى بيتنا جسد المسيح .
[3] الحمامة بسيطة ووديعة. وبسيطة تعني أن لها اتجاه واحد، أي قلب غير منقسم بين الله والعالم، النفس لها هدف واحد هو الله ، وهذه النفس يسكن فيها المسيح نور العالم فتنير = [وإذا كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا] (مت22:6) . وتأخذ شكل المسيح الوديع . تترجم بسيطة بالإنجليزية single hearted . إذًا عينا هذه النفس متجهتان دائما نحو المسيح تبحث عنه في إشتياق. والروح القدس يفتح عينيها فترى المسيح وتعرفه.
[4] لهما استنارة بالروح القدس، الذي حَلَّ على المسيح على هيئة حمامة. فما معنى الاستنارة؟ *الروح يجعلنا نعاين السماويات (1كو2: 9 – 13) . *والروح يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو16: 14) فنبدأ نعرف المسيح ونتذوق حلاوته. *هو روح النصح (2 تي 1: 7) فنتخذ القرار السليم. *هو روح التبكيت فنترك الخطأ (يو16: 8). *يشهد لنا ببنوتنا لله فلا نتذمر في التجارب فهي من يد أب محب (رو8: 15 ، 16).
[5] وكل من هو في المسيح يكون في نظر الله نفس لها جمالها يفرح بها = ها أنت جميلة .
إذًا هذه النفس التي صارت في المسيح بالروح القدس يفرح بها المسيح إذ عادت إليه وثبتت فيه ولا تستريح إلا فيه يدعوها ها أنت جميلة يا حبيبتي. هذه النفس هي التي حملت سمات المسيح وقبلت أن تشترك معه في صليبه. ولكن ما زالت لهذه النفس خطاياها، ورغمًا عن ذلك يراها الله جميلة.. كما قال الشاعر "عين المحب عن كل عيب كليلة". فالمحب لا يرى سوى الجمال في من يحبها. "عبدي أيوب رجل كامل".
آية (16): "هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي وَحُلْوٌ، وَسَرِيرُنَا أَخْضَرُ."
بعد يوم طويل من التعب يأتي الإنسان إلى سريره ليرتاح. وأين هي راحتنا الحقيقية؟ هي في المسيح. لذلك يقول "تعالَوْا إِلَيَّ يا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ إحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لِأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأن نيري هيِّن وحملي خفيف" (مت11: 28-30). والنير هو أن نرتبط بالمسيح أي نتخذ قراراً بأن ننفذ وصاياه.
والرب يسوع يقول "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يو4:15). وكيف نثبت فيه؟ حينما ننفذ وصاياه. وذلك سهلٌ لمن يحاول أن يرتبط به لأنه في الحقيقة هو الذي يحمل عنا حمل تنفيذ الوصية، لذلك يقول أن نيره هيِّن وحمله خفيف.
وأين يرتاح المسيح؟ هو يرتاح فينا. يرتاح المسيح في القلب الذي عرفه. لذلك هو يرتاح عند الشاروبيم فيقال [الجالس فوق الشاروبيم] (مز10:18)، "فهم مملوَّة عيوناً" (رؤ6:4) وهذا رمزاً للمعرفة. وهو على الأرض إشتكى من أنه لا يجد مكانا يسند فيه رأسه "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (مت20:8). فنحن نرتاح فيه وهو يرتاح فينا، هذا إن كان لنا معرفة وحب له. فصار السرير الذي يريح المسيح وفيه نرتاح نحن أيضا هو جسد المسيح الواحد الذي صرنا أعضاء فيه.
لاحظ الآيات التالية: * ٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ ٱلْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي ٱلْخُبْزِ ٱلْوَاحِدِ" (1كو 10: 17،16). * "وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ" (أف1: 23،22). * "لِأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" (أف30:5). السرير إذاً الذي يرتاح فيه المسيح هو جسده الذي كونه أي الكنيسة، وهو رأس هذا الجسد. ونحن أعضاء هذا الجسد لا راحة لنا سوى في أن نثبت في هذا الجسد.
ويقول بولس الرسول "يَحِلَّ ٱلْمَسِيحُ بِٱلْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أف17:3)، ويقول أيضاً "مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا، بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ ٱلْآنَ فِي ٱلْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي ٱلْإِيمَانِ، إِيمَانِ ٱبْنِ ٱللهِ" (غل20:2). فالمسيح الحي يحيا فينا، ومن هو حي بحياة المسيح يقال هنا = سريرنا أخضر. فالخضرة علامة الحياة والإثمار "ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ" (يو5:15).
قال لها العريس عيناك حمامتان، فماذا أعطى الروح القدس لعيناها أن تراه؟ لقد رأت جمال عريسها ها أنت جميل= لقد أدركت أنه جميل ، ومن جماله وحلاوته تجد النفس أنها مشتاقة أن تعطي كل القلب له ، وتنفتح عيناها وتدرك أنه هو سر جمالها. بل هو مصدر كل قوة وكل قداسة فينا. لذلك لا يجب أن ننسب لأنفسنا أي شيء صالح فينا (يع17:1). سريرنا أخضر= نتيجة هذا الإدراك الروحي دخلت النفس مع مسيحها في إتحاد أعمق. والسرير هو الجسد الذي فيه تلتقي النفس مع الله، ويتحول الجسد لمكان يسكن فيه الله بل يرتاح فيه ، جسدنا لم يعد ملك لنا ولم يعد مسكنًا للنفس البشرية فقط، بل يسكن الله فيه، وهنا تظهر ثمار الروح القدس لذلك دُعِيَ السرير أخضر أي مثمر. لقد دعا بولس الرسول أجسادنا أنها أعضاء المسيح (1كو15:6) لأنها حملت إنعكاسًا للوحدة الداخلية بين الكلمة الإلهي والنفس. لقد سبق المسيح وأخذ جسدنا فهو أخذ مالنا ليعطينا ماله، لقد صار جسدنا جسده، وصار جسده سرير لنا، إذ لنا فيه راحة، نحن نرتاح فيه وهو يرتاح فينا ، نرى فيه إتحادنا معه. لقد أثمر جسد الرب طاعة للآب عوض عصياننا ونقاوة عوضًا عن نجاساتنا وغلبة على الشيطان عوضًا عن هزيمتنا. عمومًا الخضرة علامة الحيوية والإثمار لأن النفس مجتمعة مع الله. وهذه الحيوية لجسدنا جاءت من ثبات حياة المسيح فينا "لي الحياة هي المسيح" (في 1: 21) . ومن هو حي يثمر .
آية (17): "جَوَائِزُ بَيْتِنَا أَرْزٌ، وَرَوَافِدُنَا سَرْوٌ."
جَوَائِزُ بَيْتِنَا = العروس بدأت بمحبة عريسها، ثم إشتاقت لتجذب معها العذارى، وهنا وصلت النفس لأن الكنيسة ليست فقط هي التي على الأرض، بل ممتدة للسماء. فتقول لعريسها بيتنا = الجسد الذي يجمعنا ونرتاح فيه لهو جزء في الأرض وامتداده إلى السماء.
كنيسة المسيح تشبه هنا بالبيت. والبيت له أعمدة رأسية= الجوائز= وله عوارض أفقية= روافد. وتشير الأعمدة الرأسية للكنيسة المنتصرة التي هي الآن في السماء، لذلك فالجوائز من أرز= وهذا عمره طويل (فإبراهيم وإسحق ويعقوب أحياء) ورائحته حلوة وهكذا سير أبائنا القديسين. وتشير العوارض الأفقية للكنيسة المجاهدة على الأرض. ونلاحظ أنها من سرو وهو مشهور بقوته وأنه لا يهتز بالريح. وهكذا ينبغي أن تكون كنيسة المسيح، فهي كنيسة قوية لا يستطيع أحد أن يحطمها، وينبغي أن يكون المؤمنين واثقين في حماية ربها لها فلا يهتزون مع أي رياح اضطهاد أو تعاليم غريبة. ونلاحظ أن البيت مكون من أعمدة رأسية ومن عوارض أفقية وهكذا صليب المسيح، فالمسيح بصليبه وحد السمائيين بالأرضيين. وصارت الكنيسة من قسمين، قسم رأسي، ممتد رأسيًا وهي الكنيسة المنتصرة وقسم أفقي ممتد أفقيًا في كل الأرض وهي الكنيسة المجاهدة.
سفر النشيد هو سفر المحبة.
أولًا) هي محبة الله مثلث الأقانيم. الروح القدس (الدهن المهراق) يجذبنا للابن العريس ويثبتنا فيه، والابن إذ نتحد به كعروس مع عريسها، يحملنا لأحضان الآب فننعم بمحبته = قبلاته. وخطوات تنفيذ هذا:-
1. يبدأ عمل الروح القدس معنا بالأسرار.
2. يسكب الروح القدس محبة الله في قلوبنا (رو5:5). والمحبة تأتي بالمعرفة.
3. يصور لنا الابن "يأخذ مما لي ويخبركم" (يو15:16) فننجذب له لأن محبته يسهل اكتشافها من حياته وصليبه فنجد محبته أطيب من الخمر.
4. والروح القدس يثبتنا في الابن فنشتاق لأحضان الآب فيحملنا الابن لحضنه.
فالابن يستعلن الآب. وحينما نشعر بمحبة الآب نشتاق لمحبته الغافرة وأحضانه فنقول للابن عن الآب "ليقبلني بقبلات فمه". وهذه المحبة تربطنا بسلاسل محبة (آية11) وهذه السلاسل هي حفظ الوصية لأننا نحب الله (يو23:14) وهذه المحبة لا تقتصر على محبة الله بل..
ثانيًا تمتد لمحبة الإخوة فنشتاق أن تنجذب العذارى لمحبة العريس (آية4،3). بل نكتشف في آخر الإصحاح أن المحبة هي لكل الكنيسة، الكنيسة المجاهدة (الروافد آية 17) والكنيسة المنتصرة في السماء (الجوائز آية 17). فهي كنيسة واحدة مرتبطة بالمحبة، نحن نصلي لمن في الأرض ومن في السماء وهم يتشفعون فينا.
والكنيسة تشبه بيتًا واحدًا يسكن فيه المسيح (سريرنا أخضر) فتكون الكنيسة مثمرة. ولكن كيف يسكن المسيح في الكنيسة. كان لا بُد من التجسد (موضوع الإصحاح القادم) ليموت المسيح بهذا الجسد ويقوم وتسكن حياته في الكنيسة "لي الحياة هي المسيح" (في 21:1).
ملحوظة:- أما مع غير المؤمنين فيبدأ عمل الروح القدس معهم بأن يقنعهم بالمسيح أنه الرب الإله المخلص ، لأنه يستحيل أن يقول أحد أن المسيح رب إلا بالروح القدس (إر20 : 7 + 1كو12: 3). وبعد المعمودية والميرون يسكن الروح القدس في المعمد، ويبدأ الروح معه عمل آخر، أن ينمي الإيمان وهذا من ثمار الروح القدس (غل5: 22 + 23). وبالنسبة لنا جميعًا، نقول أن الروح القدس يبدأ يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5: 5) بأن يحكي لنا عمن هو المسيح "يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 15). وحينما تزداد المعرفة حقيقة نحبه ، وحين نشعر بمحبته ونبادله حبا بحب يبدأ الخوف يقل في داخلنا ويزداد في داخلنا الرجاء (رو5: 5).
تسلسل أفكار الإصحاح
آيات الإصحاح وهكذا كل الكتاب المقدس ليست جزر منعزلة عن بعضها بل هي مترابطة مسلسلة لتقدم فكرة واحدة متكاملة.
آية2:- هنا نفس سمعت عن المسيح فأحبته من سيرته. وعرفت أنه ابن الله فطلبت أن تتذوق المحبة الإلهية الأبوية.
آية3:- دخلت هذه النفس في العمق أكثر وعرفت عن المسيح أكثر. وآمنت وإعتمدت وإنسكب عليها الروح القدس الذي إنسكب على الكنيسة بفداء المسيح. والروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا إذ يكشف لنا محبته وحينها أدركت النفس سر حب المؤمنين للمسيح بل قبولهم الموت لأجله (المؤمنين هم العذارى هنا).
آية4:- مع إشتعال الحب داخل النفس طلبت الاقتراب والدخول للعمق أكثر وأكثر، بل في محبتها أرادت أن يعرف الكل عريسها الذي أحبته. وإستجاب العريس وأدخلها للفرح.
آية5:- الحياة على الأرض ليست كلها تعزيات، بل هناك حروب وتجارب وإضطهادات ضد الكنيسة وضد كل نفس. رأت النفس أن الكنيسة مضطهدة ومتألمة فترسل رسالة للآخرين غير المؤمنين، بأن لا ينخدعوا بالمظهر الخارجي. فالفرح والمجد لا يظهران خارجا بل ندركهما من خلال المخدع أي في علاقة داخلية خاصة مع العريس. وبينما هناك حروب وضيقات من الخارج، نجد التعزيات في الداخل - في المخدع.
آية6:- عدو الخير لا يترك النفس بدون أن يحاربها، وبدأت حروب الشيطان ضدها إذ بدأت الإضطهادات الدموية ضدها. بل خرج من الكنيسة هراطقة شككوها وأتعبوها. وما زالت تقول للآخرين لا تنخدعوا بهذا. بل تعترف أن هناك مشاكل وحروب من داخل الكنيسة.
آية7:- صرخت لعريسها وهي في ألامها وحيرتها وشكوكها قائلة - أنت راعي نفسي فأين أجدك، فأنا أحتاج لك - كيف أواجه هذا التشكيك، لقد إضطربت فعلا وتشككت. بل أنا في احتياج لحمايتك.
آية8:- يجيبها العريس إذهبي وتعلمي من أباء الكنيسة، ماذا قالوا وكيف علموا. وخذي من جذبتيهم للإيمان إلى الكنيسة أمكم، ولا تبرحوا كنيستكم.
آية9:- هنا يطمئن العريس عروسه بأن الحرب ضدها ومعاناتها في الحرب هو شيء طبيعي وهذا ما نسميه الجهاد. فالنفس والكنيسة في معركة مستمرة يقودها العريس. هو الفارس، والنفس هي الفرس الأبيض يقوده الفارس العريس الذي خرج غالبا ولكي يغلب.
آية10:- العريس يفرح بعروسه المجاهدة ويكافئها إذ قبلت الجهاد تحت قيادته.
آية11:- يطلب منها العريس أن تلتصق بوصاياه لتحيا في السماويات. وحياتها السماوية سوف تعزيها وتفرحها وتثبتها خلال جهادها وكرازتها بكلمة الله.
آية12:- وإذ إلتزمت العروس بالوصايا وأطاعت صارت سماء يسكن فيها عريسها السماوي. وفاحت رائحة عريسها منها.
آية13:- نرى النفس في احتمالها للألم لأجل عريسها. وهذا ينشر رائحته ورائحتها بالأكثر، ويكون سببا في فاعلية تعليمها للآخرين (الثديين للتعليم وتغذية من يسمع).
آية14:- نرى النفس هنا خلال عملها واحتمالها الصليب، وأن هذا ينشر رائحتها للآخرين. وهذا ما رأيناه في انتشار المسيحية في العالم كله أيام الإضطهادات.
آية15:- نرى هنا فرحة العريس بعروسه.
آية16:- تنفتح عينا العروس على جمال عريسها إذ إتحدت به. وصارت لها حياته فصارت حياتها وخدمتها مثمرين (سريرنا أخضر).
آية17:- هذه الوحدة التي تمت بين العروس وعريسها هي وحدة بين الكنيسة الأرضية والكنيسة السماوية. والعريس رأسا لهما إذ صارا كنيسة واحدة عروس للمسيح. العلاقة بيننا وبين المسيح حقا هي علاقة شخصية، ولكن يجب أن نفهم أنه لا معنى أن ننفصل عن الكنيسة التي أرادها الله كنيسة واحدة وحيدة، هي عروس واحدة لعريس واحد. هي فيه وهو في الآب (يو17: 20 - 23). الانفصال والانشقاق بيننا نحن الذين ما زلنا على الأرض، أو بيننا وبين السمائيين هذا ضد قصد الله. الكل واحد بالمحبة التي يضعها في الكل الروح القدس.
← تفاسير أصحاحات نشيد: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير نشيد الأنشاد 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة سفر نشيد الأنشاد |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/swhsr76